
صراع الدبيبة وخصومه يقلق طرابلس: تثبيت للتهدئة أم حسم عسكري؟
ومنذ الصدامات الأكثر دموية في قلب طرابلس، منتصف أيار / مايو الماضي، بين القوات الموالية لرئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، والميليشيات المناوئة له، وفي القلب منهم "جهاز الردع"، تتوافد على المدينة من كل حد وصوب حشود عسكرية تحمل كافة صنوف الأسلحة الثقيلة، فيما لم يترك الدبيبة فرصة إلا ولوّح بالعودة للصدام العسكري، متمسكاً بتسليم "الردع" مقره الرئيسي في مطار معيتيقة الدولي، ما طرح تساؤلات عن الأهمية الاستراتيجية للموقع ضمن لعبة التوازنات في المنطقة الغربية.
وأمام المخاوف العارمة من اشتعال الحرب مجدداً، حذرت الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي من التصعيد، ولوحت البعثة الأممية في بيان لها بعقوبات ضد من يشعل فتيل الصدام مجدداً، في وقت علمت "النهار" أن ضغوطاً من عواصم غربية نافذة على رأسها أنقرة تقف حائلاً حتى الآن أمام تحرك القوى الموالية للدبيبة ضد "الردع". وكشف مصدر ديبلوماسي أن وكيل وزارة الدفاع بحكومة الوحدة الوطنية عبدالسلام زوبي، فشل خلال زيارته تركيا، الخميس الماضي، في الحصول على دعمها رغم توقيعه مذكرة تعاون عسكري جديدة مع نظيره التركي بعد لقائه وزير الدفاع يشار غولر.
ومنذ إغلاق مطار طرابلس الدولي بسبب تعرضه لأضرار نتيجة الحرب الأهلية في عام 2014، بات مطار معيتيقة، الذي بناه الإيطاليون في عام 1923 خلال فترة احتلالهم لليبيا، هو المطار الدولي الوحيد الذي يخدم العاصمة الليبية.
ويضم المطار ميناء تجارياً، هو المسؤول عن حركة الواردات والصادرات، لكن المنفذ تحوم حوله الشبهات بشأن عمليات تهريب واسعة النطاق تجري من خلاله. كما يشمل قاعدة جوية كانت استخدمتها القوات الجوية الألمانية ومن بعدها الأميركية خلال الحرب العالمية الثانية، لكنّ قوات أجنبية تتمركز الآن داخلها، على رأسها تركية وإيطالية بالإضافة الى مستشارين أميركيين.
وقاعدة معيتيقة، أكثر من مجرد قاعدة عسكرية ومطار يمثل الشريان الجوي الوحيد في طرابلس، وفق المحلل السياسي الليبي إسلام الحاجي الذي يشير لـ"النهار" إلى "تموضعها في قلب العاصمة وبالقرب من مقرات مؤسسات سيادية كالمجلس الرئاسي ووزارة الداخلية والمؤسسة الوطنية للنفط. وتحوي منشآت عسكرية ضخمة تحت الأرض وغرف عمليات، وتمثل مركزاً أساسياً للرصد الجوي والتدخل السريع. كما يوجد بداخلها سجن مركزي هو الأكبر في ليبيا ويقبع فيه عدد كبير من القيادات الإرهابية والإجرامية"، لافتاً إلى أن معيتيقة تمثل "نقطة رئيسية لجهاز الردع وترمز إلى التوازن الأمني في العاصمة، وسيطرة الدبيبة عليها ستعني إعادة صياغة أمنية للسلطة"، مضيفاً: "لا يجب أن ننسى الوجود التركي داخلها منذ توقيع مذكرات التفاهم العسكري والأمني العام 2019. فالقاعدة تمثل لأنقرة نقطة حيوية على المستوى الإقليمي وأي مواجهة ستحدث ستُمثل إحراجاً لها".
وفي هذه الأثناء يعيش سكان طرابلس في "حالة من التوتر والاضطراب بسبب عدم الاستقرار. ويتوقعون بين لحظة وأخرى الدخول في أتون حرب في عمق مدينتهم المكتظة بالسكان، حتى أن البعض يفكر في الانتقال من المدينة لحين عودة الاستقرار"، وفق الحاجي. ورغم أنه يُرجح "صمود التهدئة على المدى القصير لأن الطرفين يتحاشيان إطلاق الشرارة الأولى للمواجهة المباشرة"، لكنه يحذر من أن الوضع "قابل للانفجار في أي لحظة مع أي حادث أمني بسيط".
ويوضح أن العاصمة الليبية تشهد تموضعات عسكرية متنافسة بين الكتائب المسلحة التابعة لحكومة الدبيبة وأغلبها تتبع مدينة مصراتة، و"جهاز الردع" بقيادة عبد الرؤوف كارة، الأكثر تنظيماً داخل طرابلس ولدية قوة لا يستهان بها، بعد تصفية "جهاز دعم الاستقرار"، في أيار الماضي، كما أنه يحتفظ بالسيطرة على مواقع حساسة على رأسها معيتيقة، وامتدادات أمنية في مناطق حيوية. ويسجل كذلك ارتفاع وتيرة التسليح والتحشيد العسكري المتبادل، هذه الأيام، لكن الدبيبة من جهة يخشى الدخول في مواجهة خسارتها قد تنعكس على مستقبل بقاء حكومته، كما يتحسب دخول "الجيش الوطني" على خط الصراع في حال سنحت له الظروف، وبالمثل "الردع" يخشى هو الآخر من احتمالات هزيمته وبالتالي القضاء على وجوده داخل العاصمة.
أما المستشار العسكري والاستراتيجي العميد عادل عبد الكافي فيؤكد على تمسك حكومة الوحدة الوطنية باستراتيجية تفكيك التشكيلات المسلحة والميليشيات لفرض سيطرتها على العاصمة، مشيراً إلى أن من ضمن هذه الاستراتيجية أن تكون جميع المنافذ البحرية والجوية تحت سيطرتها وأن تُدار من خلال أجهزتها، وكذلك استلام جميع المقرات الأمنية داخل العاصمة وإخراج جميع التشكيلات المسلحة وإعادة تموضعها داخل مقرات خارج طرابلس تحت سيطرة وزارتي الداخلية والدفاع.
لكن عبد الكافي يعول على "نجاح الوسطاء في تنفيذ الخطوة بسلام من دون حصول مواجهة". ويوضح لـ"النهار" أن المجلس الرئاسي أنشأ عدداً من اللجان المعنية بالوضع الأمني تعمل على مقترحات وهناك استجابة لترسيخ الاستقرار. كما يؤكد على دور تركيا في تجنب اشتعال الصراع لأن لديها مصالح وارتباطات تسعى للحفاظ عليها.
وإذ يعتبر المحلل السياسي الليبي حمد عز الدين أن هدف الحشود التي تصل إلى طرابلس من القوى الموالية للدبيبة إرسال رسائل إلى الخارج "كونه قادراً على حسم المعركة ليكون المسيطر الوحيد على المشهد في العاصمة الليبية"، يؤكد لـ"النهار" أن التحذيرات الدولية "تمنعه من تنفيذ عملية عسكرية للتخلص من الردع الذي يحظى بحاضنة شعبية ضخمة. هناك أطراف دولية خصوصاً تركيا وأميركا ترفض حصول خلل في توازنات القوى داخل العاصمة لمصلحة الدبيبة، ما يمنحه أوراق قوة خلال مفاوضات التسوية السياسية".
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


المنار
منذ 2 ساعات
- المنار
البرهان يهبط في الخرطوم بطائرة مدنية… وتعهد بعودتها 'عاصمة شامخة'
وصل ما يُسمى رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان إلى العاصمة الخرطوم على متن طائرة مدنية حيث تفقد مقرا لقيادة الجيش، في حين تعهد رئيس الوزراء كامل إدريس بإعادة إعمار المدينة وجعلها من جديد 'عاصمة قومية شامخة'، وفق ما نقلت عنه وكالة أنباء السودان الرسمية. وقال مجلس السيادة إن البرهان وصل أمس السبت إلى مطار الخرطوم على متن الطائرة الرئاسية، في أول رحلة بطائرة مدنية منذ اندلاع الحرب منتصف أبريل/نيسان عام 2023. وكان البرهان قد هبط في مطار الخرطوم في مارس/ آذار الماضي على متن مروحية عسكرية عقب بسط الجيش سيطرته على الخرطوم. وقد تفقد البرهان فور وصوله إلى مقر القيادة العامة للجيش المجاور لمطار الخرطوم الدولي. وكان في استقبال البرهان رئيس هيئة الأركان، الفريق أول ركن محمد عثمان الحسين، وعدد من كبار قادة الجيش. واطّلع البرهان خلال الزيارة على إيجاز أمني حول تطورات الأوضاع في البلاد، وجهود القوات المسلحة ضمن ما وصفه بـ'حرب الكرامة الوطنية'. في السياق ذاته، تعهّد رئيس الوزراء السوداني كامل إدريس أمس السبت بإعادة إعمار الخرطوم خلال أول زيارة له منذ توليه منصبه في مايو/أيار للعاصمة التي دمرتها الحرب المستمرة منذ أكثر من عامين. وفي جولة تفقدية، شملت مطار المدينة المدمر وجسورها ومحطات مياه، عرض رئيس الوزراء الجديد مشاريع الإصلاح الشاملة تحسبا لعودة البعض على الأقل من ملايين السكان الذين فروا من العنف. ومنذ منتصف أبريل/نيسان 2023، يشهد السودان حربا دموية بين الجيش بقيادة البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو الملقب حميدتي، مما أدى إلى مقتل آلاف الأشخاص وتهجير الملايين من السكان. وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى مقتل أعداد كبيرة من الناس في الخرطوم التي كانت تعج بالحركة قبل أن يفر منها 3.5 ملايين من سكانها. وبحسب مكتب الإعلام بولاية الخرطوم، فقد زار كامل إدريس السبت مقر قيادة الجيش ومطار المدينة، وهما رمزان وطنيان عززت استعادتهما مع القصر الرئاسي في وقت سابق من هذا العام انتصار الجيش في العاصمة. لكن من المتوقع أن تكون إعادة إعمار السودان مهمة صعبة، إذ تقدّر الحكومة تكلفتها بنحو 700 مليار دولار، نصفها ينبغي توجيهه للخرطوم وحدها. وكانت الحكومة السودانية انتقلت إلى بورتسودان على البحر الأحمر في وقت مبكر من الحرب ولا تزال تعمل من هناك، لكنها تعمل حاليا على العودة إلى الخرطوم حتى مع استمرار القتال في أجزاء أخرى من البلاد. وانطلقت السلطات في عملياتها في العاصمة لدفن الجثث بشكل لائق، وإزالة آلاف الذخائر غير المنفجرة، واستئناف الخدمات الإدارية. وفي زيارة لمصفاة الجيلي في شمال الخرطوم، وهي أكبر مصفاة للنفط في السودان، وعد إدريس بأن 'المنشآت القومية سوف ترجع أحسن مما كانت عليه'. وتمت استعادة المصفاة المدمرة في يناير/كانون الثاني الماضي. وكانت هذه المصفاة تعالج في السابق 100 ألف برميل يوميا، ومن المتوقع أن تستغرق إعادة تأهيلها سنوات وأن تكلف ما لا يقل عن 1.3 مليار دولار، بحسب ما أفاد مسؤولون لوكالة الصحافة الفرنسية. في الأثناء، لا تظهر أي مؤشرات على تراجع القتال في جنوب كردفان وإقليم دارفور في غرب السودان، حيث تتهم قوات الدعم السريع بقتل المئات في الأيام الأخيرة في محاولات لتوسيع مناطق سيطرتها. المصدر: الوكالة الفرنسية


المنار
منذ 2 ساعات
- المنار
البرهان يهبط في الخرطوم بطائرة مدنية… وتعهد بعودتها 'عاصمة شامخة'
وصل ما يُسمى رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان إلى العاصمة الخرطوم على متن طائرة مدنية حيث تفقد مقرا لقيادة الجيش، في حين تعهد رئيس الوزراء كامل إدريس بإعادة إعمار المدينة وجعلها من جديد 'عاصمة قومية شامخة'، وفق ما نقلت عنه وكالة أنباء السودان الرسمية. وقال مجلس السيادة إن البرهان وصل أمس السبت إلى مطار الخرطوم على متن الطائرة الرئاسية، في أول رحلة بطائرة مدنية منذ اندلاع الحرب منتصف أبريل/نيسان عام 2023. وكان البرهان قد هبط في مطار الخرطوم في مارس/ آذار الماضي على متن مروحية عسكرية عقب بسط الجيش سيطرته على الخرطوم. وقد تفقد البرهان فور وصوله إلى مقر القيادة العامة للجيش المجاور لمطار الخرطوم الدولي. وكان في استقبال البرهان رئيس هيئة الأركان، الفريق أول ركن محمد عثمان الحسين، وعدد من كبار قادة الجيش. واطّلع البرهان خلال الزيارة على إيجاز أمني حول تطورات الأوضاع في البلاد، وجهود القوات المسلحة ضمن ما وصفه بـ'حرب الكرامة الوطنية'. في السياق ذاته، تعهّد رئيس الوزراء السوداني كامل إدريس أمس السبت بإعادة إعمار الخرطوم خلال أول زيارة له منذ توليه منصبه في مايو/أيار للعاصمة التي دمرتها الحرب المستمرة منذ أكثر من عامين. وفي جولة تفقدية، شملت مطار المدينة المدمر وجسورها ومحطات مياه، عرض رئيس الوزراء الجديد مشاريع الإصلاح الشاملة تحسبا لعودة البعض على الأقل من ملايين السكان الذين فروا من العنف. ومنذ منتصف أبريل/نيسان 2023، يشهد السودان حربا دموية بين الجيش بقيادة البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو الملقب حميدتي، مما أدى إلى مقتل آلاف الأشخاص وتهجير الملايين من السكان. وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى مقتل أعداد كبيرة من الناس في الخرطوم التي كانت تعج بالحركة قبل أن يفر منها 3.5 ملايين من سكانها. وبحسب مكتب الإعلام بولاية الخرطوم، فقد زار كامل إدريس السبت مقر قيادة الجيش ومطار المدينة، وهما رمزان وطنيان عززت استعادتهما مع القصر الرئاسي في وقت سابق من هذا العام انتصار الجيش في العاصمة. لكن من المتوقع أن تكون إعادة إعمار السودان مهمة صعبة، إذ تقدّر الحكومة تكلفتها بنحو 700 مليار دولار، نصفها ينبغي توجيهه للخرطوم وحدها. وكانت الحكومة السودانية انتقلت إلى بورتسودان على البحر الأحمر في وقت مبكر من الحرب ولا تزال تعمل من هناك، لكنها تعمل حاليا على العودة إلى الخرطوم حتى مع استمرار القتال في أجزاء أخرى من البلاد. وانطلقت السلطات في عملياتها في العاصمة لدفن الجثث بشكل لائق، وإزالة آلاف الذخائر غير المنفجرة، واستئناف الخدمات الإدارية. وفي زيارة لمصفاة الجيلي في شمال الخرطوم، وهي أكبر مصفاة للنفط في السودان، وعد إدريس بأن 'المنشآت القومية سوف ترجع أحسن مما كانت عليه'. وتمت استعادة المصفاة المدمرة في يناير/كانون الثاني الماضي. وكانت هذه المصفاة تعالج في السابق 100 ألف برميل يوميا، ومن المتوقع أن تستغرق إعادة تأهيلها سنوات وأن تكلف ما لا يقل عن 1.3 مليار دولار، بحسب ما أفاد مسؤولون لوكالة الصحافة الفرنسية. في الأثناء، لا تظهر أي مؤشرات على تراجع القتال في جنوب كردفان وإقليم دارفور في غرب السودان، حيث تتهم قوات الدعم السريع بقتل المئات في الأيام الأخيرة في محاولات لتوسيع مناطق سيطرتها. المصدر: الوكالة الفرنسية

المركزية
منذ 2 ساعات
- المركزية
المؤتمر السياسي والوطني للقاء نهضة لبنان: لوضع القرارات الدوليّة تحت الفصل السابع
عُقد يوم السبت، 19 تموز 2025، مؤتمر سياسي وطني في فندق 'لو رويّال' – ضبيه، بدعوة من 'لقاء نهضة لبنان'، ممثّلًا بكلّ من ألفراد الماضي (رئيس حركة الخيار الآخر)، حسان القطب (مدير المركز اللبناني للبحوث والاستشارات)، وجاد الأخوي (رئيس ائتلاف الديمقراطيين اللبنانيين).حضر المؤتمر المطران الياس نصّار ممثّلًا البطريرك الماروني الكاردينال بشاره الراعي، والمطران بولس مطران ممثّلًا مطران بيروت للروم الأرثوذكس الياس عودة، والشيخ راشد خالد ربيع من دار الفتوى في صيدا، والشيخ إياد عبدالله. كما شارك جمع من الشخصيّات الروحيّة والزمنيّة، وناشطين سياسيين من خارج المنظومة الحاكمة، إضافة إلى إعلاميين مستقلّين. جاء اللقاء في ظلّ التدهور المتسارع الذي يشهده لبنان نتيجة هيمنة حزب الله المسلّح، واستمرار المنظومة الفاسدة في الإمساك بالسلطة، ما أفقد الدولة سيادتها، وعرقل أي مسعى لتجديد الحياة السياسية ومواكبة التحوّلات الإقليمية. وقد تضمّن المؤتمر تلاوة بيان (مرفق) حَدّد الأهداف والمبادئ الأساسية للقاء، وعلى رأسها الدعوة إلى وضع القرارات الدوليّة الخاصة بلبنان تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، بإشراف مباشر من مجلس الأمن الدولي، كخيار إنقاذي في ظلّ عجز الدولة عن التحرّك. وأكّد اللقاء أنّه، في حال استمرّ تقاعس الدولة، سيسعى بشتّى الوسائل إلى تحقيق هذا الهدف حفاظًا على ما تبقّى من كيان الدولة وكرامة الشعب. ناقش المشاركون البيان بإسهاب، بمشاركة أكثر من ثلاثين حركة وجمعية. وتمّ الاتفاق على تشكيل لجان متابعة، والتأكيد على ضرورة التكاتف لتحقيق الأهداف الوطنية الملحّة التي لم يعد بالإمكان تأجيلها. نص البيان: أصحابُ السيادةِ والسماحةِ مُمثّلو المرجعيّاتِ الروحيّةِ المُحترمينَ، الأخواتُ والأخوةُ المؤمنونَ بلبنانَ. لبنانُ الذي لطالما تغنّينا به منارةً للشرق، وواحةً للحريّات، يُقادُ اليومَ نحوَ المجهول. وطنُ الحرفِ يُمنَعُ فيه الكلام، ووطنُ الفنِّ صارَ مرتعًا للفوضى، ووطنُ السيادةِ باتَ حقلًا مفتوحًا للميليشياتِ والدويلاتِ والسلاحِ غيرِ الشرعيِّ لبنان؛ الذي خرجَ منه الانحطاطُ نهضةً للشرق، يَستردُّ اليومَ النهضةَ انحطاطًا، بعدما مسحَ الغبارَ عن وجهِ الشرق. تحالُفُ المنظومةِ الفاسدة المُمسِكةِ بالسلطةِ وتَرْسَانةِ حزبِ اللهِ الخارجةِ على الدولة، لم يَعُدْ خافيًا على أحد: المنظومة تمنحُ الترسانةَ شرعيّةً، والترسانةُ بدورِها تحمي المنظومة. في الحربِ الأخيرةِ، انكشفَ الوجهُ المبطّنُ لهذا التحالف. حزبُ اللهِ يتفرّدُ بقرارِ دخولِ الحرب، ويزجُّ البلادَ في آتونِ الجحيمِ، ما خلّفَ مليونًا ونصفَ نازحٍ، وآلافَ الضحايا، فيما الدولةُ اكتفتْ بالتفرّجِ، وبالصمتِ، متغاضيةً عمّا يتعرّضُ له شعبُها، سواءٌ من تورّطِ حزبِ اللهِ بالنزاعاتِ الإقليميّةِ، أو من ردودِ إسرائيلَ العنيفةِ عليه. والأسوأُ؟ أن يُرغمَ الشعبُ على الولاءِ الأعمى لمعادلاتٍ قهريّةٍ لا تمتُّ إلى لبنانيّتهِ بصلةٍ، فإنِ اعترضَ، اتُّهِمَ بالخيانةِ إنّهُ زمنُ الفاسدينَ المُحصّنينَ، والحرّاسِ المُعتقلينَ، وزمنُ الشعوبِ الصامتةِ الخائفةِ. نُمنّى بأن يُحتكَرَ السلاحُ بيدِ الدولة… لكنْ ما نَشهدْ هو أنّ السلاحَ يَحكِرُ بالداخلِ اللبنانيّ ويُحيّدُ إسرائيلَ المُفترَضَة عدوّةَ الدولةِ. نُمنّى بأن يكونَ لبنانُ حياديًّا… وإذا به يُزَجُّ في أعمقِ الصراعاتِ الإقليميّةِ، وهو العاجز! قيلَ لنا زمنُ المحاسبةِ آتٍ… فازدادتِ الحصاناتُ وتوسّعتِ المافياتُ. قيلَ لنا: دولة، قضاء، سيادة… فرحنا. ولمّا جَرّبْنا، حَزِنّا. ما وصلْنا إليه في لبنانَ ليسَ قَدَرًا، بل نتيجةُ السكوتِ، والإحجامِ عن المواجهةِ، والرهانِ على وهمِ التغييرِ من داخلِ منظومةٍ لا تعرفُ سوى الخرابِ. يقفُ لبنانُ اليومَ بينَ مشروعَيْنِ: الأوّلُ: احتضانٌ عربيٌّ ودوليٌّ غيرُ مسبوق، لفكِّ ارتباطِ لبنانَ بمحورٍ شِعارُهُ 'الموتُ والفداءُ بالدمِ والروحِ'، لا يُتقنُ سوى لغةِ العنفِ، ولا يُورِثُ سوى العزلةِ والانهيارِ. الثاني: نهجٌ واضحٌ للهيمنةِ على لبنانَ بالكاملِ عبرَ تدميرِ المؤسّسات، شَلِّ القضاء، تعميمِ الفوضى، التسلُّحِ غيرِ الشرعيِّ، التهريبِ عبرَ الحدودِ، وتفكيكِ كلِّ ما يربطُ لبنانَ بالعالمِ الحرِّ. ما لمْ نَقِفْ الآنَ، بكلِّ ما تبقّى من شجاعةٍ، فلُبنانَ لن يكونَ سوى سطرٍ ماضٍ بين دولٍ زالتْ، وشعوبٍ طُمِسَتْ. لذا. واستدراكًا. بادرَ 'لقاءُ نهضةِ لبنانَ'، ولو بإمكاناتٍ ضئيلةٍ لا تتجاوزُ العزيمةَ… في زمنِ الخيانةِ. الإيمانَ… في زمنِ التخاذلِ. والحقّ الواضح… في زمنِ تزييفِ الحقائقِ. سوفَ نحدّدُ اليومَ عناوينَ نهضتِنا، ونضعَ خُطّةً أوليّةً واقعيّةً أمامَ من يشاركونَنا المركبَ نفسَه، للتعاضُدِ معنا في تحمُّلِ المسؤوليّةِ وتحقيقِ الأهدافِ. وفي هذا السياقِ، نُعلِنُ ما نؤمنُ بأنَّهُ الطريقُ الأصوبُ إلى خلاصٍ فعليٍّ للبنان، وبدايةٌ جادّةٌ لمسارِ التغييرِ الشاملِ: ١. لا سلاحَ خارجَ الشرعيّة؛ لبنانيًّا كانَ أم غيرَ لبنانيّ. هذا فعلُ إيمانٍ سياديٍّ لا يُقايَضُ على موائدِ الحوار، ولا يُبرَّرُ بقرارٍ أُمَميٍّ من هنا أو اتفاقيّةِ 'استسلامٍ' من هناك. ٢. الكشفُ عن مضمونِ اتّفاقِ وقفِ إطلاقِ النارِ بتاريخِ ٢٧/١١/٢٠٢٤، منعًا لأيِّ تأويلٍ أو استخدامٍ انتقائيٍّ لمضامينِه بما يخدمُ مصالحَ فئويّةً. بكلمةٍ فاصلةٍ: لا نُريدُ تكرارَ جريمةِ اتفاقِ القاهرة! ٣. إقرارُ حيادِ لبنانَ الكامل، حمايةً له من صراعِ الأطماع. وبانتظارِ ذلك، يلتزمُ لبنانُ باتفاقيّةِ الهدنةِ المُوقَّعةِ مع إسرائيلَ عامَ ١٩٤٩، تداركًا لتصاعدِ العنفِ بين الدولتَينِ. ٤. الفصلُ التامُّ بين السلطاتِ الثلاثِ، مع التأكيدِ على المساواةِ بين جميعِ اللبنانيينَ تحتَ سقفِ القانونِ، وضرورةِ حصرِ صلاحيّاتِ المحكمةِ العسكريّةِ بالإطارِ العسكريِّ. ٥. كسرُ قبضةِ التحزّباتِ على آليّةِ صُنْعِ القرارِ في لبنان، وإطلاقُ يدِ السلطاتِ الدستوريّةِ المستمدّةِ من الشعبِ في إدارةِ شؤونِ البلاد. ٦. محاسبةُ كلِّ من شاركَ في الفسادِ والسرقةِ، وتسبّبَ بانهيارِ الوضعِ اللبنانيّ، وفي مُقدَّمِهم قياداتُ حزبِ اللهِ العسكريّةُ وسياسيّوه. ٧. معالجةُ كارثةِ النزوحِ الداخليِّ الناتجةِ عن حربِ المحاورِ على أرضِ لبنان، والسعيُ لإعادةِ أهلِنا إلى قراهم قبلَ أيِّ حديثٍ عن استجداءِ الخارج باسمِ مآسيهِم. ٨. تفعيلُ دورِ المغتربينَ كقوّةِ دعمٍ استراتيجيّةٍ لاستقرارِ لبنان، قبلَ الاتّكالِ عليهم لتحريكِ عجلةٍ اقتصاديّةٍ ريعيّةٍ كبّلتْها، وتكبّلُها، السرقاتُ. ٩. حقُّ المخفيّينَ قسرًا في التحرّرِ وإلّا كشفِ مصيرِهم. ونسألُ هنا: لماذا اختُصرَ عددُهم من ١٧,٤١٥ إلى بضعِ مئاتٍ؟ وأين اختفتِ البياناتُ الخاصّةُ بهم عن شبكةِ الإنترنتِ العالميّة!!!؟؟ ١٠. بناءُ قضاءٍ يُسرّعُ 'إحقاقَ الحقِّ' للمُبعَدينَ قسرًا عن وطنِهم، وللملاحقينَ قانونيًّا بسببِ جرأتِهم ومواقفِهم السياسيّةِ. ١١. تثبيتُ حقوقِ المودعينَ كمقدّمةٍ لاستعادةِ الثقةِ بالقطاعِ المصرفيّ، على أن تتحمّلَ المصارفُ مسؤوليّتَها كاملةً عن طيلةِ الفترةِ التي مَنَعَتْ خلالها عن المودعينَ أموالَهم، والتعويضَ عليهم بالفوائدِ والرسومِ نفسِها التي كانتْ تُكبِّدُها للمدِينينَ حينَ يتأخّرونَ عن تسديدِ سنداتِهم. ١٢. استعادةُ الأموالِ المنهوبةِ والأملاكِ العامّةِ المُغتَصَبةِ من قِبَلِ الميليشياتِ وأمراءِ الفسادِ، عبرَ القضاءَيْنِ المحليِّ والدوليِّ، أولويةٌ لا تحتملُ المساومةَ. فحجمُ النهبِ المباشرِ والخسائرِ غيرِ المباشرةِ الناتجةِ عنهُ يتجاوزُ التريليونَ ومئتي مليارِ دولارٍ أميركيّ، بحسبِ دراسةٍ للمهندسِ فادي خوري استندتْ إلى أكثرَ من خمسينَ مرجعًا محلّيًّا ودوليًّا، ونشرتْها صحيفةُ 'لوريان لوجور' بتاريخِ ٥ آذارَ ٢٠٢٥. فَتَصَوّروا حجمَ النهضةِ التي يمكنُ أن يشهدَها لبنان، لو استُعيدَ فقط نصفُ هذه الأموالِ مع فوائدِها المتراكمةِ على مدى ثلاثينَ عامًا! إذا تأمّلْنا هذه العناوينَ، يتبيّنْ لنا أنّ لبنانَ لم يَعُدْ يُشبِهُ تاريخَهُ ولا طبيعتَه. لذلك، يدعو 'لقاءُ نهضةِ لبنانَ' جميعَ الأحرارِ للانضمامِ إلى مسارِه، من أجلِ توحيدِ الجهودِ والانطلاقِ بالخطواتِ التالية: أ. لن يخوضَ 'لقاءُ نهضةِ لبنانَ' في أيِّ نقاشٍ حولَ شكلِ النظامِ أو طبيعةِ الحكمِ قبلَ تحريرِ الدولةِ من هيمنةِ حزبِ اللهِ وسلاحِه، إذ لا معنى لأيِّ إصلاحٍ سياسيٍّ قبلَ استعادةِ السيادة. ب. تفعيلُ الضغطِ عبرَ اللوبي اللبنانيِّ لدفعِ المجتمعَيْنِ العربيِّ والدوليِّ إلى الانفتاحِ على النُّخَبِ المستقلّةِ، وتثبيتِ قناعةٍ بأنّ خلاصَ لبنانَ لن يتحقّقَ عبرَ الفاسدينَ الذينَ نَهبوهُ، بلْ عبرَ قوى حرّةٍ تُعبّرُ عن إرادةِ اللبنانيينَ لا عن رغباتِ المُحتلّ. التخلّصُ من ثلاثِ احتلالاتٍ تتقاسمُ السيطرةَ على لبنانَ: تحالفُ حزبِ اللهِ والمنظومة، الذي أمعنَ لثلاثةِ عقودٍ في قمعِ الحريّات، وتدميرِ الأمان، وخنقِ كلِّ أملٍ بالتغييرِ. منظومةٌ سياسيّةٌ تسعى لتعويمِ نفسِها في ظلِّ التحوّلاتِ الإقليميّة. وهنا لا بُدَّ من إسقاطِ القانونِ الانتخابيِّ الذي يُشكّلُ أداةً فاعلةً بيدِ هذه المنظومةِ لإعادةِ إنتاجِ نفسِها، خصوصًا إذا أُجريتِ الانتخاباتُ مجدّدًا في ظلِّ أيِّ احتلال، أيًّا كانَ شكلُه أو مصدرُه. إعلامٌ مأجورٌ يُروّجُ التزوير، ويُشوّهُ وعيَ الناسِ، ويُحبِطُهم. وتحيّةٌ للإعلاميينَ الأحرارِ الصامدينَ دفاعًا عن الحقيقةِ وحرّيّةِ الكلمة. بعدَ هذا العرضِ لِما تعرّضَتْ له الدولةُ والشعبُ اللبنانيُّ من احتلالٍ وذُلٍّ على يدِ الحزبِ والمنظومةِ الفاسدة، وبعدما ثَبَتَ عجزُ الداخلِ عن رفعِ نِيرِ الاحتلالات، واستمرارِ المنظومةِ في خَنْقِ أيِّ محاولةٍ لتوليدِ قياداتٍ جديدة، باتَ على الدولةِ واجبُ وضعِ لبنانَ تحتَ الفصلِ السابعِ بإشرافِ الأممِ المتّحدة، وإلّا سوفَ نعملُ جميعًا من أجلِ الوصولِ إلى هذا الهدف. فلتكنْ وقفتُكم معنا أقوى من الخوفِ، وأصدقَ من الشعارات. لبنانُ يستحقُّ. وأنتم لا تزالونَ قادرينَ.