قراءة في كتاب ملك وشعب (13)
يعد كتاب "ملك وشعب" الذي أصدره الديوان الملكي الهاشمي العامر منجزا وطنيا هاما يوثّق المبادرات الملكية السامية الزاخرة بالخير والعطاء والإنسانية ضمن رحلة خيّرة لا ينضب عطاؤها بين ملك إنسان وأبناء شعبه. إن هذا الملف الإنساني والتنموي الذي يوليه جلالة سيدنا كل إهتمام حيث أسند أمر متابعته وتنفيذه إلى لجنة برئاسة معالي الأستاذ يوسف حسن العيسوي رئيس الديوان الملكي الهاشمي ضمن فريق عمل مخلص وجاد، ليعكس صورة إرتباط ملك رحيم تجلّت صفات الإنسانية بأجل صورها مع أبناء شعبه الأردني بروح تنم عن إنتماء ومحبة قائد لوطنه ولشعبه، وولاء ومبايعة شعب لقائده بصدق وإخلاص.
وسأتناول هنا في المقال الثالث عشر ضمن سلسلة مقالات قراءة كتاب ملك وشعب "المبادرات الملكية السامية بلقاء أبناء نسيجنا الوطني الواحد من المسيحيين" . لقد حرص جلالة سيدنا على إبراز قيم الإسلام السمحة التي تحترم الأديان والإنسانية، كواجب يقوم به الأردن، مؤكدا بقوله " أن الأردن للجميع، ويعمل دائما لحماية المسيحيين العرب وترسيخ وجودهم في المنطقة، وسيبقى الأردن النموذج في العيش المشترك بكل مكوناته "، كما كانت لقاءات جلالة سيدنا المستمرة مع كافة أبناء نسيجنا الأردني الواحد الموحّد ترسيخا لوحدتنا الوطنية، ولينصهر الجميع في الحفاظ على ثوابتنا الوطنية المقدسّة، وفي ذلك يقول جلالة سيدنا " بتعاون الجميع، وبالهمة العالية وبالعمل المخلص والشعور بالمسوؤلية، نستطيع أن ننتصر على كل التحديات كما انتصرنا في الماضي على تحديات أكبر منها، وسيظل الأردنيون دائما في الطليعة " .
لقد حرص جلالة سيدنا على رعاية إحتفالات الطوائف المسيحية بمناسبة عيد الميلاد المجيد ورأس السنة الميلادية مقدّما التهنئة بمناسبة أعيادهم المجيدة، فالأخوة المسيحيون يشكّلون نسيجا وطنيا مع كافة مكونات المجتمع الأردني الواحد في البناء والتطوير والتنمية، وهم متجذرون في تراب هذا الوطن على إمتداد هذه الأرض في مأدبا مدينة المحبة والسلام بفسيفسائها الجميلة وحضارتها الراسخة، وفي الحصن في محافظة اربد حيث التراث والثقافة التي ساهمت في بناء الإنسان المتطور بعقله وفكره، وفي بلدة السماكية في محافظة الكرك تلك البلدة الوادعة والجميلة بنبل صفات أهلها ووعي أبنائها بذلا وعطاء، وفي الفحيص في محافظة البلقاء حيث حسن الوفادة ورقي التعامل وترك الأثر الطيب، وفي عجلون بقلعتها الشامخة وعراقة تاربخها نبلا وأصالة، وفي المفرق بشذى شيحها وقيصومها وكرم وشهامة أهلها المكان يحاكي فيها الزمان عبر تاريخها الزاخر بالتراث والحضارة، وفي كل مكان يتواجدون فيه يسطّرون صفحات المحبة وصدق الإنتماء لأردن العزم وقيادته الهاشمية الحكيمة.
لقد أعطت القيادة الهاشمية أولوية لرعاية المقدسات المسيحية ومنها كنيسة القيامة، وكذلك إيلاء موضوع الحفاظ على الكنسية الأرثوذكسية وأملاكها في القدس من المخاطر التي تتعرض لها في ظل ظروف بالغة الصعوبة. فالهاشميون يحملون رسالة الوحدة والتوحيد والإيمان، والتعايش الديني بين المسلمين والمسيحيين يشكّل صورة قل نظيرها في أردننا الواحد الموحّد الذي تجمعنا فيه قواسم مشتركة تقوم على التعاون والحفاظ على هويتنا العربية والأردنية التي تجعلنا معا في مركب واحد، ونسير نحو هدف واحد والنهوض بـأردن العزم وطنا يجمعنا على الخير بفضل قيادتا الهاشمية الحكيمة، ووعي شعبنا الأردني المتماسك حيث تحتضن مآذن المساجد أجراس الكنائس التي تعد مثالا للتآخي في كل بقاع الأرض، ضمن لوحة فسيفسائية تشع نورا وألقا نحو أردن مشرق ومتقدم ومزدهر بهمة المخلصين على هذه الأرض المباركة أرض الرسالات وكرامة الانسان.
ويؤكد جلالة سيدنا دائما للحفاظ على الوجود المسيحي في الشرق الأوسط مكوّنا أساسيا من مكونات أمتنا العربية وكنسيح مهم في مجتمعنا الأردني، والحفاظ على الهوية العربية المسيحية حيث يدرك جلالته التحديات التي تواجه المسيحيين العرب، وفي ذلك يقول جلالة سيدنا " نحن نعتز بأن الأردن يشكّل نموذجا متميزا في التعايش والتآخي بين المسلمين والمسيحين، كما نؤمن أن حماية حقوق المسيحيين واجب، فقد كان للمسيحيين العرب دور كبير في بناء مجتمعاتنا العربية والدفاع عن قضايا أمتنا العادلة". وتاريخيا كما يعتقد مسيحو الشرق والمسيحيون في الأردن بقولهم "أن مآثر الأجداد من أبناء الطوائف المسيحية ساهمت في جحافل الفتح العربي دفاعا عن الوطن ضد غزوات الغرب في حطين وما سبقها وما تلاها، وضد غزوات الشرق في عين جالوت وافتدوا حرية البلاد وسلامتها بالمال والرجال".
لقد قدّم المسيحيون يدا بيد مع المسلمين المزيد من التضحيات على ثرى فلسطين، وفي معركة الكرامة ملحمة الجيش العربي، ورفدهم فيالق الجيش المصطفوي الباسل، فضلا عن تقديمهم أرواحهم من أجل الدفاع عن وطنهم وأمتهم. كما يمثلون أروع أمثلة التسامح الديني والتواصل الإجتماعي والإلتحام الوطني، ويتابعون بعزيمة المساهمة في مسيرة العطاء لتحقيق تطلعات الشعب الأردني في العيش الكريم والآمن.
لقد قّدم الأردن نموذجا في العيش المشترك وترسيخ لغة الحوار وتعظيم قيم التسامح والإعتدال حتى أصبح محط إعجاب وتقدير عالمي، كما يرسم الأردن بمكوناته المتنوعة لوحات متناغمة تترجم القيم الإيجابية المشتركة بين مكونات المجتمع الأردني، الذين يعملون معا من أجل الأردن وبناء غد مشرق في ظل قيادته الهاشمية الحكيمة التي تحمل رسالة وحدة وإحترام حرية المعتقد، لتضاف إلى ما تضمنته رسالة عمان التاريخية التي أطلقها جلالة سيدنا عام 2004 التي تقوم على التسامح وقبول الآخر لنحيا ونعمل معا ضمن القيم النبيلة التي تحفظ كرامة الإنسان، حيث أن الأردن أصبح محورا للحوار الإسلامي المسيحي بين الأفراد المخلصين والمؤمنين بالله، وفقا لدستور واحد يضمن الحقوق والواجبات ومد جسور المحبة والعدل بين جميع الأردنيين.
نعم، إنه الدعم الملكي الهاشمي في حرص جلالة سيدنا على لقاء كافة أبناء نسيجنا الوطني الواحد بفسيفسائه الجميلة التي تضم المسيحيين ملح هذه الأرض، الذين ساهموا في بناء الأردن وترسيخ الهوية الأردنية الواحدة، ضمن منظومة عمل جادة تعمل بضمير مؤسسي مسؤول الذي أنجزه الديوان الملكي الهاشمي العامر بيت جلالة سيدنا وبيت الأردنيين جميعا، يرافق ذلك جهود تقوم على الإخلاص والتفاني في العمل في ظل مجتمع متكافل واحد موحّد ومتماسك يزرع بذور الخير والعطاء والإنسانية، برعاية وإهتمام جلالة سيدنا الملك الإنسان عبد الله الثاني بن الحسين أعز الله ملكه القدوة لنا جميعا في الإنجاز والعمل وللحديث بقية.
* أ.د. عدنان المساعده
• أستاذ جامعي وكاتب/ جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية حاليا
• عضو مجلس أمناء حاليا
• عضو مجلس كلية الدراسات العليا في جامعة اليرموك حاليا
• عميد كلية الصيدلة / جامعة العلوم والتكنولوجيا الاردنية وجامعة اليرموك سابقا
• رئيس جمعية أعضاء هيئة التدريس سابقا

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


سواليف احمد الزعبي
منذ 14 ساعات
- سواليف احمد الزعبي
هل أصبحت العروبة تهمة؟
هل أصبحت #العروبة #تهمة؟ د. #أيوب_أبودية في السنوات الأخيرة، وربما بعد حرب الخليج الأولى تحديدا، لاحظنا أنه بدأت تتصاعد موجة فكرية تشكك في الهوية العربية لشعوب بلاد الشام، وشعوب شمالي أفريقيا وبلاد الرافدين، حتى ليبدو أن الانتماء إلى العروبة بات وكأنه نقيضٌ للتعددية أو حتى خيانة للهويات التاريخية. فتارة يُقال إننا فينيقيون، وطورا آراميون، أو سريان، أو كلدان؛ وكأنما الهوية العربية دخيلة أو طارئة، مع أن الواقع والتاريخ يشهدان بغير ذلك. فهل يعقل أن تكون العروبة نقيضًا للتنوع الذي تأسست وفقه أكبر الدول وأعظمها؟ أليس من الأجدر فهم العروبة كهوية جامعة لا تلغي ما سبقها، بل تعيد صياغته ضمن أفق لغوي وثقافي وتاريخي مشترك؟ طالما شكّلت الهوية العربية واللغة العربية عامل وحدة لشعوب متعددة الأعراق والديانات، جمعت في إطارها المسلم والمسيحي واليهودي والبهائي والعلماني والملحد، العربي القحطاني والعدناني والدرزي، الأرمني والشركسي والكردي، بل حتى الإيراني والتركماني. فالعروبة ليست نقاءً عرقيًا، بل انتماء ثقافي متجذر في اللغة والمكان والتاريخ. وعلى رأي ساطع الحصري: كل من تكلم العربية هو عربي. وكما أن الأميركي لا يُسأل عن أصوله الأفريقية أو الأوروبية أو الآسيوية أو اللاتينية كي يُعترف به كمواطن، كذلك لا يحتاج العربي اليوم إلى إثبات نسبه العدناني أو القحطاني ليكون عربيًا؛ يكفي أن يعيش داخل الفضاء العربي، ويتكلم العربية، ويحيا بثقافتها، كما قال الحصري. العجيب أن العربي في بلاد الغرب يفاخر بأصله العربي، بينما يخجل كثيرون في بلادهم من التصريح بعروبتهم، مفضلين تمييز أنفسهم بهويات ما قبل عربية كالفينيقية أو الأمازيغية أو السريانية أو الكدانية أو الآرامية. لكن، ألم يتوحد الأوروبيون على مجموعة من الهويات القومية الحديثة التي لم تستطع أن تلغِي تعدديتهم القديمة؟ انظر مثلًا إلى الفرنسيين الذين تشكلوا من أعراق الغال والرومان والفرنجة والباسك والنورمان. وانظر كذلك إلى الإسبان الذين انحدروا من أقوام متباينة من القوط والرومان والعرب والبربر واليهود، وانصهروا جميعًا في هوية إسبانية حديثة تتكلم الإسبانية وتعتز بها. وكذلك الإيطاليون الذين لم يتوحدوا سياسيًا أو لغويًا إلا في القرن التاسع عشر، وكان أكثر من نصفهم آنذاك لا يتكلم اللغة 'الإيطالية الموحّدة' لغاية بدايات القرن العشرين. الأمر ذاته ينسحب على الألمان، الذين توحّدوا حديثًا رغم أصولهم العرقية المتنوعة، كالسلافية والجرمانية واللاتينية. ولا أحد في ألمانيا المعاصرة هذه الأيام يطعن في ألمانية من يتحدث بالألمانية ويعيش ثقافتها، حتى لو لم يكن جرمانيا أصيلا. فلماذا يصبح الانتماء العربي موضع شك في بلداننا إذن؟ ولماذا توصف العروبة بالعرق المهيمن واللغة العربية بأداة للسيطرة الثقافية، بينما تُعدّ اللغات الإنجليزية أو الفرنسية أو الألمانية أو الإسبانية أدوات 'توحيد قومي' في أوروبا؟ إن تجاهل العروبة لا يخدم التنوع والتعدد والاستقرار والوحدة الوحيدة الممكنة بين الدول العربية، على الأقل في مرحلة انتقالية،، بل يخدم مشاريع تفتيت ما تبقّى من نسيج وطني في بلدان مثل سوريا والعراق ولبنان وليبيا. وهو يفتح الباب أمام نزعات انفصالية تستغلها قوى خارجية سعت دومًا إلى إضعاف وحدة هذه المنطقة وتقسيمها. العروبة ليست حجابًا يخفي التاريخ، بل إطار يتّسع له ويسمح بتطويره. والعروبة ليست بديلًا عن الفينيقية أو الأمازيغية أو الآرامية أو الكلدانية أو الأمازيغية أو الكردية أو التركية أو الفارسية، بل نتاج لتفاعلها مع الإسلام واللغة العربية والفضاء الجغرافي والتاريخي. وهي ما نكتب بواسطته ونغني ونحلم ونفرح ونثور ونبكي ونتعلم ونصلي. والعروبة اليوم، في زمن العزلة والتمزق هذا الذي تشهد عليه أحوال غزة المنكوبة اليوم، هي ما بقي من أمل جامع، فلا يكمن الأمل شمالا باتجاه تركيا، أو شرقًا صوب إيران، أو غربًا نحو الكيان الغاصب الذي لا يعترف بنا أصلًا على تنوّعنا. مقالات ذات صلة دحض الباطل

الدستور
منذ يوم واحد
- الدستور
الخلايلة: الأردن سيبقى سندًا للشعب الفلسطيني وداعماً للأهل في غزة
معان - قاسم الخطيب افتتح وزير الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية الدكتور محمد الخلايلة، أمس الأربعاء، ملتقى الوعظ والإرشاد، واليوم الخيري والطبي المجاني الذي نظمته الوزارة بالتعاون مع صندوق الزكاة، ومستشفى المقاصد الخيرية في لواء الحسينية بمحافظة معان. وأكد الخلايلة حرص الوزارة على إنفاذ التوجيهات الملكية السامية بالتواصل مع المواطنين في مختلف مناطق المملكة، والاستماع إلى مطالبهم واحتياجاتهم في قطاع الأوقاف، موجها بإعداد الدراسات عن الأسر الفقيرة والبيوت التي تحتاج للترميم في لواء الحسينية، وإقامة مشاريع إنتاجية وبناء مساكن للأسر الفقيرة، بالتعاون والتنسيق مع مختلف الجهات المعنية. ولفت إلى أهمية ملتقيات الوعظ والإرشاد في نشر الخير والفضيلة، وتبادل الخبرات في نشر رسالة الإسلام السمحة وفق النهج الوسطي المعتدل، ومواجهة التطرف ومحاربة الآفات الاجتماعية،فضلاً عن الحفاظ على أمن واستقرار الوطن، ووحدة الصف الوطني، لافتاً إلى أن الأردن بقيادته الهاشمية سيبقى سندًا للشعب الفلسطيني وداعما للأهل في غزة، رغم كل حملات التشكيك. واستمع الوزير، لمطالب واحتياجات أهالي اللواء في قطاع الأوقاف، المتمثلة توسعة مسجد الحسينية الكبير، واستحداث مكتباً للأوقاف في اللواء وتعيين أئمة ومؤذنين، واعداً بدراسة مطالبهم وتنفيذ ما أمكن منها. ووزع الخلايلة 500 قسيمة شرائية على الأسر العفيفة والفقيرة باللواء، ومساعدات نقدية لـ50 طالب علم و50 يتيما بواقع 100 دينار لكل منهم، إضافة الى 300 طرد غذائي و150 حقيبة مدرسية، مشيرا إلى وجود 300 أسرة في محافظة معان تتقاضى رواتب شهرية من صندوق الزكاة منها 20 في لواء الحسينية، إضافة الى رعاية 25 يتيما، وإقامة 10 مشاريع تأهيلية، وترميم 5 منازل. وأشار مدير أوقاف معان باسم الخشمان، إلى أهمية هذه الملتقيات في خدمة المجتمع وتعزيز قيم التكافل والتضامن بين أفراده، مثمنًا الشراكة والتعاون بين وزارة الأوقاف ومختلف الجهات. وأشاد رئيس نادي الحسينية عقله الذيابات، في كلمة باسم المجتمع المحلي، بالجهود التي تبذلها وزارة الأوقاف في الجانب الديني والاجتماعي. كما افتتح وزير الأوقاف اليوم الطبي المجاني الذي نظمه مستشفى المقاصد الخيرية وتم خلاله تقديم الرعاية الطبية لأهالي المنطقة. وحضر الافتتاح، محافظ معان خالد الحجاج، ومتصرف اللواء ناصر الجريان، والعين سلطان الجازي، ورئيس لجنة بلدية الحسينيه المهندس عبدالمنعم ابو هلاله، ومدير عام صندوق الزكاة الدكتور عبد سميرات، ورئيس مكافحة التطرف وعواقبة، الدكتور سلطان القرالة، وعدد من وجهاء وأهالي المنطقة.


سواليف احمد الزعبي
منذ يوم واحد
- سواليف احمد الزعبي
دحض الباطل
#دحض_الباطل د. #هاشم_غرايبه في منشور لأحد المتذاكين، يقدم شكره وعرفانه بجميل من يدعوهم بالكفار، على أنهم يقدمون النفع للبشرية، وينشرون المحبة ويحافظون على حقوق الإنسان، فيما المسلمون عالة على اختراعاتهم ولا ينشرون الا الموت والدمار، ولا ينسى في خضم تذكيره بابداعات هؤلاء أن يلحق أتباع كل الديانات (ما عدا الإسلام) بقائمة الخيّرين النافعين. يعتقد هذا أنه يمكن أن يمرر حديثه هذا بحجة نقد الواقع المريض من أجل إصلاحه، لكن المتمعن في حماسته المبالغة فيها لمعادي الإسلام، لا شك سيتنبه لمسعاه الخبيث بهدف نشر الإحباط والتيئيس لتبرير الإستسلام للأعداء. إن انتشار عاهة الإسلاموفوبيا بين بعض مثقفينا، ظاهرة استشرت مع الحملة الصليبية الأخيرة (الحرب على الإرهاب)، قد نتفهم النظرة المتعصبة لدى الغرب، فلذلك جذور تاريخية من الصراع المتواصل، لكن أن يتشرب الفكرة ويتحمس لها مثقف من أبناء الأمة، فهذا خلل ولكنه لا يعدو إصابة أصابت أحد إثنين: الأول من المنافقين التاريخيين الحاقدين على الإسلام، وهؤلاء ليس لعلتهم دواء، والثاني شخص عمي عن الصواب، اشترى بآيات الله ثمنا قليلا، قد يكون وظيفة أو دعما في إحدى المنظمات التابعة لأعداء المسلمين. مشكلة ليست في هؤلاء، فهم آفة موضعية من جسم الأمة، لكن ضررهم في نشر الأفكار التي تضعف من مقاومة الأمة فتفت من صمودها لتسقط في فك الأعداء الشرهين. دحض حجج هؤلاء المغرضين سهل، ولا تحتاج إلا لكشف تزييفهم للحقائق، لكني لا أكتب بهدف استعادتهم لصف الأمة، فمن أعمى الله بصائرهم عن رؤية الصواب، لا يمكن هداية بصيرتهم لاتباع الحق. إنما لإجل رفع مقاومة أبناء الأمة ممن يستهدفونهم بتضليلهم بهدف إحباطهم وإفقادهم الأمل بالخلاص من براثن الغزاة. إن ما يدعيه هؤلاء من أن الغرب لا همّ له إلا انقاذ البشرية من الأمراض، وتسخير علمه لصناعة ما فيه خير الناس وسعادتهم، هو تزييف وتدليس، فالدوافع وراء البحوث الطبية هي تحقيق الشركات الربح الهائل، بدليل أن كثيرا من الأوبئة ثبت أنه تم نشرها من قبل تلك الشركات الكبرى. أما أن الأوروبيون هم ناشرو حقوق الإنسان والتنوير والمعرفة، فيثبت التاريخ عكس ذلك، ولعل قصة الإستكشافات الجغرافية التي علمونا في المدارس أنها رسالة الغرب الحضارية، بينما هي في حقيقتها استعمار واسترقاق وأطماع في خيرات الآخرين. سأتحدث في هذا الشأن عن منطقة محددة وهي الفليبين تقع الفليبين في جنوب شرقي آسيا على شكل أرخبيل يضم أكثر من سبعة آلاف جزيرة، وهي الدول العامرة بالخيرات والثروات الطبيعية ممَّا جلب عليها أطماع الدول الأوروبية، لكن الملاحظ ان جيرانها اليابانيين والصينيين تطوروا وتقدموا مع أن خيرات بلادهم أقل، السبب الوحيد هو أنهم لم يُستدفوا بأطماع المستعمرين الأوروبيين. انتشر الإسلام في جزر الفليبين كما في باقي مناطق جنوب وشرق آسيا في منتصف القرن الثالث الهجري عن طريق التجار، لكنه تعزز بنزوح كثير من العلماء إليها بعد سقوط بغداد بيد هولاكو. بدأ الاحتلال الأسباني للفليبين سنة 1565 م، أي بعد قرابة الخمسين عامًا من وصول ماجلان لشواطئها، وبعد قتال عنيف ومرير استولى الأسبان على مملكة «راجا سليمان» في الشمال، ودمر عاصمتها (أمان الله) وأقاموا مكانها مدينة جديدة أسموها (مانيلا). وخلال تلك الحروب كلها استخدم الأسبان كل أنواع الأسلحة المادية والمعنوية، وتعاون معهم الهولنديون (رغم العداوة الشديدة مع الإسبان) الذين كانوا يحتلون اندونيسيا وصبغوها بصبغة دينية مقيتة، مما يكشف النزعة الصليبية. استمرت المقاومة الإسلامية في الفليبين بقيادة أبطال دوخوا المستعمرين أمثال 'ديبتروان قدرات' والسلطان 'نصر الدين' ضد الاحتلال الأسباني حتى عام 1898، حينما اضطر الحاكم الإسباني الى الهرب الى هونج كونج، وبعدها باع الإسبان لأمريكا الفلبين وكوبا وبورتريكو لقاء خمسة ملايين دولار. استكمل الأمريكان محاربة المجاهدين عن طريق تعزيز التنصير ومحاصرة وتجهيل المسلمين حتى اعلان استقلال الفلبين الصوري عام 1946 ، بعده استمر عملاؤها بالبرنامج ذاته، وشكل 'ماركوس' منظمة'إيلاجا' الإرهابية التي كانت تثير الذعر في قرى المسلمين. والى اليوم يعتبر الغرب مجاهدي جبهة تحرير مورو إنفصاليين، ولا يعترف بحقهم بالإستقلال فيما دعم استقلال مسيحيي جزيرة تيمور عن اندونيسيا الإسلامية. فهل ذلك يتوافق مع حقوق الإنسان التي يقول ذلك المتذاكي أن الغرب يقدسها!؟.