
لبنان: مفاوضات الصندوق تتقدم... وتوقيع الاتفاق قريباً
وأوضح أن الإصلاح المالي والاقتصادي يشكل ركيزة أساسية للتعافي الوطني، مع ضرورة معالجة أخطاء الماضي وبناء نظام مالي ومصرفي حديث وشفاف؛ حيث أُقرّ قانون رفع السرية المصرفية ومشروع إعادة هيكلة القطاع المصرفي، إلى جانب استكمال قانون الفجوة المالية للحفاظ على أصول الدولة واستعادة الودائع بشكل عادل. وشدد على أهمية إعادة تفعيل الدور الائتماني للبنوك لتمويل الاقتصاد الحقيقي، خصوصاً القطاعات الإنتاجية والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، محذراً من أن غياب تدفق الائتمان يعرقل الدورة الاقتصادية والاستثمار.
وأضاف أن النمو الاقتصادي المستدام لا يتحقق من دون تحفيز القطاعات الإنتاجية الأساسية كالزراعة والصناعة والخدمات والاقتصاد الرقمي، موضحاً أولويات الحكومة في توسيع الشراكة بين القطاعين العام والخاص؛ خصوصاً في مشاريع البنية التحتية، مع دعم مباشر للقطاعات الأكثر تضرراً. وأعلن التحضير لمؤتمر استثماري في الخريف لإعادة فتح لبنان أمام الاستثمارات المنتجة، إلى جانب تحديث قوانين الأعمال وتحفيز التصدير، وإطلاق خطة سياحية متكاملة لتشجيع عودة المغتربين واستقبال السياح العرب، مؤكداً أن النمو لا يكتمل من دون توزيع عادل للفرص بين جميع المناطق.
وأشار إلى الزيارات الميدانية لتحديد الحاجات الإنمائية، مع التركيز على مشاريع كبرى مثل مطار رينيه معوض في القليعات، الذي يعدّ ذا أثر تنموي كبير؛ خصوصاً في منطقة الشمال، مؤكداً حرص الحكومة على الاستماع لملاحظات المجتمع وقياس توافق رؤيتها مع الأولويات الوطنية.
وخلال زيارته للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، وصف المجلس بأنه منصة حيوية للحوار الوطني وشريك أساسي في مرحلة التعافي والإصلاح، في ظل أزمة غير مسبوقة تشمل انهيار العملة والقطاع المصرفي، وارتفاع التضخم والفقر، وانكماش الاقتصاد، وتداعيات انفجار مرفأ بيروت والحرب الأخيرة، مؤكداً أن الحل يكمن في إصلاح حقيقي يؤسس لدولة حديثة تستعيد ثقة المواطنين والعالم، داعياً إلى توافق اجتماعي واسع لتحقيق ذلك في أقل من عام.
وأشار إلى أن إصلاح مؤسسات الدولة وحوكمة الإدارة العامة من خلال تعيينات على أساس الكفاءة، وتفعيل الهيئات الرقابية، واعتماد التحول الرقمي، شرط أساسي للنهوض الوطني، مع تأكيد استقلال القضاء وإعادة بناء الثقة بين المواطن والدولة، إلى جانب جهود لاسترداد المال العام وتحديث البنية التحتية وإحياء الهوية الثقافية.
وعلى الصعيد الإقليمي، أعلن قرار إعادة ربط لبنان بعمقه العربي لاستعادة دوره كشريك فاعل في التنمية، وتنشيط التجارة البينية، وجذب الاستثمار.
وفي ملف إعادة الإعمار، أكد العمل ضمن أطر شفافة ومسارات خاضعة للمساءلة، مع تأمين قرض بقيمة 250 مليون دولار من البنك الدولي لتمويل مرحلة الإعمار الفوري بانتظار إقراره في مجلس النواب، وتنفيذ مشاريع بالتعاون مع وكالات الأمم المتحدة تزيد قيمتها على 350 مليون دولار في الجنوب ضمن خطة دعم تمتد لأربع سنوات، مشدداً على أهمية الدعم العربي لإتمام عملية الإعمار وتعزيز قدرة لبنان على النهوض، معلناً التحضير لمؤتمر دولي لإعادة الإعمار خلال الأشهر المقبلة لتنسيق الجهود تحت قيادة الدولة اللبنانية ووفق أولويات واضحة.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشرق الأوسط
منذ 4 ساعات
- الشرق الأوسط
«أرضنا» التي تبحث عن أصحاب...
قبل أيّام نقل موقع إسرائيليّ، عن مصدر وصفه بأنّه «مقرّب من الرئيس السوريّ أحمد الشرع»، أنّ سوريّا تطالب بأن تسلّمها إسرائيل ما لا يقلّ عن ثلث مساحة هضبة الجولان. أمّا أحد السيناريوين اللذين قد تتمّ «الصفقة» بموجبهما فـ«اتّفاقٌ أوسع يشمل تسليم مدينة طرابلس اللبنانيّة ومناطق أخرى شمال لبنان وسهل البقاع إلى السيادة السوريّة». وما لبث «كاتب وسياسيّ» سوريّ يُدعى كمال اللبواني أن صرّح بأنّ «طرابلس كلُّ عمرها سوريّة، ولماذا لا نستعيدها مع مدينة صيدا ونُعيد لبنان الكبير إلى لبنان الصغير؟». أغلب الظنّ أنّ الخبر من أصله ضعيف لا يُبنى عليه. مع هذا فمسألة الأراضي وحدود الأوطان تُعاد إلى التداول في منطقة المشرق العربيّ بكثير من الهمّة والنشاط. وكنّا عرفنا، عبر «جيروزاليم بوست» و»وول ستريت جورنال»، أنّ وجهاء في مدينة الخليل يطالبون بإقامة «إمارة الخليل» المستقلّة عن السلطة الفلسطينيّة. ونعلم أنّ تعبيري «فيدراليّة» و»تقسيم»، على ما بينهما من اختلاف، فتتّسع رقعة المطالبة بواحد منهما، فيما تتزايد، في سائر بلدان المشرق، الأصوات الرسميّة وغير الرسميّة التي تردّ على مطالبة كهذه. وليسوا قلّة أولئك الذين فاجأهم المبعوث الأميركيّ توم برّاك حين أدلى بدلوه في أمر اتّفاقيّة سايكس بيكو، فرأى أنّها «قسّمت سوريّا والمنطقة لأهداف استعماريّة، وليس من أجل السلام، وأنّ ذلك التقسيم كان خطأ رتّب أكلافاً على أجيال بأكملها، وهو لن يتكرّر مرّة أخرى». لكنْ لئن استعار برّاك لغة القوميّين العرب الأوائل، بقي الفارق كبيراً بين الإدانة القديمة لسايكس بيكو وإداناتها الجديدة: فنقّاد الاتّفاقيّة القدامى كانوا يطمحون، من وراء النقد، إلى بلد أكبر هو «أمّة عربيّة» أو «إسلاميّة» أو سوريّة». أمّا الآن فينصبّ المزاج العامّ على طلب بلدان أصغر تكون أوعية للطوائف والأديان والإثنيّات. كذلك صدر النقد القديم حين لم تكن الدول القائمة قد اختُبرت وجُرّبت بما فيه الكفاية، بينما يترافق النقد الحاليّ مع تجريب مديد لتلك الدول أنتج قناعة، ليست قليلة الشيوع، بفشلها. ولئن ارتبطت نتائج الحرب العالميّة الأولى بقيام الدول، ونتائج الحرب العالميّة الثانية باستقلالها، أو استكمال استقلالها، فالسائد اليوم يتفاوت بين الحيرة بصدد المشكلة، والتجاهل العالميّ لها، والبحث عن حلول سريعة وموضعيّة لتجلّياتها النافرة. لكنْ في الحالات كافّة بات يمكن القول إنّ الموقف من «الأرض» شهد تغيّراً كبيراً في المشرق جاءت الحرب الأخيرة/الراهنة تفصح عنه. واليوم يُستسهل العبث بالأرض من دون أيّة خطة، والعبث تالياً بقاطنيها من السكّان. وبالمعنى هذا بات يُستسهل النظر إليها، على ما هي الحال في غزّة، بوصفها عقاراً، تماماً كما يجري الخلط الواسع بين حقوق المُلكيّة وحقوق السيادة. ولئن اختلطت المنازعات الألمانيّة – الفرنسيّة الشهيرة حول ألزاس لورين بنقاش فكريّ يطال الهويّة، وما إذا كانت الأولويّة فيها تعود إلى مشيئة السكّان أو إلى أصولهم ولغتهم، فإنّ نقاشاً كهذا لم تعرفه أراضينا، بالسليب منها وغير السليب. ولئن انفجر، في بيئة الثوريّين الروس مطالع القرن الماضي، نقاش بالغ الغنى والحدّة حول معاهدة برِست ليتوفسك مع ألمانيا، وجواز التنازل عن الأرض مقابل تعزيز سلطة ما، فالعياذ بالله من كلّ نقاش عامّ ظلّ لسان حالنا العمليّ في ما خصّ أراضينا. والانعطاف الكبير هذا ليس مفاجئاً إلاّ في حدود علنيّته المستجدّة. فقد مهّدت له العقود الأخيرة بأكثر من شكل وصيغة: ففي سوريّا مثلاً، حيث احتُلّت هضبة الجولان في 1967، ثمّ ضُمّت رسميّاً إلى إسرائيل في 1981، تصرّف النظام الأسديّ كما لو أنّ الحياة تمضي على رسلها بهضبة جولان أو من دونها. وعمليّاً تولّت معادلة «اللاحرب واللاسلم»، المقرونة بـ»التزام حافظ الأسد بتعهّداته»، والمستندة إلى اتّفاقيّة فضّ الاشتباك في 1974، تصنيف أرض الجولان التي لا يبحث صاحبها عنها كأنّها هي الأخرى «أبد»، إلاّ أنّ «خلوده» من طبيعة سالبة. وأمّا «لبنانيّة مزارع شبعا» فبدت لأكثر اللبنانيّين أشبه بزرع عبوة ناسفة في أحضانهم، تنفجر بهم وببلدهم كلّ يوم. وأغلب الظنّ أنّ هذا جميعاً ما كان ليحصل لولا موقف أصليّ من الأرض عكس نفسه في بناءات سياسيّة غدت معها أرض الطائفة الأخرى أرضها وحدها، دون باقي «شركاء الوطن». وهذا فيما ظلّت «الأمّة» التي يريدها الفكر السياسيّ العربيّ، ضدّاً على سايكس بيكو، أشبه بمعجون الأطفال. فمع نجيب عازروي مثلاً اقتصرت «الأمّة العربيّة» على الجزء الآسيويّ من العالم العربيّ، ومع ساطع الحصري وميشيل عفلق تمدّدت لتضمّ جزءه الأفريقيّ. وفي حالة أنطون سعادة بلغت المهزلة ضمّ قبرص إلى «الأمّة السوريّة»، وضمّ العراق والكويت أيضاً مع اكتشاف النفط فيهما. وأخيراً جاء الإسلاميّون فطالبونا بأن ننسى الأمم على أنواعها ما خلا «أمّة المؤمنين». وهذا على امتداد زمن مديد كنّا فيه، ولا نزال، في أشدّ الحاجة إلى أراضٍ مستقرّة في دول وطنيّة.

العربية
منذ 6 ساعات
- العربية
زلّة لسان توم برّاك
تعود «وحدة المسار والمصير»، بالمعنى السلبي، بين سوريا ولبنان لتطلّ برأسها، وللأسف وفق معادلة الدم بالدم، وبتقاطع مصالح إقليمية، وربما برعاية أميركية كشفتها زلّة لسان الموفد الأميركي توم برّاك بحديثه عن «بلاد الشام». فما يحصل بين دروز السويداء والعشائر العربية قد يشكّل بوابة لهذه العودة، إن تفاقم الصراع الحالي بين الطرفين، وعجزت الدولة السورية عن وقفه وبسط سيادتها، ليتمدّد وصولًا إلى لبنان، في حال نشطت الخلايا التخريبية المتضرّرة من سقوط النظام الأسدي، ومع تقاعس الدولة اللبنانية عن الالتزام بخطة واضحة لنزع السلاح غير الشرعي المنتشر على الأراضي اللبنانية، سواء بيد «حزب اللّه» أو الفصائل الفلسطينية، أو الأحزاب والجماعات التي لا وجود ولا حيثية لها إلّا بالفوضى الأمنية. فالنشاط الإسرائيلي المتحفّز لابتلاع المزيد من الأراضي السورية بادّعائه حماية الدروز، يشي بمخطط لم يتوقف أصلًا، لتعزيز حلف الأقليات، تحت شعار الحماية، واستدراج الطوائف «الخائفة» إلى مذابح وجرائم إبادة سواء بحق الأكثرية، أو بحق بعضها البعض، كما كانت الحال في لبنان خلال الحرب الأهلية، لدفع الطوائف إلى التطرّف والانخراط في دورة الدم بالدم، وإلى إطلاق النفير العام لنجدة جماعاتها، كما تفعل عشائر البدو، التي تطالب «الحكومة السورية بعدم التدخّل أو عرقلة تحرّك المقاتلين الذين يمارسون حقهم المشروع في الدفاع عن المظلومين». فالهدف الأوحد والمستمرّ للقادة الإسرائيليين منذ 1948، كان ولا يزال إقامة دويلات طائفية في المنطقة، تتقاتل وتتنابذ، ليبرّروا بقاء دولة «يهودية» صافية، ويواصلوا اعتداءاتهم على دول الطوق بحجة الدفاع عن النفس. والمفارقة أن هذا الهدف وجد من ينبري لتحقيقه من القوى الإقليمية، سواء أكانت إيران التي سعت لتصدير ثورتها منذ قيام جمهوريتها الإسلامية، لتنشر هلالها الشيعي وتنشئ له أذرعه الميليشياوية التي قوّضت دولها، أم النظام الأسدي العلوي الذي نكّل بالطائفة السنية التي تشكّل أكثرية الشعب السوري، وخلَّف مظلوميّة تحتاج أجيالًا لمحو تداعياتها... فالعدوّ الإسرائيلي يهتمّ باستغلال أقليات تشعر بالخوف من الأكثرية لأغراض سياسية وأمنية من خلال قضم الأراضي السورية واللبنانية. هكذا فعل في لبنان ليتخلّص من منظمة التحرير الفلسطينية، وهذا ما يقوم به حيال دروز السويداء، لينفّذ مخططًا قديمًا لتقسيم سوريا حتى لا تكون دولة قوية. وبالطبع لا يعارض أصحاب مشروع «وحدة المسار والمصير» التخريبي وليس الإيجابي، بالهدف الإسرائيلي، بل يتواطؤون معه إذا ما استدعت مصلحتهم الخاصة ذلك. وقطعًا، هم لا يتوقفون عند عدد الضحايا ممن يدّعون حمايتهم، سواء أكانوا دروزًا، أو علويين، أو شيعة، أو مسيحيين. المهم لدى إسرائيل ومن يتقاطع معها وإن ناصبها العداء، تكريس النفوذ، حتى لو استدعى ذلك قيام دويلات لأقليات بلاد الشام تشكِّل البديل عن الدول الحالية القائمة. لأن الاستثمار أجدى في كيانات مفخّخة ومتفجرة لا حياة ولا مستقبل لها.


الشرق الأوسط
منذ 6 ساعات
- الشرق الأوسط
دليل مبسّط لفكّ «أسرار» «التفاؤل والتشاؤم»
بعد سقوط نظام الأسد وقيام سلطة الشرع، طغى حديث التفاؤل والتشاؤم على السوريّين، لكنْ أيضاً، وإلى حدّ بعيد، على اللبنانيّين الذين شهدوا بدورهم تغيّراً في سلطتهم الحاكمة. والحقّ أنّ هذين المفهومين، التفاؤل والتشاؤم، ينطويان على جرعة كبيرة من الاعتباط والاختزال: فهما يوحيان أنّ مزاج شخص ما (وربّما خلفيّته النفسيّة) ينوب مناب التحليل الواقعيّ أو الموضوعيّ للوقائع والأحداث. لكنْ جرياً على الشائع، وتيسيراً للمجادلة، ربّما جازتِ المغامرة برصد الأسباب التالية في تفسير ما نسمّيهِ تفاؤلاً وتشاؤماً، أقلّه في أحوالنا في سوريّا ولبنان وعموم المشرق: 1- يركّز المتفائل على السلطة وما يقوله ويفعله السياسيّون، وما يقال أحياناً عبر التلفزيون، ويركّز المتشائم على العلاقات بين جماعات المجتمع والتي قد يكون المستتر فيها أكثر من الظاهر المعلن. 2- يشدّد المتفائل على ما يجري في العواصم، وربّما المدن الكبرى أيضاً، أي على «الرأي العامّ»، بينما يشدّد المتشائم على أحوال الأرياف والأطراف، أي على الآراء شبه العامّة – شبه الخاصّة التي لا تُحسب غالباً في «الرأي العامّ». 3- يعوّل المتفائل على الدعم الخارجيّ ويعتبره دعامة الاستقرار لنظام ما أو وضع ما، فيما يعوّل المتشائم على السلطة التي ستتلقّى هذا الدعم، وكيف ستتصرّف به، وفي أيّ مجرى من مجاري الاقتصاد القائم سوف يصبّ. 4- يرفع معنويّاتِ المتفائل تدفّقُ السلع واستهلاك التقنيّات، وربّما انتعاش السياحة أيضاً. أمّا المتشائم الذي قد يغضّ النظر عن إنتاج السلع والتقنيّات، ممّا يعتبره مرآة تفوق الاستهلاك دقّةً، فإنّه لا يغضّ النظر عن التصوّر السائد في المجتمع عن السلع والتقنيّات وعن ثقافة استهلاكها. 5- يعتبر المتفائل أنّ الممارسات والأفكار المتداولة (نظام القرابة، الإصلاح الدينيّ، حرّيّات المرأة، أوضاع الأقلّيّات...) ليست مهمّة، أو في أحسن أحوالها ثانويّة أو مؤجّلة إلى ما بعد إنجاز «المهمّات المُلحّة»، بينما يرى المتشائم أنّ تلك الممارسات والأفكار هي البيئة الأعرض التي تُقرّر فيها مصائر السياسة ومساراتها. وهي قد تكون فعلاً مؤجّلة، إلاّ أنّ التسلّح، منذ البداية، بأفكار حاسمة عنها ضمانةٌ لصالح السياسات النبيلة. 6- لا يهتمّ المتفائل إلاّ لماماً بوجود نقاش عامّ في المجتمع. فالقوى السياسيّة الفاعلة، في رأيه، لا صلة لها بالنقاش وبحمولاته الفكريّة. أمّا المتشائم فيميل إلى أنّ وجود نقاش كهذا شرط لإطلاق الديناميّات التي تُحدث تغييراً فعليّاً يكون على درجة من الاستقرار والاستدامة، وهذا فضلاً عن اتّساع رقعة المشاركة الشعبيّة فيه. واستطراداً، يتّجه المتفائل بنظره إلى القوى التقليديّة وحدها. ودون أن يتجاهل تلك القوى، فالمتشائم يجد ما يعزّز تشاؤمَه في ضعف وجود مجتمع مدنيّ (روابط، هيئات، أحزاب، نقابات، أفكار...) قويٍّ ومتماسكٍ يُعَوّل عليه. 7- يميل المتفائل المسكون بتوازن القوى اللحظيّ إلى تجاهل مسائل العدالة، إذ الأقوياء سيدبّرون الأمور على نحو أو آخر. أمّا المتشائم فيرى في تجاهل العدالة وإغلاق القضايا على زغل طريقاً إلى تضخّم المظلوميّات، وربّما النزعات الثأريّة، التي لا بدّ أن تنفجر، إن لم يكن غداً فبعده. 8- يشعر المتشائم بذلّ عميق حين يشاهد إسرائيل تسيطر على أجواء المنطقة وتتحكّم بقرارها، ويؤلمه أنّ السياسات المعمول بها لا تعتمد إجراءات ومواقف تقطع الطريق على وضع كهذا. ويزيد تشاؤم المتشائم حين يتصرّف المتفائل كما لو أنّه لا يريد إلاّ هذا: إمّا لأنّه «يفضح» حجم عدوانيّة إسرائيل، أو لأنّه يشكّل فرصة للتحريض على مقاومتها. 9- يتعاظم تشاؤم المتشائم وهو يرى أنّ الدول عندنا، وبنتيجة ضعف إجماعات المجتمع، لا تنهض، وربّما لن تنهض، وأنّها لن تستطيع فرض سيادتها وتثبيت حدودها في مواجهة الطوائف والعشائر والقبائل. أمّا المتفائل فقد يربط مثل تلك النشأة بوجود قبضة قويّة، طائفيّة أو إثنيّة، مدعومة من الخارج، وقد يشارك في محفل تمجيد الطوائف والعشائر و»أصالتها». 10- يركّز المتشائم على أحوال المجتمعات والدول فيرى أنّها بائسة ومسدودة الآفاق في المستقبل، وهكذا يلحّ على ضرورة مراجعة الأسباب والجذور العميقة في تراكيبنا واجتماعنا وصِيَغ «تعايشنا» المتهالك، وتالياً إعادة النظر بها إذا تطلّبت الأمور ذلك. أمّا المتفائل فيحذّر من الذهاب بعيداً في المراجعة، واثقاً من أنّ الشعوب سترفض ذلك. فالخلاص عنده ممكن وسهل لأنّه يقتصر على تغيير حاكم أو تعديل دستور أو تحسين أداء إداريّ أو غير ذلك. وهكذا فالمتفائل متفائل بـ»الشعب»، ولو أنّه غالباً ما يتوهّم شعباً لا يطابق الشعب الفعليّ. أمّا المتشائم فقد يتشاءم بـ»الشعب» نفسه، بالفعليّ منه وبالمتوهّم. لا يعني هذا أنّ المتشائم يطلب كلّ شيء كي يتفاءل: لكنّه يطلب بدايات أو إيحاءات لا يعثر إلاّ على عكسها. وأمّا المتفائل فما يطلبه سهل لأنّه ظاهر جدّاً على سطح الواقع، لكنّه لهذا السبب بالضبط نراه، أمام الانتكاسات، يغادر تفاؤله ويروح يتخبّط في التعاسة والشعور بالخيانة والخذلان.