
من يهيمن على أسواق التداول العالمية للعملات المشفرة؟
تعيد هذه الطفرة في الأسعار إلى الواجهة تساؤلاً قديماً متجدّداً: «من يملك زمام السيطرة على أسواق تداول العملات المشفرة، في عالم يُفترض أنه لامركزي؟».
على خلفية هذا الصعود اللافت، تتنافس قوى متعددة على رسم ملامح السوق؛ ما بين بورصات عملاقة تتحكم في قرارات الإدراج والحذف، ودول تفرض التشريعات أو تمنعها، ومؤسسات مالية تملك محافظ ضخمة قادرة على تغيير مسار الأسعار.
وفي ظل هذا المشهد المعقد، يبدو أن الهيمنة تتحول تدريجياً من الجهات التقليدية إلى أطراف باتت تتقن قواعد اللعبة الجديدة ضمن تحولات الكريبتو.
ومن اللافت أن الولايات المتحدة تُعيد التموضع كمركز ثقلي للسوق، عبر بوابة التنظيم والدعم المؤسسي، بينما تتابع منصات مثل «بينانس» و«كوينبيس» تعزيز نفوذها كـ«أبواب عبور» نحو هذا العالم الرقمي.
وتتفاوت التقديرات المرتبطة بعدد حاملي العملات المشفرة حول العالم، فبحسب بيانات الشركة الرائدة في مدفوعات العملات المشفرة «تريبل–إيه»، فإنه اعتباراً من العام 2024 «يقدر متوسط ملكية العملات المشفرة عالمياً بـ 6.8%، مع أكثر من 560 مليون مالك لها حول العالم.
ووفق Statista فإن عدد مستخدمي العملات المشفرة حول العالم سيصل إلى حوالي 861 مليون شخص العام الجاري، بمعدل انتشار 11.02%، ويعود هذا النمو إلى زيادة الوصول الرقمي، والتغييرات التنظيمية، وجاذبية التمويل اللامركزي.
واستناداً إلى بيانات من Statista وSecurity.org، تتصدر الهند قائمة أفضل 10 دول من حيث مستخدمي العملات المشفرة (107.3 ملايين مستخدم)، تليها الولايات المتحدة (65 مليون مستخدم)، والصين (60 مليون مستخدم) والبرازيل (31.9 مليون مستخدم) وإندونسيا (28.65 مليون مستخدم) وفيتنام (20.94 مليون مستخدم) وباكستان (15.87 مليون مستخدم) والفلبين (15.76 مليون مستخدم).
أما عربياً، فتجدر الإشارة إلى الإمارات في المقدمة من حيث النسبة بمعدل انتشار (30.5% بين السكان) وعدد مستخدمين تجاوز 3 ملايين مستخدم، تليها السعودية ضمن الدول العشر الأولى بنسب بين 11–15 %.
وبلغت القيمة السوقية العالمية للعملات المشفرة، حتى صباح الثلاثاء، ما يصل إلى 3.82 تريليونات دولار، مقارنة مع 3.29 تريليونات دولار في نهاية العام 2024، وبارتفاع نسبته أكثر من 16% منذ بداية العام الجاري.
هذا وتتصدر الإمارات نسب الانتشار بمعدل 31% تلتها سنغافورة وتركيا، فيما تتصدر الهند في العدد الكلي بـ 107 ملايين مستخدم تليها أمريكا والصين، وتسجل كل من قارتي آسيا وأمريكا الجنوبية أكبر ارتفاع سنوي في مجموع المستخدمين.
تُظهر بيانات coinmarketcap تصدر منصة باينانس قائمة أفضل بورصات ــ منصات تداول العملات المشفرة من حيث أحجام التداول، تليها منصة بايبت ثم كوين بيس.
تتيح بورصات العملات المشفرة للمتعاملين شراء وبيع وتخزين العملات الرقمية الشائعة مثل بيتكوين، والعملات البديلة مثل إيثريوم، والأوراق المالية التقليدية القابلة للاستثمار بسهولة.
واستحوذت بينانس على نسبة تصل إلى 37% من تداول بيتكوين الفوري في النصف الأول من عام 2025، ويُترجم ذلك بحجم تداول يتجاوز 3.44 تريليونات دولار، بحسب بيانات CryptoQuant.
المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة Vi Markets، طلال العجمي، يقول لـ«البيان»: إن الكريبتو سوق حرة، لكنها ليست فوضوية، ذلك أن ثمة عدداً من اللاعبين الرئيسيين المسيطرين بها (المنصات والدول والمؤسسات والمحافظ الكبرى).
بالنسبة للمنصات، يشير بشكل أساسي إلى بينانس وكوينبيس، بوصفهما «بوابات الدخول والخروج»، ويملكون سلطة كبيرة في تحريك السوق، خاصة عندما يقررون إدراج أو حذف عملة ما.
وعلى صعيد الدول، يشير إلى الولايات المتحدة باعتبار أن لها اليد الأقوى، وذلك من خلال تنظيمات SEC وCFTC، وتوجيهاتها التي تهز السوق. كما أن الصين لا تزال مؤثرة رغم حظرها، بسبب دورها في التعدين.. أما أوروبا فبدأت تنظم الكريبتو بقانون جديد اسمه MiCA.
ويتحدث العجمي عن المؤسسات والمحافظ الكبيرة، موضحاً أن ثمة محافظ ضخمة تملك آلاف البيتكوين، وحركتها تؤثر بالسوق فوراً. كذلك صناديق مثل BlackRock التي دخلت الكريبتو بقوة، وهذا غيّر قواعد اللعبة.
من جانبه، يشير المحلل الاقتصادي، الدكتور أحمد معطي، لدى حديثه مع «البيان» إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية أصبحت في الوقت الراهن هي اللاعب الرئيسي والمهيمن على أسواق تداول العملات المشفرة عالمياً، مستشهداً بطفرة أسعار البيتكوين أخيراً، بعدما اخترقت مستويات فوق الـ 122 ألف دولار، وسط ارتفاعات قياسية خلال فترة زمنية قصيرة منذ عودة دونالد ترامب للبيت الأبيض.
ويضيف: منذ بداية حملته السابقة، أعلن ترامب عن نيته لجعل الولايات المتحدة العاصمة العالمية للعملات المشفرة، وبدأت الأسواق بالفعل ترى خطوات تنفيذية واضحة وسريعة لتقنين هذا القطاع، سواء من خلال الكونغرس أو مجلس النواب الأمريكي.. هذه التحركات القانونية تفتح آفاقاً كبيرة لنمو هذا السوق داخل الولايات المتحدة.
من جهة أخرى، صرح وزير الخزانة الأمريكي بشكل رسمي بأن البيتكوين والعملات المشفرة تُستخدم كأداة لتعزيز هيمنة الدولار الأمريكي عالمياً، إذ يتم التركيز الآن على تقنين العملات المستقرة المرتبطة بالدولار الأمريكي، مثل USDT، مما يفرض على المتداولين الحاجة إلى الدولار لشراء هذه العملات، وبالتالي يدعم الطلب العالمي على العملة الأمريكية.
ويستطرد معطي: في الوقت الذي ما زالت فيه سوق العملات المشفرة تنتشر عالمياً، إلا أن الولايات المتحدة دخلت بقوة وبسرعة، وأصبحت الصناديق الاستثمارية الأمريكية هي المحرك الأساسي للارتفاعات التي نشهدها حالياً.. بالتالي، فإن من سيمتلك زمام سوق الكريبتو في المرحلة المقبلة هم الأمريكيون.
التشابه مع قطاع التكنولوجيا
من جانبه، يقول الرئيس التنفيذي لمركز كروم للدراسات، طارق الرفاعي، إن سوق العملات المشفرة باتت تشبه إلى حد كبير قطاع التكنولوجيا من حيث سلوك المستثمرين وتفاعلهم مع المؤشرات الاقتصادية، مضيفاً: البعض يعتبر البيتكوين وأمثالها من العملات المشفرة كملاذات آمنة، لكنني لا أعتقد أنها تؤدي هذا الدور حالياً.
ويستطرد: إذا نظرنا إلى الأداء، سنجد أن هناك ارتباطاً وثيقاً بين أداء البيتكوين وأداء قطاع التكنولوجيا، وعلى وجه الخصوص مؤشر الناسداك.. فكلما زاد التفاؤل من قبل المستثمرين تجاه قطاع التكنولوجيا، نلاحظ بالمقابل تفاؤلاً مشابهاً تجاه العملات المشفرة، وخاصة البيتكوين.. وقد رأينا في الفترة الأخيرة تسجيل مستويات قياسية جديدة للبيتكوين، وكذلك ارتفاعات ملموسة في عملات مشفرة أخرى، وإن لم تصل جميعها إلى مستوياتها القياسية السابقة.
ويشير إلى أن الاتجاه الحالي في الأسواق يُعد إيجابياً، ما يفتح الباب أمام استمرار الارتفاع في أسعار البيتكوين. ومع ذلك، فإن أي مستثمر يسعى لتوقع مسار البيتكوين على المدى القصير أو المتوسط، يجب أن يأخذ في اعتباره توقعات أداء مؤشر ناسداك وقطاع التكنولوجيا بشكل عام.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الإمارات اليوم
منذ 12 دقائق
- الإمارات اليوم
النفوذ الناعم
في عام 2012، كنت أحضر برنامجاً مكثفاً لتعلم الإنجليزية، عبر موقع يتخذ من لندن مقراً له، ويقدم خدماته عبر الإنترنت لشتى أنحاء العالم، ويتعاون مع مدرسين من دول متعددة، بشرط أن تكون أصولهم إنجليزية، يتقنون اللغة بلكنتها البريطانية العتيقة. سألتني المعلمة - وكانت وقتها تقيم في جنوب إفريقيا - عن مقر عملي، فقلت: الإمارات، فأجابت بإعجاب شديد: «أعرفها، فقد زارتها صديقتي مرات عدة، وأخطط أنا لزيارتها في المستقبل»، مضيفة: «أحياناً أشاهد إعلانات سياحية عن دبي وأبوظبي على تاكسي لندن عند زيارة جدتي في الصيف. رائع أن تجتمع كل هذه الرفاهية في مكان واحد». شيئاً فشيئاً بدأت ملامح خطط الترويج السياحي الخارجي تفرض نفسها على الخريطة السياحة العالمية، وأصبحت دبي وأبوظبي علامات تجارية وسياحية رابحة وعالمية. وأصبحت الطرق المبتكرة والجريئة لتنشيط السياحة وجذب الاستثمارات، مثل حملة سيارة الأجرة الطائرة في قلب لندن، وغيرها، تجارب تفاعلية، تلقي الضوء على طموح الإمارات وما أحدثته من تغيير كبير في مفهوم التواصل والتعايش، وتسخير الإمكانات لسعادة ورفاه الناس. أخيراً افتتحت دائرة الاقتصاد والسياحة في دبي، بالتعاون مع شركاء من القطاعين العام والخاص، مركز أعمال دولياً جديداً «دبي هب لندن»، يعد الأول من نوعه في لندن، بهدف توسيع حضورها الاقتصادي عالمياً، وجذب المستثمرين البريطانيين بشكل خاص نحو السوق الإماراتية، وربطهم مباشرة بفرص الأعمال في دبي، عبر منصة شاملة توفر خدمات ما قبل وبعد التأسيس. فكرة التسويق الاستباقي، وتوسيع الحضور الخارجي، وتوفير بوابات رقمية لاستخراج التراخيص دون الحاجة للسفر إلى هنا، عبر تصدير بيئة العمل والاستثمار إلى لندن، تعد نموذجاً للنفوذ الاقتصادي الناعم الذي نجحت فيه الإمارات ودبي بقوة على مدار العقود الماضية. العالم تغير كثيراً، ومعايير القوة اختلفت، ففي السابق كانت الحكومات تتسابق على تصدير نفوذها عبر الفن والثقافة ونشر لغتها، والآن أصبح الاقتصاد والمصالح والتبادل التجاري في مقدمة كل ذلك، والبند الأكثر أهمية في جدول أعمال الساسة وأصحاب القرار، بل ومحرك بوصلتهم في التعاون وبناء الشراكات. أما الأكثر إبهاراً في نفوذ الإمارات الاقتصادي فنعومته التي تحرص بها على الإنسان، وتبحث عن راحته، وتقدمه في خططها على أنه الهدف رقم واحد. @amalalmenshawi لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه


البيان
منذ 4 ساعات
- البيان
5 % ارتفاعاً بالقيمة السوقية العالمية للعملات المشفرة في أسبوع
طوال معظم تاريخ العملات المشفرة، كان من غير الواضح ما هي استخداماتها، باستثناء الدفع مقابل السلع والخدمات في الاقتصاد غير الرسمي. صحيح أن تقنية الترميز (Tokenization) قد تسهم في تسريع وتحسين كفاءة عمليات الدفع، إلا أن المشكلة الكبرى كانت دائماً في التقلبات الحادة، فالعملات المشفرة لا تمثل مخزوناً مستقراً للقيمة، وبالتالي ليست وسيلة دفع موثوقة. تحاول العملات المستقرة معالجة هذه المشكلة من خلال السعي للحفاظ على ربطها بالدولار. ويمكن تحقيق هذا الربط بعدة طرق، وأكثرها شيوعاً هو استخدام أصول منخفضة المخاطر مثل أذون الخزانة كضمانات.


البيان
منذ 4 ساعات
- البيان
بين التشريعات والتنظيم.. «بتكوين» تواصل صعودها
حققت بتكوين قفزة سعرية لافتة خلال الشهر الماضي، إذ ارتفعت قيمتها من 100 ألف إلى 120 ألف دولار، ما يعكس نمواً بنسبة 20 % في فترة زمنية قصيرة نسبياً. ويرتبط هذا الارتفاع بكل المقاييس بالكثير من التشريعات الصديقة للعملات المشفرة، التي يتوقع أن تتحول قريباً إلى قانون في الولايات المتحدة. وأهم جزء بالنسبة للبتكوين هو تحديداً «قانون وضوح سوق الأصول الرقمية»، لأنه يحدد متى يكون الأصل المشفر سلعة في نظر القانون ومتى يكون ورقة مالية، بالتالي متى يخضع لتنظيم لجنة تداول العقود الآجلة للسلع ومتى يخضع لتنظيم هيئة الأوراق المالية والبورصات. ودون الخوض في تفاصيل دقيقة، يأمل قطاع العملات المشفرة في شيئين: الأول هو وضع قواعد واضحة تنهي مرحلة «التنظيم عبر الإنفاذ» (أي أن الجهات التنظيمية لا تضع قواعد واضحة مسبقاً، بل تنتظر ما تعتبره مخالفة ثم تطبق القوانين أو تفرض غرامات)؛ والثاني هو تصنيف مجموعة أوسع من الأصول المشفرة كسلع بهدف التداول، ما يعني تنظيماً أقل صرامة. ويقول ريان راسموسن من شركة «بيتويز»: «إذا كان أحد تطبيق التمويل اللامركزي (DeFi) سيحقق إيرادات، فإن المستثمرين يرغبون في المشاركة في هذا النمو، من خلال امتلاك رموز رقمية لها عوائد شبيهة بالأرباح أو برامج إعادة الشراء»، مضيفاً إن قانون «وضوح سوق الأصول الرقمية» يعد بمثل هذه المشاركة دون أن يتم بالضرورة تنظيم الرموز الرقمية كأوراق مالية تقليدية. وسيفسح التنظيم الأكثر شفافية الطريق أمام طلب مؤسسي كبير على بتكوين، ومع العرض المحدود بطبيعته، من المفترض أن يدفع ذلك سعر العملة المشفرة نحو الارتفاع. هذا تفسير أنيق، لكن ماذا يحدث بعد إزالة آخر عقبة تنظيمية؟ ما الذي سيضمن استمرار صعود بتكوين حينئذ؟ لا يزال أنصار بتكوين يرون أنها «مخزن للقيمة». وفي هذا السياق، يقول مارك بالمر، المحلل في مؤسسة «بينشمارك»، إنه مع ازدياد الوضوح التنظيمي، ستزداد ملكية المؤسسات للبتكوين على المدى الطويل، وستتحول تدريجياً إلى أصل أقل تقلباً، مدفوعاً بالزخم، ويعكس بصورة أساسية المستوى العام لشهية المخاطرة في السوق، لتصبح شيئاً مثل «الذهب الرقمي». ويضيف: «لاحظنا خلال العام الماضي استقراراً نسبياً في تقلبات بتكوين، مع انخفاض ارتباطها بأسواق المخاطرة بشكل عام». ولن يستغرب القراء المتابعون لنشرتنا أننا متشككون قليلاً في نظرية «مخزن القيمة». صحيح، كما يشير بالمر، أن تقلبات البتكوين انخفضت نسبياً خلال العامين الماضيين مقارنة بسجلها التاريخي، وأن الاتجاه العام يشير إلى مزيد من التراجع في التقلبات. على سبيل المثال، يظهر قياس تقلبات بتكوين خلال 90 يوماً (أي الانحراف المعياري السنوي لسعرها خلال فترات متتالية من 90 يوماً) هذا التراجع. لكن العلاقة ما زالت قوية للغاية بين حدود الشهية للمضاربة وسعر بتكوين. ويمكن ملاحظة ذلك من خلال مقارنة العوائد السعرية للبتكوين خلال العام الماضي بصندوق آرك الذي تديره كاثي وود، وهو صندوق تقني يتسم بدرجة عالية من المضاربة. وتظهر المقارنة أن أداء بتكوين يبدو وكأنه نسخة أعلى تقلباً من أداء ذلك الصندوق. قد يستشهد البعض بالأداء المتميز للبتكوين والذهب في السنوات الأخيرة، ويرون أنهما مخزن للقيمة في فترات التضخم. لكن، مجدداً، تكشف العوائد الفعلية واقعاً مختلفاً: الذهب يصعد بخطى متزنة، بينما تتذبذب البتكوين صعوداً وهبوطاً. حين تكتسب بتكوين موقعاً أكثر ثباتاً داخل منظومة اللوائح المالية، قد تصبح أقل عرضة للمضاربات والتقلبات. لكن السؤال: هل سيكون ذلك جيداً للطلب بقدر ما يعتقد مؤيدو العملات المشفرة؟ إن قابلية البتكوين للتأثر بالعاطفة والزخم، بالنسبة للعديد ممن يتداولونها ويمتلكونها، هي ميزة وليست عيباً. ولطالما تبنت هذه النشرة موقفاً متشككاً تجاه العملات المشفرة رغم ارتفاع قيمتها، ما يستدعي منا قدراً من التواضع في الطرح. بيد أن حجة «مخزن القيمة» التي تستند إليها البتكوين تفتقر إلى منطق المتكامل، ولا يقدم الارتفاع السعري الأخير أي دعم إضافي لهذه النظرية. أعلنت 4 من عمالقة المصارف الأمريكية، جي بي مورجان وسيتي جروب وويلز فارجو وبنك أوف أمريكا، التي تستحوذ مجتمعة على نحو 40 % من حجم القطاع المصرفي الأمريكي قياساً بالأصول، أرباحها المالية هذا الأسبوع. وجاءت التقارير متسقة مع ما نراه في أماكن أخرى، مؤكدة متانة الاقتصاد الأمريكي، حيث فشلت حالة عدم اليقين والمؤشرات المعنوية السلبية، مرة تلو الأخرى، في الظهور في البيانات الملموسة. ولنبدأ بالحديث عن المستهلك. ولينظر المعتقدون في تراجع الاقتصاد الأمريكي إلى معدلات الديون المشطوبة في محافظ بطاقات الائتمان لدى جي بي مورجان وسيتي وبنك أوف أمريكا، إذ تظهر جميعها اتجاهاً جانبياً مستقراً خلال الفصول الأخيرة، مع تفوق البنوك على توقعات المحللين في هذا المؤشر الحيوي. وعلى نطاق أوسع، اتجهت مخصصات القروض المتعثرة لدى جي بي مورجان وويلز فارجو وبنك أوف أمريكا نحو الاستقرار، فيما واصل سيتي جروب بمنحنى تصاعدي بشكل طفيف لبعض الوقت. وهنا أيضاً، جاءت النتائج لتفاجئ المحللين إيجابياً. ورغم أن كبار التنفيذيين في هذه البنوك قبلوا كالمعتاد بسياسات ترامب الاندفاعية، إلا أنهم لا يستطيعون إنكار الوضع الجيد لعملائهم. على سبيل المثال صرحت جين فريزر، الرئيسة التنفيذية لسيتي جروب، بأن الاقتصاد أظهر قدرة على الصمود تفوق توقعات معظمنا. رغم ذلك، لن نخفض درجة يقظتنا مع دخولنا النصف الثاني من العام، إذ نتوقع أن تبدأ أسعار السلع بالارتفاع خلال أشهر الصيف مع دخول التعريفات الجمركية حيز التنفيذ، كما رصدنا تباطؤاً في الإنفاق الرأسمالي والتوظيف بين قاعدة عملائنا. ورغم كل ذلك، فإن قوة الاقتصاد الأمريكي، المدفوعة بروح المبادرة الأمريكية والمستهلك الذي يتمتع بقدرة شرائية قوية، تتخطى بالتأكيد سقف التوقعات في الفترة الأخيرة. ليس من الصعب فهم أسباب قوة الأسواق الأمريكية في مواجهة سياسات غير مدروسة، فهذه السياسات ببساطة لم تترك أثرها السلبي على الاقتصاد الكلي حتى الآن.