logo
متحف أولم الألمانية.. يحكي قصة أعرق علاقة بين الإنسان والخبز

متحف أولم الألمانية.. يحكي قصة أعرق علاقة بين الإنسان والخبز

الجزيرة٢٥-٠٥-٢٠٢٥
تتربع مدينة أولم الألمانية على ضفاف نهر الدانوب، حاملة بين جنباتها متحفا فريدا من نوعه، وهو متحف الخبز الذي تأسس عام 1955 ليحكي قصة أقدم علاقة بين الإنسان وطعامه اليومي.
هذا الصرح الثقافي والسياحي ليس مجرد مكان لعرض الأدوات القديمة، بل هو شاهد حي على تطور الحضارة الإنسانية من خلال رغيف الخبز، الذي يتربع على قائمة الأغذية في الغالبية الساحقة لبلاد العالم.
وإذا كانت الكنيسة العملاقة والنهر الشهير هي أبرز معالم المدينة الواقعة جنوبي ألمانيا، فإن متحف الخبز هو من دون شك أحد المعالم التي يجب ألا تفوت زوار المدينة، التي كانت مسقط رأس عالم الفيزياء الأشهر ألبرت أينشتاين.
النشأة والأهمية
يعود الفضل في تأسيس هذا المتحف إلى رجل الأعمال الألماني ويلي أيزنلو، الذي أراد توثيق العلاقة الوثيقة بين البشر والخبز عبر العصور، فاختار أيزنلو مبنى تاريخيا يعود إلى القرن السادس عشر ليكون مقرا لهذا المتحف الذي يجمع بين الأصالة والحداثة في عرضه لتاريخ الغذاء.
أقسام المتحف
يقدم المتحف لزواره رحلة زمنية شاملة، تبدأ من العصور الحجرية حتى يومنا هذا. ففي قسم العصور القديمة يمكن للزائر أن يشاهد أدوات طحن الحبوب البدائية التي استخدمها الإنسان قبل آلاف السنين، بما في ذلك الرَّحى الحجرية التي كانت الوسيلة الأساسية لصنع الدقيق. كما يضم المتحف نماذج نادرة من الخبز المصري القديم.
وينتقل الزائر بعد ذلك إلى قسم العصور الوسطى، حيث يكتشف كيف تحول الخبز من مجرد غذاء إلى عملة اجتماعية في أوروبا. وتعرض الوثائق التاريخية كيف كانت قيمة الخبز تتحدد بنوعية الدقيق المستخدم، وكيف أدى نقص هذه المادة الحيوية إلى ثورات واضطرابات اجتماعية، غيرت مجرى التاريخ.
وأما قسم الثورة الصناعية فيسلط الضوء على التحول الكبير في صناعة الخبز مع ظهور الآلات الحديثة في القرن التاسع عشر، حيث انتقلت صناعته من المنازل إلى المصانع الكبيرة، مما غير نمط الاستهلاك البشري للغذاء بشكل جذري.
الفنون والثقافة
يخصص المتحف قسما كاملا لاستكشاف مكانة الخبز في الفنون والآداب العالمية. وتتزين جدران المتحف بلوحات فنية تعود إلى عصور مختلفة، تجسد رمزية الخبز في الثقافات المتنوعة.
وضمن رسالته الثقافية، يقدم المتحف رؤية عميقة لأزمات الغذاء التي شهدها العالم عبر العصور، حيث تعرض قاعاته وثائق وصورًا توثق مجاعة أيرلندا الكبرى بين عامي 1845 و1849، بالإضافة إلى مواد تاريخية تظهر دور الخبز في الحروب العالمية، وكيف أصبح سلاحا إستراتيجيًا في الصراعات الدولية.
تعليم وتفاعل
لا يقتصر دور المتحف على العرض التاريخي، بل يقدم برامج تعليمية متنوعة تشمل وُرشا لصناعة الخبز التقليدي، حيث يتعلم الزوار وخاصة الأطفال كيفية تحويل الحبوب إلى رغيف. كما ينظم ندوات علمية حول مستقبل الأمن الغذائي، وهو ما يجعل من زيارته أشبه بوجبة متكاملة تجمع بين الثقافة والسياحة، وبين الفائدة والمتعة.
معلومات الزيارة
يفتح المتحف أبوابه يوميا من الساعة العاشرة صباحًا حتى الخامسة مساءً بالتوقيت المحلي، ويقدم خدمات متكاملة للزوار تشمل جولات إرشادية بعدة لغات، كما يضم مكتبة متخصصة في تاريخ الغذاء، ومتجرًا لبيع الهدايا التذكارية التي تحمل ذكريات هذه الرحلة الفريدة.
المكان والتنقل
تعد أولم أحد المراكز الإدارية في ولاية بادن-فورتمبيرغ، كما أنها أكبر مدينة في منطقة بوبنغن، وتوجد أولم بين مدينتين كبيرتين هما شتوتغارت وميونخ، كما أنها لا تبتعد كثيرا عن فرانكفورت، أكبر مركز مالي في ألمانيا.
المسافة من أولم إلى شتوتغارت (شمال غرب ألمانيا) تقدر بنحو 90 كيلومترا تقطعها السيارة أو القطار في نحو ساعة، وتصل المسافة من أولم إلى ميونخ (شرقا) نحو 150 كيلومترا، ويمكن الوصول إليها في ساعة وثلث الساعة بالقطار السريع، وتزيد المدة إلى ساعة و45 دقيقة بالسيارة.
والمسافة من أولم إلى فرانكفورت (شمالا) نحو 290 كيلومترا، يقطعها القطار في نحو ساعتين ونصف الساعة، وبالسيارة تتجاوز 3 ساعات بقليل.
رسالة إنسانية
لا تتجلى رسالة متحف الخبز في أولم في حفظ للذاكرة والتاريخ، وإنما هو منصة للتفكير في حاضر الغذاء ومستقبله، ففي عالم يشهد معاناة عشرات وربما مئات الملايين من سكانه من الجوع، يأتي هذا المتحف ليرسخ فكرة أن الخبز ليس مجرد مادة غذائية، بل هو جزء أساسي من تاريخنا وحضارتنا الإنسانية المشتركة.
وحسب تجربة "الجزيرة نت" في المكان، فإن الزائر يختتم جولته وهو يدرك أن وراء كل رغيف خبز قصة إنسان وحضارة وتاريخا، وأن هذا الغذاء البسيط يحمل في طياته دروسا عميقة عن الصراع من أجل البقاء، وعن الإبداع البشري في تحدي الطبيعة، وعن القيم التي تجمع الإنسانية جمعاء حول مائدة واحدة.
ولسان حال المتحف يقول "الخبز ليس مجرد طعام، بل هو ذاكرة الإنسانية المشتركة".
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

دراسة: البشر يستنزفون موارد الأرض بأسرع ما يمكن استعادته
دراسة: البشر يستنزفون موارد الأرض بأسرع ما يمكن استعادته

الجزيرة

timeمنذ 5 أيام

  • الجزيرة

دراسة: البشر يستنزفون موارد الأرض بأسرع ما يمكن استعادته

صادف يوم تجاوز موارد الأرض لعام 2025 يوم 24 يوليو/تموز، وهو التاريخ الذي استنفدت فيه البشرية كامل الميزانية السنوية للطبيعة من الموارد والخدمات البيئية، وفقا ل دراسة تحليلية لشبكة البصمة العالمية. وذكرت الدراسة أن سكان الكوكب يفرطون في الاستهلاك باستنزاف موارد الطبيعة بوتيرة أسرع مما تستطيع تجديده، وهو ما يتجلى في إزالة الغابات، وفقدان التنوع البيولوجي، وتراكم انبعاثات الكربون في الغلاف الجوي. وهذا جزء من سياق بدأ في أوائل سبعينيات القرن الماضي. ويأتي هذا اليوم، الذي يتم الاحتفال به سنويا، قبل أسبوع واحد فقط من تاريخ العام الماضي 2024، ويرجع ذلك أساسا إلى حقيقة أن المحيطات يمكن أن تمتص كميات أقل من ثاني أكسيد الكربون مما تم الإبلاغ عنه سابقا. وتشير الدراسة إلى أنه لو استهلك كل سكان الكوكب مثل سكان الولايات المتحدة، لكانت الموارد قد استنفدت بحلول 13 مارس/آذار. أما ألمانيا وبولندا، فاستنفدتا مواردهما في الثالث من مايو/أيار والصين وإسبانيا في 23 مايو/أيار، وجنوب أفريقيا في الثاني من يوليو/تموز. وتستهلك البشرية حاليا، موارد الطبيعة أسرع بنسبة 80% من قدرة النظم البيئية على الأرض على التجدد، ويحدث هذا الإفراط في الاستخدام نتيجةً لاستنزاف رأس المال الطبيعي، وهذا يُعرّض أمن الموارد على المدى الطويل للخطر. وتتجلى عواقب ذلك في إزالة الغابات، وتآكل التربة، وفقدان التنوع البيولوجي، وتراكم ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، وهذا يُسهم في ازدياد وتيرة الظواهر الجوية المتطرفة وانخفاض إنتاج الغذاء. ويُحدَّد يوم تجاوز موارد الأرض باستخدام أحدث إصدار من حسابات البصمة البيئية والقدرة البيولوجية الوطنية. وتُوفر وكالات الأمم المتحدة والهيئات التابعة لها، جميع بيانات المدخلات لحسابات شبكة البصمة العالمية، بعد مراجعة دورية لمجموعات بياناتها، وقد يُؤدي هذا إلى تحديثات في حسابات البصمة البيئية والقدرة البيولوجية التاريخية. ومن المراجعات الرئيسية هذا العام تعديل تنازلي لقدرة المحيطات على امتصاص الكربون، إلى جانب ارتفاع طفيف في بصمة الفرد وانخفاض طفيف في القدرة البيولوجية، أدى إلى تقديم يوم تجاوز موارد الأرض 8 أيام عن موعده عام 2024، وكانت 7 من هذه الأيام ناتجة عن مراجعات البيانات. تجاوز الحدود البيئية وظل يوم تجاوز موارد الأرض ثابتا نسبيا خلال العقد الماضي، ولكنه لا يزال يقع في بداية العام، أي بعد أقل من 7 أشهر. أما بقية العام، فتعيش البشرية على استنزاف رأس المال الطبيعي، وهذا يزيد من تآكل المحيط الحيوي. وحتى لو بقي التاريخ ثابتا، فإن الضغط على الكوكب يتزايد، مع تراكم الضرر الناجم عن تجاوز الموارد بمرور الوقت. فمنذ أن بدأ ما يعرف بالتجاوز البيئي العالمي في أوائل سبعينيات القرن الماضي، تراكم العجز السنوي ليُشكل دينا بيئيا متزايدا. ويُعادل هذا الدين حاليا 22 عاما من الإنتاجية البيولوجية الكاملة للأرض. وبعبارة أخرى، إذا كان التجاوز البيئي قابلا للعكس تماما، فسيستغرق الأمر 22 عاما من القدرة التجديدية الكاملة للكوكب لاستعادة التوازن المفقود. ومع ذلك، من غير المرجح أن يكون التجاوز البيئي بأكمله قابلا للعكس. وإذا استمر تجاوز الحد الأقصى للانبعاثات عند مستواه الحالي، فسينمو هذا الدين بنحو 0.8 سنويا. ومن العواقب الملموسة لهذا التجاوز التراكمي ارتفاع مستويات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي: فمنذ بدء تجاوز الحد الأقصى العالمي، زادت التركيزات بمقدار 100 جزء في المليون. ففي عام 1970، بلغت مستويات ثاني أكسيد الكربون 47 جزءا في المليون فوق مستويات ما قبل الصناعة، أما اليوم فهي أعلى بمقدار 147 جزءا في المليون. ويقول الدكتور لويس أكينجي، عضو مجلس إدارة شبكة البصمة العالمية "إننا نتجاوز حدود الضرر البيئي الذي يمكننا التغاضي عنه، فقد دخلنا الآن ربع القرن الـ21، ونحن مدينون لكوكبنا بما لا يقل عن 22 عاما من التجديد البيئي". ويضيف أكنجي أنه حتى "لو أُوقف أي ضرر إضافي الآن. إذا كانت البشرية لا تزال ترغب في اعتبار هذا الكوكب موطنا لها، فإن هذا المستوى من التجاوز يستدعي طموحا في التكيف والتخفيف من آثاره، من شأنه أن يُقزّم أي استثمارات تاريخية سابقة قمنا بها من أجل مستقبلنا المشترك"، من جهته، يقول الدكتور ماتيس واكرناجل، عضو مجلس إدارة شبكة البصمة العالمية: " نظرا لطبيعة الفيزياء، لا يمكن أن يدوم التجاوز. سينتهي إما بتصميم متعمد أو بكارثة مُلقاة على عاتقنا. لا ينبغي أن يكون اختيار الخيار الأفضل صعبا، لا سيما في ظل كثرة الخيارات المتاحة". وتشير الدراسة إلى أن الحلول والفرص التي يمكنها تأجيل يوم تجاوز طاقة الأرض في الاتجاه الصحيح تتوفر في 5 مجالات رئيسية، وهي المدن، والطاقة، والغذاء، والسكان، والكوكب، إذ سيؤدي خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من الوقود الأحفوري بنسبة 50% على سبيل المثال إلى تأجيل يوم تجاوز طاقة الأرض لمدة 3 أشهر فقط.

البشر يتبنون لغة الذكاء الاصطناعي دون أن يشعروا
البشر يتبنون لغة الذكاء الاصطناعي دون أن يشعروا

الجزيرة

timeمنذ 7 أيام

  • الجزيرة

البشر يتبنون لغة الذكاء الاصطناعي دون أن يشعروا

في ظاهرة تبدو كأنها خرجت من قصص الخيال العلمي، كشفت دراسة حديثة أن البشر بدؤوا بالفعل تبني أسلوب لغوي يشبه إلى حد كبير أسلوب الذكاء الاصطناعي التوليدي مثل تشات جي بي تي. هذا التحول الصامت، الذي رصده باحثون في معهد "ماكس بلانك لتنمية الإنسان" في برلين، لم يقتصر على المفردات فحسب، بل امتد إلى بنية الجمل والنبرة العامة للحديث، مما يثير تساؤلات عميقة حول مستقبل اللغة والتنوع الثقافي في عصر هيمنة الآلة ومنطقها في التفكير. تسلل إلى حواراتنا اليومية اعتمدت الدراسة، التي لم تنشر بعد في مجلة علمية وتتوفر حاليا كنسخة أولية على منصة (arXiv)، على تحليل دقيق لمجموعة ضخمة من البيانات اللغوية، شملت ما يقرب من 360 ألف مقطع فيديو من منصة يوتيوب الأكاديمية و771 ألف حلقة بودكاست. وقام الباحثون بمقارنة اللغة المستخدمة في الفترة التي سبقت إطلاق" تشات جي بي تي" في أواخر عام 2022 وما بعدها، وكانت النتائج لافتة. لاحظ الفريق البحثي زيادة حادة في استخدام ما أطلقوا عليه "كلمات جي بي تي"، وهي مفردات يفضلها النموذج اللغوي، مثل "delve" (يتعمق)، "meticulous" (دقيق)، "realm" (عالم/مجال)، "boast" (يتباهى/يتميز)، و"comprehend" (يستوعب). هذه الكلمات، التي كانت نادرة نسبيا في الحوار اليومي العفوي، شهدت طفرة في الاستخدام. على سبيل المثال، ارتفع استخدام كلمة "delve" وحدها بنسبة 48% بعد ظهور تشات جي بي تي. وللتأكد من هذه "البصمة اللغوية"، قام الباحثون باستخلاص المفردات التي يفضلها النموذج عبر جعله يعيد صياغة ملايين النصوص المتنوعة. ووجدوا أن استخدام هذه الكلمات في كلام البشر المنطوق ارتفع بنسبة قد تصل إلى أكثر من 50%، مما يؤكد أن التأثير لم يقتصر على النصوص المكتوبة، بل امتد إلى المحادثات اليومية. تغير في الأسلوب والنبرة المفاجأة الكبرى في الدراسة لم تكن في المفردات فحسب، بل في النبرة الأسلوبية العامة. لاحظ الباحثون أن المتحدثين بدؤوا يتبنون أسلوبا أكثر رسمية وتنظيما، وجملا أطول، وتسلسلا منطقيا يشبه إلى حد كبير المخرجات المنظمة للذكاء الاصطناعي، بعيدا عن الانفعالات العفوية والخصوصية اللغوية. هذه الظاهرة تعني أننا نشهد مرحلة غير مسبوقة: البشر يقلدون الآلات بطريقة واضحة. يصف الباحثون ما يحدث بأنه "حلقة تغذية ثقافية مغلقة" (closed cultural feedback loop)؛ فاللغة التي نعلمها للآلة تتحول، بشكل غير واع، إلى اللغة التي نعيد نحن إنتاجها. يقول ليفين برينكمان، أحد المشاركين في الدراسة: "من الطبيعي أن يقلد البشر بعضهم بعضا، لكننا الآن نقلد الآلات"، في مشهد يؤكد تحول الذكاء الاصطناعي إلى مرجعية ثقافية قادرة على التأثير في الواقع البشري. تآكل التنوع اللغوي رغم الطابع الطريف الذي قد تبدو عليه هذه الظاهرة، فإن الدراسة تحمل في طياتها تحذيرا جادا حول مستقبل التنوع الثقافي واللغوي. يلفت الباحثون الانتباه إلى أن اعتمادنا المفرط على أسلوب لغوي موحد، حتى لو بدا أنيقا ومنظما، قد يؤدي إلى تآكل الأصالة والتلقائية والخصوصية التي تميز التواصل الإنساني الحقيقي. وفي هذا السياق، يحذر مور نعمان ، الأستاذ في معهد "كورنيل تك"، من أن اللغة عندما تكتسب طابع الذكاء الاصطناعي قد تفقد الآخرين ثقتهم في تواصلنا، لأنهم قد يشعرون بأننا نسعى لتقليد الآلة أكثر من التعبير عن ذواتنا الحقيقية. تشير الدراسة إلى أن ما بدأ كأداة للمساعدة في الكتابة والبحث قد تحول إلى ظاهرة ثقافية واجتماعية مرشحة للتوسع. فإذا كان الإنترنت قد أدخل على لغتنا اختصارات تقنية مثل "LOL"، فإن ما يحدث اليوم هو انعكاس مباشر لعلاقة أعمق وأكثر تعقيدا بين الإنسان والذكاء الاصطناعي. وتؤكد هذه النتائج أن اللغة ليست مجرد كلمات، بل هي مرآة للسلطة الثقافية ومنبع للهوية. ومع تحول الذكاء الاصطناعي إلى جزء من هذه السلطة، فإن تبنينا لأسلوبه قد يعني أننا، وبشكل غير محسوس، نفقد جزءا من شخصيتنا وهويتنا اللغوية الفريدة في ساحة معركة هادئة تكتب فيها فصول جديدة من تاريخ التواصل البشري.

التمنودونتوصور.. زاحف بحري احترف الصيد في الظلام قبل 183 مليون سنة
التمنودونتوصور.. زاحف بحري احترف الصيد في الظلام قبل 183 مليون سنة

الجزيرة

time٢٢-٠٧-٢٠٢٥

  • الجزيرة

التمنودونتوصور.. زاحف بحري احترف الصيد في الظلام قبل 183 مليون سنة

في اكتشاف مذهل يسلط الضوء على أسرار عصور ما قبل التاريخ كشف فريق بحثي دولي عن حفرية نادرة لزعنفة كائن بحري عملاق يعرف باسم "تمنودونتوصور"، أي الزاحفة قاطعة الأسنان. ويعد التمنودونتوصور أحد أنواع الإكثيوصورات (زواحف بحرية من العصر الطباشيري تشبه الدلافين) التي عاشت قبل نحو 183 مليون عام، وأظهرت هذه المفترسات البحرية قدرات صيد صامتة شبيهة بتلك التي تتمتع بها طيور البوم في الظلام. وتقدم الدراسة -التي نشرت يوم 16 يوليو/تموز الجاري في مجلة "نيتشر" وشارك فيها علماء من تخصصات متعددة شملت علم الحفريات والهندسة والفيزياء وعلوم الأحياء- أدلة غير مسبوقة على تكيفات مدهشة لدى هذا الزاحف البحري القديم مكنته من الحركة بصمت في أعماق البحر أو خلال ساعات الليل، مما يشير إلى إستراتيجية صيد معقدة كانت تضمن له تفوقا قاتلا على فرائسه في بيئة منخفضة الإضاءة. قصة تطور غير مسبوقة ويوضح المؤلف الرئيسي للدراسة يوهان ليندغرين المحاضر في البيولوجيا الجزيئية لما قبل التاريخ بجامعة لوند في السويد أن التحاليل أظهرت أن شكل الزعنفة أشبه بجناح، مع غياب العظام من الطرف النهائي وحافة خلفية مسننة على نحو واضح. ويوضح ليندغرين في تصريحات للجزيرة نت أن هذه الصفات كلها تشير إلى أن الحيوان طوّر وسائل لتقليل الضجيج الناتج عن السباحة بشكل شبيه بالبوم الذي تطورت ريشاته ليصطاد بهدوء تام ليلا. "لم نشهد مثل هذه التكيفات المعقدة في أي حيوان بحري من قبل" كما أوضح ليندغرين، ويضيف أن هذا الاكتشاف الفريد يعود إلى جامع حفريات ألماني يدعى جورج جولتز الذي عثر صدفة على الزعنفة الأحفورية أثناء تنقيبه عن الحفريات في موقع مؤقت بمحاذاة طريق في بلدة دوتيرنهاوزن بألمانيا، وتبين لاحقا أنها تمثل زعنفة أمامية شبه كاملة تتضمن الجانبين الداخلي والخارجي، مما سمح للفريق بتحليل تفاصيلها الدقيقة. ويقول ليندغرين "المثير في هذه الزعنفة أنها احتفظت بأنسجة رخوة متحجرة، وهو أمر نادر للغاية، خاصة عند الكائنات البحرية العملاقة، ففي السابق اقتصرت بقايا الأنسجة الرخوة على أنواع صغيرة من الإكثيوصورات لا يتجاوز حجمها حجم الدلافين، أما في هذا الاكتشاف فقد تم توثيق أول نسيج رخوي محفوظ لكائن بحري يزيد طوله على 10 أمتار". من أعماق التاريخ إلى مستقبل البحار تتميز الزعنفة الخاصة بهذا الكائن بحافتها الخلفية المسننة التي تحتوي على هياكل معدنية دقيقة شبيهة بالعصيات الغضروفية، ولم يسبق رؤيتها في أي كائن حي أو منقرض، وفقا للدراسة. ويشير المؤلفون إلى أن هذا النوع من الإكثيوصورات امتلك عيونا عملاقة بحجم كرة القدم، وهي الأكبر بين الفقاريات المعروفة، مما يعزز الفرضية القائلة إنه كان يتغذى في بيئات مظلمة، سواء في أعماق البحر أو خلال الليل. الجانب الأكثر إلهاما في الدراسة لا يقتصر فقط على الجوانب التطورية، بل يمتد ليشمل الحاضر والمستقبل، فالصمت الذي تميز به هذا الزاحف قد يحمل دروسا للبشرية في تقليل التلوث الصوتي البحري الناتج عن أنشطة السفن والسونارات العسكرية والمسح الزلزالي ومزارع الرياح البحرية، بحسب الباحث. ويوضح المؤلف الرئيسي للدراسة أن الفريق البحثي استعان بمجموعة من الأساليب المتطورة لدراسة العينة شملت التصوير بأشعة السينكروترون والتحليل الطيفي بالأشعة تحت الحمراء والنمذجة الحاسوبية لديناميكيات السوائل، بالإضافة إلى تحاليل جزيئية دقيقة. ويقول ليندغرين إن "القدرة على إعادة بناء قدرات التخفي لدى حيوان منقرض بهذه الدقة أمر رائع بحد ذاته، لكن ما يضاعف أهمية هذا الاكتشاف هو إمكانية استخدامه كمصدر إلهام لتقنيات تساعد في تقليل التأثيرات السلبية للضوضاء البشرية على الحياة البحرية الحديثة".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store