logo
ثقافة : أسعد سليم يكتب: نصر حامد أبو زيد ومفهوم النص

ثقافة : أسعد سليم يكتب: نصر حامد أبو زيد ومفهوم النص

نافذة على العالممنذ 12 ساعات
الأحد 20 يوليو 2025 08:30 صباحاً
نافذة على العالم - يعد كتاب (مفهوم النص: دراسة في علوم القرآن) للراحل المفكر الدكتور نصر حامد أبو زيد إسهاما فكريا بارزا يسعى إلى إعادة قراءة النص القرآنى مستخدما المناهج العلمية التي مزجت بين التحليل الأدبى والتاريخى، بهدف فهم النص كمنتج ثقافى يتفاعل مع الواقع الاجتماعى والسياسى والفكرى.
ويرى نصر حامد أبو زيد أن الحضارة الإسلامية هي حضارة النص بامتياز، لكن هذا النص لا يمكنه بمفرده أن يقيم حضارة، بل يتطلب تفاعلا ديناميكيا مع الإنسان ومحيطه، وأن النص القرآنى، رغم منطوقه الإلهى، لكنه يتحول إلى منتج ثقافى متحرك الدلالات عندما يُدمج في حياة البشر، مما يجعل تأويله عملية مستمرة تتطور مع تقدم العصور.
يهدف الكتاب إلى تحقيق هدفين رئيسيين: الأول، إعادة ربط دراسات علوم القرآن بالمناهج العلمية النقدية، والثانى، محاولة تقديم إجابة موضوعية لسؤال يبدو بديهيا لكنه معقد: ما هو الإسلام؟ هذا التساؤل يفتح الباب أمام استكشاف الهوية الحضارية الإسلامية، التي تربط العروبة - بمعناها الثقافي واللغوى وليس العرقى - بالإسلام، في محاولة لفهم جذور هذه الهوية ودورها في التاريخ.
مفهوم النص
يبدأ حامد أبو زيد بمناقشة التوتر الحاد والصادم بين التيارين السلفى التقليدي والتنويرى التجديدى في التعامل مع النص القرآنى والتراث، والتيار السلفى يدعو إلى تطبيق الشريعة بشكل حرفى، متجاهلا السياقات التاريخية والاجتماعية التي نزل فيها النص، حيث يهاجم السلفيون المجتمع الحديث ويشبهونه بالمجتمع الجاهلى، متغاضين عن الفروق الأساسية بين القرآن المكى، الذى ركز على التوحيد والعدل في ظل ظروف غير مواتية لتكوين أمة، والقرآن المدنى، الذى جاء بالتشريعات لبناء مجتمع إسلامى متكامل، هذا التشبيه المخل يتجاهل مقاصد الشريعة الكلية، ويفرض تطبيق أحكام مثل الحدود دون مراعاة التحولات الاجتماعية.
وعلى النقيض، يتعامل التيار التنويرى مع التراث بانتقائية واضحة، فيأخذ ما يتماشى مع أفكاره ويترك ما يتعارض معها، مما يؤدى إلى فقدان النص لأصالته، كلا التيارين، بحسب أبو زيد، يفتقران إلى منهج علمى تاريخى موضوعى، مما يؤدى إلى ضياع حقيقة النص وإغفال جدليته مع الواقع، وينتقد أبو زيد أيضا الرؤية التقليدية التي تعتبر علوم التفسير والحديث قد نضجت بشكل نهائي، معتبرا أن هذا الموقف يعيق الإبداع الفكرى ويكرس لعبادة التراث دون تقديم إضافة جديدة.
ويدعو المفكر نصر أبو زيد في مفهوم النص إلى ضرورة وجود وعى علمى بالتراث يتجاوز تمجيد الأسلاف أو التغنى بمجدهم دون تحليل نقدى، ويقترح منهجا ديالكتيكيا صاعدا يبدأ من الثقافة والواقع، مرورا بالمتلقى الأول (الرسول)، ثم الوحى، وصولا إلى الله، على عكس الديالكتيك الهابط السائد في الخطاب الدينى، الذى يبدأ بالغيبى وينتهى بالحسى، وهو ما جعل الخطاب العلمى يتحول إلى ما يشبه الوعظ والإرشاد، والنص القرآنى، كونه لغة عربية تحمل بلاغة وبيانا، يتطلب دراسة أدبية تراعى النحو والصرف والبلاغة، مع الأخذ في الاعتبار أنه بمجرد نزوله أصبح جزءا من الثقافة البشرية.
ويؤكد الكاتب أن تعريض النص للمناهج الأدبية لا ينتقص من قدسيته، بل يبرز تفاعله مع الواقع، حيث كان القدماء يدرسون النص بأدواتهم المحدودة، بينما تتيح الأدوات والمناهج الحديثة تأويلات أكثر نضجا وواقعية.
في سياق تحليل النص، يُعرّف أبو زيد الوحى كعملية اتصال بين الله والرسول عبر اللغة العربية، التي كانت الشفرة الوحيدة المتاحة للمتلقى الأول، لغويا، يعنى الوحى الإعلام في خفاء، سواء بالإلهام، الإيماء، الكتابة، أو الكلام، تاريخيا، كان العرب يؤمنون بالوحى قبل الإسلام في سياق الشعر والكهانة، مما جعل فكرة الوحى للنبى محمد مقبولة، لكن الاعتراض كان على الرسالة ذاتها أو على الموحى إليه، ويثير المؤلف تساؤلا حول ما إذا كان الوحى ينزل باللفظ والمعنى معا أم بالمعنى فقط، حيث يرى فريق أن القرآن أزلى في اللوح المحفوظ، بينما يرى آخرون أن الرسول صاغ المعنى بلغته، والنبى محمد، قبل البعثة، كان إنسانا عاديا متأثرا بالحنيفية، التي مثلت قيما مضادة للثقافة المكية السائدة آنذاك، وسعت إلى خلق هوية حضارية مستمدة من دين إبراهيم وسط تهديديات خارجية من إمارات مجاورة، وأول اتصال بالوحى في غار حراء كان صادما، حيث فُهم رد النبى "ما أنا بقارئ" بالخطأ على أنه خوف وليس أمية، مما يعكس تفاعل النص مع الثقافة الشفاهية.
يعقد أبو زيد مقارنة بين المكى والمدنى بناء على المعيار التاريخى: المكى ما نزل قبل الهجرة، بآيات قصيرة مؤثرة تركز على الإنذار والتوحيد، بينما المدنى هو ما نزل بعدها، بآيات طويلة تشريعية تناسب بناء الأمة، منتقدا محاولات القدماء التلفيق بين الروايات لتجنب تخطئة الصحابة، معتبرا أن ذلك يفصل النص عن واقعه، مؤكدا على أهمية دراسة أسباب النزول كرابط أساسى بين النص ومحيطه، حيث نزل القرآن منجما على مدى ثلاثة وعشرين عاما ليجيب عن أسئلة الواقع ويتوافق مع الثقافة الشفهية، رافضا فكرة تكرار نزول الآيات أو تعددها لسبب واحد، معتبرا أن ذلك غير علمى ويضعف مصداقية النبى، داعيا إلى فتح باب الاجتهاد لتحديد أسباب النزول بدلا من الاعتماد على روايات متضاربة.
في قضية الناسخ والمنسوخ، يُعرّف النسخ بإلغاء حكم آية أو استبداله، مع الإبقاء على النص أو إزالته، ويرى أن النسخ يعكس التدرج في التشريع، كما في تحريم الخمر على ثلاث مراحل، وهو دليل على جدلية النص مع الواقع، منتقدا فكرة نسخ التلاوة مع بقاء الحكم أو العكس، معتبرا ذلك نتيجة لتقديس الروايات التراثية، ويثير تساؤلات حول أزلية القرآن وإمكانية حذف آيات أثناء تجميعه في عهد الصحابى الجليل عثمان بن عفان.
في آليات النص، يربط أبو زيد إعجاز القرآن ببلاغته وبيانه، مؤكدا أن المعجزة تكمن في اتحاد الوحي بالنص، ويرفض نفي العلاقة بين القرآن والشعر أو السجع، مشيرا إلى أن القرآن تفاعل مع الثقافة العربية، مستخدما الفواصل في الآيات المكية لتأثيرها البلاغي، ويستلهم من المعتزلة، خاصة عبد القاهر الجرجاني، نظرية الإعجاز اللغوي التي ربطت الإلهي بالإنساني عبر البلاغة والنحو.
يُعنى علم المناسبة بالعلاقات اللغوية والأسلوبية بين الآيات والسور، معتبرا ترتيب التلاوة توقيفيا، فسورة الفاتحة، على سبيل المثال، تشمل التوحيد والتذكير والأحكام، بينما تبني سور مثل البقرة والنساء أحكاما اجتماعية واقتصادية، مما يعكس تكامل النص، يُفرّق بين المحكم (الواضح) والمتشابه (الغامض)، مشيرا إلى أن الغموض، كما في الحروف المقطعة، يتطلب تأويلا يعتمد على اللغة والسياق، والحروف المقطعة، بتأويلاتها المتعددة (مثل دلالتها على أسماء الله أو إعجازها اللغوي)، تبرز غنى النص وتفاعله مع الثقافة، ويوضح أبو زيد أن اللغة العربية تميل إلى العمومية، لكن تحديد الدلالة يتطلب مراعاة أسباب النزول، مع إدراج آليات العموم والخصوص، مؤكدا أن المقيد يلغي المطلق.
في التفسير والتأويل، يُفرّق أهل السنة بين التفسير، المعتمد على النقل، والتأويل، المرتبط بالاجتهاد، ويرى أبو زيد أن حصر التفسير في النقل يحد من حيوية النص، مما يحوله إلى علم ثابت لا يراعي التطورات العلمية والاجتماعية، والتفسير يكشف الدلالات عبر علوم القرآن (المكي والمدني، الناسخ والمنسوخ، إلخ)، بينما التأويل يستنبط المغزى، شريطة الابتعاد عن الهوى والأيديولوجيا لضمان الموضوعية.
إن كتاب مفهوم النص واحدا من النصوص التي ستبقى في ذاكرة أمتنا العربية على الدوام، بشجاعته منقطعة النظير، وبأفكاره الملهمة التي فتحت طريقا للجميع لينهل منها، وبطزاجة أطروحاته الثورية، ولقد مات نصر أبو زيد مقهورا حزينا، لكنى أخبره أنه لا يزال باقيا وسيبقى للأبد، وسيأتى اليوم حتما ولابد والذى ستكون أبحاثه ودراساته العميقة متغلغلة في الوجدان الشعبى لجديتها الشديدة وسعيها الدائم إلى التطور والتنوير مع الالتزام التام تجاه روح الدين ذاته.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

خلال كلمة فضيلته في مؤتمر 'الذكاء الاصطناعي أسسه المنطقية وأبعاده المستقبلية' بجامعة المنصورة.. مفتي الجمهورية: الذكاء الاصطناعي استُخدم في القتل كما حدث في العدوان على غزة
خلال كلمة فضيلته في مؤتمر 'الذكاء الاصطناعي أسسه المنطقية وأبعاده المستقبلية' بجامعة المنصورة.. مفتي الجمهورية: الذكاء الاصطناعي استُخدم في القتل كما حدث في العدوان على غزة

النهار المصرية

timeمنذ 3 ساعات

  • النهار المصرية

خلال كلمة فضيلته في مؤتمر 'الذكاء الاصطناعي أسسه المنطقية وأبعاده المستقبلية' بجامعة المنصورة.. مفتي الجمهورية: الذكاء الاصطناعي استُخدم في القتل كما حدث في العدوان على غزة

قال فضيلة أ.د. نظير محمد عياد، مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم: إن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان وكرمه بالعقل، ومن هذه القدرة الفذة نشأت العلوم، وتفرعت الصناعات والفنون، وسارت البشرية في دروب التقدم، حتى بلغنا عصرًا تحاكي فيه التقنية الإدراك البشري، وتحلل وتتَّخذ قراراتٍ معقدةً. مضيفًا أن الذكاء الاصطناعي ليس كيانًا منفصلًا، بل هو امتداد للعقل الإنساني، ومن الطبيعي أن يسخر هذا الإنجاز العلمي لخدمة البشرية، داخل إطار من القيم والضوابط. جاء ذلك خلال كلمة فضيلته في المؤتمر الخامس لكلية الآداب بجامعة المنصورة، تحت عنوان: "الذكاء الاصطناعي أُسسه المنطقية وأبعاده المستقبلية". وأوضح فضيلة المفتي أن الإسلام رفع من شأن العقل وجعله مناطًا للتكليف، وأساسًا للتكريم، وأن الشرع لا يتصادم مع العقل السليم، بل ينيره ويهديه، مشيرًا إلى أن تقنيات الذكاء الاصطناعي بُنيت على المنطق الرياضي، والتعلم الإحصائي، ونمذجة المعرفة، وهي أدوات تجسد العقل الإنساني في أدق صوره، وتنتج أنظمة قادرة على التعلم والفهم والتحليل والتشخيص، مشيرًا إلى أن الحديث عن الذكاء الاصطناعي لا يمكن فصله عن استشراف المستقبل من جهتين: الجهة الأولى، تتمثل في الأمل في نفع البشرية، مشيرًا الى أن ما يمكن أن تقدمه هذه التقنيات من تحسينات للحياة أمر لا يستهان به، والجهة الثانية: تكمن في الحذر من التهديدات والتحديات التي تنشأ عنه، فالذكاء الاصطناعي -رغم مزاياه- يحمل بين طياته تهديدات أخلاقية ومعرفية عميقة، فتصبح قرارات الآلة انعكاسًا لانحرافات الإنسان في مجالات شتى. وشدَّد فضيلة المفتي على أن هذه التهديدات تتجلى في أبشع صورها حين يستخدم الذكاء الاصطناعي في القتل، كما في العدوان على غزة، حيث استُخدمت التقنية في تحليل الصور والتنبؤ بالحركات واستهداف الأحياء السكنية بدقة؛ ما أدَّى إلى وقوع آلاف الضحايا. وهنا تبرز الحاجة إلى ميثاق أخلاقي وإنساني عالمي ينظم استخدامات الذكاء الاصطناعي، لا من منطلق السوق والربح، بل من منطلق العدل والرحمة وصيانة الكرامة الإنسانية، مبينًا أن الإسلام رسم طريقًا وسطًا في التعامل مع هذه التقنيات، يوازن بين الاحتفاء بالعقل وضبطه بالوحي، وأن الذكاء الاصطناعي لا يُحكم عليه بذاته، بل بمآلات استخدامه، في الخير أو في الشر. ودعا فضيلة مفتي الجمهورية إلى صياغة ميثاق أخلاقي عالمي مستند إلى القيم الإنسانية ومقاصد الشريعة، وتعزيز البرامج لتحصين الأجيال القادمة من الانبهار الأعمى بهذه التقنية، من خلال تنشئة تربوية ودينية تعلمهم أن التقنية وسيلة، لا غاية. كما دعا فضيلته إلى ضرورة الموازنة بين العقل والنقل، موضحًا أن دار الإفتاء المصرية، ممثلة في الأمانة العامة، تتعامل مع واقع الذكاء الاصطناعي بوعي علمي رصين ومسؤولية شرعية، مشيرًا إلى أن دار الإفتاء ستعقد مؤتمرها العالمي العاشر بعنوان: "صناعة المفتي الرشيد في عصر الذكاء الاصطناعي"، يومَي 12 و13 أغسطس 2025، برعاية فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي، لتأصيل دَور المفتي المعاصر في التعامل مع النصوص والواقع المتغير. وأشار فضيلة المفتي إلى أن هذا المؤتمر قد جاء في وقته وحينه؛ ليقطع الطريق على أولئك الذين يحاولون التقليل من سائر العلوم الفلسفية والمنطقية، ويؤكد تلك العَلاقة بين العلوم الفلسفية وسائر العلوم الإنسانية والتجريبية. كما أوصى فضيلته بأن يكون من ضمن مخرجات المؤتمر وتوصياته؛ ضرورة المحافظة على تدريس المواد الفلسفية والمنطقية؛ وذلك تحقيقًا لواجبٍ وإقرارًا بفضلٍ. وفي ختام كلمته أكد مفتي الجمهورية أن الذكاء الاصطناعي لا يمكنه الاستقلال بصناعة الفتوى؛ لأنه يفتقد مَلَكة الفقه، وروح المقاصد، داعيًا الشباب إلى التمييز بين أدوات المعرفة وأدوات الإفتاء، فبرامج الذكاء قد تنتج فتاوى غير صحيحة تؤدي إلى فوضى فكرية. كما أشار إلى أن دار الإفتاء تستقبل الأفكار الإبداعية لتطوير الخطاب الإفتائي بما يناسب تحولات المجتمع. وقد شهد المؤتمر حضور لفيفٍ من القيادات الأكاديمية وأعضاء هيئة التدريس بجامعة المنصورة، يتقدَّمهم أ.د شريف خاطر، رئيس جامعة المنصورة و أ.د محمود الجعيدي، عميد كلية الآداب، وأ.د مسعد سلامة، وكيل الكلية لشؤون الدراسات العليا والبحوث.

مفتي الجمهورية: الذكاء الاصطناعي ليس كيانًا منفصلًا بل امتداد للعقل الإنساني (صور)
مفتي الجمهورية: الذكاء الاصطناعي ليس كيانًا منفصلًا بل امتداد للعقل الإنساني (صور)

مصرس

timeمنذ 5 ساعات

  • مصرس

مفتي الجمهورية: الذكاء الاصطناعي ليس كيانًا منفصلًا بل امتداد للعقل الإنساني (صور)

قال الدكتور نظير محمد عياد، مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم: إن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان وكرمه بالعقل، ومن هذه القدرة الفذة نشأت العلوم، وتفرعت الصناعات والفنون، وسارت البشرية في دروب التقدم، حتى بلغنا عصرًا تحاكي فيه التقنية الإدراك البشري، وتحلل وتتَّخذ قراراتٍ معقدةً. مضيفًا أن الذكاء الاصطناعي ليس كيانًا منفصلًا، بل هو امتداد للعقل الإنساني، ومن الطبيعي أن يسخر هذا الإنجاز العلمي لخدمة البشرية، داخل إطار من القيم والضوابط. جاء ذلك خلال كلمة مفتي الجمهورية ،اليوم الأحد، في المؤتمر الخامس لكلية الآداب بجامعة المنصورة، تحت عنوان: «الذكاء الاصطناعي أُسسه المنطقية وأبعاده المستقبلية».وأوضح المفتي أن الإسلام رفع من شأن العقل وجعله مناطًا للتكليف، وأساسًا للتكريم، وأن الشرع لا يتصادم مع العقل السليم، بل ينيره ويهديه، مشيرًا إلى أن تقنيات الذكاء الاصطناعي بُنيت على المنطق الرياضي، والتعلم الإحصائي، ونمذجة المعرفة، وهي أدوات تجسد العقل الإنساني في أدق صوره، وتنتج أنظمة قادرة على التعلم والفهم والتحليل والتشخيص، مشيرًا إلى أن الحديث عن الذكاء الاصطناعي لا يمكن فصله عن استشراف المستقبل من جهتين: الجهة الأولى، تتمثل في الأمل في نفع البشرية، مشيرًا إلى أن ما يمكن أن تقدمه هذه التقنيات من تحسينات للحياة أمر لا يستهان به، والجهة الثانية: تكمن في الحذر من التهديدات والتحديات التي تنشأ عنه، فالذكاء الاصطناعي -رغم مزاياه- يحمل بين طياته تهديدات أخلاقية ومعرفية عميقة، فتصبح قرارات الآلة انعكاسًا لانحرافات الإنسان في مجالات شتى.وشدَّد المفتي على أن هذه التهديدات تتجلى في أبشع صورها حين يستخدم الذكاء الاصطناعي في القتل، كما في العدوان على غزة، حيث استُخدمت التقنية في تحليل الصور والتنبؤ بالحركات واستهداف الأحياء السكنية بدقة؛ ما أدَّى إلى وقوع آلاف الضحايا. وهنا تبرز الحاجة إلى ميثاق أخلاقي وإنساني عالمي ينظم استخدامات الذكاء الاصطناعي، لا من منطلق السوق والربح، بل من منطلق العدل والرحمة وصيانة الكرامة الإنسانية، مبينًا أن الإسلام رسم طريقًا وسطًا في التعامل مع هذه التقنيات، يوازن بين الاحتفاء بالعقل وضبطه بالوحي، وأن الذكاء الاصطناعي لا يُحكم عليه بذاته، بل بمآلات استخدامه، في الخير أو في الشر.ودعا مفتي الجمهورية إلى صياغة ميثاق أخلاقي عالمي مستند إلى القيم الإنسانية ومقاصد الشريعة، وتعزيز البرامج لتحصين الأجيال القادمة من الانبهار الأعمى بهذه التقنية، من خلال تنشئة تربوية ودينية تعلمهم أن التقنية وسيلة، لا غاية. كما دعا فضيلته إلى ضرورة الموازنة بين العقل والنقل، موضحًا أن دار الإفتاء المصرية، ممثلة في الأمانة العامة، تتعامل مع واقع الذكاء الاصطناعي بوعي علمي رصين ومسؤولية شرعية، مشيرًا إلى أن دار الإفتاء ستعقد مؤتمرها العالمي العاشر بعنوان: «صناعة المفتي الرشيد في عصر الذكاء الاصطناعي»، يومَي 12 و13 أغسطس 2025، برعاية الرئيس عبدالفتاح السيسي، لتأصيل دَور المفتي المعاصر في التعامل مع النصوص والواقع المتغير.وأشار المفتي إلى أن هذا المؤتمر قد جاء في وقته وحينه؛ ليقطع الطريق على أولئك الذين يحاولون التقليل من سائر العلوم الفلسفية والمنطقية، ويؤكد تلك العَلاقة بين العلوم الفلسفية وسائر العلوم الإنسانية والتجريبية. كما أوصى فضيلته بأن يكون من ضمن مخرجات المؤتمر وتوصياته؛ ضرورة المحافظة على تدريس المواد الفلسفية والمنطقية؛ وذلك تحقيقًا لواجبٍ وإقرارًا بفضلٍ.وفي ختام كلمته أكد مفتي الجمهورية أن الذكاء الاصطناعي لا يمكنه الاستقلال بصناعة الفتوى؛ لأنه يفتقد مَلَكة الفقه، وروح المقاصد، داعيًا الشباب إلى التمييز بين أدوات المعرفة وأدوات الإفتاء، فبرامج الذكاء قد تنتج فتاوى غير صحيحة تؤدي إلى فوضى فكرية. كما أشار إلى أن دار الإفتاء تستقبل الأفكار الإبداعية لتطوير الخطاب الإفتائي بما يناسب تحولات المجتمع.وقد شهد المؤتمر حضور لفيف من القيادات الأكاديمية وأعضاء هيئة التدريس بجامعة المنصورة، يتقدَّمهم الدكتور شريف خاطر، رئيس جامعة المنصورة والدكتور محمود الجعيدي، عميد كلية الآداب، والدكتور مسعد سلامة، وكيل الكلية لشؤون الدراسات العليا والبحوث.

مفتي الجمهورية: الذكاء الاصطناعي ليس كيانًا منفصلًا بل هو امتداد للعقل الإنساني
مفتي الجمهورية: الذكاء الاصطناعي ليس كيانًا منفصلًا بل هو امتداد للعقل الإنساني

عالم النجوم

timeمنذ 6 ساعات

  • عالم النجوم

مفتي الجمهورية: الذكاء الاصطناعي ليس كيانًا منفصلًا بل هو امتداد للعقل الإنساني

قال فضيلة أ.د. نظير محمد عياد، مفتي الجمهورية ، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم: إن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان وكرمه بالعقل، ومن هذه القدرة الفذة نشأت العلوم، وتفرعت الصناعات والفنون، وسارت البشرية في دروب التقدم، حتى بلغنا عصرًا تحاكي فيه التقنية الإدراك البشري، وتحلل وتتَّخذ قراراتٍ معقدةً. مضيفًا أن الذكاء الاصطناعي ليس كيانًا منفصلًا، بل هو امتداد للعقل الإنساني، ومن الطبيعي أن يسخر هذا الإنجاز العلمي لخدمة البشرية، داخل إطار من القيم والضوابط. جاء ذلك خلال كلمة فضيلته في المؤتمر الخامس لكلية الآداب بجامعة المنصورة، تحت عنوان: 'الذكاء الاصطناعي أُسسه المنطقية وأبعاده المستقبلية'. وأوضح فضيلة المفتي أن الإسلام رفع من شأن العقل وجعله مناطًا للتكليف، وأساسًا للتكريم، وأن الشرع لا يتصادم مع العقل السليم، بل ينيره ويهديه، مشيرًا إلى أن تقنيات الذكاء الاصطناعي بُنيت على المنطق الرياضي، والتعلم الإحصائي، ونمذجة المعرفة، وهي أدوات تجسد العقل الإنساني في أدق صوره، وتنتج أنظمة قادرة على التعلم والفهم والتحليل والتشخيص، مشيرًا إلى أن الحديث عن الذكاء الاصطناعي لا يمكن فصله عن استشراف المستقبل من جهتين: الجهة الأولى، تتمثل في الأمل في نفع البشرية، مشيرًا الى أن ما يمكن أن تقدمه هذه التقنيات من تحسينات للحياة أمر لا يستهان به، والجهة الثانية: تكمن في الحذر من التهديدات والتحديات التي تنشأ عنه، فالذكاء الاصطناعي -رغم مزاياه- يحمل بين طياته تهديدات أخلاقية ومعرفية عميقة، فتصبح قرارات الآلة انعكاسًا لانحرافات الإنسان في مجالات شتى. وشدَّد فضيلة المفتي على أن هذه التهديدات تتجلى في أبشع صورها حين يستخدم الذكاء الاصطناعي في القتل، كما في العدوان على غزة، حيث استُخدمت التقنية في تحليل الصور والتنبؤ بالحركات واستهداف الأحياء السكنية بدقة؛ ما أدَّى إلى وقوع آلاف الضحايا. وهنا تبرز الحاجة إلى ميثاق أخلاقي وإنساني عالمي ينظم استخدامات الذكاء الاصطناعي، لا من منطلق السوق والربح، بل من منطلق العدل والرحمة وصيانة الكرامة الإنسانية، مبينًا أن الإسلام رسم طريقًا وسطًا في التعامل مع هذه التقنيات، يوازن بين الاحتفاء بالعقل وضبطه بالوحي، وأن الذكاء الاصطناعي لا يُحكم عليه بذاته، بل بمآلات استخدامه، في الخير أو في الشر. ودعا فضيلة مفتي الجمهورية إلى صياغة ميثاق أخلاقي عالمي مستند إلى القيم الإنسانية ومقاصد الشريعة، وتعزيز البرامج لتحصين الأجيال القادمة من الانبهار الأعمى بهذه التقنية، من خلال تنشئة تربوية ودينية تعلمهم أن التقنية وسيلة، لا غاية. كما دعا فضيلته إلى ضرورة الموازنة بين العقل والنقل، موضحًا أن دار الإفتاء المصرية، ممثلة في الأمانة العامة، تتعامل مع واقع الذكاء الاصطناعي بوعي علمي رصين ومسؤولية شرعية، مشيرًا إلى أن دار الإفتاء ستعقد مؤتمرها العالمي العاشر بعنوان: 'صناعة المفتي الرشيد في عصر الذكاء الاصطناعي'، يومَي 12 و13 أغسطس 2025، برعاية السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، لتأصيل دَور المفتي المعاصر في التعامل مع النصوص والواقع المتغير. وأشار فضيلة المفتي إلى أن هذا المؤتمر قد جاء في وقته وحينه؛ ليقطع الطريق على أولئك الذين يحاولون التقليل من سائر العلوم الفلسفية والمنطقية، ويؤكد تلك العَلاقة بين العلوم الفلسفية وسائر العلوم الإنسانية والتجريبية. كما أوصى فضيلته بأن يكون من ضمن مخرجات المؤتمر وتوصياته؛ ضرورة المحافظة على تدريس المواد الفلسفية والمنطقية؛ وذلك تحقيقًا لواجبٍ وإقرارًا بفضلٍ. وفي ختام كلمته أكد مفتي الجمهورية أن الذكاء الاصطناعي لا يمكنه الاستقلال بصناعة الفتوى؛ لأنه يفتقد مَلَكة الفقه، وروح المقاصد، داعيًا الشباب إلى التمييز بين أدوات المعرفة وأدوات الإفتاء، فبرامج الذكاء قد تنتج فتاوى غير صحيحة تؤدي إلى فوضى فكرية. كما أشار إلى أن دار الإفتاء تستقبل الأفكار الإبداعية لتطوير الخطاب الإفتائي بما يناسب تحولات المجتمع.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store