logo
الوظيفة النقدية للإعلام من النخبة إلى جمهور التواصل

الوظيفة النقدية للإعلام من النخبة إلى جمهور التواصل

الرياض١٠-٠٧-٢٠٢٥
ما نحتاجه اليوم هو تربية نقدية رقمية، تُعلّم الجمهور كيف يمارس دوره الرقابي والنقدي بوعي، وكيف يساهم في إنتاج خطاب مسؤول، لا مجرد تفاعل لحظي. نحتاج إلى أن نُرسخ في الأذهان أن النقد ليس معاداة، ولا إقصاء، ولا تهشيم، بل هو فعل بناء، وضرورة معرفية، وشرط أساسي لتقدم أي مجتمع..
في عالم يتغير بوتيرة متسارعة، يتبدل دور الإعلام ووظائفه بتغير البنية الاجتماعية والثقافية والتقنية للمجتمع. ولعل من أبرز هذه التحولات ما طرأ على الوظيفة النقدية لوسائل الإعلام، تلك الوظيفة التي شكّلت عبر العقود ركيزة أساسية في تشكيل الوعي، ومساءلة السلطة، وتعزيز الحوار العام، وتقويم الانحرافات في مختلف الحقول: السياسية، الاقتصادية، الثقافية، الرياضية، وحتى الاجتماعية. غير أن هذه الوظيفة لم تعد حكرًا على المؤسسات الإعلامية التقليدية، بل غدت اليوم في عهد "الرقمنة الكاملة" جزءًا من الفعل اليومي لملايين الأفراد الذين يشاركون بوعي متفاوت في نقد الواقع عبر وسائط التواصل الاجتماعي.
في الماضي، كانت وظيفة النقد منوطة بأقلام صحفية مدربة، ومؤسسات إعلامية تخضع غالبًا لمنظومات تحريرية، ومعايير مهنية، وأحيانًا لضغوط سياسية واقتصادية تحد من سقف حريتها أو تُوجّه خطابها. وكان النقد في الإعلام نخبوياً إلى حد ما، لا يصل إلا عبر قنوات رسمية، ولا يكتبه إلا أصحاب الرأي والمعرفة أو من يسمَح لهم بالبروز في الفضاء العمومي. كانت تلك "أزمنة الوصاية الإعلامية" التي يُقرر فيها الإعلامي ما يستحق أن يُناقش، وما يجب تجاهله، وأي قضية لها "قيمة إخبارية" أو "قابلية نقدية".
لكن مع صعود الإعلام الرقمي ووسائل التواصل الاجتماعي، تبددت الحدود بين المرسل والمتلقي، وأُزيحت المؤسسات عن موقعها المركزي في إنتاج الخطاب النقدي. لقد انتقلت الوظيفة النقدية إلى الجمهور ذاته، بكل تنوعه: الجمهور المتعلم والمثقف، والهاوي، والعابر، والساخر، والغاضب، والمندفع، وحتى غير الواعي أحياناً. وأصبح من المألوف اليوم أن نرى التحليلات العميقة، والانتقادات الحادة، والمواقف الجريئة، تصدر عن مغرد أو مستخدم عادي، يتحدث من بيته، وباسمه الحقيقي أو المستعار، ويصل صوته - في لحظة - إلى مئات الآلاف.
التحول الذي نحن بصدده ليس مجرد تغيّر في وسائط الاتصال، بل هو تغير فلسفي عميق في مفهوم السلطة نفسها. فالإعلام بوصفه "السلطة الرابعة" كان يُمارس وظيفة رقابية ونقدية على السلطات الثلاث التقليدية، ويقوم بدور الوسيط بين الحاكم والمحكوم. أما اليوم، فقد تفككت هذه الوساطة جزئياً أو كلياً، وأصبحت الجماهير نفسها تشكل "سلطة" قائمة بذاتها، تمارس النقد، وتفرض القضايا على الأجندة العامة، وتحاسب، وتُسقط، وتُعيد الاعتبار، وتشكل الرأي العام في لحظات. إنها "سلطة الجماهير الرقمية" التي لم تعد تنتظر تحليلاً سياسياً على شاشة تلفزيون، أو افتتاحية صحيفة في اليوم التالي، بل تطلق حكمها فوراً، وتعلن موقفها بوسم، أو مقطع، أو صورة، أو تعليق.
هذا التحول له أبعاد عميقة. فمن جهة، حرر النقد من احتكار النخب، وأعطى صوتاً لمن لا صوت لهم، ومكّن شرائح واسعة من المشاركة في النقاش العام. ومن جهة أخرى، أدخل الفوضى على مفاهيم الدقة، والحياد، والموضوعية، وجعل الوظيفة النقدية عرضة للانفعالات، والتضليل، وأحياناً للعنف الرمزي أو المعرفي، حين يتحول "النقد" إلى تهجم، أو تحريض، أو تنمر رقمي.
تكمن إشكالية التحول إلى "نقد الجماهير" في التفاوت الهائل في مستويات الوعي والثقافة والقدرة التحليلية بين المستخدمين. فليست كل قراءة للواقع نقداً، وليست كل معارضة إصلاحاً، وليست كل إثارة للجدل فعلاً تنويرياً. ومن هنا تبرز الحاجة إلى التمييز بين الخطاب النقدي الواعي الذي يشتغل على تفكيك الظواهر، وربطها بسياقاتها، واقتراح البدائل، وبين الخطاب الانفعالي الذي يكتفي بإدانة سطحية، أو يسقط في فخاخ التعميم والشخصنة والتأجيج.
ورغم ذلك، لا يمكن إنكار أن وسائل التواصل قد خلقت بيئة خصبة لتعلّم النقد، ومراكمة الخبرات النقدية، وتبادل وجهات النظر. كما أنها عززت من مبدأ المساءلة الاجتماعية، إذ بات المسؤول، أو النجم، أو رجل الأعمال، أو الوزير، أو اللاعب، عرضة للنقد الشعبي المباشر، مهما كانت حصانته الإعلامية أو مؤسسته النافذة.
يُعدّ الوسط الرياضي مثالاً بارزًا على انتقال الوظيفة النقدية إلى الجمهور. فقديماً، كان النقاد الرياضيون هم من يصوغون الخطاب حول أداء الأندية واللاعبين، أما اليوم، فالمشجع نفسه أصبح ناقداً، محللاً، بل وأحياناً صانع قرار غير مباشر من خلال الضغط الجماهيري الرقمي. والشيء ذاته ينطبق على السياسات الاقتصادية، حيث يتم اليوم تقييم القرارات المالية والضريبية بلغة الشارع و، قبل أن تُنشر تحليلات اقتصادية عميقة حولها.
أما في المجال الاجتماعي، فقد أدى هذا التحول إلى خلق نوع جديد من الوعي الجماعي الرقمي، يمكن أن يطلق حملات ضد مظاهر الظلم، أو يُعيد الاعتبار لقضية منسية، أو يفتح ملفات مسكوتاً عنها. لقد تحول المستخدم الرقمي -بفضل أدوات النشر والتفاعل- إلى "فاعل اجتماعي" بمعنى الكلمة، تتجاوز سلطته سلطات المؤسسات أحياناً، ويقود موجات من النقد تُعيد تشكيل السياسات والمواقف.
لكن مع كل هذا الحراك، تظل هناك مسؤولية أخلاقية وفكرية تقع على عاتق كل من يمارس النقد، لا سيما في العصر الرقمي حيث تنتشر الكلمة بسرعة، وتؤثر فوراً، ولا تُنسى بسهولة. إن وظيفة النقد ليست مجرد إبداء الرأي، بل هي أداة لبناء الوعي، وتحسين الواقع، وتطوير المجتمعات. ومن يمارسها، ينبغي أن يتحلى بثقافة التحليل، واحترام التعدد، وتجنب الأحكام المطلقة، والقدرة على التفريق بين الوقائع والانطباعات.
ما نحتاجه اليوم هو تربية نقدية رقمية، تُعلّم الجمهور كيف يمارس دوره الرقابي والنقدي بوعي، وكيف يساهم في إنتاج خطاب مسؤول، لا مجرد تفاعل لحظي. نحتاج إلى أن نُرسخ في الأذهان أن النقد ليس معاداة، ولا إقصاء، ولا تهشيم، بل هو فعل بناء، وضرورة معرفية، وشرط أساسي لتقدم أي مجتمع.
ويبقى القول: لقد انتقلت الوظيفة النقدية من منابر الصحافة إلى شاشات الهواتف، ومن الأقلام المدربة إلى الأصابع المتحمسة، ومن غرف التحرير إلى تعليقات الجمهور. لكن هذه الوظيفة لم تفقد قيمتها، بل زاد عبؤها، واتسع أفقها، وأصبح لزاماً على كل فرد أن يكون ناقداً واعياً لا مجرد معلق أو ناقم. إن مستقبل المجتمعات يتوقف على قدرتها على نقد ذاتها بذكاء، وعلى تعميق ثقافة السؤال، وتوسيع فضاء التفكير. وهنا، يكمن التحدي الأبرز: أن نحول هذا الفضاء المفتوح إلى ساحة حوار ونقد مسؤول، لا إلى ساحة ضجيج وعدمية فكرية.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

مع توقف اشتباكات السويداء.. مبعوث ترمب يدعو لإلقاء السلاح: سوريا على مفترق طرق
مع توقف اشتباكات السويداء.. مبعوث ترمب يدعو لإلقاء السلاح: سوريا على مفترق طرق

الشرق السعودية

timeمنذ 6 ساعات

  • الشرق السعودية

مع توقف اشتباكات السويداء.. مبعوث ترمب يدعو لإلقاء السلاح: سوريا على مفترق طرق

دعا المبعوث الأميركي إلى سوريا، توماس باراك، الأحد، كافة الفصائل المتحاربة إلى وضع السلاح ووقف الأعمال العدائية، محذراً من أن سوريا تقف عند "مفترق طرق حاسم"، وذلك بعد انتشار قوات الأمن الداخلي السورية لفض الاشتباكات، وبدء تنفيذ وقف إطلاق النار في السويداء ذات الأغلبية الدرزية جنوبي البلاد. وقال باراك في منشور على منصة "إكس"، إن قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب برفع العقوبات عن سوريا، كان خطوة مبدئية، لمنح الشعب السوري "فرصة لتجاوز سنوات من المعاناة والفظائع المروعة التي تفوق الوصف". وأضاف باراك وهو السفير الأميركي في تركيا أيضاً، أن المجتمع الدولي أبدى دعماً للحكومة السورية الجديدة، و"راقب بحذر فيما تسعى هذه الحكومة إلى الانتقال من إرث الألم إلى مستقبل يحمل الأمل". وتابع: "لكن صدمة عميقة باتت تطغى على هذا الطموح الهش، بسبب أفعال وحشية ارتكبتها الفصائل المتحاربة على الأرض، ما يقوض سلطة الحكومة الجديدة، وأي مظهر للنظام والاستقرار". وقال إنه "يجب على جميع الفصائل المتحاربة أن تضع السلاح فوراً، وتوقف الأعمال العدائية، وتتخلى عن دوامة الثأر القبلي"، محذّراً من أن "سوريا تقف اليوم على مفترق طرق حاسم"، مضيفاً أن "السلاح والحوار يجب أن ينتصرا، وأن ينتصرا الآن". وفي وقت متأخر من السبت، قال وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، إن الولايات المتحدة ظلت منخرطة بشكل مكثف خلال الأيام الـ3 الماضية مع السلطات في دمشق والأردن وإسرائيل، بشأن "التطورات المروعة والخطيرة" في جنوب سوريا. وأضاف روبيو على حسابه بمنصة "إكس": "يجب أن تتوقف عمليات اغتصاب وقتل الأبرياء التي وقعت وما زالت تحدث". وأشار إلى أنه إذا أرادت السلطات في دمشق الحفاظ على أي فرصة لتحقيق سوريا موحدة وشاملة وسلمية، خالية من "داعش" والسيطرة الإيرانية، فإن "عليها المساعدة في إنهاء هذه الكارثة باستخدام قواتها الأمنية"، لمنع "داعش" والآخرين من دخول المنطقة وارتكاب مجازر. ودعا وزير الخارجية الأميركي، السلطات السورية، إلى "محاسبة وتقديم أي شخص مذنب بارتكاب فظائع إلى العدالة، بمن فيهم من هم في صفوفها"، مشدداً على ضرورة "وقف القتال بين الجماعات الدرزية والبدوية داخل المنطقة فوراً". اتفاق متعدد المراحل وفي دمشق، قال وزير الإعلام السوري حمزة المصطفى، إن حكومة بلاده استجابت لنداءات الوسطاء الدوليين، وأوقفت التصعيد في محافظة السويداء، عبر اتفاق متعدد المراحل يضمن إنهاء الاقتتال وعودة مؤسسات الدولة، مشيراً إلى أن الزمن المتوقع لتنفيذ المرحلة الأولى المتعلقة بفض الاشتباكات هي 48 ساعة. وأضاف المصطفى خلال مؤتمر صحافي، السبت، أن "الدولة استجابت لنداءات الوسطاء الدوليين تجنباً لأي مواجهة عسكرية وحرب مفتوحة تعرقل مسار سوريا التنموي، وأعادت انتشار قواتها وأفسحت المجال للوسطاء لتطبيق التفاهمات المتعلقة بوقف الاقتتال". وكان المتحدث باسم وزارة الداخلية السورية، نور الدين البابا، أعلن، السبت، توقف الاشتباكات داخل مدينة السويداء، بعد إخراج جميع مسلحي العشائر البدوية من المدينة. ونقلت وكالة الأنباء السورية "سانا" عن المتحدث قوله: "بعد جهود حثيثة بذلتها وزارة الداخلية لتطبيق اتفاق وقف إطلاق النار، وذلك بعد انتشار قواتها في المنطقة الشمالية والغربية لمحافظة السويداء، تم إخلاء مدينة السويداء من كافة مقاتلي العشائر، وإيقاف الاشتباكات داخل أحياء المدينة". وأعلن مجلس القبائل والعشائر السورية، السبت، إخراج كافة مقاتليه من السويداء تنفيذاً لاتفاق وقف إطلاق النار. في المقابل دعت الرئاسة الروحية لطائفة الدروز الموحدين، في بيان، السبت، الدول الضامنة لاتفاق وقف إطلاق النار في السويداء إلى "القيام بمسؤولياتها والوقوف عند واجباتها والإيفاء بتعهداتها" في وقف الهجوم على أبناء الطائفة، وفرض حماية دولية مباشرة للدروز في سوريا. "وقف شامل" لإطلاق النار وأعلنت الرئاسة السورية في بيان، السبت، "وقفاً شاملاً وفورياً لإطلاق النار"، ودعت "جميع الأطراف، دون استثناء، إلى الالتزام الكامل بهذا القرار، ووقف كافة الأعمال القتالية فوراً في جميع المناطق، وضمان حماية المدنيين وتأمين وصول المساعدات الإنسانية دون أي عوائق". وقال الرئيس السوري أحمد الشرع، إن سوريا "ليست ميداناً لمشاريع الانفصال أو التحريض الطائفي"، واتهم من لديهم "مصالح ضيقة" و"طموحات انفصالية" بأنهم وراء اشتعال الموقف في السويداء، مضيفاً أن هذه المصالح "لا تعبر عن الطائفة الدرزية بأكملها"، وشدد على أن الدروز "ركن أساسي من النسيج الوطني السوري". وأضاف أن "الوساطات الأميركية والعربية" ساهمت في تهدئة الأوضاع بالسويداء في ظل "ظروف معقدة"، وانتقد إسرائيل لشنها غارات جوية على قوات الحكومة السورية، وعلى دمشق خلال الأيام الماضية. وكان المبعوث الأميركي توماس باراك أعلن، الجمعة، اتفاق سوريا وإسرائيل على وقف لإطلاق النار، ودعا الدروز والبدو والسنة "إلى إلقاء السلاح وبناء هوية سورية جديدة وموحدة مع الأقليات الأخرى". وبدأت أعمال العنف باشتباكات بين الدروز وعشائر بدوية سورية. ونفذت إسرائيل غارات جوية على جنوب سوريا، وعلى مقر وزارة الدفاع في دمشق، زاعمة أنها تحمي الأقلية الدرزية التي يوجد عدد كبير منها في إسرائيل.

مركز الملك عبدالعزيز للتواصل الحضاري.. جسر يربط المملكة بالعالم
مركز الملك عبدالعزيز للتواصل الحضاري.. جسر يربط المملكة بالعالم

الرياض

timeمنذ 14 ساعات

  • الرياض

مركز الملك عبدالعزيز للتواصل الحضاري.. جسر يربط المملكة بالعالم

المملكة العربية السعودية اليوم أثبتت نفسها كواحدة من أبرز الدول التي تخطو بخطوات واثقة وقوية نحو تعزيز مكانتها الحضارية على مستوى العالم، حيث تستند على إرث ثقافي عريق امتدت آثاره لقرون وقرون من التاريخ والثقافة الإسلامية أولًا والعربية ثانيًا، وتماشيًا مع الرؤية العظيمة 2030 وضعت المملكة الثقافة في قلب الخطط التنموية التي تسعى لتحقيقها، فالثقافة لم تكن يومًا مجرد مظهر حضاري عن الدولة؛ بل هي القوة الناعمة التي تعزز الهوية الوطنية وتساعد في بناء جسر متين مع الشعوب الأخرى. ومن هذا المنطلق أُسس مركز الملك عبد العزيز للتواصل الحضاري في عام 2003م تحديدًا في يوم الرابع والعشرين من شهر يوليو، والذي كان في السابق يحمل اسم " مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني "، وفي حقيقة الأمر كلمتي التواصل الحضاري لم تأتِ هكذا من تلقاء نفسها، بل تم تسمية المركز بهذا الاسم خصيصًا لأنه في السابق كان المركز مهتمًا بقضايا وطنية واجتماعية وثقافية وتربوية، كما أنه يُعنى بصياغة خطاب إسلامي معتدل، ويساعد في تعزيز المشاركة المدنية داخل المملكة. أما الآن ترجع تسميته بسبب تركيز المركز على التواصل الحضاري الخارجي والداخلي، أي تعزيز الحوار مع العالم بما يتماشى مع رؤية 2030 التي شنتها المملكة مع التركيز أيضًا على تعزيز الهوية الوطنية، والتسامح بين الشعوب، والأهم إبراز الصورة الحقيقية للمجتمع السعودي الوسطي والمنفتح. فاليوم أصبحنا في عصرٍ تتلاشى المسافات فيه بفعل التكنولوجيا والانفتاح المتسارع، لذا أصبح من الضروري التشييد بالحوار الحضاري لنضمن بالفعل تعايشًا سلميًا والتفاهم بين مختلف الشعوب لنبتعد كل البعد عن زمن العولمة ونواجه التحديات المشتركة بروح التعاون مع الحفاظ على حق الاختلاف وقبول التنوع بين الدول بوصفه مصدرًا للقوة لا للصراع. كما أن أهداف مركز الملك عبد العزيز للتواصل الحضاري لم تنتهِ بعد؛ فبجانب إبراز الصورة الحقيقية للسعودية أمام العالم وتعزيز التفاهم الحضاري، يسعى المركز إلى تصحيح المفاهيم الخاطئة عن المملكة وشعبها من خلال مبادرات وبرامج تواصل إعلامية ومهنية كبرنامج " جسور التواصل " وبرنامج " سفير للتواصل الحضاري "، وأيضًا برنامج " نسيج " لتعزيز التعايش المجتمعي و" إثنينية التواصل ". بالإضافة إلى تمكين وتأهيل الشباب والمرأة والخبراء السعوديين لينقلوا صوت المملكة وقيمها إلى العالم أجمع، وكذلك التعاون مع المؤسسات الإقليمية والدولية، وتوظيف أدوات الاتصال والإعلام والثقافة ليتم من خلالها دعم السعودية كمكانة إقليمية ودولية كبيرة، وأيضًا دعم أهداف رؤية المملكة 2030 ليتم تعزيز الهوية الوطنية في سياق عالمي. ولم تنتهِ رؤية المركز وأهدافه إلى هذا الحد، بل حرص على تنظيم لقاءات وطنية تجمع بين مختلف مكونات المجتمع الفكرية، والمذهبية، والمناطقية، وحرص على مواجهة التطرف والتعصب بشتى الطرق، وتقديم ورش عمل ودورات تدريبية في كلًا من المدارس والجامعات والقطاعات الحكومية والخاصة، كما ساعد في نشر ثقافة الحوار في المجتمع السعودي وبالتالي ارتقى الفكر وتقدمنا للأمام. أما على المستوى الدولي؛ استطاع مركز الملك عبد العزيز للتواصل الحضاري خلال الأعوام الماضية أن يرسخ حضور المملكة القوي عالميًا، وذلك حدث عن طريق باقة كبيرة من الإنجازات الدولية الملموسة، حيث قام المركز بتنظيم عشرات الندوات واللقاءات في العديد من المدن والعواصم حول العالم بالشراكة مع مراكز مرموقة ومؤسسات أكاديمية بهدف مناقشة قضايا التفاهم بين مختلف الثقافات ومواجهة أي صورة نمطية عن المملكة. كما قام المركز بإطلاق برنامج " الوفود الزائرة " بغرض استضافة شخصيات ثقافية وإعلامية من مختلف الدول حول العالم ليتيح لهم فرصة الاطلاع والتعرف عن قرب على المجتمع السعودي الحديث وتجربته الحضارية، ومن أهم اللقاءات التي كانت داعمة للمركز؛ اللقاء الحواري لملك المملكة المتحدة تشارلز عندما كان وليًا للعهد أثناء زيارته لمدينة الرياض في يوم السبت الموافق 16 من شهر مارس لعام 2013م. حيث مجدّ الملك تشارلز الدور الكبير الذي قام به الملك عبد الله بن عبد العزيز –طيب الله ثراه- في مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني، وقدرّ الجهود الكبيرة التي قدمتها المملكة لترسخ في عقولنا وعقول العالم أجمع أهمية الحوار بين مختلف الثقافات والحضارات، كما أبدى إعجابه بالزيارة التي خاضها إلى مكتبة الملك عبد العزيز العامة ورؤية بعض المقتنيات المتعلقة بالأميرة أليس عند زيارتها للسعودية لأول مرة، مما جعل برنامج الوفود الزائرة جزء مهم في توطيد العلاقات بين المملكة ودول العالم بأكمله. بالإضافة إلى أن المركز أسهم بالفعل في بناء جسور حقيقية مع العديد من المجتمعات من خلال تعاونه مع منظمات دولية مثل: اليونسكو والإيسيسكو، والعديد العديد من المؤتمرات العالمية والمشاريع المشتركة والحملات الإعلامية الرقمية لدعم وتعزيز ثقافة التسامح، والتعايش المشترك. وفي نهاية الحديث سيظل مركز الملك عبد العزيز للتواصل الحضاري شاهد حي على التزام المملكة العربية السعودية بالحفاظ على إرثها الإسلامي والثقافي العريق، وتعزيز قيم التواصل والتفاهم، فمن خلال المركز سنرسم اليوم صورة حقيقية لمجتمع سعودي متجدد يعتز بهويته ويُشيد جسورًا من الثقة والتفاهم والسلام مع شعوب العالم أجمع لنثبت أن التواصل الحضاري ركيزة أساسية نعكس من خلالها رسالتنا الإنسانية التي تتجاوز الحدود لنصنع أثرًا إيجابيًا في نهاية المطاف.

إسرائيل وإيران تدخلان عهداً جديداً من الحرب النفسية
إسرائيل وإيران تدخلان عهداً جديداً من الحرب النفسية

الشرق الأوسط

timeمنذ 3 أيام

  • الشرق الأوسط

إسرائيل وإيران تدخلان عهداً جديداً من الحرب النفسية

في الساعات التي سبقت قصف القوات الإسرائيلية لسجن إيفين بالعاصمة الإيرانية طهران في 23 يونيو (حزيران) الماضي، ظهرت منشورات باللغة الفارسية على وسائل التواصل الاجتماعي تنذر بالهجوم وتحث الإيرانيين على تحرير السجناء. بعد لحظات من سقوط القنابل، ظهر مقطع فيديو على منصة «إكس»، وتطبيق المراسلة «تلغرام»، يزعم أن هناك انفجاراً عند مدخل السجن، الذي يشتهر باحتجاز السجناء السياسيين. تضمن أحد المنشورات على «إكس» وسماً باللغة الفارسية يقول: (#freeevin - حرروا إيفين). كان الهجوم على السجن حقيقياً، لكن المنشورات ومقطع الفيديو لم يكونا كما ظهرا. كانا جزءاً من خدعة إسرائيلية، وفقاً للباحثين الذين تابعوا هذه الأحداث. لم تكن هذه هي الحيلة الوحيدة خلال الصراع. على مدار 12 يوماً من الهجمات، حوّلت إسرائيل وإيران وسائل التواصل الاجتماعي إلى ساحة معركة رقمية، باستخدام الخداع والأكاذيب في محاولة للتأثير على النتيجة، حتى في الوقت الذي تبادلا فيه الضربات الصاروخية التي أودت بحياة المئات وأثارت الاضطرابات في منطقة الشرق الأوسط المضطربة حقاً. وقال الباحثون إن المنشورات تمثلت في حرب إعلامية أكثر حدة، حيث بدأت قبل الضربات، واستخدمت الذكاء الاصطناعي، وانتشرت على نطاق واسع وبسرعة كبيرة. حرب المعلومات، التي غالباً ما تُسمى العمليات النفسية، قديمة قدم الحرب نفسها. لكنّ الخبراء يقولون إن الجهود بين إسرائيل وإيران كانت أكثر كثافة واستهدافاً من أي شيء سبقها، وشاهدها ملايين الأشخاص الذين يتصفحون جوالاتهم للحصول على آخر المستجدات حتى أثناء سقوط القنابل. والسبب هو أن التكنولوجيا الحالية - انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وظهور الذكاء الاصطناعي التوليدي - قد غيّرت من قدرة الدول على الاستجابة للأحداث والتحدث مباشرة إلى المواطنين وغيرهم في الوقت الفعلي بطرق أكثر مصداقية من أي وقت مضى. على سبيل المثال، أرسلت إيران تنبيهات باللغة العبرية إلى آلاف الجوالات الإسرائيلية تحذر مستخدمي الملاجئ المضادة للقنابل، لأن المسلحين يخططون للتسلل إليها ومهاجمة من بداخلها، وفقاً للباحثين والبيانات الرسمية. ونشرت شبكة من الحسابات على منصة «إكس» المنسوبة إلى إسرائيل رسائل باللغة الفارسية في محاولة لتقويض الثقة في الحكومة الإيرانية، بما في ذلك رسائل ترويها امرأة تم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي. رفض الجيش الإسرائيلي الرد على الأسئلة ذات الصلة بالعمليات النفسية. وكذلك فعل مسؤول من الوفد الإيراني لدى الأمم المتحدة في نيويورك. يقدم سيل الدعاية والخداع لمحة عما ستواجهه الولايات المتحدة أو الدول الأخرى بشكل شبه مؤكد إذا اندلعت الحرب. ظهرت صور زائفة لقاذفات (بي 2) مدمرة على الإنترنت عندما أمر الرئيس الأميركي دونالد ترمب بشن ضربات على مواقع نووية إيرانية مدفونة على عمق كبير. ويتساءل البعض عن مدى استعداد الولايات المتحدة، لا سيما مع قيام إدارة ترمب بخفض الجهود المبذولة لمكافحة عمليات التأثير الأجنبي. تتبنى الاستراتيجية العسكرية الأميركية عمليات المعلومات - التي تُعرف في البنتاغون منذ عام 2010 باسم عمليات دعم المعلومات العسكرية - ولكن غالباً ما يتم التعامل معها على أنها مجرد دور داعم. تُعد روسيا - تليها الصين - الخصم الأكثر حزماً عندما يتعلق الأمر بحملات التأثير. فقد شنت روسيا حرباً إعلامية شرسة ضد أوكرانيا وحلفائها منذ شنها غزواً كاملاً على البلاد في عام 2022. وبحسب بعض الروايات، فقد قوضت الدعم في بعض البلدان، بما في ذلك الولايات المتحدة. لقد اتبع كل من إسرائيل وإيران نهج روسيا، في محاولة لتشكيل الرأي العام بالداخل والخارج، ولكن مع قدرة إضافية على دمج أدوات الذكاء الاصطناعي المتاحة على نطاق واسع في حملاتهما. وقال هاني فريد، أستاذ علوم الحاسوب في جامعة «كاليفورنيا»، فرع بيركلي: «إذا عدنا إلى الأيام الأولى لأوكرانيا، فقد شهدنا حملات تضليل إعلامي من روسيا، لكنها كانت بدائية للغاية مقارنة بما شهدناه في الأيام الأولى لغزة». وفريد هو أحد مؤسسي شركة «جيت ريل سيكيورتي»، التي كانت أول من كشف التلاعب بالفيديو الخاص بسجن إيفين. وأضاف: «هذا لا يُذكر مقارنة بما نراه في إيران». أغرق طرفا النزاع الإنترنت بصور ومقاطع فيديو زائفة أو ملفقة، في محاولة لإضعاف معنويات الطرف الآخر وتشويه صورته. وتضمن المحتوى صوراً من نزاعات سابقة وتلفيقات واضحة للمرشد الأعلى الإيراني ورئيس الوزراء الإسرائيلي. أما الصور الأكثر دقة، مثل الفيديو في سجن إيفين، فقد نشرتها بعض المؤسسات الإخبارية في بادئ الأمر على أنها حقيقية، بما في ذلك صحيفة «نيويورك تايمز». وقال فريد: «مع الراديو، كانت لديك رسالة واحدة ترسلها. أما الآن لديك مليون رسالة ترسلها إلى مليون شخص. من الواضح أن هذا أمر مختلف تماماً». قد يكون من الصعب قياس تأثير ذلك في الصراع الحالي بصورة مؤكدة. وغالباً ما يلتف المواطنون حول قادتهم في أوقات الحرب، وينظرون إلى الدعاية الواضحة بشك أو سخرية. ويقول المحللون إنه حتى لو لم تُغير الحرب النفسية مسار الصراع، فإنها يمكن أن تشكل تصورات الجمهور بشأنه. وقال آري بن عام، أحد مؤسسي «تيليميتري داتا لابس»، وهي شركة تحليلات رقمية في تل أبيب، إن جهود إيران تبدو موجهة إلى الجمهور المحلي والإقليمي بقدر ما هي موجهة إلى إسرائيل نفسها. وأظهر مقطع فيديو زائف دماراً في مطار بن غوريون في إسرائيل لم يحدث. وظهرت صور ومقاطع فيديو لحطام طائرات إسرائيلية - ثم أميركية - على حسابات أرجعها الباحثون إلى إيران ووسائل إعلامها الحكومية. مع ذلك، زعمت إيران أنها أسقطت ما لا يقل عن ثلاث طائرات إسرائيلية من طراز (إف 35). ونفى مسؤولون عسكريون إسرائيليون فقدان أي طائرة في القتال، ولم تظهر أي أدلة تشير إلى عكس ذلك. وأظهرت إحدى الصور وجود حارق خلفي غير قابل للتصديق في عادم إحدى الطائرات المحطمة. وزعمت وسائل الإعلام الإيرانية أنها أسرت طيارة إسرائيلية، حددت هويتها على أنها سارة أحرونوت، غير أن شركة «نيوز غارد»، وهي شركة معنية بمراقبة المعلومات المضللة في وسائل الإعلام، قد تتبعت الصورة، وخلصت إلى أنها تعود لضابط في البحرية التشيلية التُقطت في عام 2011. *خدمة «نيويورك تايمز»

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store