'حفلة الأوهام': عندما تفضّل الحكومة المظاهر على السيادة
بينما يغرق لبنان يومًا بعد يوم في هوّةٍ بلا قرار، تتمسّك حكومة نواف سلام (باستثناء وزيرَيْن أو ثلاثة) بحالةٍ من الإنكار السياسي المتهوّر والخطير في آنٍ معًا. وعوضًا عن مواجهة التهديدات الوجوديّة المحيطة بالدولة، تركن الحكومة إلى أداءٍ مسرحيّ باهت للبنان 'مثقف ينبض بالحياة والاحتفالات'… واجهة أنيقة، لكن هشّة تخفي حقيقة مرّة: الشلل الكامل في التعاطي مع أزمات تتجاوز السياسة لتلامس مصير البلاد نفسه، من فوضى السلاح غير الشرعي إلى قبضة حزب الله على السيادة مرورًا بالميليشيات الفلسطينية الخارجة عن السيطرة، والغياب التام لأي رؤية دبلوماسية مستقبلية، وصولًا إلى الانفلات الأمني في الجنوب.
وبينما تنهال القذائف على قرى الجنوب والبقاع وتُجبَر العائلات على النزوح تحت هدير المُسيّرات وتتفكّك حدود الوطن في دوّامة العنف الإقليمي، تُطالعنا صورة رئيس الحكومة وهو يصفّق ويرقص في مهرجان ثقافي… مشهدٌ غير عبثيّ يبدو مستفزًّا لمشاعر اللبنانيين. ولا يمكن تفسير هذا التناقض الفادح بالمرونة أو الصمود، لأنه يشي بهروبٍ سافر من الواقع.
سلطة تتهرّب من الحقيقة
لا تعاني حكومة نواف سلام من العجز فحسب، بل تبدو وكأنّها تتعمّد الغياب حيثما يُفترض بها التدخل بشكل عاجل. وهي لم تبادر فعليًّا منذ لحظة تولّيها الحكم، لاتخاذ أي خطوة جديّة لحل الأزمات المتفجّرة في البلاد. وتركت الملفات لتتآكل… الواحد تلو الآخر: من سلاح الفصائل الفلسطينية التي تفرض سلطتها في المخيمات والجزر الأمنية الخارجة عن القانون والمعارك التي تخدم أجندات إقليمية، وصولًا إلى التطرّف المبني على فوضى محصّنة بالسلاح والإهمال.
أمّا الأخطر من كل ذلك، فهو الصمت الرسمي الذي يكاد يرادف التواطؤ حيال سلاح حزب الله. فالميليشيا الشيعيّة، بثقلها العسكري، ترسم سياسة الحرب والسلم في لبنان على مقاسها، من دون الرجوع للحكومة أو البرلمان. وقرارات الحرب تُتّخذ في 'حارة حريك'، لا في مجلس الوزراء. بالتالي، لا تقتصر خطيئة حكومة سلام على التقصير الأمني، بل تتعدّاه إلى شبه التنازل الكامل عن قرار الدولة السيادي لصالح مجموعة حزبية مسلّحة. ولا يمكن بأي حال تسمية ذلك بالحكمة أو الحياد… إنّه انسحاب كامل من موقع المسؤولية.
غيابٌ تام للرؤية الاستراتيجية
وعلى صعيد العلاقات الخارجية، فحدّث ولا حرج! لم يتجرّأ أحد بالدعوة في الحدّ الأدنى، إلى إطلاق نقاش وطني حول مسألة التطبيع مع إسرائيل. ولم تتخذ أي مبادرة باتجاه التهدئة المستدامة في الجنوب، أو خطوة جريئة باتجاه وساطة تُخرج لبنان من دائرة المواجهة المزمنة. ولم تسجّل أي مبادرة استباقية أو جريئة تُظهر للولايات المتحدة رغبة حقيقية في المضي قدمًا، والانخراط في الشرق الأوسط الجديد الذي صاغ دونالد ترامب ملامحه.
لبنان لا يزال أسير عقيدةٍ خشبية… في سياق إقليمي يُعيد رسم خطوطه، تجلس فيه السعودية إلى طاولة الحوار مع إيران، وتُطبّع فيه الإمارات والمغرب العلاقات مع تل أبيب، يتخلّف لبنان عن الركب ويبقى رهينة جبن سياسي مقنع بالشعارات. وعوضًا عن طرح مشروع فعلي لإعادة بناء الدولة، ينشغل فريق نوّاف سلام بإطلاق الحملات الفارغة وتغطية فعاليات ثقافية تلفزيونية وعقد شراكات مع منظمات غير حكومية من أجل 'تلميع صورة لبنان'… وكأنّ المأزق أزمة تسويق، لا أزمة وجود. لكنّ وجه لبنان لا يتغيّر بهذه الطريقة… فالخلل ليس شكليًّا.. إنه متغلغل على المستوى البنيوي والأمني والسياسي. والحلّ لا يتطلّب فريق علاقات عامة… بل دولة سيدة القرار، قادرة على أن تحكم لا أن تتزيّن قبل الاصطدام بالهاوية.
الثقافة تصرف الانتباه
لا شك أنّ الثقافة عنصر جوهري في الهوية اللبنانية، ولا شكّ أن الاحتفاء بالفن والموسيقى والإبداع ضرورة وحاجة. ولكن حين تستحيل الثقافة الساحة الوحيدة التي يظهر فيها أهل السلطة، تفقد جدواها. وفي الوضع الحالي، لم تَعُدْ هذه الاحتفالات الثقافية تعبيرًا عن صمودٍ حضاري، بل باتت وسيلة لتشتيت الانتباه. إنّها محاولة لإلهاء الناس عن الفشل الكبير في إدارة شؤون الدولة.
وبينما يشارك نوّاف سلام في حفلات وفعّاليات فنية، ينهمك 'حزب الله' بتعبئة مقاتليه. وفيما يرقص وزراؤه في المهرجانات، يضطرّ اللبنانيون لتقنين الكهرباء والمياه ويكابدون غلاء المعيشة ويراقبون المُسيّرات فوق الجنوب، ويبقون رهينة الانتظار العقيم لدولة قادرة على حمايتهم.
حكومة الصورة لا السيادة
التاريخ لن يرحم… وسيحكم بقسوةٍ على حكومةٍ قرّرت أن تغضّ الطرف أمام الأخطار، وركنت للصمت في وجه طبول الحرب، وأهدرت بسبب جبنها، فرصة ذهبية لن تتكرّر. إنّ لبنان لا يحتاج إلى حكومة تجيد الاستعراض، بل إلى دولة حقيقية وإلى قيادة شجاعة ومسؤولة.
كان بمقدور حكومة نوّاف سلام أن تصنع لحظة فارقة في تاريخ استعادة مؤسسات الدولة… لكنّها تحولت للأسف، إلى مجرد مشهد جمالي فارغ… وإلى سلطة تؤثر التألّق في الصالونات والحفلات، بدلًا من النهوض بالمسؤوليات والدفاع عن الوطن.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


بيروت نيوز
منذ دقيقة واحدة
- بيروت نيوز
حرب جديدة ستندلع؟ هذه خطة إسرائيل ضد إيران
نشر مركز القدس للأمن والشؤون الخارجية (JCPA) تقريراً تحدث فيه عن أن إسرائيل تُعِدّ استراتيجيةً تنفيذيةً للقضاء على التهديد الإيراني. ]]> وذكر التقرير الذي ترجمهُ 'لبنان24' إن الحرب بين إيران وإسرائيل لم تنته بعد، إذ تواصل إيران جهودها لتخصيب اليورانيوم وإعادة بناء برنامجها الصاروخي الباليستي، وأضاف: 'بالتنسيق مع الولايات المتحدة، تعمل إسرائيل على صياغة استراتيجية ردع جديدة من خلال تنفيذ عمليات جوية وسرية داخل الأراضي الإيرانية لمنع طهران من استعادة قدراتها على تخصيب اليورانيوم والبنية الأساسية للصواريخ'. وتابع: 'يقدر مسؤولون أميركيون كبار أن إيران مهتمة باستئناف المفاوضات بشأن اتفاق نووي جديد، على الرغم من الضربات الإسرائيلية والأميركية الأخيرة على منشآتها النووية. وفي الواقع، ينبع هذا الاهتمام في المقام الأول من الضغوط الاقتصادية الشديدة والرغبة في رفع العقوبات الغربية المشددة المفروضة على البلاد'. وذكر التقرير أنَّ السياسة الأميركية تهدف إلى ضمان التزام إيران بعدم استئناف تخصيب اليورانيوم وإزالة مخزونها من اليورانيوم المخصب من البلاد كجزء من اتفاق سياسي مستقبلي، وأردف: 'كذلك، تسعى إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى تصوير أي اتفاق بعد الحرب على أنه استسلام إيراني غير مشروط. ومع ذلك، تؤكد السلطات الإيرانية، حتى بعد الضربة الأخيرة على بنيتها التحتية النووية، عزمها على مواصلة أنشطة التخصيب داخل حدود إيران'. ووفقاً للتقرير، يخشى الإيرانيون من أن يُنظر إلى أي تنازل في هذه المرحلة على أنه علامة ضعف، مما يشجع الولايات المتحدة وإسرائيل على إصدار المزيد من المطالب مثل فرض قيود على برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني، وأضاف: 'بعد زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأخيرة إلى واشنطن واجتماعاته مع كبار المسؤولين الأميركيين، يبدو أن المناقشات تناولت أيضاً إمكانية توجيه ضربة جديدة لإيران في حال فشل المفاوضات مرة أخرى'. وأكمل: 'تشير مصادر دبلوماسية رفيعة المستوى إلى أن عودة الرئيس ترامب إلى البيت الأبيض أحدثت تحولاً جذرياً في التوازن الإقليمي. وحتى وقت قريب، كانت إيران تعمل في ظل إفلات شبه كامل من العقاب في ما يتصل ببرامجها النووية والصاروخية'. ويقول التقرير أيضاً إنَّ 'النظام الإيراني يمرّ بأزمة'، مشيراً إلى أنَّ المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي يشعر الآن بأنه أكثر عرضة للخطر من أي وقت مضى، وأضاف: لقد فقدت إيران أنظمة دفاعها الجوي الاستراتيجية، وهيمنت المقاتلات الإسرائيلية على أجواء البلاد لأول مرة منذ عقود، وتدفع البلاد ثمنًا باهظًا لطموحها في الهيمنة على الشرق الأوسط'. واستكمل: 'لقد تغيرت قواعد اللعبة وهي على وشك التحول بشكل أكبر. وبحسب مسؤولين أمنيين، تستعد إسرائيل لتطبيق مبدأ الحرب بين الحروب على إيران مباشرة، وتتضمن هذه الاستراتيجية توجيه ضربات محددة على الأراضي الإيرانية ضد الأصول النووية والصاروخية الباليستية كلما حاولت إيران استعادة البنية التحتية المتضررة'. ورأى التقرير أنَّ 'تجدد التصعيد احتمالٌ وارد، إذ تعتقد كلٌّ من الولايات المتحدة وإسرائيل أن أي تخفيف للضغط العسكري أو السياسي على إيران سيُفسَّر على أنه ضعف'، وأضاف: 'وتماشياً مع هذا الرأي، فرضت الولايات المتحدة عقوباتٍ إضافية على إيران الأسبوع الماضي. أما إسرائيل فتتبنى موقفاً متشدداً، وتحثّ على استمرار الضغط العسكري على إيران لإرساء رادعٍ دائم'. واستكمل: 'تشير التقييمات الإسرائيلية إلى أنه طالما بقي خامنئي في السلطة، فإن الصراع مع إيران سيطول ولن يُحسم بضربة حاسمة واحدة. لذلك، تُفضل إسرائيل تطبيق استراتيجية الحرب بين الحروب باستخدام سلسلة من الغارات الجوية أو عمليات سرية للموساد لتأخير أو تعطيل الطموحات النووية والصاروخية الإيرانية من دون إشعال حرب شاملة. مع ذلك، فإن هذه الاستراتيجية ليست خالية من المخاطر، فتطبيق مبدأ جزّ العشب على إيران قد يؤدي إلى دورات من التصعيد المتبادل'. وتابع: 'تتمثل الاستراتيجية الإسرائيلية المتطورة في إضعاف قدرة إيران على تطوير أسلحة نووية بشكل منهجي على المدى الطويل، والهدف هو إجبار طهران على إعادة النظر في جدوى وتكلفة إحياء برنامجها النووي'. وأردف: 'إن عقيدة الدفاع الإسرائيلية ترتكز الآن على الاعتقاد بأنها لن تحقق أهدافها الدنيا من دون موقف جريء وهجومي مصمم لردع طهران عن مواصلة سعيها إلى امتلاك القدرات النووية والصاروخية. ومن وجهة نظر إيران، فإن إنهاء الحرب مع الحفاظ على التماسك السياسي والاجتماعي، والحفاظ على البنية الأساسية الحيوية لبرامجها الاستراتيجية طويلة الأجل ــ إلى جانب فشل إسرائيل في إخضاع أو تقييد أفعالها ــ يعني أن إيران لم تُهزم'.


ليبانون ديبايت
منذ دقيقة واحدة
- ليبانون ديبايت
ترامب يحتفل بمرور 6 أشهر على ولايته الثانية... لقد أنقذنا بلداً ميتاً
احتفل الرئيس الأميركي دونالد ترامب، اليوم الأحد، بمرور 6 أشهر على بدء ولايته الرئاسية الثانية، مشيداً بما وصفه بـ"الإنجازات التاريخية" التي تحققت خلال هذه الفترة، رغم التحديات الداخلية والخارجية التي واجهت إدارته. وفي منشور عبر منصته "تروث سوشال"، قال ترامب إن "الولايات المتحدة باتت اليوم الدولة الأكثر جاذبية واحتراماً في العالم"، مضيفاً: "قبل عام، كان بلدنا ميتاً، واليوم نحن في القمة... عيد ذكرى سعيد!". ورأى ترامب أن ولايته الثانية تُعد "واحدة من أكثر الفترات أهمية في تاريخ الرئاسات الأميركية"، مشيراً إلى إنجازات أبرزها تمرير قانون الضرائب والإنفاق الكبير، إلى جانب صدور أحكام لصالحه في المحكمة العليا في قضايا مفصلية، و"إنهاء العديد من الحروب التي لا تخدم المصالح الأميركية". وفي الشق الدولي، أشار إلى أن إدارته تفاوضت على ثلاث اتفاقيات لوقف إطلاق النار بين 6 دول، إلا أن المفاوضات بشأن أوكرانيا وروسيا، وكذلك بين إسرائيل وحماس، لم تصل إلى اتفاق نهائي حتى الآن. وكان ترامب قد تعهّد خلال حملته الانتخابية عام 2024 بإنهاء النزاع الروسي – الأوكراني خلال 24 ساعة في حال عودته إلى البيت الأبيض. وفي منشور ثانٍ، تحدث ترامب عن ارتفاع شعبيته داخل الحزب الجمهوري، قائلاً إن "نسبة التأييد له بلغت 95% في استطلاعات مختلفة"، دون أن يحدد مصادر هذه الاستطلاعات. لكن أرقاماً حديثة من استطلاعي "غالوب" و"CBS نيوز – YouGov"، أظهرت تأييداً أقل، إذ بلغ معدل التأييد العام لترامب في حزيران الماضي نحو 40%، بينما أيد أداؤه 86% من الجمهوريين، و36% من المستقلين، و1% من الديمقراطيين. وفي الاستطلاع المشترك، بلغت نسبة تأييده 42%، بدعم 89% من الجمهوريين، و32% من المستقلين، و5% فقط من الديمقراطيين. وحمّل ترامب "الديمقراطيين اليساريين الراديكاليين" مسؤولية تراجع الثقة الشعبية، مدعياً أن الأرقام بدأت بالتحسن بعد ما أسماه "فضح خدعة جيفري إبستين"، في إشارة إلى التحقيقات التي أمر بنشر محاضرها. وختم منشوره بالقول: "الناس يحبون الحدود القوية، وكل ما أنجزناه. بوركت أميركا. لنجعل أميركا عظيمة مجدداً!".


MTV
منذ 31 دقائق
- MTV
20 Jul 2025 22:04 PM ماذا جاء في مقدّمات نشرات الأخبار المسائيّة؟
بين سوريا ولبنان قاسم مشترك هو الترقّب لنتائج المساعي التي يقوم بها رجل واحد اسمه توم برّاك. فالموفد الأميركي الحاضر في مشهد التطورات السورية من بوابة مساعي وقف النار وضمان عدم انفلات الأمور مجدداً، وصل الى بيروت اليوم، لينطلق بلقاءاته غداً بعنوان واضح: خطوات عملية في مسار تطبيق وقف الأعمال العدائية بين لبنان وإسرائيل، وخريطة طريق لحصرية السلاح بيد الدولة. وما يمكن استدلاله من الزيارة الثانية لبرّاك في الشهر نفسه، هو أن الولايات المتحدة لا ترغب بالاستمرار طويلاً في "البينغ بونغ" السياسي الدائر بين الردود والملاحظات، بل تسعى الى خطوات عملية واضحة المعالم والمهل الزمنية. فهل سينجح لبنان في كسب المزيد من الوقت في سياق معادلته: التلازم والمرحلية، والتي تقوم على مقابلة الخطوة بخطوة بين ما يطبّقه لبنان وما تقوم به إسرائيل؟ وهل سيتمكّن من اقناع حزب الله بالمصلحة اللبنانية والركون للمسار المتّبع من الدولة، بينما المواقف المعلنة للشيخ نعيم قاسم لا تزال تنحو باتجاه السلبية؟ المؤشرات تشير الى أن زيارة براك تحمل سقفاً عالياً من التوقّعات، وتحوّلاً واضحاً في نبرة الادارة الأميركية تجاه الحكومة اللبنانية... فهل يمكن اعتبار الزيارة بمثابة إنذارٍ أميركي أخير؟ مقدّمة الـ"أل بي سي" الموفد الأميركي طوم براك في بيروت، ويتقاسم الإنشغال بين الملف اللبناني وملف سوريا، والمستجد فيه السويداء. برَّاك وصل، مستبقًا الموعد باربعٍ وعشرين ساعة، في زيارة هي الثالثة، ولا يرجَّح أن تكون "الثالثة ثابتة". في جدول لقاءاته، لقاء مع رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون قبل ظهر غد الاثنين على أن يلي ذلك لقاءين مع كل من رئيس المجلس نبيه بري ورئيس الحكومة نواف سلام. ويفترض أن يتسلم براك من الرئيس عون، استفسارات تتعلق بالرد الأميركي والإسرائيلي على ورقة الأفكار اللبنانية. هذه الإستفسارات كان قد صاغها فريق العمل اللبناني في لقاءات القصر الجمهوري، لكنها لا تتضمن أي رد من حزب الله في موضوع حصرية السلاح، والجدير ذكره أن الحزب بلسان الأمين العام الشيخ نعيم قاسم، أعلن تمسكه بسلاحه. برَّاك، وقبيل وصوله إلى بيروت، كان أدلى بموقف عن التطورات في سوريا إعتبر فيها أنها في منعطف حرِج، مبديًا اعتقاده أن "الأعمال الوحشية التي ترتكبها الفصائل المتحاربة على الأرض تنال من سلطة الحكومة وتعرقل أي مظهر من مظاهر النظام، ويجب على جميع الفصائل إلقاء أسلحتها فورا وأن يسود السلام والحوار الآن". بالتوازي مع موقف برَّاك، كشف مصدر أمني سوري لرويترز أن قوات الأمن الداخلي اتخذت مواقع قرب السويداء وأقامت نقاط تفتيش في كل من الجزءين الغربي والشرقي من المحافظة، وأضاف المصدر أن بعض مجموعات العشائر عادت بالفعل إلى دمشق ومناطق شمالية. بالعودة إلى لبنان، موقف بارز للبطريرك الراعي من قانون الإنتخابات، رفض فيه المقاعد الستة للمغتربين. أهمية ما قاله الراعي أنه جاء في حضور رئيس الجمهورية في عنايا لمناسبة عيد مار شربل. البطريك الراعي اعتبر أن استحداثُ ستة دوائر للمغتربين مخالف للمساواة التي هي مبدأ يكفله الدستور، وما نشهده هو عملية إقصاء للمغتربين، الذين يتطلّعون إلى المشاركة في الانتخابات المقبلة بكل حرية، ولا بدّ من أجل حماية الحرية من إلغاء المادة 112 من قانون الانتخابات. بعد كلام البطريرك الراعي، ما هو مسار قانون الانتخابات؟ مقدمة تلفزيون "أن بي أن" كانت السويداء أمام امتحان وقف إطلاق النار الصعب ... لكنها نجحت حتى الآن فيه مع إلتزام الأطراف المتناحرة بالإتفاق الذي يلجم الأحداث الدامية التي اندلعت على مدى نحو إسبوع. وفي ظل الإتفاق يسود الهدوء الحذر المحافظة وسط انتشار للقوى الأمنية الحكومية وانكفاء لمقاتلي قبائل وعشائر البدو عن المدينة وانسحاب مسلحي الفصائل الدرزية المحلية من الشوارع. وبموجب الإتفاق تنتشر القوى الأمنية في مناطق ريف السويداء الغربي والشمالي وعلى الطرق الرئيسية فقط وليس ضمن نطاق المدن. ويفترض أن تنفذ بنوده خلال ثمان وأربعين ساعة ولا سيما في ما يتعلق بافتتاح معابر إنسانية بين السويداء ودرعا لتأمين خروج المدنيين والمصابين. كما يقضي الإتفاق بتأمين المحتجزين من أبناء عشائر البدو لدى الفصائل الدرزية. وكان من ضمن الإجراءات التي بدأ تنفيذها إرسال وزارة الصحة قافلة مساعدات طبية إلى المحافظة. وفي لبنان إستنفار لأصوات العقل لتوحيد الجهود من أجل منع تسلل النار من السويداء إلى الهشيم اللبناني. ولهذه الغاية تتكثف الإتصالات واللقاءات والمشاورات بين المرجعيات والقوى السياسية والروحية والحزبية لسد أي ثغرة قد تنفذ منها محاولات نقل الفتن. وقد التقت المواقف اللبنانية ولا سيما تلك الصادرة عن مرجعيات طائفة الموحدين الدروز ودار الفتوى عند ضرورة تثبيت وقف إطلاق النار في السويداء وإطلاق حوار بين جميع المكونات الدينية والسياسية والطائفية في سوريا. وفيما أكدت دار الفتوى أنها لن تسمح بجر لبنان إلى أتون الفتن الطائفية والمذهبية البغيضة شدد الزعيم وليد جنبلاط على الحل السياسي رافضاً أي تصريح يدعو إلى حماية دولية أو إسرائيلية للدروز. وإذا كان الحدث السوري قد استقطب اهتمام اللبنانيين في الأيام الأخيرة فإن الموفد الأميركي توم برّاك الذي حطّ بعد ظهر اليوم في بيروت سيشغل جانباً مهماً من المشهد. وسيجري برّاك إعتبارًا من يوم غد مروحة من اللقاءات وخصوصاً مع رؤساء الجمهورية ومجلس النواب والحكومة ويتبلغ منهم الملاحظات اللبنانية على ورقته الأخيرة. وإذا كان مطلع الأسبوع سيفتتح بالمحادثات الأميركية - اللبنانية فإنه سيشهد أيضاً محطات أخرى أولها جلسة مشتركة لهيئة مكتب مجلس النواب ولجنة الإدارة والعدل غداً في عين التينة بدعوة من رئيس المجلس نبيه بري. وفي المواعيد أيضاً زيارة لرئيس الجمهورية جوزف عون إلى البحرين الأسبوع الطالع تعقبها زيارة للجزائر في أواخر تموز الجاري. مقدمة تلفزيون "أو تي في" في حزيران 2014، وصف رئيس احد الاحزاب المسيحية انفلاش داعش الدموي في العراق بثورة عشائر، واضعا اياها في اطار الربيع العربي الواعد الذي لفّت تطوراته القاتلة العالم العربي بدءا بتونس منذ اواخر عام 2010. وفي تلك المرحلة ايضا، نُسبت الى رئيس الحزب المذكور مقولة 'فليحكم الاخوان' الشهيرة، التي كانت من علاماتها حربٌ سورية تستعرُ اليوم تحت حكم 'الرفيق' ابو محمد الجولاني، وفق اللقب الذي اغدقه المسؤول الاعلامي الاول في الحزب المذكور على الرئيس السوري احمد الشرع. ففي سوريا 'الرفيق'، المسيحيون يُضطهدون وكنائسهُم تُفجر… السنّة يرفعون الصوت ضد الارهاب، الشيعة يتعرضون للتهجير، والعلويون يقاومون الابادة، فيما رئاسة بلادهم تُعلن بعد اشهر على المجازر، تسلمَها نتائج تحقيق اجرته جهات تابعة لها، مؤكدة أنها ستقوم بفحص نتائجه، كما لفتت في بيان رسمي اليوم. اما الدروز، فيرفضون الخضوع لسلطة واضحة الهوية والتوجه، ورئاستهم الروحية تطالب اليوم مجددا بالوقف الفوري لكافة الهجمات العسكرية وسحب كل القوات التابعة لحكومة دمشق، من جيش وأجهزة أمنية وميليشيات، من محيط جبل العرب وكافة بلداته وقراه. اما الابرز اليوم على الخط السوري، فقول وزير الخارجية الاميركية انه إذا كانت السلطات في دمشق تريد الحفاظ على أي فرصة لتحقيق سوريا موحدة وشاملة وسلمية، فيجب عليها المساعدة في إنهاء الكارثة من خلال استخدام قواتها الأمنية لمنع تنظيم الدولة الإسلامية وأي جهاديين عنيفين آخرين من دخول السويداء وارتكاب مجازر. وفي كل الاحوال، اذا كانت الشؤون السورية شأن السوريين، غير ان تداعياتها على لبنان شأن لبناني بامتياز. وهذا ما دفع بقيادة الجيش الى التواصل اليوم مع مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان وشيخ العقل سامي ابي المنى، للتشديد على الموقف اللبناني الرافض استجرار الفتن عبر الحدود. وفي غضون ذلك، عاد المبعوث الاميركي توم براك الى بيروت اليوم من جديد، على أمل الحصول على اجوبة واضحة من سلطة 'الفرجة' والانتظار. مقدمة تلفزيون "المنار" صفّاراتُ الجوعِ دَوَّت في كلِّ أنحاءِ قطاعِ غزةَ اليومَ، فلم يَهدأْ ما تبقَّى من سياراتِ اسعافٍ عن نقلِ شهداءَ ارتقَوا وهم يبحثونَ عن بقايا طحينٍ أو فُتاتِ خُبزٍ بعدما ارتكبَ الاحتلالُ اليومَ واحدةً من كبرى المجازرِ بحقِّ طالبي المساعدات، امّا مَن وصلوا اَحياءً الى المستشفيات ، فمُغْمًى عليهم ، وخائري القوى بسببِ سوءِ التغذية. فالمجاعةُ – المجزرةُ الصامتة – وصلت الى مستوياتٍ كارثيةٍ تهددُ حياةَ أكثرَ من مليوني انسانٍ أمامَ أعينِ عالمٍ يتحكمُ بالقرارِ فيه خائرو العقولِ بسببِ النقصِ الحادِّ في المشاعرِ والاحاسيسِ الانسانية. فعندما يأمرُ الاميركيُ، تتقطعُ سبلُ الحياةِ أمامَ فلسطينيِّي قطاعِ غزة، وتُرتكبُ أفظعُ المجازرِ في التاريخِ الحديث، وعندما يأمرُ الاميركيُّ بالتصريحِ أو التلميح، تُفتحُ الحدودُ والجبهات ، وتُنتهكُ الحُرُمات ، وتُرتكبُ أبشعُ المجازرِ بينَ أبناءِ البلدِ الواحد، فالكلُّ يَتحوّلُ عن علمٍ أو جهلٍ الى وقودٍ في النارِ المشتعلةِ التي لا شكَ أنها لا تخدمُ الا الاسرائيليَّ والاميركيّ. فمن السذاجةِ الاعتقادُ بأنَّ السفاحَ نتانياهو يمكنُ أن يكونَ مُخلِّصاً لاحدٍ او أن يعملَ لمصلحةِ احدٍ من السوريين، ومن الجهلِ الاعتقادُ أنَّ تقطيعَ الرؤوسِ واستباحةَ الاعراضِ تَبني وطناً او تُثبِّتُ حكماً او تُقرِّبُ الى الله. فأصلحَ الله أمةً لا تَغضَبُ لغزةَ وتُحرِّكُها عصبياتُها، وأصلحَ الله اللبنانيينَ وجمَعَهم على كلمةٍ سواءٍ فيها مصلحةُ بلدِهم مع وصولِ المبعوثِ الاميركيِّ توم براك الى بيروتَ هذه المرّةَ ليتسلّمَ الردَّ اللبنانيَّ على ردِّه على الردِّ اللبنانيِّ الأوّلِ على الورقةِ الأميركية. مصادرُ مطلعةٌ أكدت للمنار إصرارَ لبنانَ على موقفِه لناحيةِ التأكيدِ أنَّ هناكَ اتفاقاً لوقفِ اطلاقِ النار، واسرائيلَ لم تَلتزم به، ولا يمكنُ البَدءُ الا من هذه النقطة، بأن يَلتزمَ العدوُ بالاتفاقِ ويوقفَ الخروقاتِ له، وينسحبَ من الاراضي اللبنانيةِ المحتلّة … وعندَها تكونُ الخطوةُ التاليةُ لبنانية. براك يبدأُ لقاءاتِه مع المسؤولين غداً ، والحذرُ واجبٌ تجاهَ ما يَتفوّهُ به الزائرُ الاميركي ، وأنْ نتعظَ من تجربةِ الجارةِ سوريا، وما حلَّ بها نتيجةَ أقوالِ وأفعالِ توم براك. مقدمة تلفزيون "الجديد" لبنان أمامَ مفترَقٍ مصيري وسوريا تَقِفُ عند منعطفٍ حاسم وحتى المقاومة باللحمِ الحي نَفَدَت ذخيرتُها في غزة. عندَ هذا المثلّث تقاطعتِ الأحداث.. وتَقدَّمها القطاع، حيث الناسُ يتساقطونَ في الشوارعِ جوعاً وعطشاً ومرضاً وأقسى المشاهدِ الموثّقة لأفواهِ الرُضّعِ الجائعة الذين تَئِدُهم إسرائيل روحاً إثْرَ روح، وتَفرِضُ عليهم حصارَ سوءِ التغذية. غزة تُنازِعُ بينَ مسلسلِ الترويعِ والتجويع وتجّاِر الحروب ومصائدِ الموت وآلافُ الأطنانِ من المساعداتِ الإنسانية محجوزةٌ خلفَ مَعبرِ رفح وممنوعةٌ من الدخول سياراتُ الإسعاف في القطاع أَطلقت صافراتِها بنداءِ استغاثة ووَكالةُ الغوث دَقّت ناقوسَ المرحلةِ الخامسة، محذّرةً من الانهيارِ المجتمعي والقتلِ بالجملة على الرغيف حتى هآرتس الناطقةُ باسمِ إعلامٍ عبري عَنونت أن حربَ نتنياهو على غزة ليست عبثية، بل تطهيرٌ عِرقي وجريمةٌ ضِدَ الإنسانية فَقدت غزة مناعةَ لحمِها المُرّ، لكنها المحاصرةُ من العدو كما من ذوي القُربى ما مَدّت يدَها إلا إلى السماء على توقيتِ القطاع دعا بابا الفاتيكان إلى وضعِ حدٍ فوري لحربِ غزة "الهمجية" وعلى توقيتِ دمشق، وتحتَ إشرافِ الطيرانِ الحربي الإسرائيلي، أعلن توم براك عن دخولِ اتفاقِ وقفِ إطلاقِ النار في السويداء حيّزَ التنفيذ، ووضْعِ حجرِ الأساس نحوَ حلٍ شامل وخفضِ التصعيد وحمايةِ الأبرياء ووصولِ المساعدات وتبادُلِ الرهائن ودعا جميعَ الفصائل إلى إلقاءِ السلاح ووقفِ الأعمال العدائية، والتخلي عن دوامة الانتقام القبلي أما على التوقيتِ اللبناني فقد أخّرَ المبعوثُ الأميركي توم براك عقاربَ الساعة يوماً إلى الوراء وحلَّ في بيروت على روزنامةِ الأحد، في استراحةِ محارب بعدَ جبهة ِالسويداء على أن يبدأَ برنامَجَ عملِه الرسمي صبيحةَ الإثنين بمحادثاتٍ معَ رئيسي الجمهورية والحكومة جوزاف عون ونواف سلام، فيما يلتقي رئيسَ مجلسِ النواب نبيه بري نهار الثلاثاء وفي زيارتِه الثالثة إلى لبنان.. وسّعَ برّاك بيكارَ اللقاءات لتَشمَلَ قياداتٍ سياسيةً وروحية ونيابية، على أن يُدلِيَ بدلوِ مواقفِه من السرايا الحكومية بعدَ لقائِه رئيسَ الحكومة نواف سلام مصادرُ متابعة للزيارة وعبْرَ الجديد، أشارت إلى أنه من السابقِ لأوانه الحديثُ عن تفاؤلٍ أو تشاؤم قبلَ تَبيانِ نتائجِ اللقاءات لكنها أكدت في المقابل أن الردَ الأميركي على الملاحظاتِ اللبنانية لا يعني اتفاقاً جديداً بينَ لبنان وإسرائيل إنما يَرسُمُ آليةً تنفيذية لاتفاقِ تِشرين على مراحلَ متتالية ومتزامنة بينَ تسليمِ السلاح والانسحابِ الإسرائيلي مع أخذِ مخاوفِ حزبِ الله في الاعتبار بحسَبِ المصادر على الفالقِ السوري اللبناني يتحرّك توم براك بينَ وقفَيْن لإطلاق النار وفوقَهما تحومُ الشبُهاتُ الإسرائيلية فهل ستَسيرُ المِنطقة نحوَ الاستقرار، أم وراءَ الزيارة ما وراءَها؟ غداً لناظرِ القرارين.. قريب.