logo
صمود الفلسطيني على أرضه خيار وحيد.. صمود غزة نموذجًا

صمود الفلسطيني على أرضه خيار وحيد.. صمود غزة نموذجًا

الجزيرةمنذ يوم واحد
صمود وثبات الشعب الفلسطيني فوق أرضه في كافة أماكن تواجده لا يبدو غريبًا ولا حالة حديثة؛ فهو امتداد لثبات وتجذر في الأرض منذ عشرات السنين، رغم كل ما يُحاك من مؤامرات، ويُنفذ على الأرض من مخططات واعتداءات وسياسات، هدفها الأول تهجير الفلسطيني من أرضه.
فمنذ النكبة عام 1948، يواجه الفلسطينيون سياسة ممنهجة لطمس هويتهم وتهجيرهم من أرضهم. ولو تحدثنا بلغة الأرقام، فجيش الاحتلال في سبيل تحقيقه أهدافه ما يزال منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023 يشن حرب إبادة في غزة، أدت إلى استشهاد وفقدان أكثر من 60 ألف فلسطيني، يُضاف إليهم 90 ألف جريح، ودمار ما يزيد عن 70% من القطاع، مع الاستخدام الممنهج للتجويع من أجل دفع السكان في مرحلة ما لترك بلادهم والهجرة منها.
أما في القدس والضفة الغربية، فالإجراءات الإسرائيلية ليست بعيدة عن حال غزة، فغول الاستيطان يتصاعد بشكل يومي، حيث وصل عدد المستوطنين إلى ما نسبته 25% من سكان الضفة، إضافة لعمليات القتل والاعتقال اليومي، إلى جانب عمليات الهدم في القدس والملاحقة والإبعاد عن الأقصى، ومحاولات تهويد أحياء المدينة المقدسة، مثل سلوان والشيخ جراح، بمشاريع استيطانية لا تتوقف لحظة.
إفشال مخططات
في غزة، كان لصمود السكان شمالي قطاع غزة منذ بداية الحرب، رغم القتل والتجويع، الدور الأكبر والأهم في إفشال عدة مخططات كان ينوي الاحتلال تنفيذها، لعل أبرزها مخطط تهجير السكان من بيوتهم وإقامة مستوطنات في غزة عبر خطة الجنرالات، التي قامت على مبدأ دفع الناس للهجرة من خلال القصف والقتل والتدمير، إضافة لإفشال مخطط فصل الشمال عن وسط وجنوبي القطاع.
ومع عودة الاحتلال للحرب في غزة، ما يزال يسعى لتهجير السكان عبر مخططات عديدة، إضافة لمحاولة تثبيت عمل المؤسسة الأميركية للمساعدات بشكل يشمل إذلال السكان، واعتبارها بديلًا عن المؤسسات الدولية، وهو ما يرفضه الفلسطينيون، ويعملون بكل جهد وقوة لإفشاله عبر الصمود في الميدان وعلى طاولة المفاوضات، رغم صعوبة المعارك في الجانبين.
ليست هذه المرة الأولى، ولا غزة الحالة الوحيدة، فقد سبقتها الضفة الغربية والقدس في إفشال عشرات المخططات، خاصة التي تستهدف المسجد الأقصى، ومن أبرز ما حدث إفشال مخطط البوابات الإلكترونية للدخول إلى المسجد الأقصى.
ففي يوليو/ تموز 2017 ثبت الاحتلال بوابات إلكترونية على مداخل المسجد الأقصى ومنع الدخول إلا من خلالها بعد الفحص، وهو ما قوبل برفض شعبي ومواجهات واعتصامات، ما أجبر الاحتلال على إزالة البوابات وكافة العراقيل التي وضعتها.
هذه النماذج جزء من صبر وتحدي وجلَد الفلسطيني أمام ما يواجهه من تضحيات جسيمة، ويتجلى الآن في قطاع غزة، الذي يتعرض لإبادة منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وفي الضفة الغربية التي تعاني القتل اليومي والتهجير والاستيطان وطرد الناس من بيوتهم وأراضيهم، وكذلك في القدس.
أما في الخارج فلا يبدو الفلسطينيون أحسن حالًا، فهم الذين شُردوا من بيوتهم وأراضيهم، لكن حلم العودة لا يفارقهم لحظة واحدة، وتتنوع معاناتهم لتشمل التحديات الاقتصادية، والقيود المفروضة على الحركة، وفقدان الهوية، وصعوبة الحصول على الخدمات الأساسية، والصراعات السياسية.
لا تبدو التحولات السياسية العربية مؤثرًا فارقًا في المعادلة، فلو كانت كذلك لما استمرت الإبادة في غزة لقرابة عامين، كان فيها الحراك الدولي -المتواضع أيضًا- أفضل بكل الأحوال من الحراك العربي والإسلامي الرسمي والمؤسساتي والشعبي.
فأقل المطلوب عربيًا هو قطع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع الاحتلال الإسرائيلي، ووقف موجات التطبيع السابقة والجديدة، والضغط الحقيقي لفتح المعابر، وإرسال مساعدات عاجلة لغزة، والضغط الدبلوماسي في الأمم المتحدة لإنهاء الاحتلال والإبادة، وتقديم الدعم الحقيقي والفاعل لإعمار غزة دون شروط سياسية أو ربط الأمر بأي ملفات أخرى، فذلك من أشد سبل إفشال مخطط التهجير، وتثبيت الشعب الفلسطيني على أرضه، ومساندته بشكل حقيقي وفاعل في وجه الاحتلال الإسرائيلي.
انهيار الصورة النمطية
على المستوى الدولي، انهارت الصورة النمطية لإسرائيل، وفضحت جرائم الحرب في غزة زيف "الدولة الديمقراطية" و"الجيش الأخلاقي"، وأصبح هناك "تحول في السياسات الغربية" حيث الحركات الشعبية الضخمة في أوروبا وأميركا، في الجامعات والمؤسسات، والتي تطالب بفرض عقوبات على إسرائيل ووقف الدعم العسكري لها.
فمئات الجامعات الغربية، خاصة في أميركا وأوروبا، شهدت اعتصامات ومخيمات تضامن امتدت لشهور. فيما تضاعف نشاط حركات المقاطعة (BDS)، وفرضت ضغوطًا حقيقية على شركات متواطئة مع الاحتلال.
ويبقى الأمل معقودًا بعد الله- سبحانه وتعالى- في أن تتعاظم دعوات الدول العربية والإسلامية والدولية تجاه القضية الفلسطينية، وأن تُتخذ إجراءات وخطوات رسمية معزَّزة بدعم وحراك شعبيين أكثر توافقية، بما يفشل المخططات الصهيونية العالمية لفرض حالة "شرق أوسط جديد"، تكون السيادة واليد العليا فيه لقوى الاحتلال الجديدة المُتجددة بوجه إسرائيلي، متخفية خلف دعم صهيوني عالمي، وهو ما لا تتمناه دول المنطقة.
فصمود الفلسطيني على أرضه ليس خيارًا يختاره من بين خيارات عديدة، بل هو خيار وحيد، لا يمكن أن يتبدل أو يتغير، فمن هُجّر رغمًا عنه، وأُجبر على العيش منذ عشرات السنين خارج بلاده، لا يتخلى عن حق عودته لبلده، ويتمسك بأرضه، فما بالكم في من عاش على أرضها وتحمل كل تلك المعاناة لأجلها، هل يمكن أن يفرط فيها؟!
لو كان الأمر خيارًا في حسابات الفلسطينيين، لما صمدوا وثبتوا لعامين تحت المذبحة والمقتلة والإبادة التي لم تحدث في تاريخ البشرية!
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

القسام تبث مشاهد لعمليات استهداف آليات وقتل جنود إسرائيليين بجباليا
القسام تبث مشاهد لعمليات استهداف آليات وقتل جنود إسرائيليين بجباليا

الجزيرة

timeمنذ 29 دقائق

  • الجزيرة

القسام تبث مشاهد لعمليات استهداف آليات وقتل جنود إسرائيليين بجباليا

بثت كتائب القسام ، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، اليوم السبت، مشاهد جديدة لعمليات نفذها مقاتلوها ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي المتوغلة في مدينة جباليا شمالي قطاع غزة ، تضمنت استهداف آليات عسكرية والإجهاز على جنود من مسافة صفر، كما أعلنت عن عمليات أخرى جرت في ذات المدينة. وأوضحت القسام أن المشاهد تأتي ضمن سلسلة عمليات " حجارة داود"، وتوثق عمليتين منفصلتين، الأولى بتاريخ 23 يونيو/حزيران 2025، حيث أوقع مقاتلوها قوة إسرائيلية في كمين محكم شرق مدينة جباليا، وأجهزوا فيه على 3 جنود من مسافة صفر. أما العملية الثانية فكانت بتاريخ 12 يوليو/تموز 2025، وشملت إغارة على تجمع لجنود العدو وآلياته في منطقة العمري وسط جباليا البلد، حيث استهدفوا آلية من نوع ميركافا بقذيفة "تاندوم 85″، وآلية أخرى بعبوة "برق" شديدة الانفجار في عملية وصفتها الكتائب "بالعمل الفدائي". وتضمن الفيديو كلمة لأحد المقاتلين قبل انطلاقه للعملية، قال فيها "اليوم إن شاء الله هو اليوم المنتظر.. نعدّ لهذا الجيش المهزوم الهزيل أصنافا من العذاب". وأضاف المقاتل متوعدا: "الجيش برا البيت بينا وبينه دار واحدة، والله إلا نمرمطهم.. يتشاطروا على المدنيين، تعالوا تشاطروا علينا.. إحنا الأبطال وحاشا أن تهزم أمة نبيها محمد (صلى الله عليه وسلم)". وأظهرت المشاهد المصورة، من كاميرا مثبتة على جسد أحد المقاتلين، الاستعداد للعملية داخل مبنى مدمر، ثم التقدم نحو الأهداف وسط الركام. ووثق الفيديو لحظة استهداف الدبابة الأولى بقذيفة "تاندوم 85″، وعرضت الكتائب لقطات متزامنة من طائرة استطلاع إسرائيلية تظهر لحظة الانفجار. كذلك وثقت المشاهد تقدم مقاتل آخر نحو الدبابة الثانية وزرع عبوة "العمل الفدائي" وتفجيرها من مسافة قريبة، قبل أن ينسحب المقاتلون وسط الغبار الكثيف والدمار. وفي السياق، أعلنت كتائب القسام -عبر حسابها في تليغرام- عن عمليات أخرى لاستهداف آليات الاحتلال بمناطق مختلفة في مدينة جباليا. وقالت القسام إن مقاتليها استهدفوا جرافة عسكرية من نوع "دي 9" بعبوة أرضية شديدة الانفجار، وذلك في منطقة مجاورة لمدرسة "أربكان" بمدينة جباليا، كما تم استهداف دبابتي "ميركافا" بعبوتين أرضيتين شديدتي الانفجار في شارع "الدّبور" وشارع غزة القديم بالمدينة وتم رصد هبوط الطيران المروحي للإجلاء، وذلك بتاريخ 14 يوليو/تموز 2025. كما استهدف مقاتلو القسام دبابة "ميركافا" إسرائيلية بعبوة أرضية شديدة الانفجار بجوار نادي نماء في مدينة جباليا بتاريخ 15 يوليو/تموز 2025، ودبابة أخرى في اليوم التالي بقذيفة "الياسين 105" في محيط المسجد العمري بالمدينة، ودبابة ثالثة بعبوة أرضية شديدة الانفجار في المكان ذاته يوم الخميس الماضي. ودأبت فصائل المقاومة في قطاع غزة على توثيق عملياتها ضد قوات جيش الاحتلال وآلياته في مختلف محاور القتال منذ بدء العملية البرية الإسرائيلية، حيث تنشر مقاطع مصورة تظهر تفاصيل دقيقة للكمائن والاشتباكات التي تنفذها ضد قوات الاحتلال، وتكبدها خسائر في الأرواح والمعدات.

مواقع إسرائيلية: إصابة جنديين بجروح خطيرة في خان يونس
مواقع إسرائيلية: إصابة جنديين بجروح خطيرة في خان يونس

الجزيرة

timeمنذ ساعة واحدة

  • الجزيرة

مواقع إسرائيلية: إصابة جنديين بجروح خطيرة في خان يونس

أفادت مواقع إسرائيلية بإصابة جنديين إسرائيليين، اليوم السبت، في خان يونس جنوبي قطاع غزة ، حيث تكثف المقاومة الفلسطينية عملياتها ضد قوات الاحتلال المتوغلة في المنطقة. وأفادت مصادر للجزيرة بهبوط مروحيات إجلاء إسرائيلية شرق خان يونس، وهي المنطقة التي شهدت مؤخرا عدة عمليات للمقاومة. وتحدثت مواقع إسرائيلية ومنصات إخبارية للمستوطنين عن "حدث أمني صعب" في خان يونس (وهو مصطلح إسرائيلي يشير لتعرض الجيش الإسرائيلي لهجوم)، وهبوط مروحيات لإجلاء مصابين باتجاه مستشفى سوروكا في بئر السبع، وذلك وسط رقابة عسكرية مشددة. كما أفادت مصادر إسرائيلية بإجلاء جنود مصابين -بعضهم حالتهم خطيرة- نحو مستشفى في أسدود التي لا تبعد كثيرا عن قطاع غزة. وأظهرت لقطات نشرتها مواقع إسرائيلية وصول جندي مصاب إلى المستشفى. وأفاد مراسل الجزيرة بتعرض وسط مدينة خان يونس لقصف جوي ومدفعي إسرائيلي، كما قالت قناة الأقصى الفضائية إن طيران الاحتلال شن غارات عنيفة على المنطقة التي أُصيب فيها الجنديان. وكثفت المقاومة عملياتها في الآونة الأخيرة بخان يونس، بما في ذلك منطقة عبسان شرق المدينة، مما أسفر عن قتلى وجرحى من الجنود الإسرائيليين. وتبنت كتائب القسام و سرايا القدس عدة عمليات في خان يونس، شملت تفجير آليات ومنازل مفخخة ومحاولة أسر جنود. وفي كلمة مصورة، نشرت أمس الجمعة وهي الأولى منذ مارس/آذار الماضي، قال أبو عبيدة -الناطق العسكري باسم كتائب القسام- إن قيادة القسام تتبنى في هذه المرحلة إستراتيجية تقوم على تكبيد قوات الاحتلال خسائر كبيرة في الأرواح، وتنفيذ عمليات نوعية، والسعي لأسر جنود.

غياب العين الأميركية في سيناء.. فجوة رقابية تربك إسرائيل
غياب العين الأميركية في سيناء.. فجوة رقابية تربك إسرائيل

الجزيرة

timeمنذ ساعة واحدة

  • الجزيرة

غياب العين الأميركية في سيناء.. فجوة رقابية تربك إسرائيل

واشنطن- رغم انشغال واشنطن العلني بالحرب في غزة وتداعياتها الإقليمية، فإن قرارها الصامت بتعليق طلعات المراقبة الجوية وتفتيش الأنفاق في شبه جزيرة سيناء يثير انتقادات حادة من الجانب الإسرائيلي، الذي اعتبر ذلك "انتهاكا خطيرا" لمعاهدة السلام "كامب ديفيد" الموقعة عام 1979 بين إسرائيل ومصر. ففي المنطقة التي لم تهدأ فيها الشكوك منذ توقيع المعاهدة، مثّل الدور الأميركي ضمانة ميدانية لالتزامات لا تملك القاهرة وتل أبيب آلية ثنائية موثوقة لمراقبتها. ومع غياب هذه الرقابة الدولية اليوم، يجد الحلفاء الثلاثة أنفسهم أمام فجوة أمنية غير معلنة، تتقاطع فيها حسابات السيادة المصرية في المنطقة، وهواجس إسرائيل من التهديدات الحدودية، وميل الإدارة الأميركية إلى تقليص وجودها العسكري في الشرق الأوسط. سياسة أميركية منذ اندلاع حرب غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، توقفت واشنطن عن تنفيذ طلعات المراقبة الجوية وعمليات تفتيش الأنفاق التي كانت تنفذها ضمن مهام قوة المراقبة المتعددة الجنسيات في سيناء. ورغم أنها جزء من التزاماتها بموجب اتفاقية كامب ديفيد ، فإن التعليق لم يُعلن عنه رسميا، ولم تقدم وزارة الدفاع أو الخارجية الأميركية مبررات. وتتهم تل أبيب القاهرة باتخاذ إجراءات أحادية تقوّض روح الاتفاق، إذ تكشف تقارير إسرائيلية عن أن مصر رفضت السماح لمفتشي القوة بتفتيش أنفاق يجري بناؤها في سيناء، وتشتبه في أنها قد تُستخدم لتخزين كميات كبيرة من الأسلحة الموجهة ضدها. ويرى الخبير الإستراتيجي جودت بهجت -الباحث بمركز الشرق الأدنى وجنوب آسيا بجامعة الدفاع الوطني التابعة للبنتاغون- أن تعليق الرقابة الأميركية لا يمثل مفاجأة، بل يعكس ما وصفه بالتحول المستمر في السياسة الأميركية التي تعطي الأولوية للداخل وتبتعد تدريجيا عن التزامات المراقبة العسكرية المباشرة في الشرق الأوسط. وأضاف للجزيرة نت أن الإدارة الأميركية الحالية -مثل سابقاتها- باتت تفضل الانخراط غير المباشر، وتقيّم تكلفة البقاء العسكري في مواقع ليست ضمن أولويات الأمن القومي العاجل، معتبرا أن ما جرى في سيناء هو مثال عملي على هذا التوجه، خاصة أن واشنطن تعتبر أن التنسيق الأمني المصري الإسرائيلي قادر -في الحد الأدنى- على إدارة الوضع ميدانيا دون تدخل مباشر. من جانبه، قلّل الخبير العسكري المصري العميد سمير راغب من أهمية القرار الأميركي، معتبرا أنه يأتي في سياق تطور طبيعي في أدوات المراقبة المتبعة منذ سنوات، وليس خروجا عن روح اتفاقية السلام. وأوضح للجزيرة نت أن التحول نحو تقنيات المراقبة غير البشرية بدأ منذ عهد وزير الدفاع الأميركي السابق آشتون كارتر عام 2016، الذي بدأ مع الجانبين المصري والإسرائيلي تخفيض عدد القوات الأميركية المشاركة في قوة المراقبة لصالح وسائل تكنولوجيا أكثر تطورا. ملفات ملحة وأشار راغب إلى أن القاهرة لم تكن لديها ممانعة حقيقية تجاه هذا التوجه، لا سيما أن التنسيق العسكري مع إسرائيل بشأن انتشار القوات في المنطقة (ج) -وهي المنطقة الأقرب للحدود مع إسرائيل والتي يُقيَّد فيها الوجود العسكري المصري بموجب المعاهدة- كان يجري بموافقة الطرفين، وفي إطار "مواجهة الإرهاب" وإنفاذ القانون بعد عام 2011. وأضاف "حتى عمليات انتشار مدرعات أو وحدات ثقيلة في سيناء كانت تتم بتفاهم مباشر مع إسرائيل وبتنسيق مع الولايات المتحدة". وبشأن تعليق الطيران بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، يرى أن الأولوية الأميركية انتقلت إلى ملفات أكثر إلحاحا مثل الحرب في غزة والمفاوضات المرتبطة بها، مرجحا أن الوجود العسكري الإسرائيلي الكثيف على الحدود مع القطاع، خاصة في ممر فيلادلفيا ، جعل المراقبة الأميركية غير ضرورية من منظور واشنطن. ولفت إلى أن كلفة الطلعات الجوية وتراجع الجدوى السياسية من استمرارها أسهما في اتخاذ القرار. ووفقا له، لا ترى القاهرة تأثيرا إستراتيجيا فعليا لهذا التعليق ما دام التنسيق الأمني مع إسرائيل قائما، وأن الخروقات الميدانية تبقى من الجانب الإسرائيلي في المقام الأول. وأضاف أن إسرائيل باتت تبدي قلقا مفرطا تجاه أي تطور عسكري مصري، حتى لو تم بالتنسيق، وهو ما يعكس نوعا من الهواجس المزمنة التي لا تؤثر حتى الآن على استقرار المعاهدة، ولا تنذر بأكثر من احتمال تصعيد كلامي ودبلوماسي في أقصى الحالات. في المقابل، عبّرت تل أبيب عن قلق متصاعد إزاء القرار، ونقلت صحيفة "يسرائيل هيوم" عن مسؤولين أمنيين قولهم إن غياب الرقابة الأميركية يفتح الباب أمام توسع مصري غير مراقب في شمال سيناء، ويمنع القوة المتعددة الجنسيات من التحقق ميدانيا من شبكة أنفاق يجري تشييدها في المنطقة. وتنظر إسرائيل إلى تلك الأنفاق على أنها مصدر تهديد محتمل، ليس فقط لأنها قد تُستخدم مستقبلا في تهريب أسلحة من غزة أو إليها، بل لأنها "تخرق مفهوم الشفافية العسكرية الذي يفترض أن تضمنه الرقابة الأميركية". وأشارت مصادر إسرائيلية إلى أن مصر اتخذت الأشهر الماضية خطوات عسكرية أحادية، من بينها نشر وحدات مدرعة قرب رفح، وإخطار الجانب الإسرائيلي بعد التنفيذ، وهو ما اعتُبر تجاوزا لآلية التنسيق المنصوص عليها في معاهدة السلام. أولويات واشنطن وخلال زيارة وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو إلى تل أبيب مطلع 2025، أثار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو -المطلوب ل لمحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة-​ المسألة بشكل مباشر، مطالبا بضرورة استئناف المراقبة، حسب ما ذكرته تقارير عبرية. واعتُبر هذا الطرح محاولة لإعادة ترتيب الأولويات في العلاقة الثلاثية، وللتذكير بأن أمن سيناء "جزء من التوازنات التي لا يجوز العبث بها"، كما صرّح بذلك مسؤول إسرائيلي للصحافة الإسرائيلية. يأتي صمت واشنطن بشأن هذه الخطوة في وقت يزداد فيه انخراطها في إدارة الأزمة المتفجرة في غزة، حيث تبدو أولوياتها الدبلوماسية والأمنية مشدودة نحو مسارات التهدئة والوساطات، وسط ضغوط داخلية متزايدة تتعلق بالانتخابات المقبلة وسقف الإنفاق الخارجي. لكن هذا التوجه ليس وليد اليوم، فقد سبق لإدارة الرئيس دونالد ترامب -خلال ولايته الأولى- أن درست بجدية تقليص أو حتى إنهاء الدور الأميركي في قوة سيناء، ضمن مراجعة أوسع للمهام العسكرية التي تعتبرها واشنطن "عبئا" أو غير مرتبطة بمصالحها الحيوية. وفي عام 2018، تبنى البنتاغون إستراتيجية جديدة تركز على مواجهة القوى الكبرى مثل الصين وروسيا والتخلي عن المهام الإرثية التي فقدت قيمتها العملية في نظر صانعي القرار. وقد عبّر رئيس هيئة الأركان المشتركة آنذاك، مارك ميلي، عن هذا التوجه صراحة بقوله "لدينا أمور كثيرة تراكمت على مدى 30 عاما. خذ سيناء مثلا، هل لا يزال نشر قواتنا هناك مهمة مبررة؟ إذا كان الجواب لا، وفق الإستراتيجية الجديدة، فعلينا إلغاؤها". ويفسّر محللون الصمت الأميركي الرسمي بشأن وقف الرقابة الجوية على أنه محسوب، ويحمل ضمنيا رسالة مفادها أن الأولوية الراهنة ليست في مراقبة اتفاقية عمرها 46 عاما، بل في إدارة تداعيات حرب غزة وتثبيت التوازنات العسكرية في ساحتها.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store