
"Responsible Statecraft": الحرب على غزة.. من إفشال التهدئة إلى سياسة الإبادة والتهجير
كما يربط النص بين الحصار والمجاعة في غزة وبين الهجمات السياسية على الأونروا، معتبراً أن هذه السياسات تهدف إلى إضعاف الدعم الدولي للفلسطينيين وتسهيل التهجير القسري.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
ما تزال احتمالات التفاوض على وقف إطلاق النار ووضع حدّ للكارثة الإنسانية في قطاع غزّة قاتمة. خاصّة بعد انسحاب ممثلي تلّ أبيب وواشنطن من المفاوضات مع حركة "حماس" في الدوحة بوساطة قطرية ومصرية، بينما نتنياهو يتحدّث عن خطط "بديلة" لتحقيق أهداف "إسرائيل" في الحرب على غزّة.
وكان الرئيس دونالد ترامب أيضاً كرّر كلام نتنياهو بإلقاء اللوم على "حماس" في فشل المفاوضات واتّهمها أنّها لا تريد حقّا إبرام صفقة، قائلاً: "أعتقد أنّهم يريدون أن يموتوا"، وأشار إلى الحاجة لـ"إنهاء المهمّة"، مشيراً بوضوح إلى الهجوم الإسرائيلي المدمّر المستمرّ على سكّان القطاع.
لقد كنت أفكّر منذ فترة طويلة في مسألة التفاوض على وقف إطلاق النار. ومنذ ما يقرب من 5 عقود ألّفتُ كتاباً بعنوان "التفاوض على السلام، إنهاء الحرب كعملية مساومة"، والذي استكشف الديناميكيات الدبلوماسية والعسكرية لكيفية تفاوض طرفي الحرب على السلام، بينما هما يخوضانها في الوقت عينه.
ما يحدث في غزّة الآن ليس حرباً في الغالب، على الرغم من أنّ هذا المصطلح ينطبق عادة على العنف هناك، وأنّه في الحقيقة هجوم أحاديّ الجانب إلى حدّ كبير على الفلسطينيين المدنيين ووسائل عيشهم. إنّه وضع تمتلك فيه "إسرائيل" الأوراق كلها تقريباً كما قد يقول ترامب.
فالتقارير الإخبارية اليومية من غزّة لا تتحدّث عن معارك ضارية بين القوّات الإسرائيلية ومقاتلي "حماس"، ومعظمها لا يفيد بمواجهات عسكرية بين طرفين إطلاقاً. وفي الغالب الأخبار هي عن أحدث عمليات القتل الواسعة النطاق التي تنفّذها "إسرائيل" ضدّ الفلسطينيين الذين يقتل منهم كلّ يوم نحو 150 ضحية مدنية منذ إعلان الحرب الإسرائيلية على القطاع في أواخر عام 2023.
وتقتل "إسرائيل" المدنيين في الغارات الجوية، ولكن في الآونة الأخيرة أيضاً من خلال إطلاق النار عليهم في أثناء محاولتهم الحصول على الغذاء الذي أصبح نادراً، حيث أصبحت المجاعة الجماعية الجزء الأكثر إيلاماً في كارثة الحرب على غزّة، لكنّ "إسرائيل" تلقّي اللوم على "حماس" بما تقوم به هي في تجويعها الفلسطينيين.
ومن الاتهامات الإسرائيلية التي طال أمدها بالسعي لإغلاق وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" المنظّمة الدولية الرئيسية التي تتمثّل مهمتها في مساعدة اللاجئين الفلسطينيين، بما في ذلك في غزّة. والتهمة الإسرائيلية هي أنّ "حماس" تسرق المواد الغذائية التي توفّرها "الأونروا"، وأيضا ردّد ترامب هذا الاتّهام.
مع ذلك، لم تجد دراسة أجرتها "الوكالة الأميركية للتنمية الدولية" قبل أن تفكّكها إدارة ترامب، ولم تجد أيّ دليل على سرقة المساعدات الإنسانية التي قدّمتها الولايات المتحدة في غزّة، ولا على أنّ "حماس" قد شاركت في تحويل المساعدات على نطاق واسع. كما تظهر التقارير الصحافية الأخيرة أنّ الجيش الإسرائيلي نفسه لم يعثر على أيّ دليل على استيلاء "حماس" على المساعدات.
إنّ هجوم "إسرائيل" على منظمة "الأونروا" لا علاقة له بحركة "حماس" أو بسرقة المساعدات الإنسانية، بل إنّ الأمر يتعلق بقيام المنظّمة الأممية من خلال خصوصيّتها في التركيز صراحة على الفلسطينيين، بتشكيل اعتراف دولي بأنّ الفلسطينيين أمّة، وأنّ العديد منهم لاجئون من وطنهم.
لقد تدهورت الأوضاع الإنسانية في غزّة بعد أن نجحت "إسرائيل" في تهميش دور "الأونروا". وبديل المساعدات الذي تدعمه الولايات المتحدة وتسيطر عليه إسرائيل لا يفي بالاحتياجات العاجلة بالقدر الكافي فحسب، بل صُمّم أيضاً ليكون مكملاً لأهداف "إسرائيل" في التطهير العرقي. إنّ حصر توزيع المساعدات في نقاط توزيع محدودة يسهّل التهجير القسري للناجين من سكّان القطاع إلى معسكر اعتقال جماعي، تمهيداً لاحتمال ترحيلهم الكامل من غزّة.
1 اب 13:01
31 تموز 12:40
إنّ إسقاط بعض المساعدات مؤخّراً جوّاً وسيلة غير فعّالة وغير كافية، وهي محاولة لتخفيف الجوع قليلاً. والكمّيات التي تسلم لا تمثّل سوى جزء ضئيل ممّا هو مطلوب. كما أنّ تكلفة التوصيل جوّاً أعلى بكثير مقارنة بالنقل البرّي. وكما أظهرت محاولة سابقة للولايات المتحدة لإيصال المساعدات بهذه الطريقة، فإنّ بعض الإمدادات يضيع، لأنّها يسقط في البحر أو الأسوأ من ذلك أنّها تقتل أشخاصاً نتيجة سقوط الطرود عليهم. ومع ذلك، فإنّ بعض الجهات المانحة تلجأ إلى الإسقاط الجوّي كاستعراض بصري مثير يهدف إلى تخدير ضمير الرأي العام.
أَمّا بِالنسبة لـ"إسرائيل"، فإنّ هذا التصرف يستخدم كوسيلة لصرف الانتباه عن حقيقة أنّ أكبر عقبة أمام إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزّة هي استمرار الحصار البري الذي تفرضه على القطاع. وتقديراً لأهمّية لعبة التشتيت هذه تشارك "إسرائيل" نفسها في عمليات الإسقاط الجوّي، إلّا أنّها في الوقت نفسه، لا تزال تسمح بمرور كمّيات ضئيلة فقط من المساعدات عبر الحدود البرّية، بينما تبقى مئات الشاحنات المحمّلة بالمساعدات لتفسد وتدمّر من قبل قوّات الاحتلال الإسرائيلي.
في كتابي الذي مضى عليه عقود، حدّدت نوعاً من إنهاء الحروب يستخدم بديلاً عن التسوية التفاوضية باسم "الإبادة/الطرد"، ويعني أنّ الطرف المسيطر عسكرياً يقضي فعلياً على خصمه أو يدفعه خارج الأراضي المتنازع عليها، وهذا هو الوصف المناسب لهدف "إسرائيل" في القطاع.
أمّا التصوّر الإسرائيلي السائد للخصم أو العدوّ في غزّة، فهو يشمل كامل السكّان الفلسطينيين، وهو موقف كان راسخاً بالفعل لدى اليمين الإسرائيلي قبل هجوم "حماس" في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وقد ازداد قوّة وانتشاراً منذ ذلك الحين. والوفيات التي تسبّب بها "الجيش" الإسرائيلي بشكل مباشر أو غير مباشر حقّقت تقدماً كبيراً نحو هدف الإبادة. أمّا جانب طرد الفلسطينيين فقد كان في الغالب موضوع نقاشات داخلية إسرائيلية، إلّا أنّه أصبح أكثر وضوحاً عندما منح ترامب حكومة نتنياهو هدية دعم التطهير العرقي من خلال اقتراح "ريفييرا في غزّة".
وبقدر ما يعرف "حماس" على أنّها العدو، فإنّ الهدف الإسرائيلي من الإبادة كان أكثر وضوحاً، حيث أعلنت إدارة ترامب دعمها لهدف "إسرائيل" المعلن مراراً وتكراراً المتمثّل في "استئصال حماس". وقال نتنياهو، متحدّثا أمام جمهور داخلي للجيش الإسرائيلي في العام الماضي، "سنقتل قيادة حماس" وأنّ هذا القتل وكذلك العمل "في جميع المناطق في قطاع غزّة" هو جزء من "النصر الكامل" الذي سيكون مطلوباً قبل انتهاء العمليات العسكرية.
إنّ هدف "إسرائيل" من إبادة أو طرد الفلسطينيين، يقتل بوضوح إمكانية عقد صفقة. فليس من المنطقي أن نتوقّع من الطرف الآخر في الصراع أن يتفاوض للقضاء على نفسه.
ولدى نتنياهو أيضاً أسباب شخصية وسياسية أخرى لإبقاء العمليات العسكرية الإسرائيلية مستمرّة إلى أجل غير مسمّى، بغاية تأخير محاسبته على مجمل تهم الفساد والحفاظ على ائتلافه مع المتطرّفين اليمينيين الذين يحرصون على القضاء على الفلسطينيين أو طردهم من غزّة ويعارضون بشدة وقف إطلاق النار.
وبالنسبة لحكومة نتنياهو فإنّ أيّ حديث عن وقف إطلاق النار لا علاقة له بالاقتراب من السلام في غزّة. كما أنّ مجرّد توقّف مؤقّت في العمليات تجده هذه الحكومة مناسباً لأيّ سبب، سواء كان ذلك إعادة الإمداد اللوجستي، أم تخفيف الضغط الدبلوماسي، أم أيّ شيء آخر. وكما هي الحال مع وقف إطلاق النار في وقت سابق من هذا العام، سيشعر الإسرائيليون بالحرّية في خرقه كلّما لم وجدوه غير مناسب.
لطالما رغبت "حماس" بوقف إطلاق النار. وخلال المفاوضات المتقطعة منذ العام الماضي، كان العائق الرئيسي يتمثّل في أنّ الحركة تريد طريقاً واضحاً نحو إنهاء دائم للأعمال العدائية، بينما تريد "إسرائيل" الاحتفاظ بحقها في استئناف هجماتها. كما حاولت "حماس" استغلال ما تبقّى لديها من أوراق ضغط لتحقيق بعض التخفيف عن السكّان المدنيين في القطاع، من خلال المطالبة بإيصال المساعدات الإنسانية من دون عوائق، وانسحاب القوّات الإسرائيلية من المناطق ذات الكثافة السكانية العالية حتّى يتمكّن الفلسطينيون من العودة إلى منازلهم، كما أنّ الحركة تسعى للإفراج عن عدد وافر من الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية.
وتظهر التقارير الصحافية المستندة إلى وثائق داخلية من الجولة الأخيرة من المحادثات في الدوحة أنّ مُفاوضي "حماس" عملوا من كثب وبعناية مع الوسطاء القطريين والمصريين لمحاولة صياغة اتفاق لوقف إطلاق النار يمكن تطبيقه. وكانت الحركة قد وافقت بالفعل على الغالبية العظمى من المحتوى في وثيقة إطار قال الوسطاء إنّ "إسرائيل" وافقت عليه.
وركّزت التعديلات التي سعت إليها "حماس" في الغالب على إغاثة المدنيين الفلسطينيين وتهدف إلى الحصول على مزيد من الدقة والوضوح في الاتفاق الإطاري. على سبيل المثال، فيما يتعلّق بانسحاب القوات الإسرائيلية، بدلاً من اللغة الغامضة في المسوّدة حول الانسحاب إلى خطوط قريبة ممّا كان عليه في اتفاق وقف إطلاق النار في كانون الثاني/يناير 2025، أصرّت الحركة على أن يتحدّث المفاوضون بالتفصيل عن خطوط محدّدة على الخرائط. كما قدم مفاوضو الحركة مقترحاتهم الخاصّة التي أجريت بعض التحسينات على بعد 100 أو 200 متر فقط من الخرائط التي أعطيت لهم أخيراً.
وفيما يتعلق بالإفراج عن السجناء الفلسطينيين، رداً على لغة الإطار الغامضة، أراد ممثلو "حماس" التفاوض على أعداد محدّدة للأسرى الإسرائيليين الذين سيطلق سراحهم في الإطار. وفيما يتعلّق بالمساعدات الإنسانية، أرادت الحركة إعادة توزيع المساعدات إلى إدارة الأمم المتحدة وإعادة فتح معبر رفح مع مصر.
وبعد أن تفاوضوا بجدّية حول هذه النقاط وغيرها، فوجئ ممثّلو "حماس" بالانسحاب الأميركي والإسرائيلي اللاحق واتّهامات ترامب للحركة بالمسؤولية عن انهيار المفاوضات.
إنّ تأكيد ترامب بأنّ حماس "لم تكن تريد حقّاً إبرام صفقة" وبدلاً من ذلك أرادت "الموت" هو هراء. انتهت المحادثات في قطر، لأنّ حكومة نتنياهو قرّرت أنّها لا تريد إبرام صفقة في هذا الوقت. وكما هي الحال مع معظم الأمور المتعلّقة بـ "إسرائيل" تراجعت إدارة ترامب كما أراد نتنياهو.
إنّ إلقاء اللوم على حماس في استمرار كارثة غزّة هو مثال آخر على التعامل مع المقاومة فلسطينية، سواء كانت "حماس" أم أيّ جماعة أخرى، واتّهامها بالعنف لأنّها ترفض إخضاع الفلسطينيين واحتلال وطنهم. وهذا النهج مؤشّر آخر على عدم الرغبة في التوصل إلى سلام تفاوضي مع الفلسطينيين.
نقله إلى العربية: حسين قطايا.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الميادين
منذ 2 ساعات
- الميادين
"المونيتور": تسونامي دبلوماسي.. "إسرائيل" تواجه العزلة والاعتراف بفلسطين
موقع "المونيتور" الأميركي ينشر مقالاً يتناول الضغوط الدبلوماسية المتصاعدة على "إسرائيل" من قبل دول أوروبية وغربية، على خلفية الأزمة الإنسانية الحادة والمجاعة في غزة، مع اتجاه عدد متزايد من هذه الدول إلى الاعتراف بدولة فلسطينية. كما يناقش التلويح الأوروبي بفرض عقوبات، منها تعليق مشاركة "إسرائيل" في برامج تمويل أبحاث، وحظر سفر مسؤولين إسرائيليين، إضافة إلى تصاعد الانتقادات حتى من حلفاء تقليديين كألمانيا وإيطاليا. ويرصد النصّ ما وُصف بـ"تسونامي دبلوماسي" يهدّد علاقات "إسرائيل" مع أوروبا ويعكس تغيّراً في مواقف شركائها التقليديين. أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية: في حين يشجّع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الدول الأوروبية على اتباع خطاه في الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة هذا الخريف، يدرس الاتحاد الأوروبي تعليق مشاركة "إسرائيل" في برنامج تمويل أبحاث رئيسي بسبب الأزمة الإنسانية في غزة، حيث تواجه "إسرائيل" ما وصفه مصدر مطلع بـتسونامي دبلوماسي تتزايد أخطاره. لا تتعرّض "إسرائيل" للمقاطعة من قبل الدول الأوروبية المنتقدة لسياساتها فحسب، بل أيضاً من بعض حلفائها التقليديين مثل ألمانيا وإيطاليا، مع تفاقم أزمة الجوع في غزّة. كما أعلنت كندا التي تعتبر أيضاً من داعمي "إسرائيل" أنّها ستتجه للاعتراف بدولة فلسطينية في الشهر المقبل، وأوضحت أنّ هذا القرار سيكون مشروطاً بإجراء السلطة الفلسطينية لانتخابات في عام 2026 والتزامها بالإصلاحات. وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد قال في الأسبوع الماضي، إنّ فرنسا ستعترف بدولة فلسطين خلال قمة الجمعية العامة للأمم المتحدة في الشهر المقبل، ممّا أثار غضب الحكومة الإسرائيلية التي قالت إنّ مثل هذا القرار سيعود بالنفع على حركة "حماس". ومؤخراً أعلن رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر عن أنّ بِلاده ستعترف أيضاً بدولة فلسطين إذا لم توافق "إسرائيل" على وقف إطلاق النار في غزّة وتتخذ خطوات نحو حلّ الدولتين. كما قال رئيس وزراء مالطا روبرت أبيلا إنّ بلاده ستعترف بفلسطين خلال الاجتماع الأممي ذاته. فيما بعد، أعلنت 7 دول غربية أخرى هي أستراليا، كندا، فنلندا، نيوزيلندا، البرتغال، أندورا وسان مارينو أنّها تدرس أيضاً الاعتراف بدولة فلسطين من أجل تعزيز حلّ الدولتين. جاء بيانها خلال مؤتمر للأمم المتحدة في نيويورك شاركت في رئاسته كلّ من فرنسا والسعودية، وتركّز على قضية إقامة الدولة الفلسطينية وحقّها في الحكم الذاتي. وقد زادت "إسرائيل" من تدفّق المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة منذ يوم الأحد الماضي، إلّا أنّ الاتحاد الأوروبي ووكالات الإغاثة التابعة للأمم المتحدة يحذّران من أنّ توزيع الغذاء والدواء يجب أن يتسارع بشكل كبير لمنع حدوث مجاعة في جميع أنحاء قطاع غزّة. 7 اب 12:21 7 اب 09:22 كذلك اتّهمت المفوّضية الأوروبية مؤخراً "إسرائيل" بشكل صريح بانتهاك حقوق الإنسان، والإشراف على احتمال حدوث "مجاعة في غزّة ناتجة عن القصف المستمرّ، والعمليات العسكرية، والنزوح الجماعي، وانهيار الخدمات الأساسية. ورغم إعلان "إسرائيل" عن وقف إنساني يومي للقتال في القطاع وتلبيتها لبعض التزاماتها، بموجب الاتفاق الأخير بين الاتحاد و"تلّ أبيب" بشأن وصول المساعدات "إلّا أنّ الوضع لا يزال خطيراً". في ظلّ الصور اليومية للأطفال الجوعى في غزّة، تواجه "إسرائيل" الآن أكبر أزمة في علاقاتها مع العواصم الأوروبية منذ بدء الحرب في تشرين الأول/أكتوبر 2023، بحسب ما أفاد به محللون لموقع "المونيتور". كما أعلنت هولندا في الأسبوع الماضي حظر دخول الوزيرين الإسرائيليين اليمينيين المتطرّفين بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير إلى البلاد بسبب خطاباتهما التحريضية ضد غزّة والضفّة الغربية ودعوتهما لضمّ القطاع. وقال دبلوماسي أوروبي لموقع "المونيتور" إنّ دولاً أخرى أعضاء في الاتحاد الأوروبي قد تتخذ خطوات مماثلة ضدّ هذين الوزيرين، بينما قال دبلوماسي إسرائيلي رفيع المستوى فضّل عدم الكشف عن هويته إنّ "إسرائيل تواجه حالياً تسونامي دبلوماسياً". وفي بيان صدر في الأسبوع الماضي، دعا منتدى السياسة الخارجية الإسرائيلي، وهو منظمة تضمّ دبلوماسيين سابقين، الحكومة إلى اتخاذ خطوات لإنهاء الحرب على غزة ومنع ضمّها محذراً من "انهيار دبلوماسي كامل، بالترافق مع حرب بلا هدف أو نهاية واضحة، وتزايد التهديدات بمقاطعة قطاعات التعليم العالي والبحث العلمي وصناعة التكنولوجيا المتقدّمة. ولوقف الانهيار واستعادة مكانة إسرائيل في المنطقة والعالم، يجب على الحكومة أن تغيّر مسارها". لقد قامت عدة دول أوروبية بالتحرّك للاعتراف بدولة فلسطين منذ بدء الحرب على غزّة، وقد اعترفت كلّ من سلوفينيا وإسبانيا وجمهورية أيرلندا والنرويج بدولة فلسطين في ربيع العام الماضي. وكما كانت آيسلندا والسويد قد سبق واعترفت بفلسطين في عامي 2011 و2014 على التوالي. لكن، لطالما انتقدت هذه الدول معاملة "إسرائيل" للفلسطينيين وشهدت على علاقات متوترة معها، إلّا أنّ الدبلوماسيين الإسرائيليين يبدون الآن قلقهم من تغيّر في نبرة العلاقات مع الشركاء الأوروبيين التقليديين. وكان رئيس وزراء هولندا ديك سخوف قد قال إنّه إذا لم تسمح "إسرائيل" بوصول المساعدات الإنسانية بشكل فوري ومن دون عوائق، فإنّ حكومته ستدعم تعليق مشاركتها في برنامج "آفاق" للبحث العلمي التابع للاتحاد الأوروبي. وكتب سخوف على منصّة "إكس"، أنّ هولندا "ستضغط أيضاً من أجل اتخاذ مزيد من الإجراءات الأوروبية، منها في مجال التجارة". وكانت شهدت العلاقات بين "إسرائيل" وهولندا تقلّبات، وفي الأشهر الأخيرة، قادت الحكومة الهولندية الجهود لمطالبة الاتحاد الأوروبي بإعادة النظر في اتفاقية الشراكة مع "إسرائيل"، والتي تحدّد مجمل علاقات الاتحاد معها في مجالات العلوم والثقافة والتعاون الأكاديمي ومع المجتمع المدني. رئيسة وزراء إيطاليا، جورجيا ميلوني، التي تترّأس حزب "إخوة إيطاليا" اليميني المتطرف، تعتبر أيضاً من الداعمين الأقوياء لـ"إسرائيل". وعلى الرغم من أنّ إيطاليا أوضحت هذا الأسبوع أنّها لن تتخذ خطوة للاعتراف بدولة فلسطين، إلّا أنّ ميلوني كثّفت من انتقاداتها للحملة الإسرائيلية في غزّة وزادت من جهودها لإرسال المساعدات إلى القطاع المدمّر من الحرب. وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، أعلنت روما عن تبرّعها بمبلغ 12 مليون يورو لبرنامج المساعدات الأممية "الغذاء من أجل غزّة". كما أدانت ميلوني "إسرائيل" بسبب القصف الذي استهدف كنيسة العائلة المقدّسة في القطاع منتصف الشهر الماضي، والذي أدى إلى مقتل امرأتين. وقالت ميلوني إنّ "الهجمات الإسرائيلية ضدّ السكّان المدنيين منذ شهور غير مقبولة، ولا يمكن تبرير مثل هذا السلوك". في الـ 16 من الشهر الماضي قدّمت المفوّضية الأوروبية لوزراء الخارجية الأوروبيين قائمة تضمّ 10 عقوبات محتملة ضدّ "إسرائيل" بسبب انهيار الوضع الإنساني في غزة، تتراوح بين تعليق التعاون التقني وتجميد بعض عناصر اتفاقية الشراكة مع الاتحاد، وذلك بعد العثور على "مؤشرات" تفيد بأنّ "إسرائيل" ربما انتهكت التزاماتها المتعلقة بحقوق الإنسان بموجب الاتفاقية. ويعدّ تعليق برنامج "آفاق" أحد العقوبات المحتملة المطروحة، والاقتراح الأكثر تقدّماً حالياً. قال دبلوماسي إسرائيلي رفيع المستوى: "طالما أنّ إيطاليا وألمانيا تعارضان تعليق مشاركة إسرائيل في برنامج آفاق، فلن يُعرض الاقتراح على الوزراء للتصويت، حيث يتطلّب مثل هذا القرار أغلبية من الدول الأعضاء تمثّل ما لا يقلّ عن 65% من سكان الاتحاد الأوروبي. ومن دون هذين البلدين لن يمرّ التصويت أبداً". ومع ذلك، قد يتغيّر هذا، يضيف الدبلوماسي: "بينما ينقسم أعضاء الاتحاد الأوروبي بشأن الاعتراف بدولة فلسطين، إلا أنهم موحّدون حول ضرورة حلّ الأزمة الإنسانية في غزّة، ويتفقون على دور إسرائيل في تأجيج الأزمة، بينما قال مسؤول كبير في الاتحاد الأوروبي، "على إسرائيل أن تستعدّ لاحتمالية فرض عقوبات أوروبية". نقله إلى العربية: حسين قطايا.


الميادين
منذ 2 ساعات
- الميادين
"972+": "إسرائيل" تحتجز جثمان الشاب عودة هذالين.. وقاتله يتجول بحريّة
مجلة "972+" الإسرائيلية تنشر مقالاً يتناول قضية مقتل الناشط الفلسطيني عودة الهذالين برصاص مستوطن إسرائيلي، وما تلاها من تبعات إنسانية وقضائية ومجتمعية داخل قريته "أم الخير" في الضفة الغربية المحتلة. أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية: بالأمس، بعد أسبوع واحد فقط من إطلاق النار على الناشط الفلسطيني عودة هذالين ، عاد المستوطن الإسرائيلي ينون ليفي إلى مسرح الجريمة في قرية أم الخير الفلسطينية بالضفة الغربية المحتلة. كان ليفي يُوجّه فريق الحفر بهدوء على الأرض الفلسطينية الخاصة نفسها التي أطلق النار عليها، وكأن شيئاً لم يكن. يوم الاثنين الماضي، احتُجز ليفي لفترة وجيزة ثم وُضع قيد الإقامة الجبرية. لكن بحلول يوم الجمعة، أُطلق سراحه: ففي جلسة المحكمة بشأن اعتقاله، حكم القاضي شافي توكر في محكمة الصلح بالقدس بأن ليفي "منع فعالية شارك فيها عشرات الفلسطينيين يلقون الحجارة"، بينما زعمت الشرطة أنّ الرصاصة التي اخترقت رئة هذالين لم يُعثر عليها قط. كان ذلك كافياً للمحكمة لإصدار أمر بالإفراج الفوري عن ليفي. قال طارق هذالين، ابن عم عودة: "جاء القاتل ووقف بجوار منازلنا مباشرة ليشرف على استمرار العمل الذي كان جارياً عندما أطلق النار على عودة". أضاف: "هذا يُشعرني بالغثيان. هذه ذروة القمع، شيء لم نشهده من قبل"، معتبراً "لو أن ينون قتل كلباً، لكان قد واجه عواقب أشد". بعد يوم من إطلاق النار، أقامت العائلة خيمة عزاء أمام المركز المجتمعي الذي قُتل فيه هذالين. لكن الجنود اقتحموا الخيمة، وطردوا المعزين والناشطين والصحافيين، واعتقلوا اثنين منهم. في غضون ذلك، اعتُقل 20 قروياً فلسطينياً خلال الأسبوع الماضي، بمن فيهم عزيز، شقيق هذالين، الذي اعتُقل فور إطلاق النار عندما أشار إليه ينون ليفي للجنود، ولا يزال ثلاثة منهم رهن الاعتقال. وكأن القتل نفسه، والمضايقات والاعتقالات، وعودة ليفي إلى القرية لم تكن كافية، فقد رفضت السلطات الإسرائيلية تسليم جثمان هذالين للدفن. وقد أدخل هذا القرار القرية بأكملها في حالة من الحزن السريالي من دون أي نهاية. في 31 تموز/يوليو، أعلنت نحو 60 امرأة من سكان القرية، تراوح أعمارهن بين 13 و81 عاماً، إضراباً عن الطعام لإجبار السلطات الإسرائيلية على إعادة جثمان هذالين؛ كما تنظر المحكمة العليا الإسرائيلية في التماس من العائلة هذا الأسبوع. وأوضحت إحدى النساء: "يطالبون بشروط مهينة للإفراج عنه، ألا يتجاوز عدد الحضور في الجنازة 15 شخصاً، وأن يُدفن في يطا بدلاً من أم الخير (قريته الأم)". قالت هنادي هذالين، زوجة هذالين: "منذ حادثة القتل، تفاقمت آلامنا. لن ننهي إضرابنا حتى يُسلّم جثمانه ونتمكن من إقامة جنازة تليق بعودة". إيمان هذالين، جارة هذالين وزميلته السابقة في الدراسة، تحدثت أيضاً إلى "+972" عن الإضراب عن الطعام. قالت: "كان عودة هو من روى للعالم قصص أم الخير والانتهاكات التي نواجهها. والآن، أصبح هو القصة". وأضافت: "قوات الاحتلال تعتقل الناشطين المحليين وتطرد الصحافيين والمتضامنين من القرية لمواصلة قمعها. لذلك قررنا إبراز دورنا كنساء والاحتجاج على هذا الظلم، عسى أن يسمع صوتنا أحد، سواء من الصحافيين أو من المنظمات الدولية. كما أننا نشعر بمسؤولية تجاه أطفال عودة، فوالدهم كان صوتنا في القرية. والآن، جاء دورنا للوقوف معهم ودعمهم". من يرى هؤلاء النساء يومياً يعلم أن معظمهن توقفن عن الأكل حتى قبل بدء الإضراب. ببساطة، لا يستطعن الأكل من شدة الحزن والخوف، ومن إدراكهن المُقزز أن الرجل الذي أطلق النار على هذالين لا يزال طليقاً. وقد شُلّت حياتهن من القلق على أبنائهن وإخوتهن وأزواجهن في السجون الإسرائيلية. في هذه الأثناء، يقطع حزنهم ضجيج حفارة المستوطنين المستمر، مصدر هذا الكابوس الأخير. علم القرويون أنّ المستوطنين الإسرائيليين يعتزمون إنشاء بؤرة استيطانية جديدة بجوار المركز المجتمعي في أم الخير، حيث قُتل هذالين. خلال النهار، تجلس نساء القرية على فرش أرضية مرتبة بشكل مستطيل، يرددن أسماء الله الحسنى في هدوء. يخيم حزن لا يلين على المكان. يتحدثن عن مشيئة الله، يحاولن مواساة بعضهن بعضاً، لكن كل يوم يحمل معه الأسئلة نفسها التي لا إجابات لها: ماذا يحدث في المحكمة؟ متى سنتمكن من إقامة الجنازة؟ متى سيعود المعتقلون؟ 7 اب 12:21 5 اب 13:54 يتوافد الأقارب والجيران والأصدقاء في موجاتٍ متواصلة، يكاد عناقهم وتعازيهم أن يفوقا احتمالهم. هنادي، أم سالم، والدة هذالين، وأخواته يلجأن مراراً إلى أسرّتهنّ، يتوقون للحظةٍ للبكاء والوحدة. ابنة أخيه تجلس على الأريكة، تُشاهد فيديوهاته القديمة مراراً وتكراراً. يبتسم، يضحك، يتحدث، وهي تبكي أمام الشاشة. هنادي تُمسك بقميصه، ولا تزال رائحته تفوح منه. لكن الليالي هي التي لا تُطاق حقاً. كل مساء يُثير الجدل المُخيف نفسه: "هل أنام بكامل ملابسي، وأغطي رأسي، تحسباً لاقتحام الجنود والمستوطنين الإسرائيليين للقرية مرة أخرى من دون سابق إنذار؟" كانت ليلة الثلاثاء عندما اقتحم جنود مسلحون منزل هنادي للمرة الأولى، بعد يوم واحد فقط من فقدانها زوجها، والد أطفالها الثلاثة الصغار. وبحسب التقاليد، لا يُسمح إلا لأقارب الدرجة الأولى الذكور برؤية الأرملة خلال الأشهر الأربعة الأولى من الحداد. لكن ذلك لم يكن يعني شيئاً للجنود. لذا، من الأفضل أن تنامي مستعدة، أوضحت النساء. فأي ضجيج قد يُنذر بمداهمة أخرى أو موجة اعتقالات أخرى. السؤال الوحيد هو: من سيكون هذه المرة؟ بحلول مساء الأربعاء، لم يبقَ في القرية سوى عدد قليل من الشباب - ١٢ منهم كانوا محتجزين لدى "إسرائيل" آنذاك. لذا، عندما بدأت طائرات استطلاع عسكرية صغيرة بالتحليق في سماء القرية، وتجمع الجيش عند بوابة المستوطنة المجاورة، ازدادت همسات النساء الخائفة. تمنى لها إجديع، شقيق هنادي البالغ من العمر تسعة عشر عاماً، ليلة سعيدة قبل أن تتمكن أخيراً من النوم، للمرة الأولى منذ أيام. بعد ساعة، ورد خبر اعتقاله. لم نكن نحن المقيمين مع العائلة نعرف هل نوقظها أم نتركها ترتاح. بحلول الصباح، تأكد الخبر: اعتقل الجيش الإسرائيلي ثلاثة من إخوة هنادي وابن عمها في تلك الليلة. تجولت زوجة أحدهم داخل المنزل في حالة ذعر، تحاول معرفة كيفية الحصول على بطاقة هويتها في منتصف الليل - على الجانب الآخر من القرية، بجوار سياج المستوطنة - لتتمكن من إرسال معلومات زوجها إلى المحامي. ومن بين الفلسطينيين الذين جرى اعتقالهم الأسبوع الماضي عيد الهذالين ، ابن عم الهذالين وهو فنان معروف وقيادي مجتمعي في أم الخير، والذي اعتقله جنود الاحتلال من منزله في ساعات الصباح الأولى من يوم الأربعاء. قال عيد لـ "+972": "في الساعة الثالثة من صباح الأربعاء، كنت نائماً. طرق أربعة جنود الباب وسألوا: هل أنت عيد؟ أحضر هاتفك وهويتك". عندما وصلنا إلى المركبات العسكرية، كان أخي الأكبر عادل وأخي معتصم هناك. قيدونا ووضعونا في مركبة عسكرية. أربعة رجال آخرين من أم الخير، اقتيدوا إلى مستوطنة عتنئيل القريبة، قبل أن يُنقلوا بالحافلة شمالاً إلى مركز شرطة في مستوطنة غوش عتصيون. روى عيد: "جلسنا في الخارج لعشر ساعات معصوبي الأعين. إذا نطق أحد بكلمة، كان الجنود يصرخون: اصمت!". "من الصباح حتى الظهر، أخبرناهم أننا جائعون، لكنهم قالوا: لا يوجد طعام. حوالى الساعة السادسة والنصف مساءً فقط أحضروا لنا القليل من الخبز والزبادي، وطلبوا منا أن نأكل ونحن مقيدين." شهد عيد أنه أُبلغ هو والرجال الآخرون بأنه سيُفرج عنهم بعد التحقيق، حيث اتُهموا بمهاجمة مستوطنين وإلقاء الحجارة يوم مقتل الهذالين. لكن الأسوأ لم يأتِ بعد. قال: "وضعونا في حافلة واقتادونا إلى سجن عوفر . وهناك، صعد الحراس إلى الحافلة، وقيدوا أيدينا خلف ظهورنا بأصفاد معدنية، وأجبرونا على خفض رؤوسنا. وإن لم نفعل، كانوا يضربوننا بالعصي ويهينوننا: "امشِ يا كلب! يا ابن العاهرة! هل أنتَ من حماس؟ هل أنتَ من فتح؟ هل أنتَ من حزب الله؟" عندما نزلنا من الحافلة، قيدوا أقدامنا وعصبوا أعيننا، قبل أن يأخذونا إلى غرفة وأجبروني على خلع ملابسي بالكامل، حتى ملابسي الداخلية. هددوني بإحضار كلب إن لم أذعن، تابع عيد. سمعتهم بالعبرية يطلب بعضهم من بعض تجهيز جهاز الليزر. ثم أجبروني على الجلوس عارياً وهم يضحكون - ربما كانوا يسجّلون. طلبوا مني أن أسعل. ثم أعطوني ملابس السجن ، وملابس داخلية، ونعالاً. لا أعرف إن كانت الملابس نظيفة أم لا. قضى عيد ليلته في زنزانة مع 11 معتقلاً آخر، وفي اليوم التالي، أُحضروا إلى غرفة أخرى لحضور جلسة محكمة عن بُعد. أمر القاضي بالإفراج عنهم بكفالة قدرها 500 شيكل للشخص الواحد، ومنعهم من الاقتراب لمسافة 100 متر من مستوطنة الكرمل - المجاورة لأم الخير - أو مناقشة الحادثة لمدة 60 يوماً. في أم الخير، ربما كانت ليلة الخميس الأسوأ على الإطلاق. انتشرت شائعاتٌ مجدداً عن جولة اعتقالات جديدة. ومرة أخرى، ذهب الجميع إلى فراشهم بملابسهم، منهكين، يتساءلون عمن سيأتي بعدهم. لكن هذه المرة، لم يكن الجيش هو من أيقظ عائلة هذالين، بل كان صوت الطفل محمد عودة هذالين. لم يبلغ الثالثة من عمره بعد، وقد شهد والده يلفظ أنفاسه الأخيرة. "بابا! بابا!" صرخ مراراً وتكراراً. أمه، المحطمة واللاهية، احتضنته وسألته بهدوء عما يحتاجه، وما الذي يمكنها فعله. صرخ قائلاً: "أريد أبي!". حاولت عمته تشتيت انتباهه بعرض العصير عليه. قال من بين دموعه: "لا أنتِ! أبي سيحضر لي العصير!". استمر في البكاء لعشرين دقيقة حتى غلبه النعاس. في صباح اليوم التالي، استيقظ على الحال نفسها، يصرخ منادياً على أبيه. بجانبه، كان أخوه الأكبر وتان يرقد في صمت، يراقبه بنظرة عجز وتفهم، نظرة ينبغي ألّا يمتلكها أي طفل. وتان، الذي لم يبلغ الخامسة بعد، يعلم أن والده لن يعود، وأنه من أجل أمه، لا يستطيع الانهيار والصراخ كأخيه الصغير. في النهاية، هدأ محمد. مع بزوغ الفجر، في خيمة العزاء، جلس يلعب بعصيّ الالتقاط مع الأطفال الآخرين. للمراقب العادي، قد يبدو كأي ولد آخر في عمره. لكن من راقبه عن كثب استطاع أن يرى كيف كان الأولاد الآخرون يعاملونه: الكبار يُحضرون له الآيس كريم كلما طلبه، والأصغر سناً لا يتجادلون معه على الألعاب. نقلته إلى العربية: بتول دياب.


الميادين
منذ 2 ساعات
- الميادين
"الغارديان": "مايكروسوفت" وفّرت البنية التحتية لتجسس "إسرائيل" الجماعي
صحيفة "الغارديان" البريطانية تنشر تقريراً يتناول تحقيقاً استقصائياً يكشف عن تعاون سري بين وحدة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية "8200" وشركة "مايكروسوفت"، حيث استخدمت الوحدة خدمات الحوسبة السحابية "Azure" لتخزين وتحليل كمّ هائل من المكالمات الهاتفية الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، في إطار نظام مراقبة جماعي واسع النطاق. أدناه نص التقرير منقولاً إلى العربية بتصرف: في ظهيرة أحد أواخر عام 2021، التقى الرئيس التنفيذي لشركة "مايكروسوفت"، ساتيا ناديلا، بقائد وحدة المراقبة العسكرية الإسرائيلية 8200. وكان من بين أجندة رئيس التجسس نقل كميات هائلة من مواد استخبارية سرية للغاية إلى سحابة الشركة الأميركية. خلال اجتماع في مقر "مايكروسوفت" بالقرب من سياتل، مزرعة دجاج سابقة تحولت إلى مجمع تكنولوجي متطور، حصل رئيس التجسس، يوسي سارييل، على دعم ناديلا لخطة من شأنها منح الوحدة 8200 إمكانية الوصول إلى منطقة مخصصة ومعزولة داخل منصة مايكروسوفت السحابية "Azure". مُزودةً بسعة تخزين "Azure" شبه اللامحدودة، بدأت الوحدة 8200 ببناء أداة مراقبة جماعية جديدة وقوية: نظام شامل ومتطفل يجمع ويخزن تسجيلات ملايين المكالمات الهاتفية التي يجريها الفلسطينيون يومياً في غزة والضفة الغربية. كُشف هنا للمرة الأولى في تحقيق أجرته صحيفة "الغارديان" بالتعاون مع مجلة "+972" الإسرائيلية الفلسطينية وموقع "لوكال كول" الناطق بالعبرية. يُمكّن هذا النظام السحابي، الذي بدأ تشغيله عام 2022، الوحدة 8200 من تخزين كمّ هائل من المكالمات يومياً لفترات زمنية طويلة. تزعم "مايكروسوفت" أنّ ناديلا لم يكن على علم بنوع البيانات التي تعتزم الوحدة 8200 تخزينها في "Azure". لكن مجموعة من وثائق "مايكروسوفت" المسربة ومقابلات مع 11 مصدراً من الشركة والاستخبارات العسكرية الإسرائيلية تكشف كيف استخدمت الوحدة "8200" "Azure" لتخزين هذا الأرشيف الواسع من الاتصالات الفلسطينية اليومية. وفقاً لثلاثة مصادر من الوحدة "8200"، سهّلت منصة التخزين السحابية الإعداد لغارات جوية قاتلة، ورسمت ملامح العمليات العسكرية في غزة والضفة الغربية. بفضل سيطرتها على البنية التحتية للاتصالات الفلسطينية، اعترضت "إسرائيل" منذ فترة طويلة المكالمات الهاتفية في الأراضي المحتلة. لكن النظام الجديد العشوائي يسمح لضباط الاستخبارات بتشغيل محتوى المكالمات الخلوية التي يجريها الفلسطينيون، مسجّلين بذلك محادثات شريحة أكبر بكثير من المدنيين العاديين. ذكرت مصادر استخبارية مطلعة على المشروع أن قيادة الوحدة "8200" لجأت إلى مايكروسوفت بعد أن خلصت إلى أنها لا تملك مساحة تخزين أو قوة حوسبة كافية على خوادم "الجيش" لتحمل عبء مكالمات هاتفية لسكان بأكملهم. وقال عدد من ضباط الاستخبارات في الوحدة، التي تُضاهي وكالة الأمن القومي الأميركية (NSA) في قدراتها على المراقبة، إنّ شعاراً داخلياً برز يجسد نطاق المشروع وطموحه: "مليون مكالمة في الساعة". صُمم النظام ليُحفظ على خوادم مايكروسوفت خلف طبقات أمان مُعززة طورها مهندسو الشركة بتعليمات الوحدة 8200. وتشير ملفات مايكروسوفت المُسربة إلى أن نسبة كبيرة من بيانات الوحدة الحساسة قد تكون الآن محفوظة في مراكز بيانات الشركة في هولندا وأيرلندا. يأتي الكشف عن دور منصة "Azure" التابعة لشركة مايكروسوفت في مشروع المراقبة في الوقت الذي تواجه فيه شركة التكنولوجيا الأميركية العملاقة ضغوطاً من الموظفين والمستثمرين بشأن علاقاتها بالجيش الإسرائيلي والدور الذي لعبته تقنيتها في الهجوم الذي استمر 22 شهراً على غزة. في أيار/مايو، قاطع موظفٌ كلمةً رئيسيةً لنادالا احتجاجاً، وصاح في لحظةٍ ما: "ما رأيكَ أن تُظهر كيف تُدار جرائم الحرب الإسرائيلية بواسطة Azure؟". 7 اب 09:22 6 اب 13:43 بعد أن كشفت صحيفة "الغارديان" وجهاتٌ أخرى في كانون الثاني/ يناير عن اعتماد "إسرائيل" على تقنيات مايكروسوفت خلال حرب غزة، أجرت الشركة مراجعةً خارجيةً للعلاقة. وقالت مايكروسوفت إن المراجعة "لم تجد أي دليلٍ حتى الآن" على استخدام "Azure" أو منتجات الذكاء الاصطناعي الخاصة بها "لاستهداف أو إيذاء الناس" في القطاع. وقال مصدرٌ كبيرٌ في مايكروسوفت إنّ الشركة أجرت محادثاتٍ مع مسؤولي الدفاع الإسرائيليين، وحددت كيفية استخدام تقنياتها في غزة، مُصرةً على عدم استخدام أنظمة مايكروسوفت لتحديد أهداف الضربات القاتلة. مع ذلك، أفادت مصادر في الوحدة "8200" بأن المعلومات الاستخبارية المستمدة من مخازن المكالمات الهاتفية الضخمة المحفوظة في "Azure" استُخدمت للبحث عن أهداف القصف في غزة وتحديدها. وأوضح أحد المصادر أنه عند التخطيط لغارة جوية على شخص يقع في مناطق مكتظة بالسكان يوجد فيها عدد كبير من المدنيين، كان الضباط يستخدمون النظام السحابي لفحص مكالمات الأشخاص الموجودين في المنطقة المجاورة مباشرة. وأضافت المصادر أيضاً أنّ استخدام النظام قد ازداد خلال الحملة على غزة، التي أودت بحياة أكثر من 60 ألف شخص في القطاع، غالبيتهم من المدنيين، بمن فيهم أكثر من 18 ألف طفل. لكن التركيز الأساسي للنظام كان على الضفة الغربية، حيث يعيش ما يُقدر بثلاثة ملايين فلسطيني تحت الاحتلال العسكري الإسرائيلي. وذكرت مصادر في الوحدة "8200" أنّ المعلومات المخزنة في "Azure" تُشكل مستودعاً غنياً للمعلومات الاستخبارية حول سكانها، زعم بعض أفراد الوحدة أنها استُخدمت لابتزاز الناس، أو احتجازهم، أو حتى تبرير قتلهم بعد وقوعه. قال ضابط عمل مع سارييل آنذاك: "كان ردّه هو البدء بـ"تتبّع الجميع، طوال الوقت". فبدلاً من المراقبة التقليدية لأهداف محددة، اعتمد مشروع سارييل على المراقبة الجماعية للفلسطينيين في الضفة الغربية، واستخدم أساليب ذكاء اصطناعي مبتكرة لاستخلاص المعلومات. عندما تولى سارييل قيادة الوحدة "8200" في أوائل عام 2021، أعطى الأولوية لعقد شراكة مع مايكروسوفت تُمكّن الوحدة من التعمق والتقاط وتحليل محتوى ملايين المكالمات الهاتفية يومياً. تشير الملفات إلى أنه بحلول تموز/يوليو من هذا العام، كان 11,500 تيرابايت من البيانات العسكرية الإسرائيلية، أي ما يعادل حوالى 200 مليون ساعة من التسجيلات الصوتية، محفوظة في خوادم مايكروسوفت "أزور" في هولندا، بينما خُزنت نسبة أقل في أيرلندا. ليس من الواضح إذا ما كانت جميع هذه البيانات تابعة للوحدة "8200"؛ فقد ينتمي بعضها إلى وحدات عسكرية إسرائيلية أخرى. عام 2021، نشر سارييل كتاباً عن الذكاء الاصطناعي تحت اسم مستعار، كشفت صحيفة الغارديان أنه اسم رئيس جهاز الاستخبارات، حثّ فيه الجيوش وأجهزة الاستخبارات على "الانتقال إلى السحابة". ومع بدء الوحدة 8200 باستخدام قدرات تخزين Azure في عام 2022، استوعب ضباط الاستخبارات بسرعة الصلاحيات الجديدة المتاحة لهم. وقال مصدر مطلع على النظام: "السحابة هي مساحة تخزين لا نهائية". وأوضحت عدة مصادر استخبارية أن المكالمات - بما في ذلك مكالمات الفلسطينيين إلى أرقام دولية وإسرائيلية - تُحفظ عادةً في السحابة لمدة شهر تقريباً، مع إمكانية زيادة مساحة التخزين، ما يسمح للوحدة بالاحتفاظ بالمكالمات لفترات أطول عند الحاجة. هذا يسمح للوحدة بالعودة بالزمن واسترجاع المحادثات الهاتفية للأشخاص الذين يصبحون موضع اهتمام، على حد قولهم. في السابق، كان يتعين تحديد أهداف المراقبة مسبقاً لاعتراض محادثاتهم وتخزينها. أصرّت عدة مصادر على أن النظام السحابي قد منع هجمات قاتلة ضد الإسرائيليين. وقال أحد المصادر إن "إنقاذ أرواح" الإسرائيليين كان الدافع الرئيسي وراء رؤية سارييل للنظام. لكنه فشل بشكل ملحوظ في منع هجمات حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، والتي قُتل فيها نحو 1200 شخص في جنوب "إسرائيل" وخُطف 240 شخصاً. خلال الحرب التي تلت ذلك في غزة، استُخدم النظام السحابي، الذي ابتكره سارييل، بشكل متكرر، إلى جانب سلسلة من أدوات تحديد الأهداف المدعومة بالذكاء الاصطناعي، والتي طُوّرت أيضاً في عهده، وأطلقها الجيش للمرة الأولى في حملة دمّرت حياة المدنيين وخلّفت أزمة إنسانية عميقة. نقلته إلى العربية: بتول دياب.