
حين يصبح نائب الشعب ضد الشعب.. تهافت دفاع شوقي القاضي عن علي عبدالله صالح
كانت ثورة فبراير 2011 صارمة جدا في تمسكها بمبدأ النضال السلمي، رغم الإفراط في العنف الذي مارسه نظام الرئيس علي عبد الله صالح ضد الثوار. وفي ظل المزاج الثوري العام كان شعار 'ارحل' يأسر عقول وقلوب ملايين اليمنيين من الجنسين. في ذلك الوقت حمَّل النائب البرلماني شوقي القاضي نظام الرئيس علي عبد الله صالح مسئولية الجرائم التي ارتكبت ضد المتظاهرين، بل وصف النظام حينها بأنه يقتل شعبه من خلال قصف ساحات التظاهر في صنعاء وتعز والحديدة، كما دعا القاضي إلى تحريك دعاوى في المحكمة الجنائية الدولية ضد النظام اليمني ورموزه، مشيرا إلى أن الجرائم التي ترتكب تشمل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، مثل القتل والاختطاف، التي أسفرت عن سقوط أكثر من ألفي شهيد وآلاف الجرحى.
لكن دارت الأيام، وتعاقبت الأعوام، وتوارى مناخ الثورة سريعا ليحل محله مناخ الثورة المضادة. ونكاية بشعار 'ارحل'، أصبحت عبارة 'سلام الله على عفاش' هي الأكثر رواجا في التداول اليومي بين الناس. وفي هذا الوقت رفع النائب شوقي القاضي فيديو على تطبيق 'يوتيوب' بعنوان 'من ارتكب جريمة جمعة الكرامة؟'، وعلى مدى خمس وأربعين دقيقة وأربعين ثانية، بذل جهدا جهيدا ليقنعنا ب'احتمال' أن طرفا ثالثا هو من ارتكب مذبحة جمعة الكرامة، وأحرق ساحة الحرية في تعز، وفجر جامع النهدين. أما من هو هذا الطرف الثالث، فشوقي القاضي يرجح-أقول يرجح، ولا أقول يؤكد-أنه الهاشمية السياسية السلالية، كما قال. ولكن ليس لدى القاضي أدلة صالحة لإدانة هذه 'الهاشمية'، وكل ما لديه هو 'مؤشرات' بحسب توصيفه:
1. المؤشر الأول، هو أن شباب الثورة التزموا جانب السلمية، وعندما كانت تطلق عليهم الرصاص كانوا يقابلونها بصدور عارية، وبالتالي من المستبعد تماما أن يعمد شباب الثورة إلى ممارسة أي شكل من أشكال العنف.
2. المؤشر الثاني، هو أن الرئيس علي صالح حينها كان في ذروة قوته، فالحرس الجمهوري، كان أقوى من الفرقة الأولى مدرع عددا وعدة وجاهزية قتالية بما لا يقاس، فضلا عن الأمن المركزي، وقوات أخرى. وكان بمقدور صالح لو أراد، أن يُفرغ الساحات من الثوار بسرعة قياسية، وأن يسحق الفرقة الأولى مدرع، ثم يطلق العنان لآلته الإعلامية لتقول ما يشاء، وللقضاء ليحاكم من يشاء ويحكم بما يشاء، ويا دار ما دخلك شر، ولا يعتقدن أحد أن الإقليم والمجتمع الدولي كانا سيقفان ضده. لكن الرئيس صالح التزم مبدأ صيانة الدماء، ويستحق منا على ذلك أن ندعو له بالرحمة والمغفرة.
3. المؤشر الثالث، هو أن صالح كان يملك ثلاثة أجهزة أمنية: الأمن السياسي والأمن القومي وجهاز مكافحة الإرهاب، وكان بمقدوره أن ينفذ أعمال اغتيال ضد معارضيه في تحالف أحزاب اللقاء المشترك ويرتاح، لكنه لم يفعل صيانة للدماء. وفي هذه الجزئية أوضح شوقي القاضي أنه كان كثير السفر-يقود سيارته وحيدا-على الخطوط الطويلة بين المحافظات، وأنه لم يجد في عشرات النقاط الأمنية الموالية لصالح سوى التقدير والاحترام، رغم معرفة أفرادها أنه من كبار المعارضين للرئيس.
وبناء على هذه المؤشرات رجح القاضي احتمال وقوف 'الهاشمية السياسية' وراء الجرائم الثلاث. ثم أضاف: لو أن الوضع كان طبيعيا لكان رئيس الجمهورية-يقصد صالح-مسئولا جنائيا وقانونيا عن التحقيق الشفاف في تلك الجرائم الثلاث، لكن الأوضاع كانت غير طبيعية وغير مواتية للقيام بأي تحقيق. ومع ذلك-والكلام لشوقي-ستظل تلك الجرائم غير قابلة للسقوط بالتقادم، وبمقدور أهالي الضحايا متى ما تهيأت لهم الظروف، أن يتوجهوا إلى القضاء المحلي، أو إلى أي دولة تمنح قضاءها الخاص اختصاصاً دولياً، وإذا ما تم ذلك فالأرجح-ولا أقول 'فالمؤكد'-أن القضاء سيدين الهاشمية السياسية. وكأن العدالة تبنى على الاحتمالات والترجيحات والمؤشرات وليس على الوقائع.
لقد قُمتُ على مدى السطور السابقة، بتلخيص محتوى فيديو صدَّره شوقي القاضي، ربما في النصف الثاني من العام 2023، وبمقدور القارئ المهتم أن يعود إليه على تطبيق 'يوتيوب' ليتأكد إلى أي مدى كنتُ أمينا أم لم أكن.
وتأسيسا على ما سبق نحن أمام تحول في موقف شوقي القاضي من الدفاع المباشر عن الثورة إلى الدفاع المراوغ عن الثورة المضادة، عملا بمبدأ 'ما بدا بدينا عليه'. في الحالة الأولى، اتهم الرئيس صالح بأنه يقتل شعبه، وفي الثانية، حاول التهوين من مسئوليته عن جرائم كبرى ارتكبت خلال ثورة فبراير 2011. وفي الحالة الأولى كان منطق القاضي مستقيما، وفي الثانية بدا منطقه معوجا، ومقارناته مختلة، وحججه هشة. والرد على هذا الاعوجاج، وهذا الاختلال، وهذه الهشاشة، لا يهدف فقط إلى دحض المغالطات، بل إلى كشف نمط التفكير الذي يحاول تمرير سردية باطلة تحت قناع 'الحياد' و'الاحتمالات المفتوحة':
أولا: رئيس الدولة هو المسئول الأعلى عن كل شيء يقع في البلاد في الأوضاع الطبيعية، وعندما لا تكون الأوضاع طبيعية، لا تنعدم مسئولية الرئيس، وإنما تتضاعف أكثر وأكثر، ومن التدليس، أو من عدم الدراية بالقانون، أن يأتي من يقول عكس ذلك.
ثانيا: القول بأن 'الوضع لم يكن طبيعيا، وبالتالي لا يمكن تحميل صالح مسئولية عدم التحقيق الشفاف في الجرائم الثلاث' هو مغالطة مركبة لعدة أسباب:
1. عَرَضَتْ أحزاب المعارضة على الرئيس صالح أن تستمر رئاسته مدى الحياة مقابل القبول بإدخال إصلاحات جوهرية على النظام السياسي، لكنه رفض، وذهب يصفِّر عداد الرئاسة ويعد نفسه لانتخابات منفردة ينافس فيها حزبُه حزبَه، ورافق ذلك ظهور رئاسي يومي مكثف في وسائل الإعلام كله تمركز حول الذات، ومغالطات، واستعراض قوة، وإساءات لأحزاب المعارضة. والمؤسف أن صالح كان يعلم أنه بهذا النهج إنما يشعل الحرائق في كل البلاد، متوهما أنه بالقوة يستطيع فرض مشروع التوريث. وعليه: فالأوضاع الغير طبيعية أنتجها صالح نفسه، وليس أحزاب المعارضة، ولا ثوار الساحات.
2. اعتاد علي عبد الله صالح، طوال ثلاثة وثلاثين عاما، على تحقيق انتصارات سهلة في مربعات العنف، لكن ملايين اليمنيين فوتوا عليه هذه الإمكانية عندما حولوا العاصمة والمدن الرئيسية والثانوية إلى ساحات للنضال المدني السلمي رافعين شعار 'ارحل'. ولأن صالح ليس رجل دولة، لم يحترم إرادة شعبه ويرحل بسلام دون إراقة قطرة دم واحدة، وإنما انساق وراء أوهام التوريث التي أعمته عن قراءة طبيعة اللحظة، وذهب يُمَنِّي نفسه بأن اليمن ليست مصر، ولا هي تونس، وعندما لاحظ أن حظه لن يكون أفضل من مبارك وبن علي، استدعى نظرية المؤامرة، وذهب يشيع بين الناس أن الثورة ضد نظامه مؤامرة صُدّرتْ إلى اليمن من غرفة في تل أبيب. ولم يكن لاستدعاء هذه النظرية أي مبرر سوى 'تبرير وشرعنة' القوة المفرطة ضد شباب الثورة السلمية.
3. في 18 مارس 2011 كانت مذبحة جمعة الكرامة، وفي 29 مايو 2011 كانت محرقة ساحة الحرية في تعز، ولا أذكر على وجه التحديد تاريخ مذبحة بنك الدم، ومذبحة الملعب الرياضي، ومذبحة جولة كنتاكي؛ والذي أعرفه أن هذه المذابح كانت بعض محاولات علي عبد الله صالح لإخماد ثورة 11 فبراير 2011 بالقوة المسلحة. ولست أدري ما هو عدد المذابح والقتلى والجرحى الذي كان يريده شوقي القاضي، ليؤمن بأن علي صالح كان دمويا.
لقد انتقى شوقي القاضي من المشهد بعض اللقطات، وأعاد تركيبها وتسويقها على أنها المشهد كله، ولهذا جاء دفاعه عن علي صالح متهافتا وفاضحا، ولمزيد من الكشف عن هذه الانتقائية، وهذا التهافت، ألفت انتباه القارئ اللبيب إلى ما يلي:
1. لم يأتِ شوقي القاضي على ذكر الكلام الذي قاله علي صالح للصحفية منتهى الرمحي بُعيدَ مذبحة جمعة الكرامة. وللتذكير: قال صالح للرمحي 'إن سكان الحي هم من أطلقوا النار على شباب الثورة يوم جمعة الكرامة'. وهذا الكلام اعتراف صريح يتضمن: هروبا من المسئولية، وإنكارا للدولة، واستهتارا بالضحايا. ولو أن صالح كان صادقا فيما قال، لكان قد ألقى القبض على أي من هؤلاء السكان، ولكنه كان يكذب مثلما يتنفس.
2. إن مذبحة جمعة الكرامة جريمة كبرى مروعة تم الإعداد لها باختيار متقن لأماكن تموضع القناصة، وبناء جدار عازل وسط الشارع على مرأى ومسمع من الناس، وفيها سقط أكثر من خمسين شهيدا وأكثر من مئتي جريح، وكان كل من يستخدم هاتفَه النقال للتصوير يُقتلُ أولاً. وكاتب هذه السطور كان حينها يعمل في قناة سهيل، واستعرض كل الأفلام التي وصلت إلى القناة، ومازالت ذاكرته تحتفظ بكثير من تفاصيل تلك المذبحة. وكل الشواهد والوقائع والحيثيات تؤكد أن علي صالح هو المسئول الأول عن مذبحة جمعة الكرامة، سياسيا وجنائيا وأخلاقيا. وهذه حقيقة لا يستطيع ألف شوقي القاضي أن يغطي عليها باختراع طرف ثالث.
3. لم يأتِ شوقي القاضي على ذكر اشتباكات حي عصر، ومذبحة بنك الدم، ومذبحة الملعب الرياضي، ومذبحة جولة كنتاكي التي استخدمت فيها قذائف البازوكا ضد المتظاهرين. وهذه كلها أحداث مروعة وثقتها عدسات التصوير، ولا تحتمل تعليقها على شماعة طرف ثالث، وعدم ذكرها ينم عن انتقائية مقصودة.
4. لم يذكر شوقي القاضي اجتماعا عقده رئيس مجلس نواب الأغلبية المريحة الشيخ يحيي الراعي في ديوان منزله بصنعاء، وضم نحو ثلاثين شابا جلبهم من ذمار لقنص المتظاهرين. ووقائع هذا الاجتماع بثته قناة سهيل بالصوت والصورة. والراعي في ذلك الاجتماع كان يمثل السلطة التشريعية في نظام علي عبد الله صالح، وشوقي القاضي الى اليوم عضو في هذه السلطة.
5. مازال في الوقت متسع لشوقي القاضي كي يسأل سلطان البركاني عن مصير أربعة مليار ريال حملها هذا الأخير-ومعه ثلاثة من كبار مساعدي صالح- من دار الرئاسة في صنعاء إلى تعز قبيل محرقة ساحة الحرية.
6. لم يذكر شوقي القاضي أن علي عبد الله صالح كان مدركا للرمزية التي يمثلها ميدان التحرير في صنعاء، وأنه-في ليلة نزول شباب مصر إلى ميدان التحرير وسط القاهرة-أغلق ميدان التحرير وسط صنعاء من كل الطرق التي تؤدي إليه، ولم يأتِ الصباح إلا وقد أغرق المكان بالخيام وجلب إليها مئات البلاطجة لممارسة العنف ضد التظاهرات السلمية في شوارع المدينة ليبدو الأمر وكأنه انقسام مجتمعي بين فريق يؤيد النظام، وفريق يعارضه.
7. القول بأن علي صالح كان قادرا على اجتياح الساحات وسحق الفرقة الأولى مدرع وحسم الموقف لصالحه بسرعة قياسية، فيه قدر كبير من التبسيط والتسطيح، ويدل على أن شوقي القاضي حين قال هذا الكلام، لم يكن يرى الأشياء من خلال سياقاتها الخاصة، ولهذا اعتقدَ أن نظام علي صالح عام 2011 هو نفسه نظام علي صالح عشية حرب 1994، وهذا خطأ فادح غير مقبول من شخص يسوِّق نفسه على أنه مثقف يعرف كيف يقرأ حراك الواقع:
1. 7. قبل حرب 1994 كان نظام علي صالح متماسكا ضد الحزب الاشتراكي، وقد أدار تلك الحرب في ظل ذلك التماسك وانتصر. لكن بعد حرب 1994 انتهت معادلة ' أنا وإبني وإخوتي ضد ابن عمي' وحلت محلها معادلة 'أنا وإبني ضد إخوتي'، وبالتالي تصدَّع نظام علي صالح وتعرض لانشقاقات كبيرة: حزب الإصلاح انشق عن النظام بعد أن كان جزءا منه؛ رئيس الظل (علي محسن الأحمر) انشق، ومعه انشق معظم جنرالات سنحان؛ قبيلة حاشد (وعلى رأسها مشيخة العصيمات) انشقت وانضمت إلى الساحات؛ قبيلة بكيل أيضا انشقت وقدمت شهداء من أرحب وخولان وبني حشيش وبني الحارث؛ والجنوب كان يعيش حالة غليان ضد نظام علي صالح. يضاف إلى ذلك أن محافظات تعز وإب والحديدة والبيضاء، شهدت مناخا ثوريا وتطلعت بقوة إلى التغيير، ومن منا لا يذكر 'مسيرة الحياة الراجلة' وكيف استقبلتها إب وذمار بالزغاريد، بينما استقبلها علي صالح في مدخل صنعاء بالرصاص والقنابل المسيلة للدموع.
2. 7. المعروف عن علي صالح أنه رجل متمرس على المؤامرات والدسائس، ويعمل حسابا لكل الاحتمالات، وبالتالي كان يدرك أنه إذا غامر وحاول اجتياح الساحات فإنه لن يضمن ولاءات الكثير من قيادات الجيش. والذي عزز هذا الإدراك عند علي صالح هو الانشقاقات التي ترتبت على مذبحة جمعة الكرامة، التي لم تكن-هي وأخواتها-إلا لجس النبض.
3. 7. صحيح أن الحرس الجمهوري كان محسوبا على صالح، لكن صالح نفسه كان يدرك أن كثيرين في الحرس الجمهوري، هم ممن يمكن اعتبارهم محسوبين على كل اليمن، ويمكن أن يكونوا لحظة إطلاق الأوامر ضد ما يذهب إليه، وهذا ما جعله يتحفظ في إطلاق يد هذه القوة.
4. 7. صحيح أن الفارق في ميزان القوة بين الحرس الجمهوري والفرقة الأولى مدرع كان لصالح الحرس، لكن الفرقة لم تكن ضعيفة عددا وعدة حتى يقع الحسم بالسرعة التي تخيلها شوقي القاضي، وإنما المواجهة ستطول وستسيل دماء كثيرة ستتغير أثناءها التحالفات، وصالح كان يعرف مخاطر المواجهة بين الحرس والفرقة، وأنها قد تفجر الوضع برمته ويكون ثمن ذلك رأسه. ولا بأس من التذكير بحرب الحصبة، وكيف طالت، رغم أن أحد طرفيها هو الحرس الجمهوري.
8. صحيح أن علي صالح كان هو المستهدف من تفجير جامع النهدين، لكن محاولة اغتياله على ذلك النحو لا تصلح دليلا على 'طهارته' من جرائم كثيرة هو من أمر بها ضد شعبه. ثم أن التفجير لا يدل ابدا على وجود طرف ثالث وإنما هو تعبير عنيف عن الصراع الذي كان موجودا داخل نظام علي صالح. وغياب أي تحقيق شفاف في الحادث يؤكد أن الحقيقة معقدة، وقد تكون محرجة للجميع.
9. بعد تفجير جامع النهدين أدرك علي صالح أنه غير آمن حتى في آخر مربعاته الأمنية، ولهذا وقع على المبادرة الخليجية مقابل حصوله على الحصانة ضد الملاحقة القضائية التي كان يعرف أنها في انتظاره وأنها ستوصله إلى حبل المشنقة. لكن المبادرة الخليجية كانت فيها ثغرات كثيرة نفذ منها صالح إلى التمرد والانقلاب على الفترة الانتقالية، تماما مثلما نفذ من ثغرات اتفاق 22 مايو 1990 إلى الانقلاب على الوحدة بحرب 1994.
10. جاءت المبادرة الخليجية في سياق معقد، والإشكال فيها أن يقبل بها الطرف الآخر الذي وافق على المبادرة بكل ما فيها من عوار، وبكل ما فيها من إضاعة للحقوق؛ وهذه من سلبيات الذين تزعموا المعارضة، ومثلوا طرف الثورة في المبادرة الخليجية، وقبلوا بتلك الحصانة.
خلاصة القول: هناك عشرات، وربما مئات الوقائع والقرائن والأدلة التي تدين علي صالح، وليس بمقدور ألف شوقي القاضي أن يغطي عليها. ولكن السؤال الجوهري: لماذا حدث هذا التحول الكبير في موقف شوقي القاضي من علي صالح؟ لماذا اتهمه عام 2011 بارتكاب جرائم حرب، بينما في 2023-2024 يقول عنه إنه التزم صيانة الدماء ويستحق منا الدعاء بالرحمة والغفران؟
والحقيقة أن هذا السؤال هو صياغة أخرى للسؤال: لماذا في العام 2011 خرج اليمنيون بالملايين يريدون إسقاط نظام علي صالح، ولماذا تبدل حالهم الآن وأصبحوا يشعرون بالندم على ذلك النظام القبيح؟ والجواب:
فيما يتعلق بملايين اليمنيين: في العام 2011 كان هناك مناخ ثوري تغير معه المزاج العام، وكانت الجماهير مستبشرة بالتغيير الذي تمنته وحلمت به. أما الآن فاليمن تعاني من ثورة مضادة ألقت بظلالها الكثيفة على حياة ملايين اليمنيين، وطالت أمن وسلامة الجغرافيا التي يعيشون عليها؛ وهذا أمر مفهوم لكل من له معرفة بسيكولوجيا الجماهير.
أما فيما يتعلق بشوقي القاضي، وانتقال موقفه من علي صالح، من النقيض إلى النقيض، فالأمر مختلف. فالرجل يدعو إلى قيام اصطفاف سياسي واسع لقتال الحوثي، ويرى أن الكراهية لصالح تعيق قيام مثل هذا الاصطفاف، وبالتالي لابد من إعادة انتاج علي صالح في المخيال الجمعي، بحيث يتحول من 'قاتل' إلى 'حمامة سلام'، ولا ضير إن احتاج هذا الأمر إلى حجب الحقائق وتزييف الوعي وهدر الحقوق.
خلاصة الخلاصة:
من أجل إعادة بناء سردية الواقع الراهن لتوافق هواه، قام شوقي القاضي بعمليات قص ولصق وتعديل على السردية التي كانت سببا فيما آل إليه الحال، وكان يغنيه عن ذلك أن يدعو إلى اصطفاف واسع على قاعدة برنامج وطني يقيم به الحجة على جميع الأطراف، لا على قاعدة الكراهية للحوثي؛ وأن يدعو إلى محاكمة كل من ارتكب جرائم ضد الشعب، في الماضي أو في الحاضر تحت أي لافتة وتحت أي مسمى، لا إلى إدانة هذا أو تبرئة ذاك، فهو ليس قاضيا حتى وإن كان اسمه شوقي القاضي.
كان على شوقي القاضي أن يعرف أنه ليس من حقه أن يتناول قضايا خطيرة ليعرضها على الناس بهذه الخفة، لا سيما أنه رجل يحظى ببعض الشعبية لاعتبارات مختلفة، ومدرك للأمية السياسية والقانونية السائدة في أوساط الجماهير؛ وخطورة أن يفعل ذلك تأتي من أمرين:
1. أنه برلماني وقانوني وحقوقي وداعية، وأقواله تلك تزيف وعي الناس وتشوش عليهم.
2. خطورة المرحلة التي يحاول فيها استخدام بعض الخيارات السياسية لتدمير الوعي بالحقوق.
من حق شوقي القاضي أن يعلن اصطفافه مع أي طرف، وضد أي طرف؛ لكن ليس من حقه أن يروِّج لشيء فيه دماء آخرين وحقوق شعب، ويلعب عليها فقط لمزاجه الشخصي. ومن حق شوقي القاضي أن يهيم في حب علي صالح كيفما شاء، وأن يترحم عليه وقتما شاء، وأن يمدحه لذاته، كأن يقول: هو أبهى الناس طلعة إذا نظرت إليه، وأطولهم قامة إذا مشى، وأكرمهم يدا إذا أعطى، وأبلغهم لغة إذا خطب، وأجملهم صوتا إذا غنى، وأكثرهم جاذبية إذا ابتسم. لكن ليس من حقه أن يخوض في ثنائية الشعب-الطاغية ليصطف مع الطاغية في تبرير أفعاله، فهذا مما لا يمكن أن يؤخذ مأخذ السلامة.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


اليمن الآن
منذ 40 دقائق
- اليمن الآن
رحلات جوية من صنعاء على طاولة الحوثيين.. الكشف عن اتفاق مع اليمنية في عدن وأربع خيارات جديدة
أعلنت مليشيا الحوثي الإرهابية، عن أربعة مقترحات لإعادة تشغيل مطار صنعاء، واستئناف الرحلات الجوية عبره، بعد تدمير كافة طائرات شركة الخطوط الجوية اليمنية، بغارات إسرائيلية. وقال منتحل صفة مدير مطار صنعاء، المعين من قبل المليشيات الحوثية، خالد الشايف، إن هناك (ثلاثة) مقترحات لتوفير طائرات وتسيير رحلات عبر مطار صنعاء، أولها 'استئجار طائرات'، وثانيها 'شراء طائرات'، أو السماح لبعض الشركات بتسيير رحلات عبر مطار صنعاء، وأشار الشايف، إلى وجود مقترح الرابع، وهو الاتفاق مع شركة الخطوط الجوية اليمنية في عدن، لتسيير رحلات، عبر مطار صنعاء، من خلال طائراتها الثلاث المتبقية من الأسطول الجوي. وقبل أيام تعرضت آخر طائرة من الطائرات الأربع، المختطفة لدى مليشيا الحوثي، والتابعة للخطوط الجوية اليمنية، لغارة جوية أدت إلى تدميرها، بعد تدمير ثلاث طائرات أخرى، قبل ذلك بأسابيع الحوثيين الخطوط الجوية اليمنية مطار صنعاء شارك على فيسبوك شارك على تويتر تصفّح المقالات السابق أمل عرفة تتحدث عن تأثير اليمن في مشوارها الفني وتكشف أمنيتها بزيارته التالي لماذا انتشرت فرق الغوص والإنقاذ في صنعاء؟ التفاصيل الكاملة هنا


اليمن الآن
منذ ساعة واحدة
- اليمن الآن
لماذا انتشرت فرق الغوص والإنقاذ في صنعاء؟ التفاصيل الكاملة هنا
نشرت مصلحة الدفاع المدني عدداً من فرق الغوص والإنقاذ المائي على ضفاف السدود والحواجز المائية المحيطة بأمانة العاصمة، وذلك ضمن خطتها لحماية الزوار وتعزيز إجراءات السلامة العامة خلال أيام إجازة عيد الأضحى المبارك. وأوضحت المصلحة أن الفرق الميدانية تم توزيعها على عدد من المواقع المائية التي تشهد إقبالاً من الزوار، حيث تتولى تنفيذ مهام الحماية والرقابة، ومنع السباحة، إلى جانب إلزام أصحاب القوارب باتباع تدابير الأمن والسلامة العامة. ودعت مصلحة الدفاع المدني جميع المواطنين إلى الامتناع عن السباحة في السدود والحواجز المائية، وعدم الجلوس أو إيقاف المركبات بالقرب من ضفافها، حفاظاً على سلامتهم، مؤكدة أن تلك المواقع غير صالحة للسباحة وتشكل خطراً كبيراً على حياة مرتاديها. – السباحة السدود صنعاء مصلحة الدفاع المدني شارك على فيسبوك شارك على تويتر تصفّح المقالات السابق رحلات جوية من صنعاء على طاولة الحوثيين.. الكشف عن اتفاق مع اليمنية في عدن وأربع خيارات جديدة التالي أزمة الغاز تخنق العاصمة.. طوابير السيارات تمتد بلا نهاية أمام المحطات


اليمن الآن
منذ ساعة واحدة
- اليمن الآن
عندما اتفقا على المواعدة وصعدا إلى الغرفة كانت المفاجأة...محامٍ إماراتي يروي قصة تعرُّف رجل ثري على امرأة داخل فندق
كشف المستشار القانوني الإماراتي، الدكتور فهد السبهان، عن واقعة ابتزاز تعرّض لها رجل أعمال على يد امرأة ورجل ادّعيا أنهما زوجان، بهدف الحصول على مبالغ مالية كبيرة. تعرف على امرأة وقال السبهان خلال استضافته في برنامج "عرب كاست" أن رجل الأعمال كان يجلس في بهو أحد الفنادق، حيث تعرّف على امرأة ودارت بينهما أحاديث وديّة تطورت لاحقًا إلى مواعدة على لقاء خاص في غرفة الفندق". الغرفة وأضاف، أن الرجل والمرأة صعدا إلى الغرفة، وقبل أن تبدأ بينهما أي علاقة جنسية، فوجئ الرجل بدخول شخص آخر ادّعى أنه زوج المرأة، وبدأ يصرخ ويتهمه بإقامة علاقة غير مشروعة مع زوجته. مبالغ مالية وتابع، رجل الأعمال أصيب بالخوف وحاول تهدئة الموقف، فعرض على الرجل مبلغ 100 ألف مقابل أن يتركه ويذهب، إلا أن الأخير رفض، ما دفعه إلى رفع المبلغ تدريجيًا حتى وصل إلى 400 ألف درهم، حينها وافق المدّعي. طريقة الدفع وأشار إلى أن رجل الأعمال أخبره بأنه سيدفع 150 ألفًا بشكل فوري، على أن يسدد الباقي لاحقًا. وبعد مرور أسبوع، تواصل الطرفان مجددًا واتفقا على اللقاء في شارع الجميرا، إلا أن مشادة وقعت بينهما أثناء اللقاء، وتصادف مرور دورية شرطة بالمكان. التحقيقات وأضاف، ألقت الشرطة القبض عليهما، وتم فتح تحقيق في الواقعة، وإحالتهما إلى النيابة العامة، التي كشفت لاحقًا أن الرجل والمرأة لا تربطهما علاقة زواج، وأنهما يعملان سويًا في أعمال ابتزاز ممنهجة تستهدف الضحايا بهذه الطريقة.