
تحوّلات الدولة الصومالية بين استعادة السيادة وتثبيت الاستقرار
ويحاول هذا المقال رصد عدد من نتائج هذه التوجهات، ولا سيما في مجالات استعادة الاستقرار، وبدء استغلال الموارد الطبيعية، وتطوير الدستور، وتعزيز العلاقات الإقليمية، والتقدم في مجالات التعليم والأمن.
أحد أهم الملفات التي شهدت حراكًا لافتًا هو ملف الأمن، وبالتحديد مكافحة الجماعات المسلحة. إذ أطلقت الحكومة حملة موسعة شملت أدوات عسكرية، استخباراتية، وإعلامية، أسفرت حتى منتصف 2025 عن تنفيذ 1187 عملية عسكرية، أدت إلى تحرير بلدات وقرى في سبع محافظات رئيسية، هي: "هيران" و"شبيلي السفلى" و"شبيلي الوسطى" و"غلغدود" و"مودوغ" و"باي" و"جوبا السفلى"، في أحد أضخم عمليات استعادة سلطة الدولة في جميع أقاليم البلاد.
هذه العمليات، بحسب بيانات وزارة الدفاع، أسفرت عن تحييد أكثر من 5 آلاف و500 عنصر مسلح، وإغلاق 800 حساب مصرفي متورط في تمويل الإرهاب، ما انعكس في خفض قدرات الجماعات المسلحة بنسبة تصل إلى 65%.
هذا التحول لم يكن ممكنًا دون تنسيق بين المؤسسات الأمنية والمجتمعية، في إطار من التعبئة الوطنية والتخطيط الاستخباراتي لتفكيك الخطاب الفكري المستخدم في تجنيد المزيد من الشباب، وتجفيف موارد الجماعات الإرهابية.
بموازاة ذلك، أُعيدت جدولة بعض مسارات المصالحة الوطنية، بعد أن أتاح استقرار بعض المناطق بيئة ملائمة لاستئناف الحوارات الأهلية، وإشراك القيادات المجتمعية في بناء ثقة مفقودة بفعل سنوات من الصراع. وهو ما يشير إلى أن الأثر الأمني لم يكن محصورًا في السيطرة الميدانية، بل تعداه إلى بناء الأرضية السياسية والاجتماعية الضرورية لسلام مستدام.
ومن بين أبرز الإشارات الرمزية الدالة على التغير الحاصل في المشهد الأمني، أن نظمت البلاد للمرة الأولى، بعد 35 عامًا عانت خلالها أوضاعًا أمنية، عرضًا عسكريًا هو الأضخم منذ عقود، في العاصمة مقديشو في الذكرى الخامسة والستين للاستقلال.
حضر الرئيس حسن شيخ محمود هذا الاحتفال الذي شارك فيه ممثلون عن جميع وحدات الجيش، في حضور شعبي ومدني واسع، وهو حدث يرسل رسالة عالمية بأن الصومال أصبح أكثر أمنًا واستقرارًا، وأنه يطوي صفحة الإرهاب، محاولًا رسم مستقبل يسوده السلام والازدهار.
الاستفادة من الموارد الطبيعية
أما الملف الاقتصادي، فقد شهد تحركًا تدريجيًا نحو تفعيل الموارد الطبيعية غير المستغلة، بعد سنوات من الجمود والفوضى. إذ أعلنت الحكومة إطلاق مشاريع في مجال التنقيب عن النفط والغاز، ضمن خطة وطنية تهدف إلى تنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على المساعدات الخارجية.
ويُعد هذا التحرك مؤشرًا على توجه اقتصادي جديد، يعوّل على الثروات الوطنية كرافعة للتنمية المستدامة، وتحسين مستوى معيشة الشعب، ويدشن حضور الصومال في سوق الموارد العالمي.
التحول هنا لا يكمن فقط في البدء بالمشاريع، بل في ربطها بإطار قانوني وتنظيمي يضمن الشفافية والعدالة التوزيعية، في إطار رؤية للرئيس تتطلع إلى تحويل الصومال إلى مركز إقليمي للثروة بما يعزز مكانته الاقتصادية ويجذب إليه استثمارات طال انتظارها.
شطب الدَين ورفع حظر التسليح
في السياق نفسه، لا يمكن إغفال الخطوة النوعية التي تمثلت في التوصل إلى اتفاق نهائي لشطب الديون الخارجية للصومال، وهي خطوة تم إنجازها في ديسمبر/ كانون الأول 2023، بعد مفاوضات طويلة.
هذا التطور لا يقتصر على تخفيف الأعباء المالية، بل يسهم في تحسين التصنيف الائتماني للصومال، ويفتح الباب أمام تمويل مشاريع البنية التحتية والخدمات، ويمنح الثقة للجهات المانحة والمستثمرين.
ويتكامل هذا الإنجاز مع قرار مجلس الأمن الدولي، الصادر 13 ديسمبر/ كانون الأول من نفس العام، برفع الحظر المفروض على توريد الأسلحة إلى الصومال.
وهو ما أعطى الدولة مساحة أوسع لإعادة بناء قدراتها الدفاعية، من خلال صفقات شرعية، بما يعزز مسار بناء جيش وطني قوي محترف قادر على حماية حدوده، ومواجهة التهديدات الأمنية، والحفاظ على السلام داخليًا وخارجيًا، دون الاعتماد المفرط على القوات الأجنبية، وهو ما لا غنى عنه لضمان استقرار البلاد وحفظ سيادتها، وقد كان إعادة تأسيس سلاح الدفاع الجوي أحد أبرز الإنجازات في هذا المجال.
والملاحظ أنه جرى ربط الأمن الداخلي بباقي عناصر التنمية، في سياق يشير إلى أن الاستقرار الأمني يُعد شرطًا أساسيًا لأي عملية بناء مؤسسي أو اقتصادي.
الديمقراطية والدستور الاتحادي
في إطار استكمال عملية بناء الدولة الصومالية، شهدت الفترة الأخيرة تقدمًا في ملف صياغة الدستور الاتحادي، حيث عملت الحكومة على إتمام فصول أساسية منه، استنادًا إلى ما وُضع سابقًا من مرتكزات قانونية.
ويُعد هذا العمل امتدادًا لمحاولة تطوير الأطر التشريعية والمؤسسية اللازمة لتفعيل نظام فدرالي، وهو ما تم تقديمه كخطوة تُعبّر عن تطور في التجربة السياسية، وحرص على توفير قاعدة قانونية تضمن وحدة الدولة، وتعكس احترامًا للتعدد المجتمعي، وإرساءً لمبدأ سيادة القانون.
يُنظر إلى هذا التقدم كذلك على أنه تعبير عن إرادة داخلية لتقوية البنية المؤسسية، وإعادة تنظيم العلاقة بين الدولة والمواطن، في ظل سعي عام لبناء منظومة حكم تستند إلى المساواة القانونية والعدالة، وتعزيز الثقة المحلية والدولية في قدرة الصومال على إدارة شؤونه ضمن أطر مستقرة.
في موازاة ذلك، طُرحت مبادرة للانتقال إلى تنظيم انتخابات عامة على أساس "صوت لكل مواطن"، بوصفها خطوة تهدف إلى توسيع قاعدة المشاركة السياسية، وتكريس الممارسة الديمقراطية على أسس شاملة.
ورغم أن هذه العملية لا تزال في مراحلها الأولى، فإنها تُعد من بين المؤشرات التي تعكس نية الحكومة في وضع أسس لانتقال انتخابي يتيح لجميع الفئات المجتمعية التمثيل، ويعبر عن الإرادة الشعبية، ويعزز مبادئ المساءلة، ويؤسس لمؤسسات منتخبة ذات شرعية.
وفي هذا السياق السياسي، جاء الإعلان عن تأسيس حزب "العدالة والتضامن" (Justice and Solidarity Party – JSP)، بقيادة الرئيس حسن شيخ محمود، بوصفه مبادرة تستهدف إحياء الحياة الحزبية المنظمة، في ظل غياب طويل لأحزاب فاعلة.
وقد قُدّم الحزب باعتباره إطارًا سياسيًا يسعى إلى جمع جهود وطنية ذات توجهات إصلاحية، ويعمل على استيعاب الفئات المجتمعية المختلفة، لا سيما الشباب والنساء والأقليات، في وقت تواجه فيه البلاد تحديات تتعلق بالأمن وإعادة بناء المؤسسات.
ويُطرح هذا الحزب كمنصة لتعزيز التعددية السياسية، وفتح المجال أمام مشاركة أوسع في صناعة القرار الوطني، وتفعيل حضور سياسي منظم في المشهد العام، ضمن محاولة لتقديم بدائل حزبية قادرة على التفاعل مع متطلبات المرحلة، والتعبير عن تطلعات المواطنين، في سياق يعيد بناء الثقة في العمل السياسي بوصفه أداة تغيير سلمية ومؤسسية.
في أعقاب فترة طويلة من العزلة وضعف الحضور في المحافل الإقليمية والدولية، بدأت الدولة الصومالية، خلال السنوات الأخيرة، وتحت إدارة الرئيس حسن شيخ محمود، خطوات نحو الانخراط مجددًا في الأطر الجماعية؛ سعيًا لتعزيز مكانتها السياسية والاقتصادية.
وقد جاء الانضمام إلى تجمع شرق أفريقيا التنموي والاقتصادي باعتباره تحركًا لفتح قنوات تعاون جديدة مع دول الجوار، ضمن توجه يهدف إلى دعم الاستقرار الاقتصادي، وتوسيع نطاق الشراكة الإقليمية.
ينطوي هذا الانضمام على إمكانية تطوير العلاقات التجارية والاستثمارية، وتحسين تكامل البنية التحتية، وتعزيز التنسيق الأمني، وهو ما يعكس تصورًا بأن الانخراط الإقليمي يمكن أن يكون رافعة اقتصادية، ووسيلة لتفعيل الموقع الجغرافي للصومال في منظومة المصالح المشتركة مع الدول المجاورة.
أما على الصعيد الدولي، فقد أطلقت الحكومة حملة دبلوماسية أثمرت عن فوز الصومال بعضوية غير دائمة في مجلس الأمن، وهي خطوة تُظهر عودة البلاد إلى دائرة التفاعل الدولي، وتُعد مؤشرًا على استعداد مؤسساتها للاضطلاع بدور في مناقشة قضايا الأمن والسلم الدوليين. كما يتيح هذا الحضور للصومال منصة للدفاع عن مصالحه ضمن نظام دولي متعدد الأطراف.
وتُظهر هذه التحركات، مجتمعة، توجّهًا نحو إعادة بناء الثقة مع الشركاء الإقليميين والدوليين، وتحقيق حضور سياسي منظم في الأطر الدولية، يُمكّن الصومال من استعادة موقعه كمساهم في قضايا المنطقة والعالم، بعد فترة من التغييب القسري بفعل الصراعات الداخلية والضعف المؤسسي.
تعزيز الاستثمار في الإنسان
في إطار أولويات الدولة الصومالية، برز الاستثمار في الإنسان كإحدى الركائز الأساسية لتحقيق الاستقرار والتنمية. وقد سعت الحكومة، خلال السنوات الماضية، إلى تحسين واقع التعليم من خلال زيادة أعداد المعلمين، وتوسيع فرص التعليم في مختلف المناطق، مع اهتمام خاص بالمناطق النائية. وتُفهم هذه السياسات بوصفها محاولة لتأسيس قاعدة بشرية مؤهلة قادرة على الإسهام في إعادة بناء الوطن والمشاركة في تحديث مؤسساته.
وتُطرح هذه الإجراءات ضمن رؤية ترى في التعليم وسيلة لدعم التماسك الوطني، وتعزيز فرص التنمية الاقتصادية، وتوسيع نطاق المشاركة السياسية والاجتماعية. إذ تم تقديم تحسين التعليم كاستثمار طويل الأمد في قوى بشرية وطنية من شأنها أن تسهم في ترسيخ الاستقرار، وخلق بيئة مواتية للنمو.
نحو تثبيت التحول وتراكم البناء المؤسسي
يمثل المسار الذي شهدته البلاد في السنوات الأخيرة، وتحت حكم الرئيس حسن شيخ محمود، مرحلة من مراحل إعادة بناء الدولة، وسط ظروف اتسمت بتعقيد سياسي وأمني.
وقد ارتكزت تلك المرحلة على محاور متعددة، من أبرزها مكافحة الإرهاب، ومحاولة استعادة الاستقرار، والبدء في استغلال الثروات، إلى جانب تطوير المسار الدستوري، وتنشيط الحياة السياسية، والانفتاح على المحيط الإقليمي والدولي.
ويعكس هذا التعدد في الملفات مسعى لتجاوز حقبة من الانقسامات والاضطرابات، باتجاه تأسيس مؤسسات قادرة على الاستجابة للتحديات، وتعزيز سيادة الدولة، والرفع من مستوى المشاركة السياسية والتنمية الاقتصادية. ويُقرأ هذا الحراك بوصفه جزءًا من تراكم في التجربة الوطنية، يحتاج إلى الاستمرارية والمتابعة، ليصبح أكثر رسوخًا وفاعلية.
وفي هذا السياق، تبدو الإدارة الحالية بمثابة واحدة من اللبنات الأساسية في مسار التحول الصومالي، من خلال ما أنجزته من خطوات وما أطلقته من مبادرات، دون أن يُغفل أن نجاح هذه الجهود يظل رهينًا بمدى استدامتها، وإمكانية تحويلها إلى سياسات طويلة الأمد.
ويُفهم من التجربة أن التقدم السياسي والمؤسسي لا ينفصل عن الإرادة العامة في التغيير، ولا عن ضرورة إشراك مختلف مكونات المجتمع في صياغة مستقبل البلاد.
ومن هذا المنظور، فإن استكمال ما بُدِئ، ومراكمة النتائج، يمثلان التحدي الحقيقي للمرحلة القادمة، في سياق تتطلب فيه الدولة أدوات مرنة وحوكمة فعالة؛ لضمان الانتقال من الاستقرار المؤقت إلى البناء المستدام.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 42 دقائق
- الجزيرة
داخلية سوريا تعلن توقف اشتباكات السويداء والعشائر تتوعد برد قاس على أي خرق
أعلنت وزارة الداخلية السورية توقف الاشتباكات في مدينة السويداء (جنوبي البلاد) وإخلاء المنطقة من مقاتلي العشائر عقب انتشار قوات الأمن السورية لتطبيق وقف إطلاق النار، بينما توعد مجلس القبائل والعشائر بالرد على أي خرق للاتفاق. وقال المتحدث باسم الوزارة نور الدين البابا -في وقت متأخر أمس السبت- إن السلطات بذلت جهودا حثيثة لتطبيق وقف إطلاق النار، وأوضح أن قوات الداخلية انتشرت شمال وغرب محافظة السويداء. وقد رصد مراسل الجزيرة رتل سيارات تابعة للأمن الداخلي السوري يستعد في محيط السويداء لدخول المدينة. وبدوره، أعلن مجلس القبائل والعشائر السورية تحرك كافة مقاتليه إلى خارج السويداء امتثالا لوقف إطلاق النار، وتوعد بأن أي "خرق للاتفاق من المجموعات الخارجة عن القانون سيقابل برد قاس من أبناء العشائر". وكانت وزارة الإعلام السورية قد أفادت بأن قوات الداخلية والأمن العام بدأت الانتشار في محافظة السويداء كجزء من المرحلة الأولى، وتفاهمات وقف إطلاق النار وفض الاشتباك بين المجموعات المسلحة. وأضافت الوزارة أنه تم تشكيل لجنة طوارئ تضم وزارات وهيئات حكومية مختلفة لتسريع إدخال المساعدات الإنسانية إلى المحافظة، ثم تتبعها مرحلة تفعيل مؤسسات الدولة وانتشار عناصر الأمن الداخلي في جميع أرجاء المحافظة بشكل تدريجي ومنظم. وأعلنت وزارة الصحة السورية عن إرسال قافلة طبية عاجلة إلى السويداء تضم 20 سيارة إسعاف مجهزة بالكامل، إلى جانب فرق طبية متخصصة، وكميات كبيرة من الأدوية والمستلزمات الإسعافية. طلب حماية دولية في المقابل، طالبت الرئاسة الروحية للدروز الدول الضامنة لاتفاق وقف إطلاق النار بتحمل مسؤولياتها، والوقوف عند تعهداتها في حماية المدنيين. وقالت إنّ أبناء الطائفة في حالة دفاع عن النفس منذ أيام، متهمة ما وصفتها بالعصابات المهاجمة بعدم الالتزام بوقف إطلاق النار، ودعت إلى فرض حماية دولية مباشرة لأبناء الطائفة الدرزية في سوريا. وجاءت تلك التطورات بعد ساعات من إعلان الرئاسة السورية عن اتفاق جديد مع الفصائل الدرزية تضمن وقفا شاملا وفوريا لإطلاق النار بالسويداء. وحذرت الرئاسة من أن أي خرق لهذا الاتفاق يُعد "انتهاكا صريحا للسيادة الوطنية، وسيواجه بما يلزم من إجراءات قانونية وفقا للدستور والقوانين النافذة". وقد استعرض وزير الإعلام السوري حمزة المصطفى تفاصيل الاتفاق، وقال إن "المرحلة الأولى تتضمن انتشار قوى الأمن الداخلي كقوات لفض الاشتباكات في أغلب الريف الغربي والشمالي لمحافظة السويداء، إضافة لطرق رئيسية خارج المدن منعا للاحتكاك". وأما المرحلة الثانية فتتضمن "افتتاح معابر إنسانية بين محافظتي درعا والسويداء لتأمين خروج المدنيين والجرحى والمصابين وكل من يود الخروج من السويداء" على أن تشمل المرحلة الثالثة "تفعيل مؤسسات الدولة وانتشار عناصر الأمن الداخلي في المحافظة تدريجيا وفق التوافقات التي تم التوصل إليها بما يضمن عودة الحياة الطبيعية وفرض القانون". يُشار إلى أن اشتباكات دامية تدور منذ الأحد الماضي بين عشائر بدوية ومجموعات درزية في السويداء، وقد تطورت إلى عمليات انتقامية. في حين عرقلت غارات جوية -شنتها إسرائيل على محافظات سورية بزعم "حماية الدروز"- جهود القوات الحكومية لاحتواء الأزمة. وقد تصاعدت الاشتباكات عقب انسحاب القوات الحكومية مساء الأربعاء الماضي، بموجب اتفاق مع الجماعات المحلية بالمحافظة. وأفادت الصحة السورية بمقتل 260 شخصا وإصابة 1698 آخرين باشتباكات السويداء، في حين وثّقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان مقتل 321 شخصا خلال القتال منذ الأحد الماضي، من بينهم عاملون في الخدمات الطبية ونساء وأطفال.


الجزيرة
منذ 9 ساعات
- الجزيرة
مصدر أمني يكشف للجزيرة بنود اتفاق السويداء وترحيب بوقف إطلاق النار
قال مصدر أمني سوري للجزيرة إن الحكومة ستعمل على تبادل الأسرى والمعتقلين بين كل الأطراف بعد نجاح اتفاق وقف إطلاق النار، وفي حين قوبل وقف إطلاق النار بترحيب أوروبي بوقف إطلاق النار في المحافظة، أكد مجلس القبائل والعشائر السورية التزامه بقرارات الدولة. وأضاف المصدر أن قوى الأمن الداخلي بدأت بالانتشار التدريجي في معظم مناطق الريف الغربي والشمالي من محافظة السويداء، بهدف فض النزاع ووقف الاشتباكات، مشيرا إلى أن انتشار القوات يتركز حاليا على الطرق الرئيسة والمواقع الحيوية خارج المدن، لتفادي أي احتكاك مباشر في ظل الظروف الراهنة. وأوضح المصدر أن تنفيذ بنود الاتفاق المبرم مؤخرا سيُتابع خلال الساعات الـ48 المقبلة، على أن يجري بعدها تقييم مدى التزام الأطراف الأخرى بالتفاهمات. وأشار المصدر إلى افتتاح معابر إنسانية بين محافظتي السويداء ودرعا، من بينها معبرا بصرى الشام وبصرى الحرير، لتأمين خروج المدنيين والمصابين والراغبين بالمغادرة، ريثما يكتمل انتشار القوات الأمنية. من جهتها قالت وزارة الإعلام السورية -اليوم السبت- إن قوات وزارة الداخلية والأمن العام بدأت الانتشار في السويداء. وأشار بيان لوزارة الإعلام السورية إلى تشكيل لجنة طوارئ تضم وزارت وهيئات حكومية مختلفة لتسريع إدخال المساعدات الإنسانية إلى السويداء. وتابع البيان أن المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار تشمل فض الاشتباك بين المجموعات المسلحة داخل السويداء وقوات العشائر العربية، في حين يتم إدخال المساعدات الطبية اللازمة وتوفير الخدمات الأساسية خلال المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار. أما المرحلة الثالثة، فتبدأ بعد تثبت التهدئة بتفعيل مؤسسات الدولة وانتشار عناصر الأمن الداخلي في جميع أرجاء المحافظة. وقال المتحدث باسم الداخلية السورية نور الدين البابا للجزيرة إن الحكومة حريصة على تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار الذي وُقع برعاية دولية "بأفضل صورة ممكنة"، مؤكدا ضرورة تغليب سلامة المدنيين على أي اعتبار آخر. كذلك طالب الجميع بضرورة الالتزام بتنفيذ بنود الاتفاق، مشيدا بـ"تجاوب" المجاميع العشائرية مع دعوة الرئيس أحمد الشرع للالتزام به. وأعلنت الرئاسة السورية -في وقت سابق اليوم- وقفا فوريا وشاملا لإطلاق النار في السويداء وبدء انتشار قوات الأمن في عدد من المناطق من المحافظة، محذرة من أي خرق لوقف إطلاق النار ستعتبره "انتهاكا للسيادة". موقف العشائر وقد أكد مجلس القبائل والعشائر السورية التزامه بقرارات الدولة بوقف إطلاق النار، محذرا في الوقت ذاته من أنه إذا لم يلتزم الطرف الآخر، "فإنه سيكون جاهزا في كل وقت". وكان المبعوث الأميركي إلى سوريا توم برّاك قد قال في وقت سابق إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس السوري أحمد الشرع وافقا بدعم أميركي على وقف إطلاق النار. وأوضح المبعوث الأميركي -في منشور على منصة إكس- أن الاتفاق بين إسرائيل وسوريا تبنته تركيا والأردن وجيرانهما. ودعا الدروز والبدو والسنة إلى إلقاء أسلحتهم والعمل مع الأقليات الأخرى على "بناء هوية سورية جديدة وموحدة وبناء السلام والازدهار مع جيرانهم". اتصالات وردود من ناحية أخرى، أجرى وزير الخارجية التركي هاكان فيدان مكالمة هاتفية مع نظيره الأميركي ماركو روبيو ، وفقا لمصادر من وزارة الخارجية التركية. وأضافت المصادر أن فيدان أكد ضرورة إنهاء الاشتباكات في سوريا بأسرع وقت ممكن وإحلال الهدوء، مشددا على أهمية تنفيذ التفاهم الذي تم التوصل إليه بين الأطراف في هذا الإطار. وأشار فيدان إلى أن تدخلات إسرائيل في الأراضي السورية تزيد من تعقيد الأزمة، وقال إن أي اعتداء على وحدة وسيادة وسلامة الأراضي السورية يضر في الوقت ذاته بجهود إحلال السلام في المنطقة. وشدد فيدان على أنه لن يُسمح مطلقا "للتنظيمات الإرهابية" بالاستفادة من الوضع في جنوب سوريا. بدوره، رحب الاتحاد الأوروبي باتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه بين سوريا وإسرائيل، بدعم من الولايات المتحدة وشركائها الإقليميين. وشدد الاتحاد على ضرورة احترام وقف إطلاق النار، داعيا جميع الأطراف إلى وقف فوري لجميع أعمال العنف. كما دعا إسرائيل وجميع الجهات الفاعلة الأجنبية الأخرى إلى الاحترام الكامل لسيادة سوريا وسلامة أراضيها. كما رحبت المبعوثة الخاصة للمملكة المتحدة إلى سوريا بوقف إطلاق النار وثمنت "التصريحات البناءة" الصادرة عن الرئاسة السورية، مؤكدة ضرورة المحافظة على وقف إطلاق النار ووقف دائرة العنف. اشتباكات ميدانيا، أفادت مصادر من داخل المدينة بوقوع اشتباكات متقطعة صباح اليوم بين مقاتلي العشائر والفصائل الدرزية. وأظهرت صور من داخل السويداء تصاعد الدخان جراء الاشتباكات ووجود أعداد من مسلحي العشائر في بعض أحياء المدينة. وأكد مصدر بوزارة الداخلية للإخبارية السورية أن الأمن الداخلي منع دخول أي أرتال مسلحة باتجاه مدينة السويداء عبر طريقي دمشق ودرعا. يأتي هذا بعدما قال مراسل الجزيرة في السويداء إن قوات العشائر باتت على تخوم مدينة السويداء بعد سيطرتها على عدد من المدن والبلدات المحاذية لها. يشار إلى أن اشتباكات دامية تدور منذ الأحد الماضي بين عشائر بدوية ومجموعات درزية في السويداء، تطورت إلى عمليات انتقامية، في حين عرقلت غارات جوية شنتها إسرائيل على محافظات سورية بزعم "حماية الدروز" جهود القوات الحكومية لاحتواء الأزمة. وتصاعدت الاشتباكات عقب انسحاب القوات الحكومية مساء الأربعاء الماضي، بموجب اتفاق مع الجماعات المحلية بالمحافظة. وفي إطار مساعيها للحل، أعلنت الحكومة السورية 4 اتفاقات لوقف إطلاق النار، كان آخرها صباح اليوم. وقالت وزارة الصحة السورية إن 260 شخصا قُتلوا وأصيب 1698 في اشتباكات السويداء، في حين وثّقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان مقتل 321 شخصا خلال القتال منذ الأحد الماضي، من بينهم عاملون في الخدمات الطبية ونساء وأطفال.


الجزيرة
منذ 11 ساعات
- الجزيرة
ما وراء رسائل أنقرة لقسد من استغلال أحداث السويداء
أنقرة- في تحذير شديد اللهجة، وجه وزير الخارجية التركي هاكان فيدان ، الأربعاء الماضي، رسالة إلى قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وأذرعها العسكرية (وحدات حماية الشعب الكردية)، محذرا إياها من مغبة استغلال الاضطرابات الأخيرة في محافظة السويداء جنوب سوريا لتحقيق مكاسب ميدانية. وقال فيدان، في تصريحات للصحفيين بنيويورك على هامش اجتماع حول قبرص، إن أنقرة تلقت معلومات عن تحركات محتملة لعناصر "الوحدات الكردية"، قائلا "عليهم الامتناع عن استغلال الفوضى في سوريا أو الدخول في مغامرات غير محسوبة تزيد الوضع تعقيدا، فالانتهازية في هذه المرحلة قد تجلب مخاطر جسيمة". كما شدد الوزير التركي على أن أي خطوة خاطئة من تلك القوات في الوقت الراهن "ستهدد الاستقرار الإقليمي برمته". تحركات تركية وجاء تحذير أنقرة في أعقاب أيام من تجدد الاشتباكات العنيفة في محافظة السويداء بين فصائل درزية وعشائر عربية (من أبناء البدو المحليين)، والتي أسفرت عن سقوط عشرات القتلى والجرحى من الجانبين. وفي ظل المناخ الإقليمي المتوتر، كشفت وسائل إعلام تركية عن أن أنقرة أجرت اتصالات استخباراتية مع إسرائيل لبحث تطورات الوضع في السويداء والغارات الإسرائيلية المتكررة على الأراضي السورية. وأكد فيدان أن بلاده "ترفض أي مساعٍ من شأنها زعزعة الاستقرار في سوريا"، وأن الحكومة السورية الجديدة "لن تتمكن من معالجة الأزمة دون اتخاذ تدابير حقيقية لضمان الأمن الإقليمي". مشددا على أن أنقرة طالبت إسرائيل بوقف عملياتها العسكرية التي وصفها بأنها "استفزازية"، ومحذرا من أن استمرار الهجمات على دمشق والسويداء لن يمر من دون رد دولي. وفي السياق ذاته، أفادت مصادر تركية بأن رئيس جهاز الاستخبارات إبراهيم قالن، أجرى سلسلة اتصالات مكثفة مع نظرائه الأميركيين والسوريين والإسرائيليين لمتابعة التطورات الميدانية. وشملت الاتصالات الرئيس السوري أحمد الشرع ، والوسيط الأميركي توم باراك ، إلى جانب زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي اللبناني وليد جنبلاط ، في محاولة لاحتواء التصعيد ووقف نزيف الدم في السويداء. رسائل أنقرة في السياق، يعتقد المحلل السياسي محمود علوش أن التحركات التركية الأخيرة تعكس مخاوف أنقرة من إمكانية سعي قوات قسد إلى استغلال الوضع الأمني الراهن في سوريا، في ظل انشغال الحكومة بأحداث الجنوب والتصعيد الإسرائيلي ضد الأراضي السورية، بهدف إرباك المشهد في الشمال وفرض واقع جديد من شأنه تعقيد جهود التوصل إلى تسوية لملف قسد، إضافة إلى عرقلة تنفيذ اتفاق الاندماج المبرم بين قسد ودمشق في مارس/آذار الماضي. وأشار علوش إلى أن تركيا تراقب الأوضاع شمال سوريا عن كثب، في ظل قلق متزايد من أن تؤدي الاضطرابات في الجنوب إلى زعزعة المرحلة الحالية من الاستقرار، الأمر الذي قد يترتب عليه تداعيات خطيرة ليس فقط على المستوى السياسي، بل أيضا على الصعيد الأمني. وأضاف في حديثه للجزيرة نت، أن أنقرة ستكون مطالبة بمراقبة تحركات قسد في الشمال بحذر شديد، وتوجيه رسائل تحذير واضحة إلى قياداتها بأن أي محاولة انتهازية لاستغلال الوضع القائم قد تحمل مخاطر كبيرة. ورجح المحلل السياسي أن تضطر تركيا إلى تكثيف اتصالاتها مع الولايات المتحدة لحثها على ممارسة ضغوط على قسد لمنع أي خطوات قد تزيد المشهد السوري تعقيدا في هذه المرحلة الحساسة. مخاوف تركية وتعتبر تركيا أي تحرك تقوم به قسد في شمال شرقي سوريا تهديدا مباشرا لأمنها القومي، إذ ترى أن هذه القوات، التي تشكل وحدات حماية الشعب الكردية عمودها الفقري، ليست سوى امتداد ل حزب العمال الكردستاني المصنف لديها كمنظمة إرهابية. ومنذ سنوات، تطالب أنقرة بشكل متكرر بحل هذه المليشيات ودمج عناصرها ضمن الجيش السوري الموحد، كجزء من أي تسوية سياسية شاملة للصراع السوري. وفي الوقت ذاته، تكثف أنقرة ضغوطها لإخراج القوات الأميركية من المناطق التي يسيطر عليها الأكراد شرق الفرات، مؤكدة في خطابها الرسمي أن أي تحرك كردي أحادي الجانب من شأنه تهديد حدودها الجنوبية سيواجه برد حازم. في المقابل، تنفي قسد بشكل قاطع وجود أي نوايا انفصالية لديها، مؤكدة أن أولويتها تتمثل في التعاون السياسي. وأوضحت إلهام أحمد، عضو هيئة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية، أن هناك قناة اتصال مباشرة ومفتوحة مع تركيا تُعنى بالتنسيق الأمني فقط، مشددة على أن التركيز الأساسي في هذه المرحلة ينصب على استكمال مسار الاندماج مع دمشق، وليس على نزع السلاح. وعلى الصعيد العسكري، تتبنى تركيا موقفا أكثر وضوحا وحزما، إذ أعلن مصدر مسؤول في وزارة الدفاع التركية أن القوات المسلحة ماضية في عملياتها ضد العناصر الإرهابية في شمال سوريا، بهدف تأمين الحدود التركية ومنع قيام ما تسميه أنقرة بـ"الممر الإرهابي" على حدودها الجنوبية. مخططات إسرائيلية ويرى الأكاديمي والمحلل السياسي مصطفى يتيم أن هناك مؤشرات على تواصل وتنسيق بين وحدات حماية الشعب الكردية، المصنفة كمنظمة إرهابية في تركيا، وبعض المجموعات الدرزية المدعومة من إسرائيل في السويداء، وعلى رأسها التشكيلات التي يقودها حكمت الهجري ومجلس السويداء العسكري. إعلان وأوضح يتيم في حديث للجزيرة نت، أن هذه المجموعات الدرزية، التي تحظى بدعم إسرائيلي، تسعى إلى إنشاء كيان "ذاتي الحكم" شبيه بالنموذج الذي تسعى إليه قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في شمال شرقي سوريا. وأشار إلى أنه رغم أن جميع الفصائل الدرزية في السويداء لا تشترك بالضرورة في هذه الرؤية، فإن إسرائيل معروفة بسعيها لتفكيك سوريا وإنشاء كيانات صغيرة خاضعة لسيطرتها، بما يضمن لها مناطق نفوذ مباشرة على حدودها. وأضاف يتيم أن أخذ الدور التركي في شمال سوريا بعين الاعتبار، ضمن إستراتيجية "تركيا خالية من الإرهاب"، إلى جانب الضغوط الإقليمية والدولية المتزايدة على إسرائيل وحلفائها، يجعل من المستبعد أن تقدم وحدات حماية الشعب على مثل هذه المغامرة. وحذر في الوقت نفسه من أنه في حال أقدمت وحدات حماية الشعب على استغلال الوضع القائم، فإن تركيا لن تسمح بتمرير ذلك، كما أن الحكومة المركزية في دمشق لن تقبل بأي سيناريو يؤدي إلى تقسيم البلاد، مؤكدا أن أي محاولة إسرائيلية لتوسيع نفوذها أو الاقتراب من الحدود التركية ستواجه مقاومة قوية باستخدام كل الوسائل المتاحة.