logo
من يقف وراء العنف في كينيا؟

من يقف وراء العنف في كينيا؟

الجزيرةمنذ 3 أيام
عندما تولى الرئيس الكيني وليام روتو منصبه عام 2022، تعهّد بوضع حد لعنف قوات الشرطة، وبعد 3 سنوات أصدر تعليمات لقوات الأمن بإطلاق النار على المتظاهرين العنيفين "في أرجلهم".
والعام الماضي، شهدت كينيا الواقعة شرق أفريقيا مظاهرات انطلقت في البداية احتجاجا على الركود الاقتصادي والفساد، ثم اتسع نطاقها لتشمل عنف الشرطة المشكلة المزمنة في البلاد التي يبلغ عدد سكانها 55 مليون نسمة.
وقد قوبلت هذه الاحتجاجات بقمع عنيف وفقا لمنظمات حقوقية، مما أسفر عن مقتل العشرات.
وبررت السلطات الكينية ردها العنيف بأعمال العنف والنهب التي شهدتها المظاهرات، بينما تقول منظمات حقوقية إن وراء هذه الاضطرابات عملاء مأجورين يعملون جنبا إلى جنب مع الشرطة لإثارة الفوضى.
وعام 2023 بعد سنة على حل وحدة في الشرطة سيئة السمعة، قال روتو "قطعت وعدا خلال حملتي الانتخابية بأن أوقف عمليات القتل خارج إطار القانون".
وأضاف "لن تموت أي أم أو مواطن كيني في ظروف لا تستطيع الحكومة تفسيرها".
لهجة عدائية جديدة
تبدو مثل هذه التصريحات -وفق منظمات حقوقية- بعيدة كل البعد حاليا، إذ اتخذ الرئيس لهجة أكثر عدائية مدينا المظاهرات ومؤيدا سلوك الشرطة بشكل منهجي.
وقد قُتل أكثر من 100 شخص منذ اندلاع المظاهرات المناهضة للحكومة في يونيو/حزيران 2024 -وفق جماعات حقوقية- بينهم 38 شخصا قُتلوا في آخر مظاهرة في السابع من يوليو/تموز الجاري.
وقد أعلن روتو أن من يقفون وراء الاحتجاجات يحاولون "الإطاحة بالحكومة" وأن أي هجوم على شرطي أو مركز شرطة بمثابة "إعلان حرب".
وبعد يومين من مظاهرة السابع من يوليو/تموز، قال الرئيس إنه يجب إطلاق النار على المتظاهرين العنيفين "في أرجلهم".
"الرئيس فقد صوابه"
وقد لاقت تصريحات روتو أصداء غاضبة في بعض الأوساط الشعبية.
وكتبت صحيفة "ذا ستاندرد" الكينية بافتتاحيتها "الرئيس فقد صوابه" بينما جاء في صفحتها الأولى "كينيا تنزلق نحو الاستبداد".
وقال أوتسينو ناموايا الباحث في هيومن رايتس ووتش"سواء كان يأمر الشرطة بإطلاق النار على الساق أو في أي مكان آخر. فلنأخذ الأمور كما هي".
وتابع الباحث في المنظمة الحقوقية "إنه إطلاق للنار بقصد القتل".
وقال كاروتي كانينغا -وهو محلل سياسي بجامعة نيروبي- إن القمع الحكومي للاحتجاجات ذكّره بحقبة التسعينيات عندما عاشت كينيا سنوات في ظل حكم استبدادي للرئيس آنذاك دانيال أراب موي.
وأضاف أن روتو إنه "تلميذ" الرئيس السابق، فقد بدأ مسيرته السياسية في رابطة الشباب التابعة لحزب موي.
وقال أيضا "نحن على حافة الهاوية، واحتمال كبير للدخول في فترة عنف مثل التي أعقبت انتخابات عام 2007".
وأوضح متحدثا عن روتو "أعتقد أنه يستعد للانتقال إلى مرحلة أكثر حزما وقمعا في نظامه".
وقد ارتفعت عمليات الخطف -الشائعة منذ عهد موي- بشكل حاد منذ بدء الاحتجاجات، وفقا لعدة منظمات حقوقية تقدر وقوع أكثر من 80 حالة خطف العام الماضي ولا يزال العشرات في عداد المفقودين.
وقد صرّح الرئيس في البداية بأنه لم تحدث عمليات خطف.
لكنه وعد لاحقا بإنهاء حالات الاختفاء وضمان "عودة جميع المختطفين إلى عائلاتهم". لكن بعض العائلات لا تزال تبحث عن أحبائها.
حفنة من المارقين
كما اشتدت لهجة المحيطين بالرئيس. وقال وزير الداخلية كيبتشومبا موركومين أمام حشد في 26 حزيران/يونيو "أمرنا قوات الشرطة بفتح النار على كل من يقترب من أحد مراكزها".
وزعم لاحقا أن هذه التصريحات التي نقلها التلفزيون أخرجت من سياقها.
كما صُوّر رئيس لجنة الدفاع الحكومية وهو يدعو إلى "إطلاق النار بقصد القتل" خلال التجمعات.
ومن جانبه نفى كريستوفر أسيكا النائب المناصر للرئيس -خلال عطلة نهاية الأسبوع- التلميحات بأن يكون روتو قد أيد مثل هذه الأوامر.
وقال أسيكا أمام حشد "يقول ببساطة إنه إذا أقدمتم على حرق مركز شرطة أو تدمير بنى تحتية عامة سيتم توقيفكم".
وقد شهدت أجزاء من ضواحي نيروبي أعمال نهب وتخريب خلال احتجاجات يونيو/حزيران ويوليو/تموز، مع إعلان وزارة الداخلية إصابة مئات الشرطيين.
وأضاف أسيكا "لا يمكن أن يبقى البلد رهينة لحفنة من المارقين".
الدكتاتورية بكل معنى الكلمة
وقمعت الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية الأسبوع الماضي بذكرى انتفاضة 1990 الدامية التي طالبت بعودة الديمقراطية التعددية بعد سنوات من الحكم الاستبدادي، مع انتشار كثيف لقوات الشرطة.
وأفادت جماعات حقوقية بمقتل ما لا يقل عن 38 متظاهرا، في حين تقول الحكومة إن 17 شخصا فقط لقوا حتفهم.
وقد اندلعت احتجاجات أيضا في يونيو/حزيران على خلفية وفاة ألبرت أوجوانغ الذي قضى أثناء احتجازه، ونظمت مظاهرات في نيروبي احتجاجا على "وحشية" الشرطة.
ومن جانبها دانت الأمم المتحدة استخدام السلطات الكينية للقوة.
وقال متحدث باسم الحكومة إن تصريحات روتو الأسبوع الماضي "توضح السياق" بدون الإجابة عن أي أسئلة إضافية.
وقال خالد من منظمة فوكال "دافع روتو عن الشرطة بدون أن ينطق بكلمة واحدة عن الضحايا".
وأضاف "تُستخدم القوة لإسكات المعارضة. إنها الدكتاتورية بكل معنى الكلمة".
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

قاضية أميركية توقف تنفيذ أمر ترامب بفرض عقوبات على موظفي الجنائية الدولية
قاضية أميركية توقف تنفيذ أمر ترامب بفرض عقوبات على موظفي الجنائية الدولية

الجزيرة

timeمنذ 3 ساعات

  • الجزيرة

قاضية أميركية توقف تنفيذ أمر ترامب بفرض عقوبات على موظفي الجنائية الدولية

أصدرت قاضية اتحادية في الولايات المتحدة، أمس الجمعة، حكما يقضي بوقف تنفيذ أمر تنفيذي أصدره الرئيس الأميركي دونالد ترامب يفرض عقوبات على موظفين في المحكمة الجنائية الدولية ، معتبرة أنه يمثل انتهاكا غير دستوري لحرية التعبير. وجاء القرار القضائي استجابة لدعوى رفعها اثنان من المدافعين عن حقوق الإنسان في أبريل/نيسان الماضي، طعنا في الأمر التنفيذي الذي أصدره ترامب في السادس من فبراير/شباط، الذي يجيز فرض عقوبات اقتصادية وقيود على السفر بحق أشخاص يشاركون في تحقيقات المحكمة الدولية، خصوصا تلك التي تمس مواطنين أميركيين أو حلفاء واشنطن مثل إسرائيل. ووجدت القاضية الأميركية نانسي تورنس أن الإجراءات الموضحة في الأمر التنفيذي تقيد حرية التعبير بشكل مفرط، قائلة: "يبدو أن الأمر التنفيذي يقيد حرية التعبير أكثر مما هو ضروري لتحقيق غرضه". ولم يصدر بعد أي تعليق رسمي من البيت الأبيض أو من المحكمة الجنائية الدولية بشأن القرار. أمر ترامب التنفيذي وكان الأمر التنفيذي قد تسبب بانتقادات دولية واسعة عند صدوره، لا سيما بعد فرضه عقوبات مباشرة على المدعي العام للمحكمة، كريم خان ، إذ أدرجه مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية ضمن قائمة العقوبات الرسمية، ما يعني تجميد أصوله في الولايات المتحدة وحظر أي تعامل مالي معه. وبموجب الأمر التنفيذي، فإن المواطنين الأميركيين الذين يقدمون خدمات أو دعما لأي من الأشخاص المدرجين على قوائم العقوبات، مثل خان، قد يكونون عرضة للملاحقة بعقوبات مدنية وجنائية. وقد نددت المحكمة الجنائية الدولية، إلى جانب عشرات الدول والمنظمات الحقوقية، بهذه الخطوة باعتبارها اعتداء على استقلال القضاء الدولي، ومحاولة للضغط على المحكمة التي تحقق في انتهاكات مزعومة لحقوق الإنسان قد تشمل أفرادا من الجيش الأميركي أو مسؤولين إسرائيليين. ويمثل الحكم القضائي الأخير نكسة قانونية كبيرة لإدارة ترامب التي تبنّت موقفا معاديا للمحكمة الجنائية الدولية، واتهمتها بتجاوز صلاحياتها ومحاولة فرض "عدالة مسيّسة" على دول لم توقع على ميثاق روما المؤسس للمحكمة.

"رايتس ووتش" تتهم شرطة أنغولا باستخدام القوة المفرطة ضد متظاهرين سلميين
"رايتس ووتش" تتهم شرطة أنغولا باستخدام القوة المفرطة ضد متظاهرين سلميين

الجزيرة

timeمنذ 10 ساعات

  • الجزيرة

"رايتس ووتش" تتهم شرطة أنغولا باستخدام القوة المفرطة ضد متظاهرين سلميين

قالت منظمة هيومن رايتس ووتش ، الجمعة، إن "الشرطة الأنغولية استخدمت القوة المفرطة ونفذت اعتقالات تعسفية أثناء تفريق مظاهرة سلمية في العاصمة لواندا في 12 يوليو/تموز الجاري". وأضافت المنظمة، في بيان، أن الشرطة الأنغولية أطلقت الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي "دون مبرر، واعتدت على المتظاهرين مما أدى إلى إصابة عدد منهم". كما اتهمت "رايتس ووتش" شرطة أنغولا باعتقال 17 متظاهرا أُفرج عن بعضهم فقط بعد تدخل قانوني. ودعت المنظمة الحكومة إلى فتح "تحقيق عاجل ومحايد في استخدام القوة وتلك الاعتقالات، ومحاسبة المسؤولين عنها بغض النظر عن رتبهم". وقالت نائبة مديرة قسم أفريقيا في "هيومن رايتس ووتش" أشواني بودو-شولتز "يجب أن يتمكن الأنغوليون من الاحتجاج السلمي على السياسات الحكومية دون أن يُواجَهوا بعنف مفرط وانتهاكات لحقوقهم الأساسية". وأضافت شولتز أن الحكومة مطالبة بأن تُجري "تحقيقا محايدا وتحاسب من ارتكبوا هذه الانتهاكات"، واعتبرت أن استخدام الشرطة للقوة المفرطة ضد المتظاهرين السلميين يعكس "مشكلة أعمق داخل الأجهزة الأمنية في أنغولا". وطالبت الحكومة بأن تعتمد إصلاحات شاملة وتضمن تنفيذها لضمان احترام الشرطة للقانون ومحاسبة المسؤولين عند انتهاك حقوق المتظاهرين. وكان مئات الأنغوليين قد شاركوا في الاحتجاج الذي انطلق من حي ساو باولو وكان من المقرر أن ينتهي في ساحة رمزية وسط لواندا. ودعت حركات شبابية ومنظمات مجتمع مدني إلى التظاهر بعد قرار الحكومة رفع أسعار الوقود وإلغاء دعم النقل العام دون أي استشارة عامة. وبرّرت الشرطة تدخلها بالقول إن "التدخل كان يهدف إلى الحفاظ على النظام والهدوء العام، لأن المتظاهرين لم يلتزموا بالمسار المتفق عليه".

ترامب والرسائل الخاطئة لأفريقيا
ترامب والرسائل الخاطئة لأفريقيا

الجزيرة

timeمنذ 14 ساعات

  • الجزيرة

ترامب والرسائل الخاطئة لأفريقيا

لم تمرّ أسابيع على المواجهة الساخنة بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ونظيره الجنوب أفريقي سيريل رامافوزا، على خلفية ما أثاره ترامب من مزاعم وجود عمليات قتل (إبادة) يتعرض لها البيض في جنوب أفريقيا، حتى عاد ترامب مجددًا لاستعراض عضلاته أمام خمسة قادة أفارقة، استدعاهم إلى البيت الأبيض، وخاطبهم بطريقة مسيئة ومهينة. وقد كانت المواجهة في البيت الأبيض بين ترامب ورامافوزا، كما أرادها ترامب فيما يبدو، لتصفية حساب مع جنوب أفريقيا، ليس فقط فيما يزعم أنه استهداف للأثرياء البيض من قبل حكومة رامافوزا، وإنما أيضًا بسبب موقف جنوب أفريقيا من العدوان على غزة، وقرارها ملاحقة إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي، وهو قرار شجاع حشد الرأي العام الدولي ضد جرائم الحرب الإسرائيلية في غزة. موقف جنوب أفريقيا لم يرقَ للإدارة الأميركية التي تشيع فيها الانحيازات المتصهينة، فريقًا وسياسات. تعكس السياسة الخارجية الأميركية الحالية إلى حد كبير مزاج الرئيس ترامب، وهي سياسة لا يمكن توصيفها أو ضبط معالمها، بسبب ما يشوبها من تقلبات ومفاجآت غير متوقعة، مرتبطة بشخصية ترامب، التي تتميز بطابع فريد يتخطى التصنيفات التقليدية. فهو شخصية متمردة على تقاليد المؤسسة وأعرافها، ومتجاوزة للثوابت السياسية التأسيسية في الدبلوماسية والعلاقات الخارجية الأميركية. وتبدو أفريقيا اليوم معنية تمامًا بهذه التقلبات التي تتسم بها السياسة الخارجية الأميركية، والمراجعات والتحولات الكبرى التي يريد ترامب أن يفرضها، ويعيد من خلالها هندسة دبلوماسية جديدة، تقطع مع مرتكزات السياسة الخارجية الأميركية التقليدية. توقع العديد من الخبراء الأميركيين أن تتأثر العلاقات الأميركية الأفريقية وتشهد تحولات مع عودة ترامب إلى البيت الأبيض. فالسياسة الخارجية الأميركية تجاه أفريقيا، تقوم أساسًا على إستراتيجية "القوة الناعمة"، عبر الدور المتقدم لمؤسسة الوكالة الأميركية للتنمية الدولية USAID، لا سيما فيما تلعبه من دور في تحفيز التحولات السياسية، أو المساعدات الإنسانية، أو التنمية الاقتصادية، أو التعاون العسكري AFRICOM – (القيادة الأميركية في أفريقيا). هذه العلاقات الأميركية الأفريقية تبدو اليوم في مهب الريح، مع قرار إدارة ترامب إلغاء مؤسسة (الوكالة الأميركية للتنمية الدولية)، والتوجيه لإنهاء (القيادة الأميركية في أفريقيا)، وأيضًا فرض رسوم على البضائع الأفريقية. قرارات ستكون لها تداعيات كبيرة على بلدان القارة الأفريقية، لا سيما لجهة إرباك فرص التنمية واحتواء التحديات المناخية والأزمات الاجتماعية، والتحديات الأمنية. بيد أن هذا الموقف الأميركي تجاه أفريقيا، والذي عبّر عنه ترامب بشكل فج لدى استقباله الرئيس الجنوب أفريقي، ثم الإهانة التي تعرض لها زعماء خمس دول أفريقية عند استقبالهم من قبل ترامب، يفرضان على بلدان القارة أن تلتقط هذه اللحظة التاريخية من أجل التوقف لتقييم موقعها الدولي، والتحديات التي تواجهها، والفرص المتاحة لبلورة رؤية تأخذ بعين الاعتبار إمكانات هذه القارة ومقدراتها وموقعها، وترسم إستراتيجية متدرجة للاستقلال الإستراتيجي، مستفيدة من مكانتها. أولًا: تملك القارة الأفريقية ثقلًا ديمغرافيًا وازنًا بحوالي 1.4 مليار نسمة (حوالي ربع سكان العالم)، وهي القارة الثانية من حيث عدد السكان على الصعيد العالمي بعد القارة الآسيوية. ولكنها ستكون القارة الأولى الأكثر احتضانًا لليد العاملة؛ بسبب نسبة السكان الذين تقل أعمارهم عن 25 عامًا. وتبلغ مساحة أفريقيا أكثر من 30 مليون كيلومتر مربع (حوالي ربع مساحة اليابسة في العالم). وتضم القارة الصحراء الكبرى، ونهر النيل، وسلسلة جبال كبرى، ولها مناخ يتراوح بين الاستوائي والصحراوي. ثانيًا: تزداد الأهمية الاقتصادية لبلدان القارة؛ بسبب ما تحتويه القارة من ثروات طبيعية تكتشف تباعًا، لا سيما ثروات النفط والغاز والذهب والماس والمعادن النادرة، التي باتت اليوم محل تنافس دولي محموم، تحوّل بعضه إلى صراع خفي وحروب غير معلنة. ويحتد التنافس على ثروات القارة من قبل العديد من القوى الكبرى، في ظل الاكتشافات اللافتة للمعادن الثمينة والنادرة في العديد من بلدان القارة. كما تمثل القارة، ولا تزال، واحدة من أبرز مصادر الطاقة في العالم، تعززها اكتشافات جديدة مهمة، سواء في الساحل والغرب الأفريقي، أو في بلدان جنوب القارة. ثالثًا: تضم القارة 54 دولة تشكّل منظمة الاتحاد الأفريقي، وتشغل العضوية في الأمم المتحدة. وهو رقم يمثل وزنًا دبلوماسيًا وسياسيًا معتبرًا في التأثير في تصويت الأمم المتحدة والمؤسسات المنبثقة عنها، على غرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومجلس الأمن الدولي، والمفوضية السامية لحقوق الإنسان. وتعمل القوى الكبرى على استمالة الدول الأفريقية الأعضاء في الأمم المتحدة للتصويت لصالحها ودعم مواقفها، على غرار الولايات المتحدة الأميركية، والصين، وروسيا، وفرنسا، وبريطانيا. كما تتسابق العديد من الدول على الحضور بشكل فاعل، سواء عبر افتتاح سفارات أو قنصليات، أو عبر قمم مع دول القارة. وعُقدت خلال سنوات قليلة قمة أفريقية أميركية، وقمة أفريقية صينية، وقمة أفريقية أوروبية، وقمة أفريقية روسية، وقمة أفريقية تركية، وقمة أفريقية يابانية، وقمة أفريقية سعودية. وتبدي الصين حرصًا على استمالة دول أفريقيا في ملف تايوان، بينما تستميلها روسيا في ملف أوكرانيا منذ سيطرة موسكو على القرم، ومن جهتها تحاول إسرائيل استمالة ما تستطيع منها لصالحها في ملف الصراع العربي الإسرائيلي. ويجري نقاش متجدد اليوم في أروقة الأمم المتحدة حول الإصلاحات الداخلية المطلوبة، وهناك مقترحات بضرورة حصول أفريقيا على عضوية دائمة في مجلس الأمن الدولي. وقد افتكت القارة منذ حوالي عامين العضوية في مجموعة العشرين (G20). وبين 2010 و2016 تم افتتاح 320 سفارة وقنصلية جديدة في أفريقيا، بينها أكثر من 30 لتركيا. وأدت الصين 79 زيارة لأفريقيا خلال عقد من الزمن، بينما يتصدر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان زعماء العالم الأكثر زيارة لبلدان القارة الأفريقية. رابعًا: على المستوى العسكري، فضلًا عن وجود (القيادة الأميركية في أفريقيا)، يتزايد الحضور العسكري الروسي بشكل ملحوظ في العديد من الدول الأفريقية، ويتخذ هذا الحضور الروسي شكلًا رسميًا وآخر غير رسمي، عبر قوات "فاغنر"، التي تقوم بأدوار مختلفة في العديد من الدول الأفريقية، لجهة تقديم دعم لعمل القوات الحكومية، أو تنفيذ مهمات خاصة لحفظ الأمن. وقد تحوّل القرن الأفريقي إلى ميدان للتنافس بين إيران من جهة، ودول خليجية من جهة أخرى. هذا، وتحتفظ الصين بقاعدة عسكرية في جيبوتي وتلعب دورًا رياديًا في حفظ السلام. وتتفوق بكين على بقية القوى العظمى في مبيعات الأسلحة، إذ لها ارتباط عسكري بـ45 دولة، بخلفية حماية استثماراتها التي تتجاوز 200 مليار دولار في القارة. وتحمي الصين تجارتها في القارة التي تمثل خط طريق الحرير الجديد، حيث يقيم في أفريقيا أكثر من مليون صيني. وقد دفعت بكين في 2011 ببارجة حربية إلى أفريقيا في خطوة مثيرة لإجلاء رعاياها من ليبيا بعد اندلاع الثورة في البلاد. هذا، وارتفعت نسبة صادرات السلاح الصيني من 16% إلى 26% بين 2012 و2017. سلوك الرئيس الأميركي دونالد ترامب تجاه أفريقيا، سواء بإعلان تقليص حضور الولايات المتحدة الأميركية في القارة، أو إهانة زعماء القارة، لا يعكس إدراكًا لمكانة القارة في المشهد الدولي حاضِرًا ومستقبلًا. فهذه القارة التي تمثل ثقلًا ديمغرافيًا معتبرًا (سيتجاوز 2.5 مليار نسمة في 2050)، ودبلوماسيًا وازنًا (54 دولةً أفريقيةً عضوًا في الأمم المتحدة)، واقتصاديًا (ثروات طبيعية وسوق ضخمة)، وإستراتيجيًا (موقع القارة)، لا يمكن التعامل معها باستهتار واعتباطية. فأهمية أفريقيا تزداد بشكل متسارع وعلى مستويات متعددة، ما يجعلها قارّة قادرة على الاستفادة من هذا التنافس والتسابق بين القوى الكبرى عليها، لا سيما إذا ما نجحت في تعميق الإصلاحات داخل منظمة الاتحاد الأفريقي، وبلورة رؤية إستراتيجية؛ لتعزيز مكانة القارة والتمكين لها على الصعيد العالمي. إن دخول أفريقيا الفتية إلى مرحلة جديدة واعدة، وتحوّلها إلى ميدان للتنافس بين القوى الكبرى، يجب ألا يجعلها تسمح بأن يكون هذا التنافس صفريًا، وإنما أن تفرض هذه القارة بمكانتها وإمكاناتها نفسَها قطبًا جاذبًا لمختلف المشاريع التنموية والاستثمارية، التي تنعكس على بلدان القارة استقرارًا سياسيًا، وتنمية اقتصادية، ونهضة شاملة، تطوي صفحة الصورة النمطية الدونية للقارّة القادمة من بعيد.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store