
لماذا التعدي على البعثات الدبلوماسية الخارجية للمملكة الأردنية الهاشمية ؟
جو 24 :
في السابع من اكتوبر عام 2023م ، عندما قررت حركة حماس إجتياز الحدود والخط الفاصل مع المستوطنات الاسرائيلة، لتبدأ هذا الصراع، وقد كان هذا القرار حتماً من اعداد وفكرة وتخطيط وتنفيذ حماس ، ليبدأ صراعاً ما زال قائماً مع اسرائيل، وحتى الان هذه الحرب مستمرة بين الطرفين وتبعاتها ونتائجها يتحملها الطرفين، ومن الواضح أنه وبعد كل ما يجري من معاناة الغزيين أهل المنطقة من هذه الحرب والتي لم يقرروها ولا يوجد لهم كلمة في بدء هذا الصراع، كشعب غزي يعيش في غزة ، والآن هذا الشعب هو الذي دفع وما زال الكثير من القتل والتهجير والحصار والجوع جراء قرار إتخذته حركة حماس ، تمثل في اعلانها البدء بهذه الحرب مع اسرائيل على أرض غزة التي دمرت غزة وأهلها.
والآن يوجد الكثير من أهل غزة ينتفضون بمظاهرات ضد حركة حماس والتي أدت خطوتها الى تدهور وضعهم الانساني والصحي والخدماتي بشكل عام، إلى جانب الدمار الهائل في بيوتهم ومؤسساتهم والبنية التحتية جراء الحرب بين اسرائيل وحماس . قبل إعلان هذه الحرب والصراع كان الكثير من أهالي غزة يشتغلون في سوق العمل الاسرائيلي ، مقابل الحصول على رواتب ومعاشات عالية ، توفر لهم مستوى من العيش الكريم ، إلى جانب حصولهم على ساعات عمل اضافي في حال زادت ساعات عملهم عن الوقت المقرر، الآن وجراء الحرب فقد استبدلت الأيدي العاملة من غزة بأيدي عاملة اسيوية من خارج المنطقة ، والان الغزيين بدون مدخول مادي يأويهم ويساعدهم ووضعهم مأساوي جراء الحرب.
ومن الملاحظ اليوم ومع استمرار الحرب أن حركة حماس هي التي تُدير وتتولى شؤون المفاوضات الجارية مع اسرائيل ، وهي من يتولى أيضاً ملف تبادل الأسرى ، واستلام المساعدات عبر المعابر ، حيث يلاحظ أن الحركة في بعض الأحيان لم تنجح في توفير الحماية والمحافظة على المساعدات ليتم لاحقاً تسليمها للأهالي ، التي تتعرض للأسف للسرقة والنهب ، والأهم هو الادراك أن قرار الحرب جاء بشكل منفرد من حركة حماس، وعندما قررت اجتياح الحدود مع اسرائيل دون علم أو استشارة لأي دولة عربية بما فيها المملكة الأردنية الهاشمية أيضاً .
الأردن دولة لها سيادتها واستقلاليتها عن أي دولة أخرى بما في ذلك فلسطين والسلطة الفلسطينية ، الأردن وحاكمها الهاشمي الملك عبد الله الثاني رعاه الله قدم ومازال الكثير لأهل غزة من المساعدات الانسانية والمعونات الإغاثية والمستشفيات الميدانية التي تخدم الأهالي وتقدم العناية الطبية للجرحى في غزة، وهذا الكرم الهاشمي والموقف الانساني الشهم هو تضحية ومساعدات جبّارة سخية من المملكة الاردنية الهاشمية لأهل غزة ، ولا توجد أي جهة تفرض على الأردن هذا الموقف الأصيل والنبيل خاصة ما يتعلق بالجانب الاغاثي ومعالجة المصابين الفلسطينيين، الذين كانوا ضحايا الصراع بين حماس واسرائيل ، والذي اتضح من نتائجه بأنه لم يكن مدروس من قبل حماس التي بدأت الحرب دون تحضير واستعداد يضمن حماية ومساعدة سكان غزة جراء ما يعانون من أحوال هذه الحرب ، فلم توفر لهم الملاجىء أو أي تحصينات تحميهم من القصف الاسرائيلي . هذه الحرب التي فرضتها حماس على غزة وشعبها هي أيضاً مفروضة على شعوب الدول العربية مجتمعين ، حيث باتوا اليوم يتحملون التبعات الانسانية والاغاثية نتيجة الصراع ، والسؤال هنا لماذا يتم من قبل البعض تحميل المسؤولية على عاتق الاردن ومصر خاصة من قبل حركة حماس ؟ ، علماً أن حماس عندما قررت شن الحرب على اسرائيل تعرف ميزان القوى بين الطرفين ، وبالتالي لماذا يحمّل الاردن ومصر المسؤولية جراء قرارات اتخذتها حركة حماس وبشكل منفرد .
الاردن دولة مستقلة وعبر التاريخ اتضحت للجميع مواقفه الوطنية والقومية ، وبالاخص فيما يتعلق بالصراع الفلسطيني الاسرائيلي حيث قدم الاردن وتحمل الكثير ، فهناك الكثير من الشهداء الاردنيين على ثرى فلسطين وكافة مدنها ، ومن ذلك بطولات الجيش العربي الاردني في معارك باب الواد واللطرون والقدس عام 1948م وحرب عام 1967م ، وما يتصل بذلك من جهود تمثلت في استقبال اللاجئين الفلسطينيين الذين اصبح الكثير منهم مواطنين أردنيين بعد حصولهم على الجنسية الاردنية واصبحوا منذ عقود جزء لا يتجزأ من الشعب الاردني ، ولهم كافة الحقوق وكأي مواطن أردني . والسؤال اليوم لماذا نرى حركة حماس تطلب مؤخراً من الشعب الاردني الدخول في الحرب مع الحركة وصراعها ضد اسرائيل ؟ ، الا تعرف حركة حماس أن الاردن دولة مستقلة ذات سيادة ، وهذه الدولة يوجد عندها معاهدة سلام مع اسرائيل أبرمت عام 1994م في عهد جلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال رحمه الله ، ومن المعروف أن حركة الاخوان المسلمين وافقت في البرلمان الاردني على معاهدة السلام التي ابرمتها الحكومة الاردنية مع اسرائيل ، وبالتالي لماذا إذا يا حركة حماس تريدين جر الاردن وشعبه في هذا الصراع ، الم يكفي ما جرى من نتائج القرارات الفردية من قتل واستشهاد وتشريد الشعب الفلسطيني في غزة ، والذي يعاني الكثير من تبعات الحرب ، فهل المقصود تعريض الاردن وشعبه للتهلكة ، ولماذا تحملون الأردن وزر اخطائكم وقراراتكم ، انتم فقط من يتحمل نتيجة دمار وقتل الشعب في غزة ، وليس الدول العربية لأن هذا كان قراركم الأوحد ومتفردين وحدكم فيه .
نحن كمواطنين اردنيين لا نريد أن تستخدمنا حركة حماس كدروع لها في هذا الصراع ، ولا نريد لشعبنا الاردني أن يدفع الثمن كما دفع الشعب في غزة ثمن هذه الحرب التي نتج عنها تدميرهم وتعريضهم للتهلكة ، الأردن مع كل هذا دفع وقدم الكثير لمساندة الشعب الفلسطيني بما في ذلك المساعدات لاهل غزة ، كما أن جلالة الملك عبد الله الثاني شارك بنفسه في إحدى الانزالات الجوية الاغاثية على غزة ، وللأسف حركة حماس الآن لم تقدم شكر واضح لجلالة الملك وللشعب الاردني على جهودهم وتضحياتهم ومساعدتهم لأهل غزة ، الأردن يساعد الشعب الفلسطيني كما هي العادة والتاريخ شاهد على ذلك ، والاردن معتاد منذ عقود طويلة على نصرة الشعب الفلسطيني ولا ننتظر الشكر من أحد بما في ذلك من حركة حماس ، وللأسف الاردن بذل الكثير للشعب في غزة ، وللأسف نجد أن البعض لا يقدر هذا الجهد الاردني ، ويتضح ذلك في التهجم على بعض البعثات الاردنية في الخارج ، بدلاً من شكر الاردن وشعبه على موقفه الراسخ في دعم فلسطين وغزة .
أعتقد وبعد كل هذه الاساءات التي يصدرها البعض ضد الموقف الاردني الاصيل ، يجب محاسبة حركة حماس على ما قدمته للشعب في غزة ، وليس محاسبة غير مقبولة للاردن ودولته المستقلة عن غزة سياسياً وجغرافياً ، خاصة أنه من المعروف بأن حركة حماس تحكم وتدير قطاع غزة طوال هذه الفترة بما في ذلك أثناء الصراع مع اسرائيل ، وهي وحدها المسؤولة عن قراراتها السياسية ومستقبل شعبها الذي دُمر جراء هكذا قرارات للحركة .
وفي اعتقادي كمواطنة اردنية أنه يجب على الاردن الاهتمام بشعبه ووطنه واستقراراه واقتصاده ومستقبل الاردن الاقتصادي والاجتماعي والسياسي ، والاردن ضحى بالكثير وما زال يقدم تجاه الشعب الفلسطيني خاصة تجاه غزة وشعبها الآن ، وبالرغم من كل هذه الجهود الا أنها وللاسف تم مقابلتها من البعض بنكران للجميل، لقد حان الوقت أن نهتم جميعاً وفي هذا الوقت العصيب بمستقبل الأردن ورفعته كشعب اردني أصيل يستحق الخير والنهضة ، والاردن وقيادته الهاشمية يحرصون ويهتمون انطلاقاً من الوصاية الهاشمية التاريخية على المقدسات الاسلامية والمسيحية في القدس وعبر التاريخ العريق بفلسطين والقدس ومقدساتها ، وللأسف وبعد كل هذه التضحيات وبدلاً من أن يقدر دور الاردن الاغاثي والانساني في غزة وفي محنته هذه العصيبة ، الا أن الاردن حالياً يدفع ثمن موقفه النبيل كقيادة هاشمية وشعب اردني أصيل ، وبالتالي السؤال المشروع ، هو بعد كل هذا الدعم والاسناد الأردني ، لماذا اذاً يتم التهجم من قبل البعض على البعثات الأردنية الخارجية ؟ ، وهل هذا هو الجزاء والجواب والشكر على كل ما قدمه وما زال الاردن سواء بالماضي أو الحاضر يقدم تضحيات للشعب الفلسطيني وعبر عقود ، وما يقدم اليوم للشعب الفلسطيني والغزاوي المنكوب في غزة الآن ، وهذا كله ينتج عن قرارات وسياسيات منفردة من حركة حماس في غزة ، واعتقد أنها هي وحدها المسؤولة عن قراراتها السيادية بإعتبارها أنها هي الوحيدة من يحكم قطاع غزة وليس الاردن والاردنيين ، والأردن دولة مستقلة لها سيادتها وحدودها وتعرف حدودها أين ، الاردن لم يتدخل سياسياً بين اسرائيل وحركة حماس في غزة، الاردن فقط قدم المعونة والاغاثة للشعب الفلسطيني ولم يتدخل في حركة حماس التي تحكم غزة مطلقاً .
تابعو الأردن 24 على

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


رؤيا
منذ ساعة واحدة
- رؤيا
سموتريتش: لا يهمني سكان غزة وآمل باحتلالها الكامل غدًا
سموتريتش: لا يهمني سكان غزة ويجب خنق حماس اقتصاديا ومنعها من الحصول على المساعدات سموتريتش: تكلفة الحرب وصلت حتى الآن إلى نحو 81 مليار دولار سموتريتش: آمل أن نتخذ غدا قرارا بالهجوم على غزة كلها واحتلالها وأن نقضي على حماس عسكريا أطلق وزير المالية في حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، سلسلة تصريحات عدائية، قال فيها إن "سكان غزة لا يهمونه"، مؤكدًا أن هدفه هو خنق حركة حماس اقتصاديًا ومنعها من الحصول على أي مساعدات إنسانية. وفي حديثه عن الأوضاع المالية، أعلن سموتريتش أن تكلفة الحرب على قطاع غزة تجاوزت حتى الآن 300 مليار شيكل (نحو 81 مليار دولار أمريكي)، مشيرًا إلى أنه يعمل على إعداد ميزانية بديلة لتمويل المساعدات بنفسه، في حال اضطرت حكومة الاحتلال لمنع دخول الشاحنات التي قد تصل إلى حماس. وأضاف: "آمل أن نتخذ غدًا قرارًا بشن هجوم شامل على قطاع غزة واحتلاله بالكامل، بهدف القضاء على حماس عسكريًا". وفيما يخص المواقف الدولية، قال سموتريتش إن أوروبا وحماس واليسار الإسرائيلي يمارسون ضغوطًا كبيرة لوقف الحرب، لكنه أكد أنه يبذل كل ما في وسعه لحسمها وإنهائها بالقوة.

الدستور
منذ ساعة واحدة
- الدستور
المَنظَر والمَحضَر والجوهر
الصورة مهمة لكن المشهد أهم، غالبا ما تكون الغلبة له. هكذا هي الدنيا كلها وليس المسرح وحده. ولهذا نشأ وتطوّر مفهوم المسرح السياسي، لا ذلك الذي أحببناه أيام مسرح «نبيل وهشام» للنجمين نبيل صوالحة بارك الله في عمره والراحل هشام يانس رحمة الله عليه، بل المسرح السياسي الذي يمارس فيه الجميع دوره في عالم غير افتراضي، واقعي إلى حد الإفراط والتفريط أحيانا. لا يعلم ما في الصدور إلا الله سبحانه، ومن بعده بعض الخبراء في ميادين الأمن وعلوم النفس والأعصاب. جوهر الإنسان بمعنى معدنه إن كان صادقا وأصيلا أو غير ذلك، مخلصا، كفؤا، وإلى آخره من الصفات الحميدة الواجب توفرها لتحمل أمانة المسؤولية في القطاعين الخاص والعام، هذا الجوهر في طبيعته مكنون مصون لا تغيره نوائب الدهر ولا عاتيات الأيام. هنا في بلاد العم سام، ثارت في الآونة الأخيرة ضجة على آليات التدقيق الأمني المشدد، والتحقق العميق الدقيق من تطابق أجندة المرشحين للعمل في إدارة دونالد ترمب والمناسبين لشغر مناصب قيادية من بينها عضوية الكونغرس في الانتخابات التمهيدية المقبلة العالم القادم، ومدى تناغم أولئك المرشحين مع أجندة الرئيس في ولايته الثانية. من المعروف عن ترمب حرصه على الولاء والكفاءة معا، وفي بعض المناصب الولاء قبل الكفاءة، حتى لا يتسلل إلى إدارته من يصفهم بأدوات «الدولة العميقة»، أو «الراينوز» اختصارا لوصمة «أعضاء الحزب الجمهوري بالاسم فقط»، أو جماعات الضغط المباشرة أو الخفية الذين يكون ولاؤهم للمجمع الصناعي العسكري من منتجي الأسلحة والذخائر أكثر من الولاء للرئيس وأجندته الذي انتخب على أساسها. ميزة النظام الإداري قبل السياسي الأمريكي لا بل من سمات الثقافة الأمريكية، أنه قائم على مبدأ الاستخدام والاستغناء الحر والفوري وبلا تبرير، فكل شيء قائم على الميزة الذاتية، الأفضلية للأفضل، في المكان والوقت والموقع والأهم الأجندة المناسبة. تلك الميزة التي تبنى عليها الأفضلية عند اتخاذ القرار باختيار المرشح «أُنْ مِرِتْس»! ولا حرج أبدا من الفصل من المنصب مهما علا، قبل أن يجف حبر قرار تعيينه والأذونات والمزايا المكتسبة بحكم المنصب كالسيارة والهاتف وأشياء أخرى من الضرورات اللوجستية المستحقة بحكم الوظيفة، حيث قام ترمب بفصل مستشاره الإعلامي في البيت الأبيض أنتوني سكرموتشي الذي شغل منصب مدير الاتصال «الإعلام» في البيت الأبيض، بعد عشرة أيام فقط! «الجوهر» مهم في حسن الاختيار خاصة عندما يكون المعروض والمتنافس والطامع والطامح كثرُ. البعض ينحي جانبا الآليات التقليدية بما فيها التوصيات الحزبية، والاعتبارات التمثيلية (كالمحاصصة سيئة الذكر والسمعة)! ويراهن أكثر على قوة الكلمة أو التوصية الشخصية -طبعا المهنية الأمينة- سواء أتت من معرفة شخصية أو جهة أمنية. المسألة لم تعد موضع حرج ففي نهاية الأمر، الأمر مزيج من حسن اختيار الجوهر دونما إغفال لأهمية فارقة تكمن في تفاصيل المحضر وأدق تفاصيل المظهر. كلمة واحدة، انفعال واحد، صورة واحدة، مقطع فيديو واحد كفيل بنسف مصداقية متحدث، أو تعزيزها وتخليدها. والمسألة لا تقتصر على العمل السياسي، فالتجار وبخاصة من تتصل تجارتهم بما يتعامل معه المستهلك بشكل مباشر كالمنتج الإبداعي والغذائي والسياحي، هم من أكثر الحريصين على السمعة العطرة والرضى المستدام للزبائن، فهم من يعيشون في ظلال ميزة منتجهم قبل ابتكار «الآيزو» كمصطلح تسويقي. انظروا إخوتي الكرام وتأملوا في توالي الصور والمشاهد في بناء جسور الثقة والأمل في غد أفضل. صورة العلم ورمزيته كبوصلة ومنارة وراية. وضع العلم كوسام لا زينة على عُروة الجاكيت، رسالة قوية. تماما كما كان في حملة التوعية الوطنية التي أطلقها سيدنا عبدالله الثاني رعاه الله «الأردن أولا» حيث أضيفت العبارة إلى العلم في رمزية أضافت صورة للمشهد الوطني. تنامي الوعي وتبلوره أخذ العلم من الكتف والصدر إلى جوار القلب. تثبيت «دبوس» العلم على ربطة العنق في وسطها، عزز صورة المحبة والأمانة معا. البلد، الوطن، المملكة، أمانة في أعناقنا، تلك هي الرسالة.. اكتمال المشهد أو الرسالة في العمل الميداني، بلا جاكيت رسمي وبلا «جرافات» زاد من قوة مخاطبة الوعي واللاوعي الفردي والجمعي. تلك استجابة ينتظرها الأردنيون في الوطن والمهجر من حكومات جلالة الملك كلها. الخدمة الميدانية من مظاهر العمل الجاد، لكن ليس بالضرورة دائما أن يتم الأمر على أعلى المستويات، ولا بحضور الإعلام التقليدي، فالإعلام الجديد، بكل منصاته خاصة ذات العلاقة بطبيعة الجمهور المستهدف أكثر أهمية، ولا تحب الشراكة ولا المزاحمة. الاكتفاء بتصوير ذاتي أو عبر مساعد، أو ناشطين وطنيين أردنيين، سواء صورة أو فيديو قد يكون أبلغ من تغطية مباشرة أو استضافة وحوار بين مذيع وضيف رسمي أو شبه رسمي، أو خبير أكاديمي أو مهني أو متقاعد، خاصة إن كانت وجهة نظر الكاميرا الوحيدة والتي تعني ما سيراه المشاهدون هي تصوير تسجيلي أو مباشر لشخصين يتحدثان إلى بعضهما بعضا، وكأن المعنيين -المشاهدين- لا يعنوهم رغم أنهم هم المستهدفون. خاصة عندما يكون الحديث بلغة عربية فصيحة رسمية ووجههما متقابلين، فلا نرى نحن الجمهور المستهدف إلا جانبا واحدا من كتفي الضيف والمضيف؟! المرحلة تتطلب -كما نعلم جميعا- «التشمير» بلسان أردني فصيح. لا يحتمل الحال الوطني والإقليمي والإنساني الإفراط في الرسميات والأناقة والشياكة خاصة إن كان الحديث مثلا عن ترشيد الإنفاق الاستهلاكي والتشغيلي! المرحلة تتطلب أيضا كما لا يخفى على أي منا، أن يكون الحكي أردنيا شكلا ومضمونا بلهجات الوطن كله، فإن كانت الخطابات والتصريحات تبث فضائيا لا يعني ذلك أبدا التحرّج من الحديث باللهجة الأردنية المحكية البسيطة العفوية بما فيها لغة الجسد. حتى وإن تحدث المسؤول أو الداعم له في التحليل والتعليق، ما الحرج في تبسيط المفردات والحكي، كحكي الناس في بيوتهم وأشغالهم مع أهلهم وأحبائهم. وما بين الجوهر والمظهر، يكون المحضر. وبه دون الإغفال عما سبق، يتجلى الأداء ويترسخ في أذهان الناس. من منا لا يذكر شخصيات أثّرت في حياته الشخصية أو المهنية بموقف واحد أو كلمة أو حتى نظرة واحدة؟ صحيح أن الانطباع الأول يدوم كما في المثل الإنجليزي، لكن في ثقافتنا الوطنية والروحية، العبرة في خواتيم الأعمال.. من الآخر، كل الناس خير وبركة نقولها من باب العشم، لكن وحدها الأيام والأعمال التي تشير إلى الجوهر ووحده العلم الذي يفيد في تقديم المظهر، أما المحضر فتلك نعمة وموهبة تصقلها التجارب الحقيقية لا عدد السنين ولا تمثيل أي شيء كان، لا حزبا ولا منطقة ولا جنسا ولا أي اعتبار آخر من تلك التي ضاعت فيه المعايير والضوابط الكفيلة بحسن الاستخدام والاستغناء بما يرضي الله والضمير..

الدستور
منذ ساعة واحدة
- الدستور
القيامة على مرمى زر
لا أصدق أن قائد قاذفة القنابل الأمريكية «Enola Gay»، الكولونيل بول تيبيتس، قد صفع وجهه صارخا: «يا الله، ماذا فعلنا بالإنسان؟» وهو يشاهد غيمة الفطر العملاقة تتوهج تحته، عقب قذفه بـ»الطفل الوليد» على هيروشيما، قبيل نهاية الحرب العالمية الثانية. فلو كانت هذه الرواية صحيحة، لما عادت قاذفة أمريكية أخرى بعد ثلاثة أيام، وتحديدًا في التاسع من آب 1945، لتلقي بـ»الرجل البدين» على ناغازاكي، فارشة سماءها الصافية بغيمة فطر تغلي غيظا أحمر يقطر موتا. لم تشعر الولايات المتحدة للحظة واحدة بالندم أو الألم على ما فعلته. وقد عبّر عن هذا الرئيس الأسبق باراك أوباما خلال زيارته لليابان قبل تسع سنوات، مؤكدا أنه لن يعتذر، بل إن على القادة في أوج الحرب اتخاذ جميع أشكال القرارات. «الطفل الوليد» هو الاسم الحركي لتلك القنبلة التي أودت بحياة أكثر من 140 ألف إنسان في لحظة. أما «الرجل البدين»، فقد قتل 74 ألفًا، وربما سميت القنبلة تهكمًا أو تلميحًا إلى رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل المعروف ببدانته، وقد دعمت بلاده مشروع «مانهاتن» الذي فجّر على كوكبنا رعبًا مستمرًا حتى اليوم. بعد سنتين فقط ظهر مصطلح «ساعة القيامة»، أطلقه مجلس إدارة مجلة علماء الذرة التابعة لجامعة شيكاغو. هذه الساعة ترمز لاقتراب نهاية العالم بسبب السباق النووي المحموم بين الدول، ونزقها السياسي. وعندما تصل عقاربها إلى منتصف الليل، يعني ذلك قيام حرب تفني البشرية، فيما يشير عدد الدقائق المتبقية إلى احتمال وقوع الكارثة. لا نعرف كم دقيقة أو ثانية تفصلنا عن منتصف ليل تلك الساعة، لكنها تذكرنا دوما بجرأة الإنسان على قتل أخيه بكل ما اخترعه من أسلحة. ويبدو أننا مطالبون بفهم أكثر فطنة لما قاله أوباما: إن القادة المنغمسين في أتون الحروب يملكون ما لا يملكه سواهم حين يتخذون قرارات الموت الشامل. اليوم كوكبنا المكلوم، بصورة أو بأخرى، يقبع في قلب غيمة فطر، أو تحت رحمة طفل وليد. فاحتمالات استخدام الأسلحة النووية لا تقل خطورة عن زمن ذروة الحرب الباردة. وفي الذكرى الثمانين لمأساة هيروشيما، لا تزال الأمم المتحدة تدعو الدول النووية إلى الالتزام بعدم البدء باستخدام تلك الأسلحة، محذرة من أن البشرية تعبث بمسدس محشو مصوب إلى رأسها.