logo
الذكاء الاصطناعي يقلب المعادلة في فوضى «الحميات الغذائية»

الذكاء الاصطناعي يقلب المعادلة في فوضى «الحميات الغذائية»

الشرق الأوسطمنذ 4 أيام
قال أبقراط في عام 400 قبل الميلاد: «اجعل غذاءك دواءك، واجعل دواءك غذاءك». ومنذ آلاف السنين، أدرك الإنسان أن ما يضعه في طبقه قد ينقذ حياته أو يدمرها. لكن في عصر الخوارزميات والبيانات الضخمة، هل ما زال علم التغذية يسير على هدى؟ أم أننا نأكل بناءً على توصيات متناقضة، وصفها أحد أشهر أطباء العصر بأنها «أقرب إلى التخمين»؟
فوضى الحميات الغذائية
وسط الفوضى المتزايدة في عالم الحميات الغذائية والنصائح الصحية المتضاربة، يبرز تساؤل محوري: هل لا يزال علم التغذية يسير على أسس علمية راسخة، أم أننا أصبحنا أسرى توصيات متناقضة أقرب إلى التخمين منها إلى الدليل؟
ولم يأت وصفٌ كهذا من ناقد عابر، بل صدر عن أحد أبرز أطباء العصر، الدكتور إريك توبول (Eric Topol) طبيب القلب الأميركي الشهير، والعالم الرائد في استخدامات الذكاء الاصطناعي في الطب، ومدير معهد سكريبس للأبحاث الانتقالية (Scripps Research Translational Institute) في كاليفورنيا.
يُعد الدكتور إريك توبول من الأصوات الرائدة في إعادة تشكيل ملامح الطب الحديث، وهو أحد أبرز من تصدوا لنقد النماذج التقليدية في الرعاية الصحية. وقد ألّف عدداً من الكتب المرجعية التي أحدثت تأثيراً عالمياً، من أبرزها Deep Medicine وThe Creative Destruction of Medicine، حيث مهّد من خلالها لفهمٍ جديد لدور البيانات في التشخيص والعلاج واتخاذ القرار الطبي.
وفي 17 يونيو (حزيران) الماضي، شارك توبول بصفته ضيفاً رئيسياً في «بودكاست دولي» بثّ عبر منصة YouTube تحت عنوان:
«Shocking Truth About AI, Chronic Disease, Toxins, Diet & Lifestyle For Longevity».
«طب التغذية الرقمي»
وقدّم الباحث رؤية ثاقبة حول كيفية توظيف الذكاء الاصطناعي لتطوير استراتيجيات تغذية شخصية قائمة على تحليل شامل لنمط حياة الفرد، وتاريخه المرضي، والعوامل البيئية التي يتعرض لها.
وفي حوارٍ لافت، قال توبول: «نحن لا نحتاج إلى مزيد من الدراسات العامة، بل إلى تغذية دقيقة مخصّصة للفرد. وهذا لن يتحقق إلا من خلال الذكاء الاصطناعي الذي يربط بين بيانات الطعام الحقيقي، والجينات، والسجلات الصحية في آن واحد».
وقد دعا توبول إلى تبنّي مفهوم جديد أطلق عليه اسم «طب التغذية الرقمي» (Digital Nutrition Medicine)، وهو نهج طبي مستقبلي يمكّن الأطباء من تصميم أنظمة غذائية فائقة التخصيص، تتوافق مع الشيفرة الوراثية لكل شخص، وتاريخه الصحي، وأسلوب حياته، في محاولة للانتقال من التغذية العامة إلى التغذية العميقة والدقيقة، بمساعدة تقنيات الذكاء الاصطناعي والتحليل الجيني.
لا تكاد تمرّ أشهر قليلة حتى تنقلب قائمة «الأطعمة الصحية» رأساً على عقب: ما كان يُصنّف بالأمس غذاءً ضاراً، يتحوّل اليوم إلى عنصر مفيد، والعكس صحيح. فبعد أن وُصِفت الدهون لعقود بأنها العدو الأول للقلب، اكتُشف لاحقاً أن بدائلها من السمن النباتي غنية بدهون متحولة أشد فتكاً.
أما البيض، الذي وُضِع تحت الحظر الغذائي الصارم، عاد ليوصى به كمصدر مثالي للبروتين. وبالنسبة للكحول، تنقل في التوصيات الطبية بين كونه حامياً للقلب إلى كونه مادة مسرطِنة بلا نقاش.
هشاشة أدلة الادعاءات الغذائية
لكن ما السبب وراء هذا التخبّط؟ الجواب، ببساطة، هو هشاشة الأدلة التي تُبنى عليها كثير من هذه الادعاءات: معظم «الاكتشافات» الغذائية لا تستند إلى تجارب سريرية صارمة، بل إلى دراسات رصدية تعتمد على ما يتذكره المشاركون عن طعامهم، وهي ذاكرة كثيراً ما تتعرض للتشويش والنسيان.
ولتفكيك هذه المنهجية، لا بد من فهم المفاهيم الثلاثة التالية:
> الدراسات الرصدية أو دراسات الملاحظة (Observational Studies): تعتمد على استبيانات شاملة تسأل آلاف الأشخاص عمّا تناولوه من طعام، ثم تربط هذه البيانات بمعدلات الإصابة بأمراض معينة.
> الإبلاغ الذاتي (Self-reporting): يُفترض أن يتذكّر الأشخاص، بدقّة، ما أكلوه على مدار شهور وربما سنوات... وهي مهمة مستحيلة، حتى بعد عشاء البارحة!
> غياب العلاقة السببية (Lack of Causality): مجرد وجود علاقة بين نوع من الطعام ومرض معين لا يعني بالضرورة أن الأول تسبب في الثاني؛ فالارتباط لا يعني السببية.
ويُعلق على هذا النهج البروفسور الشهير جون إيوانيديس (John Ioannidis)، أستاذ علم البيانات الطبية في جامعة ستانفورد وأحد أبرز نقّاد البحوث العلمية في العالم، قائلاً: «كثير من الدراسات الغذائية يمثل سلسلة من الأوهام الإحصائية التي تُغذّي الإعلام أكثر مما تُغذّي العقول».
دراسات بنتائج صادمة
في خضم هذا الجدال، جاءت دراسة PURE الشهيرة والتي بدأت عام 2003 وما زالت مستمرة بقيادة البروفسور سليم يوسف من جامعة ماكماستر الكندية - وهي واحدة من أضخم الدراسات التغذوية في التاريخ - لتُحدث زلزالاً في الأوساط العلمية. فقد تابعت الدراسة أكثر من 135 ألف شخص في 18 دولة على مدى سنوات، وانتهت إلى نتيجة صادمة: السبب الأول في أمراض القلب والوفاة لم يكن الدهون، بل الكربوهيدرات، التي طالما اعتُبرت أقل ضرراً.
لم تقف المفاجآت عند هذا الحد. ففي عام 2017، كشفت دراسة كبرى نُشرت في Journal of the American Medical Association أن نحو 45 في المائة من وفيات أمراض القلب، والسكتات الدماغية، والسكري في الولايات المتحدة يمكن ربطها بعشر عادات غذائية فقط، أبرزها نقص تناول المكسرات والخضراوات الكاملة وزيادة استهلاك الصوديوم والمشروبات المحلاة. ومع ذلك، ورغم الأرقام الصادمة، فإن هذه الدراسة، كغيرها، لم تتمكن من إثبات العلاقة السببية المباشرة.
كانت الرسالة غير المعلنة صادمة بوضوحها: نحن نخسر أرواحاً كل يوم بسبب جهلنا في علوم التغذية... لكننا لا نعرف من أين نبدأ أو بمن نثق.
ثلاث دراسات حديثة
وفي هذا الشهر فقط، تصدّرت ثلاث دراسات علمية بارزة المشهد الطبي، وطرحت تساؤلات جذرية حول ما نعدّه «حقائق غذائية» ثابتة:
> هل الملح بريء (من التهم الموجهة إليه)؟ في دراسة نُشرت في مجلة Frontiers in Nutrition، توصّل فريق بحثي أميركي - صيني إلى أن ارتفاع مستويات الصوديوم في النظام الغذائي قد يُقلّل من خطر الوفاة بنسبة 11 في المائة لدى مرضى حصى الكلى، في تناقض صريح مع التوصيات الغذائية العالمية التي طالما حذّرت من الملح.
> الصويا تثير القلق لدى الأطفال: في بحث نُشر في Journal of Pediatric Urology، كشف باحثو جامعة سينسيناتي أن الأطفال الذين يعتمدون على تغذية أنبوبية تحتوي على الصويا، أظهروا مستويات مرتفعة من الأوكسالات البولية، وهو عامل خطر معروف في تكوّن الحصى الكلوية.
> نهاية «الكأس اليومي»: أعلنت مسودّة الإرشادات الغذائية الأميركية لعام 2025 حذف التوصية التقليدية التي طالما شجّعت على استهلاك الكحول «باعتدال». وهو تحوّل كبير يُنهي عقوداً من الجدل العلمي حول فوائد كأس النبيذ اليومي.
هذه الدراسات أعادت فتح ملف تاريخي طالما أثار الجدل. ففي ستينيات القرن الماضي، نشر عالم الفسيولوجيا الأميركي أنسل كيز (Ancel Keys) دراسته الشهيرة «دول السبع»، التي زعمت أن الدهون المشبعة هي الجاني الأساسي في أمراض القلب. لكن كيز استبعد عمداً بيانات من 15 دولة أخرى لم تتماشَ مع فرضيته، ورغم ذلك، تبنّت جمعية القلب الأميركية نتائجه، واندلعت «حرب الزبدة»، لتُستبدل بالدهون الطبيعية دهون صناعية (Trans fats)، قبل أن نكتشف لاحقاً أنها مسرطنة وتم حظرها عالمياً.
في تعليقه على هذه الفوضى، يقول الدكتور إريك توبول بوضوح: «ما دمنا نستمر في تقديم توصيات غذائية عامة للجميع، فستبقى الأمراض العامة تطارد الجميع. والحل الوحيد هو التخصيص الدقيق... والذكاء الاصطناعي هو المفتاح».
إننا نقف على أعتاب عصر جديد: عصر يُصمَّم فيه نظامك الغذائي لك وحدك، بناءً على جيناتك، طريقة تفاعل جسدك مع الطعام، وتاريخك الصحي الكامل. لا مزيد من الوصفات العامة. بل تغذية دقيقة... بإشراف خوارزميات ذكية. وأخيراً، آن أوان التغذية الذكية الدقيقة: زمنٌ تُقرِّر فيه الخوارزميات، لا العناوين الصحافية الصاخبة، وصفة غذائك اليومي. والخلاصة الذهبيّة أن التوصيات الكلاسيكية تنقضُّ على نفسها واحدةً تلو الأخرى.
الذكاء الاصطناعي يفتح الباب لثورة علميّة تُعيد تعريف ما هو «صحي» وفق بياناتك الحيّة، لا وفق متوسطات عامّة. والقاعدة الأهم: لا تُقصي طعاماً بلا دليل، ولا تتّبع حمية لمجرد أنّها رائجة.
في عالمٍ تتبدّل فيه النصائح مع كل موسم، قد يكون الذكاء الاصطناعي أوّل خبير تغذية يمكن الوثوق به حقاً.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

مصرع أميركي جذبه جهاز الرنين المغناطيسي لارتدائه سلسلة معدنية
مصرع أميركي جذبه جهاز الرنين المغناطيسي لارتدائه سلسلة معدنية

الشرق الأوسط

timeمنذ 7 ساعات

  • الشرق الأوسط

مصرع أميركي جذبه جهاز الرنين المغناطيسي لارتدائه سلسلة معدنية

توفي رجل في ولاية نيويورك، بعدما جذبه جهاز التصوير بالرنين المغناطيسي بقوة، عندما دخل الغرفة وهو يرتدي سلسلة معدنية ثقيلة يستخدمها في تدريبات الوزن، بحسب ما أفادت به الشرطة وزوجته، التي قالت لإحدى القنوات المحلية إنه لوَّح لها مودعاً، قبل أن يسقط جسده فجأة دون حراك. كان الرجل (61 عاماً) قد دخل غرفة التصوير بالرنين المغناطيسي، يوم الأربعاء، في مركز «ناسو أوبن إم آر آي» أثناء إجراء مسح، حيث جذبته قوة المغناطيس القوية في الجهاز بسرعة بسبب السلسلة المعدنية الثقيلة المستخدمة في التدريبات، التي كان يضعها حول عنقه، وفقاً لبيان صادر عن شرطة مقاطعة ناسو. وتوفي الرجل في اليوم التالي، وقال أحد ضباط الشرطة في المقاطعة إن الإدارة لم تحصل على إذن بالكشف عن اسم الضحية إلا اليوم (السبت)، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس». وقالت أدريان جونز - ماكاليستر، زوجة الرجل لقناة «نيوز 12 لونغ آيلاند»، إنها كانت تخضع لفحص بالرنين المغناطيسي على ركبتها، عندما طلبت من الفني أن يستدعي زوجها، كيث ماكاليستر، لمساعدتها على النزول من الطاولة. وأضافت أن الفني استدعى زوجها إلى الغرفة، وكان حينها يرتدي سلسلة معدنية يبلغ وزنها نحو 20 رطلاً (حوالي 9 كيلوغرامات) تستخدم في التدريبات. وتابعت: «في تلك اللحظة تماماً، جذبه جهاز الرنين المغناطيسي بسرعة، واستدار جسده وارتطم بالجهاز».

هل نحتاج فعلاً إلى مساحيق البروتين لبناء عضلات قوية؟.. دراسة تكشف مفاجأة
هل نحتاج فعلاً إلى مساحيق البروتين لبناء عضلات قوية؟.. دراسة تكشف مفاجأة

الرجل

timeمنذ 11 ساعات

  • الرجل

هل نحتاج فعلاً إلى مساحيق البروتين لبناء عضلات قوية؟.. دراسة تكشف مفاجأة

في موسم الصيف، تزداد وتيرة الإقبال على التمارين الرياضية وتحسين نمط التغذية، ويترافق ذلك مع تصاعد شعبية البروتين شيك، الذي بات جزءًا من الروتين اليومي لكثير من المؤثرين في مجال اللياقة، لكن ما مدى الحاجة الحقيقية لهذه المساحيق؟ وما الفرق بينها وبين مصادر البروتين الغذائية؟ البروتين يُعد حجر الأساس في بناء الخلايا والأنسجة والهرمونات والإنزيمات، وله دور رئيسي في تقوية العضلات ودعم المناعة. ويمكن الحصول عليه من اللحوم، الألبان، البيض، الأسماك، البقوليات، والحبوب الكاملة، في حين تختلف جودة البروتينات النباتية مقارنة بالحيوانية من حيث تركيب الأحماض الأمينية. كم نحتاج من البروتين يوميًا؟ توصي المؤسسات الطبية بتناول 0.8 غرام من البروتين لكل كيلوغرام من وزن الجسم يوميًا، لكن بعض الدراسات تشير إلى أن الرقم الأمثل قد يكون 1.2 غرامًا، ويصل إلى غرامين يوميًا لدى الرياضيين. ويؤكد الباحث في علوم الأيض، غريغ ناكولز، أن احتياجات الرياضيين تتزايد نتيجة التلف العضلي الناتج عن التمارين المكثفة. وتشير الدراسات إلى أن توزيع استهلاك البروتين على مدار اليوم، وتناوله خلال ساعتين بعد التمرين، يمنح العضلات فرصة أفضل للنمو والتعافي. ويُفضل إدراج البروتين في الإفطار، الغداء، العشاء والوجبات الخفيفة لضمان الاستفادة القصوى. وتُصنّع معظم المساحيق من مصل اللبن أو الكازين، أو من بروتينات نباتية مثل الصويا والبازلاء، وتُضاف إليها مكسبات طعم، سكريات، محليات اصطناعية، وأحيانًا فيتامينات وألياف. ورغم اعتبارها آمنة لمعظم البالغين، فإن الإفراط في استخدامها قد يضر بالكلى، خاصة لمن يعانون أمراضًا مزمنة أو في حالات الحمل، كما أنها قد تسبب اضطرابات هضمية أو زيادة غير صحية في الوزن. هل مساحيق البروتين ضرورية؟ يرى خبراء مثل برادلي شونفيلد، أستاذ علوم الرياضة وبطل كمال أجسام سابق، أن المساحيق لا تحمل مفعولًا سحريًا، وليست أفضل من الأطعمة الكاملة، لكنها خيار عملي لمن يصعب عليهم استهلاك الكمية الموصى بها يوميًا من الغذاء، أو لمن يتبعون نظامًا نباتيًا محدودًا. ويؤكد ناكولز أن البروتين في المساحيق لا يختلف عن غيره، لكنه قد يكون حلًا سريعًا في حالات الضرورة: "أنا شخصيًا أحتفظ بعلبة منه في المطبخ لاستخدامها عند الحاجة".

هل يكفي أن تكون سعيدًا أو صاحب هدف؟ دراسة تكشف بُعدًا جديدًا للحياة الجيدة
هل يكفي أن تكون سعيدًا أو صاحب هدف؟ دراسة تكشف بُعدًا جديدًا للحياة الجيدة

الرجل

timeمنذ 14 ساعات

  • الرجل

هل يكفي أن تكون سعيدًا أو صاحب هدف؟ دراسة تكشف بُعدًا جديدًا للحياة الجيدة

تقترح دراسة حديثة مفهومًا جديدًا للحياة الجيدة يُضاف إلى بُعدَي السعادة والمعنى، وهو "الغنى النفسي" (Psychological Richness)، الذي يقوم على خوض تجارب متنوّعة وغير متوقعة تُحفّز التفكير وتُثير الفضول، حتى وإن كانت صعبة أو تفتقر إلى المعنى الظاهري. وتشير النتائج إلى أن شريحة من الناس حول العالم تفضل هذا النوع من الحياة لما يمنحه من تغيير في النظرة للأشياء وفهم أعمق للواقع. وقد قاد هذا البحث الدكتورة إيرين ويستغيت من جامعة فلوريدا بالتعاون مع البروفيسور شيغيهيرو أوئشي من جامعة شيكاغو، ونُشرت نتائجه في مجلة Trends in Cognitive Sciences. كيف تختلف الحياة الغنية نفسيًا عن السعادة أو المعنى؟ توضح الدراسة أن الغنى النفسي لا يعني بالضرورة الشعور بالمتعة أو تحقيق الغاية، بل يعني الانفتاح على تجارب تُحدث تحولات داخلية عميقة. تقول ويستغيت: "قد يمر الإنسان بتجربة مثل الدراسة الجامعية أو مواجهة إعصار، وهي ليست ممتعة أو هادفة بالضرورة، لكنها تغيّره فكريًا". وتتابع: "القراءة المؤثرة، أو الاستماع إلى عمل موسيقي عميق، يمكن أن يُحدثا نفس الأثر النفسي دون الحاجة إلى أحداث درامية كبرى". وفي دراسات أجراها فريق ويستغيت على طلاب جامعيين خلال تعرضهم لأعاصير، وُجد أن كثيرًا منهم وصف التجربة لاحقًا بأنها غنية نفسيًا، لأنها بدّلت نظرتهم للحياة رغم قسوتها. لماذا قد يختار البعض الغنى النفسي على السعادة أو المعنى؟ تعود جذور هذا المفهوم إلى عام 2015، حين بدأ الباحثان العمل على تطوير مقياس علمي لرصد هذا النوع من التجارب. ثم طُرح مصطلح "الحياة الغنية نفسيًا" لأول مرة عام 2022، قبل أن يتوسّع في الدراسة الجديدة التي أثبتت أن الفكرة تلقى صدى واسعًا عبر ثقافات متعددة. تقول ويستغيت: "في علم النفس والفلسفة، ركزنا دائمًا على السعادة أو المعنى، لكننا ننسى أن هناك مسارًا ثالثًا لا يقل أهمية". ورغم أن معظم الناس يسعون للحصول على السعادة والمعنى والغنى معًا، إلا أن الحياة الغنية نفسيًا تتطلب التخلي أحيانًا عن الراحة والوضوح لصالح تجارب أكثر تعقيدًا وعمقًا. وتختم الباحثة بقولها: "بعض التجارب التي لا نتوقّعها، هي التي تغيّرنا حقًا. الغنى النفسي لا يدعو للهروب من الألم، بل للانفتاح على الحياة بكل ما فيها من مفاجآت فكرية وإنسانية".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store