
لماذا يدعم ترامب الصهيونية؟
إسماعيل الشريف
«لا يوجد رئيس أميركي قدّم «لإسرائيل» أكثر مما قدّمت أنا»، ترامب.
في سنوات تكوينه الأولى، تأثر ترامب بالمحامي الصهيوني روي كوهين، الذي اشتهر بنفوذه الواسع وأساليبه القاسية. لم يتردد كوهين في استخدام الوسائل غير المشروعة لخدمة موكليه، بما في ذلك ترامب، معتمدًا على الابتزاز والرشوة والتخويف والحملات الإعلامية المدبرة.
لم يكن كوهين محامي ترامب فحسب، بل مثّل أيضًا عائلات المافيا في نيويورك، مسخرًا نفوذه السياسي والقانوني لتسهيل صفقاتهم وإرشادهم في أساليب التحايل على الضرائب. وكان بمثابة أستاذ لترامب لقنه قواعد اللعبة في عالم السياسة والأعمال، فزرع فيه مبادئ جوهرية: كإنكار التهم ومهاجمة من يتهمه، وعدم الاعتراف بالهزيمة، وجعل الإعلام سلاحًا، لا يثق في أحد، ويستمر في الهجوم. كما غرس فيه فلسفة تقوم على أن الحياة عبارة عن صفقات تخلو من الأخلاق، وأن القانون ليس مرجعًا أخلاقيًا وإنما أداة توظف لتحقيق المصالح الشخصية.
وصل ترامب إلى قمة السلطة في البيت الأبيض بدعم أصوات العرب والمسلمين، فقد حجبوها عن هاريس بعد فشلها في التمايز عن بايدن، الذي ورّط نفسه مع نتنياهو في جرائم الإبادة الجماعية. كان ترامب قد قدم نفسه للناخبين كرجل السلام الذي سيضع حدًّا للصراعات.
لكن ترامب تنكر للناخبين العرب والمسلمين الذين ساهموا في وصوله للسلطة، فطرح مخططًا لتهجير سكان غزة والسيطرة عليها، ومزق اتفاقية وقف المذبحة التي أعدها سلفه. كما فرض الجوع على أهل غزة، محولًا مراكز توزيع الطعام إلى فخاخ لاستهدافهم، وانخرط مباشرة في الحرب ضد إيران.
كانت توقعاتنا تشير إلى أن موقف ترامب سيكون أكثر إيجابية من سلفه بايدن، خاصةً بعد انتقاده العلني لنتن ياهو عندما كان الأخير من أوائل الذين هنأوا بايدن بفوزه في الانتخابات السابقة، وهو ما اعتبره ترامب خيانة شخصية. كما توقعنا أن يتحرر من قيود اللوبيات الصهيونية في ولايته الأخيرة، إذ لم يعد بحاجة لأصواتهم، لا سيما بعد فوزه الواضح وسيطرة حزبه على الكونغرس. وقبل الزيارة الأولى لنتن ياهو إليه، نشر ترامب على منصته مقطع فيديو لصحفي ينتقد نتن ياهو، كما يدعي دائمًا أنه لو كان رئيسًا لقيّد إيران في وقت مبكر.
رغم ادعاءات ترامب بالالتزام بالبروتستانتية وانتمائه الرسمي للكنيسة «المشيخية»، فإن تدينه المزعوم يثير علامات استفهام، فتشير مؤشرات متعددة إلى أن علاقته بالدين انتهازية سياسية أكثر من كونها إيمانًا حقيقيًّا، فهو نادرًا ما يتحدث عن التزامه الروحي أو يستدل بالنصوص المقدسة في خطاباته. يكشف جهله الواضح بالفروق بين العهدين القديم والجديد، رغم إلحاحه على الحديث عن «الحق المقدس» لليهود في فلسطين، لكن عندما طُلب منه الاستشهاد بآية واحدة تدعم ذلك، عجز عن الإجابة. تزدحم سيرته الشخصية بالفضائح الأخلاقية، وقد صرح ذات مرة أنه لم يطلب المغفرة من الله قط، وهو تصريح يبدو غريبًا من سياسي يدعي التدين، مما يؤكد أن الدين بالنسبة له مجرد أداة سياسية لتحقيق المآرب.
لقد رصدت أحد عشر سببًا وراء هذا الدعم المطلق:
1. الحاجة الماسة لدعم اللوبيات الصهيونية لتحصين نفسه سياسيًّا، خاصة وأنه واجه محاولات عزل ومحاكمات، ولا يزال يواجه معارضة داخلية شرسة تهدد مكانته.
2. السعي لتمهيد الطريق لابنه بارون ويليام من زوجته الحالية ميلانيا، حيث بدأ الإعلام الأمريكي يروج لإعداده كرئيس مستقبلي، وهو ما يستلزم بطبيعة الحال كسب دعم اللوبيات الصهيونية.
3. التأثير المباشر لصهره جاريد كوشنر، الذي تربطه علاقة شخصية وثيقة بنتن ياهو، إضافة إلى كون عائلته من أبرز المموّلين للمشاريع الاستيطانية، فضلاً عن امتلاكه مصالح تجارية واسعة داخل الكيان.
4. استرضاء قاعدته الانتخابية من المسيحيين الصهاينة، الذين يؤمنون بأن إقامة «إسرائيل الكبرى» تشكل جزءًا لا يتجزأ من النبوءات التوراتية التي تمهد لعودة المسيح.
5. التقاطع الأيديولوجي مع اليمين المتطرف الصهيوني في جوانب عديدة، منها عقيدة الاستيطان ومنطق فرض القوة ومعاداة الإسلام وتأييد الفصل العنصري والإيمان بتفوق العرقالأبيض.
6. الاستفادة من الآلة الإعلامية الصهيونية الجبارة، التي تضمن له تغطية إعلامية مؤاتية تعزز من صورته العامة وتؤثر على توجهات الرأي العام لصالحه.
7. توظيف الكيان كسلاح في صراعه مع خصومه السياسيين، حيث يستمر في إلصاق تهمة معاداة السامية بأعضاء الجناح التقدمي في الحزب الديمقراطي، مستغلاً ذلك لتشويه صورتهم وإضعاف مواقفهم.
8. ممارسة الضغط على الدول العربية لانتزاع مكاسب سياسية وشخصية، مستثمرًا نفوذه وعلاقاته الوثيقة مع الكيان لفرض شروط تخدم مصالحه وتوسع دائرة نفوذه.
9. الشراكة الاقتصادية مع رجال الأعمال الصهاينة، فقد امتلك قبل دخوله المعترك السياسي عدة عقارات ومشاريع تجارية مرتبطة برؤوس أموال صهيونية، كما أبرم أثناء رئاسته صفقات عقارية مع مستثمرين صهاينة بارزين، من بينهم الثري ليف ليفاييف، أحد أبرز ممولي الاستيطان. انعكس دعمه للكيان على شكل صفقات مربحة في قطاعات العقارات والمصارف والإعلام، مما رسخ ترابط مصالحه الاقتصادية مع الجهات الداعمة للكيان.
10. استثمار الكيان لتوسيع نفوذه على المستوى الدولي، حيث يستفيد من علاقاته المتينة مع الصهاينة في تعزيز مكانته داخل الولايات المتحدة وخارجها، بخاصة في أوساط المال والأعمال المؤثرة.
11. تحقيق عوائد مالية شخصية مباشرة، إذ إن دعمه للكيان يتجاوز الحسابات السياسية ليفتح أمامه أبواب الاستثمارات والصفقات المربحة في قطاعات متنوعة، من العقارات إلى وسائل الإعلام.
بناءً على ذلك، فإن ترامب لا يتعامل مع الكيان إلا من منظور تجاري بحت، ودعمه له لا ينطلق من قناعات أيديولوجية راسخة، بل من حسابات براغماتية محضة تحقق له مكاسب سياسية وشخصية متعددة الأوجه.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

عمون
منذ 2 ساعات
- عمون
على حماس التفكير بواقعية
هذا الحصار الاسرائيليعلى غزة ومنع دخول الطعام وموت الناس جوعا هذه كارثة ، بل هي أسوأ من الحرب التقليدية. كل العالم لن يستطيع ادخال رغيف خبز طالما اسرائيل تقول "لا". ماذا تريد اسرائيل من حماس حتى تسمح بدخول الخبز ؟ تريد الموافقة على اطلاق الأسرى الاسرائيليين على دفعات حسب بنود المفاوضات ، ولكن حماس متمسكة بشروطها وهي الانسحاب الاسرائيلي الكامل من غزة ووقف اطلاق نار نهائي يعني انتهاء الحرب. ولكن اسرائيل ترفض هذه الشروط وتتشبث باحتلال نسبة محددة من قطاع غزة منها رفح وجزء من خان يونس . ولكن هل يبقى أطفال ونساء وشيوخ غزة يموتون جوعا ويقتلون يوميا بأعداد كبيرة ؟ وحماس لاتشعر بهم وكأنهم ليسوا بشرا فكل يوم اسرائيل تقتل أكثر من مائة غزي مابين طفل وإمرأة وشيخ وشاب، فالناس يموتون جوعا في الطرقات، الى متى سيبقى هذا الحال على ماهو عليه من بؤس وشقاء وموت وعذاب؟ والمشكلة أن العالم عاجز على اجبار الكيان على ادخال مساعدات كاملة ولا قادر هذا العالم على فك الحصار المفروض على القطاع منذ 18 عاما. حتى طوفان الأقصى لم يستطع فك الحصار بل أصبح الحصار شاملا مع احتلال رفح وكل المعابر إذن على حماس التضحية قليلا من أجل الناس المحاصرين عليها التفكير بانسانية بأرواح الأطفال والمرضى والجوعى وتسلّم الملف الى جهة عربية فلسطينية لتنحل هذه العقدة عقدة المفاوضات، عليها أن تكون واقعية حماس ، وتسلم الملف الى جهة تنقذ أهل غزة من هذه هول الكارثة المستمرة منذ عامين. فالتعصب الحركي الحزبي والتمسك بنظام الحركة على حساب عشرات الالاف من الأرواح والجوعى والمرضى والمهجرين ذلك لايقبله الله. ولن يقبله كل العرب.


سواليف احمد الزعبي
منذ 2 ساعات
- سواليف احمد الزعبي
وفاة الأمير النائم بعد غيبوبة زادت على 20 عاما
#سواليف أعلن #الديوان_الملكيالسعودي -اليوم السبت- #وفاة #الأمير_الوليد_بن_خالد بن طلال بن عبد العزيز آل سعود، بعد #غيبوبة زادت على 20 عامًا. وأوضح الديوان الملكي -في بيان- أنه سيصلى على المتوفى غدا بعد صلاة العصر في جامع الإمام تركي بن عبد الله بمدينة الرياض. وكان الوليد تعرض لحادث سير عام 2005 خلال دراسته بالكلية العسكرية، مما أسفر عن دخوله في غيبوبة. ونعى الأمير خالد (والد الراحل) ابنه عبر حسابه في منصة إكس بتغريدة كتب فيها' بقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره وببالغ الحزن والأسى ننعى ابننا الغالي الأمير الوليد رحمه الله الذي انتقل إلى رحمة الله تعالى اليوم'. وقد ولد الأمير الراحل عام 1990، وهو الابن الأكبر للأمير خالد بن طلال بن عبد العزيز آل سعود أحد أفراد الأسرة الحاكمة بالسعودية، وابن شقيق الأمير الوليد بن طلال.

عمون
منذ 3 ساعات
- عمون
عندما يفضح الداخل الإسرائيلي حجج حماية الأقليات
أثار المحلل الأمني الإسرائيلي في صحيفة هآرتس يوسي ميلمان بمنشوره على صحيفة "أكس" الجدال المحتد القديم الجديد في مختلف الدوائر الإستراتيجية حول دعاوي حكومات دولة الأحتلال التاريخية في حماية الأقليات في المنطقة بقوله "إن جهود حكومة نتنياهو لمساعدة الدروز في سوريا غارقة في مستنقع مظلم من السخرية والنفاق" ، واشار ميلمان انه اذا كانت الحكومة مهتمة حقيقة بأوضاع الدروز فعليها الغاء قانون قومية الدولة المثير للجدل الموجود منذ عام 2019م والذي يهمل مكونات مجتمع دولة الاحتلال الاخرى من العرب والشركس ومن ضمنهم الدروز بتأكيده يهودية الدولة ، ويقارب عدد عرب 1948 حوالي 2.5 مليون بنسبة تزيد عن 22./. من مجموع سكان دولة الاحتلال و 8./. من هولاء العرب هم من الدروز بتعدادهم الذي يزيد عن 150 الف درزي . فكما تشير الدوائر الاستراتيجية الاسرائيلية ورغم وجود الدروز الواضح في الجيش الإسرائيلي وبعض المواقع الحزبية فهم بعيدون جداً عن مواقع اتخاذ الخطط العسكرية المهمة بل ويواجهون تمييزاً واضحاً من اقرانهم اليهود فضلاً عن اقصائهم عن مواقع اتخاذ القرار السياسي المباشر ، وبفضل قانون "كامنتس" الذي اقرته حكومة الاحتلال لتسهيل الهدم والاستيلاء على الاراضي العربية في الداخل لصالح تطوير القرى والبلدات اليهودية وهو القانون الذي التهم كثيرا من اراضي القرى الدرزية ، وهنا تشير كثير من الدوائر التحليلية الداخلية والخارجية ان التدخل العسكري الاسرائيلي في سورية يتجاوز بعده الأهتمام بأوضاع الدروز السوريين "المهمل نظرائهم إسرائيلياً" الى تشكيل الخارطة السياسية بما يحافظ على التفوق الاسرائيلي من خلال استغلال وجود الطائفية و"التباكي" على حقوق الاقليات . واللعبة الإسرائيلية في ادعاء حماية الأقليات ليست حديثة ، فقد كانت منذ استغلال ورقة جنوب السودان ودعم الحراك الانفصالي مع استقلال البلاد في بداية كانون الاول 1956م وايضاً دعم الاكراد العراقيين في سبعينات القرن الماضي وادعاء حماية الاكراد السوريين في "قسد" بعد اندلاع الأزمة السورية في آذار 2011م ، ويبقى المشهد المعبّر في هذه اللعبة هي الساحة اللبنانية من خلال ادعاء حماية المسيحيين خلال الحرب الاهلية حيث أفضت اللعبة للتخلي عن ما يسمى "جيش لبنان الجنوبي" المدعوم اسرائيلياً بعد الانسحاب من جنوب لبنان والاكتفاء بمنح زعيمه انطوان لحد "كشكاً" لبيع المشروبات الغازية على شاطئ حيفا السياحي ليغادر لحد بعدها مهموماً الى فرنسا وهو يشكو النكران الإسرائيلي له . لا شك ان اللعبة الإسرائيلية حول حماية الاقليات هي مفضوحة لدى مكونات وشعوب المنطقة كما هي مفضوحة لدى دوائر الاحتلال التحليلية السياسية منها والاعلامية ، وجمالية شعوب المنطقة العربية على مدى تاريخها هو في استيعاب مكوناتها بقدر سلوكها وعطاءاتها الوطنية ، فأول رئيس حكومة أردنية اختاره الملك المؤسس عبدالله الأول رحمه الله هو الدرزي رشيد طليع والسوريين قد اجتمعوا على المسيحي فارس خوري كزعيم للبلاد وحامي مكوناته الاجتماعية والدينية واختلاف الطوائف اللبنانية لم يمنعها من انصاف المسلم رفيق الحريري وقبله الماروني فؤاد شهاب وليس بعيداً عن هولاء جميعاً الشاعر الدرزي سميح القاسم ايقونة النضال الفلسطيني ، فندرك هنا جيداً ان شعوب المنطقة رغم اختلافاتها يحكمها كل جميل ومميز ، وندرك ايضاً ان الخطط الإسرائيلية ان نجحت في السويداء لن تكون وبالاً على اهلها وسورية فقط بل ستتجاوزها الى دول الاقليم بنفس الحجة الجاهزة "حماية الأقليات".