
إعادة الإعمار: ثلاثة مسارات متوازية وتحدّيات في التنفيذ
تشقّ عملية إعادة الإعمار في جنوب لبنان طريقها بصعوبة وسط تداخل المسارات السياسية والتقنية، وتفاوت الأولويات بين الدولة والجهات الفاعلة على الأرض. في ظل مخاوف من تكرار تجربة إعادة الإعمار ما بعد حرب تموز 2006. وبينما يُنتظر من الحكومة أن تضطلع بدور ريادي في رسم خطة شاملة، تكشف مصادر مطلعة، أنّ الجهود المطلوبة يفترض أن تُوزع على ثلاثة مسارات متوازية، لكلٍّ منها ديناميته وأدواته ومصادر تمويله.
المسار القانوني
المسار الأول، ويُعنى بالإجراءات القانونية والتنفيذية لإعادة البناء وتعويض المتضررين، يشهد حراكاً داخلياً تتجلى في جولة وفد كتلة الوفاء للمقاومة على رئيس الجمهورية ومن ثم رئيس الحكومة نواف سلام. فحزب الله بادر إلى نقاش مفصّل مع رئيس الحكومة حول رؤيته للمرحلة المقبلة، وهي الرؤية نفسها التي ناقشها مع رئيس الجمهورية في لقاء جمع الطرفين مؤخراً، وتركّز على ضرورة توحيد الجهود وتقنينها ضمن إطار مؤسساتي لإعادة الإعمار.
في هذا الإطار، علمت "المدن" أن الحكومة أحالت إلى المجلس النيابي مشروع قانون يتضمّن إعفاءات ضريبية ورسوم خدمات عامة (كهرباء ومياه) عن المتضررين من الحرب، على أن تُرفَق بمراسيم تنظيمية تسهّل إجراءات تراخيص البناء والترميم، وتضع آلية واضحة لاحتساب التعويضات، بناءً على جداول تقييم الأضرار التي أعدّتها الفرق الميدانية. وتشير مصادر متابعة إلى أن الحكومة لم تُقرّ بعد الآلية القانونية الملزمة لتحديد قيمة التعويضات، ما يعيق صرفها حتى الساعة. مع العلم أن حزب الله وبحسب معلومات "المدن" أنهى عمليات المسح للاضرار في البناء والبنى التحتية والمزروعات والسيارات والمحال والمؤسسات.
مسار البنى التحتية
أما المسار الثاني، فيتناول إصلاح البنى التحتية من كهرباء وطرقات وشبكات مياه، وهو ما يتطلّب تمويلاً يفوق قدرات الخزينة العامة. وقد باشر رئيس الجمهورية وكذلك رئيس الحكومة إتصالات مع الجهات المانحة والصناديق لتأمين الدعم لتمويل إعادة الإعمار. ويؤمل أن يترجم ذلك في المؤتمر الذي يُعقد في السراي الحكومي للجهات المانحة والصناديق الممولة، في محاولة لرفع سقف تمويل عملية إعادة الإعمار، بعدما قدر البنك الدولي احتياجات لبنان للتعافي وإعادة الإعمار بنحو 11 مليار دولار. في وقت سبق أن أقر البنك الدولي قرضاً بقيمة 250 مليون دولار مخصّص لإعادة تأهيل البنى التحتية في الجنوب والمناطق المتضررة الأخرى.
أكثر من ذلك، لا يفوت رئيس الجمهورية كما رئيس الحكومة فرصة إلا ويعملان على حشد دعم دولي أوسع، وتأمين تمويل سريع وشفاف للبنى التحتية، بما يتيح إعادة ربط القرى المعزولة، وتوفير الخدمات الأساسية التي تشكّل شرطاً مسبقاً لعودة الأهالي. وكذلك مباشرة إعادة إعمار آلاف الوحدات السكنية التي دمرتها إسرائيل.
مسار مباشرة الإعمار
المسار الثالث يرتبط مباشرة بإعادة إعمار المساكن المهدّمة والمتضرّرة، وهو المسار الذي تصدّره حزب الله بفعالية ميدانية لافتة، عبر خطة ترميم وإيواء شملت في مرحلتها الأولى نحو 400 ألف أسرة في مختلف المناطق المتضرّرة. ووفق مصادر مطلعة، فإن الجزء الأكبر من أعمال الترميم أنجز، ويجري حالياً الإعداد للمرحلة الثانية التي يفترض أن تستكمل ما بدأته الخطة. إلا أن المصادر نفسها شدّدت على أن إعادة بناء البيوت التي تهدّمت بالكامل تبقى من مسؤولية الدولة، مطالبة الحكومة بوضع جدول زمني واضح لهذه المهمة، وتوفير آلية تمويل فعالة ومستدامة.
ورغم الحديث عن حاجات مالية ضخمة لإعادة الإعمار، تُجمع مصادر رسمية ومطلعة على واقع الحال على الأرض أكان في الجنوب أو في الضاحية الجنوبية والبقاع، على وجود مبالغة في تقدير حجم الكلفة. وتلفت، في هذا الصدد، إلى تجربة بلدة عيترون، التي دُمّر نحو 40 في المئة من منازلها، بينما عاد ما يقارب 700 عائلة إلى بيوتهم وأراضيهم، رغم الدمار والركام. هذا المثال، تقول المصادر، يعكس تمسّك الجنوبيين بأرضهم وقرارهم بالعودة، ويدحض المبالغات التي تتحدث عن أرقام تفوق 11 مليار دولار. في وقت قدرت تلك المصادر من خلال أعمال المسح التي أجريت أن كلفة إعادة الإعمار قد لا تتجاوز الأربعة مليارات دولار.
في المحصلة، يظهر بوضوح أن نجاح خطة إعادة الإعمار لا يقتصر على التمويل فقط، بل يتطلب حوكمة فعالة، وقرارات جريئة من الدولة، وإرادة سياسية موحّدة تضع مصلحة المواطنين فوق أي اعتبارات أخرى. وفي غياب ذلك، تخشى الأوساط الشعبية أن تتحول جهود الإغاثة إلى مشاريع مشتتة، يتناقص أثرها مع مرور الوقت، بدلاً من أن تُشكّل مدخلاً حقيقياً للتعافي الوطني.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


صوت لبنان
منذ ساعة واحدة
- صوت لبنان
نقابة المحامين تشكّك في ادعاء حلاوي في ملف رياض سلامة!
وكالة أخبار اليوم في تطور بارز في الملف الموقوف فيه الحاكم السابق لمصرف لبنان رياض سلامة والمتعلق بـ44 مليون دولار، أصدرت نقابة المحامين في بيروت قراراً مهماً بتاريخ 2 حزيران 2025 رفضت فيه منح الأذن بملاحقة المحاميين مروان عيسى الخوري وميشال تويني اللذين كان قاضي التحقيق الأول في بيروت بلال حلاوي ادعى عليهما فيه وطلب الأذن من النقابة لملاحقتهما.والمفارقة في مضمون قرار نقابة المحامين بحسب مصادر قانونية أنه يشكك في كل الملف ووقائعه، بحيث جاء في متن قرار النقابة: "وحيث أن النيابة العامة المالية لم تُرسل الى النقابة الملف كاملاً (ملف التحقيق) ولا الوقائع المادية للجرمين المدّعى بهما ولا المستندات الثبوتية، علماً أن الإحالة لم توضح ماهية المستندات المزوّرة ولا من زوّرها ولا من قام باستعمالها"!وبالتالي فإن نقابة المحامين تكون في قرارها شككت عملياً بكل الاتهامات التي سيقت ليس فقط للمحاميين عيسى الخوري وتويني إنما الى رياض سلامة أيضاً لأن الادعاء على الثلاثة مترابط ولا يمكن أن يكون سلامة ارتكب أي جرم طالما أن لا إثبات على أي شراكة لعيسى الخوري وتويني في أي جرم، وطالما أن النقابة تشكك بوجود تزوير ومستندات مزوّرة، بما يدحض رواية قاضي التحقيق الأول.وتختم المصادر القانونية بالتأكيد أن هذا التطور اللافت في القضية سيحتّم على الهيئة الاتهامية إعادة النظر في قرارها في ضوء القبول بالتوسّع في التحقيق والتشكيك بكل مطالعة حلاوي وإجراءاته وقراراته، كما أيضاً يفرض بالمنطق القضائي البسيط القبول بإخلاء سبيل رياض سلامة بحيث أنه لا يمكن الإبقاء على سلامة موقوفاً في الملف طالما النقابة رفضت منح الأذن لملاحقة محاميين يدّعي القاضي أنهما شريكان لسلامة.


صوت لبنان
منذ 2 ساعات
- صوت لبنان
المكتب الاعلامي للرئيس سلام : ما ورد في "الكلمة اونلاين" حول حصول لقاء بين سلام وحسين الخليل كلام مغلوط ومن نسج الخيال
صدر عن المكتب الإعلامي لرئيس مجلس الوزراء نواف سلام، الاتي : "يهم المكتب الإعلامي للرئيس نواف سلام، أن يؤكد أن ما ورد في موقع "الكلمة أونلاين" حول حصول لقاء بين الرئيس سلام والمعاون السياسي للأمين العام لحزب الله حسين الخليل، هو كلام مغلوط ومن نسج الخيال جملة وتفصيلا. فلم يحصل هكذا لقاء بين أي مسؤول من حزب الله والرئيس سلام بعد زيارة وفد كتلة الوفاء للمقاومة الى السرايا الحكومية. كما أن ما يصوره المقال بأنه مضمون، فلم يحصل لا في هذا اللقاء المفترض ولا في أي لقاء سابق".

القناة الثالثة والعشرون
منذ 2 ساعات
- القناة الثالثة والعشرون
مبنى السانت تيريز في الضاحية... الجيش اللبناني يتابع الكشف
يتابع الجيش اللبناني اليوم الخميس الكشف على مبنى في السانت تيريز في الضاحية الجنوبية لبيروت. وكان الجيش قد بدأ الكشف عليه الأربعاء الثلاثاء. وكانت انتشرت معلومات عن أن الجيش توجّه نحو حي الأميركان في الضاحية الجنوبية للكشف على أحد المباني. إلى ذلك، تداول ناشطون صورة التقطت على الخط البحري لمدينة صيدا، أثناء نقل الجيش اللبناني آليات صادرها من "حزب الله" في الجنوب باتجاه بيروت. في وقت سابق، أبلغ الجيش اللبناني لجنة الإشراف أنه بعد إجراء الكشف لم يتبين وجود أي منشأة أو معدات عسكرية في الموقع الذي حدّدته اللجنة في منطقة السانت تيريز. انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة. انضم الآن شاركنا رأيك في التعليقات تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News