
حكم عدم استقبال القبلة للمريض وكيفية الصلاة على السرير والكرسي
ما حكم صلاة المريض العاجز عن استقبال القبلة ؟ المريض إذا دخل عليه وقت الصلاة ولم يستطع استقبال القبلة بنفسه أو بمساعدة أحد وشقَّ عليه ذلك: فإن له أن يُصَلِّى على حاله ولو لغير القبلة، ولا إعادة عليه كما هو مذهب الحنفية والحنابلة. حكم عدم استقبال القبلة في الصلاة
استقبال القبلة حال الصلاة واجبٌ مأمورٌ به شرعًا؛ حيث قال تعالى: «فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ» [البقرة: 144]، وروى أبو هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال للمُسيء في صلاته: «إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلاَةِ فَأَسْبِغِ الوُضُوءَ، ثُمَّ اسْتَقْبِلِ القِبْلَةَ فَكَبِّرْ» متفقٌ عليه. هل استقبال القبلة واجب في الصلاة ؟
اتفق الفقهاء على أنَّ استقبال القبلة شرطٌ من شروط صحة الصلاة. ينظر: "البناية" للإمام بدر الدين العيني (2/ 117، ط. دار الكتب العلمية)، و"مواهب الجليل" للإمام الحطاب (1/ 507، ط. دار الفكر)، و"المجموع" للإمام النووي (3/ 189، ط. دارالفكر)، و"المغني" للإمام ابن قدامة (1/ 313، ط. مكتبة القاهرة).
ومع اتفاقهم على كون استقبال القبلة شرطًا للصلاة إلا أنهم قد نصوا على سقوط هذا الشرط في حال العجز عن الإتيان به بسبب مرضٍ أو نحوه، مع اختلاف بينهم وتفصيل في شروط ذلك وفي وجوب إعادة الصلاة بعد زوال العذر أم الاكتفاء بما أدَّاه حال قيام العذر. مذهب الحنفية والحنابلة في حكم مَن عجز عن استقبال القبلة
ذهب الحنفية والحنابلة إلى أنه مَن عجز عن استقبال القبلة ولم يجد أحدًا يحوله إلى القبلة أو كان التحويل يضره: يسقط عنه الاستقبال ويصلي على حسب حاله، ولا إعادة عليه حينئذٍ؛ لأن الاستقبال شرط زائد يسقط عند العجز، وإن وَجَد أحدًا يحوله إلى القبلة، فإنه ينبغي أن يطلب منه المساعدة في استقبالها، فإن لم يفعل وصلَّى إلى غير القبلة، فالصلاة صحيحة عند الإمام أبي حنيفة، خلافًا لمحمد وأبي يوسف.
قال الإمام الكاساني الحنفي في "بدائع الصنائع" (1/ 118، ط. دار الكتب العلمية) في كلامه عن شرط استقبال القبلة في الصلاة: [فإن كان عاجزًا لعذرٍ مع العلم بالقبلة فله أن يصلي إلى أيِّ جهةٍ كانت، ويسقط عنه الاستقبال؛ نحو أن يخاف على نفسه من العدو في صلاة الخوف.. أو كان مريضًا لا يمكنه أن يتحول بنفسه إلى القبلة وليس بحضرته مَنْ يحوله إليها، ونحو ذلك؛ لأن هذا شرط زائد فيسقط عند العجز].
وذكر العلامة ابن مازه في "المحيط البرهاني في الفقه النعماني" (2/ 148، ط. دار الكتب العلمية): [الحاصل: أن مفارقة المريض الصحيح فيما هو عاجز عنه، فأما فيما يقدر عليه هو كالصحيح. فإن كان يعرف القبلة، ولكن لا يستطيع أن يتوجه إلى القبلة، ولم يجد أحدًا يحوله إلى القبلة.. وفي ظاهر الجواب: لا يعيد؛ لأن ما عجز عنه من الشرائط لا يكون أقوى ما عجز عن الأركان، فإن وجد أحدًا يحوله إلى القبلة، فإنه ينبغي أن يأمره حتى يحوله إلى القبلة، فإن لم يأمره وصلَّى إلى غير القبلة، قال أبو حنيفة رحمه الله: تجوز صلاته، وقالا: لا تجوز].
وقال العلامة ابن نجيم في "البحر الرائق" (1/ 302، ط. دار الكتاب الإسلامي): [(قوله: والخائف يصلي إلى أيِّ جهةٍ قَدَر): لأن استقبال القبلة شرط زائد يسقط عند العجز.. وأراد بالخائف من له عذرٌ؛ فيشمل المريض إذا كان لا يقدر على التوجه وليس عنده من يحوله إليها أو كان التحويل يضرُّه، والتقييد بعدم وجود من يحوله جرى على قولهما، أما عنده: فالقادر بقدرةِ غيره ليس بقادر].
وقال العلامة المرداوي الحنبلي في "الإنصاف" (2/ 3، ط. دار إحياء التراث العربي): [الصحيح من المذهب: سقوط استقبال القبلة في حال العجز مطلقًا؛ كالتحام الحرب.. وعجز المريض عنه وعمَّن يديره].
وقال العلامة الحجاوي الحنبلي في "الإقناع" (1/ 100، ط. دار المعرفة) في شروط صحة الصلاة: [ثم أمر بالتوجه إلى الكعبة، وهو الشرط الثامن لصحة الصلاة، فلا تصح بدونه إلا المعذور.. ولو نادرًا كمريض عجز عنه وعمن يديره إليها وكمربوط ونحوه فتصح إلى غير القبلة منهم بلا إعادة].
وذهب المالكية والشافعية إلى أنه مَن عجز عن استقبال القبلة ولم يجد مَن يحوله إليها ولو بأجرة؛ فيصلي على حسب حاله ويعيد الصلاة وجوبًا، وقيد المالكية: الإعادة في الوقت إذ تحققت الاستطاعة به أو بوجود من يساعده.
قال الإمام المازري في "شرح التلقين" (1/ 867، ط. دار الغرب الإسلامي): [قال في "المدونة" في المريض: لا يصلي إلا إلى القبلة. وإن عسر تحويله إليها احتيل فيه. فإن صلّى إلى غيرها أعاد في الوقت إليها.. وإنما يعيد في الوقت مَن لم يقدر على استقبال القبلة. فأما المريض القادر على استقبالها فيعيد أبدًا؛ كالصحيح].
وقال العلامة الحطاب في "مواهب الجليل" (1/ 507، ط. دار الفكر): [قال ابن بشير في باب صلاة المريض: فإن عجز عن استقبال القبلة بنفسه حُوِّل إليها، فإن عجز عن تحويله سقط حكم الاستقبال في حقه كالمسايف، وفي "الكتاب": إذا صلى لغير القبلة أعاد في الوقت بمنزلة الصحيح.. قال أصبغ في "الواضحة": هذا إذا لم يستطع التحويل إلى القبلة ولم يجد من يحوله فيصلي كما هو؛ فإذا قدر أو وجد من يحوله أعاد في الوقت. ابن يونس: يريد ولو كان واجدًا مَن يحوله فتركه وصلى إلى غير القبلة أعاد أبدًا كالناسي. انتهى]. طريقة صلاة المريض على السرير
وقال الإمام النووي في "المجموع" (3/ 243، ط. دار الفكر): [المريض الذي يعجز عن استقبال القبلة ولا يجد مَن يحوله إلى القبلة، لا متبرعًا ولا بأجرة مثله، وهو واجدها يجب عليه أن يصلي على حسب حاله، وتجب الإعادة؛ لأنه عذر نادر]. متى يسقط عن العبد شرط استقبال القبلة ؟
استقبال القبلة شرط في صحّة الصلاة، وقال الله تعالى: «قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ» (البقرة: 144).
الديليل استقبال القبلة في الصلاة من السُّنَّة
عن أبي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْه: «أنَّ رجلًا دخَلَ المسجدَ ورسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم جالسٌ في ناحيةِ المسجدِ، فصلَّى ثم جاءَ فسَلَّم عليه، فقال له رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: وعَليكَ السَّلامُ، ارجِعْ فصلِّ؛ فإنَّك لم تُصلِّ، فرجع فصلَّى، ثم جاء فسَلَّم، فقال: وعَليكَ السَّلامُ، ارجِعْ فصلِّ؛ فإنَّك لم تُصلِّ، فقال في الثانية، أو في التي بعدَها: عَلِّمْني يا رسولَ الله، فقال: إذا قُمتَ إلى الصَّلاةِ فأَسْبِغِ الوضوءَ، ثم استقبلِ القِبلةَ فكبَّر... ».
عن عبدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ، قال: لَمَّا دخَلَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم البيتَ، دعا في نواحيه كلِّها، ولم يُصلِّ حتى خرَج منه، فلمَّا خرج ركَع ركعتينِ في قُبُل الكَعبةِ، وقال:«هذه القِبلةُ»
عنِ البَراءِ بن عازبٍ: «أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان أوَّلَ ما قَدِمَ المدينةَ نزَلَ على أجدادِه - أو قال: أخوالِه - من الأنصارِ، وأنَّه صلَّى قِبلَ بيتِ المقدسِ سِتَّةَ عَشرَ شهرًا، أو سَبعةَ عَشرَ شهرًا، وكان يُعجِبُه أن تكونَ قِبلتُه قِبلَ البيتِ، وأنَّه صلَّى أوَّلَ صلاةٍ صلَّاها صلاةَ العصرِ، وصلَّى معه قومٌ، فخرَج رجلٌ ممَّن صلَّى معه، فمرَّ على أهلِ مَسجدٍ وهم راكعون، فقال: أشهدُ باللهِ لقدْ صَليتُ مع رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قِبلَ مَكَّةَ، فدَاروا كما هم قِبلَ البيتِ... ».
متى يسقط استقبال القبلة؟
استثنى من ذلك العلماء ثلاث حالات، يسقط فيها وجوب استقبال القبلة في الصلاة، وتصح الصلاة فيها لغير القبلة.
أولها : إذا كان المسلم عاجزًا، مريض وجهه إلى غير القبلة ولا يستطيع أن يتوجه إلى القبلة ، فإن استقبال القبلة يسقط عنه في هذه الحال.
واستندوا في ذلك بلقوله تعالى: « فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُم » التغابن/16 ، وقوله تعالى: «لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا » البقرة/286 ، وكذلك بقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: « إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» رواه البخاري (7288) ومسلم (1337).
الحالة الثانية: هي إذا كان في شدة الخوف كإنسان هارب من عدو، أو هارب من سبع، أو هارب من سيل يغرقه، فهنا يصلي حيث كان وجهه، ودليلهم قوله تعالى: «فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ» (البقرة:239).
وقوله: « فَإِنْ خِفْتُمْ» عام يشمل أي خوف، وقوله: « فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ» يدل على أن أي ذِكْرٍ تركه الإنسان من أجل الخوف فلا حرج عليه فيه، ومن ذلك: استقبال القبلة، ويدل عليه أيضًا ما سبق من الآيتين الكريمتين، والحديث النبوي في أن الوجوب معلق بالاستطاعة.
الحالة الثالثة: تكون في النافلة في السفر سواء كان على طائرة أو على سيارة، أو على بعير فإنه يصلي حيث كان وجهه في صلاة النفل، مثل : الوتر، وصلاة الليل ، والضحى وما أشبه ذلك.
والمسافر ينبغي له أن يتنفل بجميع النوافل كالمقيم تمامًا إلا في الرواتب، كراتبة الظهر، والمغرب ، والعشاء ، فالسنة تركها، فإذا أراد أن يتنفل وهو مسافر فليتنفل حيث كان وجهه، ذلك هو الثابت في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هل يجوز الصلاة على الكرسي ؟
الصلاة جالسا لها ضوابط وشروط شرعية، حيث إن الصلاة على الكرسي في الفرائض لا تجوز لمن لديه القدرة على القيام والسجود، ونوضح كيفية الصلاة على الكرسي وتعد الصلاة على الكرسي من الأمور المشروعة لـ الحامل أو المريض إذا كان الشخص مريضًا لا يستطيع أداء الركن كالركوع والسجود على هيئته، وكذلك، والوقوف في الصلاة من أركانها ولا يسقط إلا عند المرض، وأجازالإسلام الصلاة جلوسا لمن عجز عن القيام كالحامل التي نصحها الطبيب بذلك أو المريض الذي لا يقدر على القيام،وذكر بعض العلماء أنه لا يشترط العجز التام للجلوس في الصلاة، ولكن لا تكفي لذلك أدنى مشقة أيضًا، بل لا بد من حصول مشقة معتبرة لإباحة الصلاة على الكرسي للحامل والمريض . حكم الصلاة جالسا
أكد مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، أن القيام ركن من أركان الصلاة؛ قال تعالى: «وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ» (البقرة:238).
وأضاف مركز الأزهر للفتوى، أنه لا يجوز للمصلي أن يصلي جالسًا إلا إذا عجز عن القيام، أو إن خاف من زيادة مرض أو عدو، أو في حال لم يجد ما يستر به عورته إذا صلى قائمًا؛ قال تعالى «وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ» (الحج: 78).
واستند إلى ما أخرجه البخاري في صحيحه عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه قَالَ : كَانَتْ بِي بَوَاسِيرُ، فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ الصَّلَاةِ، فَقَالَ: «صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ».
وأوضح: أنه إذا صلى الفريضة قاعدًا بدون عذر معتبر شرعًا، وكان مستطيعًا للقيام؛ تبطل صلاته ؛ لتركه ركنًا من أركان الصلاة. أما في صلاة النافلة ، فيجوز الجلوس فيها من غير عذر ويكون له نصف أجر القائم.
ويدل على ذلك ما أخرجه مسلم في صحيحه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ: حُدِّثْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «صَلاةُ الرَّجُلِ قَاعِدًا نِصْفُ الصَّلاةِ . قَالَ : فَأَتَيْتُهُ، فَوَجَدْتُهُ يُصَلِّي جَالِسًا، فَوَضَعْتُ يَدِي عَلَى رَأْسِهِ، فَقَالَ : مَا لَكَ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو؟! قُلْتُ: حُدِّثْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَّكَ قُلْتَ: صَلاةُ الرَّجُلِ قَاعِدًا عَلَى نِصْفِ الصَّلاةِ، وَأَنْتَ تُصَلِّي قَاعِدًا! قَالَ : أَجَلْ، وَلَكِنِّي لَسْتُ كَأَحَدٍ مِنْكُمْ»، قال النووي وأما قوله - صلى الله عليه وسلم: «لست كأحد منكم» فهو عند أصحابنا من خصائص النبي - صلى الله عليه وسلم - فجعلت نافلته قاعدًا مع القدرة على القيام كنافلته قائمًا تشريفًا له.
حكم الصلاة على الكرسي
أفاد دار الإفتاء المصرية، بأنه يجوز الصلاة بالقعود على الكرسي عند العجز عن القيام أو النوافل، ولها نفس أحكام الصلاة بالقعود على الأرض بلا فرق".
وأوضحت «الإفتاء» في إجابتها عن سؤال: « ما حكم صلاة الفريضة على الكرسي؟ »أنه لم يأتِ في الشرع تخصيصٌ للقعود بكونه على الأرض، ولا جاء هذا عن أحدٍ من علماء المسلمين، وليس في الشرع ما يتعارض معه.
ونوهت دار الإفتاء بأنه على من ابتُلي بهذا أن يبذل الوُسع في الأكمل لصلاته، وأن يراعيَ ما يستطيع أداءه من هيئتي الركوع والسجود، وأن يُراعي ألا يضيِّق على المصلين صلاتهم، وأن يحافظ على النظام المعروف في المساجد. الصلاة على الكرسي للمريض صلاة النافلة على الكرسي
من صلى النافلة جالسا وهو عاجز عن القيام فيها فله الأجر كاملا لحديث: «إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيماً صحيحاً».
ويجوز للمصلي في صلاة التطوع غير الفريضة أن يصلي جالسا على الأرض أو على الكرسي؛ لأن القيام في النافلة مستحب، ولا يجب إلا أن أجر القيام أفضل لمن قدر عليه، وقد روى البخاري من حديث عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه، قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ صَلاَةِ الرَّجُلِ وَهُوَ قَاعِدٌ، فَقَالَ: «مَنْ صَلَّى قَائِمًا فَهُوَ أَفْضَلُ، وَمَنْ صَلَّى قَاعِدًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ القَائِمِ، وَمَنْ صَلَّى نَائِمًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ القَاعِدِ».
وإذا صلى جالسا فله أن يقوم قبل الركوع ليركع من قيام كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يفعل في صلاة الليل. فقد جاء في حديث عائشة - رضي الله عنها- : ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ قَامَ فَرَكَعَ . رواه مسلم .
وأما في الفريضة فإنه لا يجوز للمصلي أن يصلي جالسا على الكرسي أو الأرض إلا عند العجز عن القيام، لقول النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - « صَلِّ قَائِمًا, فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا, فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ . أخطاء في الصلاة على الكرسي
1- يجب القيام في صلاة الفريضة على كل قادر عليه، ولا يجزئ عنه اتكاء ولا جلوس على كرسي من غير عذر.
2- تبطل صلاة الفريضة لمن اعتمد على شيء كالعصا أو الحائط بحيث لو زال هذا الشيء لسقط المصلي إلا للمعذور.
3- القاعدة في الواجبات كل ما استطاع المصلي فعله وجب عليه فعله وما عجز عنه سقط إلى بدله إن كان له بدل فمن عجز عن القيام جاز له الجلوس على الكرسي.
4 من أخطاء المصلين على الكرسي أن يكبر تكبيرة الإحرام وهو جالس مع قدرته على أن يأتيها في حال القيام ثم يجلس، وفي هذه الحالة تبطل الصلاة.
الدليل على بطلان الصلاة؛ أن من شروط إنعقاد تكبيرة الإحرام أن يكون المكبر قائماً لحديث: «إذا قمت إلى الصلاة فكبر» ولأن الضرورة تقدر بقدرها.
5- من الأخطاء أن يستطيع المصلي القيام ولكنه يعجز عن الركوع والسجود فيجلس في ركوعه،
والصواب: أن يركع وهو قائم يُومئ برأسه في الركوع ولا يجلس.
6-من أخطاء من يصلي على الكرسي لعجزه عن السجود أن يضع شي يسجد عليه مثل الوسادة أو رف مرتفع، والصواب أن يسجد بالإيماء يخفض ويرفع رأسه فقط، لحديث جابر أن النبي رأى مريضا يصلي على وسادة، فرمى بها وقال: «صلِّ على الأرض إن استطعت وإلا فأومئ إيماء واجعل سجودك أخفض من ركوعك».
كيفية الصلاة على الكرسي للمريض
يجب على المصلي في حال الصلاة جالسا أن يلتزم بالآتي:
1.يستقبل المصلي القبلة استعدادًا للصلاة، ويُخلص نيته في قلبه، فإذا كان المصلي قادرًا على الصلاة على الأرض فهو خير، أما إذا لم يستطيع فليصلي وهو جالس.
2. يجعل المصلي سجوده أخفض من ركوعه.
3.يرفع المصلي يديه نحو منكبيه ويُكبر، ويضع يده اليمنى فوق يده اليسرى، ويبدأ بقراءة دعاء الاستفتاح سرًا، وبعد ذلك يقرأ سورة الفاتحة وما تيسر له من القرآن.
4.يرفع المصلي يديه نحو منكبيه ويكبر، ثم ينزل رأسه قليلًا للركوع ويديه على قدميه ويقول: «سبحانَ ربِّيَ العظيمِ سبحانَ ربِّيَ العظيمِ سبحانَ ربِّيَ العظيم»، ثم يرفع رأسه من ركوعه ويقول: «سمع اللهُ لمن حمده .. ربَّنا ولك الحمدُ»، [صحيح مسلم].
5.يُكبر المسلم للسجود، ويسجد في حالة جلوسه على الأرض على الأعظم السبعة وهي الجبهة، والأنف، والكفين، والركبتين، وأطراف القدمين، ثم يقول سبحان ربي الأعلى ثلاث مرات ويدعو الله، ثم يرفع نفسه من السجدة الأولى ويقول: «رب اغفر لي، رب اغفر لي»، [صحيح النسائي]، ويسجد السجدة الثانية بنفس الطريقة ويدعو بما يشاء،أما في حالة جلوسه على الكرسي فينزل رأسه على قدر استطاعته ولكن لمقدار أكبر من الركوع، ويُكبّر ثمّ يرفع رأسه استعدادًا للركعة الثانية.
6.تُصلى الركعة الثانية تمامًا كما في الركعة الأولى، وبعد الانتهاء منها يتم قراءة دعاء التشهد والصلاة الإبراهيمية حيثُ يقول: «لتَّحيَّاتُ للهِ والصَّلواتُ والطَّيِّباتُ السَّلامُ عليك أيُّها النَّبيُّ ورحمةُ اللهِ وبركاتُه السَّلامُ علينا وعلى عبادِ اللهِ الصَّالحينَ أشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له وأشهَدُ أنَّ مُحمَّدًا عبدُه ورسولُه اللهمَّ صلِّ على محمدٍ وعلى آلِ محمدٍ، كما صلَّيتَ على إبراهيمَ، وعلى آلِ إبراهيمَ، إنكَ حميدٌ مجيدٌ، اللهمَّ بارِكْ على محمدٍ وعلى آلِ محمدٍ، كما باركتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ، إنكَ حميدٌ مجيد.
7.ثم التسليم عن اليمين وعن الشمال بقول: «السلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ، السلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ»، [صحيح البخاري] في كل جانب، وذلك في الصلاة الثنائية أمّا الصلاة الثلاثية والرباعية فيتم قراءة التشهد الأوسط بعد الركعة الثانية، وقراءة دعاء التشهد والصلاة الإبراهيميّة بعد الانتهاء من كافة الركعات.
8.يجب وضع الكرسي في خط مساوٍ ومتمم للصف إذا كان في المسجد فلا يتقدم أو يتأخر عنه الأرض يستعد المصلي للصلاة من خلال الوضوء وإذا لم يستطيع فمن خلال التيمم.
كيفية الصلاة على الكرسي للحامل
الصلاة على الكرسي للحامل تكون بالهيئة التي تناسب المرأة الحامل عن الصلاة قيامًا، بحيث تجلس على كرسي مرتفع عن الأرض بمقدار معين، مع ضرورة ملامسة قدميها الأرض، وتؤدى كالصلاة العادية من ركوع، وسجود، وتشهد، وتكبيرات، وقراءات، وأدعية، وأذكار، وأن يكون قلبها متصلًا مع الله -عزوجل- خشيةً وحبًا له.
وأثناء الصلاة في جماعة يُوضع الكرسي بحيث تكون قوائمه الخلفية مع الصف وتتقدم المرأة المصلية على الصف كي لا تعيق حركة الأخريات عندما تكون في الوسط، بينما إذا كانت في الطرف أو آخر الصفوف فإنها تضع قوائم الكرسي الأمامية مع الصف وتكون هي معه أيضًا بحيث لا تتقدم على غيرها من المُصليات. كيفية الصلاة على الكرسي في جماعة
كيفية الصلاة على الكرسي في جماعة
تتنوع أماكن الكراسي من مسجد لآخر، فهناك مساجد توضع فيها الكراسي آخر المسجد، فيصلي كبار السن بعيدًا عن الصفوف، وهناك مساجد تجعل الكراسي في الصف الأول، أو تتوزع الكراسي حسب حاجة من يصلي.
واستعمال الكرسي في الصلاة يكون في أربعة حالات أساسية، هي:
1.عدم القدرة على القيام والوقوف في الصلاة.
2.عدم القدرة على الركوع.
3.عدم القدرة على السجود.
4.عدم القدرة على الجلوس للتشهد الأوسط أو الأخير.
استعمال الكرسي لمن لم يكن قادرا على فعل واحدة من هذا أو أكثر جائز شرعًا للحديث الشريف السابق، والأصلأن يأتي المصلي بالأركان كلها ما استطاع، فإن عجز عن الإتيان بها، أداها قدر استطاعته، ولو بالإيماء، ولو يسقط شيء من أركان الصلاة، بل يأتيه قدر ما يستطيع،والمصلي الذي لا يقدر على القيام فيجلس؛ لا ينقص من أجر صلاته شيء،وهذا التيسير مبني على عدم القدرة والعجز، لأن من عجز عن فعل شيء في الصلاة سقط عنه،
وقد اتفق المسلمون على أن المصلي إذا عجز عن بعض واجباتها: كالقيام أو القراءة أو الركوع أو السجود أو ستر العورة أو استقبال القبلة أو غير ذلك سقط عنه ما عجز عنه،على أن الاستمراء في الصلاة على الكرسي بدون داع ليس من الشريعة في شيء، وأن القول بإباحة الصلاة على الكرسي إنما هو مرتهن بالعجز وعدم القدرة في الحركة التي لا يقدر على الإتيان بها بالهيئة المشروعة دون غيرها، فمن عجز عن القيام فله الجلوس على الكرسي أثناء القيام، لكن يجب عليه أن يأتي بالركوع والسجود على هيئتهما دون الجلوس على الكرسي مادام قادرا على هذا، وكذلك إن كان عاجزا عن الركوع أو السجود فلا بأس أن يجلس على الكرسي وقتها ويومئ قدر استطاعته، على أن يجعل إيماءه في السجود أخفض من ركوعه ليبين الفرق بين الركوع والسجود في الإيماء.
والقاعدة الفقهية الضابطة لهذا هي: أن ما استطاع المصلي أن يفعله على الهيئة المشروعة أصلا؛ وجب عليه أن يأتي بها على تلك الهيئة، وما عجز عن فعله؛ سقط عنه. كيفية الصلاة جالسا
المسلم يؤدي الصلاة بجميع أركانها، إن استطاع أن يبدأ الصلاة قائمًا فهذا واجب عليه، لكن هناك من يصلُّون على الكرسي لعجزهم عن الركوع والسجود، فله أن يجلس وينحني عند الركوع والسجود، ويكون السجود أكثر انخفاضًا من الركوع، وإن كان يستطيع السجود على الأرض فوجب عليه ذلك، أما كيفية الجلوس عند الصلاة فعلى المصلي أن يجلس متربعًا ويكف الساق إلى الفخذ، ولو صلى مفترشًا فجاز ذلك، لأن الجلوس متربعًا سنة.
كيفية الصلاة مستلقيا
من لم يستطع الصلاة جالسًا جاز له أن يصلي وهو مستلقٍ على ظهره وتكون قدماه باتجاه القبلة، وينوي للصلاة ويكبِّر تكبيرة الإحرام ويقرأ الفاتحة، ثمَّ ينوي الركوع والرفع منه، وكذلك ينوي للسجود وله أن يشير بيده أو يومئ برأسه حسب قدرته واستطاعته.
الوضوء للمريض

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


صدى البلد
منذ 28 دقائق
- صدى البلد
جامعة القاهرة تنعى هاني جوهر عميد كلية الطب البيطري الأسبق
ببالغ الحزن والأسى، تنعي جامعة القاهرة برئاسة الدكتور محمد سامي عبد الصادق، الأستاذ الدكتور هاني جوهر، عميد كلية الطب البيطري الأسبق، ومدير وحدة ضمان الجودة والاعتماد بالجامعة، والرئيس السابق لنادي أعضاء هيئة التدريس، الذي وافته المنية بعد مسيرة علمية ومهنية متميزة، قدّم خلالها الكثير في خدمة الجامعة، والارتقاء بجودة التعليم والاعتماد الأكاديمي. وأعرب رئيس جامعة القاهرة عن خالص تعازيه لأسرة الفقيد وكلية الطب البيطري، داعيًا الله أن يتغمده بواسع رحمته، ويسكنه فسيح جناته، ويلهم أهله وذويه وزملاءه ومحبيه الصبر والسلوان. ويُعد الدكتور هاني جوهر من القامات الأكاديمية البارزة في مجال الطب البيطري، وقد ترك أثرًا ملموسًا في تطوير العملية التعليمية، وإرساء نظم الجودة والاعتماد بكلية الطب البيطري وجامعة القاهرة. رحمه الله رحمة واسعة، وجزاه عن علمه وعطائه خير الجزاء.


صدى البلد
منذ 4 ساعات
- صدى البلد
هل ملامسة الكلاب تنقض الوضوء؟.. الإفتاء تجيب
قالت الدكتورة زينب السعيد، أمينة الفتوى في دار الإفتاء المصرية، إن تربية الحيوانات الأليفة مثل القطط والكلاب والعصافير لا تنقض الوضوء في ذاتها، ولا تؤثر على طهارة الإنسان ما لم يلامس شيئًا نجسًا من هذه الحيوانات كفضلاتها أو بولها. هل ملامسة القطط تنقض الوضوء؟ وأضافت أمينة الفتوى في دار الإفتاء المصرية، خلال تصريحات تلفزيونية، اليوم الأحد، أن القطة تحديدًا حيوان طاهر في ذاته، ويجوز الوضوء والشرب من الماء الذي شربت منه، مستشهدة بحديث النبي ﷺ عندما قال عن القطط: "إنها ليست بنجس، إنها من الطوافين عليكم والطوافات"، كما روته السيدة كبشة بنت كعب عندما رأت الصحابي أبا قتادة يُميل الإناء لتشرب القطة. وأشارت أمينة الفتوى في دار الإفتاء إلى أن الإسلام دين يسر ورحمة، وقد أباح لنا التعامل مع هذه الحيوانات ورعايتها، بل وجعل في ذلك أجرًا ورحمة، موضحة أن مجرد ملامسة الحيوان الأليف أو حمله لا يُبطل الوضوء، سواء كان قطة أو عصفورًا أو الكلاب غيرها. هل فضلات الحيوانات تنقض الوضوء؟ أما عن فضلات الحيوانات وبولها، فقد أكدت أمينة الفتوى في دار الإفتاء أنها نجسة شرعًا، فإذا لامست يد الإنسان أو ثيابه، فيجب عليه غسل الموضع المتنجس، لكن لا يُشترط إعادة الوضوء، لأن النجاسة لا تنقض الوضوء بذاتها، إنما تنجس الموضع فقط، ويكفي تطهيره بالماء. وتابعت أن التعامل مع الحيوانات الأليفة أمر جائز شرعًا طالما لا يترتب عليه ضرر صحي أو مادي، وأن الإنسان إذا لمسها أو تعامل معها لا يُطلب منه إعادة وضوئه، وإنما فقط تنظيف موضع النجاسة إن وُجدت، وهذا من سماحة الشريعة ويسرها في التعامل مع المخلوقات. هل الكلام البذيء ينقض الوضوء؟ قالت الدكتورة زينب السعيد، أمينة الفتوى في دار الإفتاء المصرية، إن ما يصدر من الإنسان من ألفاظ نابية أو شتائم في لحظة غضب لا يُعد في ذاته ناقضًا الوضوء من الناحية الفقهية، لأن نواقض الوضوء معروفة وهي ما يخرج من السبيلين أو ما في معناهما. وأوضحت أمينة الفتوى في دار الإفتاء، خلال تصريحات تلفزيونية، اليوم الأحد، أن النبي ﷺ أرشدنا إلى أن المؤمن لا يكون فاحشًا ولا بذيئًا ولا لعانًا، فقال: "ليس المؤمن باللعان ولا الطعان ولا الفاحش ولا البذيء"، فالأصل في المسلم أن يحفظ لسانه، خاصة في الخلافات والمشاحنات، موضحة أن الله سبحانه وتعالى أمرنا في كتابه الكريم: {ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم}. وأشارت أمينة الإفتاء إلى قول عبد الله بن عباس رضي الله عنه: "الحدث حدثان: حدث الفرج وحدث اللسان، وحدث اللسان أشد وأعظم"، وهذا المعنى يدل على أن ما يصدر من اللسان قد يكون أشد في الأثر من الحدث الذي ينقض الوضوء. هل التلفظ بألفاظ نابية يبطل الوضوء؟ وتابعت أمينة الفتوى في بدار الإفتاء أن فقهاء الشافعية وغيرهم استحبوا للإنسان إذا صدر منه مثل هذا الكلام السيء أو الكذب أو الغيبة أو السباب أن يجدد وضوءه، ليس لأنه انتقض، بل لأنه يهيئ نفسه للطهارة الكاملة، طهارة البدن مع طهارة القلب، ليقف بين يدي الله في صلاته بقلب خاشع ولسان طاهر. وأكدت أمينة الإفتاء أن هذا الأمر من باب الاستحباب والحرص على نقاء الظاهر والباطن، وليس من باب الفرض أو الوجوب، فمن صدر منه لفظ سيء فليستغفر الله، ويجدد وضوءه إن شاء ليستعيد صفاء قلبه ونقاء جوارحه.


صدى البلد
منذ 4 ساعات
- صدى البلد
حكم وضع العطر للنساء خارج المنزل .. دار الإفتاء تحدد الضوابط الشرعية
حكم وضع العطر للنساء خارج المنزل ما حكم وضع المرأة للعطر خارج المنزل ؟ يجوز للمرأة وضع العطر عند ذهابها للمسجد بشرط أمن الفتنة، فلا مانع من وضع العطر للنساء بالضوابط الشرعية، وجاءت السنة النبوية التقريرية بخروج النساء إلى الصلاة بقلائد عطرهن. وأما أحاديثُ النهي عن خروج المرأة إلى المسجد متعطرة فالمراد بها: النهيُ عن تعطرها بالعطر النفّاذ الزائد عن الحد الذي تقصد به الشهرة، أو لفت النظر إليها؛ فإن ذلك حرام، سواء فعلت ذلك بالعطر أو بغيره من وسائل الزينة التي تلفت الأنظار، والاختلاف بين الفقهاء بين التحريم والكراهة والإباحة ليس حقيقيًّا؛ فالتحريمُ عند قصد الإغواء مع تحقق الفتنة أو ظنها، والكراهة عند خشيتها، والإباحة عند أمنها، والاستحباب عند الحاجة إلى الطيب لقطع الرائحة الكريهة ونحو ذلك. وأما الأحاديث الواردة في عدم قبول صلاتها فإنما هي في حالة التحريم، وهي محمولةٌ على نفي الكمال لا على نفي الصحة؛ أي: أنَّ صلاتها صحيحة، لكنها غير كاملة الأجر، وكذلك الحال في أمرها بالاغتسال: إنما هو لإزالة أثر العطر النَّفَّاذ، وليس المقصودُ بذلك الجنابة الحقيقية أو رفع الحدث عن المرأة. هل يجوز للمرأة وضع العطر خارج المنزل؟ وأوضح الدكتور علي فخر، أن الأصل في وضع العطر للمرأة مرتبط بمدى ظهور رائحته للآخرين، قائلا: «إذا كان العطر الذي تضعه المرأة له رائحة فواحة يشمّها المارّون بجوارها، فلا يجوز لها شرعًا أن تتعطر به خارج المنزل، لأن في ذلك نوع من التبرج المنهي عنه». وأضاف أن استخدام المرأة لمزيل العرق أو ما يذهب الرائحة الكريهة، بشرط ألا يكون له أثر رائحة ظاهر لمن حولها، فلا مانع منه شرعًا، مؤكدا أن «الضابط في هذا الأمر ألا تكون الرائحة فواحة أو ظاهرة للغير». وأكد ضرورة التزام النساء بضوابط الشريعة وآداب الإسلام عند الخروج من المنزل، مشددًا على أن الحفاظ على الحياء والستر من سمات المرأة المسلمة. حكم خروج المرأة إلى المسجد متعطرة إذا خرجت المرأة من بيتها متعطرة للمسجد أو لغيره، وكانت تقصد بعطرها أو زينتها فتنةَ الرجال أو لفتَ الأنظار إليها أو الشهرةَ بذلك: صار تعطرها وتزينها حرامًا؛ لأجل سوء القصد والرياء، والمباهاة والخيلاء، لا لخصوص العطر والزينة، فالتحريم هنا منوط بنيتها لا بزينتها، وبقصدها لا بطيبها، وقد يُستَدَلُّ على سوء القصد: بالمبالغة في البهرجة والزينة والعطر؛ كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه في المرأة التي كان ينفح عطرها ولذيلها إعصار. فإذا سَلِمَ قصدُها، وانتفى خوفُ الأذى: فجمهور العلماء على أن خروجها للمسجد متعطرة ليس حرامًا، ثم منهم من رآه مكروهًا؛ سدًّا للذريعة، ومنهم من نص على الإباحة من غير كراهة. فأما المالكية: فقد قال العلامة ابن رشد المالكي في "البيان والتحصيل" (17/ 624): [سئل (أي: الإمام مالك) عما يجعله النساء في أرجلهن من الخلاخل، وهن إذا مشين بها سمعت قعقعتها، فرأى ترك ذلك أحب إليه من غير تحريم؛ لأن الذي يحرم عليهن: إنما هو ما جاء النهي فيه من أن يقصدن إلى إسماع ذلك وإظهاره من زينتهن لمن يخطرن عليه من الرجال؛ قال الله عزَّ وجلَّ: ﴿وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ﴾ [النور: 31]. ومن هذا المعنى: ما رُوِيَ من أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ اسْتَعْطَرَتْ، فَمَرَّتْ بِقَوْمٍ لِيَجِدُوا رِيحَهَا، فَهِيَ زَانِيَةٌ»] اهـ. والمشهور عند المالكية إباحة تطيب المعتكفة في المسجد، وهو الذي نقله صاحب كتاب "المجموعة" عن مذهب الإمام مالك، وهذا يقتضي جواز خروجها للمسجد متطيبةً بلا كراهة. قال العلامة سيدي خليل المالكي في "التوضيح في شرح مختصر ابن الحاجب" (2/ 473، ط. مركز نجيبويه): [ابن وهب عن مالك: ولا يُكْرَهُ للمعتكفة أن تتزين وتلبس الحي، وذكر حمديس أنها لا تتطيب، وفي "المجموعة" خلافه] اهـ بتصرف. وصاحب "المجموعة" هو الإمام الفقيه محمد بن إبراهيم بن عبدوس القيرواني [ت: 260هـ]، من أئمة المالكية في وقته، وكتابه "المجموعة في مذهب مالك وأصحابه" من الكتب المعتمدة في المذهب؛ فقد "كان صحيح الكتاب، حسن التقييد، عالِمًا بما اختلف فيه أهل المدينة وما اجتمعوا عليه". كما يقول القاضي عياض في "ترتيب المدارك" (4/ 223-225، ط. مطبعة فضالة)، ولما تصفح الإمام محمد بن عبد الله بن عبد الحكم كتابَه قال: "هذا كتاب رجل أتى بعلم مالك على وجهه"؛ كما في "ترتيب المدارك" (4/ 206). وقال العلامة العدوي في "حاشيته على شرح مختصر خليل" للخرشي (2/ 276، ط. دار الفكر): [واختلف في المعتكفة فقال عنه ابن وهب: لا يكره للمعتكفة أن تتزين وتلبس الحلي، وذكر أنها لا تتطيب، وفي "المجموعة": أن المعتكفة تتطيب] اهـ. وقال العلامة الدسوقي في "حاشيته على الشرح الكبير" (1/ 549، ط. دار الفكر): [(قوله وتطيبه)، أي: جاز تطيب المعتكف بأنواع الطيب في ليل أو نهار؛ سواء كان رجلا أو امرأة، وهذا هو المشهور خلافًا لحمديس القائل بكراهته في حقهما اهـ شيخنا العدوي] اهـ. وأما الشافعية: فقال العلامة القسطلاني في "إرشاد الساري" (2/ 220، ط. الأميرية): [يُسْتَحَبُّ حضور العجائز، وغير ذوات الهيئات بإذن أزواجهن.. وليلبسن ثياب الخدمة، ويتنظفن بالماء من غير تطييب ولا زينة؛ إذ يكره لهن ذلك، أما ذوات الهيئات والجمال فيكره لهن الحضور] اهـ بتصرف يسير. وقال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري الشافعي في "أسنى المطالب" (1/ 269، ط. دار الكتاب الإسلامي): [(فرع: لا بأس بحضور العجائزِ) الجمعةَ، بل يُستَحَب لهن ذلك (بإذن الأزواج، وليحترزن من الطيب والزينة) أي يُكرهان لهن؛ لخبر مسلم: «إِذَا شَهِدَتْ إِحْدَاكُنَّ الْمَسْجِدَ فَلَا تَمَسَّ طِيبًا»، وخبر أبي داود بإسناد صحيح: «لَا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللهِ مَسَاجِدَ اللهِ، وَلَكِنْ لِيَخْرُجْنَ وَهُنَّ تَفِلَاتٌ» بفتح التاء وكسر الفاء؛ أي: تاركات للطيب والزينة ولخوف المفسدة، فإن لم يحترزن من الطيب أو الزينة: كُره لهن الحضور] اهـ. وقال أيضًا في "الغرر البهية شرح البهجة الوردية" (1/ 404، ط. المطبعة الميمنية): [وإذا أرادت المرأةُ الحضورَ كُرِهَ لها الطيبُ، وفاخرُ الثياب] اهـ، وقال فيها أيضًا (2/ 32): [(وإن يكن لباسُها مشهورًا، أو صَحِبَتْ طِيبًا، فلا حضورًا) أي يُكره لها الحضور، وإن أَذِنَ لها زوجها] اهـ. ونص فقهاء الشافعية على أنه يُستثنَى مِن الكراهة ما تضعه المرأة مِن الطيب لدفع الروائح الكريهة؛ فخروجها للمسجد متعطرة لهذا الغرض جائز شرعًا: قال العلامة الرملي الشافعي في "نهاية المحتاج" (2/ 340، ط. دار الفكر): [أما المرأة فيُكرَه لها الطيبُ والزينةُ وفاخرُ الثياب عند إرادتِها حضورَها، نعم، يُسَنُّ لها قطعُ الرائحة الكريهة] اهـ. قال العلامة الشَّبْرَامَلِّسيُّ في "حاشيته" عليه: [(نعم، يسن لها قطع الرائحة الكريهة) أي: وإن ظهر لِمَا تُزِيل به ريحٌ؛ حيث لم يتأتَّ إلا به] اهـ. وأما الحنابلة: فبوب الحافظ الضياء المقدسي الحنبلي [ت: 643هـ] في كتابه "السنن والأحكام عن المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام" بقوله (1/ 361، ط. دار ماجد): (باب في كراهية منع النساء المساجد وكراهية الطيب لهن إِذا خرجن إليها) اهـ. وقال العلامة ابن مفلح الحنبلي في "الفروع" (2/ 458، ط. مؤسسة الرسالة): [وذكر جماعة: يُكرَه تطيبها لحضور المسجد وغيره، وتحريمه أظهر؛ لما تقدم، وهو ظاهر كلام جماعة] اهـ. وليس هذا اختلافا حقيقيًّا بقدر ما هو تحقيقٌ لمناط الفتنة بهن أو عليهن؛ فالتحريم عند قصد الإغواء مع تحقق الفتنة أو غلبة الظن بها، والكراهة عند خشية الفتنة، والإباحة عند أمن الفتنة، والاستحباب عند الحاجة إلى الطيب لقطع الرائحة الكريهة ونحو ذلك. قال العلامة ابن حجر الهيتمي في "الزواجر عن اقتراف الكبائر" (2/ 72، ط. دار الفكر): [تنبيه: عدُّ هذا (أي: من الكبائر) هو صريح هذه الأحاديث، وينبغي حملُهُ ليوافق قواعدنا على ما إذا تحققت الفتنة، أما مع مجرد خشيتها: فهو مكروه، أو مع ظنها: فهو حرام غير كبيرة، كما هو ظاهر] اهـ. كما تنتفي الكراهة عند القائلين بها إن كان عطرُها لحاجة معتبرة؛ لما تقرر في قواعد الفقه: من أن الكراهة تزول بأدنى حاجة، فقد يكون الشيء مكروهًا في أصله، فإذا اقتضته الحاجة انتفت كراهته؛ كما نصَّ عليه الإمامُ ابن مازه الحنفي [ت: 616هـ] في "المحيط البرهاني" (2/ 192، 5/ 403، ط. دار الكتب العلمية)، ونقله العلامة العبدري في "التاج والإكليل" (6/ 153، ط. دار الكتب العلمية) وغيرُه عن الإمام مالك، والإمامُ النووي في "المجموع" (1/ 486، ط. دار الطباعة المنيرية)، والعلامةُ السفاريني الحنبلي في "غذاء الألباب" (2/ 22، ط. مؤسسة قرطبة). والفتنة هنا منوطة بمظنتها؛ حيث نصَّ العلماءُ على أنَّ نهي المرأة عن الخروج للمسجد متعطِّرةً ليس على إطلاقه، ولم يُقْصَدْ به كل الأوقات؛ بل هو محمولٌ على الأوقات التي لا تأمن المرأة فيها على نفسها من الفتنة؛ كأوقاتِ الظُّلَمِ التي تخلو فيه الطرق من المارَّة، ويشهد لذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَصَابَتْ بَخُورًا فَلَا تَشْهَدْ مَعَنَا الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ» أخرجه الإمام مسلم في "الصحيح". ومقتضى هذا الحديث عند بعض العلماء: أن المرأة لو تبخرت في غير وقت الظلمة، مع أمنها من الفتنة وأمنها على نفسها، لم يمنعها ذلك من شهود الصلاة مع الناس جماعةً، والأمر في ذلك يختلف باختلاف الأزمان؛ قال الإمام الباجي في "المنتقى" (1/ 342، ط. دار السعادة): [لأن غالب ما يحضرن من الصلوات ما كان في أوقات الظلمات كالعشاء والصبح لأن ذلك أستر لهن وأخفى لأحوالهن] اهـ. وقال الإمام الطيبي في "الكاشف عن حقائق السنن" (4/ 1130): [خصها بالذكر؛ لأنها وقت الظُّلَمِ وخُلُوِّ الطُّرُق، والعطر مُهَيِّجٌ للشهوة، فلا يُؤْمَنُ مِن المرأة حينئذ من الفتنة، بخلاف الصبح عند إدبار الليل وإقبال النهار؛ فحينئذ تنعكس القضية] اهـ. وقال العلامة ابن ملك الكرماني الحنفي في "شرح المصابيح" (2/ 96، ط. إدارة الثقافة الإسلامية): [خصَّ العشاء الآخرة لأنها وقت انتشار الظلمة فتخلو الطرقات عن الناس، ويستولي الشيطان بوسوسة المنكرات، ويتمكَّن الفجار من قضاء الأوطار، بخلاف النهار؛ فإنه واضح فاضح] اهـ. وقال الإمام البدر العيني في "عمدة القاري" (6/ 159، ط. دار إحياء التراث العربي): [وكذلك قُيِّدَ ذلك في بعض المواضع بالليل؛ ليتحقق الأمن فيه من الفتنة والفساد، وبهذا يُمنَعُ استدلال بعضهم في المنع مطلقًا] اهـ. وقال العلامة علي بن أحمد الصعيدي العدوي المالكي في "حاشيته على شرح مختصر خليل" (2/ 35، ط. دار الفكر): [وشرط العلماء في خروجها أن تكون بليل، وقال بعضهم: لا يكون خروجهن ليلًا وإنما يكون نهارًا، ويمكن اختلاف ذلك باختلاف الأزمان] اهـ. مراعاة العرف في الأحكام الشرعية وأثره في الفتوى بالجملة: فهذه المسألة مبنية على أعراف الناس، والمصلحة الـمُتَوَخَّاةَ فيها: أخذ الزينة عند الصلاة من جهة، وسَدُّ ذريعة الفتنة بها أو عليها من جهة أخرى؛ ولذلك رأى بعض العلماء مشروعية تَطَيُّب المعتكفة في المسجد مع كراهتهم خروجَها متعطرة؛ خشية الفتنة، ولا يخفى تَغَيُّر كثير من الأعراف التي بُنِيَت عليها بعض هذه الأحكام؛ إذ أصبح ارتياد المرأة للمسجد في الأعمّ الأغلب مانعًا مِن تَعَرُّضِ الفُسّاق لها أو فتنتها أو الفتنة بها، ولم تَعُد الفتنةُ عرفًا متحققة بمجرد وضع الطيب، وصار الحفاظ على أمن المرأة وسلامتها خاضعًا لعوامل أخرى أكثر تعقيدًا من العامل الزمني. كما أنَّ المرأةَ لم تَعُد مقصورة على بيتها، بل فرضت عليها طبيعةُ العصر أن تشارك الرجال في الخروج للتعلم والتعليم والعمل وتقلد الوظائف وقضاء المصالح، وصارت موجودةً في الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية، ولم يَعُدْ خروجها للمسجد بخصوصه مظنة فتنة بعد أن خرجت بالفعل لكل مناحي الحياة، وأصبحت طبيعة عملها في كثير من الأحيان تفرض عليها التعامل مع الأصناف المختلفة من البشر، بما يحوجها إلى استعمال الطيب الذي يلائم التعامل البشري ويطيب الأماكن ويزيل آثار الروائح الكريهة، فلم يَعُدْ مقبولًا أن تذهب بطيبها المعتدل إذا أرادت حيث شاءت، ثم تمنع منه عند دخولها للمسجد الذي جاء الأمر باتخاذ الزينة عنده، بل يقال: إنَّ ذهابها إلى المسجد مُتَطَيَّبةً من غير قصد فتنة، ولا مبالغة في نفاذ عطر، هو أمر مقبول مستساغ تطبق به أمر الله تعالى بأخذ الزينة عند كل مسجد، وتتأسى فيه بنساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم والصحابيات رضي الله عنهن في الخروج إلى صلاة العيد بسخابهن وقلادات عطورهن. وقد اتَّسَعت المساجد في هذا العصر، واستقلَّت النساء بأماكنهن ومداخلهن المخصصة لهن فيها، وابتعدن فيها عن الرجال، وذلك يجعل أمرَ فتنة الرجال بهن في خصوص المساجد مستبعدًا. بيان معنى عدم قبول صلاة المرأة التي خرجت إلى المسجد متعطرة أما عدم القبول في قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا تُقْبَلُ صَلَاةُ امْرَأَةٍ تَطَيَّبَتْ لِلْمَسْجِدِ حَتَّى تَغْتَسِلَ غُسْلَهَا مِنَ الْجَنَابَةِ» فهو محمولٌ على نفي الكمال لا على نفي الصحة، وذلك في حالة سوء قصدها، أو تحقق الفتنة أو غلبتها؛ أي: أن صلاتها صحيحة، لكنها ناقصة الأجر حينئذٍ، وكذلك أمرها بالاغتسال: إنما هو لإزالة أثر العطر النَّفَّاذ، وليس المقصود بذلك الجنابة الحقيقية أو رفع الحدث. قال العلامة الحسين المظهري في "المفاتيح شرح المصابيح" (2/ 220، ط. دار النوادر): [معناه: أيُّما امرأةٍ تطيَّبت وخرجت إلى المسجد لا يُقبَل كمالُ صلاتها، ولا يحصل لها فضيلةُ تلك الصلاة حتى ترجعَ فتغتسلَ غُسلًا كغُسل الجنابة، هذا إذا كان طيبُها شيئًا أصاب جميعَ بدنها، فتغسل حتى يزولَ الطِّيبُ من بدنها، وإن كان الطِّيبُ في موضعٍ مغسولٍ تَغسِلُ ذلك الموضعَ فقط] اهـ. وقال العلامة العلامة الكرماني في "شرح المصابيح" (2/ 98): [«غُسْلَهَا» أي: كغسلها «مِنَ الْجَنَابَةِ» ليزول عنها ذلك، هذا إذا طَيَّبَتْ جميع بدنها، وإن طَيَّبَتْ ثيابها تبدِّلها أو تزيل الطّيب عنها، وهذا مبالغة في الزَّجر؛ لأن ذلك يُهَيِّجُ الرغبات ويفتح باب الفتن] اهـ. وقال العلامة ابن حجر الهيتمي في "الزواجر عن اقتراف الكبائر" (2/ 72، ط. دار الفكر): [وليس المرادُ خصوصَ الغسل، بل إذهاب رائحتها] اهـ. وقال العلامة المُنَاوي في "فيض القدير" (1/ 334، ط. المكتبة التجارية): [«إِذا خَرَجَتِ المَرْأَةُ» أي: أرادت الخروج «إِلَى الـمَسْجِدِ» أو غيره بالأولى «فَلْتغْتَسِلْ» ندبًا «مِنِ الطِّيبِ» إن كانت مُتَطَيِّبَة «كَمَا تَغْتَسِلُ مِنَ الجَنابَةِ» إن عمَّ الطيب بدنها، وإلَّا فمحله فقط؛ لحصول المقصود] اهـ. قال العلامة الصنعاني في "التنوير" (2/ 32، ط. مكتبة دار السلام): [«فَلْتغْتَسِلْ مِنِ الطِّيبِ كَمَا تَغْتَسِلُ مِنَ الجَنابَةِ» لئلا تفتن برائحتها من تمرّ بهم، وفيه الأمرُ بسدِّ ذرائع الحرام، وظاهره الوجوب.. ويُحْتَمَلُ أنه خاص بالخروج إلى المسجد؛ لأنَّه محلّ تطهير القلوب، وبرائحة الطيب تفتن القلوب؛ ولأنها تستقر معهم في الصفوف، بخلاف مرورها في الطرقات، إلَّا أنه يؤيد الأول حديث: «إذا استعطرت المرأة»، تقدم، وتشبيهه بغسل الجنابة إما في الإيجاب أو في الكيفية] اهـ مختصرًا. وقال الملا علي القاري في "مرقاة المفاتيح" (3/ 152): [«لَا تُقْبَلُ» أي: قبولًا كاملًا «صَلَاةُ امْرَأَةٍ تَطَيَّبَتْ لِلْمَسْجِدِ» أي: للخروج إلى المسجد، وفي "المصابيح": لهذا المسجد، قال ابن الملك: إشارة إلى جنس المسجد لا إلى مسجد مخصوص «حَتَّى تَغْتَسِلَ غُسْلَهَا» أي: مثل غسلها «مِنَ الْجَنَابَةِ»: بأن تعمّ جميع بدنها بالماء إن كانت طيبت جميع بدنها ليزول عنها الطيب، وأما إذا أصاب موضعًا مخصوصًا فتغسل ذلك الموضع، وإن طَيَّبت ثيابها تبدل تلك الثياب أو تزيله، وهذا إذا أرادت الخروج وإلا فلا] اهـ. الخلاصة أفادت دار الإفتاء في إجابتها عن سؤال: «ما حكم خروج المرأة إلى المسجد متعطرة؟» بأنه جاء الأمر الإلهي بأخذ الزينة عند كل مسجد؛ بما يعمُّ الرجال والنساء، وجاءت السنة النبوية التقريرية بخروج النساء إلى الصلاة بقلائد عطرهن، فيجوز للمرأة وضع الطيب بشرط أمن الفتنة بها أو عليها. وأضافت: وأما أحاديثُ النهي عن خروج المرأة إلى المسجد متعطرة فالمراد بها: النهيُ عن تعطرها بالعطر النفّاذ الزائد عن الحد الذي تقصد به الشهرة، أو لفت النظر إليها؛ فإن ذلك حرام، سواء فعلت ذلك بالعطر أو بغيره من وسائل الزينة التي تلفت الأنظار، واختلاف الفقهاء بين التحريم والكراهة والإباحة أقرب إلى تحقيق المناط منه إلى الخلاف الحقيقي؛ فالتحريم عند قصد الإغواء مع تحقق الفتنة أو ظنّها، والكراهة عند خشيتها، والإباحة عند أمنها، والاستحباب عند الحاجة إلى الطيب لقطع الرائحة الكريهة ونحو ذلك. وأبانت: وأما الأحاديث الواردة في عدم قبول صلاتها فإنما هي في حالة التحريم؛ فهي محمولةٌ على نفي الكمال لا على نفي الصحة؛ أي: أنَّ صلاتها صحيحة، لكنها ناقصة الأجر، وكذلك الحال في أمرها بالاغتسال: إنما هو لإزالة أثر العطر النَّفَّاذ، وليس المقصود بذلك الجنابة الحقيقية أو رفع الحدث عن المرأة.