
تحليل: في اشتوكة أيت باها، هل يصمد طموح 'الجيل الأخضر' أمام 'الواقع الأحمر' في معركة الماء التي ترهن مصير سلة المغرب ورئة أوروبا الغذائية؟
لفهم حجم الرهان، يجب العودة بالذاكرة. قبل نحو نصف قرن من الزمن، كانت هذه السهول مجرد أراض شبه قاحلة. لكن عزيمة فلاحي المنطقة، الذين ورثوا الصلابة عن أجدادهم، حولتها إلى قصة نجاح عالمية. اليوم، على مساحة تقارب 12,000 هكتار من الزراعات المغطاة، قامت منظومة إنتاجية متكاملة (un écosystème agro-industriel intégré).
هذه المنظومة هي التي تضخ أكثر من 90% من إجمالي صادرات المغرب من الطماطم وقرابة 85% من الإنتاج الوطني. في عام 2024، عزز المغرب مكانته كثاني أكبر مورد للطماطم للسوق الأوروبية. هذا النجاح، الذي يساهم بنسبة تناهز 18.4% من الناتج الداخلي الخام الجهوي (PIB régional) ويوفر ما بين 70,000 و100,000 منصب شغل، غالبيته من النساء العاملات اللواتي يشكلن العمود الفقري لهذا القطاع، أصبح اليوم يقف على أرض هشة، مهددة بنضوب شريان حياتها.
يكمن جوهر الأزمة في حقيقة لاتخفيها مشهدية سهل الإقليم: الآبار قد تجف. الأرقام الرسمية تؤكد هذا الإحساس اليومي. حوض سوس المائي يعيش تحت وطأة عجز بنيوي مزمن (un déficit hydrique structurel) يتجاوز 600 مليون متر مكعب سنوياً. هذا ليس مجرد رقم، بل هو دين قد يتم سداده من رصيد الأجيال القادمة: المياه الجوفية الاستراتيجية (les nappes phréatiques stratégiques). هذا الاستنزاف يؤدي إلى تراجع منسوب المياه بمعدل يتراوح بين متر وثلاثة أمتار كل عام، وزيادة ملوحة ما تبقى منها، ما قد يحول الأراضي الخصبة تدريجياً إلى أراضٍ مالحة. فكيف يمكن المرور للسرعة الثانية حتى لا يتحول الحلم الأخضر إلى كابوس يهدد الأرض التي احتضنت الأجداد؟..
ماء المحيط: شريان حياة الجديد..
أمام هذا الواقع، جاء الحل من المحيط الأطلسي عبر محطة تحلية مياه البحر، المشروع العملاق الذي كلف 4.41 مليار درهم في إطار شراكة بين القطاعين العام والخاص. بقدرة إنتاجية تصل إلى 275,000 متر مكعب يومياً، يُخصص منها 125,000 متر مكعب لري 15,000 هكتار. هذه المحطة هي بمثابة شريان حياة جديد، لكنه شريان له ثمن.
فسعر المتر المكعب الواحد، والمحدد في نحو 5.5 دراهم، ليس مجرد تكلفة، بل هو معيار اقتصادي جديد يشي بتغيير وجه الفلاحة في الإقليم. إنه يحول الماء من حق ومورد طبيعي إلى سلعة مُصنّعة لها تكلفتها (une marchandise manufacturée)، كما لها قوانينها الصارمة التي لا ترحم.
هنا يكمن جوهر المفارقة المحلية. تكلفة 5.5 دراهم للمتر المكعب قد تكون مستدامة للمستثمرين الكبار في الزراعات ذات القيمة المضافة الفائقة (les cultures à très haute valeur ajoutée)، كالتوت الأزرق الذي يتجاوز مردوده 400,000 درهم للهكتار. هؤلاء هم الفئة القادرة مالياً على التكيف مع القواعد الجديدة.
لكن بالنسبة للفلاح الصغير والمتوسط، ابن المنطقة الذي يزرع أرضه ليوفر قوت يومه ويزود السوق المحلية بالخضروات الأساسية، فإن هذه التكلفة تلتهم هامش ربحه (sa marge bénéficiaire) وقد تدفعه نحو الإفلاس. هؤلاء هم الفئة الأقل قدرة.
فالحل التكنولوجي يخلق 'فلاحة بسرعتين' (une agriculture à deux vitesses)، وقد لايصمد معه النسيج الاجتماعي القائم على التضامن والتعاون، ليحل محله منطق 'البقاء للأصلح مالياً'. هذا الوضع يطرح سؤالاً أعمق: هل سيتحول فلاح اشتوكة الأصيل إلى مجرد أجير في أرضه؟
يزداد الأمر تعقيداً حين ندرك أن عملية التحلية الشرهة للطاقة (un processus énergivore) قد تربط مصير الفلاح المحلي بالأسواق العالمية للطاقة. فكل تقلب في أسعار النفط والغاز يؤثر مباشرة على سعر الكهرباء، وبالتالي على فاتورة الماء، حين يصبح فلاح أيت عميرة أو بلفاع يتابع أخبار الطاقة العالمية ليس من باب الفضول، بل لأنها تحدد قدرته على ري حقله. هذا الارتباط يضعف القدرة التنافسية (la compétitivité) ويضيف طبقة من المخاطرة على قطاع يعاني أصلاً من تقلبات المناخ والأسواق.
مستقبل اشتوكة أيت باها، قلب المغرب الفلاحي، لم يعد مجرد قضية اقتصادية، بل هو سؤال هوية ومصير. المعركة الحقيقية ليست لإنتاج المزيد من الأطنان للتصدير، بل للحفاظ على الأرض وعلى كرامة من يخدمها. النجاح لن يقاس فقط بتدفق اليورو، بل بالقدرة على إيجاد نموذج يوازن بين الضرورة البيئية، والجدوى الاقتصادية (la viabilité économique)، والعدالة الاجتماعية (l'équité sociale). التحدي الأكبر هو أن يظل 'بستان المغرب' ملكاً لكل أبنائه، وحتى لا يتحول إلى حديقة حصرية لمن يستطيع دفع الثمن الأغلى لقطرة ماء.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


المغربية المستقلة
منذ ساعة واحدة
- المغربية المستقلة
منظمة حقوقية مستقلة ترد على الحملة البائسة والمغرضة التي تقودها بعض الصفحات الفيسبوكية المشبوهة، وذلك بهدف إرضاء بعض الأفراد المحسوبين على أقلية من المستخدمين
المغربية المستقلة : المحمدية في : 2025.07.19 لا للتشويش على إدارة شركة إيكيا المغرب – عين حرودة / المحمدية تابعت الأمانة العامة للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان ومحاربة الفساد، ببالغ القلق، الحملة البائسة والمغرضة التي تقودها بعض الصفحات الفيسبوكية المشبوهة، والتي روجت لمجموعة من المغالطات والمعلومات المضللة بهدف التشويش على الرأي العام وعرقلة سير عمل الشركة. وذلك لإرضاء بعض الأفراد المحسوبين على أقلية غير نزيهة من المستخدمين. وبعد إجراء مجموعة من التحريات، تبين لنا أن إدارة الشركة تلتزم بجميع القوانين الوطنية المعمول بها، وتوفر بيئة عمل قانونية وصحية لجميع العاملين، كما تساهم في تقليص البطالة من خلال توفير فرص الشغل لعدد كبير من المواطنين، يقدر بـ 800 مستخدم ومستخدمة من مختلف الأطر، يشتغلون داخل الشركة بمختلف فروعها مباشرة،إضافة إلى 600 آخرين يشتغلون بشكل غير مباشر، ليبلغ مجموع العمال والأطر حوالي 1400 مواطن ومواطنة. *وفي هذا السياق، تفاجأت الأمانة العامة للمنظمة بحجم الامتيازات التي تمنحها الشركة لفائدة الأطر والعمال،* بناء على مذكرات داخلية، وهي امتيازات تستحق الإشادة والتنويه، ونورد فيما يلي بعضا منها وبكل صدق وأمانة: 1. زيادة في الأجور: 1000 درهم شهريا لجميع العاملين، بأثر رجعي ابتداء من يناير 2024. 2. إجازة الأمومة: يحق لجميع الموظفات الحصول على إجازة أمومة لمدة 120 يوما. 3. إجازة الأبوة: يحق لجميع الموظفين، الذين أكملوا المدة القانونية من الخدمة، الحصول على إجازة أبوة مدفوعة الأجر لمدة 30 يوما. 4. مطعم داخلي: يقدم وجبات الإفطار، الغداء، والعشاء بالمجان لفائدة جميع العمال. 5. وسائل نقل مجانية: لنقل العمال من مقر سكناهم إلى مقر الشركة. 6. مساعدة مادية: تقدم لفائدة آباء العمال في حالة المرض. 7. تأمين صحي شامل: بنسبة 100%. 8. الاحترام التام لساعات العمل القانونية لجميع الفئات. 9. امتيازات إضافية متنوعة لفائدة العاملين بمختلف رتبهم، تحسب للشركة ضمن جهودها في تحسين ظروف العمل. وقد أفاد عدد من العاملين، في تصريحاتهم للمنظمة، بأنهم يتمتعون بكافة حقوقهم، وأن الإدارة تقدم دعما ماديا مستمرا في مختلف المناسبات، مع حرص دائم على التواصل، والتزام بالشفافية في التعامل. وإننا، كمنظمة حقوقية مستقلة، نحترم حقوق الجميع وندافع عنها بدون تمييز، نؤكد رفضنا القاطع لمثل هذه التصرفات التي تهدف إلى تشويه السمعة، وندعو إلى وقف كل المحاولات الرامية إلى زعزعة استقرار هذه الشركة المواطنة. كما نؤكد أننا سنتخذ الإجراءات القانونية اللازمة ضد كل من يسعى للمساس بحقوق العاملين أو باستقرار الشركة. وبهذه المناسبة، نعبر عن شكرنا وتقديرنا للمسؤولين في شركة إيكيا المغرب عين حرودة المحمدية على مساهمتهم الفعالة في تقليص البطالة وتوفير مناصب شغل لأبناء الوطن، نساء و رجالا. ونشير إلى الدور الكبير الذي قامت به الشركة خلال الزلزال الأخير الذي ضرب منطقة الحوز وتارودانت، حيث تم إرسال فريق خاص إلى عين المكان، وتم تخصيص مطاعم لتقديم وجبات الإفطار والغداء والعشاء بالمجان طيلة فترة الإغاثة، كما صرفت مبالغ مالية كبيرة تقدر، حسب مصادرنا، بـأكثر من 600 مليون سنتيم، وقد سجلت هذه المبادرة في سجل التاريخ الوطني بكل فخر واعتزاز، لكونها تجسد روح المواطنة وتلبية نداء الوطن. أما فيما يخص القفف الرمضانية لفائدة الأسر المعوزة، فإنها توزع بشكل سنوي وبأعداد كبيرة، في إطار التزام الشركة الدائم بالمسؤولية الاجتماعية. وعليه، فإن الأمانة العامة للمنظمة لن تتردد في الرد بقوة القانون على كل جهة تحاول الإضرار بهذا المشروع الهام أو تهديد استقرار اليد العاملة. كما نقدم اعتذارنا لشركة إيكيا المغرب عن عدم ذكر كافة الامتيازات المقدمة لفائدة العمال والأسر المعوزة، نظرا لكثرتها، ونتمنى استمرارها على هذا النهج المتميز. إمضاء: نبيل وزاع الأمين العام للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان ومحاربة الفساد.


الجريدة 24
منذ 7 ساعات
- الجريدة 24
مشاريع مونديال 2030.. هل ستُثقل كاهل ميزانية الدولة أم ستفتح آفاق التنمية؟
أكد الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، فوزي لقجع، يوم أمس الجمعة بالرباط، أن مشاريع البنيات التحتية والاستثمارات وأشغال البناء، التي تم إطلاقها في إطار تنظيم كأس أمم إفريقيا 2025، تندرج في إطار إستراتيجية قائمة على مبدأ الاستمرارية بغية الإعداد بشكل ناجع ومستدام لاحتضان كأس العالم 2030. وأوضح لقجع، خلال ندوة وزارية نظمت بالمدرسة الوطنية العليا للإدارة، تحت عنوان 'كأس العالم 2030.. رهانات مالية ومؤسساتية وإستراتيجية'، أن 'البنيات التحتية والاستثمارات وأشغال البناء المرتبطة بكأس أمم إفريقيا 2025 تندرج ضمن مقاربة منسجمة وتدريجية للإعداد لمونديال 2030، بما يضمن إرثا مستداما وتنمية مثلى للمجالات الرياضية والاقتصادية والترابية للمغرب'. وأشار إلى أن استثمارا يناهز 150 مليار درهم جار في القطاعات المعنية، بما يشمل إحداث محطة لمعالجة الماء الصالح للشرب بسعة 2 مليار متر مكعب، موجهة لتلبية الاحتياجات الصناعية والمنزلية. وفي هذا السياق، أبرز لقجع أن تمويل البنيات التحتية المتصلة بالنقل يرتكز على شراكات بين القطاعين العام والخاص، مدعومة بدعم سنوي من الدولة يقارب 1,6 مليار درهم إلى غاية سنة 2030، مما يضمن استمرارية المشاريع واستدامتها المالية. وذكر بأن التنقل بين المدن المستضيفة يظل رهانا محوريا، موضحا أن 'تطوير الخط فائق السرعة والخطوط الجهوية السريعة قد انطلق فعليا، خصوصا لربط الدار البيضاء والرباط وطنجة، وكذا الأقاليم الجنوبية، بهدف تعزيز الاندماج الترابي والاقتصادي للمملكة. وفي ما يخص الترتيبات المالية، شدد السيد لقجع على أنه تم تصميمها بطريقة لا تثقل كاهل الميزانية العامة للدولة. وأضاف أن 'تصورا مبتكرا للتمويل والاستغلال، بشراكة مع صندوق الإيداع والتدبير والشركة الوطنية لإنجاز وتدبير المنشآت الرياضية، يتيح استرداد التكاليف على مدى 20 سنة، مما يضمن استدامة الاستثمارات'. وبالموازاة مع ذلك، أعلن السيد لقجع أن أشغال إنجاز الملعبين المخصصين لاحتضان كأس أمم إفريقيا 2025 سيتم إتمامها وفق جدول زمني محدد، حيث سيتم الانتهاء من ملعب مولاي عبد الله بالرباط في 31 يوليوز، والملعب الكبير بطنجة في 15 غشت. واعتبر أن هذا التنظيم يندرج ضمن رؤية أوسع تشمل تنظيم مسابقات دولية نسوية وقارية أخرى، مما سيساهم في تعزيز القدرات التنظيمية للمغرب، وتقوية إشعاعه الرياضي والاقتصادي على المدى البعيد. من جهتها، أكدت المديرة العامة للمدرسة الوطنية العليا للإدارة، ندى بياز، أن التنظيم المشترك لكأس العالم 2030 يعتبر واجهة تبرز جرأة المغرب وقدرته على التكاتف والاستشراف وبناء المستقبل، فضلا عن التنسيق مع شركائه مثل إسبانيا والبرتغال. وعلى المستوى الاقتصادي، رأت السيدة بياز في هذا الحدث رافعة استثمارية هيكلية تعزز النمو والتنقل والجاذبية الترابية، وذلك بتعبئة كافة الفاعلين في الدولة ضمن منطق التنسيق والنجاعة والشفافية. كما سلطت بياز الضوء على البعد الإستراتيجي لهذا المشروع، والذي يعكس طموح المغرب لأن يكون فاعلا مؤثرا ومتضامنا، يترسخ في دبلوماسية بناءة وشراكة نموذجية مع البلدان الشقيقة والصديقة. وشددت، في هذا السياق، على أن المدرسة الوطنية العليا للإدارة، بصفتها مدرسة للتميز الإداري، ينبغي أن تواكب هذه التحولات، من خلال إعداد أطر قادرة على تصور مثل هذه المشاريع الكبرى وتنفيذها وإنجاحها. وبمناسبة الذكرى الـ 75 لتأسيسها، دخلت المدرسة مرحلة تسريع تحولها، مجددة عزمها بذلك على ترسيخ دورها كفاعل رئيسي في تحسين أداء الإدارة العمومية. وفي ختام هذه الندوة الوزارية، جدد السيد لقجع التأكيد على أن تنظيم كأس العالم 2030 يندرج ضمن رؤية إستراتيجية شاملة يقودها صاحب الجلالة الملك محمد السادس، بحيث إن الهدف لا يقتصر على تنظيم حدث رياضي ضخم فحسب، بل يشمل إحداث تحول اقتصادي ومؤسساتي ومجالي مستدام بالمغرب.


الجريدة 24
منذ 7 ساعات
- الجريدة 24
سوق باب مراكش.. رهان جديد في معركة تأهيل المدينة القديمة
انطلقت رسميًا عملية إرساء مشروع إعادة بناء سوق باب مراكش بالدار البيضاء، أحد أبرز معالم المدينة القديمة، بعد أن حُسمت صفقة الأشغال لفائدة شركة "Benlhou Frères" بقيمة مالية بلغت 64 مليون و448 ألف درهم، متفوقة بفارق طفيف على عرض منافس بلغ 65 مليون و446 ألف درهم. وقد تم اختيار الشركة، مؤخرا، ما يشكل انطلاقة فعلية لورش عمراني كبير طال انتظاره من قبل تجار المنطقة وساكنتها. ويندرج المشروع ضمن رؤية شاملة لإعادة تأهيل المدينة القديمة، ويأتي في إطار اتفاقية شراكة صادق عليها مجلس جماعة الدار البيضاء في دورة ماي 2024، بشراكة مع عدد من الفاعلين المؤسساتيين، من بينهم ولاية جهة الدار البيضاء-سطات، عمالة مقاطعات الدار البيضاء أنفا، مجلس جهة الدار البيضاء-سطات، مجلس عمالة الدار البيضاء، إلى جانب شركة التنمية المحلية "الدار البيضاء للتهيئة" التي ستتولى الإشراف التقني على مراحل الإنجاز. وسيضم التصميم المعتمد للسوق الجديد طابقًا تحت أرضي مخصصًا لركن السيارات بطاقة استيعابية تصل إلى 160 سيارة، إلى جانب 217 محلاً تجاريًا و48 كشكًا، موزعة على فضاء معماري حديث يستجيب لمعايير التنظيم والسلامة وجودة الفضاءات العمومية. ولتفادي تعطيل الأنشطة التجارية، قررت الجهات المسؤولة إنشاء سوق مؤقت لاستيعاب التجار الذين تم إخلاؤهم من السوق القديم، وذلك على مستوى مقاطعة سيدي بليوط، قرب المعرض الدولي في زنقة بوكراع. وتمت تهيئة هذا الفضاء المؤقت على مساحة تقدر بـ3600 متر مربع، ويضم 187 وحدة تجارية ذات هياكل خفيفة، مغطاة بستائر معدنية، وتبلغ مساحة كل وحدة 7 أمتار مربعة. كما جُهز السوق بمرافق صحية ووحدات تقنية لضمان ظروف عمل مقبولة في انتظار افتتاح السوق الدائم. ويمثل مشروع إعادة بناء سوق باب مراكش نقلة نوعية في مسار إعادة هيكلة المدينة القديمة، ويُعد بمثابة رد اعتبار لتجار المنطقة الذين ظلوا لسنوات يزاولون أنشطتهم في ظروف تفتقر لأبسط معايير التنظيم والكرامة. وبحسب عدد من التجار، فإن هذا المشروع يبعث على الأمل، ويعكس إرادة حقيقية للنهوض بالأسواق التاريخية للدار البيضاء في أفق إدماجها ضمن الدورة الاقتصادية والسياحية للمدينة. ويُنظر إلى هذا المشروع باعتباره مكونًا رئيسيًا من مشروع أشمل لإعادة إحياء المدينة القديمة، يتضمن أيضًا عملية هدم لعدد من البنايات والمحلات المتقادمة بمنطقة البحيرة، وذلك في إطار إعادة هيكلة النسيج العمراني للمنطقة. وتهدف هذه التدخلات إلى تحرير المجال العام، وإعادة توجيه المشهد المعماري نحو فضاءات حضرية حديثة، تستوحي تصميمها من الطابع المغربي التقليدي، من خلال بناء ساحات عامة وحدائق، وتحسين الربط بين المرافق المجاورة، وعلى رأسها المعرض الدولي ومسجد الحسن الثاني. ولا يقتصر التحول الذي تشهده المدينة القديمة ضمن تنزيل مشروع المحج الملكي، على الجانب التجاري والعمراني فقط، بل يكتسي أيضًا بعدًا استراتيجيًا يرتبط بتحضير الدار البيضاء لاستحقاقات كبرى، وفي مقدمتها تنظيم نهائيات كأس العالم 2030. وتراهن جماعة الدار البيضاء، بقيادة العمدة نبيلة الرميلي، على هذه المشاريع لتأهيل المدينة وجعلها واجهة حضرية تواكب الطموحات الوطنية وتستجيب لمتطلبات المستقبل. ورغم بعض الانتقادات التي رافقت عمليات الهدم والإفراغ، خصوصًا ما يتعلق بهدم بعض البنايات التي لا تُعتبر بالضرورة آيلة للسقوط، تصر الجهات الرسمية على أن الرؤية الشاملة التي تؤطر هذا المشروع تتوخى المصلحة العامة، وتهدف إلى تحويل المدينة القديمة إلى قطب اقتصادي وسياحي حيوي، يعكس مكانة الدار البيضاء كمركز حضري من الطراز الأول في الحوض المتوسطي.