logo
تصاعد التوتر بين روسيا وأذربيجان يهدد "تعاون الحلفاء" ومستقبل القوقاز

تصاعد التوتر بين روسيا وأذربيجان يهدد "تعاون الحلفاء" ومستقبل القوقاز

الجزيرةمنذ 15 ساعات
موسكو- بات التعقيد والتوتر السمة الراهنة للعلاقات الروسية الأذربيجانية، مع بروز بوادر أزمة باتت تتدحرج بتسارع ملحوظ، يتوقع مراقبون أن تستفحل إن لم يضع الطرفان حدا لها.
وتدهورت العلاقات بين البلدين مجددا بعد أن شنَّت الشرطة الروسية حملة اعتقالات جماعية لأذربيجانيين في مدينة يكاتربنبورغ على خلفية قضية جنائية تعود إلى 2001، لكن الحملة هذه انتهت بوفاة شخصين، واستدعت أذربيجان على خلفيتها القائم بأعمال السفارة الروسية لديها للاحتجاج، فيما زعمت وسائل إعلامية أذربيجانية أنهم توفوا نتيجة تعرضهم للتعذيب.
كما قرر البرلمان الأذربيجاني عدم إرسال وفده إلى موسكو لحضور اجتماع اللجنة الثنائية للتعاون البرلماني، وألغت وزارة الثقافة الأذربيجانية جميع الفعاليات الثقافية الروسية في الجمهورية.
مصالح البلاد
إضافة لذلك، أجرت الداخلية الأذربيجانية عمليات تفتيش في مكتب وكالة "سبوتنيك أذربيجان" التابعة لوكالة "روسيا سيغودنيا" الدولية للإعلام واعتقلت اثنين من الصحفيين العاملين فيها.
ووصف الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف الوضع بأنه "غير مقبول"، وطالب موسكو بوقف ما وصفها بأشكال التمييز، متهما في ذات الوقت روسيا بدعم أرمينيا وبإجراءات موجهة ضد مصالح بلاده.
كما أكد علييف استعداد بلاده "للدفاع عن مصالحها بكل الوسائل الممكنة"، وهو ما اعتبره خبراء إشارة واضحة على الاستعداد لسيناريو القوة.
ردًا على ذلك، اختار الكرملين عدم الرضوخ "للاستفزازات"، وأكد المتحدث الصحفي باسم الرئاسة الروسية، ديمتري بيسكوف، أن موسكو تأمل حل التوترات عبر الحوار والحفاظ على علاقات ودية مع باكو.
وهذه ليست المرة الأولى التي تشهد فيها العلاقات الروسية الأذربيجانية توترًا في الأشهر الأخيرة، ففي نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي، تحطمت طائرة ركاب تابعة للخطوط الجوية الأذربيجانية في أكتاو بكازاخستان، واتهمت أذربيجان روسيا بالمسؤولية عن الحادث.
وتطرح الأزمة الحالية بين البلدين تساؤلات حول "تعاون الحلفاء" الذي أسسه الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأذربيجاني إلهام علييف في فبراير/شباط 2022، وقدرته على استيعاب الآثار السلبية للأزمة التي توشك على الخروج عن السيطرة.
ولا يقل أهميةً عن ذلك، تداعيات التوتر بين موسكو وباكو على مستقبل منطقة القوقاز ذات الحيوية الجيوسياسية، لوقوعها على تقاطع مصالح قوى إقليمية ودولية، وفيما إذا كانت الأزمة ستشكل مقدمة لفقدان روسيا قبضتها على القوقاز.
وتتهم أذربيجان روسيا بدعم أرمينيا وعدم رغبتها في حل النزاع، بينما تنتقد روسيا أذربيجان لتقاربها مع تركيا والغرب.
وبينما يعتقد مراقبون أن التعاون بين البلدين سيستمر في بعض المجالات شريطة حل قضية كاراباخ ، تشير توقعات "متشائمة" إلى مزيد من تصعيد التوترات.
محاصرة نفوذ
ويقول الخبير في شؤون جنوب القوقاز، أندريه أريشيف، إن المشهد بات مفتوحا على كل الاحتمالات، بما في ذلك خسارة روسيا للدول "الصديقة" في الفضاء السوفياتي السابق.
ويضيف للجزيرة نت، أن أذربيجان كثّفت مواجهتها الدبلوماسية والإعلامية مع روسيا بشكل خاص بعد العملية الناجحة التي شنّتها القوات الروسية لتعطيل مصفاة كريمنشوك النفطية في أوكرانيا.
ويتابع، أنه وبما أن حقول النفط والبنية التحتية لنقل النفط من أذربيجان إلى أوكرانيا تخضع لسيطرة شركة النفط الحكومية الأذربيجانية (سوكار)، والتي هي بدورها مرتبطة بمسؤولين في باكو عبر شركات خارجية، فحينها يمكن تفسير "الغضب" الأذربيجاني.
ويرى أريشيف أن باكو تسعى إلى مزيد من الاستقلال عن روسيا في سياستها الخارجية، بينما تنظر روسيا إلى المنطقة كمجال لمصالحها الإستراتيجية، ما سيؤدي بالضرورة إلى تناقضات وتوترات، لا سيما في قضايا الأمن والطاقة.
ويشير إلى أن أذربيجان باتت تحسُّ نفسها "مكتفية ذاتيًا"، وأنها في خضم الخلافات مع روسيا، تستطيع أن تستفيد من الاتحاد الأوروبي ، الذي يقف في مقدمة "صقور" أعداء روسيا، بالحد الأدنى في الموقف من الحرب الروسية الأوكرانية.
كما لا ينفي أن خيارات موسكو قد تصبح محدودة، لأن استمرار الخلاف مع باكو قد يخلق تناغما أكبر بين أذربيجان وأرمينيا، وبالتالي محاصرة النفوذ الروسي في جنوب القوقاز.
ويتابع أريشيف، أن الرؤية الأذربيجانية تقوم على أنه ما دامت روسيا منشغلة في أوكرانيا، فلن يتبقى لديها سوى موارد ضئيلة لاستعادة التوازنات التي خدمت نفوذها في المنطقة لأكثر من 30 عاما بعد انهيار الاتحاد السوفياتي.
قرار "الاشتباك"
من جانبه، يرى محلل شؤون رابطة الدول المستقلة، أينور كرمانوف، أن منطقة جنوب القوقاز تتجه نحو توازن قوى جديد، حيث ترى دول إقليمية، كأذربيجان و تركيا ، أن نفوذ روسيا بات يتقلص. وبذلك، يبدو من الطبيعي أن تبدأ أذربيجان بتوسيع نفوذها الجيوسياسي في المنطقة بوتيرة أسرع بانتظار أن تعترف روسيا بتلاشي هذا الدور.
ووفقًا لكرمانوف، فإن افتعال المشاكل مع موسكو أو تضخيمها يأتي في سياق التمهيد لتصعيد لاحق، ستختلف فيه وسائل وأشكال المواجهة بين الجانبين، والتي ستدخل على خطها قوى إقليمية ودولية أخرى، معنية بتضييق الخناق الجيوسياسي على موسكو بكل مكان في العالم.
وحسب قوله، فإن قرار باكو "الاشتباك" مع روسيا لا يقتصر على الجانب الإنساني للقضية، الذي يتضمن حماية المواطنين الأذربيجانيين في روسيا، بل هو وسيلة أخرى لعلييف لاستعراض قوته وتعزيز صورته أمام الجمهور، وفي نفس الوقت، للتغطية على انتهاكات حقوق الإنسان التي بدأت تتفاقم في البلاد، على حد تعبيره.
في الوقت نفسه، أوضح أن تصريحات علييف "الصاخبة" تجاه روسيا تنبع من طموحات أعمق، داعيا صناع القرار في روسيا إلى "نزع النظارات الوردية"، لأن السياسة المُفرطة في ضبط النفس قد تلحق ضررا إستراتيجيًا بروسيا.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

صعود أذربيجان الغريب.. تحالف مع تركيا وصراع إيران وتعاون مع إسرائيل
صعود أذربيجان الغريب.. تحالف مع تركيا وصراع إيران وتعاون مع إسرائيل

الجزيرة

timeمنذ 8 دقائق

  • الجزيرة

صعود أذربيجان الغريب.. تحالف مع تركيا وصراع إيران وتعاون مع إسرائيل

لم تعرف سوى حفنة من الدول تبدُّلا كبيرا في حظوظها الإقليمية على مدار السنوات الخمس الماضية يضاهي ما شهدته أذربيجان. فقد كانت هذه الدولة الصغيرة الغنية بالنفط والغاز الطبيعي غارقة في نزاع دامٍ لعقود مع دولة أرمينيا المجاورة لها حتى عام 2020، ولم تكن تسيطر بالكامل على أراضيها، إذ إن منطقة ناغورني قره باغ المنفصلة عنها، وهي منطقة جبلية يقطنها أرمن ضمن الحدود المعترف بها دوليا لأذربيجان، كانت تُدار بواسطة سُلطة مُعلنة من طرف واحد مدعومة من أرمينيا (وهي سلطة عُرِفَت بجمهورية أرتساخ)*. تسبَّب هذا الوضع المُعلَّق في تقييد حركة أذربيجان الدبلوماسية، وجَعَل اشتباكها مع العالم الخارجي محدودا، كما جعلها تعتمد إستراتيجيا على غيرها من الدول المجاورة، لا سيَّما روسيا، التي قدَّمت نفسها وسيطا لا غِنى عنه في منطقة القوقاز (التابعة لها ضمن الاتحاد السوفياتي حتى عام 1991)*، حيث استغلَّت موسكو الجمود لإبقاء أرمينيا رهينة الاعتماد على ضماناتها الأمنية، بينما احتفظت بنفوذها في أذربيجان في الوقت نفسه. اليوم، تغيَّر الوضع جذريا في القوقاز إثر انتصارين عسكريَّيْن لأذربيجان عاميْ 2020 و2023، استطاعت بعدهما باكو أخيرا ضمَّ ناغورني قره باغ وسبع مناطق مجاورة كانت تحت السيطرة الأرمنية منذ أوائل التسعينيات، كما اكتسبت تفوُّقا حاسما على أرمينيا في المنطقة. في الوقت ذاته، ومع انشغال روسيا بحرب أوكرانيا، تخلَّت موسكو عن جزء كبير من نفوذها الإقليمي لصالح أذربيجان، ومع عُزلة موسكو عن الأسواق الغربية، باتت أذربيجان ذات أهمية متزايدة بوصفها مُورِّدا عالميا للطاقة، بما في ذلك لأوروبا. في الوقت نفسه، عزَّزت باكو علاقاتها مع تركيا وإسرائيل، ووسَّعت حضورها الدبلوماسي والاقتصادي في آسيا الوسطى، وزادت من وجودها في الشرق الأوسط، كاشفة عن طموحات إقليمية أوسع. ويبدو أن الحكومة الأذربيجانية لديها أيضا علاقات جيدة مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب ، الذي تربطه علاقات تجارية مع باكو منذ ولايته الأولى. في خضم هذه الطفرة اللافتة في حظوظها، تواجه أذربيجان مفترقَ طرقٍ مصيريا. فبعد مفاوضات دامت ثلاث سنوات، باتت لديها الآن فرصة نادرة للتوصل إلى سلام دائم مع أرمينيا. ففي منتصف مارس/آذار الماضي، أعلن مسؤولون في باكو ويريفان، عاصمة أرمينيا، أنهم وضعوا اللمسات الأخيرة على صياغة نص اتفاق السلام المُنتَظَر، وإذا ما وُقِّع الاتفاق رسميا، فإنه يكتب نهاية النزاع الطويل بينهما، ويُكرِّس وضعا جديدا في القوقاز بمشاركة الدولة الثالثة في الإقليم، وهي جورجيا. ولكن ليس واضحا بَعْد ما إن كانت أذربيجان ستغتنم هذه الفرصة، إذ إنها ترى نفسها الآن في موقع قوة، ومن ثمَّ طالبت بمزيد من التنازلات من أرمينيا، ولا يبدو أنها في عجلة لإتمام الاتفاق. في الوقت نفسه، ورغم ما جلبه الاقتصاد القائم على النفط والغاز من ازدهار في السنوات الأخيرة، فإن هذه المكاسب هشَّة إلى حدٍّ كبير، ولم تصاحبها جهود جِديَّة لتنويع الاقتصاد في أذربيجان، وحتى الانخفاض الطفيف في أسعار الطاقة، الذي بدأ بالفعل هذا العام، فقد يؤدي إلى زعزعة الاستقرار المالي في باكو والكشف عن مكامن هشاشة أعمق، من بينها تزايد الفجوات الاجتماعية والسخط الشعبي على الوضع الاقتصادي والسياسي. فبعد أكثر من عشرين عاما في الحكم، يواصل الرئيس الأذربيجاني، إلهام علييف، تشديد قبضته السياسية والتضييق على المعارضة، مُعتمدا على النمو الاقتصادي وخطاب القوة القومية لإرضاء الرأي العام. كل ذلك، مع حالة من عدم اليقين الجيوسياسي تُخيِّم على القوقاز، تجعل صعود أذربيجان محفوفا بالمخاطر. فإذا ما بدأت حرب أوكرانيا في الأفول، قد تُعيد روسيا تركيزها في منطقة لا تزال قادرة على فرض نفوذها فيها، بما في ذلك عبر حليفها التقليدي السابق، أرمينيا، بل وحتى إن ظلت منشغلة بأوكرانيا، يظل بإمكانها أن تُربِك المنطقة، وبالتحديد إذا لم يُوقَّع اتفاق سلام، وبقيت طرق النقل بين أرمينيا وأذربيجان مُغلقة. في مثل هذا السيناريو، قد يُعيد الكرملين فرض نفسه بوصفه ضامنا أساسيا للترابط الإقليمي، لكن وفق شروطه الخاصة. من دون اتفاق سلام، قد تجد أذربيجان نفسها قد انكشفت اقتصاديا، وبالغت في تمدُّدها السياسي، وعُرضة للركود الإستراتيجي في المنطقة، كما أن غياب ثمار السلام الأوسع، بما في ذلك الاستثمار الأجنبي والتكامل الاقتصادي الإقليمي، قد يَحرِم أذربيجان من فرصة بناء نظام سياسي مُستدام في الداخل. ونتيجة لذلك، قد تبقى منطقة القوقاز أسيرة للتنافس الإقليمي، وتخسر ربما أفضل فرصة عرفتها للتعاون الحقيقي بين الدول الثلاث. تراجُع روسيا بسبب أوكرانيا لقد كان من المدهش أن تتمكَّن أذربيجان وأرمينيا من التوصُّل إلى مُسودة اتفاق على الإطلاق. فلو لم تُقْدِم روسيا على غزوها الشامل لأوكرانيا، لَكان من غير المُرجَّح أن تبدأ عملية سلام أصلا. وقد بدأت القصة عام 2020، حين انتصرت أذربيجان على أرمينيا في حرب حاسمة استمرت ستة أسابيع، واستعادت معظم الأراضي التي فقدتها في أوائل التسعينيات. وقد استند الانتصار إلى التكنولوجيا المُتقدِّمة للطائرات المُسيَّرة الإسرائيلية، والجيش الأذربيجاني الذي أُعيد بناؤه عبر إنفاق 40 مليار دولار، وسنوات من التدريب والمناورات المشتركة والتنسيق مع تركيا. ولكن ما إن بدا أن القوات الأذربيجانية على وشك استعادة آخر المناطق الأرمنية في ناغورني قره باغ، تدخَّلت روسيا وأوقفت الهجوم، ونشرت قوات حفظ سلام على أراضي أذربيجان. في نظر باكو، كانت موسكو قد انتزعت منها نصرا مستحقا، أما الوجود العسكري الروسي فكان بمنزلة عودة إلى الماضي، حيث كانت أذربيجان جمهورية سوفيتية مثلها مثل أرمينيا. أصبحت أذربيجان منذئذ معتمدة على روسيا، التي استغلت الوضع لخدمة مصالحها الخاصة. وفي غضون ذلك، عهدت أرمينيا فعليا بتأمين سكان ناغورني قره باغ من الأرمن إلى موسكو، بافتراض أن الكرملين -وهو حليف تقليدي لأرمينيا- لن يسمح أبدا لباكو بإعادة بسط سيادتها الكاملة. ومع عشية الغزو الروسي لأوكرانيا، كان الكرملين يدفع باتجاه وضع قواعد اشتباك رسمية لقواته لحفظ السلام، تسمح له بالتصرف بوصفه قوة احتلال بحكم الأمر الواقع، لكن أذربيجان قاومت ذلك، وبمجرد أن تورَّطت روسيا في أوكرانيا، اختفت الخطة الروسية بهدوء من جدول الأعمال. ومع غياب تفويض رسمي لقوات حفظ السلام، وانخفاض انخراط موسكو في القوقاز، بدأت أذربيجان تشعر بالثقة، وراحت تختبر الوجود الروسي عن طريق توغُّلاتها العسكرية المحدودة، وتوسيع مواقعها المتقدمة في المناطق ذات الكثافة الأرمنية. منذ أوائل عام 2022، أخذت هذه التحرُّكات تُقوِّض تدريجيا الضمانات الأمنية الروسية، مُوجِّهة رسالة واضحة إلى الحكومة الأرمنية وسكان ناغورني قره باغ من الأرمن مفادها أن قوات حفظ السلام لن تتدخل لحمايتهم بعد الآن. وقد تأكَّدت هذه الرسالة في سبتمبر/أيلول 2023، عندما شنَّت أذربيجان عملية عسكرية واسعة النطاق، وسيطرت في ساعات قليلة على كامل إقليم ناغورني قره باغ دون أي مقاومة روسية. وقد وقفت أرمينيا متفرجة بعدما أدركت عجزها عن المقاومة، تاركة أذربيجان تحقق نصرا مُدوِّيا، ودافعة بآلاف الأرمن من قره باغ إلى النزوح الجماعي نحو أرمينيا، وهم الذين لطالما رفض الكثير منهم الاندماج تحت السيادة الأذربيجانية. في الوقت ذاته، بدأت حكومة علييف تستغل التحوُّلات الجيوسياسية لتعزيز نفوذها الإقليمي على نطاق أوسع. فمع عزل موسكو عن الغرب بسبب العقوبات، بدأت روسيا تعتمد على طرق تجارية بديلة، وخاصة ما يُعرَف بممر النقل الشمالي-الجنوبي، الذي يمتد من موسكو عبر أذربيجان وإيران حتى موانئ الخليج. ورغم أن البنية التحتية لهذا المسار لا تزال قيد التطوير، فقد أصبح طريقا حيويا لروسيا المعزولة، مما عزز من قوة أذربيجان في مواجهة الكرملين. ومع تزايد ضعف روسيا بسبب الحرب، عمَّقت أذربيجان أيضا علاقاتها الإستراتيجية مع تركيا، ففي إعلان شوشا لعام 2021، وسَّع البلدان تعاونهما العسكري، وجعلا تحالفهما أداة ردع ضد التدخلات الخارجية، حتى باتت موسكو تدرك الآن أن مواجهة باكو قد تُضعِف علاقتها المُعقَّدة والإستراتيجية مع أنقرة. بعد حرب عام 2020، كانت روسيا تعارض التوصل إلى اتفاق سلام رسمي بين أرمينيا وأذربيجان، إدراكا منها أن ذلك قد يُضعِف نفوذها في المنطقة. لكن بعد غزو أوكرانيا، بادر الاتحاد الأوروبي، بدعم من واشنطن، إلى إطلاق محادثات مباشرة رفيعة المستوى بين باكو ويريفان، وأسهم في إنشاء إطار تفاوضي جديد. ونتيجة لهذا الدفع، اعترفت أرمينيا رسميا بوحدة الأراضي الأذربيجانية عام 2022، وهي خطوة كانت شبه مستحيلة قبل عام واحد فقط. أما باكو، فقدَّمت نفسها بوصفها فاعلا أكثر استقلالا وقادرا على التعامل مع روسيا وتركيا والغرب بشروطه الخاصة. وبحلول عام 2024، تمكَّنت أذربيجان حتى من إجبار قوات حفظ السلام الروسية على الانسحاب قبل الموعد المُقرَّر، مما مهَّد الطريق أمام سلام ثنائي دائم. حربُ ممرات التجارة بالنسبة لأذربيجان، لم يكن السلام مع أرمينيا سوى واحدة من عدة فرص فتحتها حرب أوكرانيا. فبينما سَعَت أوروبا جاهدة لتقليل اعتمادها على الطاقة الروسية، برزت باكو بديلا جزئيا. ورغم أن إمدادات الغاز الأذربيجاني لا تُضاهِي حجم الصادرات الروسية سابقا، فإنها كانت كافية لتعزيز أمن الطاقة الأوروبي ولو جزئيا، لا سيَّما دول جنوب أوروبا ذات الاحتياجات المتواضعة. وعن طريق ممر الغاز الجنوبي، الذي ينقل الغاز الأذربيجاني إلى أوروبا عبر جورجيا وتركيا، عزَّزت باكو دورها بوصفها شريكا رئيسيا في مجال الطاقة، حيث صدَّرت أكثر من 44 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي إلى الاتحاد الأوروبي بين عامي 2021-2024. ومع ذلك، كانت الأرباح أقل مما توقعه البعض في باكو. فرغم ارتفاع أسعار الطاقة العالمية، لم تجلب صادرات الغاز سوى 12 مليار دولار تقريبا على مدار تلك السنوات الأربع، أي أقل مما تكسبه أذربيجان من النفط في عام واحد فقط، إذ جلبت أسعار النفط المرتفعة عائدات أكبر بكثير. وزاد من تعقيد المشهد تردُّد أوروبا في توسيع بنيتها التحتية لاستقبال مزيد من الغاز الأذربيجاني، وهو أمر جعل بعض الدول الأعضاء ترى أنه يتعارض مع أهداف الاتحاد الطموحة بشأن المناخ وتقليص الاعتماد على مصادر الطاقة غير المتجددة. في الوقت ذاته، ومع انهيار مسارات التجارة التقليدية بين أوروبا وآسيا عبر روسيا نتيجة العقوبات، ظهرت أمام أذربيجان فرص اقتصادية جديدة. فقد اعتمدت روسيا على جنوب القوقاز بوصفه حلقة أساسية في بدائل ممرات التجارة بين الشمال والجنوب، كما استفادت أذربيجان من موقعها بوصفها محطة عبور في ممرات التجارة البديلة بين الشرق والغرب، وبدعم من الجهود الغربية لتحويل تدفقات التجارة من آسيا بعيدا عن روسيا عبر بحر قزوين ، فيما يُعرف حاليا بالممر الأوسط. ورغم ارتفاع حجم الشحنات عبر هذا المسار، فإنه لا يزال محدودا بسبب ضعف البنية التحتية والاختناقات، ولا يُشكِّل سوى ثلاثة إلى خمسة بالمئة من إجمالي التجارة الأوراسية. ومع ذلك، فإن الأهمية الاقتصادية المتزايدة لآسيا الوسطى بوصفها مصدرا للمواد الخام الحيوية، ومسارا لتنويع مصادر الطاقة، ومساحة لتحقيق توازن إستراتيجي في مواجهة روسيا والصين ، يجعل من هذه الممرات مشاريع تستحق التطوير. وحتى إن لم يُحقِّق "الممر الأوسط" الطموحات الكبرى التي يروج لها مؤيدوه في أوروبا، فإن الموقع الإستراتيجي لأذربيجان يضمن لها استمرار أهميتها بالنسبة لأوروبا. التحالف مع إسرائيل والصراع مع إيران ومع ذلك، فإن هذا النفوذ الجيوسياسي الجديد لم يُحصِّن أذربيجان من التوترات الإقليمية، لا سيَّما مع إيران. فرغم أن أذربيجان أيضا بلد ذو أغلبية شيعية، فإن إيران رأت نفوذها هناك يتراجع باطراد، حيث تدهورت العلاقة تدهورا حادا بعد حرب 2020، التي أعادت لأذربيجان السيطرة على جزء كبير من حدودها مع إيران، ورسَّخت في الوقت ذاته علاقات باكو مع تركيا وإسرائيل. وقد شكَّل الهجوم المُسلَّح على السفارة الأذربيجانية في طهران أوائل عام 2023 نقطة تدهور كبيرة في العلاقات بين البلدين، حيث رأت باكو أن إيران تغافلت عن كبحه إن لم تكُن قد خطَّطت له. ورغم أن التوترات تراجعت منذ ذلك الحين، فإن إيران تفقد نفوذها التقليدي في باكو، بما في ذلك علاقاتها التاريخية مع إقليم ناخجيوان، الجيب الأذربيجاني المحاذي للحدود الإيرانية من جهة الغرب. ففي مارس/آذار 2025، دشَّنت تركيا وأذربيجان خط أنابيب غاز جديدا يربط ناخجيوان بشبكة الغاز التركية، مما قلَّل من اعتماد الإقليم الذي دام لعقود على الطاقة الإيرانية. إذا ما أفضى اتفاق سلام بين أذربيجان وأرمينيا إلى فتح ممر بري مباشر يربط أذربيجان بالجيب عبر جنوب أرمينيا، فستفقد إيران نقطة نفوذ أخرى (ممر زانغِزور)*. مثل هذا التحوُّل لن يُقلِّص من دور إيران في ممرات الطاقة فحسب، بل وفي نصيبها من التجارة الإقليمية أيضا، حيث كانت لوقت طويل ممرا للبضائع التركية المتجهة إلى آسيا الوسطى، كما أنه يُعزِّز أكثر فأكثر من نفوذ تركيا في المنطقة. ولدى إيران مخاوف أعمق من أذربيجان، وهي أن باكو قد تُستخدَم نقطة انطلاق لهجوم عسكري إسرائيلي في حال نشب صراع جديد بشأن برنامجها النووي. يضاف إلى ذلك أن إيران بها أقلية كبيرة من الأتراك الأذر تُقدَّر بنحو 20 مليون نسمة، ما يعادل ربما رُبع السكان في البلاد، وهي تتركَّز في شمال غرب البلاد، وبالنسبة لها فإن تبلور دور أعمق لأذربيجان، مع تركيزها المتزايد على الروابط الإثنية والتاريخية المشتركة معهم، قد يُشكِّل محاولة لتغذية النزعات الإثنية والانفصالية. باكو والطريق المسدود في الداخل لم يعزل الصعود الدولي المتزايد لأذربيجان البلاد عن نقاط ضعفها الداخلية. فبعد الانتصار في ناغورني قره باغ، حظي الرئيس علييف بشرعية شعبية هي الأكبر منذ استقلال البلاد عن الاتحاد السوفياتي. نظريا، كان من المُفترَض أن تُشكِّل هذه اللحظة فرصة نادرة لإعادة ضبط المشهد السياسي على نطاق أوسع: فعلى مدى سنوات، جرى تبرير غياب الإصلاحات السياسية والاقتصادية والمبالغة في الإنفاق العسكري بالصراع الذي لم يُحسَم مع أرمينيا، وقد تطلَّع كثيرون في أذربيجان إلى أن يؤدي النصر أخيرا إلى انفتاح البلاد وصياغة هوية وطنية جديدة لما بعد قره باغ. بيد أن تلك الآمال أخذت تتلاشى بسرعة. فمنذ عام 2023، شددت الحكومة قبضتها الأمنية، فسجنت الصحفيين والنشطاء والمعارضين، وقيَّدت دخول الإعلام الأجنبي، وقلَّصت أنشطة عدد من وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية. وفي هذا السياق، واصلت الحكومة تصوير أرمينيا على أنها تهديد لها، مُعتمدة على تجربة الحروب وفقدان الأراضي والنزوح الجماعي التي لا تزال ماثلة في الأذهان. ولكن بعد استعادة الأراضي المحتلة وضعف شهية الناس لخوض حرب جديدة، لم تعُد تلك السردية تلقى الصدى السابق نفسه. لا تُبدي الحكومة في باكو رغبة تُذكَر في تجاوز السردية القديمة، ليس فقط لأنها تساعد في شرْعَنة السيطرة الداخلية، بل وكذلك لعدم ظهور سردية وطنية بديلة واضحة. ومع ضعف السردية الرسمية، فإن التحديات الهيكلية التي لطالما أخفاها الخطاب القديم بدأت تظهر إلى النور ويصبح تجاهلها أصعب، ومن بينها الإحباط الشعبي من محدودية الفرص الاقتصادية، وعلامات الاستفهام بشأن الشفافية في حُكم البلاد. ثمَّة هشاشة اقتصادية متزايدة إذن وراء مشهد الانتصارات الجيوسياسية، إذ تعتمد أذربيجان بدرجة كبيرة على إيرادات النفط والغاز المُتقلِّبة من بحر قزوين. وقد انخفض إنتاج النفط من ذروته عام 2010، حين بلغ 823 ألف برميل يوميا، إلى 566 ألفا فقط بحلول عام 2025، وذلك بسبب تزايد صعوبة استخراج النفط. وقد يستغرق تطوير احتياطيات جديدة سنوات ويتطلب استثمارات أجنبية ضخمة، وهو أمر صعب في عالم يتجه نحو الطاقة المتجددة، بل إن الانخفاض المعتدل في أسعار النفط هذا العام، من نحو 80 دولارا للبرميل في أوائل السنة إلى 64 دولارا في أواخر مايو/أيار، قد يؤدي إلى خسارة أكثر من 20% من عائدات الدولة إن استمر الانخفاض حتى نهاية العام. وتُعقِّد هذه المخاطر الهيكلية طموحات أذربيجان الأوسع. فموقع باكو الجغرافي وحده لا يكفي لجعلها مركزا حيويا للطاقة والتجارة بين الشرق والغرب، إذ إن الدول التي تنجح في توظيف موقعها، سواء في أوروبا أو الخليج أو آسيا الوسطى، تُعزِّز ذلك ببناء مؤسسات موثوقة، وشفافية إدارية، وحدٍّ أدنى من الاستقرار السياسي. ورغم أن المستثمرين الأجانب لا يشترطون وجود الديمقراطية، فإنهم يطلبون أنظمة قائمة على قواعد واضحة، تجعل من السهل التنبؤ بالقرارات، مع عمل المؤسسات باستمرارية، وضبط للتدخُّلات السياسية والفساد. وبدون ذلك، لن يحقق أي ممر تجاري، مهما كانت أهميته الإستراتيجية، إمكاناته الكاملة.السلام المفقود في القوقاز لقد غيَّرت الحرب في أوكرانيا موقع أذربيجان على نحو لم يكن من الممكن تخيله في السابق. ولكن هذه المكاسب قصيرة الأجل لا تضمن الاستقرار الدائم، وقد يؤدي إفراط الحكومة في الثقة بصعود البلاد إلى نتائج عكسية. ففي ديسمبر/كانون الأول الماضي، على سبيل المثال، أسقط صاروخ روسي بالخطأ طائرة مدنية أذربيجانية، فوجَّه الرئيس علييف بنفسه انتقادا علنيا للكرملين. وكان رد باكو المنفتح والمتحدي إشارة إلى موقف جديد مفاده أنها لم تعد تخشى موسكو كما في السابق، لكن هذا قد يتغيَّر إذا ما استعادت روسيا نفوذها في القوقاز. وبالمثل، يبدو أن المسؤولين الأذربيجانيين يفترضون أن قُرب بلادهم دبلوماسيا من إسرائيل، وجغرافيًّا من إيران، يجعل من باكو شريكا لا غنى عنه للمصالح الأميركية بعيدة المدى، بغض النظر عمَّن يكون في البيت الأبيض، بل إن حكومة علييف عبَّرت علنا عن تفضيلها لإدارة ثانية لترامب، على اعتبار أنه سيكون أكثر تشدُّدا مع إيران. ومع ذلك، فإن هذا الانحياز يحمل في طيَّاته مخاطر خاصة به، فإذا ما تصاعد التوتر بين إيران وإسرائيل والولايات المتحدة ، قد تنتقم طهران من أذربيجان عسكريا أو عبر استخدام نفوذها لدى رجال الدين الشيعة لإثارة اضطرابات داخلية، لا سيَّما إذا بدا أن باكو تدعم إسرائيل. وفي الوقت نفسه، لا تزال أذربيجان تُعرقل فرصة تاريخية لتحقيق سلام دائم في المنطقة، فقد أجَّلت الاتفاق مع أرمينيا ووضعت شرطيْن أساسيَّيْن: تعديل الدستور الأرمني لإزالة نصوص تعتبرها بمنزلة دعاوى إقليمية ضِمنية بخصوص أراضٍ داخل أذربيجان، ومنح ممر بري غير منقطع يربط أذربيجان بجيب ناخجيوان (ومن ثمَّ بتركيا)*. وبشكل غير مُعلَن، يُلمِّح المسؤولون في أذربيجان إلى أنهم قد يطالبون أيضا بضمان استثماري فوري من الاتحاد الأوروبي والمؤسسات الغربية للمساعدة في إعادة إعمار المناطق التي كانت تحت السيطرة الأرمينية. وتجري حاليا إعادة توطين ناغورني قره باغ والمناطق المحيطة بها تدريجيا ببعض من أكثر من 600 ألف أذربيجاني شُرِّدوا أثناء حرب التسعينيات، لكن التقدم بطيء، إذ لم يَعُد إلا نحو 13 ألفا حتى الآن. وقد تعرَّضت العديد من البلدات لدمار كبير، وكل شيء تقريبا من البنية التحتية إلى المساكن يحتاج إلى إعادة بناء من الصفر وسط استمرار عمليات إزالة الألغام. ومع ذلك، فإن الاستثمار الغربي قد لا يأتي أبدا. لكن مع قليل من الإبداع والصبر والثقة، يمكن حل كثير من هذه القضايا. فرئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان يُعَد من أبرز الداعمين لاتفاق السلام، وإذا نجح في إقناع الأرمن بأن تعديل الدستور ليس سوى خطوة لبناء الثقة المتبادلة، التي ستجلب مكاسب اقتصادية أكبر على المدى البعيد، فقد يتمكَّن من تمريرها. أما إذا أقدم على هذه الخطوة المثيرة للجدل قبل الانتخابات البرلمانية الحاسمة عام 2026، فقد يتهمه معارضوه بالتفريط في المصالح الوطنية، وهو ما يُمكن أن ينسف عملية السلام بأكملها. اللافت أن باشينيان هو الشخصية السياسية الكبرى الوحيدة في يريفان التي تدفع باتجاه تسوية دائمة، حيث وصف أعضاء من المعارضة الأرمنية تعديل الدستور المقترح بأنه خيانة للمصالح الوطنية. وإذا ما خسر باشينيان السلطة، فقد يُمهِّد ذلك الطريق لقيادة أرمينية مختلفة تماما، ويُرجَّح أن تتكوَّن من شخصيات انتقامية تميل إلى روسيا، وقد ترى أن المواجهة المتجددة مع أذربيجان تصبُّ في صالحها السياسي. بين أوروبا وتركيا علاوة على ذلك، فإن قضية إعادة فتح طرق التجارة والحدود، التي أُغلق بعضها لأكثر من ثلاثة عقود، تظل مسألة حساسة سياسيا لكثير من الأرمن، لا سيَّما الطريق المقترح الذي يربط أذربيجان بناخجيوان. وفي هذا السياق، يمكن للاتحاد الأوروبي أن يطرح ترتيبات عملية تلبي توقعات الطرفين بشأن الوصول والسيطرة، إلى جانب تقديم دعم مالي واستثمارات في البنية التحتية ومساعدة فنية لتسهيل التنفيذ، إذ إن الاتحاد يُنظر إليه على أنه وسيط موثوق من الجانبين. وستحقق أوروبا فوائد أخرى في غضون ذلك، إذ يمكن لاتفاق ناجح أن يساعد على تحويل ميزان القوى الجيوسياسي في القوقاز بعيدا عن روسيا بشكل دائم. سيكون لدور تركيا أهمية حاسمة أيضا. فأنقرة ترى القوقاز جزءا من باحتها الخلفية إستراتيجيا، وتعتبر التطبيع مع أرمينيا وسيلة للمشاركة في تشكيل النظام الإقليمي بعد النزاع، لا للهيمنة عليه. وقد تبعت تركيا موقف باكو في كل خطوة، مؤكدة أنها لن تفتح حدودها مع أرمينيا إلا بموافقة أذربيجان. وسيمنح اتفاق السلام أنقرة الضوء الأخضر، ويساعد على بلورة نظام إقليمي جديد تُشكِّل فيه المشاركة التركية، المدعومة بالدبلوماسية الأوروبية، شريانَ حياة إستراتيجيا لأرمينيا وتقييدا من قدرة روسيا على العودة. كما أن دورا إقليميا أقوى لتركيا سيخدم أذربيجان، التي تعتمد في النهاية على أنقرة لموازنة أي ضغط روسي متجدد. إن السؤال ليس ما إذا كان اتفاق السلام مرغوبا فيه، بل ما إذا كان بالإمكان التوصل إليه قبل أن تُغلق النافذة التي جعلته ممكنا. فكلما تأخرت التسوية، ازداد تعرض العملية لتقلُّبات السياسة الداخلية والتدخُّلات الخارجية، إذ إن هشاشة الوضع الداخلي في أرمينيا، وتراجع الاهتمام الدولي بالقوقاز، وتجدُّد الاهتمام الروسي، كلها عوامل يمكن أن تُقوِّض التقدُّم الإيجابي الذي تحقق في السنوات الثلاث الماضية. إن الفرصة الإستراتيجية التي أتاحها انشغال موسكو في أوكرانيا لن تدوم للأبد، وإذا حدثت تحوُّلات جيوسياسية جديدة من دون تسوية دائمة، فقد تجد روسيا طُرُقا لاستعادة نفوذها في القوقاز، ليس بالضرورة لاستعادة سيطرتها الكاملة، بل لتعطيل التقدُّم الجاري بدونها، وتمديد حالة الغموض، وضمان الحفاظ على مصالحها، دون أن يكون ذلك في مصلحة أي طرف في المنطقة بالضرورة. ___________________________ *إضافة المُترجم.

اعتقالات تؤزِّم التوتر بين موسكو وباكو
اعتقالات تؤزِّم التوتر بين موسكو وباكو

الجزيرة

timeمنذ 2 ساعات

  • الجزيرة

اعتقالات تؤزِّم التوتر بين موسكو وباكو

موسكو- بات التعقيد والتوتر السمة الراهنة للعلاقات الروسية الأذربيجانية، مع بروز بوادر أزمة باتت تتدحرج بتسارع ملحوظ، يتوقع مراقبون أن تستفحل إن لم يضع الطرفان حدا لها. وتدهورت العلاقات بين البلدين مجددا بعد أن شنَّت الشرطة الروسية حملة اعتقالات جماعية لأذربيجانيين في مدينة يكاتربنبورغ على خلفية قضية جنائية تعود إلى 2001، لكن الحملة هذه انتهت بوفاة شخصين، واستدعت أذربيجان على خلفيتها القائم بأعمال السفارة الروسية لديها للاحتجاج، فيما زعمت وسائل إعلامية أذربيجانية أنهم توفوا نتيجة تعرضهم للتعذيب. كما قرر البرلمان الأذربيجاني عدم إرسال وفده إلى موسكو لحضور اجتماع اللجنة الثنائية للتعاون البرلماني، وألغت وزارة الثقافة الأذربيجانية جميع الفعاليات الثقافية الروسية في الجمهورية. مصالح البلاد إضافة لذلك، أجرت الداخلية الأذربيجانية عمليات تفتيش في مكتب وكالة "سبوتنيك أذربيجان" التابعة لوكالة "روسيا سيغودنيا" الدولية للإعلام واعتقلت اثنين من الصحفيين العاملين فيها. ووصف الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف الوضع بأنه "غير مقبول"، وطالب موسكو بوقف ما وصفها بأشكال التمييز، متهما في ذات الوقت روسيا بدعم أرمينيا وبإجراءات موجهة ضد مصالح بلاده. كما أكد علييف استعداد بلاده "للدفاع عن مصالحها بكل الوسائل الممكنة"، وهو ما اعتبره خبراء إشارة واضحة على الاستعداد لسيناريو القوة. ردًا على ذلك، اختار الكرملين عدم الرضوخ "للاستفزازات"، وأكد المتحدث الصحفي باسم الرئاسة الروسية، ديمتري بيسكوف، أن موسكو تأمل حل التوترات عبر الحوار والحفاظ على علاقات ودية مع باكو. وهذه ليست المرة الأولى التي تشهد فيها العلاقات الروسية الأذربيجانية توترًا في الأشهر الأخيرة، ففي نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي، تحطمت طائرة ركاب تابعة للخطوط الجوية الأذربيجانية في أكتاو بكازاخستان، واتهمت أذربيجان روسيا بالمسؤولية عن الحادث. وتطرح الأزمة الحالية بين البلدين تساؤلات حول "تعاون الحلفاء" الذي أسسه الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأذربيجاني إلهام علييف في فبراير/شباط 2022، وقدرته على استيعاب الآثار السلبية للأزمة التي توشك على الخروج عن السيطرة. ولا يقل أهميةً عن ذلك، تداعيات التوتر بين موسكو وباكو على مستقبل منطقة القوقاز ذات الحيوية الجيوسياسية، لوقوعها على تقاطع مصالح قوى إقليمية ودولية، وفيما إذا كانت الأزمة ستشكل مقدمة لفقدان روسيا قبضتها على القوقاز. وتتهم أذربيجان روسيا بدعم أرمينيا وعدم رغبتها في حل النزاع، بينما تنتقد روسيا أذربيجان لتقاربها مع تركيا والغرب. وبينما يعتقد مراقبون أن التعاون بين البلدين سيستمر في بعض المجالات شريطة حل قضية كاراباخ ، تشير توقعات "متشائمة" إلى مزيد من تصعيد التوترات. محاصرة نفوذ ويقول الخبير في شؤون جنوب القوقاز، أندريه أريشيف، إن المشهد بات مفتوحا على كل الاحتمالات، بما في ذلك خسارة روسيا للدول "الصديقة" في الفضاء السوفياتي السابق. ويضيف للجزيرة نت، أن أذربيجان كثّفت مواجهتها الدبلوماسية والإعلامية مع روسيا بشكل خاص بعد العملية الناجحة التي شنّتها القوات الروسية لتعطيل مصفاة كريمنشوك النفطية في أوكرانيا. ويتابع، أنه وبما أن حقول النفط والبنية التحتية لنقل النفط من أذربيجان إلى أوكرانيا تخضع لسيطرة شركة النفط الحكومية الأذربيجانية (سوكار)، والتي هي بدورها مرتبطة بمسؤولين في باكو عبر شركات خارجية، فحينها يمكن تفسير "الغضب" الأذربيجاني. ويرى أريشيف أن باكو تسعى إلى مزيد من الاستقلال عن روسيا في سياستها الخارجية، بينما تنظر روسيا إلى المنطقة كمجال لمصالحها الإستراتيجية، ما سيؤدي بالضرورة إلى تناقضات وتوترات، لا سيما في قضايا الأمن والطاقة. ويشير إلى أن أذربيجان باتت تحسُّ نفسها "مكتفية ذاتيًا"، وأنها في خضم الخلافات مع روسيا، تستطيع أن تستفيد من الاتحاد الأوروبي ، الذي يقف في مقدمة "صقور" أعداء روسيا، بالحد الأدنى في الموقف من الحرب الروسية الأوكرانية. كما لا ينفي أن خيارات موسكو قد تصبح محدودة، لأن استمرار الخلاف مع باكو قد يخلق تناغما أكبر بين أذربيجان وأرمينيا، وبالتالي محاصرة النفوذ الروسي في جنوب القوقاز. ويتابع أريشيف، أن الرؤية الأذربيجانية تقوم على أنه ما دامت روسيا منشغلة في أوكرانيا، فلن يتبقى لديها سوى موارد ضئيلة لاستعادة التوازنات التي خدمت نفوذها في المنطقة لأكثر من 30 عاما بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. قرار "الاشتباك" من جانبه، يرى محلل شؤون رابطة الدول المستقلة، أينور كرمانوف، أن منطقة جنوب القوقاز تتجه نحو توازن قوى جديد، حيث ترى دول إقليمية، كأذربيجان و تركيا ، أن نفوذ روسيا بات يتقلص. وبذلك، يبدو من الطبيعي أن تبدأ أذربيجان بتوسيع نفوذها الجيوسياسي في المنطقة بوتيرة أسرع بانتظار أن تعترف روسيا بتلاشي هذا الدور. ووفقًا لكرمانوف، فإن افتعال المشاكل مع موسكو أو تضخيمها يأتي في سياق التمهيد لتصعيد لاحق، ستختلف فيه وسائل وأشكال المواجهة بين الجانبين، والتي ستدخل على خطها قوى إقليمية ودولية أخرى، معنية بتضييق الخناق الجيوسياسي على موسكو بكل مكان في العالم. وحسب قوله، فإن قرار باكو "الاشتباك" مع روسيا لا يقتصر على الجانب الإنساني للقضية، الذي يتضمن حماية المواطنين الأذربيجانيين في روسيا، بل هو وسيلة أخرى لعلييف لاستعراض قوته وتعزيز صورته أمام الجمهور، وفي نفس الوقت، للتغطية على انتهاكات حقوق الإنسان التي بدأت تتفاقم في البلاد، على حد تعبيره. في الوقت نفسه، أوضح أن تصريحات علييف "الصاخبة" تجاه روسيا تنبع من طموحات أعمق، داعيا صناع القرار في روسيا إلى "نزع النظارات الوردية"، لأن السياسة المُفرطة في ضبط النفس قد تلحق ضررا إستراتيجيًا بروسيا.

إسقاط عشرات المسيرات في هجمات جديدة متبادلة بين روسيا وأوكرانيا
إسقاط عشرات المسيرات في هجمات جديدة متبادلة بين روسيا وأوكرانيا

الجزيرة

timeمنذ 3 ساعات

  • الجزيرة

إسقاط عشرات المسيرات في هجمات جديدة متبادلة بين روسيا وأوكرانيا

أعلنت كل من روسيا وأوكرانيا اليوم الأحد إسقاط عشرات المسيّرات المعادية في هجمات جوية جديدة متبادلة، وذلك بالتزامن مع استمرار المعارك البرية على عدة جبهات. وقالت وزارة الدفاع الروسية إنها دفاعاتها أسقطت 138 طائرة مسيّرة أوكرانية صباح اليوم والليلة الماضية فوق مناطق روسية عدة. ونقلت وكالات أنباء روسية عن بيان لوزارة الدفاع أن 23 من المسيرات الأوكرانية جرى إسقاطها في منطقة موسكو، وأن 4 منها كانت متجهة للعاصمة. وأفادت وكالة ريا نوفوستي بأن السلطات فرضت قيودا مؤقتة على هبوط وإقلاع الطائرات في مطار كالوغا بموسكو. وقالت وزارة الدفاع الروسية إن عمليات إسقاط المسيرات جرت في مقاطعات مسوكو وكالوغا وتولا وأوريول ونيجني نوفغورود وكورسك وبيلغورود وريازان، وكذلك فوق مياه البحر الأسود. من جهتها، أعلنت القوات الجوية الأوكرانية أن دفاعاتها أسقطت 18 مسيرة روسية من بين 57 هاجمت مناطق أوكرانية الليلة الماضية. وكانت روسيا أعلنت أمس إسقاط 27 مسيرة أوكرانية، بينها 4 فوق منطقة موسكو. وأدى ذلك إلى تعليق رحلات الوصول والمغادرة لوقت وجيز في مطاري فنوكوفو ودوموديدوفو بموسكو. في المقابل، قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إن روسيا أطلقت أمس أكثر من 30 صاروخا و300 مُسيرة خلال هجومها الليلي الذي استهدف 10 مناطق في البلاد، مشيرا إلى إصابة 6 أشخاص في أوديسا جنوبي البلاد إثر هجوم بمسيرات روسية على مبنى سكني. وتتبادل روسيا وأوكرانيا يوميا هجمات بأعداد كبيرة من المسيرات في إطار الصراع المستمر منذ أواخر فبراير/شباط 2022. وفي الأسابيع القليلة الماضية، أعلنت روسيا أن قواتها استولت على عدة بلدات وقرى في مقاطعات أوكرانية بينها دونيتسك (شرق) وسومي وخاركيف (شمال شرق).

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store