logo
بريطانيا تُغلق الباب ببطء.. الطريق إلى الجنسية أصبح أطول وأقسى

بريطانيا تُغلق الباب ببطء.. الطريق إلى الجنسية أصبح أطول وأقسى

الجزيرةمنذ 3 أيام
لندن-"بريطانيا ليست مأوى للمهاجرين من أجل كسب المال، وليست فندقًا يقيمون فيه، إنها وطننا، ولا أحد سيحرص عليه مثلنا". بهذه الكلمات عبّرت كيمي بادينوك، زعيمة حزب المحافظين، عن موقفها المتشدد من الهجرة، في انسجام تام مع سياسة حزبها المعروفة بالتقييد والصرامة.
لكن المفارقة جاءت من حيث لا يُتوقع، إذ فاجأ حزب العمال الجميع حين أعلن رئيس الوزراء كير ستارمر ووزيرة الداخلية إيفيت كوبر عن تعديلات جذرية على قوانين الهجرة، وُصفت بأنها الأشد في تاريخ المملكة المتحدة.
تضمنت التعديلات الواردة في الورقة البيضاء -وهو الوصف الذي يطلق على مسودة القانون- التي قدمتها الحكومة إلى البرلمان في منتصف شهر مايو/أيار الماضي، تمديد زمن الحصول على الإقامة الدائمة في المملكة المتحدة إلى 10 سنوات بدلا من 5 سنوات، ويشمل ذلك حاملي تأشيرات العمل، وتقليل فترة السماح بالإقامة للطلاب الدوليين بعد تخرجهم، والعديد من الفئات الأخرى.
كما تضمنت قائمة التشديدات، التي نُشرت على الموقع الرسمي للحكومة البريطانية، بنودًا إضافية من بينها رفع مستوى إتقان اللغة الإنجليزية المطلوب للحصول على الإقامة، بهدف تعزيز الاندماج الفعّال داخل المجتمع، إلى جانب تشديد معايير استقدام العمالة لضمان جلب كفاءات أعلى تتماشى مع احتياجات سوق العمل البريطاني.
كما شملت المقترحات تشديد شروط استقدام الشريك الزوجي، إلى جانب مراجعة نظام العمال المهرة، بهدف تقليص الاعتماد على العمالة الأجنبية وإتاحة فرص العمل للمواطنين البريطانيين.
وأوضحت الحكومة البريطانية أنها تعتزم المضي في مزيد من الإصلاحات خلال الفترة المقبلة، من بينها تعديلات مرتقبة على قواعد استقدام الأسرة، وذلك وفقًا لما ورد في منشورات مكتبة مجلس العموم البريطاني، مع توقعات بتنفيذ هذه التعديلات قبل نهاية العام الجاري.
في حديثه لموقع الجزيرة نت، أوضح المستشار القانوني علي القدومي أن السبب الرئيسي وراء طرح الحكومة البريطانية لهذه التعديلات في الوقت الحالي هو الارتفاع الكبير في أعداد المهاجرين إلى المملكة المتحدة. فبحسب تقديرات عام 2023، تجاوز عدد الوافدين الجدد إلى البلاد 900 ألف شخص، جميعهم دخلوا بشكل قانوني، سواء كطلاب، أو عمال مهرة، أو أطباء، وغالبًا ما رافقتهم أسرهم.
وترى الحكومة أن هذه الأعداد الكبيرة تشكّل عبئا متزايدا على قطاع الخدمات العامة، خصوصًا وزارة الصحة والبلديات وغيرها من المؤسسات الخدمية، مما دفعها للتفكير في اتخاذ إجراءات تحدّ من هذا الضغط.
وبناءً عليه، تسعى حكومة حزب العمال إلى خفض أعداد المهاجرين القانونيين إلى ما بين 200 و250 ألف شخص سنويا.
وأشار القدومي إلى أن ما يُعرف بـ"الورقة البيضاء" لا تزال في مرحلة النقاش والمداولات داخل وزارة الداخلية البريطانية (هوم أوفيس)، ولم تتخذ بعد صورتها النهائية، حيث يُتوقع أن يتم حسم ملامحها بحلول نهاية العام الجاري
وطمأن القدومي اللاجئين بأنهم خارج هذه التعديلات، وفق تصريحات رئيس الوزراء في البرلمان والتي أعلن فيها استثناء اللاجئين والعائلات التابعين لتأشيرة الزوج من هذه اشتراطات مدة العشر سنوات التعسفية.
وختم القدومي حديثه قائلا "أتوقع فور إقرار التعديلات أن تكون هناك طعون قانونية كثيرة، لأنها ستؤثر على ما يقارب من مليون ونصف شخص في المملكة المتحدة، وهذا غير عادل".
مستقبل المهاجرين العرب في بريطانيا
في ظل تصاعد القلق من التعديلات المرتقبة على قوانين الهجرة، نظّمت منصة "العرب في بريطانيا" ندوة حوارية بعنوان "مستقبلنا كمهاجرين في بريطانيا: الفرص، التحديات، والممكن فعله"، ناقشت خلالها سبل التعامل مع المرحلة القادمة.
شارك في الندوة نخبة من المتخصصين في القانون والإعلام والعمل المجتمعي، وشهدت حضورًا لافتًا من أبناء الجالية العربية في بريطانيا. وتناول النقاش أبرز ما جاء في "الورقة البيضاء للهجرة"، وكيفية الاستجابة للتغييرات المقترحة، وأهمية تعزيز الاندماج الإيجابي كمسار فعّال للاستقرار والقبول المجتمعي.
وخلال الندوة، تحدثت الدكتورة العراقية لانة الصميدعي عن أحد أبرز التحديات النفسية والثقافية التي تواجه المهاجرين العرب، مشيرة إلى أن المشكلة الأساسية تكمن في النظرة الذاتية التي تجعلهم يشعرون بأنهم "مواطنون من الدرجة الثانية"، وهو ما يعيق اندماجهم الحقيقي في المجتمع.
وأكدت الصميدعي أن على المهاجرين العرب الإيمان بأن لهم حقوقًا وواجبات متساوية، وعليهم التصرف بما يعكس الكفاءة والاحترام، ما يشجع الجهات الحكومية والمجتمعية على معاملتهم بما يليق، ويعزز من فرص حصولهم على الخدمات والدعم.
المهاجرون أسهموا في تنمية بريطانيا
في حين واجه بعض النواب في البرلمان هذه القرارات بالنقد والاعتراض، مثلما فعل النائب البريطاني جيرمي كوربن (المستقل حاليا والرئيس السابق لحزب العمال)، حينما وجه رسالة صارمة لقادة البلاد مستنكرا جحودهم تجاه إنجازات المهاجرين التي أسهمت في بناء المجتمع البريطاني، في مجالات التعليم والصحة والنقل والقطاعات الأخرى.
وفي خطابه في البرلمان، هاجم كوربن الحكومة قائلا: "لماذا لا تنتقدون المهاجرين عندما تذهبون إليهم لعلاجكم في المستشفيات؟ أم أنكم مهتمون فقط بتشويه سمعتهم لأنهم وُلدوا يتحدثون لغة مختلفة ويبدون بشكل مختلف عنكم؟!".
ورطة باهظة الثمن
تقول ميرفت من تركيا "انتقلت مع أسرتي إلى هنا قبل عامين بتأشيرة عمل، وكانت خطتنا أن نقيم في بريطانيا لمدة ست سنوات، نحصل بعدها على الجنسية ثم ننتقل إلى بلد آخر. لكن بعد التعديلات الجديدة التي سمعنا عنها، أصبحنا مضطرين لإعادة النظر في كل ما كنا نخطط له، رغم التكاليف الباهظة التي أنفقناها من أجل الاستقرار هنا".
وتابعت بمرارة: "لقد تورطنا. كنا نتصور أن المعادلة واضحة: خمس سنوات من العمل، والالتزام بالقوانين، ودفع الضرائب، ثم الجنسية. لكن ما جاء في الورقة البيضاء حطّم هذا التصور تماما، وتركنا نشعر بخيبة أمل كبيرة".
وأضافت "كان زوجي يطمح في مواصلة دراسته الجامعية هنا، وربما الالتحاق ببعض الدورات المتقدمة، لكن الآن علينا أن نؤجل كل شيء وننتظر فترة أطول لا نعلم إلى متى".
"أرض الله واسعة".. وصبر المهاجرين ليس بلا حدود
عبّر طلال خالد، باحث دكتوراه في إحدى الجامعات البريطانية، عن استيائه من التعديلات الجديدة قائلا: "عندما تُفرض قيود طويلة الأمد كشرط الإقامة لعشر سنوات، يشعر المهاجر وكأنه مطالب على الدوام بإثبات أحقيته في البقاء. لا يُعامل كمواطن كامل الحقوق، بل كموظف مؤقت مرتبط بوظيفته ومهدد بفقدانها في أي لحظة."
وأشار إلى أن هذه التعديلات لا تخلق سوى المزيد من القلق وحالة من اللايقين بين المهاجرين، الذين سيبقون لفترة طويلة في انتظار لا يُعرف إن كان سينتهي بالاستقرار أم بخيبة أمل جديدة، مما يؤثر على قراراتهم المهنية والعائلية وحتى النفسية.
وختم طلال حديثه قائلا: "لا أستطيع الاستمرار في هذه الدوامة النفسية لعشر سنوات فقط من أجل الحصول على الإقامة الدائمة. الوضع الحالي خانق، لا يمكنك تغيير وظيفتك أو السعي لفرص أفضل خارج إطار التأشيرة الممنوحة لك. وهذا يعني التنازل عن كثير من الطموحات. لكن، في النهاية، أرض الله واسعة، وهناك أماكن أخرى تمنح الأمل أكثر من هذا الانتظار الطويل والمقيّد".
حرب نفسية أم قانون صارم؟
شكت شيماء -وهي طبيبة مصرية تعمل في بريطانيا- نفس الشعور بالقلق الذي عبّر عنه كثير من المهاجرين، مؤكدة بأسف أنها ستضطر إلى ترك عملها في حال تم تطبيق التعديلات الجديدة، قائلة: "لا جدوى من تحمل سنوات طويلة من الانتظار دون أفق واضح للجنسية البريطانية".
ورغم عملها مع وزارة الصحة البريطانية واستقدامها لأسرتها العام الماضي، إلا أنها تؤكد أنها اتخذت قرارها مسبقا، ولن تستمر إذا أصبحت الشروط الجديدة واقعا مفروضا.
لكن حتى الآن، تبقى الأمور غير واضحة بالنسبة لها، وتختم حديثها بتساؤل يحمل مزيجا من الحيرة والتوتر: "هل ستتحول هذه المقترحات إلى قوانين ملزمة فعلًا؟ أم أنها مجرد حرب نفسية تهدف إلى ردع المهاجرين وثنيهم عن القدوم إلى المملكة المتحدة؟.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

ترامب مجددا: دمرنا المواقع النووية الإيرانية بالكامل
ترامب مجددا: دمرنا المواقع النووية الإيرانية بالكامل

الجزيرة

timeمنذ 6 ساعات

  • الجزيرة

ترامب مجددا: دمرنا المواقع النووية الإيرانية بالكامل

جدد الرئيس الأميركي دونالد ترامب -اليوم السبت- تأكيد أن المنشآت النووية الإيرانية التي استهدفها القصف الأميركي "دمّرت بالكامل"، بعدما أفاد تقرير أوردته "إن بي سي" بأن بعض هذه المواقع صمد إلى حدّ بعيد. وأكد ترامب في منشور على شبكة التواصل الاجتماعي "تروث سوشيال"، أن "المواقع النووية الثلاثة في إيران دمّرت بالكامل وسحقت" مشيرا إلي أن الأمر "سيستغرق سنوات قبل وضعها في الخدمة مجدّدا". وأضاف الرئيس الأميركي أنه "وإذا ما أرادت إيران إعادة هذه المواقع للخدمة، فمن الأجدى بها أن تبدأ من جديد، في ثلاثة مواقع مختلفة". وفي 22 يونيو/حزيران، قصفت الولايات المتحدة موقع تخصيب اليورانيوم تحت الأرض في فوردو جنوب طهران، ومنشأتين نوويتين في أصفهان ونطنز. ولم يُعرف بعد الحجم الفعلي للأضرار التي ألحقها القصف بهذه المواقع. وجاءت الضربات الأميركية خلال هجوم إسرائيلي واسع على إيران بدأ في 13 يونيو/حزيران، أدى إلى اندلاع حرب استمرت 12 يوما. وخلال حرب الأيام الاثني عشر، شنّت إسرائيل مئات الضربات على مواقع نووية وعسكرية إيرانية وقتلت علماء على صلة بالبرنامج النووي الإيراني. وردّت إيران بإطلاق صواريخ ومسيّرات على الدولة العبرية. وأكّدت واشنطن أن غاراتها التي شكّلت نجاحا تاما -على قول الرئيس ترامب- وجّهت ضربة قاصمة للجهود التي تبذلها إيران منذ سنوات لتطوير أسلحة نووية. تقييم عسكري مختلف لكنّ عدة وسائل إعلام أميركية أوردت تقارير استخباراتية تقدّم صورة أكثر ضبابية. وكان آخرها ما أوردته "إن بي سي" الجمعة بالاستناد إلى تقييم عسكري مفاده أن واحدا من هذه المواقع الثلاثة أصيب بدمار كبير. وخلص التقرير نقلا عن 5 مسؤولين أميركيين سابقين أو حاليين على علم بالتطوّرات، إلى أنه يمكن إصلاح الموقعين الآخرين واستئناف أنشطة تخصيب اليورانيوم فيهما "خلال الأشهر المقبلة". وكشفت "إن بي سي" أن البنتاغون كان قد أعدّ خطّة أوسع لإلحاق أضرار أكبر بالمنشآت الإيرانية عبر قصفها طوال أسابيع عدّة وليس في عملية واحدة كما قرّر ترامب. لكن الرئيس الأميركي رفض هذه الخطّة خشية سقوط ضحايا والانخراط في النزاع على نحو أوسع، بحسب ما نقل التقرير عن مسؤول حالي وآخر سابق.

بريطانيا تعتقل 55 شخصا خلال مسيرة لحركة "فلسطين أكشن"
بريطانيا تعتقل 55 شخصا خلال مسيرة لحركة "فلسطين أكشن"

الجزيرة

timeمنذ 7 ساعات

  • الجزيرة

بريطانيا تعتقل 55 شخصا خلال مسيرة لحركة "فلسطين أكشن"

اعتقلت شرطة العاصمة البريطانية لندن اليوم السبت 55 شخصا خلال مسيرة نظمتها حركة " فلسطين أكشن" أمام مبنى البرلمان. وذكرت الشرطة في منشور على منصة إكس أن الحشد تجمع في ساحة البرلمان وأخذ يلوح بلافتات تدعم الحركة التي حُظرت هذا الشهر بموجب قانون مكافحة الإرهاب. وكان بعض المحتجزين يرتدون الكوفية ويحملون الأعلام الفلسطينية. وحظر مشرعون بريطانيون الحركة في وقت سابق من هذا الشهر بعد أن اقتحم بعض أعضائها قاعدة للقوات الجوية الملكية وألحقوا أضرارا بطائرتين احتجاجا على دعم بريطانيا لإسرائيل. وأصبح الانضمام إلى الحركة الآن بمثابة جريمة قد تصل العقوبة فيها بالسجن لمدة تصل إلى 14 عاما. ووصفت الحركة القرار بأنه "استبدادي" ومن المقرر أن تنظر المحكمة العليا في لندن الطعن في قرار الحظر يوم الاثنين. وحركة "فلسطين أكشن" من بين الجماعات التي دأبت على استهداف شركات الدفاع وغيرها من الشركات البريطانية التي ترتبط بعلاقات مع إسرائيل منذ بدء الحرب في غزة. وألقت الشرطة القبض على عشرات من أنصار الحركة خلال مسيرات في أنحاء بريطانيا منذ فرض الحظر.

قتيل في غارة بمسيّرة إسرائيلية على جنوبي لبنان
قتيل في غارة بمسيّرة إسرائيلية على جنوبي لبنان

الجزيرة

timeمنذ 10 ساعات

  • الجزيرة

قتيل في غارة بمسيّرة إسرائيلية على جنوبي لبنان

قتل لبناني اليوم السبت، جراء استهدافه في غارة بمسيّرة إسرائيلية على أطراف مدينة الخيام الشرقية في محافظة النبطية جنوب لبنان ، حسب وزارة الصحة اللبنانية. وقالت وكالة الأنباء اللبنانية، إن مواطنا قتل جراء استهدافه بغارة من مسيّرة، بينما كان يعمل في إصلاح شبكة الأدوات الصحية على سطح منزل في حي مطل الجبل المأهول في أطراف الخيام الشرقية التابعة لقضاء مرجعيون. ووصفت الوكالة الهجوم بخرق جديد للسيادة اللبنانية وانتهاك صارخ لوقف إطلاق النار المعلن بين إسرائيل وحزب الله منذ ديسمبر/كانون الأول 2024. وقتل الخميس الماضي 4 لبنانيين وأصيب آخرون في غارات إسرائيلية استهدفت بلدات قبريخا والكفور والناقورة جنوبي لبنان. وفي 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023، شنت إسرائيل عدوانا على لبنان تحول إلى حرب واسعة في 23 سبتمبر/أيلول 2024، ما أسفر عن أكثر من 4 آلاف قتيل ونحو 17 ألف جريح. وفي 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، بدأ سريان اتفاق وقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل، لكن تل أبيب خرقته أكثر من 3 آلاف مرة. وفي تحد لاتفاق وقف إطلاق النار، نفذ الجيش الإسرائيلي انسحابا جزئيا من جنوب لبنان، بينما يواصل احتلال 5 تلال لبنانية سيطر عليها في الحرب الأخيرة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store