
إن هيمنت إسرائيل وإن لم تهيمن
والقلق الواجب هذا قد لا يكفي لتبديده توقيع معاهدات سلام وتطبيع في حال حصول التوقيع. ذاك أنّ فعّاليّة المعاهدات ليست سحريّة، وهي دائماً تقلّ عن فعّاليّة التجربة وطرق تأوّلها. وإسرائيل، كأيّ طرف متغلّب آخر، قد تطلب أثماناً فادحة لانتصاراتها، بما يستجيب لشروط القوّة والسيطرة على حساب شروط الهيمنة.
ومن دون الهبوط إلى خرافات بعض الممانعين حول تهديد القوّة الإسرائيليّة لمصر وباقي العالم الإسلاميّ، بل للعالم كلّه بأمّه وأبيه، فالمؤكّد أنّ السيادات الوطنيّة في بلدان المشرق الضعيفة سوف تغدو، وهي الهشّة بما فيه الكفاية، أشدّ هشاشة ونحولاً. فلنتخيّل مثلاً، في ظلّ اختلال القوّة المريع هذا، أن ينشب خلاف بين إسرائيل وبين لبنان أو سوريّا حول ينبوع ماء أو حول حيّ صغير في قرية حدوديّة، وكيف سيكون الموقع التفاوضيّ للبلدين المذكورين.
وقد تترافق سطوة القوّة الكاسحة لتلّ أبيب مع كلّ ما يمعن في إضعاف السلطات المركزيّة في الجوار، وذلك على شكل استيلاد ميليشيات وأمراء حرب يوالونها بدل أن يوالوا طهران. وأفعال كهذه لا تترك أمام الأطراف الضعيفة سوى مزيد من التعويل على الولايات المتّحدة بوصفه العلاج النسبيّ الوحيد الممكن، رغم أنّه ليس مضموناً.
لكنّ ما هو أبعد من ذلك وأخطر هو أن لا تكون إسرائيل راغبة في الهيمنة، مرتاحةً فحسب إلى الاكتفاء الحصريّ بعلاقات القوّة المحض، وإلى ممارسة نفوذها بإدامة منطق الحرب الدائمة. ووفق ما كتبه ستيفن ولت، يُفترض بالقوّة المهيمنة أن تمتلك ما امتلكه الرئيس الأميركيّ الأسبق فرانكلين روزفلت لدى تبنّيه سياسة «حسن الجوار» حيال أميركا اللاتينيّة.
والحال أنّ سلوك بنيامين نتانياهو وحلفائه في الأحزاب الدينيّة المتطرّفة يوحي بعكس ذلك تماماً، وبارتكاز أفعالهم إلى مقدّمات إيديولوجيّة صلبة، قوميّة أو دينيّة، عديمة البراغماتيّة. وما إغلاقهم كلّ باب في وجه الدولة الفلسطينيّة، أو تشجيعهم الاستيطان في الضفّة الغربيّة، أو لغتهم الإملائيّة المتعجرفة التي تخلو من كلّ حوار أو مخاطبة للآخر، ناهيك عن طريقتهم الزجريّة في التعامل مع الوضعين الجديدين اللبنانيّ والسوريّ، سوى إشارات دالّة إلى خيارهم هذا. فوق ذلك، فإنّ تعويذة المقاومة، التي شكّلت تقليديّاً ردّ النضاليّين الثابت على أوضاع كهذه، باتت «عصفاً مأكولا»، مثلها مثل باقي شعارات المرحلة الآفلة. وهذا من غير أن يغيب عن البال أنّنا، كأوطان ودول في المشرق العربيّ، نعيش طوراً من التفكّك المتسارع الذي يضع المكوّنات الوطنيّة في مواجهة بعضها البعض، مُغرياً أيّ طرف خارجيّ بالاستثمار السينيكيّ في المعطى المذكور.
لهذا مثلاً بِتنا نجد أشرس النضاليّين وقد خلا وفاضهم من الوعود الخلاصيّة التي احترفوا إشاعتها، بحيث يذهب بعضهم إلى التعويل على قيام استقطاب إسرائيليّ – تركيّ، أو ربّما على يقظة روسيّة أو صينيّة تراودهم أكثر كثيراً ممّا تراود الروس أو الصينيّين.
وهذا المآل الرديء الذي انتهينا إليه ليس بعيداً عن شروط صناعته كما شهدناها في العقود «الإيرانيّة» الماضية، إضعافاً للدول والوطنيّات وتفسيخاً للمؤسّسات وتعميماً لمَيْلَشة السياسة والاقتصاد والقيم. فبعض الشبه بين الطور الإيرانيّ والطور الإسرائيليّ المحتمل هو بالضبط تغليب القوّة و»الاستراتيجيا» على السياسة والاجتماع، وتغليب ما يقع خارج الدول الأمم على ما يقع داخلها. فمرّةً يُترك لمحاربة إسرائيل أن تتحكّم بالواقع وبرسم المستقبل، ومرّةً تُناط المهمّة إيّاها بمحاربة إيران. وفي الحالتين، وباستثناء هامش ضيّق جدّاً من العقائديّين، تتحكّم بالعواطف أسباب أهليّة ومخاوف جماعات بعينها من جماعات أخرى. وهذا تعريفاً مصدر خصب للتحلّل الميليشيويّ يجعلنا نستقبل الاندفاعات الإمبراطوريّة الغازية بوصفنا أحزاباً، أو بالأحرى حزبيّات، لا بوصفنا شعوباً. وما يزيد البؤس بؤساً أنّ المشرق العربيّ لم يحرز، في مرحلة القوّة الإيرانيّة، وعلى الضدّ من ضجيج القوّة عهد ذاك، أيّاً من علامات القوّة الذاتيّة. وهو قد يكون مرشّحاً، إن لم يبادر سكّانه إلى بناء إجماعات وطنيّة معقولة، للمضيّ على الطريق ذاتها في ما يوصف بمرحلة القوّة الإسرائيليّة الصاعدة.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشرق الأوسط
منذ 27 دقائق
- الشرق الأوسط
5 قتلى و10 جرحى بغارة إسرائيلية على شرق لبنان
قتل 5 أشخاص وأصيب 10 آخرون، الخميس، جرّاء غارة إسرائيلية استهدفت سيارة على طريق رئيسي في شرق لبنان، وفق ما أحصت وزارة الصحة. وأوردت الوزارة أن «غارة العدو الإسرائيلي على طريق المصنع أدّت، في حصيلة أولية، إلى سقوط 5 شهداء وإصابة 10 أشخاص بجروح». وذكرت «الوكالة الوطنية للإعلام» الرسمية، أن الغارة استهدفت سيارة على طريق المصنع، المنطقة التي تضم المعبر الحدودي الرئيسي مع سوريا. وأفادت «الوكالة الوطنية للإعلام»، في وقت سابق اليوم، بمقتل شخص في غارة إسرائيلية على بلدة كفردان قضاء بعلبك في محافظة البقاع. وكانت وسائل إعلام لبنانية قد ذكرت أن إسرائيل استهدفت بصاروخ سيارة في كفردان. ويسري في لبنان منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، اتفاق لوقف إطلاق النار بعد نزاع امتد أكثر من عام بين إسرائيل و«حزب الله»، تحوّل إلى مواجهة مفتوحة ابتداءً من سبتمبر (أيلول). ورغم ذلك، تشنّ الدولة العبرية باستمرار غارات في مناطق لبنانية عدة، خصوصاً في الجنوب، تقول غالباً إنها تستهدف عناصر في الحزب أو مواقع له. ونصّ وقف إطلاق النار على انسحاب «حزب الله» من المنطقة الواقعة جنوب نهر الليطاني (على مسافة نحو 30 كيلومتراً من الحدود مع إسرائيل في جنوب لبنان) وتفكيك بناه العسكرية فيها، مقابل تعزيز انتشار الجيش وقوة الأمم المتحدة لحفظ السلام (يونيفيل). كما نصّ على انسحاب القوات الإسرائيلية من مناطق تقدمت إليها خلال الحرب، لكن إسرائيل أبقت على وجودها في 5 مرتفعات استراتيجية، يطالبها لبنان بالانسحاب منها.


الشرق الأوسط
منذ 43 دقائق
- الشرق الأوسط
نتنياهو يريد «سيطرة عسكرية كاملة» على غزة
أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عزمه على السيطرة عسكرياً على قطاع غزة بأكمله، مضيفاً في مقابلة بثتها «فوكس نيوز»، أمس، أن إسرائيل لا تريد الاحتفاظ بالقطاع وإنما تريد «محيطاً أمنياً... لا نريد أن نكون هناك ككيان حاكم». كما تحدث نتنياهو، في مؤتمر صحافي، أمس، عن أن خطة حكومته بشأن غزة تفضي إلى تسليم القطاع إلى «هيئة حاكمة تتولى إدارته بشكل مؤقت». وأكد أن الحرب قد تنتهي «غداً» إذا ألقت «حماس» سلاحها، وسلّمت المحتجَزين إلى إسرائيل من دون قيد أو شرط. بدورها عدّت حركة «حماس» أن تصريحات نتنياهو تمثل «انقلاباً» على مسار مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة، واستكمالاً لنهج «الإبادة والتهجير». على صعيد آخر، أكد المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، أن المنظمة شخصت في يوليو (تموز) الماضي ما يقرب من 12 ألف طفل، دون سن الخامسة في غزة على أنها حالات سوء تغذية حاد، مشيراً إلى أن هذا «أعلى رقم شهري يتم تسجيله على الإطلاق». أما منظمة «أطباء بلا حدود»، فقد أصدرت تقريراً بعنوان «هذه ليست إغاثة بل قتل ممنهج»، وثقت فيه الفظائع التي شهدها فريقها في عيادتين استقبلتا أعداداً هائلة من المصابين عند مراكز توزيع المساعدات.


الشرق السعودية
منذ ساعة واحدة
- الشرق السعودية
غزة.. خطة إسرائيلية للسيطرة على القطاع بالكامل
مع اقتراب الحرب الإسرائيلية على غزة من عامها الثاني، كشفت تقارير عن خطة إسرائيلية يدعمها نتنياهو بضوء أخضر من ترمب، وتتضمن مناورة برية لخمسة أشهر تهدف لاحتلال ما تبقى من القطاع وتهجير سكانه. لكن هذه الخطة تواجه بمعارضة قوية من الجيش الإسرائيلي نفسه، الذي يحذر من "تآكل قواته" والخطر المحدق بحياة الأسرى، ما يشعل صراعاً داخلياً قد يكون حاسماً لمستقبل غزة.