logo
نيو ستيتسمان: إسرائيل لا تدافع عن نفسها.. إنها تنتقم من شعب أعزل.. تبرّر حربها على غزة بكذبتين وتلعب دور الضحية

نيو ستيتسمان: إسرائيل لا تدافع عن نفسها.. إنها تنتقم من شعب أعزل.. تبرّر حربها على غزة بكذبتين وتلعب دور الضحية

القدس العربي منذ 2 أيام
لندن- 'القدس العربي': نشرت مجلة 'نيو ستيتسمان' مقالًا للقاضي السابق في المحكمة العليا بلندن والمؤرخ وعضو مجلس اللوردات البريطاني، جوناثان سمبشن، قال فيه إن عملية 'عربات جدعون'، أحدث هجوم إسرائيلي على غزة، بدأت ليلة 16 أيار/ مايو 2025. أحيانًا تحمل أسماء العمليات العسكرية رسالة. جدعون هو المحرر التوراتي لإسرائيل من مضطهديها، الذي قاد قوة صغيرة قوامها 300 رجل لهزيمة جيش مَدين الجبّار. تعبر 'عربات جدعون' عن الرواية التقليدية القائلة بأن إسرائيل هي الطرف الأضعف الذي يقاتل من أجل البقاء.
وعلق قائلًا إن ذلك خرافة، فإسرائيل واحدة من أكثر الدول تسليحًا وتقدمًا تقنيًا في العالم. وهي قوة نووية غير معلنة. تبلغ ميزانيتها الدفاعية 37 مليار دولار، وهي الأكبر في الشرق الأوسط بفارق كبير، بعد السعودية. وأمنها مضمون ضمنيًا من قِبل الولايات المتحدة، التي تُساهم بأكثر من 3 مليارات دولار سنويًا في دفاعها. بالمقارنة، كانت غزة من أفقر مناطق العالم، حتى قبل الدمار الذي حل بها مؤخرًا.. وهي شبه عاجزة عن الدفاع عن نفسها في وجه الدبابات والطائرات. إسرائيل في وضع يسمح لها بفعل ما تشاء بغزة، وهي تقوم بذلك.
الكاتب: 'حماس' ليست قوة مقاتلة منظمة ومنضبطة كالجيش النظامي. إنها حركة شبه عسكرية منتشرة بين المدنيين كالإبر في كومة قش. لا يمكن تدميرها إلا بحرق كومة القش بأكملها
وأشار إلى أن 'إسرائيل تمتعت في الماضي برأس مال أخلاقي كبير'، وأن هذا قد تبدد إلى حد كبير الآن، حيث يتسم العداء الدولي لإسرائيل بقوة، خاصةً بين شباب العالم، الذين سيهيمنون على التطلعات الدولية في الجيل القادم.
صحيح أن معاداة السامية موجودة، لكنها ليست السبب الرئيسي لهذا التحول الملحوظ في الرأي العام. بل حدث ذلك بسبب الطريقة التي اختارتها إسرائيل لاستعراض قوتها الساحقة ضد سكان غزة المستضعفين. وقد تسبب هذا بإصدار المحكمة الجنائية الدولية، وهي محكمة جادة ونزيهة مهما قالت الحكومة الأمريكية، مذكرات اعتقال بحق بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت.
وقد وُجّهت انتقادات شديدة لسلوك إسرائيل في غزة من قبل الأمم المتحدة، ودول مثل بريطانيا وفرنسا وجنوب إفريقيا وأستراليا وكندا. وفرضت العديد من الدول حظرًا كليًا أو جزئيًا على الأسلحة.
وأكد القاضي السابق أن هناك أدلة قوية على أن إسرائيل مذنبة بارتكاب جرائم حرب. وبموجب القانون الدولي، لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها، لكن الأساليب التي تستخدمها مقيدة بمعاهدة. وقد وقعت إسرائيل على اتفاقيات جنيف لعام 1949. وتتضمن الاتفاقية الرابعة حماية واسعة للسكان المدنيين العالقين في مناطق الحرب. ويحظر هذا القانون الهجمات على المستشفيات تحت أي ظرف من الظروف، إلا إذا كانت المستشفيات نفسها تُستخدم لارتكاب أعمال حرب (المادتان 18 و19). ويحظر تدمير الممتلكات الخاصة، إلا إذا 'استلزمت العمليات العسكرية ذلك ضرورة قصوى' (المادة 53). وبصفتها قوة احتلال في ما يتعلق بمعظم غزة، فإن إسرائيل ملزمة بضمان توفير الغذاء والإمدادات الطبية للسكان (المادة 55). ويُحظر النزوح الدائم للسكان حظرًا باتًا (المادة 49).
وأشار إلى أن هذه الأحكام تُكملها مجموعة كبيرة من القوانين العرفية الملزمة. وقد دونت اللجنة الدولية للصليب الأحمر القانون الإنساني الدولي، وهو الاسم العام الذي يُطلق على هذه المجموعة من القوانين، بطريقة تُعتبر عمومًا محايدة وذات حجية. ويجب ألا تُوجه العمليات العسكرية ضد أهداف مدنية. ويشمل ذلك البلدات والمدن والقرى والمناطق السكنية والمنشآت المحددة، مثل المستشفيات ومرافق معالجة المياه ومحطات الطاقة وغيرها من المرافق الأساسية لبقاء السكان المدنيين. ويحظر شن هجمات عشوائية، بما في ذلك قصف المناطق واستخدام الأسلحة التي لا يمكن السيطرة على آثارها. يُحظر التجويع بشكل صريح كأسلوب من أساليب الحرب. وتُحرّم جميع أشكال التطهير العرقي.
وأضاف أنه من بين جميع قواعد القانون الإنساني الدولي، تُعد قاعدة التناسب في الحرب أهمها. تعبر عنها اللجنة الدولية للصليب الأحمر على النحو التالي: 'يُحظر شن هجوم يُتوقع أن يسبب خسائر عرضية في أرواح المدنيين، أو إصاباتهم، أو أضرارًا بالأعيان المدنية، أو مزيجًا من هذه الخسائر والأضرار، مما يكون مفرطًا، مقارنة بالميزة العسكرية الملموسة والمباشرة المتوقعة'.
وأوضح أن هذا يعني أن بعض العمليات العسكرية غير مقبولة، رغم أنها قد تكون ذات غرض عسكري مهم، وتحقق مزايا عسكرية حقيقية، لأن الخسائر المدنية ستكون ببساطة مرتفعة للغاية.
وقال إن الهدف المعلن للعمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة كان في البداية هو تدمير 'حماس'. لكن المشكلة تكمن دائمًا في أنه على الرغم من إمكانية التعرف على معظم قيادة 'حماس' وبعض منشآتها، إلا أن 'حماس' ليست قوة مقاتلة منظمة ومنضبطة كالجيش النظامي. إنها حركة شبه عسكرية منتشرة بين السكان المدنيين كالإبر في كومة قش. لا يمكن تدميرها، إن أمكن، إلا بحرق كومة القش بأكملها. ومع ذلك، فإن كل قشة في الكومة هي حياة بشرية.
ربما يكون تدمير 'حماس' أمرًا لا يمكن تحقيقه بأي قدر من العنف، ولكنه بالتأكيد لا يمكن تحقيقه دون تأثير غير متناسب بشكل صارخ على حياة الإنسان.
الكاتب: من المستحيل على أي شخص نزيه ألا يتأثر بحجم المعاناة الإنسانية المفروضة تعسفًا، أو بمشهد جيش قوي يهاجم بوحشية شعبًا منهكًا أصلًا
وأشار إلى أن هجمات 'حماس' في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 أسفرت عن مقتل 1195 شخصًا. وأنه وفقًا للسلطات الصحية في غزة، فقد قُتل 57,645 فلسطينيًا حتى الآن.. بمن فيهم أكثر من 180 صحفيًا، وأكثر من 224 عامل إغاثة إنسانية، منهم 179 موظفًا في الأونروا. ولا تشمل هذه الأرقام الإصابات غير المباشرة الناجمة عن أمراض يمكن الوقاية منها، وسوء التغذية الناجم عن الحرب. وتشير التقديرات المعقولة إلى أن 'حماس' قد تُشكل 20% من الضحايا. بينما تُقدّر وكالات الأمم المتحدة أن حوالي 70% من الضحايا كانوا من النساء والأطفال. قد تُنتقد هذه الأرقام على الهامش، إلا أنها محققة من خلال دراسات أكاديمية مرموقة ووكالات مسؤولة في الأمم المتحدة. إنها ليست مجرد دعاية أو من نسج خيالات معادية للسامية.
وشدد أن الحصار الشامل لغزة، الذي أعلنه نتنياهو في 2 آذار/ مارس 2025، بدأ بالتسبب بمجاعة في غضون أسبوعين. وكان يُعتقد أنه سيؤدي في النهاية إلى أشد حالات المجاعة من صنع الإنسان تطرفًا منذ الحرب العالمية الثانية. وصرّح وزير الدفاع، إسرائيل كاتس، في نيسان/ أبريل 2025: 'سياسة إسرائيل واضحة؛ لن تدخل أي مساعدات إنسانية إلى غزة، ومنع هذه المساعدات هو أحد أدوات الضغط الرئيسية التي تمنع حماس من استخدامها كأداة ضغط على السكان'.
وعلق القاضي السابق بأنه يصعب تصور بيان أوضح من هذا يشير إلى استخدام التجويع كسلاح حرب. في أيار/ مايو، حسّنت إسرائيل هذه السياسة بإنشاء نظام لتوزيع الغذاء من 'محاور' عسكرية تنظمها منظمتها المُدجّنة، التي تُسمى 'مؤسسة غزة الإنسانية'. ولقد انهار هذا النظام إلى حد كبير، ولم يعد قادرًا على إطعام سوى جزء من السكان. في غضون ذلك، وثقت مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان مقتل ما يقرب من 800 فلسطيني أثناء تجمعهم في مراكز التوزيع، أملًا في الحصول على الطعام. وذكرت صحيفة 'هآرتس' الإسرائيلية مؤخرًا، استنادًا إلى مقابلات مع جنود، أن ذلك تم بأوامر صريحة من كبار ضباط جيش الدفاع الإسرائيلي.
وأكد القاضي سمبشن أنه ليس لديه موقف أيديولوجي من هذا الصراع. بل يتعامل معه ببساطة كمحامٍ ومؤرخ. وهو يتساءل أحيانًا عما سيعتبره المدافعون عن إسرائيل غير مقبول، إذا لم يكن مستوى العنف الإسرائيلي الحالي في غزة كافيًا.
ويرد قائلًا إن من المستحيل على أي شخص نزيه ألا يتأثر بحجم المعاناة الإنسانية المفروضة تعسفًا، أو بمشهد جيش قوي يهاجم بوحشية شعبًا منهكًا أصلًا. هذا ليس دفاعًا عن النفس.
وهو ليس حتى من نوع الأضرار الجانبية التي لا مفر منها في الحرب. إنه عقاب جماعي، أو بعبارة أخرى انتقام، لا يقتصر على 'حماس' فحسب، بل على شعب بأكمله. إنها، باختصار، جريمة حرب.
أما إن كان ذلك يُشكل إبادة جماعية فهو سؤال أصعب، بحسب الكاتب. تعرف اتفاقية الإبادة الجماعية لعام 1951 (التي انضمت إليها إسرائيل) الإبادة الجماعية بأنها العمل بقصد تدمير جماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية، كليًا أو جزئيًا، عن طريق قتل أعضائها، أو إلحاق أذى جسدي أو نفسي خطير بهم، أو فرض ظروف معيشية عمدًا تهدف إلى تدميرهم جسديًا كليًا أو جزئيًا. ولأن الإبادة الجماعية تعتمد على النية، فسيكون هناك دائمًا مجال للجدل حول ما إذا كانت تحدث بالفعل.
وقال إن هدف حرب جديداً إلى جانب الخطة الأصلية لتدمير 'حماس' ظهر مؤخرًا. وهو ليس أقل من النزوح الجماعي لسكان غزة إلى دول ثالثة. وزير الأمن القومي الإسرائيلي، إيتمار بن غفير، من أشد المؤيدين للتطهير العرقي. وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، هو الآخر أعلن في مؤتمر صحافي عام في 6 أيار/ مايو 2025، بعد وقت قصير من قرار إطلاق عملية 'عربات جدعون'، أن 'غزة ستُدمّر بالكامل'. ومضى موضحًا أن الفلسطينيين سيُحشرون في منطقة خالية من 'حماس'، ومن هناك سيغادرون 'بأعداد كبيرة' إلى دول أخرى.
وعلق على فرض بريطانيا وأربع دول أخرى عقوبات على هذين الرجلين 'بصفتهما الشخصية'، قائلًا إنهما لم يتحدثا بصفتهما الشخصية، ولا يمكن تمييزهما بسهولة عن بقية الحكومة الإسرائيلية. كلاهما زعيمان لأحزاب يمينية متطرفة صغيرة في الكنيست تنتمي إلى ائتلاف نتنياهو. لقد وضعا بقية الحكومة تحت ضغط شديد، لأن حكومة نتنياهو الائتلافية تتمتع بأغلبية ضئيلة، وبدون دعمهما ستسقط. لذلك لا يمكن للحكومة أن تحيد كثيرًا عن مواقفها السياسية.
بعد أسبوع من تصريحات سموتريتش، أفاد نتنياهو، أثناء إدلائه بشهادته أمام لجنة في الكنيست، أن إسرائيل تُدمّر المزيد والمزيد من المساكن حتى لا يجد السكان مكانًا يعودون إليه، وسيُضطرون إلى مغادرة غزة.
الكاتب: النقاش مكبّل بكذبتين خطيرتين؛ الأولى أن هذه القصة بدأت بهجوم 'حماس' في 7 أكتوبر، والثانية اعتبار أي هجوم على معاملة إسرائيل للفلسطينيين معاداة للسامية
في الآونة الأخيرة، في 7 تموز/ يوليو، أطلع وزير الدفاع، إسرائيل كاتس، وسائل الإعلام الإسرائيلية على اقتراح بسجن الفلسطينيين في مخيم ضخم سيُبنى على أنقاض رفح، ريثما يرحلون إلى دول أخرى.
وأكد أنه يجب النظر في تصريحات كهذه من رئيس الوزراء وكبار الوزراء في حكومته، إلى جانب حجم الخسائر البشرية الهائل والدمار المادي العشوائي الذي وقع بناء على أوامرهم. التفسير الأكثر منطقية للسياسة الإسرائيلية الحالية هو أن هدفها حثّ الفلسطينيين، كجماعة عرقية، على مغادرة قطاع غزة إلى دول أخرى عن طريق قصفهم وإطلاق النار عليهم وتجويعهم إذا ما بقوا.
وقال إن من المرجح أن تعتبر المحكمة ذلك إبادة جماعية. أحد العوائق الرئيسية أمام التفكير الواضح بشأن غزة هو أن النقاش مكبّل بكذبتين خطيرتين. الأولى هي فكرة أن هذه القصة بدأت بهجوم 'حماس' في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023؛ والثانية هي أن أي هجوم على معاملة إسرائيل للفلسطينيين هو معاداة للسامية.
بعد أسبوعين من الهجوم، أشار أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، في مجلس الأمن إلى أن الهجوم 'لم يحدث من فراغ'. فقد جاء بعد 56 عامًا من معاناة الفلسطينيين في غزة من 'احتلال خانق.. أرضهم تهلك باستمرار بالمستوطنات، وتُبتلى بالعنف، ويُخنق اقتصادهم، ويُشرد شعبهم، وتُهدم منازلهم'. كان يُعبّر عن حقيقة بديهية، وهي أنه إذا استمر التعامل مع الناس بهذه الطريقة، فستكون الكراهية والعنف والإرهاب هو الرد في النهاية. اعترض السفير الإسرائيلي، وطالبَ باستقالته معتبرًا كلماته 'فرية دم' ومعاداة للسامية. وقد جسّد هذا الرد الكذبتين بوضوح.
والمأساة أن ما تفعله إسرائيل في غزة لا يصبّ حتى في مصلحتها، مع أنه قد يكون في مصلحة نتنياهو الشخصية إذ ساعده ذلك على البقاء في السلطة. 'حماس'، من بين أمور أخرى، فكرة. إنها فكرة لن تزول، وسيتعين على إسرائيل التعايش معها، لأنها لن تنعم بالسلام أبدًا حتى تتعلم الاعتراف بالارتباط الطبيعي للفلسطينيين والإسرائيليين بأرضهم وتستوعبه. سيتطلب ذلك تنازلات كبيرة من إسرائيل، لكن البديل سيكون أسوأ.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

"نظام تل أبيب" الإقليمي الجديد
"نظام تل أبيب" الإقليمي الجديد

العربي الجديد

timeمنذ 5 ساعات

  • العربي الجديد

"نظام تل أبيب" الإقليمي الجديد

لم تكن مشاهد الدم في شوارع السويداء، ولا أخبار الاشتباكات المروّعة بين قوات الأمن العام التابع للنظام السوري وفصائل محلية درزية، ثم التوتر العشائري مع مجموعات بدوية، مجرّد حوادث محلية أو انفجارات عارضة لحالة هشاشة أمنية؛ فما جرى يندرج في سياق أخطر وأعمق بكثير. القصف الإسرائيلي، الذي استهدف مبنى هيئة الأركان وقصر الشعب في دمشق كان رسالة واضحة أنّ إسرائيل لم تعد تكتفي بلعب دور "المراقب القلق" أو الضارب الانتقائي، بل دخلت مرحلة جديدة: الهيمنة العسكرية والسياسية شبه المطلقة على المجال السوري، وربما في المنطقة. تتجاوز تصريحات بنيامين نتنياهو عن "منطقة خالية من السلاح" في جنوب سورية البعد العسكري التكتيكي، لتصل إلى جوهر المشروع الإسرائيلي الجديد: فرض قواعد اشتباك إقليمية جديدة، تُديرها تل أبيب. الدلالة الأخرى في مشهد السويداء ليست غياب الدولة السورية فحسب، ولا حتى تفكّك السلطة المركزية أو عجزها عن ضبط الأمن، بل أيضاً الحضور الإسرائيلي الفجّ؛ العسكري والسياسي، والقبول الضمني من القوى الدولية به. لا البيت الأبيض أصدر بيانَ إدانةٍ، ولا الأمم المتحدة رفعت صوتها، ولا حتّى أوروبا أبدت قلقاً دبلوماسياً خجولاً. الصمت الدولي حيال القصف الإسرائيلي العنيف لقلب دمشق، وتحديداً لمواقع سيادية، لا يمكن تفسيره إلّا بوصفه رضى ضمنياً، إن لم يكن موافقة صريحة، على النموذج الإسرائيلي الجديد. يقوم ذلك النموذج، كما تشير أحداث السويداء، على معادلتَين مترابطتَين: أن إسرائيل صاحبة القرار النهائي في ملفات الإقليم الأمنية، من غزّة إلى جنوب لبنان، ومن السويداء إلى أربيل، وهي التي تمنح أو تحجب الموافقة على أي حل سياسي أو ميداني. وأنّ على الجوار العربي أن يتحوّل إلى فسيفساء من الكيانات الضعيفة، المتنازعة، والمجزّأة طائفياً وعرقياً، في مقابل "الدولة اليهودية النقية" التي تطمح إليها حكومة اليمين الإسرائيلي. ليست السويداء، في هذا الإطار، سوى "المختبر الأولي" لهذه الاستراتيجية، يريد نتنياهو تحويل الدروز إلى ورقة، على غرار ما يُراد للأكراد في الشمال والعلويين في الساحل. تفتيت الدولة السورية، كما كان الحال في العراق ولبنان، ليس مجرد نتيجة للضعف والفوضى، بل هدف إسرائيلي في حدّ ذاته، يوفر أرضية أخلاقية وسياسية لإسرائيل لتكريس نموذجها القومي - الديني، وربما تمهيداً لتهجير الفلسطينيين في أراضي 48 والضفة الغربية، تحت شعار "لكل جماعة دولتها". في ورشة مغلقة نظمها معهد السياسة والمجتمع قبل أيام، خلص خبراء أمنيون وسياسيون أردنيون إلى أن ما جرى في السويداء لا يمكن عزله عن سياق أوسع يشمل الحرب على غزّة، ومعركة الضفة الغربية، واستهداف حزب الله في لبنان، وضربات متفرّقة في العراق. ويؤشر ذلك كله إلى محاولة إعادة تشكيل خريطة النفوذ في المشرق العربي، وفقاً لرؤية إسرائيلية تقوم على مبدأ "إضعاف الجميع، وتسيّد واحد". في السياق الاستراتيجي، أيضاً، العرب خارج هذا المشهد، في السويداء وفي غزّة وفي لبنان، وكما كانت عليه الحال في الحرب الإيرانية الإسرائيلية. لم يعودوا طرفاً في موازين القوى، بل موضوعاً لها، وما أشبه ذلك بحالهم غداة الحرب العالمية الأولى. حتّى تركيا، تراجعت وتحجّم طموحها، وربما يكون مشروع اليمين الإسرائيلي في المدى المتوسط "تحييد تركيا" أو إضعافها أيضاً، إن لم يكن عبر مواجهة مباشرة، فبوسائل ناعمة ومن الداخل. على جهةٍ أخرى، مهما قيل عن الخلافات التكتيكية بين نتنياهو وإدارات بايدن أو ترامب، لم تتغيّر الاستراتيجية. هنالك قبول أميركي عميق بتكريس إسرائيل قوةً إقليميةً ضابطة، ولا فيتو بعد على المشروع الإسرائيلي الجديد. الأحداث في السويداء، على الرغم من قسوتها، لم تغيّر شيئاً من هذا التواطؤ الصامت. نعم، ربما تنتهي الأزمة في السويداء بوساطة أميركية – تركية – أردنية، كما قال المبعوث الأميركي توماس برّاك، لكن النموذج الجديد الذي بدأ يتكرّس: إسرائيل بوصفها شرطياً (أو بلطجياً) في المنطقة لا أحد يقف في وجهها، وعدم السماح بأيّ قوى إقليمية جديدة، وإذا أردت أن تحل مشكلة أو مسألة داخلية في لبنان أو سورية أو ربما أماكن أخرى فإنّ "تل أبيب" الجديدة على الطاولة وهي طرف وربما الطرف الأهم في تقرير مصير ليس الفلسطينيين فحسب بل الجوار بأكمله!

لماذا تبلغ تكلفة تجديد مبنى الاحتياطي الفيدرالي 2.5 مليار دولار؟
لماذا تبلغ تكلفة تجديد مبنى الاحتياطي الفيدرالي 2.5 مليار دولار؟

العربي الجديد

timeمنذ 9 ساعات

  • العربي الجديد

لماذا تبلغ تكلفة تجديد مبنى الاحتياطي الفيدرالي 2.5 مليار دولار؟

ارتفعت تكلفة مشروع تجديد وتوسعة مبنى الاحتياطي الفيدرالي الأميركي في العاصمة واشنطن إلى 2.5 مليار دولار، ما أثار موجة من الانتقادات من قبل حلفاء الرئيس دونالد ترامب، الذين دعوا إلى فتح تحقيق في أسباب تجاوز التكاليف، وسط اتهامات بسوء الإدارة وهدر المال العام، بحسب "بلومبيرغ". ويخشى مسؤولون مقربون من ترامب أن يكون المشروع قد شابه فساد أو مبالغة في الإنفاق، فيما يُنظر إلى ذلك كفرصة محتملة للضغط على رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، الذي أثار استياء الرئيس بسبب رفضه خفض أسعار الفائدة هذا العام. غير أن خبراء في الهندسة والمشاريع الفيدرالية يرون أن الزيادة في التكاليف تعود إلى تعقيدات فنية وهندسية مرتبطة بالبناء تحت الأرض في منطقة كانت سابقاً مستنقعاً قرب حوض "تايدال باسين" على نهر بوتوماك، وليس إلى رفاهية مبالغ فيها كما يروّج البعض. وبحسب تقارير رسمية، حصل المقاولون المسؤولون عن أعمال الأساسات على جائزة من جمعية البناء في واشنطن لعام 2025، تقديراً لـ"التميز في مواجهة التحديات"، بعد تنفيذهم عمليات هندسية دقيقة لتدعيم المبنى أثناء الحفر العميق أسفله. ويشمل المشروع ترميم مبنى "مارينر إس. إكليز" التاريخي، المشيد عام 1937، إضافة إلى مبنى اتحادي مجاور يعود إلى عام 1931، في أول عملية ترميم شاملة للمبنيين منذ إنشائهما. وتضمنت الأعمال إزالة مواد خطرة كالأسبستوس والرصاص، واستبدال أنظمة ميكانيكية قديمة، وتوسعة المساحات المكتبية، وفق "بلومبيرغ". وكانت التكلفة التقديرية الأولية للمشروع قد بلغت 1.9 مليار دولار، غير أن التحديات التي ظهرت لاحقاً - مثل ارتفاع أسعار الفولاذ عام 2021، وارتفاع منسوب المياه الجوفية، ومتطلبات الأمن الفيدرالي بعد هجمات 11 سبتمبر - ساهمت في رفع الكلفة الإجمالية بأكثر من 30% منذ عام 2023. وتتضمن التوسعة تحويل مرآب سيارات أسفل مبنى إكليز إلى مكاتب جديدة، وبناء إضافة من 5 طوابق إلى المبنى الشرقي، أربعة منها تحت الأرض، إضافة إلى إنشاء مرآب جديد يضم 318 موقفاً للسيارات. وفي رسالة بتاريخ 10 يوليو/تموز، وجّه مدير مكتب الإدارة والميزانية راسل فوت، انتقادات لاذعة إلى باول، واصفاً المشروع بأنه "تجديد فخم" يتضمن "حدائق على الأسطح" و"غرف طعام ومصاعد لكبار الشخصيات". من جهته، دافع باول عن المشروع في رسالة بتاريخ 17 يوليو، مؤكداً أن الحدائق المقصودة هي أسطح خضراء بيئية، والمصاعد تهدف لتسهيل الوصول لذوي الاحتياجات الخاصة. اقتصاد دولي التحديثات الحية رئيس "الإسكان الفيدرالي" يدعو الكونغرس إلى التحقيق مع جيروم باول ويتولى تنفيذ المشروع اتحاد "فورتوس"، وهو تحالف يضم شركة التصميم الهولندية "أركاديس" المتخصصة بالبنية التحتية وشركة "كوين إيفانز" المعمارية من واشنطن، المعروفة بمشاريع ترميم لمبانٍ تاريخية مثل محطة "ميشيغان سنترال" في ديترويت. كما واجه المشروع مراجعات معقدة من قبل الهيئات الفيدرالية المعنية بالتصميم والمعمار، إذ طالب معينو ترامب باستخدام الرخام الأبيض بدلاً من الزجاج في التصميم، تماشياً مع التوجه الرئاسي الداعي لاعتماد الطراز الكلاسيكي في المباني الفيدرالية. ويُقارن المشروع من حيث التعقيد والتكلفة بمشاريع أخرى مماثلة، مثل متحف الأميركيين الأفارقة الذي افتُتح عام 2016 بتكلفة 540 مليون دولار، والنصب التذكاري لأحداث 11 سبتمبر الذي بلغت تكلفته النهائية 700 مليون دولار. وخلال جلسة استماع في الكونغرس في يونيو/حزيران الماضي، قال باول: "لا أحد يرغب في تنفيذ مشروع ترميم شامل لمبنى تاريخي أثناء فترة توليه المنصب، لكنني أدركت عندما كنت الحاكم الإداري قبل أن أصبح رئيساً أن مبنى إكليز بحاجة ماسة إلى ترميم شامل، فهو لم يكن آمناً ولا مقاوماً للماء".

اليونان تبدأ توقيف الوافدين بحراً من شمال أفريقيا بعد تعليق اللجوء
اليونان تبدأ توقيف الوافدين بحراً من شمال أفريقيا بعد تعليق اللجوء

العربي الجديد

timeمنذ 11 ساعات

  • العربي الجديد

اليونان تبدأ توقيف الوافدين بحراً من شمال أفريقيا بعد تعليق اللجوء

أوقفت اليونان نحو 200 مهاجر وصلوا بعد قرار تجميد طلبات اللجوء للمهاجرين الواصلين من شمال أ فريقيا ، وفق ما أعلن وزير الهجرة اليوناني ثانوس بليفريس، اليوم السبت، مضيفا عبر منصة إكس: "أوقف خفر السواحل المهاجرين غير الشرعيين الذين دخلوا من ليبيا في الساعات الأخيرة". موضحا: "ليس لديهم الحق في تقديم طلب لجوء، ولن يتم نقلهم إلى مراكز الاستقبال، بل سيتم احتجازهم لدى الشرطة حتى تبدأ عملية إعادتهم". وأوضح خفر السواحل اليوناني لـ"فرانس برس" أن المهاجرين البالغ عددهم 190 وصلوا في ثلاث مجموعات إلى جنوب جزيرة كريت. كما تم العثور على مجموعة رابعة تضم 11 مهاجرا قرب جزيرة أغاثونيسي الواقعة قبالة الساحل التركي. وذكرت قناة "إي آر تي" التلفزيونية الرسمية أن أحدهم كان مصابا وتوفي لاحقا في المستشفى. وتشهد اليونان ارتفاعا في أعداد المهاجرين الوافدين من ليبيا والذين يصلون بشكل رئيسي إلى جزيرة كريت التي يتحدر منها رئيس الوزراء كيرياكوس ميتسوتاكيس. حيث وصل أكثر من 2000 مهاجر إلى كريت خلال يوليو/تموز وحده، ما أثار غضب المسؤولين المحليين ومشغلي السياحة الذين يضغطون على الحكومة المحافظة لاتخاذ إجراءات لوقف التدفقات. وأعلنت الحكومة تعليق استقبال طلبات اللجوء التي يقدمها أي شخص يصل من طريق البحر من شمال أفريقيا لمدة ثلاثة أشهر. كما أعدّت وزارة الهجرة اليونانية تشريعا يسمح باحتجاز المهاجرين لمدة تصل إلى عامين بسبب دخولهم غير القانوني، وما يصل إلى خمس سنوات إذا تم توقيفهم لاحقا أثناء إقامتهم في اليونان بشكل غير قانوني. لجوء واغتراب التحديثات الحية عهد أوروبي للهجرة واللجوء تقوده برلين: تعرف على أهم التشديدات وقال بليفريس لقناة "أوبن تي في" الخميس: "على أي شخص يدخل بلدي بطريقة غير شرعية أن يفهم أنه يدخل نظام مراقبة، وليس نظام ضيافة". وأضاف: "أنا من أنصار الردع.. نحن لسنا فندقا". وكان وزير الهجرة قد وصف تدفق المهاجرين بأنه "غزو". وأثار قرار اليونان بتجميد طلبات اللجوء للمهاجرين الواصلين من شمال أفريقيا حفيظة الأمم المتحدة ومنظمات دولية عدّة، إذ وُصف بأنّه انتهاك للقانون الدولي ولاتفاقية جنيف الخاصة بوضع اللاجئين لعام 1951، في حين شدّد رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس على أنّ بلاده سوف تتّخذ كلّ الإجراءات اللازمة من أجل منع إنشاء مسار جديد للهجرة عبر البحر الأبيض المتوسط. (فرانس برس، العربي الجديد)

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store