
القبيلة والعنصرية.. منظور إسلامي
تُعدّ القبيلة – كوحدة اجتماعية – على رأس المكونات الداخلية للأمن الاجتماعي، بل تتجاوز أهميتها الأمن الاجتماعي لتؤثر سلبًا أو إيجابًا في الأمن الثقافي والاقتصادي والسياسي للدولة، من خلال الترابط القوي بين أفرادها وما يتمتعون به من تكاتف وتعاضد وموروثات وقيم مشتركة، ذلك التماسك الداخلي يؤثر على العلاقات الدولية وسياساتها الخارجية.
جزيرة العرب كان يحكمها قبل ظهور الإسلام النظام القبلي، وكان الولاء للعرق والقبيلة هو الرابطة الحاكمة للمنتسبين من أبناء القبيلة، وتعارفت العرب على صفات يجب أن تتوفر فيمن يسود القبيلة ويحكمها، منها الحكمة والكرم والشجاعة والحمية، وغيرها من الصفات التي بقيت موروثة مما بقي في العرب من مكارم الأخلاق التي وجدت مع حنيفية إبراهيم، عليه السلام، والتي قال عنها رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق" (أخرجه أحمد: 8939).
وإذا ما مات سيد منهم نظرت القبيلة لمن يصلح للرياسة ويحمل تلك الصفات فيسودها، مع اعتبار الأولوية لأبناء ذلك السيد إن توفرت فيهم الشروط، ولكن إن لم تتوفر اختاروا من القبيلة رجلًا يصلح للحُكم والقيادة، والمطلوب ممن يترأس القبيلة أن يتحلى بخلال حميدة وصفات طيبة، تُعد حيوية في بناء المجتمع البدوي.
وقد عددها الجاحظ فقال: "كان أهل الجاهلية لا يسوّدون إلا من تكاملت فيه ستُّ خصال: السخاء والنجدة والصبر والحلم والتواضع والبيان (جواد علي: 2001).
الإسلام أوصد أبواب النعرات الجاهلية والتمايز بين الناس، وفتح أبواب المساواة بين جميع أفراد المجتمع، بغض النظر عن خلفياتهم العرقية أو القبلية
الإسلام تعامل مع القبيلة كلبِنة في بناء المجتمع، وظفها توظيفًا إيجابيًا لتساهم بفاعلية في تقوية جدار البناء الأكبر وهو بناء الأمة، فلم يُلغِ القبيلة التي كانت تمثل كيانًا قائمًا بذاته، وكانت فيها عصبية جاهلية جعلت الإنسان يحارب في سبيل قبيلته ظالمة ومظلومة دون أن يسأل، ودفعته لمساندتها تحت مظلة "العصبية للقبيلة" وإن خالفت الحق ودعت للباطل، ومناصرتها بعصبية عمياء، كما وصف ذلك الشاعر الفحل دُريْد بن الصِّمَّة:
وما أنا إلا من غَزِيَّة إن غوتْ غوَيتُ وإن تَرشُد غزية أرشد
فنهى الإسلام عن التعصب لأي رابطة غير رابطة الدين والعقيدة، واعتبر التعصب لغير رابطة الدين دعوة جاهلية مقيتة، كما في قوله، صلى الله عليه وسلم: "قد أذهب الله عنكم عبِّيَّة الجاهلية وفخرها بالآباء.. مؤمن تقي، وفاجر شقي، والناس بنو آدم، وآدم من تراب".
جاء الإسلام بالعدل والإنسانية والسماحة والمساواة بين الناس "كأسنان المشط، لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى"، ليقتل بذلك العصبية المقيتة ويُحيي في النفوس رابطة الإنسانية المبنية على الإخاء، مقررًا ذلك وداعيًا له بـ {إنما المؤمنون إخوة}، وهي رابطة تستند إلى الدين الحق، جاعلًا التفاضل بين الناس بالتقوى، لا بالعرق ولا بالجنس، وقد أعلى مراتب من كانوا عبيدًا، وخفض مقام من كانوا في الجاهلية أسيادًا، كلًا حسب كسبه وجهده، آخى بين قلوب المؤمنين من الأوس والخزرج -بعد التفرق والتشتت- على دينه الحق، فصيرهم به جميعًا بعد أن كانوا أشتاتًا، وإخوانًا بعد أن كانوا أعداء، وهو نموذج يمكن ويجب تطبيقه.
مبدأ المساواة في الإسلام يؤكد أن جميع البشر سواسية أمام الله، فالتفاضل بين الناس لا يكون بناءً على أصلهم أو لونهم، بل على تقواهم وصلاحهم، وقد نبذ الإسلام العنصرية في الحديث الشريف، وها هو ذا النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، ينبذ العنصرية في خطبته الشهيرة في يوم عرفة حيث قال: "يا أيها الناس، إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم وآدم من تراب" (أخرجه أبو داود: 5116).
إعلان
الإسلام أوصد أبواب النعرات الجاهلية والتمايز بين الناس، وفتح أبواب المساواة بين جميع أفراد المجتمع، بغض النظر عن خلفياتهم العرقية أو القبلية.
وقد مارس الصحابة -رضي الله عنهم- دورًا مهمًا في تهذيب العنصرية، فالصحابة الذين كانوا من خلفيات مختلفة، مثل بلال بن رباح (الذي كان عبدًا حبشيًا) وصهيب الرومي (الذي كان من أصل روماني)، كانوا في مكانة عالية في المجتمع الإسلامي. فالإسلام جعل المكانة الاجتماعية تقتصر على التقوى والعمل الصالح، وليس على العرق أو الأصل.
الإسلام شجّع على بناء مجتمع موحد من خلال تفعيل المساواة بين الجميع، وهذا ساعد في تعزيز الوحدة القومية في الدولة الإسلاميّة.
المسلمون من مختلف الأعراق والقبائل تجمعهم أواصر الدين، وكانوا يعملون سويًا بلا فوارق من أجل بناء الدولة، تحت مظلّة لا إله إلا الله وقيادة رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
القبيلة أراد لها الإسلام أن تكون وسيلة من وسائل صلة الأرحام، قال ابن عباس: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "اعرفوا أنسابكم تصلوا أرحامكم، فإنه لا قرب بالرحم إذا قطعت، وإن كانت قريبة، ولا بُعد بها إذا وُصلت وإن كانت بعيدة".
وفيها ينشأ الشباب على القيم النبيلة والأخلاق الفاضلة والعادات الإسلامية والعربية الأصيلة، بدون تعصب أعمى أو ولاء فوق الولاء للدين والوطن، وهي تزيد من الترابط الاجتماعي والتكافل والتراحم فيما بين منسوبيها، وبينهم وبين الآخرين، ما يسهم في تقوية بناء الدولة والأمة الإسلامية.
أما الذين يفاخرون بأن قبيلتهم أغنى وأكثر مالًا، أو أعلى مقامًا وجاهًا ممن سواهم، فهؤلاء فيهم شيء من جاهلية، وهو نفسه قول عُيينة والأقرع لرسول الله، صلى الله عليه وسلم: "نحن سادات العرب، وأرباب الأموال، فنحّ عنا سلمانَ وخبَّابًا وصُهيبًا"، احتقارًا لهم وتكبرًا عليهم، وقد ذم الله هذا الصنيع الجاهلي والتكبّر البغيض.. يقول تعالى: {فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالًا وأَعَزُّ نَفَرًا} (الكهف -34). قال قتادة: تلك والله أمنية الفاجر (كثرة المال، وعزّة النفر)، وإنما العزة الحقيقية من وجهة نظر الإسلام تكون بهذا الدين ائتمارًا بأوامره وانتهاءً عن نواهيه فيما يتعلق بمفهوم القبيلة أو غيرها.
يقول تعالى في كتابه العزيز: {ولله العزّة ولرسوله وللمؤمنين ولكنَّ المنافقين لا يعلمون} (سورة المنافقون: 8). وفي هذا السياق، فإن العزة بالقبيلة تكون بالسعي لمعرفة الأرحام من أجل صلتهم كأرحام، لا من أجل التناصر بهم بالحق وبالباطل.
ختامًا:
من منظور إسلامي، فإن القبيلة تمثل ركنًا ركينًا من أركان الدولة، وعنصرًا مهمًا من عناصر قوتها الشاملة، وعلى رأس ذلك الأمن الاجتماعي؛ فإن تأسست القبيلة وقامت عُراها على هدى من الله وكتاب منير كانت إضافة كبيرة وحقيقية للأمن الوطني للدولة، وركيزة من ركائز وحدة الأمة، وعاملًا من عوامل نهضتها الحضارية.
وإن استشرت فيها العصبية القاتلة كانت خصمًا على قوى الدولة الشاملة، بل ستكون أحد معاول الهدم التي تسهم بشكل مباشر في تفتيت عضدها وتأخر تطورها، بل ستكون سببًا في تآكلها بالصراعات المبنية على الانسياق الأعمى خلف راية القبيلة وإعلائها على حساب قيمة الوطن وأمن المواطن.

Try Our AI Features
Explore what Daily8 AI can do for you:
Comments
No comments yet...
Related Articles


Al Jazeera
14 hours ago
- Al Jazeera
كولومبيا تعين أول سفير لها في فلسطين
عيّنت كولومبيا، أمس الاثنين، خورخي إيفان أوسبينا أول سفير لها لدى دولة فلسطين ، وذلك بعد نحو عام على إعلانها قطع علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل. وقال السفير الجديد إنّه لا يعلم بعد ما إذا كان سيزاول عمله من رام الله أم من "دولة مجاورة". وأضاف أوسبينا أنّه سيتعيّن التنسيق مع إسرائيل والعمل معها لتحديد الخطوات المطلوبة لتمكين السفارة الكولومبية من ممارسة عملها من رام الله. وشدد أن بلاده، تعترف بالدولة الفلسطينية، وتؤمن بضرورة تعايشها إلى جانب دولة إسرائيل. وعلى صعيد آخر، قال أوسبينا إن بلاده "مستعدة لاستقبال آلاف الجرحى الفلسطينيين" الذين أُصيبوا خلال العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني في غزة. وأشار إلى أن كولومبيا تولي اهتماماً خاصاً لعلاج الأطفال الذين أُصيبوا في الغارات الإسرائيلية، لكنه لم يوضح آلية إجلاء المرضى إلى كولومبيا أو الطريقة التي يمكن من خلالها للعائلات الفلسطينية تقديم طلبات للعلاج. وأكد السفير الكولومبي الجديد أن العالم لا يمكنه أن يغض الطرف عن معاناة المدنيين في غزة والضفة الغربية المحتلة، مؤكداً أنه لا يجوز أن يموت الناس جوعا، وأن عليهم أن يتلقوا رعاية طبية فورية، مع ضرورة العمل على تأهيلهم. إعلان وأوسبينا مقرّب من الرئيس اليساري غوستافو بيترو، الذي أعلن في مايو/ أيار 2024 قطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، متهماً حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بارتكاب " إبادة جماعية" في قطاع غزة. كما أنه رئيس سابق لبلدية كالي، ثالث أكبر مدن كولومبيا، وسبق أن انتمى إلى حركات يسارية، وهو نجل إيفان مارينو أوسبينا، أحد قادة منظمة "إم-19" المسلحة سابقاً، التي كان الرئيس بيترو عضواً فيها أيضاً.


Al Jazeera
a day ago
- Al Jazeera
المسلمون في فرنسا بين مبادئ العلمانية وسياسات التمييز
منذ ستينيات القرن الـ20 أصبح الإسلام ثاني ديانة في فرنسا من حيث الانتشار السكاني، متقدما على البروتستانتية واليهودية. وينتشر المسلمون في الحواضر والأرياف الفرنسية، وأغلبهم ينحدرون من الطبقة العاملة الوافدة، خاصة من دول المغرب العربي. وتُشكل الجالية الجزائرية النسبة الأكبر (35%)، تليها المغربية (25%)، ثم التونسية (10%). كما تضم فرنسا مسلمين منحدرين من الدول الأفريقية التي استعمرتها سابقا مثل مالي و السنغال و النيجر وساحل العاج، إضافة إلى مهاجرين من المشرق العربي مثل سوريا و مصر و العراق و فلسطين ، فضلا عن أكثر من 360 ألف مسلم من أصول تركية. عوامل صعود الإسلام في فرنسا كشفت بيانات كل من معهد الدراسات الديموغرافية "إيناد" والمعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية "إينسي"، ارتفاعا ملحوظا في نسبة النساء المسلمات المرتديات للحجاب بين عامي 2008 و2020، خصوصا بين القادمات من المغرب العربي و تركيا. وقد أسهمت الهجرة الاقتصادية، منذ منتصف القرن الـ20، في ترسيخ الوجود الإسلامي في فرنسا، وكان له دور محوري في إعادة الإعمار بعد الحرب العالمية الثانية. وبحسب مرصد "الهجرة والسكان"، فإن تزايد تدفقات الهجرة يُعد من أبرز العوامل التي فسّرت تنامي حضور الإسلام في المشهدين الاجتماعي والثقافي. فقد تضاعف عدد الحاصلين على أول ترخيص إقامة بنسبة 172% بين 1997 و2023، معظمهم من دول مسلمة. كما أظهرت إحصائيات عام 2021 أن 72% من المهاجرين الجدد و61% من طالبي اللجوء ينتمون إلى دول ذات غالبية مسلمة، مما عزز الحضور الديمغرافي المتنامي للأقلية المسلمة في فرنسا. الهجرة وتحوّل الهوية على مدى عقود، ظلّ المسلمون المهاجرون يعانون في بناء علاقة مستقرة مع فرنسا، فقد كانت بالنسبة لهم مستعمرا قديما، ثم وجهة اقتصادية مؤقتة. إعلان في مطلع القرن الـ20، تدفّق آلاف الجزائريين إلى فرنسا، مدعومين بقانون 1904، الذي سهّل التنقل بين البلدين. وبحلول عام 1926، أصبح الجزائريون يشكلون أكبر جالية مهاجرة في البلاد. ومع نهاية الحرب العالمية الثانية، بدأت فرنسا تستقدم العمال مجددا لإعادة الإعمار، ووقّعت اتفاقيات مع المغرب وتونس، وكان يُطلق عليهم "العمال المتخصصون"، وكان كثير منهم يعتبر إقامته في فرنسا مؤقتة، وينوي العودة إلى بلده لاحقا. غير أن قانون لمّ الشمل العائلي في الفترة بين 1974 و1982 غيّر المشهد جذريا، إذ أدى إلى تحوّل الهجرة من مؤقتة إلى إقامة دائمة. ومع قدوم الزوجات والأطفال، بدأت تظهر الحاجة لتنظيم الممارسات الدينية، ما فتح المجال لما سمي "الإسلام القنصلي"، الذي تولّت تنظيمه القنصليات الأجنبية ضمن احترام مبدأ العلمانية الفرنسية. وفي الثمانينيات، برز الجيل الأول من الفرنسيين ذوي الأصول المهاجرة، ممن وُلدوا في فرنسا ويحملون جنسيتها. وعلى عكس آبائهم، أعادوا تعريف هويتهم ضمن إطار القانون وشاركوا في الحياة العامة بفعالية. المسلم الفرنسي منذ ثمانينيات القرن العشرين أصبح الإسلام مرجعا جماعيا لهوية جديدة، فعوض أن يكون وسيلة للحفاظ على الجذور فقط، بدأ يُمارَس بشكل أكثر وعيا وتأمّلا، خاصة بين الشباب المتعلّم الذي أعاد قراءة النصوص الدينية بشكل تأويلي حديث. لم يعد الحجاب مجرد رمز تقليدي، بل أصبح عند الجيل الجديد تعبيرا عن الاستقلال والاختيار الحر بين الانتماء الثقافي والدستور الجمهوري. وقد انعكس ذلك في ردود الفعل على "قضية الحجاب" عام 1989؛ فبينما اختار الآباء الحذر، رفض الأبناء الانصياع. حتى تسعينيات القرن الـ20، افتقر الوجود الإسلامي في فرنسا إلى بنية مؤسساتية واضحة، وظلّ حضوره يبدو كأنه طارئ تاريخي مرتبط بفكرة "العودة المؤجلة"، غير أن أبناء جيل السبعينيات وما بعدها تخلّوا عن هذا التصور، وبدأوا يطالب بحضور علني للإسلام ينسجم مع مبادئ الجمهورية. وتبلورت بذلك هوية مزدوجة تجمع بين الانتماء الفرنسي والمرجعية الإسلامية. العلمانية الفرنسية من الناحية الدستورية، تُعد فرنسا دولة علمانية منذ عام 1905، ولا تعترف رسميا بأي دين ولا تعاديه. ووفق ما ينص عليه الدستور في مادته الثانية فإن "الجمهورية علمانية، لكنها تحترم جميع الأديان". وعلى هذا الأساس، يُفترض أن يُعامل الإسلام كما تُعامل باقي الأديان، ومن ضمنها الكاثوليكية التي كانت تعتبر "الدين الأم" قبل الثورة الفرنسية. وكثيرا ما يتذرع قادة فرنسا بشعار "الحفاظ على العلمانية" لتبرير ممارسات تمييزية ضد المسلمين، وتحويلها إلى سياسات ممنهجة ذات غطاء قانوني. وفي هذا السياق أعلنت الحكومة الفرنسية نيتها إعداد مشروع قانون لمواجهة ما تسميه "الإسلام السياسي"، ضمن سلسلة من التدابير التي أعلنها الرئيس إيمانويل ماكرون ، لمحاربة ما وصفه بـ"الانفصال الإسلامي". ورغم تمسك فرنسا بخطابها الديمقراطي الذي يضمن حرية المعتقدات وحقوق الإنسان، فإنها توصف بأنها من أكثر الدول الأوروبية التي تشهد حملات معاداة للإسلام. ففي أكتوبر/تشرين الأول 2019، وافق مجلس الشيوخ الفرنسي على مقترح قانون يمنع الأمهات من ارتداء رموز دينية -خاصة الحجاب- أثناء مرافقة أطفالهن في الرحلات المدرسية. وعلى صعيد الممارسات شهدت فرنسا في أكتوبر/تشرين الأول 2019، حادثة مثيرة للجدل عندما طلب النائب جوليان أودول من امرأة مسلمة نزع الحجاب أثناء لقاء عام، مصحوبا باعتداء لفظي أثار موجة استنكار. ويعزو مراقبون هذا التصعيد إلى تحوّل ماكرون نحو خطاب أقصى اليمين ، الذي يتبنى مواقف عدائية تجاه الإسلام، ويمارس ضغوطا متكررة ضد بناء المساجد وارتداء الحجاب، في محاولة لربط الدين الإسلامي بالإرهاب بشكل متعمد. الإسلاموفوبيا وسياسات ماكرون تبنّت حكومات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أثناء ولايتيه الأولى والثانية، سياسات رفعت منسوب الإسلاموفوبيا في الدولة والمجتمع إلى مستويات غير مسبوقة. كما أسهمت خطاباته وإجراءاته التشريعية والتنفيذية في توسيع رقعة العداء للمسلمين، وتعميق جذوره، وإضفاء طابع قانوني وممنهج عليه، ما جعل منه سياسة اضطهادية مُعلنة. ومع أن الظاهرة لا يمكن اختزالها في عهد ماكرون وحده، فهي سابقة له وتعود إلى قرون، بدءا من الحملات الصليبية في القرن الحادي عشر، مرورا بالاستعمار الفرنسي للجزائر وما رافقه من تعامل ذي طابع عنصري، وصولا إلى الخطاب المعاصر المتمثل في "الحرب على الإسلاموية" أثناء حكم ماكرون. ورث ماكرون بنية معقّدة من الإسلاموفوبيا التاريخية والسياسية، لكنه أسهم في تحديثها، وتعزيز حضورها عبر أدوات ووسائل جديدة، ما عمّق أثرها في الحياة العامة. وتُعد فرنسا موطنا لإحدى أكبر الجاليات الإسلامية في أوروبا، غير أن معدلات العداء للمسلمين فيها من بين الأعلى في القارة. ووفق بيانات وزارة الداخلية الفرنسية، سُجّلت عام 2024 نحو 173 حادثة معادية للمسلمين، معظمها هجمات استهدفت أشخاصا، مقارنة بـ242 حالة عام 2023. وفي هذا السياق، قال المفكر الفرنسي فرانسوا بورغا إن تغذية الإسلاموفوبيا جاءت إثر قرار ماكرون في مطلع عام 2018 بالتوجه نحو اليمين وأقصى اليمين، بعدما أدرك أنه لن يتمكن من الفوز مجددا بأصوات ناخبي الوسط و اليسار الفرنسي كما فعل في انتخابات 2017. سياسات الاضطهاد للأقلية المسلمة تواجه الأقلية المسلمة في فرنسا سلسلة من السياسات التي تُسهم في تعميق التمييز وتقنين أشكال الاضطهاد تحت ذرائع قانونية وتنظيمية. ومن أبرز تلك السياسات، قانون تجريم ارتداء النقاب في الأماكن العامة والمرافق الحكومية، والذي يعاقب بالغرامة في المرة الأولى، ويتدرج إلى الحبس في حال التكرار. كما سنّت الدولة قانونا يحظر ارتداء الحجاب داخل المدارس والجامعات والمؤسسات الحكومية. وتشمل الإجراءات كذلك حظر أداء الصلاة في الشوارع والساحات العامة، بما في ذلك محيط المساجد، وهو ما فُسّر على نطاق واسع بأنه استهداف مباشر للممارسات الدينية الإسلامية. أما على صعيد الهجرة والإقامة، فقد رُبط منح أو تجديد الإقامة باجتياز اختبار يثبت إتقان اللغة الفرنسية، واحترام "القيم الجمهورية"، بما في ذلك عدم تغليب المعتقدات الإسلامية على القواعد الفرنسية. هذه التدابير وغيرها ساهمت في تضييق الحيّز العام للمسلمين، وفرضت تحديات يومية تتراوح بين التمييز والعنصرية والعنف اللفظي والمادي. وقد صنّف تقرير عن الإسلاموفوبيا في أوروبا لعام 2022 فرنسا واحدة من أكثر الدول الأوروبية عداء للمسلمين، في ظل تفشي خطاب الكراهية وتراجع مظلة الحماية القانونية لهذه الأقلية. يُجمع عدد من الخبراء على أن قانون "مناهضة الانفصالية"، الذي قدمته الحكومة الفرنسية عام 2021، يقيّد بشكل منهجي الحريات الدينية، ويستهدف بشكل خاص الممارسات الإسلامية. وقد تبنت الجمعية الوطنية الفرنسية (الغرفة الأولى في البرلمان)، في يوليو/تموز من العام نفسه، هذا القانون تحت مسمى "مبادئ تعزيز احترام قيم الجمهورية"، بعد أن عُرف بداية باسم "مكافحة الانفصالية الإسلامية"، ما أثار جدلا واسعا في فرنسا وخارجها. ينص القانون على فرض عقوبات تصل إلى السجن خمس سنوات، وغرامات مالية قد تبلغ 75 ألف يورو، على كل من يُدان بارتكاب "جريمة الانفصالية"، والتي تشمل التهديد أو الاعتداء على موظفين عموميين بسبب رفضهم الامتثال لقيم الجمهورية، مثل الحالات التي يُرفض فيها الخضوع لفحص طبي من قِبل طبيبة. وقد ترتبت على تطبيق هذا القانون سلسلة من الإجراءات الصارمة ضد المسلمين، تمثّلت في إغلاق عدد كبير من المساجد والمدارس الإسلامية ومضايقة الأئمة، فضلا عن إغلاق متاجر ومؤسسات يديرها مسلمون. ووفقا للبيانات الرسمية، أخضعت الدولة آلاف المؤسسات الإسلامية لتحقيقات، ما أسفر عن إغلاق 900 مؤسسة بالقوة، ومصادرة أكثر من 55 مليون يورو من أموالها.


Alarab Alqatariah
a day ago
- Alarab Alqatariah
سمو الأمير يتوجه إلى ماليزيا
قنا غادر حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، اليوم، أرض الوطن متوجهاً بحفظ الله ورعايته إلى ماليزيا، للمشاركة في القمة الثانية لمجلس التعاون لدول الخليج العربية ورابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، والقمة الاقتصادية الأولى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية ورابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) والصين، والمزمع عقدهما يوم غد في العاصمة الماليزية كوالالمبور.