logo
التوازن والتوافق في الدولة العراقية: أزمة ثقة أم أزمة شراكة؟

التوازن والتوافق في الدولة العراقية: أزمة ثقة أم أزمة شراكة؟

كمال الكبيسي*
في المشهد السياسي العراقي الراهن، تبرز تساؤلات جوهرية حول الأسس التي تقوم عليها الدولة، وعلى رأسها التوازن والتوافق بين مكوناتها الأساسية.
فما نشهده من هيمنة شبه كاملة لطرف سياسي واحد على مراكز القرار السيادي والتنفيذي، لم يعد يُقرأ بوصفه مجرد خلاف داخل النخب، بل يُعد تحولًا مقلقًا في بنية الدولة العراقية، التي تأسست بعد 2003 على مبدأ الشراكة الوطنية والتوازن بين المكونات.
إن انفراد طيف سياسي واحد بإدارة الدولة، بدءًا من رئاسة الوزراء، ومرورًا بالمؤسسات الأمنية والمالية، وانتهاءً بالهيئات المستقلة، يمثل تراجعًا خطيرًا عن التوافق الذي شكّل القاعدة الأهم للعملية السياسية، ويدفع نحو أزمة مركبة يمكن وصفها بأنها أزمة ثقة وشراكة في آنٍ واحد.
الدولة المغلقة
في السنوات الأخيرة، أصبح من الواضح أن مواقع القرار السيادي والتنفيذي باتت محصورة في يد مكون واحد، في مشهد يُشبه إلى حد كبير فكرة 'الدولة المغلقة'، حيث تُدار الدولة من منطلق طائفي أو حزبي ضيق، لا من منطلق وطني شامل.
ما يُثير القلق هو أن هذه الممارسة لا تُخفي نفسها خلف واجهات، بل أصبحت واقعًا معلنًا تُبرّره بعض القوى باسم 'الأغلبية السياسية'، وهو مفهوم تم توظيفه خارج سياقه الديمقراطي، ليكون أداة لتكريس الإقصاء، لا وسيلة لتوسيع المشاركة.
إن القبول بدور المكون الشيعي في الحكم أمر طبيعي ومنسجم مع حجمه الديموغرافي والسياسي، لكن الخطر يكمن في تحويل هذا الدور إلى احتكار تام، يتم فيه تهميش المكونات الأخرى (السنيّة، الكردية، والأقليات) وتقزيم أدوارها إلى حدود التبعية أو المجاملة السياسية.
شراكة شكلية
الشراكة الوطنية التي رُوّج لها بعد 2003 لم تنجح في التحول إلى ممارسة راسخة داخل مؤسسات الدولة. لقد ظلت في كثير من الأحيان مجرد اتفاقات ظرفية، تُعقد لتجاوز الأزمات أو لضمان تمرير الصفقات السياسية، دون أن تُبنى على قاعدة الثقة أو رؤية مشتركة لبناء الدولة.
المشكلة أن المكونات المُهمشة، وفي مقدمتها القوى السنية والكردية، لم تتعامل مع الشراكة كمبدأ يجب الدفاع عنه، بل ساهم بعضها في تفكيك هذا المفهوم عبر تسويات جزئية مقابل مكاسب مؤقتة. وفي المقابل، سعت القوى المهيمنة إلى تفريغ مبدأ التوافق من محتواه، والالتفاف عليه عبر أدوات قانونية أو برلمانية لا تعكس التوازن الحقيقي في الدولة.
النتيجة أننا أمام دولة فقدت القدرة على تمثيل جميع أبنائها بشكل عادل، ولم تعد ساحة مشتركة، بل تحولت إلى مساحة تدار بمنطق 'الغالب والمغلوب'، وهو أمر لا يُنتج سوى مزيد من الشكوك، والانكفاء، وربما الانفجار.
أزمة الثقة
في عمق هذه الإشكالية، تظهر أزمة الثقة كعنصر حاسم. فكل طرف بات ينظر إلى الآخر بوصفه خصمًا سياسيًا، لا شريكًا في بناء الدولة. القوى المهيمنة لا تثق بأن تقاسم السلطة سيضمن لها البقاء، والقوى الأخرى لا تثق بأن أي مشاركة حقيقية ستكون ممكنة دون ضغوط أو تنازلات مؤلمة.
لكن السؤال المركزي هو: من يتحمل مسؤولية كسر هذه الحلقة المغلقة؟
هل تتحرك القوى السياسية من داخل النظام لإصلاحه؟ أم أن الشارع وحده هو القادر على فرض معادلة جديدة تقوم على المواطنة لا على المحاصصة؟
ما هو واضح حتى الآن أن المعادلة الحالية غير قابلة للاستمرار، وأن استمرار الانغلاق السياسي سيؤدي إلى مزيد من التصدّعات في بنية الدولة، وربما إلى عودة الخطابات الانفصالية، أو توسع النقمة الشعبية، في بلد لم يعد يتحمل المزيد من الأزمات البنيوية.
ختاما: في النهاية، لا يمكن اختزال ما يجري بأنه خلاف على الحصص، أو صراع نفوذ بين الكتل، بل نحن أمام أزمة وجودية تهدد مفهوم الدولة العراقية نفسه. أزمة تبدأ من غياب الثقة، وتتجذّر في ضعف الشراكة، وتنعكس في واقع سياسي مأزوم لا يعترف بالمساواة بين مكوناته.
ما لم يُعاد ضبط المعادلة الوطنية على أساس شراكة حقيقية، وعدالة في توزيع السلطة، فإن العراق سيبقى رهينًا لأزمات لا تنتهي.
*باحث بالشأن العراقي

هاشتاغز

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

دمشق: أكثر من 170 ألف نازح في السويداء
دمشق: أكثر من 170 ألف نازح في السويداء

شفق نيوز

timeمنذ ساعة واحدة

  • شفق نيوز

دمشق: أكثر من 170 ألف نازح في السويداء

شفق نيوز– دمشق أعلن وزير الطوارئ وإدارة الكوارث السوري، رائد الصالح، يوم الأربعاء، استمرار جهود الاستجابة الإنسانية في محافظة السويداء، في ظل تصاعد الأزمة ونزوح عشرات الآلاف من السكان. ونشر الصالح سلسلة من التصريحات عبر حسابه الرسمي على منصة "إكس"، تابعتها وكالة شفق نيوز، أوضح فيها أن "عدد النازحين داخل السويداء تجاوز 170 ألف شخص، والوزارة فعّلت غرفة عمليات مشتركة تضم محافظتي السويداء ودرعا، إضافة إلى الوزارات والمؤسسات المعنية وعدد من المنظمات الإنسانية". وأضاف أن "معبرين إنسانيين بين السويداء ودرعا أُنشئا لتسهيل حركة المدنيين، وقد تمكّن عبرهما أكثر من 15 ألف شخص من الخروج من السويداء، في حين دخل من خلالهما قرابة 3 آلاف". وأشار إلى أن "الوزارة تشرف حالياً على 86 مركزاً للإيواء، منها 62 في محافظة درعا تضم نحو 30 ألف نازح، و22 مركزاً في منطقة السيدة زينب بريف دمشق تستقبل قرابة 3500 شخص". ولفت إلى أن "سكان هذه المراكز يواجهون ظروفاً معيشية صعبة"، مؤكداً أن "الوزارة تعمل بالتعاون مع الجهات الحكومية والمنظمات الإنسانية على تأمين الاحتياجات الأساسية وضمان استجابة فعالة". واختتم الوزير تصريحاته بالتأكيد على أن "حماية الأرواح تأتي في مقدمة الأولويات، وأن صون كرامة المواطنين خلال لحظات النزوح يُعد مبدأً لا يمكن التهاون فيه، حتى عودتهم الآمنة والطوعية إلى منازلهم". وتشهد محافظة السويداء جنوبي سوريا توتراً أمنياً متصاعداً منذ أسابيع، ما أدى إلى وقوع قتلى وجرحى، إضافة إلى نزوح آلاف السكان من القرى والبلدات المتضررة. ورغم محاولات التهدئة، فإن الأوضاع الميدانية لا تزال غير مستقرة، وسط تراجع كبير في الخدمات الأساسية وصعوبات في إيصال المساعدات الإنسانية. وترافق هذا مع تفعيل مراكز إيواء عاجلة في مناطق مجاورة مثل درعا وريف دمشق، لمحاولة احتواء موجة النزوح الداخلية.

بيان من حركة أمل حول قرار الحكومة اللبناية حول سلاح حزب الله!
بيان من حركة أمل حول قرار الحكومة اللبناية حول سلاح حزب الله!

ساحة التحرير

timeمنذ ساعة واحدة

  • ساحة التحرير

بيان من حركة أمل حول قرار الحكومة اللبناية حول سلاح حزب الله!

.حركة أمل : كان حري بالحكومة اللبنانية التي تستعجل تقديم المزيد من التنازلات المجانية للعدو الاسرائيلي بإتفاقات جديدة ، ان تسخر جهودها لتثبيت وقف النار أولاً ووضع حد لآلة القتل الإسرائيلية التي حصدت حتى الساعة المئات من المواطنين اللبنانيين بين شهيد وجريح . صدر عن المكتب الاعلامي المركزي في حركة أمل ما يلي : ان لبنان ومنذ 27 تشرين الثاني عام 2024 تاريخ اقرار إتفاق وقف اطلاق النار بين لبنان والعدو الاسرائيلي إلتزم بكامل بمندرجات الاتفاق ولا زال ملتزم بما هو متوجب عليه ، لتنفيذ هذا الاتفاق الذي أقرته الحكومة السابقة والحكومة الحالية كاملاً ، بينما العدو الاسرائيلي ومنذ اللحظات الاولى لم يلتزم وهو لازال يمعن في عدوانه غارات جوية واغتيالات بواسطة المسيرات مستبيحاً الاجواء اللبنانية ويستمر بإحتلاله مساحات شاسعة من الاراضي اللبنانية من بينها ما يعرف بالتلال الخمس ، إضافة الى منعه أهالي القرى الحدودية من العودة اليها بعد تدميرها بشكل كلي . وإنطلاقا مما تقدم كان حري بالحكومة اللبنانية التي تستعجل تقديم المزيد من التنازلات المجانية للعدو الاسرائيلي باتفاقات جديدة ، كان أولى ان تسخر جهودها لتثبيت وقف النار أولاً ووضع حد لآلة القتل الإسرائيلية التي حصدت حتى الساعة المئات من المواطنين اللبنانيين بين شهيد وجريح . بذلك تكون الحكومه تعمل عكس ما جاء في خطاب القسم لرئيس الجمهورية ومخالفة لبيانها الوزاري ، وبالتالي جلسة الغد فرصة للتصحيح وعودة للتضامن اللبناني كما كان . ‎2025-‎08-‎06

تكرار التاريخ: إخفاقات 2006 تعود لتطارد إسرائيل في غزة!عبده بغيل
تكرار التاريخ: إخفاقات 2006 تعود لتطارد إسرائيل في غزة!عبده بغيل

ساحة التحرير

timeمنذ ساعة واحدة

  • ساحة التحرير

تكرار التاريخ: إخفاقات 2006 تعود لتطارد إسرائيل في غزة!عبده بغيل

تكرار التاريخ: إخفاقات 2006 تعود لتطارد إسرائيل في غزة! تقرير عبده بغيل * لم تكن حرب لبنان الثانية (2006) مجرد فصلٍ من الماضي، بل كانت لعنة تاريخية على الكيان الصهيوني ،فالعدو الاسرائيلي يعود اليوم ليواجه أشباحها في غزة. فبينما يشتعل الصراع وتتكدس الإخفاقات، يبدو المشهد كمرآةٍ مكسورة تعكس صورة الهزيمة ذاتها. يكشف تحقيق قناة 'كان 11' الإسرائيلية عن حقيقة اخفاقات الكيان المؤقت والتي ارتكبها في عدوانه على فلسطين ولبنان بعد عملية طوفان الاقصى هي ذاتها في 2006 لا سيما في ظل احتدام الجدل السياسي حول المصير الجنود الاسرى وفشل الجيش العدو في تحقيق الاهداف. هذا التكرار للأخطاء يشير إلى أن إلى أن الكيان الصهيوني لم تستفد من تجربة الماضي، وتعيش اليوم سيناريو مشابهًا للهزيمة التي واجهته قبل ما يقرب من عقدين من الزمن. يظهر التحقيق أن حرب 2006 كانت إخفاقًا مزدوجًا وفضيحة استخباراتية بامتياز. كان الهدف المعلن هو تحرير الجنديين المخطوفين والنيل من 'حزب الله' حسبما يشير التحقيق، لكن النتيجة كانت هزيمة في ثوب نصر مزعوم. فبدلًا من تحرير الجنود أحياء، اضطرت إسرائيل إلى استعادة جثثهم في صفقة تبادل 'مؤلمة'. كما أنها فشلت في تحطيم 'حزب الله'، بل عززت من قوته. واليوم، يتكرر هذا السيناريو في غزة، حيث تواجه إسرائيل تحديات مماثلة، خاصة فيما يتعلق بقضية الأسرى. فالارتباك السياسي الذي ساد في 2006 يبدو أنه يعود ليطارد القيادة الحالية، مما يعكس عدم وجود رؤية واضحة لإدارة الصراع وتحقيق الأهداف المحددة. يكشف التقرير عن شهادات لضباط كبار في الجيش الإسرائيلي تحدثوا عن قيادة عسكرية وسياسية 'متغطرسة' و'عديمة الخبرة' أدارت حرب 2006. هذا النهج أدى إلى شعور بالضياع والارتباك، وجعل من الصعب تحديد ما إذا كانت النتيجة نصرًا أم هزيمة. لم يكن اختطاف الجندي جلعاد شاليط مجرد حادث عابر، بل كان نقطة بداية لتصدع الثقة في المنظومة الأمنية. فالتحقيق يؤكد أن إسرائيل فشلت في منع الاختطاف رغم التحذيرات، ثم فشلت في العثور على شاليط، ما أدى إلى أسره لأكثر من خمس سنوات قبل أن تُطلق سراحه بصفقة مهينة مقابل أكثر من ألف أسير فلسطيني. اليوم، وبعد 18 عامًا، يبدو أن إسرائيل عالقة في دوامة الزمن، حيث تواجه في غزة تحديات مشابهة، مما يؤكد أن الغطرسة العسكرية والارتباك السياسي لا يزالان يسيطران على المشهد، وأن إرادة المقاومة وفعاليتها أكثر ثباتًا ورصانة. صحفي يمني ساحة التحرير الاربعاء 6 اغسطس 2025

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store