logo
فرص التقدم في "مفاوضات الدوحة" كبيرة لكنها مرهونة بجدول أعمال نتنياهو

فرص التقدم في "مفاوضات الدوحة" كبيرة لكنها مرهونة بجدول أعمال نتنياهو

قالت مصادر مطلعة على "مفاوضات الدوحة"، المستمرة منذ أسبوعين، إن العقبات تبدو قابلة للجسر، لكن الوفد الإسرائيلي يتجنب إجمال أيّة نقطة خلافية، مرجحة أن يكون وراء ذلك تكتيك تفاوضي يهدف إلى ربط الاتفاق بجدول أعمال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، خاصة مع قرب دخول الكنيست في إجازتها الصيفية التي تبدأ في الرابع والعشرين من الشهر الجاري وتستمر ثلاثة شهور.
وحددت هذه المصادر أربع نقاط خلافية أعاقت حتى الآن التوصل إلى اتفاق وهي: "مواقع انتشار الجيش الإسرائيلي، وتوزيع المساعدات الإنسانية، ومفاتيح تبادل الأسرى، وضمانة عدم عودة الحرب أثناء المفاوضات".
الانتشار
وقالت المصادر إن حركة "حماس" طالبت بعودة الجيش الإسرائيلي إلى المواقع التي كان عليها قبل استئناف الحرب في مارس الماضي، وذلك وفق الخرائط التي جرى الاتفاق عليها في صفقة التبادل السابقة في يناير.
وقدم الجانب الإسرائيلي في هذه الجولة من المفاوضات خرائط إعادة انتشار مختلفة عن تلك التي جرى الاتفاق عليها في يناير، وبينت هذه الخرائط أن الجيش سيتواجد في أحياء ومناطق سكنية واسعة، منها عدة كيلومترات في قلب مدينة رفح المدمرة.
وأعربت حركة "حماس" عن خشيتها من قيام إسرائيل باستغلال فترة وقف إطلاق النار القادمة لتنفيذ مشاريع احتلالية، منها إنشاء مدينة خيام على أنقاض مدينة رفح، لتكون منصة لتهجير أعداد كبيرة من أهالي القطاع، أو لاختبار تطبيق خطط أخرى، منها فصل سكان القطاع، وحصرهم في مناطق ضيقة في الجنوب.
وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية، الأربعاء، أن إسرائيل قلصت المساحة التي سيتواجد فيها الجيش الإسرائيلي في قلب مدينة رفح من 5 كيلومتر شمال محور فيلادلفيا إلى 2 كيلومتر. لكن مصادر حركة "حماس" تقول إنها لم تتلق بعد خرائط بهذا الشأن، وإن كان هناك أفكاراً بهذا الشأن يجري تداولها من قبل الوسطاء.
وقالت المصادر إن الوسطاء لم يجدوا مبرراً أمنياً أو عسكرياً لتغيير خرائط انتشار الجيش الإسرائيلي، مشيرة إلى أن وجود الجيش على بُعد كبير أو صغير لا يعني شيئاً في مساحة القطاع الضيقة التي يمتلك الجيش الإسرائيلي فيها قدرات عسكرية استثنائية من طائرات حربية ومسيرة ودبابات ومدفعية ومراقبة جوية.
ولفت مصدر إلى أن: "الخرائط الجديدة التي قدمتها إسرائيل لا أهمية أمنية لها، وأن الهدف الحقيقي منها هو، إما إعاقة الاتفاق لفترة ما، أو إعاقته بصورة كلية، أو لتنفيذ خطط أخرى ضد السكان أثناء وقف إطلاق النار مثل ما يسمى "المدينة الإنسانية" أو مدينة الخيام.
المساعدات الإنسانية
الأمر ذاته ينطبق على المساعدات الإنسانية التي اشترط الوفد الإسرائيلي، في بداية المفاوضات، أن يجري إيصالها وتوزيعها عبر الشركة الأميركية، ثم وافق، في وقت لاحق، على نقل أجزاء منها إلى المنظمات الدولية، وحصر توزيع المساعدات في المناطق التي يواصل السيطرة عليها بالشركة الأميركية.
ورأت المصادر أن إصرار إسرائيل على دور للشركة الأميركية في المناطق التي يسيطر عليها، تهدف إلى مساعدته في تنفيذ الخطط التي يعد لها، ومنها إقامة المدينة الجديدة التي ستضم، حسب المخطط المعلن، حوالي 600 ألف مواطن.
الضمانات
ويرفض الوفد الإسرائيلي، حتى اللحظة، أن تتضمن الصفقة بنداً ينص على ضمان استمرار وقف إطلاق النار طالما استمرت المفاوضات بعد مرور فترة وقف الحرب المتفق عليها، وهي 60 يوماً.
وقالت المصادر إن "الضمانات المطلوبة لغوية، ويمكن للجانب الإسرائيلي التملص منها بسهولة، إذا ما أراد العودة إلى الحرب، حيث يمكنه، والحال هذه، الإعلان عن فشل وتوقف المفاوضات، وهو ما يجعل يده طليقة في العودة للحرب".
وأضافت أن "حماس تصر على هذه النقطة كي يكون المجتمع الدولي شاهداً على ضرورة وقف الحرب، وأن يدين من يخترق الاتفاق، وهو مطلب سياسي معنوي لا يوفر حماية كافية لأهل غزة من عودة الحرب، ومن الواضح ان إسرائيل يمكنها الموافقة بسهولة على هذه النقطة، لكنها تماطل لغرض واضح وهو إعاقة الاتفاق".
مفاتيح التبادل
وعرض الوفد الإسرائيلي في المفاوضات إطلاق سراح 30 أسيراً فلسطينياً محكوماً بالسجن المؤبد مقابل كل محتجز إسرائيلي. ويشكل هذا العرض تراجعاً عن مفتاح الصفقة السابقة التي جرى بموجبه إطلاق سراح 50 أسيراً فلسطينياً مقابل كل محتجز ذكر إسرائيلي، وهو المفتاح الذي اقترح الوسطاء العودة إليه في هذه الصفقة أيضاً.
وتقول المصادر إن "الاقتراح الإسرائيلي خالي من المنطق لأنه يتراجع عن المفتاح السابق، علماً أن المحتجزين الإسرائيليين الباقون هم جنود، وهو ما يفترض رفع مفتاح تبادلهم وليس تخفيضه".
10 محتجزين و60 يوماً من وقف الحرب
وتتمحور المفاوضات الجارية حول إطلاق سراح 10 محتجزين إسرائيليين أحياء و18 جثة، ووقف إطلاق نار لمدة 60 يوماً، يجري خلالها التفاوض على إطلاق سراح ما تبقى من محتجزين إسرائيليين وإنهاء الحرب.
وظهرت في إسرائيل مؤخراً دعوات واسعة للتوصل إلى اتفاق لإنهاء الحرب، أطلقها سياسيون وخبراء عسكريون.
وقال رئيس مجلس الأمن القومي الأسبق غيورا آيلاند في مقال له، مؤخراً، إن "الحرب حققت أهدافها، ولم يتبق سوى إطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين"، مشيراً إلى أن "إسرائيل يمكنها الضغط من أجل تجريد قطاع غزة من السلاح بعد انسحابها منه، وذلك من خلال ربط إعادة الإعمار بنزع السلاح".
كسب الوقت
ويرى العديد من المراقبين في إسرائيل أن نتنياهو يراوغ في المفاوضات بهدف كسب الوقت لتحقيق واحد من عدة أهداف، أولها تأجيل الاتفاق إلى موعد دخول الكنيست في الإجازة الصيفية تجنباً لحدوث اهتزازات في ائتلافه الحاكم، وثانيها هو الضغط على حماس لتقديم المزيد من التنازلات، وثالثها إفشال المفاوضات.
كثيرون يرجحون الخيار الأول
يقول الدكتور جمال زحالقة الخبير في الشؤون الإسرائيلية لـ"الشرق" إن "نتنياهو حقق الكثير من أهدافه في غزة وفي المنطقة، وبقي هدف واحد هو إطلاق سراح المحتجزين، وبعدها سيكون مستعداً للذهاب إلى انتخابات مبكرة".
وأضاف: "يمتلك نتنياهو حصة انتخابية وازنة في يمين الخريطة السياسية، وهو يتطلع الآن للتمدد إلى المركز، وهذا قد يتحقق له في حال نجح في إطلاق سراح من تبقى من المحتجزين".
ويرجح كثير من المراقبين أن يكون الضغط الذي يمارسه الرئيس الأميركي دونالد ترمب للتوصل إلى اتفاق يقود إلى إنهاء الحرب في غزة، تمهيداً للقيام بترتيبات جديدة في المنطقة، أحد العناصر المهمة في الدفع نحو التوصل إلى اتفاق في الأيام المقبلة.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

إن هيمنت إسرائيل وإن لم تهيمن
إن هيمنت إسرائيل وإن لم تهيمن

الشرق الأوسط

timeمنذ 2 ساعات

  • الشرق الأوسط

إن هيمنت إسرائيل وإن لم تهيمن

بين المواضيع الأشدّ تداولاً اليوم، على هامش الحرب الإسرائيليّة – الإيرانيّة، موضوع قدرة الدولة العبريّة على ممارسة «الهيمنة» على المنطقة، أي على مخاطبة القلوب والعقول والمصالح في جوارها والتفاعل معها. ذاك أنّ القوّة العسكريّة بذاتها، كما كتب ستيفن ولت في «فورين بوليسي» وآخرون سواه بطرق وأساليب شتّى، لا تكفي لهذه المهمّة التي تتعدّى القوّة. وعدم القابليّة الإسرائيليّة للهيمنة يبقى، رغم أنّه يُعزّينا، صحيحاً ومُقنعاً، خصوصاً أنّ التوحّش الذي أبداه الجيش الإسرائيليّ في غزّة، ولا يزال يبديه، يوصد القلوب والعقول حياله وحيال دولته. فوق هذا، ومن حيث المبدأ، فإنّ أيّ فارق في القوّة يبلغ الحدّ الذي نعرفه اليوم يجعل القلق مشروعاً جدّاً، بل مطلوباً، حيال الطرف القويّ، وهذا دونما إنكار لوجود مُصابين كثيرين بعبادة القوّة. والقلق الواجب هذا قد لا يكفي لتبديده توقيع معاهدات سلام وتطبيع في حال حصول التوقيع. ذاك أنّ فعّاليّة المعاهدات ليست سحريّة، وهي دائماً تقلّ عن فعّاليّة التجربة وطرق تأوّلها. وإسرائيل، كأيّ طرف متغلّب آخر، قد تطلب أثماناً فادحة لانتصاراتها، بما يستجيب لشروط القوّة والسيطرة على حساب شروط الهيمنة. ومن دون الهبوط إلى خرافات بعض الممانعين حول تهديد القوّة الإسرائيليّة لمصر وباقي العالم الإسلاميّ، بل للعالم كلّه بأمّه وأبيه، فالمؤكّد أنّ السيادات الوطنيّة في بلدان المشرق الضعيفة سوف تغدو، وهي الهشّة بما فيه الكفاية، أشدّ هشاشة ونحولاً. فلنتخيّل مثلاً، في ظلّ اختلال القوّة المريع هذا، أن ينشب خلاف بين إسرائيل وبين لبنان أو سوريّا حول ينبوع ماء أو حول حيّ صغير في قرية حدوديّة، وكيف سيكون الموقع التفاوضيّ للبلدين المذكورين. وقد تترافق سطوة القوّة الكاسحة لتلّ أبيب مع كلّ ما يمعن في إضعاف السلطات المركزيّة في الجوار، وذلك على شكل استيلاد ميليشيات وأمراء حرب يوالونها بدل أن يوالوا طهران. وأفعال كهذه لا تترك أمام الأطراف الضعيفة سوى مزيد من التعويل على الولايات المتّحدة بوصفه العلاج النسبيّ الوحيد الممكن، رغم أنّه ليس مضموناً. لكنّ ما هو أبعد من ذلك وأخطر هو أن لا تكون إسرائيل راغبة في الهيمنة، مرتاحةً فحسب إلى الاكتفاء الحصريّ بعلاقات القوّة المحض، وإلى ممارسة نفوذها بإدامة منطق الحرب الدائمة. ووفق ما كتبه ستيفن ولت، يُفترض بالقوّة المهيمنة أن تمتلك ما امتلكه الرئيس الأميركيّ الأسبق فرانكلين روزفلت لدى تبنّيه سياسة «حسن الجوار» حيال أميركا اللاتينيّة. والحال أنّ سلوك بنيامين نتانياهو وحلفائه في الأحزاب الدينيّة المتطرّفة يوحي بعكس ذلك تماماً، وبارتكاز أفعالهم إلى مقدّمات إيديولوجيّة صلبة، قوميّة أو دينيّة، عديمة البراغماتيّة. وما إغلاقهم كلّ باب في وجه الدولة الفلسطينيّة، أو تشجيعهم الاستيطان في الضفّة الغربيّة، أو لغتهم الإملائيّة المتعجرفة التي تخلو من كلّ حوار أو مخاطبة للآخر، ناهيك عن طريقتهم الزجريّة في التعامل مع الوضعين الجديدين اللبنانيّ والسوريّ، سوى إشارات دالّة إلى خيارهم هذا. فوق ذلك، فإنّ تعويذة المقاومة، التي شكّلت تقليديّاً ردّ النضاليّين الثابت على أوضاع كهذه، باتت «عصفاً مأكولا»، مثلها مثل باقي شعارات المرحلة الآفلة. وهذا من غير أن يغيب عن البال أنّنا، كأوطان ودول في المشرق العربيّ، نعيش طوراً من التفكّك المتسارع الذي يضع المكوّنات الوطنيّة في مواجهة بعضها البعض، مُغرياً أيّ طرف خارجيّ بالاستثمار السينيكيّ في المعطى المذكور. لهذا مثلاً بِتنا نجد أشرس النضاليّين وقد خلا وفاضهم من الوعود الخلاصيّة التي احترفوا إشاعتها، بحيث يذهب بعضهم إلى التعويل على قيام استقطاب إسرائيليّ – تركيّ، أو ربّما على يقظة روسيّة أو صينيّة تراودهم أكثر كثيراً ممّا تراود الروس أو الصينيّين. وهذا المآل الرديء الذي انتهينا إليه ليس بعيداً عن شروط صناعته كما شهدناها في العقود «الإيرانيّة» الماضية، إضعافاً للدول والوطنيّات وتفسيخاً للمؤسّسات وتعميماً لمَيْلَشة السياسة والاقتصاد والقيم. فبعض الشبه بين الطور الإيرانيّ والطور الإسرائيليّ المحتمل هو بالضبط تغليب القوّة و»الاستراتيجيا» على السياسة والاجتماع، وتغليب ما يقع خارج الدول الأمم على ما يقع داخلها. فمرّةً يُترك لمحاربة إسرائيل أن تتحكّم بالواقع وبرسم المستقبل، ومرّةً تُناط المهمّة إيّاها بمحاربة إيران. وفي الحالتين، وباستثناء هامش ضيّق جدّاً من العقائديّين، تتحكّم بالعواطف أسباب أهليّة ومخاوف جماعات بعينها من جماعات أخرى. وهذا تعريفاً مصدر خصب للتحلّل الميليشيويّ يجعلنا نستقبل الاندفاعات الإمبراطوريّة الغازية بوصفنا أحزاباً، أو بالأحرى حزبيّات، لا بوصفنا شعوباً. وما يزيد البؤس بؤساً أنّ المشرق العربيّ لم يحرز، في مرحلة القوّة الإيرانيّة، وعلى الضدّ من ضجيج القوّة عهد ذاك، أيّاً من علامات القوّة الذاتيّة. وهو قد يكون مرشّحاً، إن لم يبادر سكّانه إلى بناء إجماعات وطنيّة معقولة، للمضيّ على الطريق ذاتها في ما يوصف بمرحلة القوّة الإسرائيليّة الصاعدة.

المشرق العربي أمام تحدّيات ما بعد الممانعة
المشرق العربي أمام تحدّيات ما بعد الممانعة

الشرق الأوسط

timeمنذ 2 ساعات

  • الشرق الأوسط

المشرق العربي أمام تحدّيات ما بعد الممانعة

لا يزال الصوت الممانع يحاول إقناعنا، ولو جاءنا من تحت الركام، بأنّه منتصر. والحال أنّ التطوّر الوحيد الذي نعيشه راهناً، والذي يمكن أن يُعدّ إنجازاً، هو طيّ صفحة هذه الممانعة بأنظمتها وميليشياتها وجميع مهزوميها «المنتصرين». أمّا ما يحاوله «حزب الله» ومُلاطفوه من ساسة لبنان فهو إعاقة ذاك الإنجاز بأكلاف باهظة يُرجّح أن يتكبّدها البلد بأسره. بيد أنّ صوتاً آخر، مضادّاً للممانعة، يحاول إقناعنا بأنّه منتصر عملاً بتباهي الأصلع بشَعر جاره. وما دامت الأمور تُصوّر على هذا النحو، تُرسم لنا صورة شديدة التفاؤل والورديّة تتصدّرها عناوين لا تصمد أمام أيّ تفحّص دقيق. فمرّةً تُعزى انتصاراتنا المزعومة إلى أنّ «الرئيس ترمب لا يريد حروباً»، ومرّةً نُبَشَّر بانتقال عجائبيّ من جحيم الآيديولوجيا إلى جنان التكنولوجيا، كما يُلوّح لنا بأنّ التطبيع مع إسرائيل في طريقه إلينا، سالكاً سلوك الأتوستراد القويم، وهو ما سوف ينشر على الأرض سلاماً يكون خاتمة للحروب. لكنّ ترمب، كائناً ما كان الرأي فيه، ليس صانع معجزات، هذا إذا كان ثمّة صانع معجزات في هذا العالم. أمّا التكنولوجيا فليست ذاك السحر المُحيَّد عن كلّ آيديولوجيا، والذي نتلقّاه متساوين مثل أسنان المشط. وأمّا التطبيع، ومُوقِّع هذه الأسطر متحمّس مزمن للسلام ولسائر متفرّعاته، فليس بالسهولة التي تُنسب إليه. صحيح أنّ هزيمة مطنطنة نزلت بالممانعة العربية والإسلامية، وهذا شرط ضروريّ لأيّ تقدّم يمكن أن يظهر على أيّ جبهة من الجبهات المعنيّة. لكنّ الصحيح أيضاً أنّ انتصاراً مطنطناً أحرزته الممانعة الإسرائيليّة ممثّلةً ببنيامين نتانياهو وأحزاب اليمين الدينيّ. وواقعٌ كهذا ليس بشارة لأحد: ففضلاً عن رصيد الأخيرين الفظيع في غزّة، والاستيطانيّ في الضفّة الغربيّة، فإنّهم ماضون في إيصاد كافّة الأبواب أمام السلام، أيّ سلام وكلّ سلام. وما يعنيه هذا أنّ المصدر الأبعد لنزاعات المنطقة، أي المسألة الفلسطينيّة، لن يؤول أمره إلى تسوية، كائنة ما كانت التسوية. وقد يقول قائل إنّ المسألة المذكورة فقدت الكثير من الزخم والتأثير، ومن قدرة الآخرين على توظيفها استطراداً، وهذا صحيح. لكنّ ما لا يصحّ هو افتراض التبخّر أو المحو، اللذين ترطّبهما «حفنة من الدولارات»، بوصفهما علاجاً للمشكلات. فبالطريقة هذه نكون نراكم عبوات تنفجر لاحقاً بالجميع، عبواتٍ تضاعف الأحقادُ والمراراتُ، فضلاً عن التجاهل، طاقتَها الانفجاريّة. وما يُسرّب عن مداولات تتناول سوريّا ليس باعثاً على اطمئنان أكبر في صدد سلام مستقرّ ومستدام. ففضلاً عن الأوضاع الداخليّة، ثمّة أطراف كتركيّا يداعبها الاستثمار في عدم الاستقرار، أو ربّما مفاقمته وتوسيعه. وهذه المعطيات وغيرها تسمح بالقول إنّ «الشرق الأوسط الجديد»، الذي يبشّر به رئيس الحكومة الإسرائيليّة، قد يكون عنواناً صالحاً لوصف الإنجاز السلبيّ، أي القضاء على الممانعين ونفوذهم. أمّا بقياس الإنجاز الإيجابيّ، أي إرساء أسس للبدائل، فأغلب الظنّ أنّ «الجديد» فيه أقرب إلى حركة انقلابيّة وبرّانيّة لا تستند إلى واقع صلب ولا إلى قوى اجتماعيّة، وإن وَجدت، بطبيعة الحال، متعاونين وملتحقين ومسحورين بالقوّة. لكنّ ما يفوق الفعل الإسرائيليّ أهميّةً هو اللافعل الذي تبديه منطقة المشرق. وهذا ما يجعل التحوّل الراهن أعرج، وربّما غير مُطمْئن على المدى الأبعد. فتعابيرُ التفاؤل والظفر التي نسمعها قد تكون غلالة تحجب انعدام الأجوبة عن الأسئلة الوجوديّة المطروحة على المنطقة وعلى أحوال بلدانها وتراكيبها. ذاك أنّ هذه اللحظة من التحوّلات الضخمة لا يقابلها أيّ استعداد جديّ يواكب أو يستبق. وقد يكفي أن نفكّر بالعلاقات الأهليّة الداخليّة في أيّ من بلدان المشرق لنستنتج أنّ النوم على حرير ليس آمناً للنائمين. فما هي استعدادات المنطقة لاستقبال عالم ما بعد الممانعة؟ وهل يمكننا، في أيّ بلد من بلدان المشرق، أن نتوقّع تحوّلاً سلساً وغير ثأريّ في التراكيب الحاكمة التي لا بدّ أن تتغيّر كما تغيّرت في سوريّا؟ وما هي الأفكار التي تُتداول ويحملها نقاش عامّ يطال مصيريّة الظرف وآفاق المستقبل؟ واقع الحال أنّ التخريب الذي عرفته أوضاعنا على مدى عقود، معطوفاً على الهلهلة الأصليّة في النسائج الوطنيّة، يستدعي لتصحيحه جهداً إضافيّاً، فيما المبذول يكاد يعادل الصفر. فالعراق لم يبدأ بعد عمليّة اختباريّة كهذه، إلاّ أنّ نتائجها، في حال حصولها، لن تكون صعبة التوقّع. وبدورها تقتصر السياسة اللبنانيّة على ما يحمله إلينا المندوب الأميركيّ توم بارّاك، فيما تكاد تقتصر السياسة في سوريّا على قائمة الأرقام الماليّة التي تدخل أو يُنتظر دخولها. وهذه العوامل ليست بالطبع قليلة الأهميّة، لا سيّما في المدى المباشر والمنظور، إلاّ أنّ المأزق الوجوديّ الذي ينتظرنا أكبر كثيراً، وأشدّ داخليّةً وسياسيّةً بلا قياس. أمّا إنكار المأزق، وفيه شيء من الغرق بأشبار ماء، فينمّ عن وحدة ثقافيّة تجمع بيننا، بموجبها يُنكر الممانع أنّه مهزوم، بينما ينكر خصمه أنّه في مأزق وجوديّ.

سوريا ومسار الحوار الوطني الشامل
سوريا ومسار الحوار الوطني الشامل

الشرق الأوسط

timeمنذ 2 ساعات

  • الشرق الأوسط

سوريا ومسار الحوار الوطني الشامل

اتفاق وقف إطلاق النار في السويداء وانسحاب الجيش السوري يشكلان حلاً مؤقتاً، وبالطبع أكثر من ضروري، لحفظ الأمن والاستقرار. يشير الاتفاق إلى أنه «يهدف إلى إعادة بناء الثقة بين أبناء السويداء والدولة السورية، وضمان أمنهم واستقرارهم، وأن تبقى سوريا آمنة لجميع أبنائها». الاتفاق خطوة أكثر من ضرورية، لكنه يبقى حلاً هشاً قابلاً للسقوط، ما دام التوتر السياسي والأمني قائماً. توتر يتغذى عند البعض على ما حصل من أعمال عنف في المنطقة ومسبباتها، كما على ما حصل في الساحل السوري، وأيضاً من المجهول الذي قد يتأتى من أحداث مختلفة من جهة، وعند البعض الآخر من مخاوف من محاولات إلهاء السلطة الجديدة عبر إغراقها في حروب وصراعات داخلية بعناوين مختلفة من جهة أخرى. ولا تخفى محاولات إسرائيل الاستفادة من الوضع السائد لإقامة «جنوب لبنان جديد» في سوريا، كما فعلت في الماضي في لبنان. وما يعزز هذا التوجه احتلال إسرائيل للمنطقة العازلة في الجولان وإسقاط اتفاقية فض الاشتباك الموقعة في 31 مايو (أيار) 1974 بين الطرفين، والعمل على فرض إقامة منطقة منزوعة السلاح في الجنوب السوري، مما يشكل خرقاً فاضحاً ومستمراً لسيادة سوريا على أراضيها، إلى جانب استمرار الاعتداءات على سوريا. من أهم العوامل التي تعزز أجواء التوتر والمخاوف في سوريا التي تواجه تحديات جمة في عملية إعادة بناء الاستقرار، وجود تنظيمات ومجموعات مسلحة ما زالت فاعلة على الأرض، وقادرة على القيام بأعمال عنف تحمل تداعيات خطيرة على مسار بناء سوريا الغد. هذه الأطراف يحركها منطق الانتصار والانتقام وهي تحاول فرض رؤيتها على الآخر، الشريك في الوطن، ولكن المختلف في الانتماء الهوياتي ما دون الوطني (الطائفي والإثني والمذهبي) للوصول إلى تنظيم المجتمع والدولة حسب رؤيتها. السلطة الجديدة أمام تحدي إفشال هذا التوجه الذي يهدد السلم الأهلي. تحدٍ لا يقل أهمية إذا ما تم التعامل معه بنجاح، عن العمل على إعادة ترتيب علاقات سوريا مع الأسرة العربية ومع العالم، والذي هو هدف أكثر من ضروري في عملية إعادة بناء الدولة، وولوج مسار التنمية الشاملة. وقد خطت سوريا خطوات أساسية وهامة في هذا المجال. إن المطلوب اليوم قبل الغد المبادرة إلى إطلاق مسار حوار وطني شامل يمثل المكونات الوطنية كافة للشعب السوري. حوار يهدف إلى بناء نظام جديد يقوم بشكل خاص على مفهومين أساسيين: أولاً المساواة في المواطنة، وليس على التراتبية المقنعة، وذلك كمضمون وممارسة وليس كشعار فضفاض دون أي معايير لتحديد هذا المفهوم. ثانياً، بسبب وجود هويات متنوعة، في زمن إحياء وعودة الهويات ما دون الوطنية والعابرة للوطنية في الإقليم الشرق أوسطي بشكل خاص، ضرورة العمل على إقامة نظام حسب نموذج أو صيغة الديمقراطية التوافقية أو التشاركية. الصيغة التي لا تلغي دور أحد من المكونات، بل تنظم السلطة على أساس مشاركة الجميع وصحة التمثيل وتحصين الحقوق، ولو اختلفت الأوزان بين هذه المكونات. ولا بد من التذكير بأن الديمقراطية التوافقية تبقى الصيغة الضرورية في المجتمعات التي تضم هويات أولية مختلفة، في زمن إحياء الهويات الأولية، أحياناً بصيغ متشددة، وذلك تحت سقف الهوية الوطنية الجامعة: هويات تغني وتعزز الهوية الوطنية المشتركة إذا ما أحسن تنظيم هذه العلاقة. وفي هذا السياق، لا بد من الإشارة إلى أن «نظام الطائف» الذي أنهى الحروب اللبنانية وغيرها في لبنان؛ تلك الحروب التي قامت تحت تسميات مختلفة، يشكل نموذجاً للاقتداء به، والاستفادة من بعض دروسه، بشكل عام في الحالة السورية. ولا بد من التذكير في هذا السياق بالدور الرائد الذي لعبته المملكة العربية السعودية في احتضان المؤتمر، والدفع نحو إنجاح الأهداف التي انعقد لأجلها. لم يفشل اتفاق الطائف في لبنان، كنموذج للحكم كما يدعي البعض، بل ما حصل هو أن الخروقات الفاضحة والمستمرة له من أهل السلطة منعت من تطبيقه كلياً. أضف أن «الطائف» للتذكير يفتح الباب كلياً أمام كل عمليات الإصلاح الممكنة والضرورية والتدريجية للدولة، وهو ما لم يتم الأخذ به مثل موضوع اللامركزية الإدارية التي تركت جانباً، وهذه الأخيرة، كمثال ينظر فيه، قد تكون ضرورية كتسوية تنظيمية عملية وفاعلة بين دعاة الدولة شديدة المركزية من جهة، ودعاة الدولة ذات النظام الفيدرالي كما تطالب القوى الكردية في سوريا بشكل خاص من جهة أخرى. خلاصة الأمر، أن إطلاق مسار صياغة عقد اجتماعي جديد في سوريا (وأقول عقد وطني بالمعنى الشامل) للأسباب التي أشرت إليها، أمر أكثر من ضروري، رغم التحديات التي أمامه. التحديات التي ستزداد مع الوقت شدة وتعقيداً وتداعيات إذا لم يتم إطلاق هذا المسار ورعايته ومواكبته عربياً بشكل خاص. فالاستقرار المجتمعي ضروري لسوريا، ولأمنها الوطني، وللأمن العربي، وكذلك الإقليمي.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store