logo
الغرب "الحضاري" الذي يدافع عنه نتنياهو..!

الغرب "الحضاري" الذي يدافع عنه نتنياهو..!

الغدمنذ 2 أيام
يقدم بنيامين نتنياهو نفسه، بلا كلل، بوصفه المدافع الأخير عن «الغرب»، لا كجغرافيا «مهددة» فحسب، وإنما كمالك حصري لما يسميه «القيم الحضارية والديمقراطية المشتركة» مع كيانه. وهو يريد بذلك تسويق وحشية كيانه على شعوب الغرب لا كفاعل منعزل، وإنما كحارس متقدم للغرب في منطقة «معادية».
اضافة اعلان
ومع ذلك، ربما يكون هذا هو الإعلان الصادق تمامًا من بين إعلاناته الكاذبة الكثيرة، والذي تصادق عليه عواصم الغرب بعدم الاعتراض، وتثمنه الولايات المتحدة عاليًا وتمجد صاحبه كـ»بطل». وإذا كان ثمة شيء يقوله دعم الغرب لنتنياهو وكيانه، فهو أنهما لا يسيئان تمثيل الغرب، وإنما يحسنان تمثيله بمنتهى الأمانة والوفاء للأصل.
الحقيقة التي يؤكدها نتنياهو، بالقول والفعل، هي أن الاتحاد بين كيانه – بما هو- والغرب عضوي، يتعدى المصالح إلى «المنظومة القيمية»، والرابطة «الحضارية والأخلاقية» المشتركة. وتعرض هذه «القيم المشتركة» نفسها بلا رتوش في مشهد غزّة المدمرة، حيث الوحشية تتجلى مجسدة. ثمة الاستيلاء على الأرض، وتدمير الممتلكات وسبل العيش، والتجريد من الإنسانية، والفصل العنصري، والتطهير العرقي، والإبادة الجماعية، ومحو كل ما يمثل الفلسطينيين كشعب يراد شطبه من العالم – وكل هذا موثق بالصوت والصورة في الوقت الفعلي، ومدان من منظمات حقوق الإنسان والمسؤولين الأممين والمحاكم الدولية. وفي كل هذا، لا يتظاهر الغرب بالحياد أو الاعتراض، بل يشارك عمليًا في هذه الجرائم، بالتسليح، والتبرير، وتوفير الغطاء السياسي والقانوني.
قد يبدو هذا الموقف من إحدى الزوايا تناقضًا بين مبادئ الغرب المعلنة وممارساته الفعلية، لكنّ من الممكن بنفس المقدار رؤيته كتطابق مثالي بين المبدأ والممارسة، اعتمادًا على تفسير الغرب للمبدأ. كما يبدو واضحًا الآن، لم ينظر الغرب مطلقًا إلى القيم التي يتحدث عنها -حقوق الإنسان، والديمقراطية، والحرية، وسيادة القانون- كمبادئ كونية، وإنما كامتيازات حصرية، ممنوحة –إلهيًا- للبيض، ومحجوبة عن الذين يصنفهم الغرب كـ»آخرين» غير جديرين بشيء، بل وكعبء على الإنسانية.
ثمة في الحقيقة تماثل ملفت بين فكرتي «شعب الله المختار» و»عبء الرجل الأبيض» المكلف إلهيًا بالمهمة المضنية: «تمدين الهمجيين» في جنوب العالم، ولو بالغزو والاستعباد والإبادة. وعندما لا يعترض الغرب على ادعاء نتنياهو بأنه يدافع عن «الحضارة الغربية»، فلأنه يدافع عن نفس نظام السيطرة والإقصاء، ونفس الرؤية المغلقة والحصرية لماهية الإنسانية.
ليس صدفة أن يكون أكثر حلفاء الكيان حماسة في الغرب هم أنفسهم قوى إمبريالية سابقة أو حالية -دول بُنيت على الغزو وإخضاع الشعوب الأخرى. ما يزال إرث الإمبراطورية يشكّل نظرة الغرب العالمية: سواء في التحامل المتحيز، أو في البنى المؤسسية، أو المنطق الجيوسياسي، أو الروابط العاطفية. ربما تُعجب دول الغرب بالكيان بسبب طبيعته الاستعمارية الاستيطانية بالضبط، كنوع من الحنين إلى الأصول، أو كنوع من الشعور بالامتداد كما يرى الأب امتداده في الأبناء –خاصة بالنسبة أميركا صاحبة أبشع الإبادات الجماعية في التاريخ، ككيان استعماري استيطاني إحلالي هي نفسها. وثمة بالتأكيد المصلحة العملية المتعلقة بالهيمنة.
لا تتعلق المسألة بنتياهو وتصوراته وإنما بما هو عليه الغرب نفسه. إنه لم يتجاوز، كما يبدو، تاريخه الاستعماري بقدر ما غيَّر أدواته وقطّر لغته فحسب. ما يزال إطاره الأخلاقي قبَليًا، إقصائيًا، مشروطًا، نخبويًا، منافقًا، وقائمًا على التفوّقية. ولم يكن الأمر غير ذلك في أي وقت. كانت «النبالة» في الغرب مقرونة بالتعالي والغنى والفروسية، و»القيم» خليطًا من المتناقضات. في منظومته تعايَش «التنوير» مع تجارة العبيد، وتعايشت الديمقراطية الليبرالية مع الغزوات الإبادية، وإعلانات الحقوق مع الحرمان المنهجي لـ»الآخر» من الحرية والحقوق. وما نراه الآن من التواطؤ في غزة هو وفاء لهذه التقاليد وليس قطيعة معها. إنه التجسيد المثالي المتحقق لماهية «النظام العالمي القائم على القواعد» –كما تصوره وأراده الذين صاغوه.
ثمة خبر جيد في كل هذا: شرع التماهي الذي أفصح عن نفسه بلا مواربة بين سياسات الغرب الرسمية ووحشية الكيان الصهيوني الاستعماري في إضعاف السلطة الأخلاقية للحكومات الغربية في نظر مواطنيها. لم يعد كثيرون من مواطني الغرب يقبلون ادعاءات قادتهم بدعم حقوق الإنسان والعدالة والقانون الدولي، بينما يقدمون في الوقت نفسه دعمًا غير مشروط لنظام متهم بارتكاب جرائم حرب وممارسة الفصل العنصري. وأصبحنا نشهد احتجاجات جماهيرية -مليونية أحيانًا- في عواصم المركز الإمبريالي نفسها، كتعبيرات عن خيبة الأمل السياسية، واستنطاق علني للنفاق المتأصل في السياسة الخارجية الغربية. بطريقة ما، بدأ تحالف هذه الحكومات مع وحشية الكيان يقوض الثقة بها وشرعيتها في الداخل أيضًا.
في جنوب العالم –حيث نحن- ما يزال البعض معجبين بـ»قيم الغرب» نفسها التي تبرر –وتدعم- الاستعمار والعقاب الجماعي وامتهان الشعوب بحجة «الأمن» و»التمدين»، ويقبلونها كإطار أخلاقي جامع، واضعين أنفسهم مع نتنياهو في خانة واحدة. ينبغي لمواطني الجنوب أن يتعاملوا مع «أخلاق الغرب» التي يفضحها تماهيها مع «أخلاق» نتياهو وكيانه، كمنظومة معيبة، تميزها ازدواجية عميقة في التفسير والمعايير. ينبغي أن تطالب جماهير الجنوب بتفكيك خطاب التفوق الأخلاقي الغربي، وفضح تواطئه البنيوي مع مشاريع السيطرة والاستعمار. ينبغي بناء تحالفات جنوبية قائمة على العدالة المتبادلة ووحدة تفسير المبادئ الكونية بلا انتقائية. علينا أن نستعيد ثقتنا بفهمنا للأخلاق، ونرفض قياس جزئنا من العالم –إنسانيًا- بمعايير صُممت لخدمة القوة. ينبغي أن نصوغ رؤيتنا للعالم –ودورنا فيه- على أساس تجربتنا التاريخية مع الاستعمار والتحرر، لا على أساس تعريفات يفرضها الجلاد ودعائيوه.
للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

'يعاني من مشكلة'.. ترامب يشعل ضجة وتكهنات مجددا بتصريحات عن سد النهضة الإثيوبي
'يعاني من مشكلة'.. ترامب يشعل ضجة وتكهنات مجددا بتصريحات عن سد النهضة الإثيوبي

رؤيا نيوز

timeمنذ 3 دقائق

  • رؤيا نيوز

'يعاني من مشكلة'.. ترامب يشعل ضجة وتكهنات مجددا بتصريحات عن سد النهضة الإثيوبي

أدلى الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب بتصريحات جديدة عن سد النهضة التي بنته إثيوبيا على النيل الأزرق، مجددا تحذيراته من مخاطر السد على حياة الشعب المصري، وسط ضجة كبيرة وتكهنات عن تكرار تلك التصريحات وتوقيتها والغرض منها . وقال ترامب في تصريحات، مساء الجمعة: 'تم التعامل مع مصر وإثيوبيا، كما تعلمون كانتا تتقاتلان بسبب السد، إثيوبيا بنت السد بأموال الولايات المتحدة إلى حد كبير، إنه واحد من أكبر السدود في العالم'، حسب قوله . وأضاف الرئيس الأمريكي في تصريحاته التي نقلتها وسائل إعلام وتداولها مستخدمون على منصة 'إكس'، تويتر سابقا: ' لكنه يعاني من مشكلة صغيرة، إنه لا يسمح بمرور الكثير من المياه إلى نهر النيل، يمكنكم أن تتخيلوا أن مصر غير سعيدة بذلك، لأنها تعتمد في حياتها على نهر النيل، النيل هو دمها، هو قلبها، هو كل شيء لها، نعتقد أننا تعاملنا مع هذا الموضوع بشكل جيد إلى حد بعيد '. وأردف ترامب في كلمته: 'لكن ما حدث كان أمرا سيئا، كنت أتابع الأمر أثناء بناء السد، تلقيت صورا وأقمارا صناعية وكل شيء ونظرت إلى هذا السد الضخم، وقلت هل سيمنع المياه من الوصول إلى نهر النيل؟ على أي حال لم يكن يجب أن يحدث الأمر بهذه الطريقة، لكن تم تمويله من قبل الولايات المتحدة، كل هذا يبدو مجنونا بعض الشيء، وأعتقد أن هذا الأمر سيحل على المدى الطويل '. وتعتبر تصريحات ترامب عن السد الإثيوبي هي الثالثة خلال أيام، مما أشعل تفاعلا وتكهنات مختلفة من مستخدمين عبر منصات التواصل الاجتماعي وسط تكهنات بشأن تكرار تلك التصريحات وتوقيتها . وكان ترامب أثار ضجة، مساء الاثنين الماضي، بتصريحات عن سد النهضة الإثيوبي، واعترافه بتمويل أمريكا لبناء السد على النيل الأزرق. وقال ترامب في تصريحات خلال لقائه مع مارك روته الأمين العام لحلف شمال الأطلسي 'الناتو' في البيت الأبيض: 'لقد عملنا على ملف مصر مع جار قريب (إثيوبيا)، وهم جيران جيدون وأصدقاء لي، لكنهم بنوا السد وهو ما أدى وقف تدفق المياه إلى ما يعرف بنهر النيل'. وأضاف الرئيس الأمريكي: 'أعتقد أنني لو كنت مكان مصر فسأرغب في وجود المياه في نهر النيل، نحن نعمل على حل هذه المشكلة، لكنها ستُحل. لقد بنوا واحدا من أكبر السدود في العالم، على بعد بسيط من مصر، كما تعلمون، وقد تبين أنها مشكلة كبيرة، لا أعلم، أعتقد أن الولايات المتحدة مولت السد، لا أعرف لماذا لم يحلوا المشكلة قبل بناء السد'. وردا على تلك التصريحات، قال الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي في تدوينة نشرها حسابه الرسمي على منصة 'إكس'، تويتر سابقا: 'تثمّن مصر تصريحات الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب التي تبرهن على جدية الولايات المتحدة تحت قيادته في بذل الجهود لتسوية النزاعات ووقف الحروب…وتقدر مصر حرص الرئيس ترامب على التوصل إلى اتفاق عادل يحفظ مصالح الجميع حول السد الإثيوبي، وتأكيده على ما يمثله النيل لمصر كمصدر للحياة'.

اتفاق أردني سوري أميركي على خطوات عملياتية تستهدف تنفيذ وقف إطلاق النار بالسويداء
اتفاق أردني سوري أميركي على خطوات عملياتية تستهدف تنفيذ وقف إطلاق النار بالسويداء

رؤيا نيوز

timeمنذ 3 دقائق

  • رؤيا نيوز

اتفاق أردني سوري أميركي على خطوات عملياتية تستهدف تنفيذ وقف إطلاق النار بالسويداء

عقد نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية وشؤون المغتربين أيمن الصفدي، ووزير الخارجية والمغتربين السوري أسعد الشيباني، وسفير الولايات المتحدة الأميركية لدى الجمهورية التركية والمبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا توماس بارِك، السبت، مباحثات ثلاثية تناولت الأوضاع في سوريا، وجهود تثبيت وقف إطلاق النار الذي أُنجِز فجر اليوم حول محافظة السويداء السورية حقنًا للدم السوري وحفاظًا على سلامة المواطنين. وخلال اللقاء أكّد الصفدي وبارِك دعمهما اتفاق وقف إطلاق النار وجهود الحكومة السورية المُستهدِفة تطبيقه. كما شدّدا على وقوف المملكة والولايات المتحدة وتضامنهما الكامل مع سوريا وأمنها واستقرارها وسيادتها وسلامة ووحدة أراضيها وسلامة مواطنيها، مشدّدين على أن أمن سوريا واستقرارها ركيزة لاستقرار المنطقة. واتفق الصفدي والشيباني وبارِك على خطوات عملياتية تستهدف دعم سوريا في تنفيذ الاتفاق، بما يضمن أمن واستقرار سوريا ويحمي المدنيين، ويضمن بسط سيادة الدولة وسيادة القانون على كل الأرض السورية. وتضمنت الخطوات العملياتية مواضيع تتعلق بتثبيت وقف إطلاق النار، ونشر قوات الأمن السورية في محافظة السويداء، وإطلاق سراح المُحتجَزين لدى كل الأطراف وجهود المصالحة المجتمعية في المحافظة، وتعزيز السلم الأهلي، وإدخال المساعدات الإنسانية. كما رحّب الصفدي وبارِك بالتزام الحكومة السورية بمحاسبة كل المسؤولين عن التجاوزات بحق المواطنين السوريين في محافظة السويداء، ودعم الجهود المُستهدِفة نبذ العنف والطائفية ومحاولات بث الفتنة والتحريض والكراهية. وثمّن الشيباني دور وجهود المملكة والولايات المتحدة الأميركية في التوصل إلى وقف لإطلاق النار وجهود تنفيذه، وضمان أمن واستقرار سوريا وسلامة مواطنيها.

"الأونروا": مساعدات تكفي غزة لـ3 أشهر بانتظار الدخول
"الأونروا": مساعدات تكفي غزة لـ3 أشهر بانتظار الدخول

الغد

timeمنذ 33 دقائق

  • الغد

"الأونروا": مساعدات تكفي غزة لـ3 أشهر بانتظار الدخول

أعلنت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، اليوم السبت، أن لديها مخزونا غذائيا كافيا لتلبية احتياجات جميع سكان قطاع غزة لمدة تتجاوز 3 أشهر، إلا أن هذه المساعدات ما تزال محتجزة في المستودعات بانتظار التصاريح اللازمة لإدخالها إلى القطاع. اضافة اعلان وأوضحت الوكالة الأممية، في منشور عبر منصة "إكس"، أن هذه الإمدادات جاهزة للتوزيع، وتشمل مواد مخزنة في مستودعات بمدينة العريش المصرية، مشيرة إلى أن الأنظمة اللوجستية جاهزة وتعمل بكفاءة. وجددت الوكالة دعوتها إلى فتح المعابر ورفع الحصار، مؤكدة استعدادها الكامل لأداء واجبها الإنساني في إيصال المساعدات لسكان القطاع، بمن فيهم نحو مليون طفل.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store