
لندن توقف مخططا لنقل الأفغان إليها وتترك آلاف المتعاونين لمصير مجهول
واحتد الجدل السياسي في لندن مجددا بشأن تخلي الجيش البريطاني عن آلاف المتعاونين الأفغان ممن خدموا مع قواته والذين يواجهون مصيرا غامضا بعد انسحابها من أفغانستان، إثر إعلان الحكومة البريطانية وقف مخطط لإعادة توطينهم في المملكة المتحدة صممته سابقتها لاستدراك تسريب هائل لبياناتهم عام 2022.
وكشفت صحف بريطانية أن لوائح طالبي اللجوء الأفغان المخترقة تضمنت إشارة لآخر موقع معروف لمقدمي تلك الطلبات، مما كان سيمنح حركة طالبان القدرة -لو وضعت يدها على القائمة- على تعقب أي فرد مدرج فيها في حال قرروا استهدافه.
إهمال بالغ
وأشارت صحيفة فايننشال تايمز إلى أن لوائح التسريبات كشفت هوية جواسيس بريطانيين وأسماء أفراد من القوات الخاصة، من بين أكثر من 100 موظف حكومي بريطاني وردت أسماؤهم أيضا في تلك القوائم، فيما وصف بإهمال بالغ الخطورة لإدراج أسماء حساسة إلى جانب طالبي اللجوء الأفغان.
ولكن بعد رفع السرية عن القضية قبل أيام، جادل وزير الدفاع البريطاني جون هيلي أمام البرلمان بأن "الأدلة على وجود خطر يهدد حياة آلاف الأفغان الذين ظهرت أسماؤهم على لوائح التسريبات ضئيلة"، ما شجع الحكومة على مراجعة المخطط ورفع التعتيم عنه.
ولا تبدو الحكومة البريطانية قلقة على مصير الآلاف من المتعاونين معها في أفغانستان، حيث خلصت المراجعة إلى أن حركة طالبان حصلت بالأساس على قاعدة معلومات واسعة بشأن نشاط أولئك الأفراد، ولن يشكل حصولها على قاعدة البيانات المسربة خطرا إضافيا عليهم.
ويرى نيك هارفي، وزير الدفاع البريطاني السابق، أن وقف برنامج الهجرة السري الهادف لحماية الأفغان المهددين بسبب خطأ جسيم في تأمين بياناتهم، قد ترك آلاف الأفغان لمواجهة مصير مجهول في ظروف قاسية، مما يضعف ثقة الشركاء المحليين في مناطق النزاع بقدرة الجيش البريطاني على حمايتهم في حال تعاونهم مع قواته.
ويضيف هارفي، الذي شغل منصب وزير الدفاع بين عامي 2010 و2012، للجزيرة نت، أن التبرير الذي قدم لتكتم الحكومة على واقعة التسريب، بحجة حماية المتعاونين الأفغان من انتقام حركة طالبان، كان ليبدو مقبولا لو استخدم كإجراء مؤقت، إلا أن استمرار هذا التستر لأكثر من عامين أثر بشكل كبير على فعالية إدارة برنامج التوطين.
وتصر حكومة حزب العمال الحالية أنها تواجه تركة ثقيلة من سوء الإدارة خلفتها 14 سنة من حكم المحافظين، وأن قرار وقف برنامج التوطين سيوفر للخزينة البريطانية 1.2 مليار جنيه استرليني، بعد أن كان مخطط الحكومة السابقة نقل 24 ألف أفغاني بكلفة 7 مليارات جنيه إسترليني.
وأفاد هيلي بأن أعداد الأفغان الذين تأثروا بخرق بياناتهم وتمت الموافقة على ترحيلهم إلى بريطانيا بلغ 7900 شخص، بينما لم يتجاوز عدد الذين تم نقلهم إلى الآن 900 من المتعاونين و3600 من عائلاتهم.
من جانبها، قالت إيفون ردلي، وهي صحفية بريطانية غطت الحرب في أفغانستان عام 2021 واحتجزتها حركة طالبان قبل أن تطلق سراحها لاحقا، إن الحكومات البريطانية تعاملت باستخفاف شديد مع الأفغان الذين خدموا لصالح القوات البريطانية، والذين عملوا في ظروف بالغة الخطورة على مدى سنوات.
وفي حديث للجزيرة نت، اعتبرت ردلي أن "خيانة الحكومة البريطانية لهؤلاء الأفغان ستشكل رادعا لكل من ترغب القوات البريطانية في تجنيده إلى جانبها، ما يثير تحفظات في أوساط صناع القرار العسكري البريطاني".
ويتصاعد الغضب والاحتجاج في صفوف البرلمانيين البريطانيين بسبب طلب الحكومات المتعاقبة منذ عام 2023 فرض السرية على فضيحة تسريب البيانات، ووضع مخطط سري للهجرة بكلفة 6 مليارات جنيه إسترليني بمعزل عن أي رقابة برلمانية.
وبلهجة تحذير حادة، طالب رئيس لجنة الاستخبارات والأمن اللورد بيميش -في رسالة للحكومة- بإطلاع البرلمان على جميع التقييمات الاستخباراتية التي دفعت المسؤولين البريطانيين لطلب فرض التعتيم الكامل والأول من نوعه في التاريخ البريطاني، مشددا على عدم وجود مبرر لحجب معلومات حساسة عن البرلمان.
من جهته، وصف العضو البارز في حزب المحافظين إدوارد لي، التدخل العسكري البريطاني في أفغانستان بـ"الخطيئة الأصلية"، داعيا الحكومات البريطانية للاستفادة من دروس التدخل في دول غير قابلة للسيطرة والحكم كالعراق، وليبيا وأفغانستان.
سجال الهجرة
ولم يهدأ التراشق السياسي بين حزبي العمال الحاكم والمحافظين اليميني المعارض، بشأن من يتحمل مسؤولية سوء إدارة هذه القضية.
فقد دعا رئيس الوزراء كير ستارمر إلى محاسبة وزراء حكومات حزب المحافظين السابقة المتورطين في اتخاذ القرارات بشأن التعامل مع واقعة التسريب الضخم للبيانات ومحاولة استدراكها عبر برنامج لإعادة التوطين.
فيما هاجمت رئيسة الوزراء السابقة والقيادية في المحافظين ليز تراس فكرة ترحيل مهاجرين جدد إلى بريطانيا، واعتبرت إقرار مخطط بملايين الجنيهات لترحيل آلاف الأفغان "خطأ بحد ذاته".
ويصب الكشف عن برنامج هجرة المتعاونين الأفغان مزيدا من التوتر على سجال لا يتوقف في صفوف النخب الحزبية البريطانية، بشأن تدبير ملف الهجرة وتقليص أعداد المهاجرين الوافدين إلى البلاد.
وشن نايجل فاراج زعيم حزب الإصلاح اليميني "المتطرف" المعادي للمهاجرين هجوما لاذعا على المخطط السري للهجرة، متهما الحكومات البريطانية بعدم الكفاءة، وزاعما أن البرنامج استقدم أفغانًا من أصحاب السوابق الجنائية إلى البلاد.
وترى كاترين غلنياكي أستاذة سياسات الهجرة في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، في تصريح للجزيرة نت، أن السياسات الحكومية في التعاطي مع تعقيدات ملف طالبي اللجوء تحركها دوافع التنافس الحزبي مع اليمين الشعبوي دون أن تأخذ بعين الاعتبار العواقب الوخيمة لإغلاق الباب في وجه طالبي اللجوء الذين يختارون ركوب القوارب الصغيرة في تحد للإجراءات البيروقراطية.
وحذرت منظمات حقوقية لشؤون اللاجئين، كمجلس اللاجئين البريطاني وجمعية "الحماية من أجل كاليه"، من أن إيقاف نظام الهجرة الأفغاني سيدفع المزيد من الأفغان لسلوك خيار الهجرة غير النظامية ومحاولة الوصول إلى السواحل البريطانية على متن قوارب المهربين.
من جانبها، ذكرت صحيفة تلغراف البريطانية أن محامين يستعدون للطعن في القرار الحكومي بوقف برنامج التوطين استنادًا للاتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية، التي تكفل الحماية للأشخاص المعرضين للخطر بدعوى تسريب بياناتهم، الأمر الذي قد يفتح الباب أمام زيادة في طلبات اللجوء أو المطالبة بتعويضات لنحو 100 ألف أفغاني.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 3 ساعات
- الجزيرة
مظاهرة في لندن للمطالبة بوقف الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين
خرجت مظاهرات في بريطانيا للتنديد بالحرب وتداعياتها، إذ قال تحالف المنظمات البريطانية المناصرة لفلسطين إن أكثر من 80 ألف بريطاني شاركوا في مسيرة وطنية في لندن. وخرج المتظاهرون للتعبير عن غضبهم من استمرار الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة. وطالبوا بوقف توريد السلاح لإسرائيل وفرض عقوبات على قادتها المسؤولين الإسرائيليين المحرضين على التهجير القسري والتطهير العرقي للفلسطينيين. وفي هذه الأثناء، اعتقلت الشرطة البريطانية 50 ناشطا بموجب قانون مكافحة الإرهاب. تقرير: مينة حربلو


الجزيرة
منذ 19 ساعات
- الجزيرة
بريطانيا تعتقل 55 شخصا خلال مسيرة لحركة "فلسطين أكشن"
اعتقلت شرطة العاصمة البريطانية لندن اليوم السبت 55 شخصا خلال مسيرة نظمتها حركة " فلسطين أكشن" أمام مبنى البرلمان. وذكرت الشرطة في منشور على منصة إكس أن الحشد تجمع في ساحة البرلمان وأخذ يلوح بلافتات تدعم الحركة التي حُظرت هذا الشهر بموجب قانون مكافحة الإرهاب. وكان بعض المحتجزين يرتدون الكوفية ويحملون الأعلام الفلسطينية. وحظر مشرعون بريطانيون الحركة في وقت سابق من هذا الشهر بعد أن اقتحم بعض أعضائها قاعدة للقوات الجوية الملكية وألحقوا أضرارا بطائرتين احتجاجا على دعم بريطانيا لإسرائيل. وأصبح الانضمام إلى الحركة الآن بمثابة جريمة قد تصل العقوبة فيها بالسجن لمدة تصل إلى 14 عاما. ووصفت الحركة القرار بأنه "استبدادي" ومن المقرر أن تنظر المحكمة العليا في لندن الطعن في قرار الحظر يوم الاثنين. وحركة "فلسطين أكشن" من بين الجماعات التي دأبت على استهداف شركات الدفاع وغيرها من الشركات البريطانية التي ترتبط بعلاقات مع إسرائيل منذ بدء الحرب في غزة. وألقت الشرطة القبض على عشرات من أنصار الحركة خلال مسيرات في أنحاء بريطانيا منذ فرض الحظر.


الجزيرة
منذ يوم واحد
- الجزيرة
سؤال وجواب عن معاهدة الصداقة بين بريطانيا وألمانيا
بعد مرور خمس سنوات على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، أرست ألمانيا وبريطانيا علاقاتهما على أسس جديدة من خلال توقيع معاهدة صداقة شاملة. ووقع المستشار الألماني فريدريش ميرتس ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر الوثيقة التي تتألف من 27 صفحة خلال حفل رسمي أقيم الخميس بمتحف فيكتوريا وألبرت في العاصمة البريطانية لندن. وفيما يلي أبرز المعلومات بشأن هذه المعاهدة.. ما اسمها؟ أطلق ميرتس وستارمر على الاتفاقية اسم "معاهدة كنسينغتون". وخلال مؤتمر صحفي عقداه في شركة إيرباص بمدينة ستيفنيج شمال لندن، قال ميرتس:"السبب في ذلك هو أننا أبرمناها في متحف فيكتوريا وألبرت الواقع في حي كنسينغتون بلندن". وأوضح زعيم الاتحاد المسيحي الألماني أن اختيار المكان كان "عن قصد"، لافتا إلى أنه المكان الذي تزوجت فيه الملكة فيكتوريا من الأمير ألبرت المنحدر من ألمانيا، ووصف ميرتس هذا الزواج بأنه كان "سعيدا واستمر مدى الحياة". وأضاف أن هذا "فأل حسن". واعتبر أن هذا الاتفاق سيشكل علاقات البلدين لعقود قادمة. ما الهدف؟ حسب وكالة الأنباء الألمانية، يهدف البلدان من معاهدة الصداقة هذه إلى تعميق التعاون فيما بينهما في مجالات السياسة الدفاعية والاقتصادية، والحد من الهجرة غير النظامية، ومكافحة الجريمة العابرة للحدود. كما يتضمن الاتفاق تسهيلات ملموسة في السفر، مثل الإعفاء من التأشيرة لرحلات المجموعات المدرسية، وخططا لإنشاء خط قطار مباشر بين البلدين. ما أهم بنود المعاهدة؟ وفقا للوكالة ذاتها، تتمثل أهم النقاط في المعاهدة وخطة العمل الملحقة بها في العمل على إدخال إلغاء التأشيرة لرحلات المجموعات المدرسية حيز التنفيذ نهاية العام الجاري، وتشكيل مجموعة خبراء للبحث عن حلول لـ "مشكلات التنقل" الأخرى الناجمة عن خروج بريطانيا من التكتل الأوروبي، وإنشاء خط سكة حديد مباشر بين ألمانيا وبريطانيا بحيث تبدأ رحلات أولى القطارات على هذا الخط في غضون عشر سنوات. وستشكل فرقة عمل خاصة لتحقيق هذا المشروع. كما تتمثل أهم النقاط أيضا في العمل على إتاحة البوابات الإلكترونية للمسافرين البريطانيين في ألمانيا بدءا من نهاية أغسطس/آب المقبل، لتسهيل عبورهم الحدود. ماذا عن الجانب العسكري؟ حسب وكالة الأنباء الألمانية، أكدت الدولتان التزامهما المتبادل بالدفاع المشترك، كما هو منصوص عليه بموجب عضويتهما في حلف شمال الأطلسي "ناتو"، وهو أمر ذو أهمية خاصة نظرا لكون بريطانيا دولة نووية. أما وكالة الصحافة الفرنسية، فتقول إن "معاهدة الصداقة" تفتح المجال أمام تعاون أكبر في مجال الدفاع، خصوصا في إطار تطوير أسلحة جديدة وفي العمليات على الضفة الشرقية لحلف شمال الأطلسي.