
قصة موفدين لبنانيين أميركيين
ذلك أن المبالغة في الحكمة تؤدي أحياناً إلى مفاعيل التهور. والتشدد في حسابات الأخطار والفرص تقود إلى الشلل باسم الحفاظ على الاستقرار. ففي تأجيل التغيير مجازفة بالتغيير في لعبة الوقت الذي هو «كالسيف إن لم تقطعه قطعك»، حسب المثل. وفي إدارة المتغيرات بقواعد اللعبة القديمة، ولو موقتاً، كثير من التسليم بأن «الستاتيكو» المدمر الذي تجاوزته التحولات قابل للبقاء بقوة الخوف من التغيير لدى فريق، وقوة الخوف من كلفة التغيير لدى فريق آخر.
ولا حديث في البلد يتقدم على المواقف المتسارعة للموفد الأميركي توم براك. فهو مثل رئيسه وصديقه دونالد ترامب يقول أي شيء وكل شيء، ثم يأتي التصحيح والتلميح ودفع الناس إلى الفرق في التفاصيل والبحث عن الأساس بينها على طريقة المثل الأميركي القائل: «أين اللحم في هذه الصلصة؟». ونحن مثل الذين قرأوا رواية «كوخ العم توم» الإنسانية، نتصور أن توم براك الأميركي من أصل لبناني يمكن أن يترك لعاطفته اللبنانية بعض التأثير في عقله الأميركي. وهذه تجربة مررنا فيها من قبل في ثمانينات القرن الماضي مع موفد أميركي آخر من أصل لبناني هو فيليب حبيب، الذي اختار لكتابه بعد تقاعده وإنهاء مهمته عنواناً بالغ التعبير: «ملعون صانع السلام».
فيليب حبيب دبلوماسي محترف بلغ القمة في الخارجية الأميركية وكان الرئيس الأميركي رونالد ريغان يستلطفه لأنه صاحب نكتة. كما كان الرئيس حافظ الأسد يتكل عليه في المفاوضات غير المباشرة مع مناحيم بيغن وفي تجميل صورته في البيت الأبيض. ولم يطلب الأسد من ريغان تغييره إلا بعدما خسر مكانته عند بيغن بسبب رفضه لرغبة ريغان في إيجاد حل للموضوع الفلسطيني بعد اجتياح إسرائيل للبنان. وكان حبيب يصف مهمته في المثلث السوري-اللبناني-الإسرائيلي بأنها نوع من شغل «بائع السجاد». لماذا؟ لأن بائع السجاد يحمل بضاعته على كتفه ثم يضعها على الأرض حين يدخل أي محل أو بيت، ويستمر في عرض ما يحمله من سجاجيد وأسعارها والترغيب فيها، فلا يغادر المكان من دون أن يبيع قطعة ما.
ومع أن حبيب كان يقول في بيروت للمسؤولين «إن أميركا تحب النجاح ولكنها تغادر فوراً عند التعثر»، إلا إنه عمل بجهد وصبر لتسوية أزمة مسلحة بين سوريا وإسرائيل وإتمام وقف نار بين تل أبيب ومنظمة التحرير الفلسطينية عام 1981، ثم لترتيب بقاء القوات السورية في البقاع والشمال وانسحابها من بيروت والجنوب، وخروج منظمة التحرير بقيادة عرفات من بيروت وانتخاب الشيخ بشير الجميل رئيساً للجمهورية عام 1982 ثم متابعة الأمور بعد اغتيال الجميل. وهو كان قليل الكلام خارج الاجتماعات، ولم يكن يظهر على التلفزيون أو يتحدث في الإذاعة عن مهمته. لا بل كان يقول لأصدقائه: هل تعرفون كيف يكون اجتماع العمل مع ريغان؟ كان الرئيس الأميركي يقول لي: هاي فيل، هل كل شيء تحت السيطرة؟ فأقول نعم، فيطلب ريغان آخر نكتة ونبدأ برواية النكات.
توم براك ليس دبلوماسياً بل مقاول ورجل أعمال صديق لدونالد ترامب. وهو إلى جانب تعيينه سفيراً في تركيا، موفد إلى سوريا ولبنان ومتحرك في المثلث السوري-اللبناني-الإسرائيلي مثل حبيب. لكنه يصر على التركيز بأن رئيسه المقدام قليل الصبر. ويوحي أن بلاده مستعدة لترك لبنان يقلع شوكه بيديه إذا لم يقم المسؤولون بالمهمة المطلوبة لهم ومنهم: السلاح والإصلاح. فلا هو من النوع الذي يمارس سياسة «بائع السجاد»، ولا هو يقلل من الكلام في العلن أمام الإعلام. ولا أحد يعرف التمييز بين ما يقوله ارتجالاً برأي منه وبين ما يقوله مدروساً باسم رئيسه. فما هي حظوظ النجاح أمام براك؟ وماذا تفعل بيروت بالفرصة المفتوحة أمامها إذا كانت واشنطن تركز الضغوط عليها فقط من دون فعل شيء؟
ليس أمامنا سوى الرهان على قول نيلسون مانديلا: «الأمر يبدو دائماً مستحيلاً حتى يحدث».
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشرق الأوسط
منذ 3 دقائق
- الشرق الأوسط
البرهان يحط في الخرطوم بطائرته الرئاسية للمرة الأولى منذ بدء الحرب
وصل رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني عبد الفتاح البرهان إلى مطار الخرطوم الدولي، على متن طائرته الرئاسية، مساء السبت، وذلك لأول مرة منذ بدء الحرب بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» قبل أكثر من عامين. وبث إعلام مجلس السيادة مقاطع فيديو وصوراً توضح وصول البرهان إلى مطار العاصمة، وتوجّه مباشرة لتفقد القيادة العامة للجيش الملاصقة للمطار، وهناك استقبله رئيس هيئة أركان الجيش الفريق أول ركن محمد عثمان الحسين وعدد من القادة. واستمع رئيس مجلس السيادة إلى إيجاز عسكري وأمني من القادة العسكريين، حول الأوضاع الأمنية في البلاد، والجهود المبذولة لتحقيق الاستقرار، في ظل الحرب بين الجيش و«الدعم السريع». عبد الفتاح البرهان في مركز القيادة العامة وتبدو على المبنى آثار الخراب (إعلام مجلس السيادة) يُذكر أنه بعد اندلاع الحرب، انتقلت العاصمة إلى مدينة بورتسودان على ساحل البحر الأحمر، واتخذت «عاصمة مؤقتة» تدار منها أعمال الحكومة، لكن زيارات البرهان لم تنقطع عن زيارة قواته في المدينة، بيد أنه كان يستقل في زياراته تلك طائرات مروحية. ويعد هبوط الطائرة الرئاسية في مدرج مطار الخرطوم، الذي تعرض لتدمير كبير، خطوة تستهدف إعادته للعمل مجدداً. ويعمل «مجلس السيادة» على تهيئة عودة عمل المؤسسات من العاصمة. ووصلت، خلال اليومين الماضيين، وفود رفيعة في الدولة إلى ولاية الخرطوم. وسبقت زيارة البرهان، زيارة رئيس الوزراء كامل إدريس، ورئيس لجنة تهيئة البيئة لعودة المواطنين إلى الخرطوم عضو مجلس السيادة الفريق إبراهيم جابر، وعضوة المجلس سلمى عبد الجبار. وعقدت هذه الشخصيات اجتماعات عدة مع الجهات المعنية، حيث جرى بحث حل المشاكل التي يعاني منها السكان في الولاية، وتم تحديد شهري يوليو (تموز) الحالي، وأغسطس (آب) المقبلين لتوصيل الكهرباء لمحطات المياه. وفد رئيس مجلس السيادة عند مخرج صالة كبار الزوار في مطار الخرطوم (إعلام السيادة) وتفقد عضو مجلس السيادة إبراهيم جابر، مطار الخرطوم ووقف على أعمال الصيانة «التي تجري بصورة جيدة»، وتشمل إعادة تأهيل صالتي الوصول والحج والعمرة، وفق ما جاء في بيان لمجلس السيادة. وكان وزير النقل المكلف أبو بكر أبو القاسم قد وصف في وقت سابق، خسائر مطار الخرطوم الدولي بـ«الهائلة»، وقال إن طائرات كانت رابضة في المطار وبنى تحتية ومستودعات وقود طائرات، تعرضت لتدمير كبير. وكان الجيش السوداني، قد أعلن مايو (أيار) الماضي، اكتمال استعادة ولاية الخرطوم و«تطهيرها» من أي وجود لعناصر «قوات الدعم السريع»، وذلك بعد أن كان قد استعاد سيطرته على القصر الرئاسي في مارس (آذار) الماضي. ومنذ الأيام الأولى للحرب، سيطرت «قوات الدعم السريع» على أجزاء واسعة من العاصمة الخرطوم، بما فيها القصر الرئاسي ووسط المدينة، وخاض الجيش وحلفاؤه معارك طاحنة ضدها، مكنته من استعادة المدينة، لكن بورتسودان لا تزال مركزاً للحكومة. ونقلت تقارير عن رئيس الوزراء أن عودة مؤسسات الدولة لممارسة عملها بالكامل من العاصمة، قد يستغرق ستة أشهر. البرهان داخل الطائرة الرئاسية بعد هبوطها في مطار الخرطوم بدقائق مساء السبت (إعلام مجلس السيادة) وأدت الحرب حسب تقارير إعلامية إلى نزوح نحو 13 مليون مواطن، من ولايات الخرطوم والجزيرة وسنار والنيل الأزرق وولايات الغرب، ولجوء نحو 3 ملايين إلى دول الجوار على غرار مصر وإثيوبيا وأوغندا وإريتريا وكينيا. لكن عشرات الآلاف من النازحين واللاجئين، عادوا إلى الخرطوم وولايات البلاد الأخرى، عقب استرداد الجيش للولايات والمناطق التي كانت تسيطر عليها «قوات الدعم السريع»، فيما تستمر عمليات العودة تباعاً، رغم الدمار الكبير الذي تعرضت له الخرطوم على وجه الخصوص.


الشرق الأوسط
منذ 28 دقائق
- الشرق الأوسط
ناغل يدعو لـ«ضبط النفس» وسط تهديدات ترمب التجارية للاتحاد الأوروبي
دعا يواكيم ناغل، عضو مجلس إدارة البنك المركزي الأوروبي، إلى التحلي بـ«ضبط النفس» في مواجهة حالة عدم اليقين المتزايدة التي أثارها تهديد الرئيس الأميركي دونالد ترمب بفرض رسوم جمركية جديدة على الاتحاد الأوروبي. وفي مقابلة مع صحيفة «هاندلسبلات» الاقتصادية الألمانية نُشرت مساء الثلاثاء، قال ناغل إن «الظروف الحالية تتطلب قدراً كبيراً من ضبط النفس»، في إشارة إلى السياسة النقدية، مؤكداً أن تداعيات التوترات الجيوسياسية والنزاع التجاري مع الولايات المتحدة على الأسعار «لا تزال شديدة الغموض»، وفق «رويترز». كان البنك المركزي الأوروبي قد أشار، عقب اجتماعه في يونيو (حزيران)، إلى ترجيح الإبقاء على أسعار الفائدة دون تغيير خلال اجتماعه المقبل الأسبوع المقبل. وحسبما نقلت «رويترز» عن خمسة من صانعي السياسات في «المركزي الأوروبي»، فإن تهديد ترمب الأخير بفرض رسوم جمركية تصل إلى 30 في المائة على واردات الاتحاد الأوروبي يزيد من تعقيد عملية اتخاذ القرار داخل البنك، إلا أنه لا يُتوقع أن يثنيه عن خطته الحالية بشأن السياسة النقدية.


الشرق الأوسط
منذ 29 دقائق
- الشرق الأوسط
البنك المركزي الأوروبي يترقب «رسوم ترمب» ويُرجئ قرار الفائدة حتى سبتمبر
من المرجح أن يواجه البنك المركزي الأوروبي الخطر الاقتصادي الذي تُشكله رسوم الرئيس الأميركي دونالد ترمب الجمركية، باختياره تأجيل خفض محتمل لتكاليف الاقتراض إلى اجتماع آخر. ففي قرارهم النهائي قبل عطلة صيفية مدتها سبعة أسابيع، من المرجح أن يُبقي صانعو السياسات يوم الخميس على سعر الفائدة دون تغيير عند 2 في المائة، مُرجّحين بذلك تأجيل الرد على تهديد ترمب بفرض رسوم جمركية بنسبة 30 في المائة حتى تتحقق ويُتاح تقييم تأثيرها بشكل أفضل، وفق «بلومبرغ». مع احتمال استغلال العديد من المسؤولين هذه العطلة كإجازة طويلة، قد يبدو من المناسب إعادة التأكيد على أن التضخم عند المستوى المستهدف، وتأجيل القلق بشأن التوقعات الاقتصادية حتى يتم تجميع توقعات ربع سنوية جديدة لاجتماع 10-11 سبتمبر (أيلول). وكان البنك المركزي الأوروبي قد أشار بعد اجتماعه في يونيو (حزيران) إلى أنه من المرجح أن يُبقي أسعار الفائدة دون تغيير يومي 23 و24 يوليو (تموز). وقال ترمب منذ أيام إن الرسوم الجمركية التي فرضها سوف تدخل حيز التنفيذ في الأول من أغسطس (آب)، كما أوقفت المفوضية الأوروبية إجراءاتها المضادة حتى ذلك التاريخ. يرى البنك المركزي الأوروبي أن تقييم الأثر الفعلي للرسوم الجمركية بنسبة 30 في المائة التي يهدد بها ترمب، يتطلب الانتظار حتى تتحقق هذه الإجراءات. ومع قرب عطلة صيفية طويلة لكثير من المسؤولين، يبدو أن التركيز سيكون على إعادة التأكيد على استقرار التضخم وتأجيل أي قرارات كبيرة بشأن التوقعات الاقتصادية إلى اجتماع سبتمبر المقبل، حيث ستُجمع توقعات ربع سنوية جديدة. رغم هذا التريث، يدرك صناع السياسات أن هناك تحديات تلوح في الأفق. فإلى جانب المخاوف من الرسوم، شهد اليورو تعزيزاً لقيمته، مما يضغط على توقعات الأسعار ويهدد بتضييق الخناق على المصدرين الأوروبيين. كما أن أزمة سياسية جديدة قد تتفاقم في فرنسا بسبب وضعها المالي العام المتضخم، وفق «بلومبرغ». في ظل هذه المعطيات، قد يقر البنك المركزي الأوروبي بتزايد احتمالات خفض آخر للفائدة في سبتمبر، حتى لو التزم بنهجه المعتاد في اتخاذ القرارات «اجتماعاً تلو الآخر». ومن المتوقع أن تعيد الرئيسة كريستين لاغارد، في بيانها الافتتاحي للصحافيين، التأكيد على أن مخاطر النمو «تميل إلى الانخفاض»، وفقاً لتقرير صادر عن اقتصاديي «مورغان ستانلي». ستُسهم التقارير الاقتصادية المقبلة في توجيه مداولات البنك المركزي الأوروبي. وتشمل هذه التقارير مسح إقراض البنوك الخاص بالبنك (الثلاثاء)، وثقة المستهلك (الأربعاء)، ومؤشرات مديري المشتريات من جميع أنحاء المنطقة والاقتصادات الكبرى (الخميس)، قبل ساعات من إعلان قرار البنك. بالإضافة إلى ذلك، ستصدر مؤشرات حيوية أخرى مثل مؤشر «إيفو» لثقة الأعمال في ألمانيا، ومؤشر المعنويات الاقتصادية الإيطالية يوم الجمعة.