logo
إيران وترامب بين صفقة الإذعان وخدعة الردع

إيران وترامب بين صفقة الإذعان وخدعة الردع

العربي الجديدمنذ 4 أيام

جاء إعلان طهران امتلاكها آلاف الوثائق "الإسرائيلية النووية الحساسة" في لحظة مشبعة بالإشارات والدلالات، وتوقيت لا يمكن قراءته خارج سياق التعثّر في المسار التفاوضي مع الولايات المتحدة، وتصاعد اللهجة الإسرائيلية التي تلوّح بإمكانية التحرك العسكري. في هذا النوع من اللحظات، تتحرّك السياسة الإيرانية وفق إيقاع محسوب، يستثمر أوراق القوة أدوات ضغط وتوجيه، لا وسائل للعرض أو التأكيد. ومن داخل هذه المعادلة المعقّدة، تتبدّى استراتيجية طهران محاولةً مدروسة لاستعادة المبادرة، وسط حقلٍ متشابكٍ تتقاطع فيه مصالح ومخاوف قوى نافذة تمتد من تل أبيب إلى واشنطن، مروراً بموسكو التي تُراقب بحذر، وتحاول أن تبقى في قلب المعادلة من دون الانجرار إلى واجهتها.
لا تتحرّك إيران بثقة استراتيجية مطلقة، وما يظهر على السطح من إصرار برلماني على رفض أي اتفاقٍ لا يشمل رفع العقوبات، ليس بالضرورة أن يكون موقفاً نهائياً، بقدر ما هو إحدى أدوات التفاوض التي تشتبك فيها الضرورات الداخلية مع متطلبات الخطاب الخارجي. النظام الإيراني، وهو يواجه إرثاً من العقوبات والرهانات المكلفة، لا يزال يبحث عن توازن هشّ يتمثل في إقناع الداخل بأن مقاومته كانت مُجدية، وأن يُخاطب الخارج بوجه يمكن الوثوق به، من دون أن يُظهِر هشاشته أو يتنازل علناً. وبين هذَين الحدَّين، تتقلّب اللغة السياسية الإيرانية، فتبدو أحياناً شديدة الصلابة، لكنها تُخفي غالباً قلقاً وجودياً من تآكل الفعالية التفاوضية، ومن اتساع الفجوة بين ما يُقال وما يمكن تحقيقه فعلياً.
ما يهمّ هنا ليس ما تقوله طهران فحسب، وإنما متى وكيف ولماذا تقوله، فالإعلان عن الحصول على وثائق إسرائيلية متعلّقة بالمرافق النووية يأتي في لحظةٍ تفاوضية دقيقة، تزامناً مع ارتفاع أصواتٍ في إسرائيل تهدّد بالخيار العسكري، ما يشي بأنّ الرسالة ليست بالضرورة موجّهة إلى إسرائيل فحسب، بقدر ما تشمل أيضاً الولايات المتحدة، فإذا كان الردع الإسرائيلي يقوم على الغموض، فإنّ طهران تسعى إلى كسره بالإفصاح، من دون أن يعني ذلك أن الإفصاح يحمل بالضرورة مضموناً عملياً متكاملاً؛ فقد يكون مجرّد ورقة تفاوضية أُطلقت بقصد رفع الكلفة النفسية على الطرف الآخر.
تتقاطع اللحظة الإيرانية مع منطق ميكافيلي في التلويح بالقوة لأجل تحصين الموقع
وإذا كان الإعلان عن الوثائق قد مثّل ذروة التصعيد الرمزي في الخطاب الإيراني، فإن ما يُحيط به من مواقف وتصريحات رسمية يُظهر مفارقة تستحق التأمل، فالنبرة الهجومية التي تُهيمن على السطح لا تعكس، بالضرورة، ثقة استراتيجية، بل تحجب خلفها اضطراباً تكتيكياً محسوساً. إذ تبدو طهران متردّدة بين استثمار ورقة التخصيب النووي أداة لتحسين موقعها التفاوضي، والخشية من الوصول إلى نقطة يصعب التراجع عنها دبلوماسياً من دون كلفة عالية. ولا يقفل الخطاب، بهذا المعنى، الباب على التسوية، بل يُبقيه موارباً، محاولاً التوفيق بين الإظهار الإعلامي للقوة وضرورات المناورة الهادئة خلف الكواليس.
ما يظهر في الخطاب الإيراني من جهوزية للتفتيش، كما في تصريحات الرئيس بزشكيان، لا يُناقض التصعيد الظاهري بقدر ما يُكمّله ضمن منطقٍ مألوفٍ في الأنظمة التي تتقن توظيف لغة التهديد من دون القفز إلى نهاياتها. هذه هي استراتيجية "الاستعراض القابل للتراجع"، حين يكون المقصود بالتصعيد إيجاد مساحة تفاوض أكثر اتساعاً، على نحوٍ يُذكّر بما يسميه توماس شيلينغ في نظريته عن "التهديد القابل للضبط"، إذ تكون فعالية التهديد نابعةً من قابليته للإدارة، لا من حتميته، فكلما كان التهديد قابلاً للتراجع ازداد وزنه التفاوضي، شريطة أن يبقى محكوماً بغموض مدروس. وفي هذا المعنى، تتقاطع اللحظة الإيرانية مع منطق ميكافيلي في التلويح بالقوة لأجل تحصين الموقع، ومع قلق توماس هوبز من الدولة التي لا ترى الاستقرار إلّا بوصفه تهديداً لكيانها. إنها دولة مأزومة، لكنّها تعرف كيف تُخفي هشاشتها خلف ضوضاء القوة.
إيران حذرة من تكرار تجربة العراق، وجريئة في محاكاة كوريا الشمالية، لكن ضمن حدودها الجغرافية والدينية والأمنية المختلفة
لقد باتت عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض تمثل عودةَ منطقٍ مختلف في إدارة الملفات الدولية، خصوصاً الملف النووي الإيراني، فخلافاً لنهج سلفه بايدن الذي حاول، خلال عامَين من رئاسته، إنعاش الاتفاق النووي عبر قنوات دبلوماسية غير مباشرة ومرنة، يتّبع ترامب حالياً سياسة "الصفقة الكبرى أو لا شيء"، وهي ذاتها التي أعلنها مراتٍ في ولايته الأولى، لكنها هذه المرّة مدعّمة بتجربة حكم سابقة وبديناميات أكثر جرأة. غير أن ما يستحق الانتباه في هذا التحوّل لم يكن عودة "الصفقة الكبرى" فحسب، وإنما التحوّل في شروطها وحدّتها، كما يظهر في طبيعة الخطاب الجديد. في الخطاب الترامبي المعاصر، تغيب تماماً فكرة "المرونة التبادلية" أو "التفاهم المرحلي"، إذ تُصوَّر أي تسوية لا تؤدّي إلى تفكيك مشروع امتلاك إيران أسلحة نووية، وكبح نفوذ طهران الإقليمي تنازلاً استراتيجياً غير مقبول، بل خيانة لمفهوم القوة الأميركية. وفي هذا السياق، لا يُفهم تصريح مساعد وزير الخارجية الأميركي السابق ديفيد شينكر، أخيراً عن "تفضيل ترامب الحلّ الدبلوماسي" بوصفه انفتاحاً على تفاهم تقليدي، وإنما يحتاج قراءة أكثر دقة؛ فلا يُقصد بـ"الحلّ الدبلوماسي" في السياق الترامبي تفاوضاً ندّياً أو تسوية مرحلية، بل صفقة قائمة على فرض الشروط مسبقاً، وانتظار القبول بها من دون تعديل؛ أشبه بإعلان نيّات نهائية، لا بمحادثة تفاوضية فعلية.
يندرج هذا النمط ضمن ما تسمّيها أدبيات العلاقات الدولية "التفاوض غير المتكافئ" أو "التفاوض السلطوي"، إذ يُفرَض الشكل والمضمون مسبقاً من الطرف الأقوى، ويُختَزل التفاوض إلى قبول أو رفض، لا إلى نقاش تفاعلي حول المصالح. في هذا الإطار، يصبح الخطاب الترامبي أقرب إلى آلية إذعان مهيكلة، مِنهُ إلى سياسةٍ خارجية تفاوضية بالمعنى التقليدي. وإذا كان النظام الإيراني قد استطاع طوال عقود أن يُعيد تعريف نفسه في كل أزمة (من الحرب العراقية حتى الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي)، فإنه اليوم، بعد أن صار يمتلك أدوات الردع والخرق الاستخباراتي، يواجه اختباراً جديداً يتمثل في مدى استطاعته أن ينتج سردية عقلانية مقنعة للعالم تبتعد عن الإنكار والتهديد، وتُبنى على منطق استراتيجي يوفّق بين الحضور الإقليمي والشرعية الدولية.
لا يمكن قراءة الملف النووي الإيراني من دون استحضار تجربة كوريا الشمالية التي شكّلت في وعي المؤسّسة الأميركية نموذجاً للفشل الدبلوماسي والانتصار الاستراتيجي للخصم
ولا يمكن قراءة الملف النووي الإيراني من دون استحضار تجربة كوريا الشمالية التي شكّلت في وعي المؤسّسة الأميركية نموذجاً للفشل الدبلوماسي والانتصار الاستراتيجي للخصم. وقد انتهت بيونغ يانغ، التي انخرطت عقوداً في مفاوضات متعدّدة الأطوار مع واشنطن، إلى امتلاك سلاح نووي فعلي، وفرضت معادلة ردع أصبحت مقبولة دولياً بحكم الأمر الواقع. والقلق الأميركي الصامت، لكنّه حاضر بقوة، أن تتحوّل إيران إلى "كوريا شمالية بنكهة شرق أوسطية"؛ دولة محاصرة، لكنها مسلّحة نووياً. هذا السيناريو هو ما يدفع واشنطن إلى التمسك بمبدأ التجريد الكامل والنهائي من القدرة على امتلاك سلاح نووي، ولكن المفارقة أن ترامب نفسه، حين واجه الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون في ولايته الأولى، اختار خطاب "الرجل القوي" ثم انتقل إلى لغة المديح من دون أن يحقق أي إنجاز استراتيجي ملموس. ورغم ذلك، ظلّ يعتبر تلك التجربة "انتصاراً تكتيكياً" لأنه حيّد الصدام من دون حرب. ويغري الدرس الكوري، بقدر ما يُخيف واشنطن، طهرانَ؛ فهي دولة تحدّت النظام الدولي، ونجحت في فرض معادلة جديدة من دون أن تُلغى، وهذا ما يجعل إيران حذرة من تكرار تجربة العراق، وجريئة في محاكاة كوريا الشمالية، لكن ضمن حدودها الجغرافية والدينية والأمنية المختلفة.
أي حديث عن تفاهم نووي محتمل لا بدّ أن يُقرأ ضمن سياق جديد؛ هل يمكن لطهران أن تبتكر لغة تفاوضية لا تُفهم بوصفها خضوعاً، ولا تُترجم بوصفها تهديداً مباشراً؟... هذا هو التحدّي الأكبر أمام الدبلوماسية الإيرانية اليوم، في شروط ملف التفاوض النووي، وفي هوية اللغة السياسية نفسها.

هاشتاغز

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

وزير حريدي يستقيل من حكومة نتنياهو وبداية تصدعات بكتلة برلمانية
وزير حريدي يستقيل من حكومة نتنياهو وبداية تصدعات بكتلة برلمانية

العربي الجديد

timeمنذ 2 ساعات

  • العربي الجديد

وزير حريدي يستقيل من حكومة نتنياهو وبداية تصدعات بكتلة برلمانية

استقال وزير الإسكان الإسرائيلي إسحاق غولدكنوبف، اليوم الخميس، من حكومة بنيامين نتنياهو احتجاجاً على عدم سن قانون يعفي طلاب المعاهد الدينية الحريدية من التجنيد في جيش الاحتلال الإسرائيلي ، ما يشير إلى بداية تصدعات داخل كتلة "يهدوت هتوراة" البرلمانية المكوّنة من حزبين، والتي صوت جزء من نوابها فجر اليوم الخميس مع حل الكنيست فيما صوت آخرون ضد ذلك. وفي أعقاب هذه الخطوة، من المتوقع أن يعود غولدكنوبف، العضو في حزب "أغودات يسرائيل"، الجناح الحسيدي في "يهدوت هتوراة"، لشغل منصب عضو كنيست، بعد أن استقال منه في إطار ما يعرف بـ"القانون النرويجي"، الذي يتيح تعيين وزير حتى لو لم يكن عضو كنيست. وسيجر ذلك إلى سلسلة استقالات، إذ مع عودة غولدكنوبف إلى الكنيست بموجب القانون، سيضطر النائب إلياهو باروخي من حزب "ديغل هتوراة" المكوّن الآخر لقائمة "يهدوت هتوراة" إلى الاستقالة من منصبه. ومن أجل الحفاظ على التوازن بين الحزب الحسيدي ونظيره الليتواني داخل كتلة "يهدوت هتوراة"، قد يعود أوري مكليب الذي يشغل منصب نائب وزير، إلى عضوية الكنيست أيضاً، مما سيؤدي إلى استقالة النائب موشيه روت من "أغودات يسرائيل". وصوّت نواب "ديغل هتوراة" الثلاثة وجميع أعضاء الكنيست من حزب "شاس"، فجر اليوم الخميس، ضد مشروع قانون حل الكنيست، بعد التوصّل إلى تفاهمات مع رئيس لجنة الخارجية والأمن، يولي أدلشتاين، بشأن الإعفاء من التجنيد ، وطبيعة العقوبات على رافضي الخدمة، الأمر الذي أدى إلى سقوط القانون، علماً أن أحزاب الحريديم كانت قد هددت قبل ذلك بالتصويت الى جانب حل الكنيست، في حال عدم التوصل إلى تفاهمات، في حين أصر غولدكنوبف ومرجعياته الدينية على سن قانون، لا ورقة تفاهمات. تقارير دولية التحديثات الحية نتنياهو يبذل جهوداً مكثفة لمنع التصويت على حل الكنيست اليوم كذلك، صوّت عضو الكنيست يسرائيل أيخلر ضد حل الكنيست، رغم أن زميليه في "أغودات يسرائيل"، موشيه روت ويعقوب تيسلر، صوتا لصالحه، ما يعني أنه تمرد على قرار حزبه. وبالمجمل، صوت 61 عضو كنيست ضد الاقتراح، بينما أيده 53 نائباً من أصل 120 عضواً، ليسقط مشروع حل الكنيست الذي لن يكون بالإمكان طرحه مجدداً قبل مرور ستة أشهر من اليوم. وذكرت جهات في "يهدوت هتوراة" أنّ الوزير المستقيل ترك الائتلاف الحكومي أيضاً، وليس الحكومة فقط، وسينضم إلى المعارضة. وليس من شأن ذلك التأثير على استقرار ائتلاف نتنياهو المكوّن من 68 نائباً، وقد ينخفض إلى 67 في حال تأكدت مغادرة غولدكنوبف. وتشمل المبادئ الأساسية لمخطط تجنيد الحريديم، التي اتُّفق عليها بين أدلشتاين والأحزاب الحريدية، وعارضها الوزير المستقيل، الموافقة على فرض عقوبات فورية ضد الحريديم المتهرّبين من التجنيد، وهي نقطة الخلاف الرئيسية التي كانت بين الأطراف حتى الآن، في حين يرى معلقون إسرائيليون أن العقوبات التي اتُّفق عليها ليست جادة بما يكفي. وطالب أدلشتاين برفع الحد الأدنى لنسبة المجندين الحريديم إلى 75%، بعدما كان الحديث سابقاً عن 70%، لكنه وافق في المقابل، على شطب العقوبة المتعلقة بإلغاء تمويل التعليم في حضانات الأطفال لأبناء الحريديم المتهربين من الجيش، لتجنّب العواقب على سوق العمل. وتشمل العقوبات الفورية تعليق سريان رخص القيادة، وعرقلة سفر رافضي التجنيد إلى الخارج، بالإضافة إلى إلغاء تمويل التعليم الأكاديمي والتفضيل المصحح في الوظائف العامة. وبعد ستة أشهر من سن القانون، تُلغى الخصومات المتعلقة بالحضانات ووسائل المواصلات العامة، في حال عدم تحقيق أهداف التجنيد، من حيث عدد الملتحقين الحريديم بالجيش. وبعد عام ستُلغى أجزاء كبيرة من مخصصات التأمين الوطني. أما بعد عامين من عدم تحقيق الأهداف، فسيُلغى دعم الحضانات أيضاً وفرض عقوبات على برنامج إسكان يمنح أسعاراً مخفضة نسبياً وامتيازات معينة للمستفيدين منه. وتشمل أهداف التجنيد الجديدة، التي وُضعت حتى قبل ذروة الأزمة السياسية أمس، عدم تجنيد أي شخص من الحريديم في السنة الأولى من سن القانون، وتجنيد 5700 حريدي في السنة الثانية، والوصول إلى 50% من الحريديم الملزمين بالخدمة في كل دورة تجنيد، في غضون خمس سنوات. وسيُعتبر تحقيق 95% من الأهداف بمثابة استيفاء الحصة المطلوبة، علماً أن التجنيد سيُفرض على الفئة العمرية في الجيل الذي يراوح بين 18 و26 عاماً.

"لبنان تحت حصار المسيرات الإسرائيلية"
"لبنان تحت حصار المسيرات الإسرائيلية"

BBC عربية

timeمنذ 2 ساعات

  • BBC عربية

"لبنان تحت حصار المسيرات الإسرائيلية"

ما يعيشه اللبنانيون تحت "حصار" المسيرات الإسرائيلية من كل مكان رغم وقف إطلاق النار، بالإضافة إلى الاحتجاجات الأمريكية ومخاوف انتهاك الخصوصية وملاحقة المحتجين و"التنكيل" بهم، ورؤية جيل زد على للمستقبل، كانت من أبرز اهتمامات الصحف الأمريكية والبريطانية لهذا اليوم. ونبدأ من مقال في صحيفة الفايننشال تايمز البريطانية بعنوان "لبنان تحت حصار الطائرات المسيرة"، قالت الكاتبة راية جلبي، إن الحرب في لبنان مستمرة ولكن بشكل وطريقة مختلفة، تؤكدها دائما أصوات المسيرات الإسرائيلية المزعجة والمخيفة، التي تحلق في سماء البلاد باستمرار رغم وقف إطلاق النار. وأوضحت الكاتبة أنه منذ سبتمبر/أيلول الماضي، أصبح ضجيج هذه المسيرات أمراً غير مرغوب فيه، وهو صوت مُميز، يُشبه أزيز جزازة عشب عملاقة، ويشعر الجميع بالقلق، بل ويثير هذا الصوت الخوف والذعر، ويجعل الجميع في حالة استعداد "لا شعورياً" لغارة جوية، وهو ما يعني أن هذه المسيرات أصبحت سلاحاً قوياً في الحرب النفسية ضد اللبنانيين. وبحسب الكاتب، تستخدم إسرائيل هذه المسيرات لعدة أسباب، فمهمتها الأولى جمع المعلومات الاستخباراتية، كما يمكنها أيضاً محو الاتصالات الرقمية وبيانات الرادار، بما في ذلك المكالمات الهاتفية والرسائل، بالإضافة إلى تعطيل نظام تحديد المواقع العالمي (GPS). لكن الاستخدام الأهم - وفقا للكاتبة - هو "القتل أسبوعياً"، وهو ما يعني أنها تثير الذعر في نفوس السكان المثقلين بعقود من الحرب. وتوضح راية أن استخدام المسيرات اقتصر في البداية على المناطق الحدودية في جنوب لبنان، لكن الآن أصبحت تنتهك العاصمة بيروت بشكل دائم، حتى بعد تطبيق وقف إطلاق النار في 27 نوفمبر/تشرين الثاني، إذ أنها موجودة في الأجواء بشكل مستمر. وأجمع أطباء نفسيين في لبنان بحسب الكاتبة - على أن المسيرات الإسرائيلية أصبحت "جزءا من مخاوف مرضاهم، مما أدى إلى زيادة مستويات القلق والانفعال والاكتئاب". إذ قال أحدهم: "لا يمكنك التقليل من شأن التأثير العميق لهذه الطائرات المسيرة على مرضاي. الحياة في لبنان مرهقة بسبب أزماتنا المستمرة، هذا الضجيج الجهنمي يجعل كل شيء أسوأ". وتصف الكاتبة شعورها خلال أول مرة سمعت فيها صوت طائرة مسيرة في بيروت بعد وقف إطلاق النار، حين أحسّت بـ "العجز"، وقالت إن اللبنانيين يواجهون هذا العجز بإطلاق ألقاب على الطائرات دون طيار، كنوع من المزاح والسخرية من كونهم تحت المراقبة. وتشير إلى أن آخرين سعوا إلى إعادة تكوين هذا الصوت، إذ جمع فنان، ساعات من صوت الطائرات بدون طيار وأعاد تحويلها إلى "موسيقى مزعجة". وتختتم الكاتبة المقال بالتأكيد على أن الأمر يستغرق "وقتاً أطول للتخلص من شعور العجز". حق المتظاهرين في إخفاء الوجوه وتناولت الغارديان البريطانية الاحتجاجات الدائرة في الولايات المتحدة، إذ تساءل البروفيسور في العلوم السياسية يان فيرنر مولر في مقال نشرته الصحيفة، عن أحقية المحتجين في إخفاء وجوههم وارتداء أقنعة الوجه؟، وهو ما يراه حقاً لمواجهة "معايير ترامب المزدوجة". وقال الكاتب إن ترامب لا يعترف بأحقية المحتجين في إخفاء الوجه، وطالب عبر وسائل التواصل الاجتماعي باعتقال أي شخص يرتدي كمامة فوراً، وهو ما يكشف ازدواجية المعايير في هذه الاحتجاجات. فعناصر الأمن وجهاز الهجرة والجمارك، يرتدون أقنعة ويخفون بطاقات أسمائهم، وهو ما يعني التهرّب من أي مساءلة قانونية، في حين يمنع المواطنين من هذا الحق، مع العلم أن إخفاء الوجه يعتبر نوعا من العصيان المدني على حد تعبيره ويوضح الكاتب أن الاحتجاج القانوني يختلف جذرياً عن العصيان المدني، على الرغم من أن الكثير من التعليقات الحالية تخلط بينهما، مضيفاً أنه في العصيان المدني، يخرق المواطنون القانون علناً، فيُعرّفون أنفسهم للسلطات، ويكونون على استعداد لقبول العقاب (لكنهم لا يريدون المعاملة كمجرمين). وهذا العصيان يحقق عدة أهداف، ويُظهر جدية أخلاقية، وأعلى درجات الاحترام للقانون بشكل عام، بحسب وصف الكاتب. ويضيف: "لكن قادة وفلاسفة العصيان المدني لا يقبلون بشرط الكشف عن الهوية، ويرون أننا لا نعيش في عصر ثلاث شبكات تلفزيونية كبيرة، التي - ورغم إخفاقاتها المختلفة - كان من المتوقع أن تنقل بأمانة صوراً لمتظاهري الحقوق المدنية وهم يتعرضون لـ"معاملة وحشية" من جانب شرطة الجنوب على حد وصفه. ويرى الكاتب أن المشهد الإعلامي الحالي "مشوه بشدة" ويعاني "اختلالاً وظيفياً"، إذ أن رسائل الاحتجاجات إما أنها لا تُنقل على الإطلاق أو تُعاد صياغتها بحيث تشوه الرسالة الأصلية ويصبح المحتجون السلميون هم من ينتهكون القانون. ويعتبر الكاتب أنه في ظل هذه الظروف، يُعد إخفاء الهوية إجراء احترازياً مفهوماً، ولا ينبغي تجريم هذا الحذر، ففي عصر المراقبة الشاملة المعززة بتقنية التعرف على الوجه، لا يمكن التنبؤ بكيفية استغلال دليل مهم مثل التواجد في مكان الاحتجاج. مخاوف جيل زد وفي صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، نقرأ مقالا حول مخاوف جيل زد من المستقبل، بعنوان "لا منزل، لا تقاعد، لا أطفال: كيف يرى جيل زد مستقبلهم"، للكاتبة جيسيكا غروس. ورصدت الكاتبة معاناة شابة تدعى إليزابيث، 27 عاما تعمل معلمة، حيث اضطرت لترك تخصصها في تدريس التاريخ والدراسات الاجتماعية للمرحلتين الإعدادية والثانوية، لتعمل في وظيفة بديلة براتب سنوي 32,000 دولار. تقول إليزابيث - بحسب الكاتبة -إنها تحلم بتسديد ديونها والنجاة من التشرد، والحصول على تأمين جيد والزواج وإنجاب الأطفال، وهو ما يبدو مستحيلاً حالياً. قلق إليزابيث هذا أصبح منتشراً بين جيل زد، بحسب الكاتبة التي قالت إنها قرأت حوالي 200 ردّ من القراء على رسالتها الموجهة لأفراد هذا الجيل حول آرائهم بشأن مستقبلهم. وأوضحت الكاتبة أن العديد من أبناء هذا الجيل لا يعتقدون أنهم قادرون على تحقيق أحلامهم (الزواج، شراء منزل، إنجاب أطفال)، كما لا يعتقد أي منهم تقريباً أنه سيكون أفضل حالاً من آبائهم، ولن يستطيعوا التخلص من الفقر الممتد عبر الأجيال. وتوضح الكاتبة أن الشباب لطالما شعروا بالقلق بشأن المستقبل وعدم القدرة على تحقيق الاستقرار، لكن في الوقت الحالي هناك عوامل مثيرة تجعل اللحظة الراهنة صعبة، جدا بل وتبعث على التشاؤم، خاصة بالنسبة لمن يبدؤون حياتهم الآن. وأشارت الكاتبة إلى أن مخاوف الشباب اليوم، أصبحت تتمحور حول تكاليف السكن باهظة نسبياً، بالإضافة إلى المخاطر التي يحملها سوق العمل للمبتدئين، وحتى لخريجي الجامعات، بالإضافة إلى التطورات السريعة في قدرات الذكاء الاصطناعي.

الوكالة الدولية للطاقة الذرية تدين إيران.. كيف ردّت طهران؟
الوكالة الدولية للطاقة الذرية تدين إيران.. كيف ردّت طهران؟

العربي الجديد

timeمنذ 2 ساعات

  • العربي الجديد

الوكالة الدولية للطاقة الذرية تدين إيران.. كيف ردّت طهران؟

اعتمد مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، اليوم الخميس، قراراً يدين "عدم امتثال" إيران لالتزاماتها النووية، فيما أعلنت وزارة الخارجية ومنظمة الطاقة الذرية الإيرانيتان "إنشاء محطة جديدة ل تخصيب اليورانيوم في مكان آمن، واستبدال أجهزة طرد مركزي من الجيل الأول بالجيل السادس في منشأة فوردو "، ردّاً على القرار. وأيّدت النص، الذي أعدّته لندن وباريس وبرلين وواشنطن، 19 دولة من أصل 35 بحسب ما نقلت وكالة فرانس برس عن مصادر دبلوماسية عدة. وصوتت الصين وروسيا وبوركينا فاسو برفض النص، فيما امتنعت 11 دولة عن التصويت. ولم تتمكّن باراغواي وفنزويلا من المشاركة لعدم سدادهما الإسهامات المالية الكافية. وقال دبلوماسيون إنّ القرار يهدف إلى زيادة الضغط على إيران. ويأتي القرار قبيل الجولة السادسة من المفاوضات النووية بين واشنطن وطهران المقررة الأحد المقبل في مسقط. وردّاً على قرار الوكالة الدولية للطاقة الذرية، أعلنت وزارة الخارجية ومنظمة الطاقة الذرية الإيرانيتان، اليوم الخميس، في بيان، "إنشاء محطة جديدة لتخصيب اليورانيوم في مكان آمن واستبدال أجهزة طرد مركزي من الجيل الأول بالجيل السادس في منشأة فوردو". ولفتت طهران إلى أنه "تجري أيضاً التحضيرات لتنفيذ خطوات أخرى ستُعلَن لاحقاً". أخبار التحديثات الحية إيران تهدد بـ"رد حازم" إذا صدر قرار ضدها في "الذرية الدولية" وندد البيان الإيراني بتمرير أميركا، وفرنسا وبريطانيا وألمانيا مشروع قرارها في مجلس المحافظين، متهماً إياها باستخدام المجلس "أداة لأجل أغراض سياسية"، مؤكداً أنّ طهران لطالما التزمت تعهداتها بموجب اتفاق الضمانات التابع لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية. وقالت خارجية إيران ومنظمتها للطاقة الذرية في بيانهما إنّ الدول الغربية "قد تجاوزت التقرير السياسي المنحاز بالكامل" إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وقدّمت مشروع قرار "يتناقض مضمونه حتى مع هذا التقرير السياسي" للمدير العام للوكالة، رافاييل غروسي. وفيما قالت إنّ الخطوة من الدول الأربع "وضعت بشكل كامل مصداقية الوكالة الدولية للطاقة الذرية وسمعتها موضع شك، وأظهرت الطبيعة السياسية المتزايدة لهذه المنظمة الدولية"، عبّرت عن شكرها للدول الأعضاء في مجلس المحافظين التي صوّتت ضدّ القرار أو امتنعت عن التصويت. وتطرّقت طهران إلى "صمت الدول الأربع تجاه بقاء البرنامج النووي للكيان الصهيوني خارج معاهدة حظر الانتشار وتطويره برنامج أسلحة دمار شامل"، مؤكدة أنها "لم تفعل أيضاً شيئاً إزاء تهديدات هذا الكيان لمهاجمة المنشآت النووية السلمية للدول الأعضاء في المعاهدة". إلى ذلك، أكد المتحدث باسم منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، بهروز كمالوندي، أن طهران "ستعيد النظر بالتأكيد في التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية"، قائلاً: "لقد كان لدينا تعاون واسع مع الوكالة، وتعاوننا يُعد فريداً من نوعه. فمن بين الدول التي لديها اتفاقية الضمانات مع الوكالة، وعددها نحو 32 دولة، نحن وحدنا نخضع لـ 72% من عمليات تفتيش الوكالة. كذلك إنَّ 22% من إجمالي عمليات التفتيش للوكالة على مستوى العالم تحصل في بلادنا". وأضاف كمالوندي في حديث مع التلفزيون المحلي: "لقد حاولنا دائماً تهيئة الأجواء المناسبة للتعاون، إلا أن هذه المبادرة لم تلقَ استجابة إيجابية أو مناسبة من الطرف الآخر، ومن البديهي ألا يُتوقع منا استمرار التعاون على هذا المستوى. وبالتأكيد سنعيد النظر في هذا التعاون". كذلك أصدر رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية، الجنرال محمد باقري، اليوم الخميس، تعليمات بالبدء في إطلاق مناورات "الاقتدار" للقوات المسلحة في هذا العام لتعديل جدولها الزمني وتقديم موعدها. وصرّح باقري، وفقاً لما أورده التلفزيون الإيراني، بأنّ الهدف من إجراء هذه المناورات "يتمثل بالارتقاء بالقدرة الدفاعية والردعية للقوات المسلحة وتقييم جاهزيتها مع التركيز على التحركات العدوانية للعدو". من جهته، حضّ الاتحاد الأوروبي، إيران، على ممارسة "ضبط النفس" بعدما تعهّدت طهران بناء منشأة جديدة لتخصيب اليورانيوم. وقال الناطق باسم دائرة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي أنور العوني بحسب ما تنقل وكالة فرانس برس "ندعو إيران إلى معاودة التعاون بشكل كامل مع الوكالة وتطبيق التزاماتها كاملة.. (و) ممارسة ضبط النفس وتجنّب أي خطوة من شأنها أن تؤدي إلى تصعيد الوضع"، في إشارة إلى تعهد الجمهورية الإسلامية زيادة أنشطة التخصيب "بشكل كبير".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store