
بين كلام براك وتصعيد دمشق... هل يستمرّ الضغط على لبنان؟
وفيما يُرتقب أن تشهد الأيام المقبلة زيارة ثالثة صُنّفت بـ"الحاسمة" للمبعوث الأميركي إلى بيروت، بدا لافتًا أنّ " سوريا الجديدة" كانت حاضرة للمفارقة على أكثر من خط، سواء من خلال موقف سياسي-أمني مرتبط بملف الموقوفين السوريين في لبنان، أو من خلال التصريحات الأميركية التي أعادت التذكير ب خريطة سايكس بيكو ، وأثارت تساؤلات لبنانية عن الحدود والسيادة والارتباط الإقليمي.
في هذا السياق، برزت في الأيام الماضية تسريبات صحفية عن امتعاض الرئيس السوري أحمد الشرع ممّا وصفه بـ"تلكّؤ" السلطات اللبنانية في معالجة ملف الموقوفين السوريين في السجون اللبنانية، ملوّحاً – بحسب ما نُقل – بإجراءات تصعيدية قد تصل إلى إقفال المعابر الحدودية بين البلدين، وفرض قيود على حركة الشاحنات اللبنانية العابرة للأراضي السورية، إذا لم يُحرَز أي تقدّم في المعالجة.
وبالرغم من نفي الحكومة السورية رسميًا هذا التوجّه لاحقًا، فإنّ الانطباع الذي يسود الأوساط السياسية هو أنّها لم تأتِ من فراغ، بل إنّ هناك من تعمّد تسريبها عبر وسائل إعلام غير رسمية، ولكنها "صديقة" للسلطات الجديدة في سوريا، علمًا أنّ هذه التسريبات أدّت غايتها، بفعل التفاعل الواسع معها، الذي أعاد الملف إلى الواجهة، علمًا أنّ الشرع سبق أن أثار القضية مع عدد من المسؤولين اللبنانيين، لكنه لم يتلقَّ تجاوبًا فعليًا، وفق التقارير السورية.
ويقدَّر عدد الموقوفين السوريين في لبنان بأكثر من ألفي شخص، بينهم مئات بلا محاكمات أو أحكام نهائية، يتوزّعون على سجون رسمية وأماكن احتجاز موقّتة، لكن بينهم أيضًا موقوفون بتهم ارتكاب جنايات أو جرائم على الأراضي اللبنانية. وتشير التقديرات إلى أن السوريين يمثّلون ما يقارب 30% من مجمل عدد السجناء في لبنان، ما يجعل من هذا الملف عبئًا قانونيًا وإنسانيًا وأمنيًا في آن واحد، وعلى لبنان كدولة، قبل سوريا.
على الضفة اللبنانية، تتريّث السلطات في الاستجابة للضغط السوري، مستندة إلى معوّقات قانونية وقضائية واضحة. فالاتفاق القضائي بين البلدين، العائد إلى عام 1951، ينصّ على أن تكون عمليات تسليم الموقوفين "فردية"، مع وجوب دراسة كلّ ملف على حدة، وبموجب قرارات قضائية واضحة وصادرة عن الجهات المختصة، ما يعني أنّ اتخاذ قرار بإطلاق "جماعي" للموقوفين، أو تسليمهم "جماعيًا" إلى سوريا، لا يستند إلى أسس قانونية.
ولا يقتصر التعقيد على الجانب القانوني، إذ إنّ بعض الموقوفين السوريين ضالعون في هجمات واشتباكات ضدّ الجيش اللبناني، وبعضهم متهَم بقتل عناصر من الجيش، وبالتالي فإنّ إطلاقهم أو حتى تسليمهم إلى سوريا قد لا يكون منطقيًا، كما يُخشى أيضًا من ارتباطات بعض الموقوفين بتنظيمات متطرفة، ما يجعل تسليمهم مسألة حسّاسة تمسّ الأمن الوطني، وتخضع لتقدير الأجهزة الأمنية والعسكرية ذات الصلة.
مع ذلك، تشير مصادر مطلعة إلى أن المراسلات بين بيروت ودمشق لم تنقطع في الأيام الأخيرة، وأنّ الجانب السوري أبدى استعدادًا لمعالجة الملف ضمن إطار قانوني وحقوقي مشترك، شرط ألا يبقى رهينة الحسابات السياسية الداخلية اللبنانية، علمًا أنّ الأوساط السياسية تترقّب زيارة لوفد سوري رسمي برئاسة وزير الخارجية أسعد الشيباني، يقول البعض إنّها تأخّرت عن أوانها، لضمان نجاحها، أو بالحدّ الأدنى تحقيقها اختراقًا ملموسًا.
في موازاة ذلك، أثارت تصريحات المبعوث الأميركي توم براك، خلال حوار صحافي أخير، جدلاً واسعًا في لبنان، فهو أراد ربما أن يزيد الضغط على "حزب الله"، ويفسّر موقفه الذي فهمه البعض "مرونة" تجاه الحزب، فإذا به يقع في "استفزاز جماعي" للبنانيين، بحديثه عن أن "خريطة سايكس بيكو سقطت"، وأنّ لبنان قد يصبح من جديد جزءًا من "بلاد الشام"، في حال لم يُنجز أي تقدّم في ملفات السيادة ونزع سلاح "حزب الله".
ورغم أن براك أوضح لاحقًا أنّ كلامه لم يكن تهديدًا للبنان، بل "إشادة بالتقدّم السوري"، وفق ما نشر على حسابه عبر منصة "إكس"، إلا أنّ الأوساط السياسية اللبنانية لم تستطع تجاهل الخطورة الرمزية والسياسية لهذا الكلام، لا سيما أنّ المسؤولين الأميركيين لا يوفّرون فرصة في الآونة الأخيرة من دون استغلالها للمقارنة بين لبنان وسوريا، بل لدعوة المسؤولين في لبنان لأخذ الرئيس السوري أحمد الشرع "قدوة" في هذه المرحلة.
ومع أنّ كلام براك أثار كلّ هذا الجدل، إلا أنّ الردود عليه جاءت "خجولة ومتواضعة"، إن صحّ التعبير، كان أبرزها من حزب الله، الذي اعتبر عبر النائب إبراهيم الموسوي أنّ تصريحات براك تشكّل "انتهاكًا صارخًا للسيادة الوطنية"، داعيًا إلى استدعاء السفيرة الأميركية في بيروت، ورفض أيّ "وصاية دولية مقنّعة". في المقابل، اكتفى رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع بالقول إنّ تصريح براك "هو برسم السلطة والحكومة اللبنانية".
وفي حين اعتبر جعجع أن "على السلطة اللبنانية ان تحزم أمرها في أسرع ما يمكن، وأن تتّخذ الخطوات العملية المطلوبة من أجل تحويل لبنان إلى دولة فعلية"، حاولت دوائر قريبة من السفارة الأميركية التخفيف من وقع التصريحات، موضحة أنها لا تعبّر عن تغيير في سياسة واشنطن تجاه لبنان، بل عن قلق حقيقي من تعثّر الإصلاحات، وانسداد الأفق السياسي الداخلي، وغياب أيّ مسار عملي لتطبيق قرار مجلس الأمن 1701.
هكذا إذًا، بين ضغط دبلوماسي أميركي متصاعد، ورسائل سورية مشفّرة، وتوتّر أمني مستمر على الجبهة الجنوبية، يجد لبنان نفسه اليوم في عين عاصفة إقليمية لا تهدأ. فكلّ ملف من هذه الملفات -من سلاح حزب الله، إلى ملف الموقوفين السوريين، مرورًا بالعلاقة مع سوريا والخطاب الأميركي- بات يُستخدم كورقة ضغط، أو على الأقل كأداة تأثير في المشهد اللبناني الداخلي المعقّد.
وفيما تنتظر بيروت زيارة براك الثالثة المرتقبة، التي يفترض أن تكون "حاسمة" في رسم خريطة طريق "سحب السلاح"، كما تريد واشنطن، تتزايد الأسئلة حول قدرة الدولة اللبنانية على إدارة هذه الضغوط المتزامنة، وسط هشاشة سياسية واقتصادية متواصلة. فالخوف الأكبر اليوم، وفق مصادر سياسية مطّلعة، هو من تحوّل هذه الملفات المتراكمة إلى أدوات اشتباك داخلي لبناني – لبناني، بدل أن تكون محل توافق أو تفاوض مسؤول بين الدولة والدول المعنية.
في المحصّلة، قد يكون كلام براك مجرد تعبير عن خشية أميركية من الانهيار اللبناني، وقد تمثّل الرسائل السورية محاولة لإعادة التموضع في مرحلة ما بعد الأسد. لكن المؤكّد أن لبنان بات هدفًا مباشرًا لضغوط متعددة الأوجه: أمنية، سياسية، قانونية، ودبلوماسية. وإذا لم تنجح الدولة اللبنانية في بناء موقف متماسك يحفظ سيادتها، ويُدير هذه الملفات بما يتناسب مع القانون والمصلحة الوطنية، فإنّ الآتي قد يكون أخطر من أي وقت مضى.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


IM Lebanon
منذ ساعة واحدة
- IM Lebanon
من المستهدف بارة يحمر؟
أكد المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي، أن 'جيش الدفاع قضى على مسؤول مجمع يحمر في حزب الله'، موضحاً أن 'طائرة تابعة لجيش الدفاع أغارت في وقت سابق اليوم السبت وقضت على المدعو أحمد محمد صلاح، مسؤول مجمع يحمر في حزب الله'. وتابع عبر منصة 'إكس'، 'عمل صلاح على محاولة إعادة اعمار بنى تحتية لحزب الله في منطقة يحمر جنوبي لبنان'، لافتاً إلى أن 'جيش الدفاع سيواصل العمل من أجل إزالة كل تهديد على دولة إسرائيل'.


القناة الثالثة والعشرون
منذ ساعة واحدة
- القناة الثالثة والعشرون
إليكم تفاصيل اتفاق وقف إطلاق النار في السويداء
كشفت وسائل إعلام سورية، السبت، تفاصيل بشأن اتفاق وقف إطلاق النار في محافظة السويداء، وذلك بعد أيام من تصاعد التوترات، بما في ذلك غارات جوية إسرائيلية استهدفت دمشق ومواقع عسكرية سورية. وقال المبعوث الأميركي إلى سوريا توم براك إن سوريا وإسرائيل اتفقتا على وقف إطلاق النار في السويداء، مضيفا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس السوري أحمد الشرع، بدعم من الولايات المتحدة، اتفقا على وقف إطلاق النار بدعم من تركيا والأردن ودول الجوار. وطالب المبعوث الأميركي الدروز والبدو جنبا إلى جنب مع الأقليات الأخرى إلى إلقاء السلاح والعمل معا لبناء سوريا جديدة موحدة. وأفادت وسائل اعلام سورية، صباح السبت، بأن قوات الأمن العام السورية بدأت بالتحرك نحو مدينة السويداء لضبط الأمن وتنفيذ بنود الاتفاق على الأرض. تفاصيل اتفاق وقف إطلاق النار في السويداء: يتضمن دخول مؤسسات الدولة الإدارية والأمنية إلى محافظة السويداء. ينص على دمج عناصر الفصائل من المحافظة بالأجهزة الأمنية للدولة. يقضي بتسليم السلاح الثقيل والمتوسط من البدو والدروز. يشمل دمج الدروز بالمستقبل السياسي في المرحلة المقبلة. يسمح بإمكانية خروج من يرفض الاتفاق عبر طريق آمن خارج البلاد. ينص على محاسبة مرتكبي الانتهاكات من البدو والدروز وفق القانون. تكليف عناصر الفصائل من السويداء بالتعاون مع وحدات أخرى بحفظ الأمن داخل المحافظة. يأتي الإعلان مع استمرار الاشتباكات في السويداء، التي أدت إلى نزوح عشرات الآلاف وسط أزمة إنسانية متصاعدة. وكانت القوات الحكومية قد انسحبت من المحافظة بعد اتفاق سابق لوقف إطلاق النار مع الجماعات الدرزية. وكانت الرئاسة السورية قد أعلنت في وقت سابق أن الجهات المختصة تعمل على إرسال قوة، متخصصة لفض الاشتباكات في السويداء وحل النزاع بالحكمة، بالتوازي مع إجراءات سياسية وأمنية تهدف إلى تثبيت الاستقرار وضمان عودة الهدوء إلى السويداء في أسرع وقت ممكن. انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة. انضم الآن شاركنا رأيك في التعليقات تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News


ليبانون ديبايت
منذ ساعة واحدة
- ليبانون ديبايت
يا غيرة الدين.. الشيخ حسن مرعب يلبس لباس البدو ويعلن الفزعة السنية والنفير ويتوعد: الشرع او الحرب!
الشيخ حسن مرعب يحضر بـ"الزي البدوي" الى استوديو "سبوت شوت" ويعلن النفير: انا بدوي ودولتنا في سوريا قائمة الى قيام الساعة ومن لم تردعه الدولة ستردعه القبائل العربية! الشيخ حسن مرعب يطالب بإعدام وئام وهاب ويعرض فيديو له خلال حلقة عبر "سبوت شوت" ويصرخ: اذا لم يكن كلامه عمالة فما هي العمالة إذًا... وهذا موقفي من حوادث "حلق الشوارب"! الشيخ حسن مرعب لـ"سبوت شوت": حزب الله شريك بمشروع حلف الأقليات الذي ترعاه إسرائيل وذلك في حال لم يسارع الى التبرؤ من كلام وئام وهاب! الشيخ حسن مرعب لـ"سبوت شوت": والله لو لم يبق منا احد لن نسمح بعودة حكم الأسد وأذنابه وفلوله ولو كلفنا الأمر ان نموت جميعًا فسوريا ستبقى لنا الى قيام الساعة وانا أتكلم باسم سنة لبنان وسوريا! الشيخ حسن مرعب لـ"سبوت شوت": إما احمد الشرع او حرب أهلية "لن تنتهي" فسقوط الشرع سيؤدي لسقوط المنطقة بأكملها وساعتها لن يوقف السنة احد وسوريا لن تقسم ما دام فينا قلب ينبض!