
سوريا الحبيبة .. الى أين !
سوريا ليست قطراً عادياً كما الأقطار العربية الأخرى . سوريا هي إحدى حواضر العرب الثلاثة ، حيث تشكل مع بغداد ، والقاهرة صناعة التاريخ العربي ، وصناعة أحداثة .
فسيفساء الشعب العربي السوري كانت إحدى أعظم ثرواته ، حيث يشكل تنوع أعراق الشعب السوري ، وتعدد دياناته ومذاهبه ثراءاً عظيما متفرداً ومتميزاً .
لا أظن ان سوريا ستتمكن من المحافظة على وحدتها شعباً وأرضاً بعد بشار الأسد . لكنه يتحمل مسؤولية دخول سوريا الى آتون الإقتتال الداخلي ، بسبب فشله في تجاوز الإستهداف والتآمر الذي حلّ في سوريا وأصابها في مقتل . حيث تعامل بحدة ودموية غير مسبوقة مع الإحتجاجات الشعبية ، ولم يتجاوب مع المطالب الشعبية ، ليفوت الفرصة على التهديدات الخارجية . ويُبقي لحمة الشعب ، بدل الإنشقاقات التي أضعفت اللُّحمة الوطنية ، مما أتاح للتنظيمات الإرهابية المتعددة الولوج لنسيج الشعب السوري وتفتيته الى أعراق وإثنيات ومذاهب أضعفته ، وضيعته ، مما إضطر كل مكونات الشعب السوري للإلتجاء الى جهة معينة ، داخلية او خارجية او إرهابية للإحتماء بها ، ناشدين حمايتها .
ورغم مرور حوالي ( ١٣ ) من الإقتتال الداخلي ، ورغم توافر عدد من الفرص لبشار الأسد لتخطي العقبات والمِحن وتجاوزها . بوضع دستور جديد للبلاد ، والدعوة لإنتخابات رئاسية وبرلمانية ، الا انه عاند ، وتشبث بغطرسته ، مما فوت فرص إنقاذ سوريا .
إستمر التدهور ، حتى هزّ أركان الدولة السورية وأضعفها ، ووصل الضعف الى كل مفاصلها . في الوقت الذي صمت فيه على التجاوز التركي ، مما مكّن المنظمات الإرهابية بدعم تركي من إقامة دولية في الشمال . وأدت مهارة أردوغان في التفاوض الى إقناع الأمريكان برعاية ودعم الدولية الإرهابية في الشمال . كما ضمِن أردغان دعم العدو الصهيوني لدويلة الشمال مقابل إقتطاع أجزاء من سوريا الوطن ليسيطر عليها الكيان . تمكن هذا المخطط من النجاح ورؤية النور على الواقع في ظل التراجع الروسي غير المفهوم .
وهذا أدى الى تحركٍ خياني للمنظمات الإرهابية والبدء بإجتياح سوريا من شمالها حتى وصلوا دمشق العاصمة ، عندها فَرّ بشار الأسد مذعوراً ، الى موسكو ، دون ان يُعلِم أقرب الناس اليه ، وكان فراراً مُخزياً لا يليق بنظام حَكم سوريا لأكثر من ( ٥٣ ) عاماً .
وجاء إرهابي ليحكم سوريا القطر العربي العظيم ، وهو مُثقل بوعود وعهود والتزامات مع عدة جهات هي : أمريكا ، والكيان الصهيوني ، وتركيا . ولإفتقاره للقوة ، والحكمة ، والحنكة ، والخبرة ، ضاع ، وتاه ، وتردد ، وعندما طال إنتظار الموعودين ، تقدمهم الكيان الصهيوني ، الذي لا يملك صبراً أمام إغراءات الوعود ، وامام خوفه من حدوث شيء ما يَذهب بتلك الوعود ادراج الرياح ، تقدم بقواته ، وإجتاح سوريا ، وتمركزت قواته بعد ان توغلت بحوالي ( ٤ ) كم ، داخل الحدود السورية . كما دكّ العدو الصهيوني مواقع الجيش السوري ، في مختلف مناطق سوريا ، ودمر أسلحته ومستودعاته تدميراً تاماً .
وبدأت العديد من مكونات الشعب السوري بالتململ ، والتحرك بدعم خارجي من دول عديدة لتفكيك سوريا الوطن ، وتقسيمها . ولغياب الحكمة ، والقدرة ، والكفاءة ، وللإضطرار للإستجابة للوعود التي أطلقها حاكم سوريا الحالي ، إتسع الرتق على الراثي ، وتم البدء بالتفاوض مع العدو الصهيوني وهو يقضم بالأرض السورية ، دون ان يعبأ النظام الجديد والنظام الرسمي العربي المتخاذل . بدأ الأكراد ، والدروز ، والعلويين ، كُلٌ في منطقة تواجده بمحاولات للإنفصال عن الوطن الأم . فسالت الدماء بغزارة على شواطيء الساحل السوري . وتنمر الأكراد ، وهدأ التصعيد بشكل مفاجيء . وجاء دور العرب الدروز ، الذين كان لهم دوراً رئيسياً مؤثراً في تحرير سوريا من الإستعمار الفرنسي .
وهنا ضاعت الطاسة كما يقال ، فمن الدروز من اعلن انفصاله عن سوريا وانضمامهم للكيان ، ومنهم من عارض ذلك . الى ان قامت الدنيا ولم تقعد في السويداء ، وقامت الحكومة السورية بتحريك قوات من الجيش السوري ، فقصفهم العدو ، وطالبهم بالإنسحاب منها ، والغريب انهم إستجابوا لمطالبات العدو وإنسحبوا !؟
الإقتتال هو سيد الموقف الآن في السويداء ، ولون الدم الأحمر هو السائد والشاهد . وحسبما يقال ان الإقتتال بلغ أشده بين العشائر السورية والدروز ، ولا أحد يعرف منتهاه ، ولم نسمع صوتاً للرئيس السوري او الحكومة السورية . وليل سوريا أصبح مدلهماً ، وكئيباً ، والسوريون يهرقون دماء بعضهم لا على شيء ، ونحن نتفرج ببرود مُخزٍ حدّ العمالة والخيانة والعار يلف وجوه أصحاب القرار .
ومع كل الأسف يتحول الدروز من طائفة سورية متجذرة في خلايا الشعب السوري ومناضلة ساهمت مساهمة كبرى في تحرير سوريا الى خطر كامن يهدد وحدة سوريا بدعوة فئات مؤثرة منهم للإنضمام للكيان ، ويبدو ان التأييد للكيان ينتشر بينهم بشكل خطير . يضاف الى ذلك ارتكابهم مجازر بحق ابناء العشائر وقتلهم النساء والأطفال واحتجازهم اكثر من ( ٢,٠٠٠ ) رجل من أبناء العشائر ، حسب تصريح رسمي للشيخ / راكان الخضير ، رئيس تجمع عشائر الجنوب السوري .
وفي الختام ، سوريا تسبح بدماء أبنائها وإقتتالهم ، والعرب نيام ، خانعون أذلاء ، يرقبون المشهد إما بتشفٍ او بعجز وقلة حيلة . لكن أكثر المتأثرين بالمشهد السوري وطني الأردن ، والعشائر السورية تطالبه بالتدخل والدعم ، والعرب الدروز يطالبونه بالتدخل وفتح المعابر لهم ، ونتابع المشهد ، لكن يبدو ان الصمت سيد الموقف ، إما لعجز وقلة حيلة ، او إستجابة لأوامر خارجية ربما العدو الصهيوني ليس ببعيدٍ عنها .
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

عمون
منذ ساعة واحدة
- عمون
الهوية الوطنية بين الثابت الديني والانتماء السيادي
" قراءة في شعار الدولة ومنظومتها العقدية".. في خضم ما تشهده الساحة الإقليمية من تحوّلات متسارعة، ومع ما يطرأ على الداخل الأردني من استحقاقات مصيرية، تبرز الحاجة إلى التمسك العميق بالهوية الوطنية كمرجعية جامعة، تتجاوز التعريفات الجغرافية أو المصلحية، لتتجلى في ارتباط عقدي بين الإنسان الأردني ووطنه، يستمد مشروعيته من الإيمان بالله، والانتماء للأرض، والولاء للقيادة الهاشمية الشرعية. إن الهوية الوطنية في الأردن ليست حالة طارئة فرضتها الأحداث، بل هي ثمرة تاريخ ممتد وتجربة إنسانية ودينية وسياسية متكاملة، ارتكزت على شعار لم يكن يومًا شعارًا فارغًا، بل منظومة إيمانية متكاملة، هو شعار "الله، الوطن، الملك". لقد تربى أبناء الأردن على هذا الشعار منذ نشأتهم، فكان الإيمان بالله هو المنطلق الأول، لا على هيئة تنظير حزبي أو شعارات دينية مستهلكة، بل كعقيدة صافية تنأى بالدين عن الاستغلال والتسييس. الدين في الأردن لم يُختزل يومًا في حزب أو جماعة، ولم يكن سلعة للمزاودة أو وسيلة للوصول إلى السلطة، بل هو منطلق للسلوك القويم، ومصدر للرحمة، ودافع للدفاع عن الوطن. فحب الوطن من الإيمان، والذود عنه من صميم العقيدة، والحرص على استقراره مسؤولية أخلاقية قبل أن تكون سياسية. وقد أثبتت الدولة الأردنية، بقيادتها ومؤسساتها، أن المرجعية الدينية الحقيقية لا تُمنح لجماعة أو تيار، بل هي ملك للأمة، تحميها الدولة وتحفظ نقاءها من كل استغلال. وفي هذا السياق، جاء قرار حظر جماعة الإخوان المسلمين كتعبير عن موقف وطني يرفض اختطاف الدين وتجييره لخدمة أجندات خارجية، تؤمن بالتنظيم قبل الوطن، وتوالى الخارج قبل الداخل. هذا القرار لم يكن مواجهة للدين، بل حماية له من أن يُستغل في إنتاج خطاب الكراهية والانقسام، وتجنيب المجتمع ويلات التفرقة والتحريض. إن الأردن بقيادته الهاشمية قدّم نموذجًا فريدًا في التعامل مع الدين، لم يتماهَ مع التيارات المتشددة، ولم ينخرط في مشاريع التسييس الديني، بل أطلق واحدة من أهم الوثائق الفكرية والدينية في العصر الحديث، وهي رسالة عمّان، التي عبّرت عن جوهر الإسلام الحقيقي، إسلام التسامح والتعايش والاعتراف بالمذاهب، ورفض التكفير والتحزب والتعصب، لتؤكد أن الدين في الأردن ليس أداة للفرقة، بل جسرًا للوحدة. وهذه الرسالة لم تكن مجرد إعلان، بل تمثلت في واقع الدولة، حيث يعيش المسلمون والمسيحيون وغيرهم في نسيج وطني واحد، يعتنقون القيم ذاتها، ويتشاركون في صناعة المستقبل ذاته. وما يلفت النظر أن هذا النموذج الأردني في التعايش لا يقطع مع الإرث الإسلامي، بل يستلهمه من الجذور، من وثيقة المدينة التي وضعها النبي العربي الهاشمي محمد صلى الله عليه وسلم، حين أسس دولة قائمة على المواطنة، والتعدد، والعيش المشترك، حيث كانت الذمة واحدة، والولاء للدولة، والحماية مسؤولية الجميع، بغض النظر عن الدين أو الانتماء. هذا هو الفهم الحقيقي الذي يتماهى مع الهوية الوطنية الأردنية، التي تجعل من الانتماء للأردن قيمة عليا، لا تنازعها جماعة، ولا تحتكرها أيديولوجيا. وفي ظل ما تتعرض له المنطقة من محاولات تفكيك وتشظٍ، تبقى الهوية الوطنية هي خط الدفاع الأول عن المجتمع، فهي التي توحّد، وتحول دون الانزلاق في مستنقعات الاستقطاب. إنها ليست هوية مؤقتة، ولا حالة مزاجية، بل عقيدة سياسية وأخلاقية وثقافية، تعبر عن ارتباط وجداني وفكري وروحي بين المواطن والدولة. وحين نقول "الله، الوطن، الملك"، فنحن لا نردد شعارًا، بل نُجدد عهدًا، نؤمن فيه بالله الذي يأمر بالعدل والرحمة، وننتمي إلى وطن هو مصدر عزتنا وكرامتنا، ونُخلص لملك يمثل رمز وحدتنا وراية سيادتنا، ويحمل إرث الهاشميين في الدفاع عن الأمة ومقدساتها. لهذا، فإن مسؤولية صيانة الهوية الوطنية تقع على عاتق الجميع، ولا تتحقق إلا بالوعي، والانتماء الصادق، ورفض المزاودات، وتجذير قيم المواطنة، والإيمان بأن هذا الوطن، بما فيه من تنوع، وما لديه من ثوابت، هو نعمة يجب الحفاظ عليها، وإرث يجب صونه، ومستقبل يجب أن نبنيه بإخلاص ويقين. فالأردن ليس محطة عابرة في التاريخ، بل هو نموذج للاستقرار في إقليم مضطرب، ومخزن للقيم في زمن الاضطراب، وتجسيد عملي لهوية تُحيا… لا تُدّعى. *د. فاطمة العقاربة علاقات دولية وادارة سياسية

الدستور
منذ ساعة واحدة
- الدستور
حركة مقاومة يهودية ضد فصل الأردن عن «الوطن اليهودي» !!
صادف يوم أمس الأحد، ذكرى اغتيال الملك المؤسس عبد الله الأول إبن الحسين في المسجد الأقصى المبارك. وقف الملك المؤسس ضد وعد بلفور، ولمّا عجز عن إلغائه كليًا، واصل الكفاح ضده ومعه القيادات الوطنية الأردنية، وأسفرت جهوده وحكمته وحنكته، عن إنقاذ الأردن من هذا الوعد عام 1922. حدود وعد بلفور بصيغته الأساسية، كانت تبدأ من جنوب صيدا، إلى جبل الشيخ، وكامل الهضبة السورية- الجولان، إلى القسم الغربي من سهل حوران، إلى المفرق، والسير بمحاذاة سكة الخط الحديدي الحجازي إلى معان، فإلى شاطيء رفح على البحر الأبيض المتوسط !! أي ان وعد بلفور بصيغته الأساسية، كان يقتطع كل الأراضي الأردنية الواقعة غرب سكة الحديد، لتكون ضمن «الوطن القومي لليهود». ظل وعد بلفور يشمل الأردن، منذ سنة 1917 حتى سنة 1922، عندما انتزعه الأمير عبد الله بن الحسين والوطنيون الأردنيون من هذا الوعد، رغم المقاومة اليهودية الضارية لهذا الانتزاع، المستمرة حتى اليوم. سنة 1919 شرحت مجلة فلسطين اليهودية، أهمية شرق الأردن لمستقبل الدولة اليهودية: «لشرق الأردن أهمية حيوية من النواحي الاقتصادية والإستراتيجية والسياسية لفلسطين اليهودية، وإن مستقبل فلسطين اليهودية برمته، يتوقف على شرق الأردن، فلا أمن لفلسطين إلا إذا كان شرق الأردن قطعة منها» واعتبر تنظيم «المحاربون في سبيل حرية إسرائيل» المكون من منظمات الهاغاناة والأراغون وشتيرن، كلّ يهودي على أرض فلسطين، عضوًا في «حركة مقاومة فصل شرق الأردن عن الوطن اليهودي ومنحه الاستقلال». وقاومت الحركة الصهيونية بضراوة، موافقة بريطانيا على استقلال الإمارة، التي أصبحت إلى الأبد، المملكة الأردنية الهاشمية يوم 25 أيار عام 1946. الملك المؤسس، هو من ضم معان والعقبة إلى الأردن في 25 حزيران 1925 بالاتفاق مع شقيقه الأكبر علي بن الحسين، ثاني وآخر ملوك المملكة الهاشمية الحجازية. اليوم، تتبدد بشكل واسع، المظلومية التي حاولت أجهزة الإعلام الصهيونية، والأبواق الغربية والعربية التي تمتح منها، إلحاقها بصورة الملك المؤسس، لأنه أسس إمارة شرق الأردن عام 1921، متصادمًا بذلك مع المشروع التوسعي الصهيوني، الذي ظل وما يزال يعتبر الأردن أرض إسرائيل الشرقية. ثارت الحركة الصهيونية، عندما انشأ الأمير عبد الله إمارة شرق الأردن عام 1921، وعندما أنجز استقلال المملكة الأردنية الهاشمية عام 1946 «على أرض إسرائيل الشرقية»، وعندما أنجز وحدة الضفتين المجيدة عام 1950. جاء في الصفحة 189 من كتاب «رحلة إلى الماضي» لأرنون سوفير أستاذ الجغرافيا في جامعة حيفا: «كانت إمارة شرق الأردن جزءا من أرض إسرائيل، سُلخت منها سنة 1922، وأُخرجت من نطاق الوطن القومي اليهودي، وأصبح نهر الأردن، الذي كان فاصًلا بين أرض إسرائيل الغربية وأرض إسرائيل الشرقية، حدودًا !! هذا الكتاب صادر عن وزارة المعارف والثقافة الإسرائيلية سنة 1997، ويدرسه طلاب الصف السابع في المدارس الرسمية الإسرائيلية، والحريدية اليهودية، أمس واليوم وغدًا. وجه الملك المؤسس العبقري، ضربات إستراتيجية للمشروع التوسعي الصهيوني مما أفرده عدوًا واضحًا خطيرًا، إذا لم تشتغل الحركة الصهيونية على اغتياله بنفسها، فإنها ستلجأ إلى التضليل والتشويه والتعبئة الإعلامية، التي ستدفع عربيًا مُضَللًا مخدوعًا ومأجورًا إلى القيام باغتياله، وهي الجريمة التي تمت في حرم المسجد الأقصى يوم 20 تموز 1951. يرحم الله الملك الشهيد ويحسن إليه.

الدستور
منذ ساعة واحدة
- الدستور
معايير العدالة الإدارية
يقول الله سبحانه وتعالى في محكم التنزيل ( وإذا حكمتم بين الناس فاحكموا بالعدل)، وقيل في المثل الشهير «العدل أساس الحكم»، في حين اعتبرت المدرسة العالمية في الإدارة أن «العدالة» من أهم مبادئ العمل الإداري، بينما ربطت المدرسة السلوكية. النجاح بالتوازن والتبادل العادل بين الفرد ومؤسسته يعتقد البعض أن تحقيق العدالة في بيئة العمل ليس بالأمر السهل وخاصة في موضوع تمكين الموظفين وتحقيق الاسقرار والأمان الوظيفي لهم، الحديث عن العدالة لا يقتصر على الترقية بل يشمل جوانب كثيرة منها تطبيق معايير واضحة في موضوع الرواتب والمكافآت والحوافز وساعات العمل وتحديد مواقع العمل أو المكاتب وتوفير الاحتياجات المكتبية والخدمات والمميزات مثل السكن والتأمين الصحي، والعدالة في فرص التدريب والإثراء الوظيفي وفرص المشاركة، العدالة في تقدير الإنجازات والتميز وفق معايير التقييم المعتمدة، كما تشمل العدالة توحيد أساسيات مواصفات وخدمات بيئة العمل بين جميع الإدارات داخل المؤسسة وتطبيق مبادئ العدالة الإجرائية القائمة على الإنصاف في العمليات التي تُحل النزاعات أو تُخصص الموارد. وفي مكان العمل و ضمان التطبيق العادل للسياسات على جميع الموظفين. بحيث تطبق على المساواة وتكافؤ الفرص. والتفاوت في هذه الأسس والمعايير يؤدي الى غياب حوكمة العمل وغياب مؤسسة العمل والاستقرار والأمان الوظيفي وأسس المساواة والانصاف وربما يكون دافعا لتغليب المصالح الشخصية والمحاباة على حساب حقوق الموظفين، والاضرار بالصورة العامة للمؤسسة ويؤثر على سمعتها والتأثير على تصنيفها وفق مؤشرات التقييم والقياس الإدارية ومن دون ادنى شك يؤثر على مستوى التصنيف الإداري للمؤسسات الدولة في مؤشرات القياس المعتمدة دولياً والتي من أهمها، مؤشر مدركات الفساد الذي يعتمد في منهجيته على مجموعة من المواضيع مثل القدرة على الحد من الاستغلال الوظيفي، وتفعيل آليات المساءلة، والقدرة على الرصد لكيفية استخدام الأموال العامة والحد من اختلاس المال العام واستغلال المسؤولين لمناصبهم لتحقيق مكاسب شخصية، وقدرة الحكومة على الحد من الفساد والاجراءات الروتينية والبيروقراطية التي تساهم في زيادة فرص ظهور الفساد، والمحسوبيات والمحاباة في التعيين بالوظائف والمناصب. من منظور حقوق الانسان العدالة الإدارية وحقوق الإنسان وجهان لعملة واحدة، يسعى كلاهما إلى تحقيق مبادئ أساسية مثل المساواة والإنصاف والمساءلة. فالعدالة الإدارية، من خلال القضاء الإداري، تضمن تطبيق القانون على الإدارة وحماية حقوق الأفراد من تعسف السلطة الإدارية للمسؤول وكذلك السلطة التقديرية له، بينما مبادئ حقوق الإنسان تؤكد على حماية وتعزيز حقوق أساسية لكل فرد عامل وتضمن عدم انتهاكها بما في ذلك الإدارة. العدالة في بيئة العمل تعني ضمان معاملة جميع الموظفين بإنصاف وتكافؤ، وتوفير فرص متساوية لهم، مع مراعاة احتياجاتهم الفردية، وتوفير بيئة عمل صحية ومستدامة. تتجلى العدالة في بيئة العمل من خلال توزيع المهام والموارد بشكل عادل، وتطبيق القوانين والسياسات بشكل منصف، وتقديم ملاحظات بناءة، وتوفير فرص تطوير مهني متساوية للجميع، بالإضافة إلى التواصل الشفاف والصادق بين الإدارة والموظفين ومن هذا المنطلق يجب أن يكون التقدير جزءًا من استراتيجية المساواة في مكان العمل لا يقتصر التقدير على من يترقى، بل يجب ان يشمل من يقوم بعمله، ويتجاوز التحديات والعقبات الإدارية . والتقدير له دور كبير في ذلك. عندما يُنفَّذ التقدير على أكمل وجه، يُظهر أثره جليًا لكل من يُساهم بفاعلية. فهو يُسهم في تكافؤ الفرص، ويُرسِّخ فكرة انتماء الجميع تجاه مؤسسته وبما يعود بالخير على الوطن والمواطن.