logo
إيران وترامب بين صفقة الإذعان وخدعة الردع

إيران وترامب بين صفقة الإذعان وخدعة الردع

العربي الجديدمنذ 8 ساعات

جاء إعلان طهران امتلاكها آلاف الوثائق "الإسرائيلية النووية الحساسة" في لحظة مشبعة بالإشارات والدلالات، وتوقيت لا يمكن قراءته خارج سياق التعثّر في المسار التفاوضي مع الولايات المتحدة، وتصاعد اللهجة الإسرائيلية التي تلوّح بإمكانية التحرك العسكري. في هذا النوع من اللحظات، تتحرّك السياسة الإيرانية وفق إيقاع محسوب، يستثمر أوراق القوة أدوات ضغط وتوجيه، لا وسائل للعرض أو التأكيد. ومن داخل هذه المعادلة المعقّدة، تتبدّى استراتيجية طهران محاولةً مدروسة لاستعادة المبادرة، وسط حقلٍ متشابكٍ تتقاطع فيه مصالح ومخاوف قوى نافذة تمتد من تل أبيب إلى واشنطن، مروراً بموسكو التي تُراقب بحذر، وتحاول أن تبقى في قلب المعادلة من دون الانجرار إلى واجهتها.
لا تتحرّك إيران بثقة استراتيجية مطلقة، وما يظهر على السطح من إصرار برلماني على رفض أي اتفاقٍ لا يشمل رفع العقوبات، ليس بالضرورة أن يكون موقفاً نهائياً، بقدر ما هو إحدى أدوات التفاوض التي تشتبك فيها الضرورات الداخلية مع متطلبات الخطاب الخارجي. النظام الإيراني، وهو يواجه إرثاً من العقوبات والرهانات المكلفة، لا يزال يبحث عن توازن هشّ يتمثل في إقناع الداخل بأن مقاومته كانت مُجدية، وأن يُخاطب الخارج بوجه يمكن الوثوق به، من دون أن يُظهِر هشاشته أو يتنازل علناً. وبين هذَين الحدَّين، تتقلّب اللغة السياسية الإيرانية، فتبدو أحياناً شديدة الصلابة، لكنها تُخفي غالباً قلقاً وجودياً من تآكل الفعالية التفاوضية، ومن اتساع الفجوة بين ما يُقال وما يمكن تحقيقه فعلياً.
ما يهمّ هنا ليس ما تقوله طهران فحسب، وإنما متى وكيف ولماذا تقوله، فالإعلان عن الحصول على وثائق إسرائيلية متعلّقة بالمرافق النووية يأتي في لحظةٍ تفاوضية دقيقة، تزامناً مع ارتفاع أصواتٍ في إسرائيل تهدّد بالخيار العسكري، ما يشي بأنّ الرسالة ليست بالضرورة موجّهة إلى إسرائيل فحسب، بقدر ما تشمل أيضاً الولايات المتحدة، فإذا كان الردع الإسرائيلي يقوم على الغموض، فإنّ طهران تسعى إلى كسره بالإفصاح، من دون أن يعني ذلك أن الإفصاح يحمل بالضرورة مضموناً عملياً متكاملاً؛ فقد يكون مجرّد ورقة تفاوضية أُطلقت بقصد رفع الكلفة النفسية على الطرف الآخر.
تتقاطع اللحظة الإيرانية مع منطق ميكافيلي في التلويح بالقوة لأجل تحصين الموقع
وإذا كان الإعلان عن الوثائق قد مثّل ذروة التصعيد الرمزي في الخطاب الإيراني، فإن ما يُحيط به من مواقف وتصريحات رسمية يُظهر مفارقة تستحق التأمل، فالنبرة الهجومية التي تُهيمن على السطح لا تعكس، بالضرورة، ثقة استراتيجية، بل تحجب خلفها اضطراباً تكتيكياً محسوساً. إذ تبدو طهران متردّدة بين استثمار ورقة التخصيب النووي أداة لتحسين موقعها التفاوضي، والخشية من الوصول إلى نقطة يصعب التراجع عنها دبلوماسياً من دون كلفة عالية. ولا يقفل الخطاب، بهذا المعنى، الباب على التسوية، بل يُبقيه موارباً، محاولاً التوفيق بين الإظهار الإعلامي للقوة وضرورات المناورة الهادئة خلف الكواليس.
ما يظهر في الخطاب الإيراني من جهوزية للتفتيش، كما في تصريحات الرئيس بزشكيان، لا يُناقض التصعيد الظاهري بقدر ما يُكمّله ضمن منطقٍ مألوفٍ في الأنظمة التي تتقن توظيف لغة التهديد من دون القفز إلى نهاياتها. هذه هي استراتيجية "الاستعراض القابل للتراجع"، حين يكون المقصود بالتصعيد إيجاد مساحة تفاوض أكثر اتساعاً، على نحوٍ يُذكّر بما يسميه توماس شيلينغ في نظريته عن "التهديد القابل للضبط"، إذ تكون فعالية التهديد نابعةً من قابليته للإدارة، لا من حتميته، فكلما كان التهديد قابلاً للتراجع ازداد وزنه التفاوضي، شريطة أن يبقى محكوماً بغموض مدروس. وفي هذا المعنى، تتقاطع اللحظة الإيرانية مع منطق ميكافيلي في التلويح بالقوة لأجل تحصين الموقع، ومع قلق توماس هوبز من الدولة التي لا ترى الاستقرار إلّا بوصفه تهديداً لكيانها. إنها دولة مأزومة، لكنّها تعرف كيف تُخفي هشاشتها خلف ضوضاء القوة.
إيران حذرة من تكرار تجربة العراق، وجريئة في محاكاة كوريا الشمالية، لكن ضمن حدودها الجغرافية والدينية والأمنية المختلفة
لقد باتت عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض تمثل عودةَ منطقٍ مختلف في إدارة الملفات الدولية، خصوصاً الملف النووي الإيراني، فخلافاً لنهج سلفه بايدن الذي حاول، خلال عامَين من رئاسته، إنعاش الاتفاق النووي عبر قنوات دبلوماسية غير مباشرة ومرنة، يتّبع ترامب حالياً سياسة "الصفقة الكبرى أو لا شيء"، وهي ذاتها التي أعلنها مراتٍ في ولايته الأولى، لكنها هذه المرّة مدعّمة بتجربة حكم سابقة وبديناميات أكثر جرأة. غير أن ما يستحق الانتباه في هذا التحوّل لم يكن عودة "الصفقة الكبرى" فحسب، وإنما التحوّل في شروطها وحدّتها، كما يظهر في طبيعة الخطاب الجديد. في الخطاب الترامبي المعاصر، تغيب تماماً فكرة "المرونة التبادلية" أو "التفاهم المرحلي"، إذ تُصوَّر أي تسوية لا تؤدّي إلى تفكيك مشروع امتلاك إيران أسلحة نووية، وكبح نفوذ طهران الإقليمي تنازلاً استراتيجياً غير مقبول، بل خيانة لمفهوم القوة الأميركية. وفي هذا السياق، لا يُفهم تصريح مساعد وزير الخارجية الأميركي السابق ديفيد شينكر، أخيراً عن "تفضيل ترامب الحلّ الدبلوماسي" بوصفه انفتاحاً على تفاهم تقليدي، وإنما يحتاج قراءة أكثر دقة؛ فلا يُقصد بـ"الحلّ الدبلوماسي" في السياق الترامبي تفاوضاً ندّياً أو تسوية مرحلية، بل صفقة قائمة على فرض الشروط مسبقاً، وانتظار القبول بها من دون تعديل؛ أشبه بإعلان نيّات نهائية، لا بمحادثة تفاوضية فعلية.
يندرج هذا النمط ضمن ما تسمّيها أدبيات العلاقات الدولية "التفاوض غير المتكافئ" أو "التفاوض السلطوي"، إذ يُفرَض الشكل والمضمون مسبقاً من الطرف الأقوى، ويُختَزل التفاوض إلى قبول أو رفض، لا إلى نقاش تفاعلي حول المصالح. في هذا الإطار، يصبح الخطاب الترامبي أقرب إلى آلية إذعان مهيكلة، مِنهُ إلى سياسةٍ خارجية تفاوضية بالمعنى التقليدي. وإذا كان النظام الإيراني قد استطاع طوال عقود أن يُعيد تعريف نفسه في كل أزمة (من الحرب العراقية حتى الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي)، فإنه اليوم، بعد أن صار يمتلك أدوات الردع والخرق الاستخباراتي، يواجه اختباراً جديداً يتمثل في مدى استطاعته أن ينتج سردية عقلانية مقنعة للعالم تبتعد عن الإنكار والتهديد، وتُبنى على منطق استراتيجي يوفّق بين الحضور الإقليمي والشرعية الدولية.
لا يمكن قراءة الملف النووي الإيراني من دون استحضار تجربة كوريا الشمالية التي شكّلت في وعي المؤسّسة الأميركية نموذجاً للفشل الدبلوماسي والانتصار الاستراتيجي للخصم
ولا يمكن قراءة الملف النووي الإيراني من دون استحضار تجربة كوريا الشمالية التي شكّلت في وعي المؤسّسة الأميركية نموذجاً للفشل الدبلوماسي والانتصار الاستراتيجي للخصم. وقد انتهت بيونغ يانغ، التي انخرطت عقوداً في مفاوضات متعدّدة الأطوار مع واشنطن، إلى امتلاك سلاح نووي فعلي، وفرضت معادلة ردع أصبحت مقبولة دولياً بحكم الأمر الواقع. والقلق الأميركي الصامت، لكنّه حاضر بقوة، أن تتحوّل إيران إلى "كوريا شمالية بنكهة شرق أوسطية"؛ دولة محاصرة، لكنها مسلّحة نووياً. هذا السيناريو هو ما يدفع واشنطن إلى التمسك بمبدأ التجريد الكامل والنهائي من القدرة على امتلاك سلاح نووي، ولكن المفارقة أن ترامب نفسه، حين واجه الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون في ولايته الأولى، اختار خطاب "الرجل القوي" ثم انتقل إلى لغة المديح من دون أن يحقق أي إنجاز استراتيجي ملموس. ورغم ذلك، ظلّ يعتبر تلك التجربة "انتصاراً تكتيكياً" لأنه حيّد الصدام من دون حرب. ويغري الدرس الكوري، بقدر ما يُخيف واشنطن، طهرانَ؛ فهي دولة تحدّت النظام الدولي، ونجحت في فرض معادلة جديدة من دون أن تُلغى، وهذا ما يجعل إيران حذرة من تكرار تجربة العراق، وجريئة في محاكاة كوريا الشمالية، لكن ضمن حدودها الجغرافية والدينية والأمنية المختلفة.
أي حديث عن تفاهم نووي محتمل لا بدّ أن يُقرأ ضمن سياق جديد؛ هل يمكن لطهران أن تبتكر لغة تفاوضية لا تُفهم بوصفها خضوعاً، ولا تُترجم بوصفها تهديداً مباشراً؟... هذا هو التحدّي الأكبر أمام الدبلوماسية الإيرانية اليوم، في شروط ملف التفاوض النووي، وفي هوية اللغة السياسية نفسها.

هاشتاغز

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

تلك الأسئلة بشأن حلّ "الإخوان المسلمين" في الأردن
تلك الأسئلة بشأن حلّ "الإخوان المسلمين" في الأردن

العربي الجديد

timeمنذ 2 ساعات

  • العربي الجديد

تلك الأسئلة بشأن حلّ "الإخوان المسلمين" في الأردن

ثبت أن المخابرات الأردنية هي الأشدّ ذكاء ودهاءً على المستوى العربي، أو ربّما على المستوى الإقليمي، فقد استطاعت أن تحيّد جماعة الإخوان المسلمين بهدوء، لم يرافقه أيّ احتجاج من الجماعة، بل قابلت الجماعة ذلك بانسحاب ناعم وصمت مطبق، فلم يظهر أيّ من قيادييها للحديث أو التعقيب أو الاحتجاج، بل رأينا تصرّفاتٍ في غاية الغرابة، إذ بادر المراقب العام للجماعة، مراد العضايلة، بتعديل صفحاته في وسائل التواصل الاجتماعي بحذف صفة "المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين"، التي كانت تتصدّر منصّتي فيسبوك وإكس. وتبع ذلك مؤتمر صحافي لقيادة حزب جبهة العمل الإسلامي، التي تعتبر الذراع السياسي للجماعة، لتعلن عدم علاقتها بالجماعة، وأنها مستقلّة إدارياً ومالياً عنها، علماً أن بعض قيادييها يشغل مواقع قيادية بالجماعة في الوقت نفسه. ليس الحديث هنا عن أيّ جماعة في الأردن، إنه عن جماعة كبيرة، نشأت تقريباً مع نشأة الدولة، فقد جاوزت الثمانين عاماً من عمرها. والدولة اليوم تحتفل بعيد استقلالها التاسع والسبعين، وهذا يعني أنها تأسّست قبل الاستقلال، وقد كانت أعوام وجودها حافلةً بأعمال كبيرة، استطاعت خلالها أن تثبت وجودها في ميادين الحياة الأردنية ومناحيها كلّها، تاركةً في كلّ ميدان منها بصماتها الكبيرة، فحضرتْ بقوة في الحياة السياسية من خلال البرلمان والمشاركة (أحياناً) في الحكومات، وفي الحياة النقابية، ففازت بانتخابات نقابات كبيرة، كالمهندسين والمحامين والمعلّمين والأطبّاء، فترات متعاقبة، وفي العمل البلدي، إذ فازت بانتخابات أكبر البلديات في المملكة، مثل الزرقاء وإربد والطفيلة، وفي العمل الدعوي والخيري والاجتماعي والتربوي، فقد أسّست الجمعيات والمراكز والمدارس والكليّات والجامعات المنتشرة في كلّ المحافظات والمدن والقرى والبوادي الأردنية، كما أنها لم تغب من الحياة الطلابية بالسيطرة الكاملة على الاتحادات والجمعيات الطلابية، في الجامعات الحكومية وغيرها. هذا الحضور الفاعل والمتميّز، والتاريخ الوطني المشرّف للجماعة، لم يشفعا لها أن تتلقّى موتاً رحيماً على يد الأجهزة الأمنية. ومن جهة أخرى، لم تحدث ضجّة تذكر والحكومة تتّخذ قرارها بحلّها وحظرها ومصادرة ممتلكاتها واعتقال بعض قياداتها. لماذا؟ قرار الحلّ متّخذ منذ عام 2020، لكن الحكومة لم تحرّك ساكناً في تنفيذه، بل تركت الجماعة في حال سبيلها، تتحرّك كما كانت، الأمر الذي رأته الجماعة يعكس قوة وجودها، وبالتالي، كان ظنّ قياداتها وعناصرها أن الدولة لن تُقدم على أمر من شأنه أن يطيحهم، فلم تتخذ الجماعة أيَّ إجراء قانوني أو تدخل في مناورة سياسية، أو حتى تبرم أمراً تنظيمياً في مواجهة هذا القرار المتّخذ والمجمّد مؤقتاً، كأن تفكّر في بديل مناسب يضمن وجودها واستمرارها، حال نفّذت الدولة القرار وفعلته. ومن تلك الخيارات مثلاً أن تفتح خطّاً مع جمعية جماعة الإخوان المسلمين، وهم المجموعة التي ذهبت من قبل إلى تصويب وضع الجماعة القانوني. لم تقف الجماعة مع قرار الحلّ والحظر (قبل تنفيذه) وقفةً جادّةً، بعيداً عن الحالة الخطابية الحماسية، التي أكّد فيها المراقب العام حينها أن بيوت الأردنيين مقرّات مفتوحة للجماعة. ولا يحلّ هذا الخطاب الحماسي المشكلة، ولا يقدّم ولا يُؤخّر. المخابرات الأردنية لا ترى الجماعة مؤهّلةً لأن تكون طرفاً في حوار أو اتفاق مستقبلي كانت جماعة الإخوان المسلمين في الأردن بحاجة إلى مبادرات كبيرة، تلتقط فيها الأنفاس، وتتجاوز الأشخاص، وتقدّم المصلحة العامّة، وهذا ما لم يحدث. ما يعكس بوضوح طريقة التفكير لدى قيادة الجماعة، التي لم تتردّد، في الوقت نفسه، بفصل مجموعة كبيرة من "الإخوان" الوازنين، ولم تسعَ إلى استيعابهم، وتجسير الهوّة معهم، ولا إلى الوصول لحلول وسط تجمعهم حفاظاً على متانة الدعوة وقوتها، بل كنتَ تشعر أحياناً أن القيادة كان تستهدف وجود هؤلاء الإخوة من قيادات الجماعة التاريخية، فقد كانت تلجأ إلى أسلوب المناكفات في كثير من مواقفها وقراراتها، وقد واكبتُ كثيراً من تلك المواقف، التي كانت تهدف للوصول إلى نقطة مشتركة للحفاظ على صفّ الجماعة. وهذه المصيبة التي أصابت الجماعة أذهبت ريح الجميع، من فصلوا منها، ومن ظلوا فيها، لأنها سنّة قرآنية ثابتة لا تجامل ولا تحابي: "ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم". ... نعم هذه هي النتيجة الحتمية، الفشل وذهاب الريح؛ "الهيبة والمهابة"، فالذين فصلوا وذهبوا لتأسيس أطر جديدة، لم يستطيعوا أن يكونوا بديلاً مناسباً، ولا أن يشكّلوا حالةً مقبولةً، جاذبةً ومؤثّرةً. والذين بقوا داخل التنظيم، وعرفوا بالجماعة الشرعية، فقدوا كثيراً من جاذبيّتهم وتأثيرهم ووزنهم. وليس صحيحاً أن الجماعة تنفي خبثها، وليس صحيحاً أن من فُصلوا منها هم الخبث، ومن بقي هم الثلة الخيّرة. للأسف، كانت مثل هذه المقولات تلقى رواجاً داخل الجماعة، وبالتالي، يغلقون أبواب الحوار والتواصل الذي من شأنه رأب الصدوع، والدخول في حالة إنكار ورفض عجيبة لأيّ نقد أو نصح، لأنهم يروْن أنفسهم في أحسن حال، ويستشهدون بنتائج الانتخابات النيابية أخيراً، والتي حقّقت فيها الجماعة فوزاً كبيراً بوصفها كتلةً نيابيةً، الأمر الذي أورث الجماعة مزيداً من الغرور والركون، ما جعلها تغفل عن القرار المتّخذ والمجمّد مؤقّتاً، والمبيّت ضدّها إلى حين. في هذه الظروف، التي لم تكن تخفى على أحد، فضلاً عن جهاز المخابرات الذي يتابع التفاصيل، ويتحيّن الفرصة المناسبة لتنفيذ قرار الحلّ والحظر وتفعيله، بطريقة لا تُحدث ردّات فعل من أيّ نوع على قرار "الإجهاز على الجماعة"، خصوصاً أن ثمّة عاملاً خارجياً دولياً إقليمياً ضاغطاً وغير مرتاح لوجود الجماعة في الأردن، وضدّ هذه المساحة المعطاة لها، وازداد هذا العامل الضاغط قوةً بعد 7 أكتوبر (2023)، والذي شهد ميلاد "طوفان الأقصى"، وقد سبق أن أُخبرت القيادة بهذا الضغط من أعلى السلطات في الدولة. وواضح أن دائرة المخابرات العامّة لم ترد أن توجّه للجماعة ضربة عادية، تحفظ لها صورتها وتاريخها المشرّفين في أذهان الناس، بأن يكون الحلّ قانونياً، أي بسبب عدم تصويب أوضاعها القانونية، بل أرادت أن تغتالها وتاريخها ورموزها، وتعمل على تشويهها تماماً. وكان ذلك واضحاً من خلال إعلان الخلية "الإرهابية" كما وصفت، وبثّ اعترافات أفرادها التي أكّدوا فيها أنهم أعضاء في الجماعة، ولبعضهم مواقع قيادية فيها. ومن خلال الحملة الإعلامية التي شهدت مقابلات ولقاءات ومقالات تحريضية ساخطة، مع تغييب الرأي الآخر تماماً. كانت الضربة الموجّهة من المخابرات إلى الجماعة ضربة أمنية بامتياز "إنها تستهدف أمن البلاد واستقرارها"، فهل كانت الدولة الأردنية، ممثّلةً بحكومتها وأجهزتها الأمنية، مضطرّة لأن تتعامل مع الجماعة بهذه الطريقة الأمنية الحادّة جداً، لترضي العامل الخارجي الضاغط بقوة لإنهاء ملفّ الجماعة؟... لم تكن الدولة بحاجةٍ إلى هذا التصعيد ضدّ الجماعة، ولا أن تتعامل معها بوصفها ملفّاً أمنياً، لعدة أسباب: أولها أن الجماعة ليست طارئةً على البلد، فهي ليست وليدة سنوات معدودة، بل واكبت (كما ذُكِر) الدولة والنظام في نشأته وتأسيسه. وثانياً، لطبيعة العلاقة بين الجماعة والنظام، التي اتسمت بالقبول والاحترام، ولم تشكّل الجماعة يوماً تهديداً للنظام. بل بالعكس، كانت حليفاً مهمّاً له في بعض مفاصله الخطيرة، وصرّحوا في حضرة الملك ذات يوم: "قد نختلف معك، لكننا لا نختلف عليك". وهناك (ثالثاً) وضوح منهجهم الإصلاحي المؤمن بالاعتدال والوسطية، ونبذ اللجوء إلى استخدام القوة والعنف والانقلابات. ورابعاً، لانتشارهم الواسع في كلّ محافظات المملكة، ووجودهم الكبير في كلّ مفاصل الدولة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية والخيرية والمدنية والطلابية. ومن جانب آخر، لم ترق الرواية الأمنية، مع كلّ ما رافقها من محسّنات وحملات إعلامية، إلى مستوى التصديق والقبول، لا محلّياً ولا خارجياً، وكل ما تسنّى لكاتب هذه المقالة الاطلاع عليه، يشكّك في هذه الرواية، ويميل إلى عدم تصديقها، إذ إني فوجئتُ بأن لدى كثيرين من عامّة الناس هذا التشكيك وعدم التصديق. ولو أن الدولة تعاملت مع ملفّ الجماعة ملفّاً قانونيّاً، أظنّ أن الأمر سيبقى في أطره القانونية، ولن يذهب بعيداً في تفسيراته وظنونه المشكّكة بمصداقيته، ولأدّت الرسالة والغرض، من دون أن ندخل المجتمع في جدلية عجيبة، انقسم الناس فيها بين متّهم وبريء، ووطني ومارق على الوطن. لم تكن الدولة الأردنية بحاجة إلى أن تتعامل مع "الإخوان" ملفّاً أمنياً، فالجماعة ليست طارئةً على الوطن والسؤال الذي يلحّ بالوقوف عنده، بعد السؤال السابق للدولة عن طبيعة وكيفية استهدافها للجماعة، هو سؤال آخر للوقوف على سبب صمت قيادة الجماعة حيال هذا القرار: هل صمت القيادة الإخوانية، وغيابها عن المشهد برمّته وكأنها "فصّ" ملح وذاب، وهي القيادة التي عرفت بأنها تمثّل الجناح المتشدّد "الصقوري" في الجماعة، والذي كان يأخذ على الجناح الآخر مهادنته وليونته في الخطاب والسلوك، هل صمتهم هذا نتيجة اتفاق مسبق أو تهديد مقلق؟ هل صمتوا اتفاقاً وتكتيكاً وتقديماً لمصلحة البلد، حتى تحقّق الحملة ضدّهم أهدافها، فتأتينا المنحة الأميركية كاملةً على سبيل المثال؟ أم هل صمتوا خوفاً من تهديدات أن تتسع دائرة الملاحقات والاعتقالات والمحاكمات، فلا يكتفى عندئذ بحظرها وحلّها ومصادرة ممتلكاتها، بل تُعلَن جماعةً إرهابيةً، وهذا إعلانٌ له متطلبات ثقيلة؟ أو أن الحملة ستمتدّ وتتسع حتى تصل خيوطها إلى حزب جبهة العمل الإسلامي؟ أتوقّع أن سكوت قيادة الجماعة وغيابها، والذي كان محلّ استغراب وتعجّب عند الجميع، وعند أعضاء الجماعة قبل غيرهم بخاصة، أنه كان نتيجة تهديد ووعيد من دائرة المخابرات بتوسيع نطاق حملتها إن خرج القوم وتكلّموا، ولن يُكتفى حينها بالحظر والحلّ، بل ستدرج الجماعة في قوائم الإرهاب. أمّا احتمال وجود اتفاق بين الطرفَين، فأظنّ أن الدائرة العامّة للمخابرات لا ترى الجماعة (بوضعها الذي آلت إليه) مؤهّلةً لأن تكون طرفاً في حوار أو اتفاق مستقبلي، وأرادت أن تستغلّ هذه الفرصة كي تغلق ملفّ الجماعة بالكامل. سكوت قيادة الجماعة عن قرار حلّ الجماعة، والتزامها الصمت، إقرار به وانصياع له، وتوقيعٌ صامتٌ على ورقة انتهائها. وهذا يسجلّ في سجلّ هذه القيادة الممتدّة لجناح الصقور، والتي بدأت بقيادة همّام سعيد، دورتَين متتاليتَين، شهدت الفترة الثانية منهما انقسام الجماعة وبعثرتها، ثمّ جاءت قيادة مراد العضايلة، بعد أن ترك قيادته أميناً عامّاً لحزب جبهة العمل الإسلامي قبل انتهاء مدّته، ليزاحم على قيادة الجماعة، التي فاز بها بفارق صوت، لتشهد فترته تنفيذ قرار حظر الجماعة وحلّها. وهكذا، يُسجّل لمن في جناح الصقور (حفظهم الله!) في فترات قيادتهم انشقاق الجماعة أولاً، وإنهاء وجودها، وإسدال الستار النهائي على وجودها في الأردن ثانياً. والله غالب على أمره...

رئيس كوريا الجنوبية السابق يستعد لحضور الجلسة السادسة من محاكمته بتهمة التمرد
رئيس كوريا الجنوبية السابق يستعد لحضور الجلسة السادسة من محاكمته بتهمة التمرد

القدس العربي

timeمنذ 2 ساعات

  • القدس العربي

رئيس كوريا الجنوبية السابق يستعد لحضور الجلسة السادسة من محاكمته بتهمة التمرد

سول: من المقرر أن يحضر الرئيس الكوري الجنوبي السابق، يون سوك-يول، اليوم الاثنين، الجلسة السادسة من محاكمته بتهمة التمرد، في أول ظهور علني له منذ الانتخابات الرئاسية التي جرت في 3 يونيو/حزيران. وذكرت وكالة أنباء 'يونهاب' الكورية الجنوبية أن الجلسة ستُعقد في الساعة 15:10 صباحًا (02:15 بتوقيت غرينتش) في محكمة منطقة سول المركزية، حيث يُتوقَّع أن يمر الرئيس السابق أمام الصحافيين لدى دخوله المبنى. ويواجه 'يون' اتهامات بقيادة التمرد وإساءة استخدام السلطة من خلال محاولته الفاشلة فرض الأحكام العرفية في ديسمبر/كانون الأول الماضي، وهي الحادثة التي أدت لاحقًا إلى عزله من منصبه. وقد أُجريت انتخابات رئاسية مبكرة لاختيار خليفته الأسبوع الماضي، وتولى الفائز، خصمه السياسي 'لي جيه-ميونغ'، المنصب على الفور. ومن المقرر أن يمثل 'لي سانغ-هيون'، القائد السابق للّواء القوات الخاصة الجوية، للشهادة في المحكمة للمرة الثانية على التوالي. وكان 'لي' قد أدلى بشهادته خلال الجلسة السابقة، مؤكدًا أنه في يوم محاولة فرض الأحكام العرفية، سمع أن 'يون' أمر قائد قيادة الحرب الخاصة للجيش بسحب النواب من مبنى الجمعية الوطنية، حتى لو تطلب الأمر كسر الأبواب. وفي حال إدانته بتهمة التمرد، قد يواجه 'يون' عقوبة قصوى تصل إلى السجن المؤبد أو الإعدام. (د ب أ)

اشتباكات في لوس أنجلوس عقب نشر الحرس الوطني وسط تصاعد الغضب من مداهمات الهجرة- (فيديوهات)
اشتباكات في لوس أنجلوس عقب نشر الحرس الوطني وسط تصاعد الغضب من مداهمات الهجرة- (فيديوهات)

القدس العربي

timeمنذ 2 ساعات

  • القدس العربي

اشتباكات في لوس أنجلوس عقب نشر الحرس الوطني وسط تصاعد الغضب من مداهمات الهجرة- (فيديوهات)

لوس أنجلوس- 'القدس العربي': تواصلت الاشتباكات في مدينة لوس أنجلوس مساء الأحد، بين قوات الشرطة ومتظاهرين غاضبين من حملة المداهمات الفيدرالية ضد المهاجرين، في وقت أعلنت فيه الشرطة تجمّعًا غير قانوني أمام مركز الاحتجاز الفيدرالي، واعتقلت العشرات، بينما وُصف الوضع في المدينة بأنه على حافة الانفجار. ووصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي أمر بنشر 2000 عنصر من الحرس الوطني في المدينة دون تنسيق مع سلطات الولاية، المحتجين بأنهم 'عصابات تمرّد'، في سابقة لم تحدث منذ عام 1965 من حيث نشر قوات دون طلب من حاكم الولاية. وقال ترامب، عبر منصته 'تروث سوشيال'، إنه 'وجّه وزيرة الأمن الداخلي كريستي نويم، ووزير الدفاع بيت هيغسث، والنائب العام بام بوندي، لاتخاذ كل الإجراءات الضرورية لتحرير لوس أنجلوس من غزو المهاجرين ووضع حد لهذه الفوضى'. وأضاف: 'سيُعاد فرض النظام، وسيُطرد غير الشرعيين، وستتحرر لوس أنجلوس'. اشتباكات واعتقالات وإطلاق غاز انطلقت الاحتجاجات بعد ظهر الأحد، حين أغلق المئات من المتظاهرين طريق 101 السريع في وسط المدينة، ما دفع شرطة لوس أنجلوس إلى إطلاق قنابل الغاز المسيّل للدموع والرصاص المطاطي لتفريقهم، وتمت استعادة السيطرة على الطريق بحلول الخامسة مساءً. وفي موقع آخر قرب مركز الاحتجاز الفيدرالي في شارع ألاميدا، أعلنت الشرطة أن التجمّع غير قانوني، وأطلقت أوامر تفريق، تلتها اعتقالات واسعة. وكتبت شرطة لوس أنجلوس على منصة 'إكس': 'تم إعلان أن التجمّع في منطقة ألاميدا بين شارعي 2 و أليسو غير قانوني، وتم إصدار أمر بالتفريق. عمليات الاعتقال جارية'. وبحسب تقارير إعلامية، استخدمت الشرطة قنابل صوتية ودفعت المتظاهرين بعنف، فيما أكد شهود أن بعضهم تعرّض للضرب. اتهامات بالفوضى وتحذيرات من التصعيد رئيسة بلدية لوس أنجلوس، كارين باس، وصفت قرار ترامب بإرسال الحرس الوطني بأنه 'تصعيد غير مبرر'، مؤكدة في مؤتمر صحافي أن 'الاحتجاج السلمي حق دستوري، لكن التخريب والعنف لن يُسمح بهما'. وأضافت على منصة 'إكس': 'سنحمي دائمًا حق سكان لوس أنجلوس في التظاهر السلمي، لكن من يخرب أو يلجأ إلى العنف سيُحاسب'. في السياق نفسه، اعتبر حاكم كاليفورنيا، غافن نيوسوم، أن نشر القوات العسكرية في المدينة هو 'اختلاق لأزمة وهمية'. ووجّه رسالة إلى وزير الدفاع الأمريكي طالبًا فيها بسحب القرار فورًا. وفي تحرك غير معتاد، أصدر جميع حكام الولايات الديمقراطية الـ23 بيانًا موحدًا، أدانوا فيه قرار ترامب باستخدام قانون نادر الاستخدام لتفويض الحرس الوطني دون التنسيق مع سلطات الولاية، معتبرين الخطوة 'تصعيدية وغير ضرورية'. الشارع يشتعل: سيارات مشتعلة ورسائل مناهضة لسلطات الهجرة وتحول الغضب الشعبي إلى أعمال تخريب، حيث أُضرمت النيران في ثلاث مركبات ذاتية القيادة تابعة لشركة 'وايمو' وسط المدينة، وُكتبت شعارات مناهضة لوكالة الهجرة والجمارك (ICE) على السيارات.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store