
عقود الـBOO في سورية...هل سمعتم بـ«تأجير المطر»؟
في ظل التوجه نحو جذب الاستثمارات الخارجية، يبرز حديث متصاعد لدى السلطة والمسؤولين الحكوميين عن نوع محدد من عقود الاستثمار، لا سيما في قطاع الطاقة الحيوي الذي يعاني من نقص حاد في الإنتاج ودمار واسع في البنية التحتية. في 26 شباط الماضي، أعلنت وزارة الكهرباء السورية (قبل دمجها لاحقاً، مع عدد آخر من الوزارات، في وزارة الطاقة) دعوتها للمستثمرين لتقديم عروضهم لاستثمار محطة طاقة كهروضوئية في منطقة وديان الربيع في ريف دمشق، معلنة أن نظام الاستثمار المعتمد هو نظام BOO.
وفي 29 أيار الفائت، وبعد توقيع مذكرة تفاهم بين الحكومة السورية وتحالف شركات طاقة يقوده رجل الأعمال السوري- القطري، محمد معتز الخياط، لتطوير مشاريع جديدة في قطاع الكهرباء السوري باستثمارات تقدر بـ7 مليارات دولار، أعلنت وزارة الخارجية السورية في بيان لها أن المشروع سينفذ أيضاً وفق نظام الاستثمار BOO إلى جانب نظام BOT، دون أن توضح الجوانب التي سيغطيها كل نظام. وتم توقيع المذكرة بحضور رسمي رفيع المستوى في قصر الشعب بدمشق، مما يعكس رهان السلطة على مثل هذه الشراكات لجذب التمويل.
BOO وBOT وأثرهما على الملكية والسيادة الاقتصادية
في نظام الشراكات بين القطاعين العام والخاص (PPP)، تبرز صيغتان رئيسيتان من العقود، هي عقود BOT وعقود BOO. يكمن التمييز الأساسي بين هاتين الصيغتين في مسألة ملكية المشروع ومآله النهائي، وهو ما يؤثر بشكل مباشر على السيادة الاقتصادية للدولة والتحكم في أصولها الاستراتيجية.
في نموذج BOT Build-Operate-Transfer، والذي يُترجم حرفياً إلى «البناء - التشغيل - النقل»، يتولى المستثمر الخاص مسؤولية تشييد المشروع بالكامل. بعد إتمام مرحلة البناء، يبدأ المستثمر في تشغيل المشروع وإدارته لفترة زمنية محددة يتم الاتفاق عليها مسبقاً بين الطرفين. عادةً ما تتراوح هذه الفترة، المعروفة بفترة الامتياز، بين 10 و 30 عاماً، وقد تزيد أو تنقص بناءً على طبيعة المشروع وحجم الاستثمار ومتطلباته. خلال هذه المدة، يقوم المستثمر باسترداد التكاليف الضخمة التي تكبدها في بناء المشروع وتشغيله، بالإضافة إلى تحقيق هامش ربح.
لكن السمة المميزة والأكثر أهمية لعقود BOT هي بند «النقل» أو «Transfer». عند انتهاء المدة المتفق عليها لفترة الامتياز، يلتزم المستثمر بنقل ملكية المشروع بالكامل إلى الدولة. هذا يعني أن الأصول الاقتصادية للمشروع، سواء كانت محطة طاقة، أو طريقاً سريعاً، أو مطاراً، أو أي بنية تحتية أخرى، تعود لتصبح تحت الملكية العامة للدولة. بهذه الطريقة، يضمن نموذج BOT الحفاظ على السيادة الاقتصادية للدولة على المدى الطويل، حيث تستعيد الدولة السيطرة الكاملة على الأصول الحيوية بعد فترة محددة، مما يسمح لها بتحديد كيفية إدارتها وتشغيلها بما يخدم المصلحة العامة للمواطنين. ويُنظر إلى هذا النموذج على أنه نوع من التنازل المؤقت والمشروط، حيث تحتفظ الدولة بالحق النهائي في استرداد أصولها وتأمين التحكم الاستراتيجي فيها.
على النقيض تماماً، يأتي نموذج BOO Build-Own-Operate، أو «البناء - التملك - التشغيل». في هذا النموذج، يقوم المستثمر الخاص ببناء المشروع وتشغيله، ولكن الفرق الجوهري يكمن في كلمة «التملك» أو «Own». ففي عقود BOO، لا يلتزم المستثمر بإعادة ملكية المشروع إلى الدولة بعد فترة زمنية محددة. بل يحتفظ المستثمر بملكية المشروع بشكل دائم، ويستمر في تشغيله وإدارته لفترة غير محدودة، أو حتى يتوصل الطرفان إلى اتفاق جديد بشأن بيعه.
هذا يعني أن السيطرة على المشروع وعوائده تظل في يد القطاع الخاص، وفي كثير من الحالات تكون هذه الشركات أجنبية. يترتب على هذه الملكية الدائمة تداعيات كبيرة على السيادة الاقتصادية للدولة، فالدولة تفقد سيطرتها على أصول قد تكون حيوية واستراتيجية لبنيتها التحتية واقتصادها. ما لم تقرر الدولة شراء المشروع لاحقاً من المستثمر، وغالباً ما يتم ذلك وفق شروط مكلفة ومجحفة للدولة، مما يضعها في موقف تفاوضي ضعيف.
تُعد عقود BOO بمثابة تفريط فعلي بالملكية السيادية لمشروعات البنية التحتية الأساسية. هذه الملكية الدائمة تمنح المستثمر الخاص سيطرة كاملة على الأصول والخدمات التي يقدمها، مما يؤدي إلى احتكاره للسوق في القطاع المعني. وعندما يصبح هناك احتكار، يتمكن المستثمر من التحكم في تسعير الخدمات أو السلع التي يقدمها، وبالتالي تحميل المستهلكين أعباء مالية إضافية على المدى الطويل.
أظهرت التجارب العالمية أن الخصخصة، بما في ذلك عبر نماذج مثل BOO، لم تحقق دائماً التوقعات المرجوة منها، خاصة في البيئات التي تعاني من ضعف في المؤسسات والبنى التنظيمية والرقابية، حيث يمكن للمستثمرين الخاصين استغلال الوضع لتحقيق أقصى الأرباح دون مراعاة للمصلحة العامة.
بالنظر إلى الوضع في سورية، حيث تعاني البنية التحتية من دمار واسع النطاق والقطاعات الحيوية في أمس الحاجة إلى إعادة الإعمار، فإن التوجه نحو نموذج BOO يحمل مخاطر جسيمة. على سبيل المثال، إذا تم تطبيق هذا النموذج على قطاع الطاقة، الذي يُعد شريان الحياة للاقتصاد والمجتمع، فإن ذلك يعني التخلي عن السيطرة على أصول استراتيجية مثل محطات توليد الطاقة. وهذا التخلي الدائم عن الملكية يضع الدولة والشعب في موقف ضعف كبير، حيث يفقدان القدرة على التحكم في مستقبل هذه القطاعات الحيوية التي تؤثر بشكل مباشر على حياة المواطنين وتنميتهم الاقتصادية.
العالم يتراجع عن الخصخصة... وسورية تدخلها
لم تكن سورية الدولة الأولى التي تلجأ إلى عقود الخصخصة في محاولة لجذب الاستثمارات، فقد سبقتها دول عديدة تبنّت نماذج مشابهة في عقود البنية التحتية، لكن الغالبية الساحقة من تلك التجارب أظهرت آثاراً سلبية بل وانتهت إلى الفشل، ما دفع حتى العديد من الدول الغربية لتجنب الخصخصة في القطاعات الحيوية.
تعدُّ «حرب الماء» في بوليفيا عام 2000 من أشهر الأمثلة على عواقب خصخصة المرافق العامة بعقود امتياز طويلة. حيث منحت حكومة بوليفيا آنذاك امتيازاً لمدة 40 عاماً لشركة أجنبية بقيادة مجموعة Bechtel الأمريكية لإدارة مياه مدينة كوتشابامبا وسط البلاد. قامت الشركة فوراً برفع أسعار المياه بشكل حاد يفوق قدرة السكان، حتى اضطر الفقراء لدفع ما يعادل ربع دخلهم لقاء فاتورة المياه. أدى ذلك إلى اندلاع احتجاجات عارمة عُرفت بـ«تمرد تأجير المطر»، حيث كانت الشركة تراكم الأرباح عبر احتكار المياه التي كان يأتي الكثير منها من مياه الأمطار التي من المفترض أن تكون لجميع الناس. شلّت الاحتجاجات المدينة وقوبلت بقمعٍ دموي أسفر عن سقوط قتلى من المتظاهرين. وأمام الضغط الشعبي الهائل ووحدة صف الشعب البوليفي، اضطرت السلطات أخيراً إلى إلغاء عقد الخصخصة مع الشركة الأجنبية وطردها خارج البلاد، حيث استعادت المدينة إدارة مرفق المياه، وأُعيدت الأسعار لوضعها السابق، بل وتمكنت الإدارة المحلية الجديدة (عبر تعاون ورقابة شعبية) من الحصول على تمويل دولي لتطوير الشبكة.
وبالمثل، يمكن الحديث عن أزمات عقود الطاقة في آسيا خلال التسعينيات، حين اعتمدت دول آسيوية صيغ الشراكة مع القطاع الخاص في مشروعات الكهرباء كجزء من إملاءات البنك الدولي. وإحدى أبرز التجارب كانت في إندونيسيا التي أبرمت عقوداً مع مستثمرين أجانب لإنشاء وتشغيل محطات كهرباء مستقلة. ولكن عند وقوع الأزمة المالية الآسيوية عام 1997، انهارت العملة المحلية. وكانت النتيجة دخول مشاريع الطاقة في نزاعات قانونية وإيقاف بعضها، ما شلّ قطاع الكهرباء وأثقل كاهل الدولة بتعويضات جسيمة للمستثمرين أو إعادة التفاوض بشروط مجحفة. آنذاك، تعلّمت إندونيسيا ودول مجاورة من تلك الأزمة ضرورة التحوّط عند إبرام عقود طويلة الأمد مع أطراف خارجية، خاصة في القطاعات السيادية، وبرز توجه لتقصير مدد الامتياز أو ربط الأسعار بالعملة المحلية لتخفيف المخاطر على السيادة المالية.
ورغم أن دول الغرب تبنّت موجة خصخصة واسعة خلال الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، فإن كثيراً منها أعاد النظر في جدوى إبقاء مرافق حيوية بيد القطاع الخاص إلى الأبد. شهدت أوروبا خلال العقد الأخير «موجة إعادة تأميم» لعدد من الخدمات العامة بعد تجارب خصخصة فاشلة. في فرنسا تحديداً، استعادت بلدية باريس عام 2010 إدارة مياه المدينة بالكامل بعد إلغاء عقد الامتياز مع شركتي إدارة خاصتين، لتعود خدمة الماء إلى كنف شركة عامة تابعة للبلدية. وتبعت مدن أوروبية عديدة هذا النموذج في استعادة الخدمات إلى القطاع العام عبر إنهاء عقود الخصخصة الطويلة.
كذلك في بريطانيا، اضطرت الحكومة إلى إعادة تأميم سكك الحديد جزئياً بعد فشل شركة خاصة في إدارتها بشكل آمن ومستدام في مطلع الألفية، وأعادت تقييم عقود خصخصة قطاع الماء التي أدت إلى تراجع الاستثمار وارتفاع الفواتير. هذه الأمثلة من قلب الدول الرأسمالية الغربية تؤكد أن حتى الدول المحكومة أيديولوجياً بهذا النموذج تحاول اليوم تجنّبه في مرافقها الحيوية، بعد أن خبرت مساوئ ترك البنية التحتية الاستراتيجية بيد القطاع الخاص.
نحو نموذج استثماري بديل يحقق المصلحة الوطنية
النهوض بالاقتصاد السوري يتطلب رؤية استثمارية واضحة ومستدامة، تضع في مقدمة أولوياتها حماية السيادة الوطنية ومصالح الشعب السوري على المدى الطويل. أما التوجه نحو عقود BOO، وكما تثبت التجربة التاريخية للكثير من الدول التي طبقتها، يمثل أسوأ خيار يمكن لسورية أن تتخذه، لأنه يعني تخلياً نهائياً عن القطاع المستثمر، وهو أسوأ حتى من الاقتراض الخارجي.
نجاة سورية واقتصادها مرهونان بوضع خارطة استثمارية معلنة وواضحة، للسوريين قبل غيرهم، تركز بشكل أساسي على الاستفادة من الميزات المطلقة الموجودة في الاقتصاد السوري (وهي تلك الميزات التي نملكها كسوريين بشكل حصري واحتكاري تقريباً، وتتميز بأن نسب العائدية فيها عالية جداً، وتحتاج إلى رؤوس أموال صغيرة أو متوسطة، ويوجد لدينا منها مئات الميزات موزعة على المحافظات السورية المختلفة). مع الحفاظ على الميزات النسبية والاستثمار فيها.
الميزات النسبية، مثل المواد الخام كالنفط والقمح والقطن، تعتمد على توافر الموارد الطبيعية، لكنها تتعرض لمنافسة شرسة في الأسواق الدولية، ما يُبقي هوامش الربح محدودة للغاية. وقام النموذج الاقتصادي السوري بشكل أساسي على هذه الميزات، حيث ركز على تصدير المواد الخام بدلاً من تصنيعها. على النقيض، فإن الميزات المطلقة هي تلك الموارد أو المنتجات التي تنفرد بها سورية نتيجة ظروف جغرافية أو طبيعية خاصة، مثل غنم العواس والوردة الشامية وبعض المنتجات الزراعية الخاصة بسورية والنباتات الطبية النادرة والأحجار الطبيعية... وغيرها. ويمكن لهذه الموارد أن تحقق عوائد ضخمة إذا تم استغلالها بشكل صحيح، بما في ذلك إنشاء مجمعات صناعية زراعية تقلل تلاعب السوق بالأسعار، وتسمح بتعظيم القيم المضافة، وبالتالي العائدية، إلى الحدود القصوى.
بعد تحديد قطاعات الميزات المطلقة والنسبية، يظهر السؤال: من أين نأتي بالتمويل للاستثمار؟ يجب أن يكون البحث عن المصادر الداخلية هو الأولوية القصوى بما في ذلك ملكيات الفاسدين الكبار والمجرمين وتجار الحرب، الذين يجب ألا يحظوا بفرص استثمارية في سورية الجديدة، بل يجب أن تعود ملكياتهم - التي جمعوها من عذابات وآلام السوريين - للسوريين. ثم ينبغي الاستفادة من العلاقات الدبلوماسية لاستعادة أموال الفاسدين الكبار ومجرمي السلطة السابقة الموجودة في البنوك الخارجية وهي عملية صعبة بالتأكيد لكنها ليست مستحيلة.
بعد سبر المصادر الداخلية وتوظيفها وطنياً، يمكن الحديث عن التوجه نحو عقود الـBOT ضمن شروط معقولة تضمن للدولة – وبالتالي للشعب السوري – الملكية النهائية للقطاعات المستثمرة. ويجب أن تتضمن هذه العقود بنوداً واضحة حول نقل الملكية، وآليات تنظيمية قوية لضمان جودة الخدمة والتسعير العادل خلال فترة التشغيل، وحماية مصالح الدولة والناس.
تأتي المساعدات والقروض كخيار ثانوي، وربما لن يكون الشعب السوري بحاجة لها إذا أحسن تأمين مصادر الإيرادات الممكنة والمتاحة من استغلال ميزاته المطلقة والنسبية واستعادة أصول الفاسدين والمجرمين.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الوئام
منذ ساعة واحدة
- الوئام
تراجع طفيف في أسعار الذهب وسط تفاؤل تجاري
سجّلت أسعار الذهب تراجعًا طفيفًا في التعاملات المبكرة اليوم الإثنين، متأثرة بتراجع الطلب على الملاذات الآمنة في ظل تفاؤل الأسواق بإمكانية تهدئة التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، في وقت قلّصت فيه بيانات قوية للوظائف الأمريكية من رهانات خفض أسعار الفائدة. وانخفض سعر الذهب في المعاملات الفورية بنسبة 0.1% إلى 3310.68 دولارًا للأوقية بحلول الساعة 04:00 بتوقيت غرينتش، فيما تراجعت العقود الآجلة الأمريكية للذهب 0.5% لتسجل 3330.10 دولارًا. وتترقّب الأسواق اجتماعًا يُعقد في وقت لاحق اليوم في لندن، يجمع بين ثلاثة من كبار مساعدي الرئيس الأمريكي دونالد ترمب ومسؤولين صينيين، في محاولة لكسر الجمود في النزاع التجاري الذي يثقل كاهل الأسواق العالمية. اقرأ أيضًا: النفط يحافظ على مكاسبه قبل محادثات تجارية أمريكية صينية وقال كيلفن وونغ، كبير محللي السوق لدى 'أواندا' في آسيا والمحيط الهادئ، إن المستثمرين يتوخّون الحذر قبل نتائج المحادثات، مضيفًا: 'المتداولون على المدى القصير لا يرغبون في اتخاذ مراكز قوية قبل أن تتضح ملامح اللقاء'. وأضاف وونغ أن أي اتفاق محتمل قد يُخفف حدة التصعيد دون إنهاء التوترات، مشيرًا إلى استمرار ارتفاع كلفة ممارسة الأعمال في الولايات المتحدة، وتنامي العجز المالي، الذي قد يزيد الضغوط التضخمية. فنيًا، يرى المحلل وانج تاو من 'رويترز' أن الذهب الفوري قد يختبر مستوى الدعم عند 3,296 دولارًا، وهو ما قد يمهّد لهبوط نحو 3,262 دولارًا. في السياق ذاته، أظهرت بيانات وزارة العمل الأمريكية أن الرواتب غير الزراعية تجاوزت التوقعات، مع نمو الأجور واستقرار معدل البطالة، ما دفع المستثمرين لتقليص توقعاتهم لخفض أسعار الفائدة هذا العام، من خفضين إلى خفض واحد محتمل في أكتوبر. ويُرتقب أن تعطي بيانات مؤشر أسعار المستهلك الأمريكي، المقرر صدورها الأربعاء، إشارات إضافية بشأن توجهات السياسة النقدية. من جانبه، قال الرئيس دونالد ترمب إن قرارًا سيُعلن قريبًا بشأن من سيقود مجلس الاحتياطي الفيدرالي، مضيفًا أن 'رئيسًا جيدًا' للبنك المركزي من شأنه أن يُقدم على خفض أسعار الفائدة. ويُعرف الذهب بكونه ملاذًا آمنًا يزدهر عادة في أوقات الضبابية الاقتصادية ومعدلات الفائدة المنخفضة. وقد أظهرت بيانات رسمية أن البنك المركزي الصيني واصل تعزيز احتياطياته من الذهب خلال مايو، للشهر السابع على التوالي. وعلى صعيد المعادن النفيسة الأخرى، استقرت الفضة عند 35.98 دولارًا للأوقية، وارتفع البلاتين 0.1% إلى 1170.89 دولار، فيما تراجع البلاديوم بنسبة 0.4% إلى 1042.52 دولار.


Independent عربية
منذ ساعة واحدة
- Independent عربية
"المركزي الصيني" يكدس الذهب للشهر السابع على التوالي
أظهرت بيانات رسمية صادرة عن البنك المركزي الصيني أن بنك الشعب الصيني (المركزي الصيني) عزز احتياطاته من الذهب خلال مايو (أيار) الماضي، للشهر السابع على التوالي. وعلى رغم الاستقرار النسبي في أسعار الذهب خلال الشهر الماضي، بعدما بلغت مستوى قياسياً عند 3500 دولار للأونصة في أبريل (نيسان) الماضي، واصلت الصين شراء المعدن النفيس، الذي يُنظر إليه كملاذ آمن في أوقات التوترات الاقتصادية والجيوسياسية. وارتفعت احتياطات الذهب الصينية إلى 73.83 مليون أونصة تروي نقية بنهاية مايو الماضي، مقارنة بـ73.77 مليون أونصة في نهاية أبريل من هذا العام، وبلغت القيمة الإجمالية لهذه الاحتياطات 241.99 مليار دولار، منخفضة من 243.59 مليار دولار لأبريل الماضي، بحسب ما ذكره بنك الشعب الصيني. ارتفاع أسعار الذهب وبينما ارتفعت أسعار الذهب بنسبة 27 في المئة منذ بداية العام، بعد صعود مماثل في عام 2024، يرى محللو سوق المعادن أن استمرار الصين في شراء الذهب، على رغم الأسعار المرتفعة، يعكس رغبة بكين في تنويع احتياطاتها من العملات الأجنبية والابتعاد تدريجاً عن الأصول المقومة بالدولار. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) ولم يُفصح مسؤولو البنك المركزي الصيني علناً عن دوافع هذه المشتريات، لكن يُذكر أن البنك أوقف شراء الذهب مدة ستة أشهر في 2024، بعد موجة شراء استمرت 18 شهراً، قبل أن يُعاود الشراء في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام ذاته، تزامناً مع فوز دونالد ترمب في الانتخابات الرئاسية الأميركية. وكانت مؤسسة "ميتالز فوكس" للاستشارات توقعت هذا الأسبوع أن تشتري البنوك المركزية حول العالم نحو 1000 طن متري من الذهب خلال عام 2025، مما يمثل رابع عام على التوالي من عمليات الشراء الكثيفة، في ظل سعي تلك البنوك إلى تنويع احتياطاتها بعيداً من الأصول المقومة بالدولار. تنويع استراتيجي: توجه أوسع في الأسواق الناشئة وتعكس استراتيجية الصين في شراء الذهب نمطاً أوسع من إعادة التوازن تنتهجه البنوك المركزية في الاقتصادات الناشئة، فعدد من الدول التي تواجه ضغوطاً خارجية محتملة - مثل روسيا والهند وتركيا والبرازيل - تعمل على تعزيز احتياطاتها من الذهب بصورة ملحوظة، وعلى رغم أن هذا التحول بعيداً من هيمنة الدولار بشكل تدريجي، فإنه يجري وفق نهج مدروس ومتعمد. وتبدو الصين بصورة خاصة وكأنها تستعد لصراعات نقدية أو تجارية محتملة في المستقبل، من خلال تكديس أصول لا يمكن تجميدها أو فرض عقوبات عليها أو تخفيض قيمتها من قبل أطراف خارجية.


Independent عربية
منذ 2 ساعات
- Independent عربية
على رغم الحرب والعقوبات... الروبل يسجل أفضل أداء عالميا في 2025
في خضم حرب طويلة الأمد وخفض أسعار النفط وتشديد العقوبات وتدهور الاقتصاد، يشهد الروبل الروسي ارتفاعاً ملحوظاً، إذ يعد أفضل عملة أداء على مستوى العالم حتى الآن عام 2025، محققاً مكاسب تجاوزت 40 في المئة، وهو انتعاش حاد بعد عامين من التراجع الكبير للعملة. ويرى مراقبون أن ارتفاع الروبل لا يعود بالأساس إلى قفزة مفاجئة في ثقة المستثمرين الأجانب، بل إلى سياسات تحكم صارمة في رأس المال وتشديد السياسة النقدية، كما أن ضعف الدولار يشكل دعماً إضافياً للعملة الروسية. وذكر الاقتصادي الدولي واستراتيجي العملات الأجنبية في "ويلز فارغو" بريندان ماكينا لشبكة "سي أن بي سي" ثلاثة أسباب أساسية لصعود الروبل، وهي إبقاء البنك المركزي على أسعار فائدة مرتفعة نسبياً وتشديد قيود رأس المال والعملات الأجنبية والتقدم أو المحاولات المحققة في مسار السلام بين روسيا وأوكرانيا. من جانبه حافظ البنك المركزي الروسي على موقف تقشفي لكبح التضخم المرتفع من خلال رفع أسعار الفائدة إلى 20 في المئة وتشديد شروط الإقراض، مما جعل كلفة الاقتراض مرتفعة، وأدى إلى تقليل استيراد الشركات المحلية للبضائع، بالتالي خفض الطلب على العملات الأجنبية بين الشركات والمستهلكين الروس. وقال الاقتصادي في "رينيسانس كابيتال" أندريه ميلاشنكو إن ضعف الاستهلاك أدى إلى تراجع الطلب على العملات الأجنبية من المستوردين المحليين، مما عزز قوة الروبل لأن البنوك لم تعد في حاجة إلى بيع الروبل مقابل الدولار أو اليوان. وفي الربع الأول من عام 2025 شهدت روسيا حال "تكدس مخزونات" في قطاع الإلكترونيات الاستهلاكية والسيارات والشاحنات التي جرى استيرادها بصورة مكثفة في النصف الثاني من العام الماضي تحسباً لرفع رسوم الاستيراد، وفقاً لما قاله الاقتصادي المقيم في موسكو. وأوضح ميلاتشينكو أن تباطؤ النشاط الاستهلاكي كان في المقام الأول في قطاع السلع المعمرة، الذي يشكل نسبة كبيرة من واردات روسيا. وأضاف أن المصدرين الروس ملزمون بتحويل مدفوعات الدولار إلى الروبل، مما يزيد من الطلب على العملة المحلية في المقابل، قلص المستوردون مشترياتهم من السلع الأجنبية، بالتالي لم يعودوا في حاجة إلى بيع الروبل مقابل الدولار لتسديد المدفوعات. قطاع النفط يحول عائداته الأجنبية إلى روبل وتطلب الحكومة الروسية من كبار المصدرين إعادة جزء من عائداتهم الأجنبية إلى البلاد وتحويلها إلى الروبل في السوق المحلية، وأشار محللون إلى أن قطاع النفط على وجه الخصوص يحول عائداته الأجنبية إلى روبل. وبين يناير (كانون الثاني) وأبريل (نيسان) الماضيين، بلغ حجم مبيعات العملات الأجنبية من قبل أكبر المصدرين في روسيا 42.5 مليار دولار، وفقاً لبيانات البنك المركزي الروسي، وهو ما يمثل زيادة تقارب 6 في المئة مقارنة بالأربعة أشهر التي سبقت يناير من هذا العام. وأوضح المتخصص في الشأن الاقتصادي التطبيقي في جامعة "جون هوبكنز" ستيف هانك أن تقليص المعروض النقدي من قبل البنك المركزي يدعم أيضاً الروبل، ففي أغسطس (آب) 2023، كان معدل نمو النقود التي يصدرها البنك المركزي الروسي يرتفع بمعدل 23.9 في المئة سنوياً، لكن هذا الرقم أصبح سلبياً منذ يناير الماضي، إذ يتقلص حالياً بمعدل -1.19 في المئة سنوياً، بحسب هانك. وأضاف الاقتصادي الدولي واستراتيجي "فوركس" في "ويلز فارغو" بريندان ماكينا أن آمال التوصل إلى اتفاق سلام بين أوكرانيا وروسيا بعد انتخاب الرئيس الأميركي دونالد ترمب أثارت نوعاً من التفاؤل، ودفعت توقعات إعادة دمج روسيا في الاقتصاد بعض التدفقات الرأسمالية إلى الأصول المقومة بالروبل، على رغم وجود ضوابط رأس المال، مما ساعد على دعم قوة العملة المحلية إلى حد ما. هل هذا الارتفاع مستدام؟ وعلى رغم قوة الروبل الحالية يحذر المحللون من أن هذه القوة قد لا تكون مستدامة، إذ انخفضت أسعار النفط، وهو الركيزة الأساسية لاقتصاد التصدير الروسي بصورة كبيرة هذا العام، مما قد يؤثر سلباً في تدفقات العملات الأجنبية. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وقال أندريه ميلاشنكو "نعتقد أن الروبل يقترب من مستواه الأقصى وقد يبدأ في الضعف في المستقبل القريب. خفض أسعار النفط يجب أن ينعكس في تراجع إيرادات التصدير ومبيعات مكون العملة الأجنبية". وفي حين أن محادثات السلام الأخيرة بين روسيا وأوكرانيا لم تسفر عن أي تطورات ملموسة، أشار بريندان ماكينا إلى أن اتفاق سلام حقيقي قد يضعف قوة الروبل، إذ قد ترفع القيود مثل ضوابط العملة الأجنبية التي دعمت العملة حتى الآن. وقال ماكينا "يمكن أن ينهار الروبل بسرعة في المستقبل، بخاصة إذا جرى التوصل إلى سلام أو وقف إطلاق نار. في هذا السيناريو من المرجح أن ترفع ضوابط رأس المال بالكامل، وقد يخفض البنك المركزي أسعار الفائدة بسرعة". المقايضات الاقتصادية ويشهد المصدرون، وخصوصاً قطاع النفط الروسي، تراجعاً في هوامش الأرباح مع خفض أسعار النفط العالمية، بحسب ما أشار محللون في الصناعة. وتعاني الحكومة أيضاً من الضغوط، إذ يؤدي خفض أسعار النفط إلى جانب قوة الروبل إلى تآكل إيرادات النفط والغاز. وتعتمد المالية الحكومية بصورة كبيرة على تقلبات أسعار الخام، إذ تشكل إيرادات النفط والغاز نحو 30 في المئة من الإيرادات الفيدرالية لعام 2024، وفقاً لكبيرة الاقتصاديين في بنك فنلندا هيلي سيمولا. وقال أندريه ميلاشنكو "اضطرت وزارة المالية الروسية إلى الاعتماد بصورة أكبر على صندوق الرفاهية الوطنية لتغطية النفقات، وقد تشهد النفقات غير الأولوية مزيداً من التخفيضات إذا استمر هذا الاتجاه". ومع ذلك بخلاف قطاع النفط تظل روسيا معزولة إلى حد كبير عن الأسواق العالمية، وهو ما يعني أن ضعف الروبل لا يضيف كثير إلى تنافسية التجارة الروسية، بحسب بريندان ماكينا.