
ماذا وراء "ترند" تشكيل المجلس الأعلى للثقافة في مصر؟
وذلك يعني أن التغيير من مفهوم "الرعاية" الناصرية إلى "الأعلى" في حقبة السادات ـ مبارك كان تجلياً لتحول سياسي واقتصادي عميق من التوجه الاشتراكي إلى خيار رأسمالي وتحالف مع أميركا، ولم تعد مفردة "رعاية" مستحبة مثلما لم تستمر مفردة "إرشاد" طويلًا.
كذلك تحولت تبعية المجلس من هيئة مستقلّة تحت إشراف مجلس الوزراء إلى قطاع ضمن قطاعات وزارة الثقافة؛ بالتالي تزامنت كلمة "أعلى" مع إضعاف استقلاليته النسبية.
فالمجلس عبر سبعين سنة كان معبراً عن وعي النظام السياسي وتصوره الثقافي لمصر، أكثر مما يعبر ويمثل الحركة الثقافية بكل تعقيداتها.
فتراجع مفهوم الرعاية اتّسق مع تراجع الاهتمام السياسي بالثقافة وخروجها تقريباً من رؤية النظام لذاته؛ فبعد أن كان عبد الناصر يحضر بنفسه حفلات توزيع جوائز الدولة، ويسلمها إلى قامات مثل طه حسين وأم كلثوم، أصبح الحفل بمستوى وزير الثقافة أو الأمين العام للمجلس.
هشاشة التمثيل
بالعودة إلى تشكيل المجلس في سنواته الأولى، فهو ضم قامات كبيرة ومخضرمة مثل طه حسين (كان في السابعة والستين لا في التسعين) إلى جانب كتّاب شباب دون الأربعين، مثل إحسان عبد القدوس ويوسف السباعي، مما يعني أن التمثيل راعى مختلف الأجيال، ووازن بين أسماء مقرّبة من السلطة وأخرى فاعلة في الحركة الثقافية.
فالمسألة هنا لا تخصّ السنّ بحدّ ذاتها، وإنما هشاشة مستوى التمثيل، وكأن القرار يركز على أسماء مقربة من السلطة بحكم أن معظم الأعضاء كانوا وزراء أو على درجة وزير.
ولو اعتبرنا يوسف القعيد ممثلًا للروائيين الكبار فهو دائماً ما شغل مناصب ذات طابع سياسي وبرلماني، إضافة إلى عضوية ممتدة في لجان المجلس، مقارنة باستبعاد اسم آخر ينتمي إلى الجيل والعمر نفسه هو الروائي إبراهيم عبد المجيد.
كل هذا يوحي بحال من "الركود" عكس سنة التغيير، كأن صانع القرار لا يعرف شيئاً عن الأجيال التالية ممن تجاوزوا الخمسين والستين أو لا يثق بهم، ويفضّل مبدأ "الأقدمية" و"احترام الكبير"، أخذاً في الاعتبار أن عبد الناصر ـوهو شاب ـ عندما وضع الثقافة والتعليم في صلب مشروعه القومي، استعان كثيراً بشباب في الثلاثينات والأربعينات من أعمارهم.
ثمة من برّر الاختيار بأن هؤلاء أصحاب خبرات طويلة ـوهذا صحيح إلى حد كبيرـ في الشأن العام، ولا يوجد بين الأجيال التالية من ينافسهم. إذا أخذنا بتلك الفرضية فهذا يعيب "الكبار" لأنهم احتكروا الأداء الثقافي لأنفسهم، ولم يؤهّلوا من سوف يخلفهم؛ فلو أصبحت مصر عقيمة ثقافياً وفق هذه الفرضية ـوهي ليست كذلك ـ فكيف أستعين بمن يتحمّل وزر ذلك كي يخطط لسياساتها الثقافية المستقبلية؟
إن جانباً مهماً في الترند مرتبط بصراع الأجيال، وغضب من كانوا شباباً وشاركوا في "ثورة يناير"، وهم الآن تجاوزوا الأربعين والخمسين، من شعورهم بالغبن وعدم التمثيل حتى في الثقافة.
ثمة جانب آخر خاص بدور المجلس نفسه، على صعيد رسم السياسات الثقافية وهي مهمته الأصيلة عبر لجانه المختلفة. فلا شك في أن المهمة تراجعت، وتكاد لا تكون هناك استراتجية واضحة تلبّي تحدّيات المستقبل كانتشار الذكاء الاصطناعي و"السوشيال ميديا" و"الهوية" والتسويق الثقافي الإلكتروني، بل يكاد يقتصر دور المجلس الأبرز على منح جوائز الدولة؛ فهل هؤلاء ـ أمدّ الله في أعمارهم ـ على صلة حقيقية ومباشرة بمبدعين ولدوا بعد العام 1960؟
نحن إزاء لحظة تاريخية تعيشها الثقافة المصرية، وتصنعها دور نشر خاصة ومهرجانات مستقلة ومبدعون شباب فاعلون في "السوشيال ميديا" مقابل "مجلس" يبدو عاجزاً عن اللحاق بهذا كله، لكنه يعكس تصورات وتحولات الوعي الرسمي وكيف يرى مصر ثقافياً.
وازداد الأمر تأزماً مع إبعاد الثقافة نسبياً لتتحول إلى روتين إداري، وهو ما يفسر الضجة التي صاحبت قضية إغلاق بعض قصور الثقافة، أو تشكيل مجلس أعلى للثقافة، كأننا أمام تركة ثقيلة مربكة من عبد الناصر إلى مبارك، ولا أحد يعلم ماذا يُفعل بها، بعدما سيطرت على الوعي والمجال العام أفكار داعشية مضادة لكل أشكال الفنون والآداب التي من المفترض أن ترعاها الدولة ويخطط لها المجلس الأعلى للثقافة.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الديار
منذ ساعة واحدة
- الديار
فضل الله: لتعميق الوحدة الوطنيّة
اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب استقبل السيد علي فضل الله، مدير موقع "منكم ولكم" الإعلامي أحمد عواضة، مقدّماً التعازي بوفاة والدته نجاة نور الدين. وكانت المناسبة فرصةً لتداول الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبلدية والأمنية، ولا سيّما أوضاع منطقة بعلبك ومحيطها. في بداية اللقاء، أشار فضل الله إلى "ضرورة تضافر الجهود وتكاتف الجميع"، داعيًا إلى "تعزيز أواصر الوحدة الإسلامية والوطنية، خصوصًا في منطقة بعلبك، التي تُعدّ صمّام أمان يحمي الوطن من تداعيات أي فتن تحدث في الجوار، ويعمل على احتواء أي انقسامات داخلية". وحذّر من "سياسة بث المخاوف بين المكونات والفئات التي يتشكل منها الوطن التي يُعمل على إشاعتها مختلف الأوساط، والتي تهدف إلى بثّ القلق واليأس والإحباط في النفوس لشل عزيمتها في النهوض بالوطن وشحنها بكل ألوان التحريض لتعميق الانقسامات وتأجيج العداوات"، داعيًا وسائل الإعلام إلى "التحلّي بالأمانة والصدق في نقل الأخبار، حيث الفضاء الإعلامي يضج بكل ما يعزز التعصب والكراهية فيما على الاعلام ان يكون مسؤولا في كل ما يقدمه من اخبار وأفكار يجب أن تقوم على الدعوة إلى التعقل والموضوعية". وكان فضل الله قد تلقّى العديد من الاتصالات المعزية، أبرزها من الرئيس نجيب ميقاتي، الوزير السابق شارل رزق، محمد السماك، ورجل الإصلاح الاجتماعي في بعلبك يوسف شعلان عواضة.


صيدا أون لاين
منذ 2 ساعات
- صيدا أون لاين
من مهرجانات الأرز.. رسالة من رئيس الحكومة
رحب رئيس الحكومة نواف سلام بإعادة إطلاق مهرجانات الأرز التي تبدأ اليوم، وسط حضور رسمي كبير. وذكر سلام في تصريح أن "هذه الفعالية عادت بعدما توقفت خلال السنوات الماضية"، وأضاف: "فرحون لوجودنا في الأرز وإن شاء الله إذا استمرّينا على الطريق الذي نسير به فسنظل نحتفل وننظّم مهرجانات.. هذه هي صورة لبنان الحقيقي بثقافته وأدبه"

القناة الثالثة والعشرون
منذ 3 ساعات
- القناة الثالثة والعشرون
من مهرجانات الأرز.. رسالة من رئيس الحكومة
رحب رئيس الحكومة نواف سلام بإعادة إطلاق مهرجانات الأرز التي تبدأ اليوم، وسط حضور رسمي كبير. وذكر سلام في تصريح أن "هذه الفعالية عادت بعدما توقفت خلال السنوات الماضية"، وأضاف: "فرحون لوجودنا في الأرز وإن شاء الله إذا استمرّينا على الطريق الذي نسير به فسنظل نحتفل وننظّم مهرجانات.. هذه هي صورة لبنان الحقيقي بثقافته وأدبه". انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة. انضم الآن شاركنا رأيك في التعليقات تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News