logo
طفرة سياحية غير مسبوقة في السعودية.. النمو لا يعتمد على الحج فقط

طفرة سياحية غير مسبوقة في السعودية.. النمو لا يعتمد على الحج فقط

الوئاممنذ 2 أيام
تعيش المملكة العربية السعودية طفرة غير مسبوقة في قطاع السياحة خلال عام 2025، مدفوعة بإصلاحات شاملة ضمن رؤية 'السعودية 2030″، وتيسيرات كبيرة في إجراءات التأشيرات، ما ساهم في تدفق ملايين الزوّار من مختلف أنحاء العالم.
وكشفت وزارة السياحة عن إنفاق السياح الدوليين نحو 13.2 مليار دولار في الربع الأول من العام الجاري، بزيادة قدرها 10% مقارنة بالفترة نفسها من عام 2024، في مؤشر واضح على النمو المتسارع للقطاع.
الأرقام الجديدة أظهرت أن عدد الزوار الأجانب تضاعف بأكثر من 102% مقارنة بمستويات ما قبل الجائحة في 2019، وهو معدل يتجاوز بكثير متوسط النمو العالمي الذي لم يتعدّ 3%، ما يضع المملكة في موقع ريادي في مسار التعافي العالمي لقطاع السياحة.
بنية تحتية متطورة وخطط طموحة
ويُعزى هذا النمو المتسارع إلى جملة من العوامل، أبرزها تطوير البنية التحتية، وتوسيع شبكة الخطوط الجوية، وإجراءات التأشيرات الإلكترونية، الأمر الذي جعل السفر إلى المملكة أكثر سهولة وسلاسة من أي وقت مضى.
وتسير هذه التطورات جنبًا إلى جنب مع أهداف رؤية 2030، التي تسعى إلى تقليص الاعتماد على النفط وتنويع مصادر الدخل، حيث تستهدف المملكة استقبال 150 مليون زيارة سنوية بحلول نهاية العقد.
وفي هذا السياق، تتسارع وتيرة المشاريع الكبرى مثل 'نيوم' و'البحر الأحمر' و'العُلا'، والتي تمثل واجهات سياحية متنوعة تجمع بين الحداثة والطبيعة الخلابة والتاريخ العريق، ما يمنح المملكة جاذبية تتجاوز السياحة الدينية.
كما تشهد المناسبات الثقافية مثل مهرجان 'الجنادرية' والاحتفال باليوم الوطني إقبالًا متزايدًا من الزوار الراغبين في التعرف على الثقافة السعودية، إلى جانب استضافة بطولات رياضية عالمية مثل سباقات السيارات والغولف، ما يعزز مكانة المملكة كوجهة سياحية على مدار العام.
مشاريع ترفيهية كبرى وسياحة دينية متجددة
ولا تقتصر جهود المملكة على الترفيه الثقافي والرياضي، بل تمتد إلى مشاريع ترفيهية عملاقة مثل 'مدينة القدية'، التي تطمح لتكون 'أورلاندو الشرق الأوسط' من خلال مدن ألعاب ضخمة ومرافق سياحية حديثة.
ورغم هذا التنوع، تظل السياحة الدينية ركيزة أساسية في المشهد السياحي، حيث يواصل ملايين المسلمين أداء مناسك الحج والعمرة سنويًا، مدعومين بتحسينات لوجستية متقدمة في النقل والإقامة والخدمات.
أثر اقتصادي واسع.. وصورة جديدة للمملكة
هذه الطفرة لا تنعكس فقط في قطاع السياحة، بل تمتد إلى قطاعات أخرى مثل الطيران، والإنشاءات، والضيافة، والتجزئة، حيث تتسابق شركات الطيران في افتتاح مسارات جديدة، وتزدهر الفنادق الفاخرة، فيما تحظى الشركات الصغيرة والمحلية بنصيب متزايد من العائدات.
ويقول مسؤولون حكوميون إن هذه التحولات تؤكد أن رؤية 2030 لا تعيد تشكيل الاقتصاد فحسب، بل تُعيد أيضًا صياغة صورة المملكة عالميًا، خاصة مع انخراط جيل شاب متصل رقميًا في تعزيز التبادل الثقافي والتفاعل مع الزوار الأجانب.
وتبدو الآفاق المستقبلية واعدة، خصوصًا مع استعداد المملكة لاستضافة فعاليات كبرى مثل دورة الألعاب الآسيوية الشتوية 2029، واستمرار ضخ الاستثمارات في البنية التحتية السياحية، ما يكرّس مكانتها كقوة سياحية صاعدة على الخريطة العالمية.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الطاقة السعودية المتجددة والهيدروجين الأخضر فرصة إستراتيجية للمستثمرين العالميين
الطاقة السعودية المتجددة والهيدروجين الأخضر فرصة إستراتيجية للمستثمرين العالميين

الوطن

timeمنذ ساعة واحدة

  • الوطن

الطاقة السعودية المتجددة والهيدروجين الأخضر فرصة إستراتيجية للمستثمرين العالميين

لقد حوّلت رؤية السعودية 2030 المملكة من قوة نفطية عالمية إلى مركز إستراتيجي للطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر، وفي قلب هذا التحول، تقع شركة أكوا باور، الشركة الرائدة في القطاع الخاص، التي تُعدّ خطط تطويرها الطموحة، وانضباطها المالي، وشراكاتها العالمية، مُمكّنًا أساسيًا لأهداف المملكة في مجال إزالة الكربون، بالنسبة للمستثمرين، يُقدّم التفاعل بين نقاط القوة التشغيلية لشركة أكوا باور وطموح المملكة المُوجّه نحو السياسات، حجة قوية لتحقيق عوائد طويلة الأجل، وإن كان ذلك ليس خاليًا من المخاطر. أكوا باور محفز لتحول الطاقة تؤكد نتائج أكوا باور للربع الأول من عام 2025 على مرونتها المالية وقابليتها للتوسع، مع ارتفاع دخل التشغيل بنسبة 116.9% على أساس سنوي ليصل إلى 870 مليون ريال سعودي، وارتفاع صافي الربح بنسبة 44% ليصل إلى 427 مليون ريال، وأثبتت الشركة قدرتها على استثمار خبراتها في تطوير الطاقة المتجددة وإدارة الإنشاءات. تعكس هذه المؤشرات تخصيص أكوا المنضبط لرأس المال، ودورها في توسيع نطاق البرنامج الوطني للطاقة المتجددة (NREP) في المملكة العربية السعودية، والذي تبلغ قيمته 8.3 مليار دولار أمريكي، بحلول عام 2028. يهدف البرنامج الوطني للطاقة المتجددة إلى إضافة 15.000 ميجاوات من الطاقة النظيفة - 12.000 ميجاوات من الطاقة الشمسية و3.000 ميجاوات من طاقة الرياح - إلى الشبكة، مما يُهيئ البنية التحتية اللازمة لإنتاج الهيدروجين الأخضر. يُعد المشروع، وهو مشروع مشترك بقيمة 5 مليارات دولار أمريكي مع شركة إير برودكتس، المشروع الرائد لشركة أكوا، صُمم المشروع لإنتاج 650 طنًا من الهيدروجين الأخضر يوميًا بحلول عام 2026، مستفيدًا من موارد المملكة الوفيرة من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح لتحقيق تكلفة إنتاج مستهدفة تبلغ 2.16 دولارًا للكيلوجرام، وهي تكلفة أقل بكثير من المتوسط العالمي الذي يتراوح بين 2 و7 دولارات للكيلوجرام. بحلول عام 2030، تهدف المملكة إلى إنتاج 15% من الهيدروجين الأزرق في العالم ومليون طن من الهيدروجين الأخضر سنويًا، بدعم من استثمارات مباشرة بقيمة 10 مليارات دولار وشراكات في مجال الطاقة المتجددة بقيمة 30 مليار دولار مع أرامكو وصندوق الاستثمارات العامة. من المتوقع أن ينمو سوق الهيدروجين الأخضر العالمي بمعدل نمو سنوي مركب يتراوح بين 30% و40% حتى عام 2030، مدفوعًا بخفض انبعاثات الكربون في قطاعات مثل النقل، والصلب، والأمونيا، وتُمكِّن المزايا التنافسية للسعودية - انخفاض تكاليف الطاقة المتجددة، والبنية التحتية القائمة، والموقع الجغرافي الاستراتيجي - من الاستحواذ على حصة كبيرة، ويُعد دور أكوا في هذه المنظومة محوريًا، نظرًا لخبرتها في تنفيذ المشروعات واسعة النطاق، وقاعدة أصولها المستهدفة البالغة 250 مليار دولار بحلول عام 2030. نقطة تحول إستراتيجية تُعيد طموحات السعودية في مجال الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر تشكيل أسواق الطاقة النظيفة العالمية، وتُعدّ أكوا باور محور هذا التحول، تُمكّنها القوة المالية للشركة، وشراكاتها التكنولوجية، وتنوعها الجغرافي من الاستفادة من فرص إزالة الكربون. للمستثمرين على المدى الطويل، تُقدّم أكوا باور فرصة فريدة للمشاركة في تحوّل الطاقة، شريطة أن يتبنّوا نهجًا صبورًا ومتنوعًا، يكمن السرّ في الموازنة بين التفاؤل بشأن الرؤية الإستراتيجية للمملكة والحصافة في التعامل مع تقلبات صناعة ناشئة. الاتفاقيات الأخيرة لأكوا باور - مذكرة تفاهم لتصدير الكهرباء المُنتَجة من مصادر الطاقة المتجددة من المملكة إلى أوروبا. - مذكرات تفاهم مع جهات متخصصة في تقنيات الربط الكهربائي. - مذكرات تفاهم مع شركات عالمية رائدة في تقنيات النقل الكهربائي عالي الجهد. - اتفاقية تطوير مشترك مع شركة (EnBW) الألمانية، لتأسيس المرحلة الأولى من «مركز ينبع للهيدروجين الأخضر».

الإيثريوم تقفز 6% بعد إقرار قانون العملات المستقرة التاريخي
الإيثريوم تقفز 6% بعد إقرار قانون العملات المستقرة التاريخي

صحيفة مال

timeمنذ 2 ساعات

  • صحيفة مال

الإيثريوم تقفز 6% بعد إقرار قانون العملات المستقرة التاريخي

ارتفعت عملة الإيثريوم كبير في عطلة الأسبوع، اليوم الأحد، وقفزت بنسبة 5.97% مع توقيع الرئيس الأمريكي دونالد ترمب قانون العملات المستقرة جينيوس Genius Act. ووفقاً لشركة Coin Metrics، ارتفع سعر الإيثريوم بنسبة 5.97% ليصل إلى 3.778.84 دولاراً، متداولًا عند أعلى مستوياته منذ يناير. هذا الارتفاع يأتي مع تزايد الزخم في سوق العملات البديلة، حسبما تناولته CNBC ويأتي هذا الارتفاع بعد أن قامت شركة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب للعملات المشفرة، وورلد ليبرتي، مؤخراً باستثمار كبير في إيثريوم. اقرأ المزيد سجلت العملة المشفرة، التي تبلغ قيمتها السوقية الآن أكثر من 455 مليار دولار، ارتفاعاً بنحو 43% الأسبوعين الماضيين، وهي أكبر نسبة مكاسب لأسبوعين منذ أغسطس 2021. وبلغت المكاسب الشهرية لثاني أكبر عملة مشفرة حتى الآن 45.48%. خطفت العملة المشفرة الأضواء مع توقيع الرئيس الأمريكي دونالد ترمب على مشروع قانون العملات المستقرة، وهو أول قانون رئيسي من نوعه في الولايات المتحدة. 'لقد تعهدتُ بإعادة الحرية والريادة الأمريكية، وجعل الولايات المتحدة عاصمة العملات المشفرة في العالم… يُنشئ قانون جينيوس إطاراً تنظيمياً واضحاً وبسيطاً لتأسيس وإطلاق العنان للوعد الهائل الذي تُقدمه العملات المستقرة المدعومة بالدولار'، قال ترمب عند توقيع القانون. شهدت صناديق المؤشرات المتداولة، التي تتبع سعر الإيثر، تدفقات يومية صافية، يوم الخميس الماضي، فاقت تدفقات صناديق البيتكوين المتداولة لأول مرة على الإطلاق.

مشاركة السوريين في القرار: شرط أساسي لمحاربة الفقر في سورية
مشاركة السوريين في القرار: شرط أساسي لمحاربة الفقر في سورية

قاسيون

timeمنذ 3 ساعات

  • قاسيون

مشاركة السوريين في القرار: شرط أساسي لمحاربة الفقر في سورية

بينما تتجه الأنظار نحو القضاء على الفقر في سورية، تظهر نقاشات حادة في الأوساط الإعلامية والاقتصادية حول الطريق الأمثل لتحقيق التعافي. تتلخص هذه النقاشات في تباين جوهري بين تيارين: أحدهما ينادي بـ«فتح الاقتصاد» وتطبيق مبادئ السوق الحرة، والآخر يرى الحل في سياسات موجهة تتطلب تدخلاً واسعاً من الدولة. يدعو فريق من الاقتصاديين والمسؤولين، بما في ذلك العديد من المسؤولين الاقتصاديين في السلطة الحالية، إلى تبني «نظام سوق حر تنافسي». وتُقدم هذه الرؤية بوصفها تحولاً ضرورياً عن السياسات «الاشتراكية» السابقة المزعومة، مع دعوات واضحة لخصخصة واسعة للأصول العامة وتخفيض الضرائب على المستثمرين. في المقابل، يبرز في المجتمع السوري رأي معاكس قوي يستند إلى النتائج الكارثية لسياسات «التحرير الاقتصادي» التي طُبقت في سورية سابقاً، حيث أسهم التوجه القوي للأسد نحو سياسات السوق المفتوح في أوائل الألفية الجديدة في تفاقم الأوضاع الاجتماعية بشكل كبير، مما كان له دور رئيسي في انفجار الأزمة عام 2011. الفقر في سورية: حقائق وأرقام اليوم يعكس الواقع الاقتصادي والإنساني في سورية اليوم صورة واضحة للفقر المدقع وتبعاته المباشرة، حيث تشير جميع تقارير الأمم المتحدة إلى تدهور غير مسبوق في مستويات المعيشة: اعتباراً من عام 2024، يعيش 90% من السكان، أي نحو 20.7 مليون إنسان، تحت خط الفقر. وتمثل هذه النسبة زيادة كارثية عن 33% قبل عام 2011. ويعيش جزء كبير من السكان (نحو 15.8 مليون إنسان)، في فقر مدقع. وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة، انكمش الناتج المحلي الإجمالي في سورية بشكل حاد، حيث انخفض إلى أقل من نصف قيمته في عام 2010. ويبلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي حالياً 25% فقط من مستواه في عام 2010. ويقدر إجمالي «الناتج المحلي الإجمالي المفقود» من عام 2011 إلى عام 2024 بنحو 800 مليار دولار أمريكي (بأسعار عام 2010)، وهو مبلغ يعادل 35 عاماً من الناتج المحلي الإجمالي للفرد بالمستويات الحالية. فقدت الليرة السورية نحو 99% من قيمتها منذ عام 2011. وبلغ الحد الأدنى الشهري لتكاليف معيشة أسرة سورية مكونة من خمسة أفراد خلال الربع الأول من العام الجاري نحو 8,051,604 ليرة سورية (نحو 895 دولار أمريكي)، بينما لا يزال الحد الأدنى الرسمي للأجور ثابتاً حتى الآن عند 278,910 ليرة سورية شهرياً (نحو 30 دولار). وصلت البطالة في صفوف الشباب إلى نحو 60% بحلول عام 2022. وفُقدت أكثر من 3 ملايين وظيفة خلال السنوات الخمس الأولى من انفجار الأزمة (2011-2016)، مع تقديرات بفقدان 500,000 إلى 600,000 وظيفة سنوياً خلال ذروة سنوات القتال العسكري. ولا تتمكن دخول الأسر السورية حتى اليوم، من مواكبةارتفاع الأسعار سواء من العمل أو التحويلات الخارجية. فوق ذلك، يواجه 89% من السكان انعدام الأمن الغذائي، مع معاناة 60% من انعدام الأمن الغذائي الشديد. ويعتمد 70% على الأقل من السوريين على المساعدات الإنسانية لتلبية احتياجاتهم الأساسية. وبشكل عام، يقدر أن 16.7 مليون شخص (أي ثلاثة أرباع السكان) بحاجة إلى مساعدة إنسانية. وعلى هذا النحو، ارتفعت حالات سوء التغذية الحاد بين الأطفال السوريين بنسبة 48% بين عامي 2021 و2022. ويعاني أكثر من 500,000 طفل دون سن الخامسة من سوء التغذية الذي يهدد حياتهم، مع وجود مليونين آخرين على وشك أن يصبحوا مصابين بسوء التغذية. أما الآثار السلبية القطاعية طويلة الأمد فتعكس صورة أكثر شمولاً، حيث وُلد أكثر من 75% من أطفال سورية البالغ عددهم 10.5 ملايين طفل في ظل الحرب. وتلجأ العديد من الأسر إلى آليات يائسة للتكيف، بما في ذلك عمالة الأطفال والزواج المبكر للفتيات الصغيرات. ولا يزال أكثر من 40% من إجمالي نحو 20,000 مدرسة في البلاد مغلقاً، ما يترك أكثر من 2.4 مليوني طفل خارج الفصول الدراسية وأكثر من مليون طفل معرضين لخطر التسرب. كما دُمر ثلث المراكز والعيادات الصحية بالكامل أو جزئياً، وباتت نصف خدمات الإسعاف غير عاملة. ويفتقر أكثر من نصف السكان (نحو 14 مليون سوري) إلى الوصول الكافي لخدمات المياه والصرف الصحي والنظافة الأساسية. وتعرض أكثر من 50% من محطات معالجة المياه وشبكات الصرف الصحي لأضرار أو أصبحت خارج الخدمة. وباتت القدرة التشغيلية لتوفير المياه النظيفة في محافظات البلاد الأربع عشرة تقل عن 50%، وتنخفض إلى 23% عند انقطاع الكهرباء. أبعاد الفقر السوري: هل الحرب هي السبب الوحيد؟ المستويات الحالية للفقر في سورية ليست مجرد نتيجة للصراع المسلح الذي شهدته البلاد، بل نتاج لعوامل مركبة منها السياسات الاقتصادية المتبعة، والتراجع المتعمد لدور الدولة، وعوامل خارجية مثل العقوبات الاقتصادية، التي تفاعلت معاً لتخلق واقعاً مأساوياً. عندما سرّع الأسد الابن من التوجه النيوليبرالي منذ بداية حكمه، حاملاً شعار الدفع القوي نحو اقتصاد السوق الحر، شهدت البلاد «ثورة مراسيم» تضمنت أكثر من 1200 قانون جديد بهدف «دمج الاقتصاد السوري في التدفقات الاقتصادية العالمية». ونتيجة مباشرة لذلك، انخفضت حصة القطاع العام من الناتج المحلي الإجمالي في سورية إلى الثلث فقط. والأهم من ذلك، أن هذا التحرير الاقتصادي جاء على حساب التصنيع، مفضلاً الأنشطة ذات العائد المرتفع في قطاع الخدمات، مع ذهاب الفوائد إلى النخب الأكثر ثراءً وفساداً في البلاد. بطبيعة الحال، كانت العواقب الاجتماعية لهذا التوجه كارثية - الذي يحاول البعض تصويره اليوم على أنه «حديث وعصري» - كارثية. وعلى وجه التحديد، ارتفعت نسبة السوريين الذين يعيشون تحت خط الفقر الأدنى (دولار واحد في اليوم) من 13.8% في عام 2005 إلى 24% في عام 2010، بينما ارتفعت نسبة من يعيشون تحت خط الفقر الأعلى (2.15 دولار في اليوم) من 30% في 2005 إلى 44% في 2010. وكان خلق فرص العمل ضئيلاً، بمتوسط نمو 0.5% فقط سنوياً بين عامي 2004 و2008، وهو أقل بكثير من 3-4% التي كانت لازمة لاستيعاب الداخلين الجدد إلى سوق العمل. وكان هذا «الإصلاح» المزعوم بمثابة برنامج اقتصادي نيوليبرالي ضيق أعطى الأولوية لمعدلات النمو على التوزيع العادل. ومن السمات البارزة للسياسات النيوليبرالية التي اتبعت في سورية قبل الحرب وأثناءها كان تخفيض الدعم الحكومي للسلع الأساسية وتقليص الإنفاق الاجتماعي. ففي عام 2008 مثلاً، أقدمت الحكومة على رفع الدعم عن المشتقات النفطية بشكل حاد، ما أدى إلى زيادة سعر وقود الديزل بنسبة 257% دفعة واحدة. وترتب على ذلك ارتفاع كبير في تكاليف الإنتاج الزراعي والصناعي، حيث وجدت شريحة واسعة من المزارعين والصناعيين نفسها عاجزة عن تحمل تكاليف الوقود اللازمة لتشغيل معداتها. وانعكس هذا القرار سريعاً على أسعار السلع الأساسية التي قفزت إلى مستويات غير مسبوقة، مما أدى إلى موجة غلاء أثقلت كاهل المواطنين وبخاصة الفقراء. وبالمثل، شهدت الخدمات العامة تراجعاً ملحوظاً في مستواها وتغطيتها نتيجة «تقشف» الدولة في الإنفاق الاجتماعي. فقد انخفض الإنفاق الحكومي على الصحة مثلاً إلى نحو 0.4% فقط من الناتج المحلي قبل عام 2010، وهو رقم متدنٍ للغاية مقارنة بالمعدلات العالمية (التي تتراوح عادة بين 5% و12%). وينطبق الأمر نفسه على قطاع التعليم الذي شهد ازدحاماً في المدارس الحكومية وضعفاً في جودتها، في وقت لم يكن معظم السوريين قادرين على تحمل كلفة التعليم الخاص. هذه السياسات - التي جاءت بإيحاء من توجهات اقتصاد السوق والرغبة في تقليص دور الدولة - أسهمت بشكل مباشر في زيادة معدلات الفقر قبل الحرب، رغم ما أظهرته الأرقام الكلية من نمو اقتصادي في تلك الفترة. وهذا يدل على أن ثمار ذلك النمو لم تصل إلى معظم الشعب، بل تركزت في يد نخبة اقتصادية ضيقة استفادت من الخصخصة والانخراط في شبكات الفساد. وهكذا أسهمت هذه السياسات في تفكيك كثير من مقومات شبكة الأمان الاجتماعي التي كانت تحمي السوريين. خطوات عملية لمحاربة الفقر في ضوء ما ذكرناه، يبدو واضحاً أن القضاء على الفقر في سورية لن يتحقق بمجرد نمو اقتصادي عابر أو وعود نظرية، بل يحتاج إلى رؤية وطنية شاملة تعالج جذور المشكلة وتتبنى نموذجاً سورياً خاصاً يضع مصلحة السوريين في صدارة الأولويات. حيث أثبتت التجربة السورية خلال العقود الماضية أن ترك الأمور لقوى السوق والاعتماد على جهاز دولة مترهل دون إصلاح، كلاهما طريقان مسدودان. وعليه، فإن المقاربة العملية للقضاء على الفقر يجب أن تقوم على دور قوي وفعال للدولة من جهة، وعلى إعادة توجيه دفة الاقتصاد نحو تلبية احتياجات المجتمع وتحقيق العدالة الاجتماعية من جهة أخرى. لا غنى عن دور محوري للدولة في المرحلة المقبلة لضمان توجيه الموارد نحو أولويات إعادة الإعمار والتنمية البشرية. وهذا لا يعني العودة إلى اقتصاد مغلق مزعوم، بل المقصود أن تكون الدولة مخططاً ومنظماً رئيسياً يحدد القطاعات الاستراتيجية التي يجب النهوض بها ويحفز الاستثمار فيها دون التفريط بها، ويعيد بناء البنية التحتية المدمرة. الدولة القوية والعادلة هي وحدها التي تستطيع وقف الاحتكارات وضبط الأسواق ومكافحة الفساد وتبديد الموارد. وفي الحالة السورية، ينبغي على الدولة استعادة دورها في التخطيط الاقتصادي طويل المدى لضمان تنويع الاقتصاد وإيجاد فرص عمل منتجة، بدلاً من تركز النشاط في التجارة والأنشطة الريعية. ومن أجل تحقيق عدالة اجتماعية حقيقية والتخفيف الفوري من معاناة السوريين الأكثر فقراً، لا بد من اعتماد سياسات صريحة لإعادة توزيع الدخل والثروة داخل المجتمع السوري. لقد أدت سنوات الحرب والفساد إلى تراكم الثروة لدى فئة ضيقة من المنتفعين الفاسدين، فيما انزلقت الغالبية العظمى إلى ما دون خط الفقر. وعليه، ينبغي أن تتضمن الرؤية لسورية الجديدة إجراءات مثل إصلاح النظام الضريبي ليصبح تصاعدياً بحق، يفرض ضرائب أعلى على الشركات الكبرى وأصحاب الدخل المرتفع، مقابل تخفيف العبء عن الفقراء ومحدودي الدخل. كما يتعين مكافحة التهرب الضريبي الذي حرم الخزينة من موارد كانت كفيلة بتمويل برامج اجتماعية مهمة، والوقف الفوري لجميع عمليات تبديد مصادر إيرادات الدولة التي تصاعدت مؤخراً. لا يمكن كسر حلقة الفقر السوري دون رفع فعلي لمستويات دخل الأسر السورية، وبخاصة شريحة العاملين بأجر. فالأجور الحالية - حتى بعد الزيادات المتتالية التي أعلنت خلال السنوات الماضية - تلتهمها ارتفاعات الأسعار السريعة التي لا يوجد من يضبطها اليوم. الطريق نحو القضاء على الفقر في سورية يتطلب نهجاً متكاملاً ومدروساً يضع العدالة الاجتماعية في صلب أولوياته. ولا يمكن تحقيق ذلك إلا من خلال دور قوي وفعال للدولة، ليس كجهة تتخلى عن المسؤولية الاقتصادية، بل كمهندس لإعادة بناء الاقتصاد وحماية مواطنيها. من يريد أن ينتشل المواطنين حقاً من الفقر، فهو محكوم بأن يركز جهوده على إعادة توزيع الثروة لصالح الغالبية المنهوبة، ورفع القوة الشرائية الفعلية للأجور، ودعم الإنتاج المحلي السوري وتطويره لحماية الصناعات الوطنية واستعادة عوامل الاكتفاء الذاتي. كما أن بناء الثقة بين الدولة والمواطنين، لا يمكن أن ينجز دون ضمان مستوى عال من الرقابة الشعبية والمشاركة المجتمعية الواسعة في صنع القرار الاقتصادي. وفي حين أن رفع العقوبات الاقتصادية الدولية يمكن أن يساهم نظرياً في تسهيل حياة السوريين، إلا أن النجاح في النهاية يعتمد بشكل أساسي على التغيير الداخلي الجذري، والقطع تماماً مع سياسات السلطة السابقة التي جرّفت جهاز الدولة السوري. سورية بحاجة ماسة إلى التحول من نموذج اقتصادي يخدم النخب إلى نموذج يعزز النمو الشامل، حيث تقاس الإنجازات الاقتصادية بمدى تحسينها لمعيشة السوريين. والفشل في تبني هذا النهج الشامل والموجه نحو العدالة الاجتماعية سيؤدي إلى استمرار دورة الفقر وعدم الاستقرار، مع تداعيات كارثية على الأجيال القادمة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store