logo
صرخة أم تبكي الجمهورية اللبنانية

صرخة أم تبكي الجمهورية اللبنانية

Independent عربيةمنذ يوم واحد
صرخة بطعم "حرقة قلب أم" كانت كفيلة بأن تخرج دموع رئيس الحكومة نواف سلام ومعه كل اللبنانيين إلى العلن، خلال كلمة ألقتها في اللقاء الحواري داخل المكتبة الوطنية اللبنانية بذكرى مرور خمس سنوات على انفجار مرفأ العاصمة بيروت في الرابع من أغسطس (آب) عام 2020.
كلمتها لم تكن محضرة، لم يكتبها خبراء أو مستشارون في عالم الإعلام والتواصل، ولم يشرف عليها فريق عمل، ولم تكن مجهزة سلفاً لحث الحاضرين على البكاء، إنما كانت تعبيراً عفوياً عن مشاعر هيام بقاعي والدة الضحية أحمد قعدان الذي "رحل قبل أن يحقق حلمه وحلم أمه بسبب عدم احتضان الدولة اللبنانية له"، وأكثر من ذلك فإن عناصر أمنية كانت ضربت هذه السيدة المكللة بالأسود من سنوات "أمام منزل القاضي فادي صوان المحقق العدلي السابق، ومنزل وزير الداخلية محمد فهمي" خلال تحركات مطالبة بكشف الحقيقة، وهي نفسها الدولة التي شاركت بمكوناتها المختلفة في عرقلة التحقيق في انفجار المرفأ"، كما تقول البقاعي.
قصة أحمد قعدان وأحلامه التي تبخرت
شاءت الأقدار أن تحمل في الرابع من أغسطس 2020 ابن بلدة شبعا الجنوبية الشاب أحمد قعدان، 28 سنة، إلى منطقة الجميزة المقابلة لمرفأ بيروت، حيث عاش لحظات أخيرة صعبة من حياته. كان رحيل أحمد نهاية لأحلام كثيرة، فهو لم يتمكن من بدء حياة جديدة في كندا، التي كان سيغادر لبنان متجهاً إليها في 23 أغسطس. كما أن والدته لم ترَ وحيدها عريساً.
بصوت خافت يكسوه الألم عبر الهاتف، تحدثنا هيام عن ألم فقدان وحيدها، وهو الذي كان محور حياتها واهتماماتها، فهو "الشاب الوحيد في عائلتها بين ثلاث بنات"، "كان مليئاً بالحياة ونشيطاً للغاية ومحباً".
تقول "في ذلك اليوم المشؤوم صادف مروره في منطقة الجميزة، عند الساعة 6:07 مساء، ارتج لبنان كله"، علم سكان منزل العائلة في منطقة الطريق الجديدة أحد أحياء العاصمة أن أمراً عظيماً حدث بسبب موجات الانفجار. بادرت الأم إلى الاتصال المتكرر بهاتف ابنها، لم يتمكن من الإجابة بداية، ولكن صديقه الذي كان يرافقه أجاب، فأبلغ العائلة "أحمد أصيب جرحاً عميقاً برأسه نتيجة سقوط خشبة عليه بفعل انهيار أحد مباني المنطقة".
سقط الخبر كالصاعقة على العائلة، "الابن الوحيد مصاباً بانفجار طاول قلب المدينة"، وحاولت السلطة طمس حقيقته والمسؤول عنه بحسب هيام بقاعي.
الرفيق الدائم لأمه حتى بعد وفاته
لا تفارق صورة أحمد يد أمه التي ترافقها في كل مناسبة أو وقفة واعتصام، فقد رحل الشاب جسدياً ولكن روحه ما زالت ترافق العائلة في أدق تفاصيل حياتها. في كل يوم، تتجه أم أحمد إلى المقبرة حيث يرقد جسد ابنها في طريق الجديدة قرب جامع الخاشقجي. تنظف القبر، وتزينه، وتشكو له همومها. تشير الأم إلى أنها تتحدث معه، وتخبره بكل ما يدور حوله، ويحصل معها ومع أفراد العائلة، وتعلمه بمصير التحقيق والتقصير المتمادي في الملف. وهي "تقصده عندما تشعر بالحزن الشديد، لتعبر له عن حجم الألم والمعاناة، وتبوح له بمكنونات قلبها".
على طاولة طعام العائلة، تختار الأم قائمة طعامها يومياً وفق ما يحب وحيدها أحمد، فهي بالنهاية أم تحاول إرضاء أبنائها، وإسعادهم. وتقول السيدة هيام "كان أحمد يحب أكلات الرز والمندي، وفي كل مرة أجهزها يستحضرني ابني ورأيه بها ورد فعله"، "لا بل إن أحمد حاضر في كافة التفاصيل والأحاديث، حيث نحاول أن نتوقع كيف كان رد فعله في الموضوع المثار أو المناسبة أو ما شابه". ترفض مقولة إن "الأحزان تبدأ كبيرة، وتصغر أو تتلاشى مع الوقت"، لأن "حرقة قلب الأم على ولدها لا تفتر ولا تخف"، وتتمنى "ألا يذيق الله أي أم أو أب ألم الفراق على رحيل فلذة كبده... لا يوجد وجع أكبر من أن تقف الأم على قبر ابنها أو تودعه، وهو ألم يتجدد ويتصاعد باستمرار"، وما يزيد الأمر صعوبة على الأهالي أن "الدولة المكلفة بحماية أبنائها والضحايا لم تقدم أي شيء لكشف القاتل".
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أحمد صورة عن شباب لبنان
تتحدث هيام عن ابنها أحمد، "بعد أن تخرج الشاب من كلية إدارة الأعمال، بدأ البحث عن عمل لائق، إلا أن ظروف البلد حالت دون بلوغ مراده. جاء الانهيار المالي في 2019، وجائحة كورونا لتضيق الخناق على شباب لبنان كافة. بعدها اشترى أحمد سيارة صغيرة للعمل عليها من أجل تأمين حاجياته الضرورية، والمشاركة في إعالة عائلته، إضافة إلى تقسيط ديونه وبعض القروض المستحقة".
وأيضاً خطط الشاب لمحاربة اليأس المتسلل إلى نفوس أبناء لبنان، فقرر الهجرة إلى كندا، وكان له ما أراد وجاءت الموافقة، وكان موعد الرحيل خلال 3 أسابيع قبل وقوع الجريمة، ولكن قدره كان أسبق.
تشعر الوالدة بحسرة كبيرة، فالشاب كان يحلم بحياة جديدة، وهي كأم أرادت أن تخطب له الفتاة التي يحبها، وأن تزوجه ويملأ حياتها فرحاً، ولكن الظروف كانت قاسية عليهم وعلى قلوبهم. وتضيف "قامت الدولة الكندية ببادرة لم نجدها من دولتنا، فهي قامت بتقديم واجب العزاء، والوقوف إلى جانب الأسرة، كما أنها عرضت التعويض عن العائلة بأن تستقبل شقيق لأحمد في كندا، إلا أنه ويا للحسرة الشاب الوحيد في البيت"، في المقابل، عاملت الحكومة اللبنانية مواطنيها بطريقة فوقية وقاسية.
تغيير ملموس في تعامل الدولة
تقدر هيام بقاعي كثيراً دموع رئيس الحكومة نواف سلام، الذي قال بدوره خلال المؤتمر المذكور إن "زمن الصمت ولى"، وتعتقد أن هناك تغييراً ملحوظاً في تعاطي الحكومة مع ملف ضحايا مرفأ بيروت، وتتحدث بغضب كبير عن المرحلة السابقة وشخصياتها، وتنتقد تعاطي الحكومات السابقة من رأسها إلى الجهاز القضائي، مسمية رئيس الحكومة حسان دياب، ومدعي عام التمييز غسان عويدات الذي تستغرب خطوته بالإفراج عن المشتبه فيهم جميعاً في الانفجار، ومن ثم بحثه عن الترقي الوظيفي. وتعتبر أن التحقيقات التي طاولت مثول أسماء إضافية أمام المحقق العدلي طارق البيطار هي فاتحة خير، واستدعاء رئيس الحكومة السابق حسان دياب، ووزير الداخلية السابق نهاد المشنوق، وقائد جهاز الأمن العام السابق اللواء عباس إبراهيم، وتنتظر مثول شخصيات إضافية مثل النائب غازي زعيتر، وآخرين.
عائلات ضحايا الانفجار باتوا عائلة واحدة
تشارك أم أحمد قعدان في الوقفة الشهرية لأهالي ضحايا انفجار المرفأ، جنباً إلى جنب مع عائلات 243 ضحية، ومشاركة بعض الجرحى الذين تجاوزت أعدادهم 7 آلاف ضحية. تؤكد هيام بقاعي أن الأهالي باتوا عائلة واحدة، يجمعهم الوجع والألم، وقصة كل أم أو أب هي انعكاس لمعاناة الآخرين. يناضل هؤلاء لإبقاء قضيتهم حية، وهم يرفعون الصوت لتحقيق العدالة، مؤكدةً أن المطلب ليس مطلب ثأر بل الاقتصاص من الفاعلين، وأن هدف الأهالي ليس الحصول على أي شرف أو تعويض، لأن "الدولة لم تدفع أي تعويض واقتصر الأمر على دفع الهيئة العليا للإغاثة مبلغ 30 مليون ليرة أي نحو 300 دولار أميركي كبدل رمزي لتغطية مصاريف تأمين القبر والدفن".
تعبِر صرخة هيام بقاعي عما يدور في قلوب وصدور أهالي الضحايا، وأهالي بيروت ولبنان، حيث فشل هؤلاء بالتعافي من صدمة انفجار المرفأ، مشددةً على الوحدة بين الأهالي واللبنانيين من أجل تحقيق العدالة وبلوغ مرحلة الحق، "ولن نكل أو نمل حتى نعرف كيف ومن قتل أبناءنا؟".
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الصلاة على الطالب محمد القاسم بعد صلاة الجمعة بالمسجد الحرام
الصلاة على الطالب محمد القاسم بعد صلاة الجمعة بالمسجد الحرام

صحيفة عاجل

timeمنذ ساعة واحدة

  • صحيفة عاجل

الصلاة على الطالب محمد القاسم بعد صلاة الجمعة بالمسجد الحرام

فريق التحرير نعت عائلة الطالب المغدور محمد بن يوسف بن عبد العزيز القاسم، نجلها، وأعلنت الصلاة عليه يوم الجمعة القادم في المسجد الحرام. وأضافت «بقلوب مؤمنة وراضية بقضاء الله وقدره، ننعى فقيدنا الغالي ابننا الشاب محمد بن يوسف بن عبد العزيز القاسم الذي وافته المنية إثر اعتداء آثم». وسيصلى عليه بعد صلاة الجمعة 8 اغسطس الموافق 14 صفر 1447 بمشيئة الله في المسجد الحرام بمكة المكرمة والدفن في مقبرة الشهداء بضاحية في الشرايع. ومثل «تشاز كوريجان» المتهم بقتل الطالب السعودي محمد القاسم، اليوم الأربعاء، أمام محكمة كامبريدج بعدما وجهت إليه تهمة القتل وحيازة سكين في مكان عام. والمتهم بريطاني الجنسية من أصول أيرلندية من سكان مدينة كامبريدج، ووجهت المحكمة إلى المتهم تهمة «حيازة السلاح الأبيض، واستخدامه في جريمة القتل العمد»، بينما نفى المتهم عن نفسه ارتكاب جريمة القتل، زاعما أنه كان يدافع عن نفسه، بينما رفضت المحكمة خروجه بكفالة. كانت سفارة المملكة في بريطانيا، أكدت أنها تتابع واقعة الاعتداء على الطالب السعودي جنوب مدينة كامبريدج البريطانية، والتي أدت إلى وفاته، وأشارت إلى أنها تواصل التنسيق مع الجهات البريطانية المختصة؛ للكشف عن ملابسات الحادث الأليم، تمهيداً لاستكمال إجراءات نقل جثمان الفقيد إلى المملكة، وعقدت محكمة كامبريدج، اليوم الأربعاء، جلسة استماع أولية في قضية مقتل الطالب السعودي محمد القاسم». وقدَّم وزير الحج والعمرة توفيق الربيعة تعازيه إلى أُسرة الشاب محمد القاسم، وقال عبر منصة (إكس): «رحل محمد القاسم وبقيت سيرته العطرة، شابٌ سعودي شهم، كريم الخلق، مشهودٌ له ببرّ والديه، وتطوّعه في خدمة ضيوف الرحمن؛ بالحرم المكي الشريف»، متابعا: «خالص التعازي والمواساة لأهله وذويه، رحمه الله وغفر له، وتجاوز عنه، وأسكنه فسيح جناته».

العميد أبو بكيل الحالمي يشكر المعزين في وفاة شقيقه العميد مثنى محسن مهدي
العميد أبو بكيل الحالمي يشكر المعزين في وفاة شقيقه العميد مثنى محسن مهدي

الأمناء

timeمنذ 2 ساعات

  • الأمناء

العميد أبو بكيل الحالمي يشكر المعزين في وفاة شقيقه العميد مثنى محسن مهدي

نتوجه بمفردات العبارات الصادقة بالشكر والتقدير والأعتزاز إلى كل من حضر مراسيم التشييع والدفن أخينا ووالدنا الفقيد العميد مثنى محسن مهدي ركن التوجيه المعنوي اللواء الثاني صاعقة وإلى جميع من حضر مراسيم العزاء في حالمين : في مقدمتهم قيادة السلطة المحلية ممثلةً بالاخ عبدالعزيز علي صالح الأعجم مدير عام المديرية والعميد ركن ناجي عبدالله ناشر الكربي رئيس القيادة المحلية للمجلس الانتقالي حالمين والأخ الرائد محمد مطلق جابر مدير أمن المديرية ، والأخ العميد عبدالكريم قاسم قائد اللواء الأول صاعقة والأخ اللواء الركن قاسم سعيد بن سعيد مستشار قائد اللواء الأول صاعقة، والأخ العميد خالد احمد محسن أركان حرب اللواء الأول صاعقة ، والأخ العميد محمد سيف الحشري رئيس عمليات اللواء الأول صاعقة والأخوة قيادة وهيئة أركان اللواء الأول صاعقة وصف ضابط وجنود اللواء ، والأخ العميد الركن مثنى عمر أبو حسام أركان حرب اللواء الأول مشاه وهيئة أركان اللواء الأول مشاه جبهة الفاخر شمال غرب محافظة الضالع. ونتوجه بالشكر والتقدير العميقين إلى مشائخ ووجهاء قبائل حالمين وكل أبناء حالمين من دكاترة ومعلمين وأطباء ومثقفين المديرية الذين تحملوا مشاق السفر وعناء الطرق وقطعوا المسافات للوصول إلينا لتقديم واجب العزاء ، وإلى جميع من شاطرنا الأحزان والألم العميق في وفاة أخينا ووالدنا الفقيد العميد مثنى محسن مهدي رحمة الله تعالى تغشاه . الشكر والتقدير لمن قدم التعازي عبر الإتصال الهاتفي وبرقيات العزاء في شبكة التواصل الإجتماعي ونتوجه بالشكر لقيادة ومعلمي الأكاديمية العسكرية وكل منتسبيها وإلى القيادات الدارسين كلية القيادة والأركان عام الدفعة الـ17 وإلى طلاب مديرية حالمين الدارسين في الجامعات والكليات العسكرية والمعاهد التعليمية في الداخل والخارج. كما نتوجه بالشكر والتقدير للأخوين الإعلاميين جهاد الحالمي صبري عسكر الحالمي والشكر للدكتور عبدالفتاح أحمد مثنى حسن الحالمي على جهوده المبذولة في محاولة إنقاذ حياة الفقيد ولكن قدر الله كان السباق نسأل الله تعالى العزيز الرحيم أن يجنّبكم الشر، وأن يحفظكم ويرعاكم بعنايته، وأن يبعد عنكم كل مكروه. لقد كانت لتعزيتكم الرقيقة أبلغ الأثر في نفوسنا، وأثّرت في تخفيف وطأة هذا المصاب الجلل. فإليكم خالص الشكر المقرون بصادق الودّ والوفاء ..

الحركة الإصلاحية عند العلويين في القرن التاسع عشر
الحركة الإصلاحية عند العلويين في القرن التاسع عشر

الشرق الأوسط

timeمنذ 2 ساعات

  • الشرق الأوسط

الحركة الإصلاحية عند العلويين في القرن التاسع عشر

صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب «الحركة الإصلاحية عند العلويين من خلال قراءة تراجم شيوخهم في القرن التاسع عشر: مقاربة بروسبوغرافية»، وهو من تأليف إياس أحمد حسن. يقع الكتاب في 264 صفحة، شاملاً ملخّصاً تنفيذيّاً وتمهيداً وتقديماً وتراجم وخمسة فصول وخاتمة، إضافة إلى ملحق وثائق وصور ومراجع وفهرس عامّ. يتناول الكتاب ملامح الإصلاح والنهضة في صفوف شيوخ الطائفة العلوية خلال القرن التاسع عشر، مركّزاً على دورهم في تجاوز العزلة والتهميش عبر الانفتاح على المذاهب الإسلامية الأخرى، والالتزام بالأركان الدينية، ونبذ الخرافات.، ويبرز إيمانهم بالعلوم الحديثة، وجهودهم في نشر التعليم وفتح المدارس، ومساهمتهم في نهضة لغوية وأدبية. ويتناول الكتاب أيضاً مواقفهم الإصلاحية التي أدّت إلى ترسيخ الانتماء الإسلامي والوطني والقومي؛ مما مهد لاندماج أبنائهم في الحياة المدينية خلال القرن العشرين، وانخراطهم في مختلف المجالات الثقافية والاجتماعية والسياسية والعسكرية. إضافة إلى الحراك الفكري المبكّر في جبال الساحل السوري، تفاعلاً مع حملة إبراهيم باشا وانتشار الحداثة، بما في ذلك المطبوعات والتعليم. ويستند الكتاب إلى مجموعة من المخطوطات النادرة، أبرزها تذكرة الأفكار للشيخ علي حسن القاضي (1879)، ومؤلفات الشيخ يوسف علي الخطيب، وآل حرفوش، وغيرها، لرصد معالم الإصلاح المبكر الذي تجلّى في ثلاثة ملامح: الشكّ في مقاربة تاريخ تأسيس الطائفة، خصوصاً في سيرة الأمير المكزون السنجاري، الوعي التاريخي في حفظ تراجم الشيوخ وتوثيقها، والانفتاح على الشعائر الإسلامية، كأداء الحج، والقيادة الدينية والاجتماعية ومناهضة السلطة. وعلى المستوى الاجتماعي، سعت الحركة الإصلاحية لمحاربة الخرافات، والدعوة إلى الكسب الشريف بالعمل اليدوي، والاهتمام بحقوق المرأة. وقد برز الشيخ سليمان الأحمد في نقده العلني للسحر والتنجيم، ودعا الإصلاحيون إلى الاستناد إلى العلوم الحديثة، ودوّنوا مؤلفات تعزّز قيم الوحدة والتسامح. وقد أصرّ شيوخ الطائفة على العمل اليدوي الشريف، ورفضوا بشدّة التسوّل الديني باسم الزكاة، معتبرين الكسب باليد شرفاً لا يُدانيه جاه. أما في شأن المرأة، فقد بدأت مطالبات بتقليل المهور، وظهرت بوادر تشجّع على تعليمها ومشاركتها العامة. شهد الحقل التعليمي، كما جاء في الكتاب، نهوضاً أهليًّا ملحوظاً، تجلّى في تأسيس مدارس مثل مدرسة آل يونس، حيث اعتمد التعليم المجاني، مقابل التعليم المأجور في المدن الكبرى. ومع توسّع نشاط المدارس التبشيرية، دخلت اللغتان التركية والفرنسية إلى المناهج، وبدأ الانتقال التدرّجي من العلوم الشرعية إلى العلوم الدقيقة والتجريبية. أما النهضة اللغوية والأدبية، فقد انطلقت من الجنوب، بتأثير لبناني واضح، وساهمت المطبوعات الحديثة في قلب العلاقة التقليدية بين الشيخ والتلميذ، وظهرت شروح نقدية ومؤلفات لغوية جديدة، من أبرزها جهود الشيخين سليمان الأحمد وإبراهيم عبد اللطيف. وقد دفعت هذه النهضة الفكرية في اتجاه تقبّل النسبية المعرفية، والاعتراف بإمكانية الخطأ ومراجعته؛ مما أضفى حيوية نقدية على المشهد الفكري. وبالنسبة للإصلاح الديني والهويّاتي، فقد اقترن بالتحرر من العصبيات العشائرية، والتمسّك بالهوية الإسلامية والعروبية، خصوصاً في مواجهة مشروعات التفريق الاستعمارية التي تبنّاها الفرنسيون.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store