
مراكز شرطة صينية سريّة تثير قلقا كبيرا في فرنسا
ووفق ما نقلته صحيفة لاكروا الفرنسية، فإن هذه المراكز، التي تعمل تحت غطاء إداري غير رسمي، تُدار ضمن سياسة منظمة تُعرف باسم "جبهة العمل الموحد" التابعة للحزب الشيوعي الصيني ، وهي موجهة لضبط أفراد الشتات الصيني والتأثير عليهم، بل وأحيانا إجبارهم على العودة قسرا إلى الصين.
ولم تورد الصحيفة موقف الصين من هذه الاتهامات.
وفي مايو/أيار 2024، كشفت تحقيقات برنامج "المبعوث الخاص" على قناة "فرانس 2" ومجلة "تشالنجز" عن وجود مراكز شرطة صينية سرية على الأراضي الفرنسية.
تسعة مراكز
وأكدت المديرية العامة للأمن الداخلي الفرنسية رصد 9 من هذه المراكز السرية في فرنسا منذ 2022. وذكرت في رد على استجواب تقدمت به النائبة الجمهورية كونستانس لوغريب، أن "عدة إجراءات اتُخذت لإغلاق هذه الهياكل أو تعطيل نشاطها"، وأن السلطات الصينية استجابت لاحقا بإصدار تعليمات لتجميد أنشطتها.
لكن رغم هذه التدابير -تتابع لاكروا- لا تزال هذه المراكز تمثل مصدر قلق للسلطات الفرنسية والمنظمات الحقوقية، بالنظر إلى طابعها الشبكي غير الرسمي. فغالبا ما يديرها أفراد من الجالية الصينية، كأصحاب متاجر أو رؤساء جمعيات، ويقتصر عدد العاملين بها على أربعة أو خمسة أشخاص في بعض الأحيان.
وتتابع الصحيفة، إن الهدف المعلن لهذه المراكز هو تقديم الخدمات القنصلية للمواطنين بالخارج، مثلما حدث أثناء جائحة كورونا حين واجهت السفارات ضغطا غير مسبوق.
لكن وفقا للباحث سيمون مينيه من مؤسسة البحث الإستراتيجي، فإن الوظيفة الحقيقية لهذه المحطات تكمن في مراقبة المعارضين السياسيين وجمع المعلومات عنهم، بما يشمل أنصار الديمقراطية ودعاة استقلال تايوان وأبناء أقليات مثل الإيغور والتبتيين، فضلا عن أتباع حركة "فالون غونغ".
وجه خفي
وتشير لاكروا إلى أن أبرز ما يثير الجدل عن هذه المراكز هو تورطها المحتمل في عمليات "إعادة قسرية" لمواطنين صينيين من الخارج، بعيدا عن الأطر القانونية الرسمية.
إعلان
ففي مارس/آذار 2024، سلط برنامج "المبعوث الخاص" الضوء على محاولة لإعادة معارض شاب يُدعى لينغ هوا تشان من مطار شارل ديغول إلى الصين، قبل أن تفشل العملية بفعل تدخل محامين وحقوقيين.
ويُعتقد أن هذه المراكز تلعب دور الوسيط بين الاستخبارات الصينية والجالية، عبر تزويد عملاء بكين بالمعلومات اللازمة لتنفيذ مثل هذه العمليات.
وبحسب منظمة "سيفغارد ديفندرز"، تم توثيق أكثر من 100 مركز شرطة صيني في العالم بحلول نهاية عام 2022، موزعة على 53 دولة. وبينما لم يتجاوز عدد المراكز في فرنسا أربعة مراكز حينها، ارتفع هذا الرقم إلى 9 عام 2025، في مؤشر واضح على تنامي هذا النفوذ وتوسع رقعته الجغرافية، رغم الجهود الأمنية الرامية إلى تقييده.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 3 ساعات
- الجزيرة
نائبتان فرنسيتان للجزيرة نت: لن نوقّع أي وثيقة إذا قرصنت إسرائيل "حنظلة"
باريس- بينما يستمر القصف الإسرائيلي على غزة وتتفاقم الإبادة الجماعية وعزلة القطاع المحاصر، تبحر السفينة "حنظلة"، غدا الأحد، في مهمة لا تخلو من التحدي والرمزية. ووسط أجواء التجهيز لهذه الرحلة الإنسانية، تشارك النائبتان الفرنسيتان من حزب " فرنسا الأبية" غابرييل كاتالا وإيما فورو في القافلة البحرية ضمن محاولة جديدة لكسر الحصار الإسرائيلي المفروض على أكثر من مليوني فلسطيني في قطاع غزة. وفي مقابلة خاصة للجزيرة نت، تحدثت النائبتان عن دوافع وأهمية مشاركتهما ضمن طاقم السفينة، متهمتين المجتمع الدولي بالتواطؤ في الإبادة الجماعية، ومؤكدتين عدم توقيعهما على أيّ وثيقة إسرائيلية في حال "اختطاف حنظلة" من المياه الدولية. إنساني وأخلاقي بالنسبة لعضوة البرلمان الأوروبي غابرييل كاتالا، فترى أهمية في مشاركتها نظرا للأهداف التي تسعى المبادرة إلى تحقيقها، والمتمثلة في كسر الحصار غير القانوني المفروض على غزة منذ عام 2007، ووقف الإبادة الجماعية. وقالت كاتالا "نحن ملتزمون بشدة في حزب فرنسا الأبية بالدفاع عن الشعب الفلسطيني وحقه في تقرير مصيره وفي المساواة في حقوق الإنسان. ووفقا للجنة الدولية لكسر الحصار، يساعد وجودنا كبرلمانيين في توفير الأمن لبقية النشطاء في الأسطول". وتابعت "لسنا رؤساء دول، لذا سيكون الأمر أسهل بكثير لو أعلن الرئيس إيمانويل ماكرون حظرا على توريد الأسلحة لإسرائيل، واعترف بالدولة الفلسطينية، وفرض عقوبات اقتصادية ودبلوماسية، وبادر بمناورات واسعة النطاق في الأمم المتحدة لمعاقبة إسرائيل". من جانبها، شددت العضوة في البرلمان الأوروبي إيما فورو على أنها تشارك في السفينة حنظلة لأن "الحكومة الفرنسية والرئيس ماكرون لا يفعلون شيئا. لقد أصبح المجتمع المدني الوحيد الذي يتحرك لأن قادتنا متواطئون في الإبادة الجماعية في فلسطين". وأضافت فورو "من المهم أن نشارك في هذه الحركة الشعبية لنُظهر أن هناك مسؤولين منتخبين يقفون إلى جانب الشعب الفلسطيني ويدعمون القانون الدولي الذي يُنتهك يوميا في غزة، وينتهكه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ، المطلوب ل لمحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة، أيضا بمعارضته أساطيل الحرية". سيناريو "مادلين" ولا تعد هذه السفينة الأولى التي تحاول كسر الحصار غير القانوني المفروض على قطاع غزة. ففي 9 يونيو/حزيران الماضي، اقتحمت قوات كوماندوز إسرائيلية السفينة مادلين التابعة لمبادرة أسطول الحرية وكان على متنها 10 نشطاء دوليين وصحفيان اثنان، وكانت مسرحا لانتهاك القانون الدولي. وفي هذا الإطار، اعتبرت كاتالا أن اختطاف واعتقال إسرائيل ركاب "مادلين" أمر غير قانوني، مشيرة إلى أنه في حال تعرضت السفينة "حنظلة" إلى المصير نفسه "فلن نوقّع على أي وثيقة تُقر بارتكابنا جريمة لم نرتكبها قط". وتابعت "عندما يدعي الإسرائيليون، أن المياه قبالة قطاع غزة إسرائيلية، فإنهم مُخطئون تماما، لأن غزة تُعتبر أرضا محتلة، والمياه قبالتها فلسطينية، ويجب أن تتمتع فلسطين بسيادة كاملة عليها. لذا، فإن توقيع أي شيء أمرٌ غير وارد بالنسبة لنا". ووفقا للمعاهدات السارية حاليا التي صادقت عليها فرنسا ودول أخرى، يُحظر إيقاف السفن المبحرة في المياه الدولية ، خاصة عندما تكون في مهمة إنسانية. وتعليقا على احتجاز النائبة في البرلمان الأوروبي ريما حسن المشاركة في السفينة "مادلين"، قالت فورو، إن ما حدث "عار كبير على إيمانويل ماكرون الذي عجز عن حماية مواطنة فرنسية ومسؤولة منتخبة. كما عجز البرلمان الأوروبي أيضا عن توفير الحماية لعضو فيه". وتعتبر المتحدثة أن اعتقال أفراد الطاقم غير قانوني وقرصنة لم يُفرض عليها أي عقوبات دبلوماسية أو اقتصادية. مضيفة "لكننا نأمل ألا تلقى السفينة حنظلة المصير ذاته لأن هدفنا واضح: الوصول إلى غزة وإيصال المساعدات الإنسانية، وقبل كل شيء، كسر الحصار وإنشاء معبر حدودي حتى يتمكن الفلسطينيون على المدى البعيد من نيل الحرية والسيادة". رسائل "حنظلة" وأكدت النائبة فورو أن طاقم السفينة لا يخطط للذهاب إلى إسرائيل، بل إلى غزة "لذا، من البديهي، إذا تم اعتراضنا واختطافنا وإعادتنا قسرا إلى إسرائيل، فلن نوقع تحت الضغط على أي وثيقة زائفة تُقر بدخولنا الأراضي الإسرائيلية بشكل غير قانوني". وضمن حديثها للجزيرة نت، أوضحت كاتالا أنها لا تريد أن يكون اهتمام النشطاء الدوليين منصبا على التركيز على المخاطر التي قد يواجهونها على متن السفينة، وما إذا كانوا سيتعرضون للخطف أو القتل "لأننا سنضع في اعتبارنا يوميا معاناة الشعب الفلسطيني الذي يعيش إبادة جماعية منذ 21 شهرا". وأكدت "لا نريد أن نستبدل صوت الفلسطينيين الذين لهم صوتهم الخاص وهم الأقدر على قيادة نضالهم، وقيادة نضال سلمي مستمر منذ ما يقرب من 80 عاما. ولذا، نريد أن نقول لهم إننا هنا من أجلهم ونبذل قصارى جهدنا ونأمل في الوصول إلى غزة". بدورها، أوضحت النائبة إيما فورو "أود أن أقول للفلسطينيين إننا نشاهد جميع الصور التي تبثونها وتنقلونها، ونسعى إلى إيصال رسالتكم قدر الإمكان، لنظهر حقيقة معاناتكم وآلامكم ومقاومتكم التي يحاول الإعلام إخفاءها". وفي رسالتها لأهالي قطاع غزة، قالت فورو "نحن هنا لدعمكم ولنؤكد أنكم لستم وحدكم، وأننا سنبذل قصارى جهدنا لوقف الإبادة الجماعية ولضمان أن يكفّ ممثلونا السياسيون عن تواطؤهم مع نتنياهو، وأن تتوقف أيديهم عن التلطخ بالدماء. نحن نقاتل إلى جانبكم".


الجزيرة
منذ 3 ساعات
- الجزيرة
مونتسكيو: من الرسائل الفارسية إلى روح القوانين
كان شارل دو مونتسكيو أحد أبرز مفكري عصر التنوير الفرنسي، فقد أعاد التفكير في مفاهيم السلطة السياسية، والقانون، والحرية، وبنية الحكم، بعقل نقدي مبدع. ومن أبرز أعماله المبكرة وأكثرها شهرة، كتاب "الرسائل الفارسية"، الذي نُشر عام 1721، وكان عمره آنذاك لا يتجاوز 32 عامًا. هذا العمل يبدو في ظاهره رواية ساخرة، لكنه في حقيقته نقد لاذع وذكي للمجتمع الفرنسي، والملكية، والكنيسة، وأخلاقيات النبلاء، يقدمه من خلال منظور مسافرَين فارسيين خياليين. "الرسائل الفارسية": نقد الذات عبر "الآخر" كما ذكرت، فإن كتاب "الرسائل الفارسية" يتألف من حوالي 160 رسالة بين شخصين خياليين؛ هما "أوزبك" و"ريكا"، وهما أرستقراطيان إيرانيان يزوران باريس ليتعرفا على الحضارة الغربية، ينقلان مشاهداتهما في رسائل إلى أصدقائهما في إيران، ما أتاح لمونتسكيو نقد المجتمع الفرنسي من خلال عين "أجنبية"، دون الاصطدام المباشر مع السلطة. ورغم أن مونتسكيو لم يكن مطلعًا بدقة على تاريخ إيران، فإنه استخدمها رمزًا لـ"الاستبداد الشرقي"، وصور "أوزبك" كأنه رجل شرقي يملك الحريم والعبيد، وله عقلية أبوية استبدادية، في مقابل الحرية النسبية في أوروبا. فكانت إيران في هذا العمل مرآة يعكس بها مونتسكيو عيوب المجتمع الفرنسي (إيران هنا ليست موضوعًا أنثروبولوجيًا، بل استعارة سياسية نقدية، تمثل "الاستبداد الشرقي" كصورة معاكسة للحرية الغربية). في المقابل، يُعد كتابه الأشهر "روح القوانين" من أهم الكتب السياسية في التاريخ، وكان له تأثير كبير في تشكيل الدول الحديثة، خاصة دستور الولايات المتحدة الأميركية، وظهور العديد من الديمقراطيات الليبرالية لاحقًا، كنموذج توازن قوى يحمي الحريات الفردية. أشهر فِكَره على الإطلاق هي نظرية الفصل بين السلطات، والتي تقوم على أن السلطة يجب أن تُقسم إلى ثلاث سلطات مستقلة: السلطة التشريعية (سن القوانين)، والسلطة التنفيذية (تطبيق القوانين)، والسلطة القضائية (تفسير القوانين). ويرى مونتسكيو أن تركيز السلطة في يد شخص أو مؤسسة واحدة يقود دائمًا إلى الاستبداد والظلم، ولا يمكن ضمان الحرية إلا إذا كانت هذه السلطات مستقلة، وتجري فيما بينها عملية مراقبة وتوازن. وقد يلتبس على البعض أن الدستور الإيراني ينص شكليًا على الفصل بين السلطات كما طرح مونتسكيو، إلا أن التطبيق الواقعي يُظهر تركيزًا سلطويًا يناقض جوهر نظريته! لماذا؟ لأن مونتسكيو يرى أن السلطات يجب أن تكون مستقلة تمامًا عن بعضها، مع وجود آليات توازن ورقابة متبادلة، وهدفه هو ضمان الحريات ومنع الاستبداد. وهذا المفهوم كان مؤثرًا في صياغة الدساتير الغربية، خاصة دستور الولايات المتحدة، ما يعني أن إيران شكل مؤسسي ظاهر، ولكنه واقع مركزي ديني. ورغم وجود ثلاث سلطات رسميًا في إيران السلطة التنفيذية: رئيس الجمهورية. السلطة التشريعية: مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان). السلطة القضائية: يرأسها شخص يعيَّن مباشرة من المرشد الأعلى. رغم ذلك، فإن الواقع السياسي الإيراني يتميز بوجود المرشد الأعلى (الولي الفقيه)، الذي يمارس سلطة فوق دستورية، ويتحكم في جميع السلطات الثلاث بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، لكونه يُعيِّن: رئيس السلطة القضائية، نصف أعضاء مجلس صيانة الدستور، قادة الحرس الثوري، رئيس هيئة الإذاعة والتلفزيون، وهو يملك حق نقض أي قرار إستراتيجي. صحيح أن مجلس صيانة الدستور يراجع كل القوانين الصادرة عن البرلمان، ويملك حق رفض ترشح المرشحين للانتخابات (رئاسية وبرلمانية)، ونصف أعضائه يُعيَّنون من المرشد مباشرة، إلا أن السلطات الإيرانية ليست مستقلة كما في تصور مونتسكيو؛ لأن هناك تركيزًا فعليًا للسلطة في يد مؤسسة "الولي الفقيه". فالنظام أقرب إلى حكم ثيوقراطي (ديني) منه إلى نظام جمهوري ديمقراطي يقوم على التوازن بين السلطات (مونتسكيو تحدث عن استبداد شرقي تقليدي، هو استبداد فردي أو سلطاني، بينما الاستبداد في إيران الحديثة مؤسس ضمن إطار ديني جمهوري، وهو ما يجعله أكثر تعقيدًا وتناقضًا مع مفاهيم الحكم التعددي أو الحداثي). مونتسكيو: الأب الأول لعلم الاجتماع السياسي؟ اهتمام مونتسكيو بالعلاقة بين الجغرافيا والنظام السياسي دفع بعض الباحثين إلى وصفه بأنه "أبو علم الاجتماع السياسي"، لأنه كان من أوائل من حاولوا فهم السياسة ليس فقط من خلال المبادئ الأخلاقية أو الفلسفية، بل من خلال البيئة الثقافية والطبيعية والواقعية للمجتمعات. لكن، يرى آخرون هذا اللقب يليق أكثر بـ"كارل ماركس"، لأنه أعاد بناء فهم المجتمع من خلال قاعدة اقتصادية مادية، وقدم تحليلًا منهجيًا للعلاقات الطبقية والسلطة والصراع التاريخي. بالتالي، يمكن القول إن مونتسكيو أسس لـ"سوسيولوجيا سياسية تجريبية"، بينما ماركس أسس لـ"سوسيولوجيا سياسية نقدية وتاريخية". وعلى اختلاف منهجيهما، فإن كليهما ساهم في بلورة ما نعرفه اليوم بـ"علم الاجتماع السياسي". الفكر النسبي في القانون والحكم مونتسكيو، خلافًا للعديد من مفكري عصره، لم يكن يؤمن بوجود قانون واحد يصلح لجميع المجتمعات؛ فقد جادل في "روح القوانين" بأن القوانين يجب أن تُصاغ بحسب الظروف المناخية، والعادات، والاقتصاد، والبنية الاجتماعية لكل مجتمع. هذا الطرح كان خطوة كبيرة نحو فهم تنوع المجتمعات الإنسانية وتعقيدها. ومع تأثر مونتسكيو بشدة بالنظام الدستوري في إنجلترا، حيث عاش فترة هناك، وقد أشاد به في كتاباته لكونه نموذجًا يحد من سلطة الملك من خلال البرلمان والمحاكم، فإنه ألهمه تطوير نظرية الفصل بين السلطات والدفاع عن الحكم المعتدل. أنواع الحكم في فكر مونتسكيو ميز مونتسكيو بين ثلاثة أنواع من الحكم: الجمهوري: يقوم على الفضيلة. الملكي: يعتمد على الشرف. الاستبدادي: يرتكز على الخوف. كان يعتبر الاستبداد أكثر أشكال الحكم فسادًا وخطرًا، ورأى أن المجتمع السليم يحتاج إلى حكم معتدل يستند إلى القانون والاعتدال وتوازن القوى. وعرّف مونتسكيو الحرية بأنها: "ليست القدرة على فعل كل ما نشاء، بل القدرة على فعل ما تسمح به القوانين"؛ بمعنى أن الحرية لا تعني الفوضى، بل هي العيش في إطار قوانين عادلة وعامة. إذا كان ماركس يرى أن "الاقتصاد هو البنية التحتية"، فإن مونتسكيو كان يعتبر أن "الجغرافيا هي البنية التحتية". لكن ماركس كان ينظر من زاوية تاريخية وجدلية، بينما مونتسكيو اقترب من المسألة من زاوية مناخية وتجريبية مونتسكيو والجغرافيا: أصل السياسة؟ في كتاب "روح القوانين"، شدد مونتسكيو مرارًا على أن القوانين، والمؤسسات، وحتى مزاج وسلوك الشعوب، تتأثر بالعوامل الجغرافية. واعتبر أن المناخ، والقرب أو البعد عن البحر، والطبيعة الجغرافية (جبال، سهول، صحارى)، ودرجة الحرارة، واتساع البلاد.. كلها تلعب دورًا رئيسيًا في تشكيل النظام السياسي وشخصية الناس. مثلًا، يرى أن سكان المناطق الباردة أكثر استقلالية وصلابة وطاعة للقانون، بينما سكان المناطق الحارة أكثر عاطفية وقابلية للخضوع. واعتبر أن الأنظمة المعتدلة تنجح أكثر في المناطق ذات المناخ المعتدل، وأن البلاد الواسعة تميل للاستبداد إذا كانت السلطة فيها مركزة. بخلاف فلاسفة، مثل روسو أو توماس هوبز من الذين ركزوا على "طبيعة الإنسان"، يرى مونتسكيو أن العوامل البيئية والجغرافية هي التي تشكل المجتمعات. وفي المقابل، ظهر لاحقًا كارل ماركس ليؤسس نظريته التي ترى أن الاقتصاد هو البنية التحتية الأساسية للمجتمع، وأن النظام السياسي والثقافي هو انعكاس لمصالح الطبقات الاقتصادية الحاكمة. وإذا كان ماركس يرى أن "الاقتصاد هو البنية التحتية"، فإن مونتسكيو كان يعتبر أن "الجغرافيا هي البنية التحتية". لكن ماركس كان ينظر من زاوية تاريخية وجدلية، بينما مونتسكيو اقترب من المسألة من زاوية مناخية وتجريبية.


الجزيرة
منذ 6 ساعات
- الجزيرة
كاتب إسباني مضرب عن الطعام: قادة أوروبا يمارسون النفاق تجاه غزة
بروكسل- بجسده المنهك وصوته الواهن الذي لم يفارقه الثبات والعزيمة، يتنقل الأديب والأكاديمي الإسباني غريان كوتاندا كل يوم بين مؤسسات أوروبا الرسمية في بروكسل، يعترض بصمت طريق البرلمانيين الأوروبيين وموظفي المفوضية الذين صاروا يعرفونه ويذكّرهم وجهه ربما بذنب يتجنبون تذكره في جلساتهم البرلمانية. يقف أمام مقر حلف شمال الأطلسي (الناتو) ويتوجه أحيانا إلى ساحة المتحف، حيث يعتصم ناشطون يوميا من أجل غزة. لم يكن العثور عليه سهلا. أمضيت عدة أيام أبحث عنه، أستفسر من أصدقاء وناشطين عن مكانه، حتى وصلتني أخيرا رسالة مقتضبة منه "سأكون اليوم أمام البرلمان الأوروبي ، نلتقِ هناك". وحين وصلت، وجدته بالفعل أمام بوابة البرلمان. رجل نحيل ولحية منسدلة مع شعر أبيض كثيف، تكاد عيناه تغيبان تحت ظلال التعب، لكنه لا يزال واقفا. اقتربت منه، همست له أن نتحرك قليلا بعيدا عن الضجيج لنبدأ حديثنا، لكنه أمسك بذراع أحد رفاقه بيده المرتجفة وقال لي بابتسامة واهنة "دعنا نلتقط صورة جماعية أولا مع هؤلاء الرفاق، نحن هنا معا من أجل غزة". التقطت له صورة مع نشطاء قالوا إنهم قدموا من مدن أوروبية متعددة من أجل إيصال صوت أطفال غزة. فمن هو غريان كوتاندا؟ غريان كوتاندا هو كاتب وأكاديمي إسباني حاصل على دكتوراه دولية في العلوم التربوية من جامعة غرناطة، ومتخصص في علم النفس السريري والاجتماعي، كما يصف نفسه أولا بأنه باحث في الضمير البشري. أصدر أكثر من 20 كتابا، من بينها رواية "البستاني" التي نُشرت في 28 طبعة وتُرجمت إلى 13 لغة. كما شارك في تأسيس فرع حركة "إكستنكشن ريبليون" البيئية في إسبانيا، وخاض عام 2021 إضرابا عن الطعام استمر 33 يوما للمطالبة بتحرك عالمي تجاه أزمة المناخ. حين سألناه "لماذا هذا الإضراب الآن؟"، أجاب دون تردد "الدافع؟ هذا العالم قاسٍ. أحيانا لا تفكر، فقط تشعر. كما لو أنك تحرق يدك فتسحبها فورا. رأيت ذلك الفيديو من غزة، طفل عمره عامان يظهر جسمه من تحت الأنقاض بلا رأس. حينها أدركت أن الصمت جريمة. يجب أن أفعل شيئا". ويضيف للجزيرة نت: "صديق وفنان فرنسي تواصل معي واقترح عليّ الانضمام إلى صيام متقطع، قلت له سأفكر، وبعد يومين أخبرته أنني سأقوم بإضراب عن الطعام، وليس فقط صياما". بدأ كوتاندا إضرابا مفتوحا في منزله منذ العاشر من يونيو/حزيران 2025، دون إعلان رسمي، ثم انتقل إلى لاهاي، ليُعلن من قصر السلام، مقر محكمة العدل الدولية ، دخوله رسميا في إضراب عن الطعام، بالتزامن مع فعالية دُعي إليها هناك. وبعد أيام جاء إلى بروكسل، ويقول "في لاهاي، كنت في الذكرى 25 لميثاق الهواء، وقيل لي إنه سيتم تكريمي. فقلت: هذه لحظة مناسبة لأعلن الإضراب. لكن المكان لا يكفي. يجب أن أكون هنا، في الشارع، أمام المفوضية الأوروبية، أمام البرلمان. إذا لم يسمعوا صراخ الفلسطينيين، فربما يشعرون بجوع جسدي". دعم ومطالب أطلق كوتاندا ورفاقه حملة "الصيام العالمي من أجل الحياة في غزة"، التي بات يشارك فيها 133 شخصا من 24 دولة، يصومون 12 أو 24 أو 48 ساعة أسبوعيا. لكنه الوحيد الذي يخوض إضرابا تاما عن الطعام. ويوضح "بدأناها في 5 أيام فقط. كانت محاولة بسيطة لكنها نمت بسرعة. هناك كثيرون يشاركون، لكن أنا فقط، منذ أكثر من 38 يوما، لا أتناول شيئا". يشرب قهوة بدون كافيين مع حليب اللوز أو البندق ويتناول الفيتامينات، المغنيسيوم، والبوتاسيوم، والإلكتروليتات. طاقته تنخفض يوما بعد آخر. ويحتاج إلى النوم مرتين في اليوم، "لكنني أواصل لأن غزة لا تنام". كان حادا في كلماته حين سألته الجزيرة نت عن رسالته من هذا الإضراب أمام البرلمان إلى القادة الأوروبيين، وأجاب بأن رسالته لهم: "أنتم تمارسون النفاق. تتحدثون عن حقوق الإنسان ثم تبيعون السلاح لإسرائيل، إنكم لا تمثلون شعوب أوروبا". ويستشهد باستطلاع في إسبانيا قال فيه 82% من الإسبان -من اليسار واليمين- إن ما يجري في غزة إبادة جماعية. وعدّد كوتاندا مطالبه: تعليق اتفاقية الشراكة مع إسرائيل. فرض عقوبات على حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ، المطلوب ل لمحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة، والقادة العسكريين، والشركات المتواطئة. وقف بيع وشراء الأسلحة مع إسرائيل. استدعاء السفير الإسباني لدى تل أبيب فورا. ويؤكد كوتاندا "لا أطلب المستحيل. حتى محكمة العدل الدولية أوصت بالعقوبات. فلماذا هذا الصمت؟ لماذا لا أحد يتحرك! الناس تحجّرت وحتى الإعلام اليساري صامت"، وأكثر ما يؤلمه ليس تجاهل السياسيين فقط، بل "تبلد الناس"، كما يقول. ذهب إلى البورصة وسط بروكسل حاملا لافتة تقول إنه في اليوم 35 من الإضراب، ولكن لم يتحدث إليه أحد، فقط رجل واحد قال له "نعم، نعم" وسار في طريقه، "كأن الشر في غزة أصبح مثل أسطورة ميدوسا، من ينظر إليه يتجمد. الناس تحولت إلى حجر. لا أحد يتحرك". ويضيف بمرارة "حتى الإعلام اليساري لم يسألنا: ماذا تفعلون؟ ما رسالتكم؟ فقط 3 نواب في البرلمان هم من زارونا: تينيكه ستريك، وكاتارينا فييرا، ورودي كينيس. وأنتم الجزيرة نت وهذا يعني لي الكثير". صديق النضال لم يكن خافيير مجرد رفيق ميداني لغريان كوتاندا. فالرجل الذي جلس بصمت أغلب اللقاء، يراقب ويصغي، كشف للجزيرة نت لاحقا عن خلفية مهنية عميقة في العمل الأوروبي الرسمي، قبل أن يكرّس وقته اليوم لما يسميه "الدفاع عن الكرامة في زمن الصمت". وقال "أنا حاليا رئيس مؤسسة 'الحق في الحياة للكائنات الحية'، كما أنني درّست في جامعة كارلوس الثالث بمدريد. وآخر مهامي في المفوضية الأوروبية كانت نائبا لرئيس وحدة العلاقات مع المنظمات الدولية والدول غير الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ، داخل المديرية العامة للتنمية". ثم أضاف بابتسامة مترددة: "عملت في هذه البنى الرسمية لسنوات، وسافرت كثيرا، لكني اليوم أشعر أن هذه اللحظة بجانب غريان هي الأكثر صدقا في مسيرتي. نحن نميل قليلا إلى الروحانية ونتحدث من القلب. حين علمت أنه قادم إلى بروكسل، قلت لنفسي: هذه هدية من السماء. لم أكن قادرا على الإضراب بنفسي، لكن يمكنني أن أكون إلى جانبه". ويتابع خافيير "غريان ومانويل (زميل آخر لهما) هما ملاكان في هذا الاعتصام. لولاهما لما صمدت. أنا مجرد ملاك صغير جدا، لكنه يفعل ما يستطيع. إذا صمت العالم الآن، فإن ضمير البشرية سيتشظى". ويعود كوتاندا ليختم حديثه للجزيرة نت: "ننظر إلى ما حدث في ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية ، 80 عاما من شعور الألمان بالذنب، رغم أنهم لم يكونوا يعرفون ما يجري داخل معسكرات الإبادة. لكن الآن؟ العالم كله يعرف ما يجري في غزة. نراه بالصوت والصورة. فما حجم الذنب الذي سيحمله ضمير البشرية بعد 10 أو 20 عاما؟ سيكون عميقا جدا وربما لا يُشفى أبدا". ويُقاطعه خافيير بصوت متماسك: "الأمر لا يخص غزة فقط، بل مصير الحضارة، العدالة الدولية، والمنظمات، وحقوق الإنسان. إذا لم تتحرك الآن، فإنها تنهار. نحن نتجه نحو عالم مظلم ومتشظ". أكملت اللقاء وأنا أنظر حولي وأفكر بأن اختم اللقاء بأنه في زاوية باردة من بروكسل، يقف غريان كوتاندا جسدا هزيلا، لكن صوته أقوى من برلمانات وحكومات عربية وعالمية. هو لا يطلب شيئا لنفسه فقط ألا تباد غزة ولا تجوع، وأضعف الإيمان ألا تجوع وحدها.