
حكم إجهاض الجنين قبل وبعد نفخ الروح لوجود تشوهات خلقية.. الإفتاء تجيب
وأجابت الإفتاء عن السؤال قائلة: إن «الإجهاض» بعد نفخ الروح في الجنين لا يجوز بأي حال من الأحوال إلا في حالة واحدة فقط وهي «الضرورة الشرعية».
وأوضحت أن هذه الضرورة تُقدّر من قِبل طبيب مسلم عادل موثوق في رأيه، فإن قرر هذا الطبيب أن استمرار الحمل سيُعرض الأم إلى خطرٍ حقيقيٍ على حياتها أو سيؤدي إلى «استئصال رحمها» أو يُصيبها بعجز دائم أو مرض عضال لا يُرجى شفاؤه، فإن الشريعة الإسلامية في هذه الحالة تُجيز الإجهاض وتعتبره من باب دفع الضرر الأكبر بضرر أصغر.
ولفتت إلى أن هذه القاعدة الفقهية تنطلق من مبدأ حفظ النفس الذي يُعد من أهم مقاصد الشريعة الإسلامية، فحياة الأم التي هي أصل في الوجود تُقدَّم على حياة الجنين الذي لم يُولد بعد، طالما أن بقاءه يمثل تهديدًا وجوديًا لها.
حكم الاجهاض بعد نفخ الروح بسبب تشوهات الجنين
وأوضحت الإفتاء ان «تشوه الجنين»، لا يبرر الإقدام على «الإجهاض»، فالجنين حتى وإن كان مشوهًا فإن له كرامة الإنسان الكامل مادام حيًا في رحم أمه، ولا يجوز إسقاطه لمجرد العيوب الخَلقية أو لأن الأطباء يتوقعون عدم استمراره في الحياة بعد الولادة، فالقاعدة الشرعية تنص على أن اليقين لا يزول بالشك، واحتمالية موت الجنين لا تُعتبر يقينًا يُجيز القتل أو الإجهاض.
وبينت أن العلماء أجمعوا على أن الجنين إذا بلغ من العمر في بطن أمه «120 يومًا» وهي المدة التي تُعرف بنفخ الروح فيه، فإنه يُصبح في حكم النفس البشرية الكاملة، ويُحرَّم «الإجهاض» حينها تحريمًا قاطعًا لا جدال فيه، بل ويُعد قتلًا للنفس التي حرَّم الله قتلها إلا بالحق.
واستشهدت بعدد من الآيات القرآنية الواضحة منها قوله تعالى: «وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ» في سورة الأنعام، وقوله سبحانه: «وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ» في سورة الإسراء، مشيرة إلى أن هذه النصوص تقطع بحرمة «الإجهاض» بعد هذه المرحلة إلا إذا توافرت الضرورة كما سبق.
واضافت: أما إذا لم يبلغ عمر الجنين 120 يومًا بعد، فهنا يوجد خلاف فقهي بين المذاهب الإسلامية، حيث ذهب بعض العلماء إلى تحريم «الإجهاض» مطلقًا حتى في هذه المرحلة، وهو ما ذهب إليه المالكية والظاهرية، بينما رأى بعض الفقهاء الكراهة في الإجهاض مطلقًا دون اعتبار للظروف، وهو رأي بعض فقهاء المالكية، ومنهم من أجاز الإجهاض قبل نفخ الروح إذا وجد عذر معتبر، وهذا رأي بعض الأحناف والشافعية.
ورغم هذا الخلاف، فإن الرأي الراجح والمُعتمد في الفتوى هو «تحريم الإجهاض مطلقًا» سواء تم قبل أو بعد نفخ الروح، إلا إذا وُجدت ضرورة شرعية قائمة تستند إلى رأي طبي موثوق، وهو ما يُمثل توازنًا بين رأي الشرع وتقدير الواقع.
وشددت الإفتاء على أن «الإجهاض» لا يجوز إلا في حالات الضرورة، وهذه الضرورة يجب أن تُثبت طبيًا بشكل قاطع، ولا يجوز للأم أو للأسرة اتخاذ قرار الإجهاض لمجرد التخوف أو اليأس أو تشخيص غير دقيق، فحياة الجنين لا تُقاس بجودة حياته أو مدى سلامة أعضائه، وإنما تُقاس بوجوده نفسه، وإذا كانت ولادته صعبة أو معقدة فهذا ليس مبررًا كافيًا للجوء إلى الإجهاض، طالما يمكن توليد الأم بطريقة قيصرية أو جراحية دون المساس بحياتها.
وأكدت انه لا يجوز قتل الطفل المشوه بعد ولادته بدعوى إعاقته، فكذلك لا يجوز إسقاط الجنين المشوه في رحم أمه لهذا السبب، لأن كليهما يُعد حيًا ويتنفس ويتحرك ويتغذى، ومن ثم فإن كرامة الحياة لا تنتقص بسبب وجود خلل عضوي أو تشوه خلقي.
و شددت الإفتاء فى ختام فتواها على أن «الإجهاض» ليس قرارًا شخصيًا تتخذه المرأة وحدها، وإنما هو أمر يرتبط بحياة إنسان آخر في رحمها، ولذا يجب أن يُتخذ بناء على مشورة أهل العلم والدين والطب، وعلى أساس الضرورة الملحة وليس على مجرد الظنون والتوقعات.
وذكرت أن الشريعة الإسلامية تحترم العلم وتُقدره ولكنها في الوقت نفسه لا تُخضع حياة الإنسان لمجرد التنبؤات، لذلك فإن قرارات مثل الإجهاض يجب أن تتم وفق ضوابط دقيقة تحفظ التوازن بين «كرامة الجنين» و«حياة الأم»، وتُراعي المقاصد العليا للإسلام.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


صدى البلد
منذ 2 ساعات
- صدى البلد
هل ملامسة الكلاب تنقض الوضوء؟.. الإفتاء تجيب
قالت الدكتورة زينب السعيد، أمينة الفتوى في دار الإفتاء المصرية، إن تربية الحيوانات الأليفة مثل القطط والكلاب والعصافير لا تنقض الوضوء في ذاتها، ولا تؤثر على طهارة الإنسان ما لم يلامس شيئًا نجسًا من هذه الحيوانات كفضلاتها أو بولها. هل ملامسة القطط تنقض الوضوء؟ وأضافت أمينة الفتوى في دار الإفتاء المصرية، خلال تصريحات تلفزيونية، اليوم الأحد، أن القطة تحديدًا حيوان طاهر في ذاته، ويجوز الوضوء والشرب من الماء الذي شربت منه، مستشهدة بحديث النبي ﷺ عندما قال عن القطط: "إنها ليست بنجس، إنها من الطوافين عليكم والطوافات"، كما روته السيدة كبشة بنت كعب عندما رأت الصحابي أبا قتادة يُميل الإناء لتشرب القطة. وأشارت أمينة الفتوى في دار الإفتاء إلى أن الإسلام دين يسر ورحمة، وقد أباح لنا التعامل مع هذه الحيوانات ورعايتها، بل وجعل في ذلك أجرًا ورحمة، موضحة أن مجرد ملامسة الحيوان الأليف أو حمله لا يُبطل الوضوء، سواء كان قطة أو عصفورًا أو الكلاب غيرها. هل فضلات الحيوانات تنقض الوضوء؟ أما عن فضلات الحيوانات وبولها، فقد أكدت أمينة الفتوى في دار الإفتاء أنها نجسة شرعًا، فإذا لامست يد الإنسان أو ثيابه، فيجب عليه غسل الموضع المتنجس، لكن لا يُشترط إعادة الوضوء، لأن النجاسة لا تنقض الوضوء بذاتها، إنما تنجس الموضع فقط، ويكفي تطهيره بالماء. وتابعت أن التعامل مع الحيوانات الأليفة أمر جائز شرعًا طالما لا يترتب عليه ضرر صحي أو مادي، وأن الإنسان إذا لمسها أو تعامل معها لا يُطلب منه إعادة وضوئه، وإنما فقط تنظيف موضع النجاسة إن وُجدت، وهذا من سماحة الشريعة ويسرها في التعامل مع المخلوقات. هل الكلام البذيء ينقض الوضوء؟ قالت الدكتورة زينب السعيد، أمينة الفتوى في دار الإفتاء المصرية، إن ما يصدر من الإنسان من ألفاظ نابية أو شتائم في لحظة غضب لا يُعد في ذاته ناقضًا الوضوء من الناحية الفقهية، لأن نواقض الوضوء معروفة وهي ما يخرج من السبيلين أو ما في معناهما. وأوضحت أمينة الفتوى في دار الإفتاء، خلال تصريحات تلفزيونية، اليوم الأحد، أن النبي ﷺ أرشدنا إلى أن المؤمن لا يكون فاحشًا ولا بذيئًا ولا لعانًا، فقال: "ليس المؤمن باللعان ولا الطعان ولا الفاحش ولا البذيء"، فالأصل في المسلم أن يحفظ لسانه، خاصة في الخلافات والمشاحنات، موضحة أن الله سبحانه وتعالى أمرنا في كتابه الكريم: {ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم}. وأشارت أمينة الإفتاء إلى قول عبد الله بن عباس رضي الله عنه: "الحدث حدثان: حدث الفرج وحدث اللسان، وحدث اللسان أشد وأعظم"، وهذا المعنى يدل على أن ما يصدر من اللسان قد يكون أشد في الأثر من الحدث الذي ينقض الوضوء. هل التلفظ بألفاظ نابية يبطل الوضوء؟ وتابعت أمينة الفتوى في بدار الإفتاء أن فقهاء الشافعية وغيرهم استحبوا للإنسان إذا صدر منه مثل هذا الكلام السيء أو الكذب أو الغيبة أو السباب أن يجدد وضوءه، ليس لأنه انتقض، بل لأنه يهيئ نفسه للطهارة الكاملة، طهارة البدن مع طهارة القلب، ليقف بين يدي الله في صلاته بقلب خاشع ولسان طاهر. وأكدت أمينة الإفتاء أن هذا الأمر من باب الاستحباب والحرص على نقاء الظاهر والباطن، وليس من باب الفرض أو الوجوب، فمن صدر منه لفظ سيء فليستغفر الله، ويجدد وضوءه إن شاء ليستعيد صفاء قلبه ونقاء جوارحه.


صدى البلد
منذ 2 ساعات
- صدى البلد
حكم وضع العطر للنساء خارج المنزل .. دار الإفتاء تحدد الضوابط الشرعية
حكم وضع العطر للنساء خارج المنزل ما حكم وضع المرأة للعطر خارج المنزل ؟ يجوز للمرأة وضع العطر عند ذهابها للمسجد بشرط أمن الفتنة، فلا مانع من وضع العطر للنساء بالضوابط الشرعية، وجاءت السنة النبوية التقريرية بخروج النساء إلى الصلاة بقلائد عطرهن. وأما أحاديثُ النهي عن خروج المرأة إلى المسجد متعطرة فالمراد بها: النهيُ عن تعطرها بالعطر النفّاذ الزائد عن الحد الذي تقصد به الشهرة، أو لفت النظر إليها؛ فإن ذلك حرام، سواء فعلت ذلك بالعطر أو بغيره من وسائل الزينة التي تلفت الأنظار، والاختلاف بين الفقهاء بين التحريم والكراهة والإباحة ليس حقيقيًّا؛ فالتحريمُ عند قصد الإغواء مع تحقق الفتنة أو ظنها، والكراهة عند خشيتها، والإباحة عند أمنها، والاستحباب عند الحاجة إلى الطيب لقطع الرائحة الكريهة ونحو ذلك. وأما الأحاديث الواردة في عدم قبول صلاتها فإنما هي في حالة التحريم، وهي محمولةٌ على نفي الكمال لا على نفي الصحة؛ أي: أنَّ صلاتها صحيحة، لكنها غير كاملة الأجر، وكذلك الحال في أمرها بالاغتسال: إنما هو لإزالة أثر العطر النَّفَّاذ، وليس المقصودُ بذلك الجنابة الحقيقية أو رفع الحدث عن المرأة. هل يجوز للمرأة وضع العطر خارج المنزل؟ وأوضح الدكتور علي فخر، أن الأصل في وضع العطر للمرأة مرتبط بمدى ظهور رائحته للآخرين، قائلا: «إذا كان العطر الذي تضعه المرأة له رائحة فواحة يشمّها المارّون بجوارها، فلا يجوز لها شرعًا أن تتعطر به خارج المنزل، لأن في ذلك نوع من التبرج المنهي عنه». وأضاف أن استخدام المرأة لمزيل العرق أو ما يذهب الرائحة الكريهة، بشرط ألا يكون له أثر رائحة ظاهر لمن حولها، فلا مانع منه شرعًا، مؤكدا أن «الضابط في هذا الأمر ألا تكون الرائحة فواحة أو ظاهرة للغير». وأكد ضرورة التزام النساء بضوابط الشريعة وآداب الإسلام عند الخروج من المنزل، مشددًا على أن الحفاظ على الحياء والستر من سمات المرأة المسلمة. حكم خروج المرأة إلى المسجد متعطرة إذا خرجت المرأة من بيتها متعطرة للمسجد أو لغيره، وكانت تقصد بعطرها أو زينتها فتنةَ الرجال أو لفتَ الأنظار إليها أو الشهرةَ بذلك: صار تعطرها وتزينها حرامًا؛ لأجل سوء القصد والرياء، والمباهاة والخيلاء، لا لخصوص العطر والزينة، فالتحريم هنا منوط بنيتها لا بزينتها، وبقصدها لا بطيبها، وقد يُستَدَلُّ على سوء القصد: بالمبالغة في البهرجة والزينة والعطر؛ كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه في المرأة التي كان ينفح عطرها ولذيلها إعصار. فإذا سَلِمَ قصدُها، وانتفى خوفُ الأذى: فجمهور العلماء على أن خروجها للمسجد متعطرة ليس حرامًا، ثم منهم من رآه مكروهًا؛ سدًّا للذريعة، ومنهم من نص على الإباحة من غير كراهة. فأما المالكية: فقد قال العلامة ابن رشد المالكي في "البيان والتحصيل" (17/ 624): [سئل (أي: الإمام مالك) عما يجعله النساء في أرجلهن من الخلاخل، وهن إذا مشين بها سمعت قعقعتها، فرأى ترك ذلك أحب إليه من غير تحريم؛ لأن الذي يحرم عليهن: إنما هو ما جاء النهي فيه من أن يقصدن إلى إسماع ذلك وإظهاره من زينتهن لمن يخطرن عليه من الرجال؛ قال الله عزَّ وجلَّ: ﴿وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ﴾ [النور: 31]. ومن هذا المعنى: ما رُوِيَ من أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ اسْتَعْطَرَتْ، فَمَرَّتْ بِقَوْمٍ لِيَجِدُوا رِيحَهَا، فَهِيَ زَانِيَةٌ»] اهـ. والمشهور عند المالكية إباحة تطيب المعتكفة في المسجد، وهو الذي نقله صاحب كتاب "المجموعة" عن مذهب الإمام مالك، وهذا يقتضي جواز خروجها للمسجد متطيبةً بلا كراهة. قال العلامة سيدي خليل المالكي في "التوضيح في شرح مختصر ابن الحاجب" (2/ 473، ط. مركز نجيبويه): [ابن وهب عن مالك: ولا يُكْرَهُ للمعتكفة أن تتزين وتلبس الحي، وذكر حمديس أنها لا تتطيب، وفي "المجموعة" خلافه] اهـ بتصرف. وصاحب "المجموعة" هو الإمام الفقيه محمد بن إبراهيم بن عبدوس القيرواني [ت: 260هـ]، من أئمة المالكية في وقته، وكتابه "المجموعة في مذهب مالك وأصحابه" من الكتب المعتمدة في المذهب؛ فقد "كان صحيح الكتاب، حسن التقييد، عالِمًا بما اختلف فيه أهل المدينة وما اجتمعوا عليه". كما يقول القاضي عياض في "ترتيب المدارك" (4/ 223-225، ط. مطبعة فضالة)، ولما تصفح الإمام محمد بن عبد الله بن عبد الحكم كتابَه قال: "هذا كتاب رجل أتى بعلم مالك على وجهه"؛ كما في "ترتيب المدارك" (4/ 206). وقال العلامة العدوي في "حاشيته على شرح مختصر خليل" للخرشي (2/ 276، ط. دار الفكر): [واختلف في المعتكفة فقال عنه ابن وهب: لا يكره للمعتكفة أن تتزين وتلبس الحلي، وذكر أنها لا تتطيب، وفي "المجموعة": أن المعتكفة تتطيب] اهـ. وقال العلامة الدسوقي في "حاشيته على الشرح الكبير" (1/ 549، ط. دار الفكر): [(قوله وتطيبه)، أي: جاز تطيب المعتكف بأنواع الطيب في ليل أو نهار؛ سواء كان رجلا أو امرأة، وهذا هو المشهور خلافًا لحمديس القائل بكراهته في حقهما اهـ شيخنا العدوي] اهـ. وأما الشافعية: فقال العلامة القسطلاني في "إرشاد الساري" (2/ 220، ط. الأميرية): [يُسْتَحَبُّ حضور العجائز، وغير ذوات الهيئات بإذن أزواجهن.. وليلبسن ثياب الخدمة، ويتنظفن بالماء من غير تطييب ولا زينة؛ إذ يكره لهن ذلك، أما ذوات الهيئات والجمال فيكره لهن الحضور] اهـ بتصرف يسير. وقال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري الشافعي في "أسنى المطالب" (1/ 269، ط. دار الكتاب الإسلامي): [(فرع: لا بأس بحضور العجائزِ) الجمعةَ، بل يُستَحَب لهن ذلك (بإذن الأزواج، وليحترزن من الطيب والزينة) أي يُكرهان لهن؛ لخبر مسلم: «إِذَا شَهِدَتْ إِحْدَاكُنَّ الْمَسْجِدَ فَلَا تَمَسَّ طِيبًا»، وخبر أبي داود بإسناد صحيح: «لَا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللهِ مَسَاجِدَ اللهِ، وَلَكِنْ لِيَخْرُجْنَ وَهُنَّ تَفِلَاتٌ» بفتح التاء وكسر الفاء؛ أي: تاركات للطيب والزينة ولخوف المفسدة، فإن لم يحترزن من الطيب أو الزينة: كُره لهن الحضور] اهـ. وقال أيضًا في "الغرر البهية شرح البهجة الوردية" (1/ 404، ط. المطبعة الميمنية): [وإذا أرادت المرأةُ الحضورَ كُرِهَ لها الطيبُ، وفاخرُ الثياب] اهـ، وقال فيها أيضًا (2/ 32): [(وإن يكن لباسُها مشهورًا، أو صَحِبَتْ طِيبًا، فلا حضورًا) أي يُكره لها الحضور، وإن أَذِنَ لها زوجها] اهـ. ونص فقهاء الشافعية على أنه يُستثنَى مِن الكراهة ما تضعه المرأة مِن الطيب لدفع الروائح الكريهة؛ فخروجها للمسجد متعطرة لهذا الغرض جائز شرعًا: قال العلامة الرملي الشافعي في "نهاية المحتاج" (2/ 340، ط. دار الفكر): [أما المرأة فيُكرَه لها الطيبُ والزينةُ وفاخرُ الثياب عند إرادتِها حضورَها، نعم، يُسَنُّ لها قطعُ الرائحة الكريهة] اهـ. قال العلامة الشَّبْرَامَلِّسيُّ في "حاشيته" عليه: [(نعم، يسن لها قطع الرائحة الكريهة) أي: وإن ظهر لِمَا تُزِيل به ريحٌ؛ حيث لم يتأتَّ إلا به] اهـ. وأما الحنابلة: فبوب الحافظ الضياء المقدسي الحنبلي [ت: 643هـ] في كتابه "السنن والأحكام عن المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام" بقوله (1/ 361، ط. دار ماجد): (باب في كراهية منع النساء المساجد وكراهية الطيب لهن إِذا خرجن إليها) اهـ. وقال العلامة ابن مفلح الحنبلي في "الفروع" (2/ 458، ط. مؤسسة الرسالة): [وذكر جماعة: يُكرَه تطيبها لحضور المسجد وغيره، وتحريمه أظهر؛ لما تقدم، وهو ظاهر كلام جماعة] اهـ. وليس هذا اختلافا حقيقيًّا بقدر ما هو تحقيقٌ لمناط الفتنة بهن أو عليهن؛ فالتحريم عند قصد الإغواء مع تحقق الفتنة أو غلبة الظن بها، والكراهة عند خشية الفتنة، والإباحة عند أمن الفتنة، والاستحباب عند الحاجة إلى الطيب لقطع الرائحة الكريهة ونحو ذلك. قال العلامة ابن حجر الهيتمي في "الزواجر عن اقتراف الكبائر" (2/ 72، ط. دار الفكر): [تنبيه: عدُّ هذا (أي: من الكبائر) هو صريح هذه الأحاديث، وينبغي حملُهُ ليوافق قواعدنا على ما إذا تحققت الفتنة، أما مع مجرد خشيتها: فهو مكروه، أو مع ظنها: فهو حرام غير كبيرة، كما هو ظاهر] اهـ. كما تنتفي الكراهة عند القائلين بها إن كان عطرُها لحاجة معتبرة؛ لما تقرر في قواعد الفقه: من أن الكراهة تزول بأدنى حاجة، فقد يكون الشيء مكروهًا في أصله، فإذا اقتضته الحاجة انتفت كراهته؛ كما نصَّ عليه الإمامُ ابن مازه الحنفي [ت: 616هـ] في "المحيط البرهاني" (2/ 192، 5/ 403، ط. دار الكتب العلمية)، ونقله العلامة العبدري في "التاج والإكليل" (6/ 153، ط. دار الكتب العلمية) وغيرُه عن الإمام مالك، والإمامُ النووي في "المجموع" (1/ 486، ط. دار الطباعة المنيرية)، والعلامةُ السفاريني الحنبلي في "غذاء الألباب" (2/ 22، ط. مؤسسة قرطبة). والفتنة هنا منوطة بمظنتها؛ حيث نصَّ العلماءُ على أنَّ نهي المرأة عن الخروج للمسجد متعطِّرةً ليس على إطلاقه، ولم يُقْصَدْ به كل الأوقات؛ بل هو محمولٌ على الأوقات التي لا تأمن المرأة فيها على نفسها من الفتنة؛ كأوقاتِ الظُّلَمِ التي تخلو فيه الطرق من المارَّة، ويشهد لذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَصَابَتْ بَخُورًا فَلَا تَشْهَدْ مَعَنَا الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ» أخرجه الإمام مسلم في "الصحيح". ومقتضى هذا الحديث عند بعض العلماء: أن المرأة لو تبخرت في غير وقت الظلمة، مع أمنها من الفتنة وأمنها على نفسها، لم يمنعها ذلك من شهود الصلاة مع الناس جماعةً، والأمر في ذلك يختلف باختلاف الأزمان؛ قال الإمام الباجي في "المنتقى" (1/ 342، ط. دار السعادة): [لأن غالب ما يحضرن من الصلوات ما كان في أوقات الظلمات كالعشاء والصبح لأن ذلك أستر لهن وأخفى لأحوالهن] اهـ. وقال الإمام الطيبي في "الكاشف عن حقائق السنن" (4/ 1130): [خصها بالذكر؛ لأنها وقت الظُّلَمِ وخُلُوِّ الطُّرُق، والعطر مُهَيِّجٌ للشهوة، فلا يُؤْمَنُ مِن المرأة حينئذ من الفتنة، بخلاف الصبح عند إدبار الليل وإقبال النهار؛ فحينئذ تنعكس القضية] اهـ. وقال العلامة ابن ملك الكرماني الحنفي في "شرح المصابيح" (2/ 96، ط. إدارة الثقافة الإسلامية): [خصَّ العشاء الآخرة لأنها وقت انتشار الظلمة فتخلو الطرقات عن الناس، ويستولي الشيطان بوسوسة المنكرات، ويتمكَّن الفجار من قضاء الأوطار، بخلاف النهار؛ فإنه واضح فاضح] اهـ. وقال الإمام البدر العيني في "عمدة القاري" (6/ 159، ط. دار إحياء التراث العربي): [وكذلك قُيِّدَ ذلك في بعض المواضع بالليل؛ ليتحقق الأمن فيه من الفتنة والفساد، وبهذا يُمنَعُ استدلال بعضهم في المنع مطلقًا] اهـ. وقال العلامة علي بن أحمد الصعيدي العدوي المالكي في "حاشيته على شرح مختصر خليل" (2/ 35، ط. دار الفكر): [وشرط العلماء في خروجها أن تكون بليل، وقال بعضهم: لا يكون خروجهن ليلًا وإنما يكون نهارًا، ويمكن اختلاف ذلك باختلاف الأزمان] اهـ. مراعاة العرف في الأحكام الشرعية وأثره في الفتوى بالجملة: فهذه المسألة مبنية على أعراف الناس، والمصلحة الـمُتَوَخَّاةَ فيها: أخذ الزينة عند الصلاة من جهة، وسَدُّ ذريعة الفتنة بها أو عليها من جهة أخرى؛ ولذلك رأى بعض العلماء مشروعية تَطَيُّب المعتكفة في المسجد مع كراهتهم خروجَها متعطرة؛ خشية الفتنة، ولا يخفى تَغَيُّر كثير من الأعراف التي بُنِيَت عليها بعض هذه الأحكام؛ إذ أصبح ارتياد المرأة للمسجد في الأعمّ الأغلب مانعًا مِن تَعَرُّضِ الفُسّاق لها أو فتنتها أو الفتنة بها، ولم تَعُد الفتنةُ عرفًا متحققة بمجرد وضع الطيب، وصار الحفاظ على أمن المرأة وسلامتها خاضعًا لعوامل أخرى أكثر تعقيدًا من العامل الزمني. كما أنَّ المرأةَ لم تَعُد مقصورة على بيتها، بل فرضت عليها طبيعةُ العصر أن تشارك الرجال في الخروج للتعلم والتعليم والعمل وتقلد الوظائف وقضاء المصالح، وصارت موجودةً في الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية، ولم يَعُدْ خروجها للمسجد بخصوصه مظنة فتنة بعد أن خرجت بالفعل لكل مناحي الحياة، وأصبحت طبيعة عملها في كثير من الأحيان تفرض عليها التعامل مع الأصناف المختلفة من البشر، بما يحوجها إلى استعمال الطيب الذي يلائم التعامل البشري ويطيب الأماكن ويزيل آثار الروائح الكريهة، فلم يَعُدْ مقبولًا أن تذهب بطيبها المعتدل إذا أرادت حيث شاءت، ثم تمنع منه عند دخولها للمسجد الذي جاء الأمر باتخاذ الزينة عنده، بل يقال: إنَّ ذهابها إلى المسجد مُتَطَيَّبةً من غير قصد فتنة، ولا مبالغة في نفاذ عطر، هو أمر مقبول مستساغ تطبق به أمر الله تعالى بأخذ الزينة عند كل مسجد، وتتأسى فيه بنساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم والصحابيات رضي الله عنهن في الخروج إلى صلاة العيد بسخابهن وقلادات عطورهن. وقد اتَّسَعت المساجد في هذا العصر، واستقلَّت النساء بأماكنهن ومداخلهن المخصصة لهن فيها، وابتعدن فيها عن الرجال، وذلك يجعل أمرَ فتنة الرجال بهن في خصوص المساجد مستبعدًا. بيان معنى عدم قبول صلاة المرأة التي خرجت إلى المسجد متعطرة أما عدم القبول في قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا تُقْبَلُ صَلَاةُ امْرَأَةٍ تَطَيَّبَتْ لِلْمَسْجِدِ حَتَّى تَغْتَسِلَ غُسْلَهَا مِنَ الْجَنَابَةِ» فهو محمولٌ على نفي الكمال لا على نفي الصحة، وذلك في حالة سوء قصدها، أو تحقق الفتنة أو غلبتها؛ أي: أن صلاتها صحيحة، لكنها ناقصة الأجر حينئذٍ، وكذلك أمرها بالاغتسال: إنما هو لإزالة أثر العطر النَّفَّاذ، وليس المقصود بذلك الجنابة الحقيقية أو رفع الحدث. قال العلامة الحسين المظهري في "المفاتيح شرح المصابيح" (2/ 220، ط. دار النوادر): [معناه: أيُّما امرأةٍ تطيَّبت وخرجت إلى المسجد لا يُقبَل كمالُ صلاتها، ولا يحصل لها فضيلةُ تلك الصلاة حتى ترجعَ فتغتسلَ غُسلًا كغُسل الجنابة، هذا إذا كان طيبُها شيئًا أصاب جميعَ بدنها، فتغسل حتى يزولَ الطِّيبُ من بدنها، وإن كان الطِّيبُ في موضعٍ مغسولٍ تَغسِلُ ذلك الموضعَ فقط] اهـ. وقال العلامة العلامة الكرماني في "شرح المصابيح" (2/ 98): [«غُسْلَهَا» أي: كغسلها «مِنَ الْجَنَابَةِ» ليزول عنها ذلك، هذا إذا طَيَّبَتْ جميع بدنها، وإن طَيَّبَتْ ثيابها تبدِّلها أو تزيل الطّيب عنها، وهذا مبالغة في الزَّجر؛ لأن ذلك يُهَيِّجُ الرغبات ويفتح باب الفتن] اهـ. وقال العلامة ابن حجر الهيتمي في "الزواجر عن اقتراف الكبائر" (2/ 72، ط. دار الفكر): [وليس المرادُ خصوصَ الغسل، بل إذهاب رائحتها] اهـ. وقال العلامة المُنَاوي في "فيض القدير" (1/ 334، ط. المكتبة التجارية): [«إِذا خَرَجَتِ المَرْأَةُ» أي: أرادت الخروج «إِلَى الـمَسْجِدِ» أو غيره بالأولى «فَلْتغْتَسِلْ» ندبًا «مِنِ الطِّيبِ» إن كانت مُتَطَيِّبَة «كَمَا تَغْتَسِلُ مِنَ الجَنابَةِ» إن عمَّ الطيب بدنها، وإلَّا فمحله فقط؛ لحصول المقصود] اهـ. قال العلامة الصنعاني في "التنوير" (2/ 32، ط. مكتبة دار السلام): [«فَلْتغْتَسِلْ مِنِ الطِّيبِ كَمَا تَغْتَسِلُ مِنَ الجَنابَةِ» لئلا تفتن برائحتها من تمرّ بهم، وفيه الأمرُ بسدِّ ذرائع الحرام، وظاهره الوجوب.. ويُحْتَمَلُ أنه خاص بالخروج إلى المسجد؛ لأنَّه محلّ تطهير القلوب، وبرائحة الطيب تفتن القلوب؛ ولأنها تستقر معهم في الصفوف، بخلاف مرورها في الطرقات، إلَّا أنه يؤيد الأول حديث: «إذا استعطرت المرأة»، تقدم، وتشبيهه بغسل الجنابة إما في الإيجاب أو في الكيفية] اهـ مختصرًا. وقال الملا علي القاري في "مرقاة المفاتيح" (3/ 152): [«لَا تُقْبَلُ» أي: قبولًا كاملًا «صَلَاةُ امْرَأَةٍ تَطَيَّبَتْ لِلْمَسْجِدِ» أي: للخروج إلى المسجد، وفي "المصابيح": لهذا المسجد، قال ابن الملك: إشارة إلى جنس المسجد لا إلى مسجد مخصوص «حَتَّى تَغْتَسِلَ غُسْلَهَا» أي: مثل غسلها «مِنَ الْجَنَابَةِ»: بأن تعمّ جميع بدنها بالماء إن كانت طيبت جميع بدنها ليزول عنها الطيب، وأما إذا أصاب موضعًا مخصوصًا فتغسل ذلك الموضع، وإن طَيَّبت ثيابها تبدل تلك الثياب أو تزيله، وهذا إذا أرادت الخروج وإلا فلا] اهـ. الخلاصة أفادت دار الإفتاء في إجابتها عن سؤال: «ما حكم خروج المرأة إلى المسجد متعطرة؟» بأنه جاء الأمر الإلهي بأخذ الزينة عند كل مسجد؛ بما يعمُّ الرجال والنساء، وجاءت السنة النبوية التقريرية بخروج النساء إلى الصلاة بقلائد عطرهن، فيجوز للمرأة وضع الطيب بشرط أمن الفتنة بها أو عليها. وأضافت: وأما أحاديثُ النهي عن خروج المرأة إلى المسجد متعطرة فالمراد بها: النهيُ عن تعطرها بالعطر النفّاذ الزائد عن الحد الذي تقصد به الشهرة، أو لفت النظر إليها؛ فإن ذلك حرام، سواء فعلت ذلك بالعطر أو بغيره من وسائل الزينة التي تلفت الأنظار، واختلاف الفقهاء بين التحريم والكراهة والإباحة أقرب إلى تحقيق المناط منه إلى الخلاف الحقيقي؛ فالتحريم عند قصد الإغواء مع تحقق الفتنة أو ظنّها، والكراهة عند خشيتها، والإباحة عند أمنها، والاستحباب عند الحاجة إلى الطيب لقطع الرائحة الكريهة ونحو ذلك. وأبانت: وأما الأحاديث الواردة في عدم قبول صلاتها فإنما هي في حالة التحريم؛ فهي محمولةٌ على نفي الكمال لا على نفي الصحة؛ أي: أنَّ صلاتها صحيحة، لكنها ناقصة الأجر، وكذلك الحال في أمرها بالاغتسال: إنما هو لإزالة أثر العطر النَّفَّاذ، وليس المقصود بذلك الجنابة الحقيقية أو رفع الحدث عن المرأة.


صدى البلد
منذ 4 ساعات
- صدى البلد
ما هو الرضاع المحرم للزواج وشروطه وعدد الرضعات؟ اعرف آراء الفقهاء
ما هو الرضاع المحرم للزواج وشروطه وعدد الرضعات ما حكم الزواج عند وجود شك في عدد الرضعات ؟ اتفق الأئمة على أنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب؛ متى وقع الرضاع في مدته الشرعية، وهي سنتان قمريتان من تاريخ الولادة على المفتى به؛ إذ به تكون المرضعة أمًّا من الرضاع لمن أرضعته، ويكون جميع أولادها سواء منهم من رضع معه أو قبله أو بعده إخوة وأخوات له من الرضاع. ولكنهم اختلفوا في مقدار الرضاع الموجب للتحريم فعند الحنفية والمالكية وإحدى الروايات عن الإمام أحمد أن قليل الرضاع وكثيره سواء في التحريم. وعند الشافعية وأظهر الروايات عن الإمام أحمد أن الرضاع المحرم هو ما كان خمس رضعات متفرقات متيقنات، وكان الرضاع في مدته سالفة البيان. الشك في عدد الرضعات قالت دار الإفتاء، إنه المقرَّر شرعًا أنه يَحرُمُ مِن الرضاع ما يَحرُمُ مِن النسب مَتَى وقع الرضاع في مُدَّتِهِ الشرعية، وهي سَنَتَان قَمَرِيَّتَانِ مِن تاريخ الوِلَادة على المُفتى به؛ إذ بالإرضاع تَصير المرضِعةُ أُمًّا مِن الرضاع لِمَن أرضعَته ويصير جميعُ أولادها سواء منهم مَن رضع معه أو مَن هُم قبله أو بعده إخوةً وأخواتٍ لِمَن أرضعَته. وأضافت دار الإفتاء: ثم اختلفت كلمة الفقهاء في مقدار الرضاع المُحَرِّم: فذهب أبو حنيفة ومالك وأحمد في إحدى رواياته إلى أنَّ قليل الرضاع وكثيره في التحريم سواء، وذهب الشافعي وأحمد في أظهر رواياته إلى أنَّ الرضاع المُوجِب للتحريم هو ما بَلَغَ خَمس رضعاتٍ متفرقاتٍ فأكثر في مدة الرضاع سالفة الذكر، وهو ما عليه الفتوى والقضاء. جاء ذلك في إجابتها عن سؤال: «زوجتي رضعَت مِن أختها ولا تتذكّر أختها عدد الرضعات، وهو شكٌّ فيما دون خمس رضعات، ولزوج أختها شاب من امرأة أخرى؛ فهل يجوز لابنتي الزواج من هذا الشاب؟» وواصلت: فإذا حَصَلَ شَكٌّ في الرضاع أو في عدد الرضعات فيما دُون الخَمْس فإن التحريم لا يَثْبُتُ بذلك؛ لأنَّ الحِلَّ ثابتٌ بِيَقِينٍ، والرضاع مَشكُوكٌ فيه، ولا يُزالُ اليقينُ بالشكِّ كما نَصَّ على ذلك الفقهاء، والشكُّ المُطْلَقُ في عدد الرضعات مع تَيَقُّنِ حصوله يُبْنَى على رضعةٍ واحدة. ونقلت قول العلامة ابن حجر الهيتمي في "تحفة المحتاج في شرح المنهاج للإمام النووي" (8/ 290، ط: المكتبة التجارية الكبرى بمصر): [(وَلَوْ شَكَّ هَلْ) رَضَعَ (خَمْسًا أَمْ) الْأَفْصَحُ أَوْ (أَقَلَّ أَوْ هَلْ رَضَعَ فِي الْحَوْلَيْنِ أَمْ بَعْدُ فَلَا تَحْرِيمَ)]. وأفادت: بأن الشك المُطْلَقُ في عدد الرضعات أو فيما دون الخَمْس مع تَيَقُّنِ حصوله يُبْنَى على رضعةٍ واحدة؛ فلا يثبت به التحريم كما سبق بيانُه. وبناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فيجوز لابنتك شرعًا أن تتزوج مِن هذا الشابِّ؛ لأنَّ التحريم إنما يكون بخَمسِ رضعاتٍ مُتَيَقَّنَاتٍ، والشكُّ في العدد مع التَّيَقُّنِ بالحصول يُحمَلُ على رضعةٍ واحدةٍ، ولا عبرة بالشكِّ فيما فوقها. هل يجوز الزواج من الأخت في الرضاعة ؟ التحريم بالرضاعة من الأمور الفقهية الدقيقة ما يتعلق بالتحريم المترتب على الرضاعة من أم واحدة، وإذا أرضعت امرأة إنسانًا مع بنت لها فإنه يكون أخًا للرضيعة التي ارتضع معها وباقي أخواتها؛ لأن الرضاع يعم جميع بنات المرضعة التي قبل البنت الرضيعة معه وبعدها لا فرق في ذلك. متى يحرم عليه جميع بناتها ؟ فإذا أرضعت المرأة طفلًا خمس رضعات أو أكثر؛ فإنه يكون أخًا لجميع أولادها من الذكور والإناث الذين قبله والذين بعده بنص قوله تعالى: وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ [النساء:23]، فهي أمه وهم أخواته، وقوله صلى الله عليه وسلم: 'يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب'. متى تحرم عليه التي رضعت معه فقط ؟ أما إن رضعت طفله من أمه معه ولم ترضع أخواتها، فيجوز له الزواج بإحدى إخواتها، مثلًا: علي عنده خمس بنات فرضعت إحداهن مع محمد من أم محمد فإن بقية أخواتها لا يكونوا إخوة لمحمد؛ لأنهن لم يرضعن من أمه إنما رضع من أمه واحدة منهن، فالتي رضعت من أم محمد خمس رضعات أو أكثر في حال الحولين هي التي تكون أختًا لمحمد وأما أخواتها فلا؛ لأنهن لم يرضعن من أم محمد، أما هو لو رضع من أمهن صار أخ لهن جميعًا لا أخ للتي رضعت معه فقط، بل يكون أخًا لهن جميعًا؛ لأن المرضعة صارت أمه وأولادها جميعًا صاروا إخوة له، وهذا هو الفرق بين المسألتين. متى يجوز الزواج من الأخت في الرضاعة ؟ قال الشيخ علي فخر مدير عام إدارة الحساب الشرعي وأمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، إنه يجوز للمسلم أن يتزوج من أخته في الرضاعة إذا لم يرضع من أمها أكثر من 4 رضعات متيقنات مشبعات. واستشهد «فخر»، بما روي عن عائشة رضي الله عنها: «كان فيما نزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم نسخن بخمس معلومات». وشدد مدير عام إدارة الحساب الشرعي، على أنه يحرم الزواج من الأخت في الرضاعة إذا رضع من أمها 5 رضعات مشبعات متيقنات. التحريم بالرضاعة يعد التحريم بالرضاعة من الأمور الفقهية الدقيقة ما يتعلق بالتحريم المترتب على الرضاعة من أم واحدة، حيث ورد إلى دار الإفتاء المصرية من خلال البث المباشر على صفحة التواصل الاجتماعي فيسبوك، سؤالا يقول: تقدم لي شاب ولا أعلم حقيقة هل رضعات أمي له ورضعات أمه لأختي تحرم علي الزواج منه؟ التحريم بالرضاعة وقال الشيخ عويضة عثمان أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، رداً على السائل: "إن العبرة بالاجتماع على ثدي واحد، ونحن نقول في مسائل الرضاعة والتحريم المترتب عليها، أن يأتي الشاب والفتاة ومن أرضعتهما إلى دار الإفتاء ولو كانت مسنة فنحن لا نتردد في النزول إليها لو كانت في السيارة حتى نستبين منها حقيقة الرضاعات وهل أشبع كل منهما وغير ذلك من الأمور حتى نصل إلى الرأي الشرعي". ولفت إلى أن أمور الرضاعة يستفتى لها أمين الفتوى فإن أغلقت رفعت إلى لجنة ومنها إلى المفتي حتى تصل للرأي الشرعي في المسألة. وقال الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق، إن الإرضاع بواسطة جهاز مدرٍ للبن -رضعة- يحرم الزواج إذا كان اللبن الذي رضع منه الطفل مأخوذًا من الزوجة وارتضعه هذا الطفل لخمس مرات فأكثر في أثناء الحولين الأولين من عمره، ويكون بذلك ابنا لمن أرضعته وأخًا لأولادها من الرضاعة ويحرم عليه الزواج من بناتها. حكم الزواج من الأخت في الرضاعة وأضاف جمعة في فتوى له، أنه يجوز للابن من الرضاعة مخالطة أخواته البنات من الرضاعة، كأخ شقيق لهن، ويصير مَحْرَمًا، قال صلى الله عليه وسلم: «يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ» متفق عليه. شروط الاخوة في الرضاعة وأوضح المفتي السابق، أن الرضاع المحرِّم له أركان: المرضع: وهي كونها امرأة حية محتملة للولادة؛ بكرًا كانت أم متزوجة أم مطلقة أم مات عنها زوجها، واللبن: ولا يشترط بقاؤه على هيئته حالة انفصاله من الثدي؛ قال الإمـام النووي الشافعي في روضة الطالبين: "فلو تغير بحموضة، أو انعقاد، أو إغلاء، أو صار جبنا، أو أَقِطا، أو زبدا، أو مخيضا وأُطْعِمَ الصبي حَرَّم؛ لوصول اللبن إلى الجوف وحصول التغذية، ولو ثُرِد فيه طعام ثبت التحريم". وأشار إلى أنه لا يشترط وصول اللبن في المرات على صفة واحدة؛ بل لو ارتضع في بعضها، وأُوجِـر في بعضها «أي صُبّ في حلقه»، وأُسعِط في بعضها «أي أُدخِل في أنفه» حتى تم العـدد ثبت التحريم. وتابع: والمحل: وهو معدة الصبي الحي أو ما في معنى المعدة: فالوصول إلى المعدة يثبت التحريم ، سواء ارتضع الصبي أو حُلِب اللبن وأُوجِر في حلقه حتى وصلها. ولفت إلى أن المراد بالصبي من لم يبلغ الحولين القمريين، فإن انكسر الشهر الأول اعتبر ثلاثة وعشرون شهرًا بعده بالأهلة، ويحسب بداية الحولين من تمام انفصال الولد من بطن أمه. الشك في عدد الرضعات أرسلت فتاة سؤالاً للدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق، تقول فيه: «أحب ابن عمي ولكنه رضع من أمي، إلا أنها لا تتذكر كم مرة أرضعته، فهل يجوز الزواج منه؟». ورد المفتي السابق، قائلاً: «إذا كان قد رضع 5 رضعات مشبعات فلا تحلي له، أما من الناحية الفقهية طالما أنها لم تتذكر عدد الرضعات فيجوز لكِ الزواج منه ولا إثم عليكِ، إلا أن الاحتياط في مثل هذه المسائل واجب وليس سنة، ولذا أنصحك بعدم الزواج منه واتركيه ابتغاء وجه الله، لأن الوسواس لن يترككما حال إتمام الزواج، فتجنبا للخلاف وقطع الشك باليقين لا تتزوجي منه». هل يثبت الرضاع بشهادة الزور بعد الزواج وأكد الدكتور على جمعة، مفتي الجمهورية السابق عضو هيئة كبار العلماء، أنه إن كانت الرضاعة تثبت بشهادة شاهدَين، إلا أن ذلك لا يعني أن الأمر على إطلاقه. وأضاف «جمعة» في إجابته عن سؤال: «هل يثبت الرضاع بشهادة الزور خاصة بعد حصول الزواج لمدة طويلة ووجود عدد من الأولاد؟»، أن القاضي الحصيف لا يقبل شهادة الشاهدين أو أحدهما عندما يشعر بكونه شاهدَ زور، أو صاحبَ مصلحة في إبطال العقد. وتابع: "أو حصل الشك في شهادته بأي نوع من الشك؛ كأن لم تكن له علاقة بالرضيع والمرضع، أو كانت له علاقة ولكنه لا اطلاع له على مثل هذه الأمور، أو يحدث التضارب في أقواله من حيث عدد الرضعات وكيفيتها، والمقدار الذي بقي واستقرَّ في الجوف منها، وزمن الرضعات ومكانها". وواصل أنه يمكن للقاضي الوصول إلى كذبهما أو أحدهما بوجود التضارب في شهادتهما، خاصة عندما يكون الزواج قد تم فعلًا بين المدعى عليهما وجودُ الرضاعة بينهما، وكذلك عندما تتطرق الريبة في الدعوى بتأخرها مع وجود دواعي التعجيل فيها.