logo
#

أحدث الأخبار مع #أزمة_دبلوماسية

هل مولت الولايات المتحدة بناء «سد النهضة» الإثيوبي؟
هل مولت الولايات المتحدة بناء «سد النهضة» الإثيوبي؟

الشرق الأوسط

timeمنذ 2 أيام

  • سياسة
  • الشرق الأوسط

هل مولت الولايات المتحدة بناء «سد النهضة» الإثيوبي؟

في أقل من شهر انتقد الرئيس الأميركي دونالد ترمب مرتين ما وصفه بـ«تمويل الولايات المتحدة» لـ«سد النهضة» الإثيوبي على نهر النيل، خلال سنوات سابقة. ورغم النفي الإثيوبي لذلك، فإن تصريحات ترمب المتكررة طرحت تساؤلات حول حقيقة تمويل واشنطن للسد، الذي يثير توترات مع دولتي المصب مصر والسودان. وفي منتصف يونيو (حزيران) الماضي، خرج ترمب بتصريح مثير للجدل قال فيه إن «الولايات المتحدة موّلت بشكل غبي (سد النهضة) الذي بنته إثيوبيا على النيل الأزرق، وأثار أزمة دبلوماسية حادة مع مصر». والاثنين الماضي، كرر الحديث نفسه في مؤتمر صحافي مشترك مع الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، مارك روته، بالبيت الأبيض، قائلاً: «إن الولايات المتحدة موّلت السد، وإنه سيكون هناك حل سريع للأزمة». ورد وزير المياه والطاقة الإثيوبي، هبتامو إتيفا، على تصريحات ترمب الأولى، قائلاً عبر موقع «إكس»: «(سد النهضة) مشروع محلي بناه الشعب من أجل الشعب، وليس بمساعدات أجنبية». ترمب والسيسي في لقاء سابق بواشنطن خلال ولاية الرئيس الأميركي الأولى (الرئاسة المصرية) وانتقد الأكاديمي الإثيوبي الدكتور أبيل أباتي ديميسي، وهو زميل مشارك في «برنامج أفريقيا» بـ«معهد تشاتام هاوس» بلندن، تصريحات ترمب قائلاً لـ«الشرق الأوسط»، إنها «مليئة بالمغالطات». وأوضح: «الولايات المتحدة لم تموّل بناء السد بالطبع، فقد عارضت البناء منذ البداية، خشية نشوب توتر مع مصر، كما حاول ترمب التوسط بين أديس أبابا والقاهرة، لكن الوساطة فشلت في النهاية». ديميسي المقيم في أديس أبابا، يرى أن أميركا «تتوسط مرة أخرى بين مصر وإثيوبيا، مع الأخذ في الاعتبار أن مغالطات ترمب ستؤثر على روح جهود الوساطة وحسن نيتها ونتائجها، لكن إثيوبيا لن ترفضها قطعاً، خصوصاً أن التوتر بين أديس أبابا والقاهرة له تداعيات سلبية عدة، ليس فقط على مشاريع نهر النيل، لكن أيضاً على استقرار المنطقة». يتفق معه الباحث السياسي الإثيوبي فهد العنسي، الذي قال لـ«الشرق الأوسط»، إن «الادعاءات الأميركية عارية تماماً عن الصحة، ولا تستند إلى أي دليل موثوق»، لافتاً إلى أن «مخطط مشروع (سد النهضة) كان قائماً على أساس أن يتم الانتهاء منه خلال فترة زمنية لا تتجاوز خمس سنوات، إلا أن غياب التمويل الخارجي، واعتماد الحكومة الإثيوبية بشكل كامل على التمويل المحلي، أدّيا إلى تأخير كبير في التنفيذ، وامتداد فترة البناء إلى ما يقارب 14 عاماً». «سد النهضة» الإثيوبي (حساب رئيس الوزراء الإثيوبي على «إكس») المسؤول السابق في وزارة الدفاع الأميركية، ديفيد دي روش، فسّر ما قد يعنيه ترمب بـ«تمويل أميركا للسد الإثيوبي» قائلاً في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: «الرئيس ترمب ذو خلفية تجارية، لا حكومية. لذلك، لديه رؤية أكثر واقعية لقابلية استبدال الأموال، مقارنةً بالمسؤولين الحكوميين الحاليين». وأوضح: «لم تُسهم الولايات المتحدة بشكل مباشر في بناء (سد النهضة)، لكنها قدمت في السنوات الأخيرة مساعدات لإثيوبيا بمعدل يزيد على مليار دولار سنوياً... ربما يعني ترمب، أن الحكومة الإثيوبية استخدمت هذه الأموال لتمويل برامجها، ما أتاح لها توفير أموال لبناء سد النهضة». ويعد دي روش، الذي يعمل حالياً أستاذاً في «مركز الشرق الأدنى وجنوب آسيا للدراسات الاستراتيجية» (NESA) بـ«جامعة الدفاع الوطني» في واشنطن، من المقربين لإدارة ترمب. لقاء بين السيسي وآبي أحمد على هامش «القمة الأفريقية-الروسية» عام 2019 (الرئاسة المصرية) وفي أكتوبر (تشرين الأول) 2020، حينما شاركت واشنطن في مفاوضات السد، أدلى ترمب بتصريح يشير إلى أن الولايات المتحدة لعبت دوراً في الوضع، لكنه لم يقل صراحة إن الولايات المتحدة دفعت أموالاً لبناء السد. وبدلاً من ذلك، أشار إلى المساعدات الخارجية التي قدمتها الولايات المتحدة إلى إثيوبيا التي تبلغ في المتوسط 1.5 مليار دولار سنوياً، وأن بلاده فعلت الكثير لإثيوبيا، «ربما هذا ما يقصده من القول بمشاركة الولايات المتحدة في المشروع»، كما يشير الأكاديمي، عضو الحزب الجمهوري الأميركي، فرانك مسمار. وأوضح مسمار لـ«الشرق الأوسط»، أن «مشروع بناء السد الذي تبلغ تكلفته 4.6 مليار دولار بدأ عام 2011، ولا يزال يتطلب 578,127.83 دولار لإكماله، أي ما يقرب من 7 في المائة من الناتج القومي الإجمالي لإثيوبيا. ورغم النجاح المحلي في جمع التبرعات، قوبلت مساهمات الإثيوبيين والمنحدرين من أصل إثيوبي الذين يعيشون في الخارج، بالتشكيك بسبب البيئة السياسية في إثيوبيا. كما أن الحكومة الصينية قدمت مبلغاً كبيراً من التمويل الدولي للبنية التحتية للطاقة الكهرومائية للسد، ما يسلط الضوء على الدعم العالمي للمشروع، وبالتالي، لا يمكن النجاح في إكمال (سد النهضة) من دون دعم مالي صريح، أو مساعدات من المؤسسات المالية الغربية». رئيس الوزراء الإثيوبي خلال تفقد أعمال الإنشاءات بـ«سد النهضة» في أغسطس الماضي (قناته على «تلغرام») ولم تعلق مصر رسمياً على تصريحات ترمب لكنها استبشرت بإمكانية التدخل الأميركي لحل النزاع. وعبَّر الرئيس عبد الفتاح السيسي، عن تقديره لتصريحات ترمب، قائلاً إنها «تبرهن على جدية الولايات المتحدة في تسوية النزاعات ووقف الحروب». وأضاف في بيان، الثلاثاء: «إن مصر تقدر حرص الرئيس ترمب على التوصل إلى اتفاق عادل يحفظ مصالح الجميع حول السد الإثيوبي، وتأكيده على ما يمثله النيل لمصر بوصفه مصدراً للحياة». ولا يعتقد الخبير المصري في الشؤون الأفريقية، الدكتور رأفت محمود، أن الولايات المتحدة موّلت بناء السد بشكل مباشر، لكنه أوضح لـ«الشرق الأوسط»، أن «فكرة بناء السد ذاتها تخطيط أميركي منذ خمسينات القرن الماضي عبر مركز بحوث الزراعة الأميركي الذي ذهب ودرس مواقع لإقامة سدود على نهر النيل ومنها سد النهضة، رداً على قيام مصر ببناء السد العالي وقتها بدعم من الاتحاد السوفياتي». وبالتالي، فإن واشنطن «خططت ورعت بناء هذا السد وهذا أهم من فكرة التمويل المباشر، فضلاً عن وجود مساعدات أميركية لأديس أبابا لم تتوقف». «فكرة بناء السد ذاتها تخطيط أميركي منذ خمسينات القرن الماضي عبر مركز بحوث الزراعة الأميركي الذي ذهب ودرس مواقع لإقامة سدود على نهر النيل ومنها سد النهضة، رداً على قيام مصر ببناء السد العالي وقتها بدعم من الاتحاد السوفياتي». الدكتور رأفت محمود متوسط حجم المساعدات الخارجية التي قدمتها الولايات المتحدة إلى إثيوبيا

بوتين وترامب.. ونهاية شهر العسل!
بوتين وترامب.. ونهاية شهر العسل!

صحيفة الخليج

timeمنذ 4 أيام

  • سياسة
  • صحيفة الخليج

بوتين وترامب.. ونهاية شهر العسل!

في تحّول مفاجئ تجاه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عزمه إرسال أسلحة جديدة إلى أوكرانيا من بينها صواريخ باتريوت يدفع ثمنها حلف الأطلسي، كما هدد روسيا وشركاءها برسوم جمركية بنسبة 100 في المئة إذا لم توافق على اتفاق سلام في غضون 50 يوماً. هذا الموقف الجديد للرئيس الأمريكي يعني أن «شهر العسل» الذي جمعه بالرئيس الروسي ربما وصل إلى نهايته، وأن العلاقات بين الطرفين دخلت مرحلة جديدة من الشد والجذب وصولاً إلى القطيعة الكاملة إذا لم تستجب موسكو لما يراه ترامب من إجراءات كحل للحرب الأوكرانية. وبذلك انتقل ترامب من إلقاء اللوم على أوكرانيا في عرقلة اتفاق سلام مع موسكو، إلى اتهام الأخيرة بإطالة أمدها معرباً عن «خيبة أمله» من بوتين، حيث «اعتقدنا أن لدينا اتفاقاً أربع مرات تقريباً»، ولكن في كل مرة كان الرئيس الروسي يواصل قصف أوكرانيا. موسكو من جهتها ردت بهدوء على تهديد ترامب، وقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف: «من المهم أن يواصل المبعوث الأمريكي جهود الوساطة»، وإن «كييف ليست في عجلة من أمرها لوقف الحرب»، وبذلك تحاول روسيا عدم قطع التواصل مع الإدارة الأمريكية، لكن من الواضح أن هناك تباعداً بين موقفي موسكو وواشنطن بشأن شروط التسوية، ففي حين تطالب موسكو بحل جذري لأسباب الحرب، فإن واشنطن ترى أن وقف الحرب يجب أن يكون مقدمة للحل. لعل أحد أسباب غضب ترامب من بوتين أنه بموقفه من عدم إبرام صفقة تسوية في أوكرانيا قد يحرمه من تعزيز تطلعاته كصانع سلام والفوز بجائزة نوبل، أو ما إذا كان يتخذ موقفاً استراتيجياً من الحرب نفسها على عكس مواقفه السابقة التي عبّر عنها في أكثر من مرة، وآخرها في إبريل/ نيسان الماضي، حيث قال: «التوافق مع روسيا أمر جيد.. أعتقد أنني أستطيع بناء علاقة جيدة جداً مع روسيا ومع الرئيس بوتين، وإذا فعلت ذلك، فسيكون ذلك أمراً رائعاً». ربما لا يدرك الرئيس ترامب أن الحرب الأوكرانية بالنسبة لروسيا هي حرب وجودية، ومرتبطة ارتباطاً وثيقاً بأمنها القومي وبوجود النظام نفسه، وأن التراجع عن أهداف الحرب، بإبقاء السيطرة على المناطق الأوكرانية الأربع (دونيتسك وخيرسون وزابورجيا ولوغانسك) وعدم انضمام أوكرانيا إلى حلف الأطلسي، وإعلان حياد أوكرانيا، هي أهداف لا يمكن أن تدخل في إطار «صفقة» يريدها ترامب، لأنها تشكل بالنسبة لموسكو السبب الجذري للحرب. ربما أدرك ترامب ذلك، لذا قرر ممارسة المزيد من الضغط على روسيا إذا أراد التوصل إلى اتفاق بشأن أوكرانيا، بفرض عقوبات اقتصادية جديدة وإرسال المزيد من الأسلحة الأمريكية إلى أوكرانيا، حيث تعهدت الدول الأوروبية التي كانت تخشى انسحاب ترامب من حلف الأطلسي، بزيادة مساعداتها إلى كييف أيضاً بعدما نجح في ترويضها وأجبرها على رفع مساهمتها في ميزانية الحلف بنسبة 5 في المئة من ناتجها القومي. تدخل العلاقات الأمريكية - الروسية، ومعها الحرب الأوكرانية مرحلة مفصلية سوف تتضح معالمها واتجاهاتها خلال الأيام القليلة المقبلة، وما إذا كانت موسكو سوف تقبل شروط ترامب أم ترفضها.

القديسة آجيا كاترين.. تاريخ أيقونة اللغة والجغرافيا والتاريخ
القديسة آجيا كاترين.. تاريخ أيقونة اللغة والجغرافيا والتاريخ

الجزيرة

time١٢-٠٧-٢٠٢٥

  • سياسة
  • الجزيرة

القديسة آجيا كاترين.. تاريخ أيقونة اللغة والجغرافيا والتاريخ

لا يمكننا الحديث عن قضية دير سانت كاترين، التي ظهرت للعلن مطلع عام 2025 بين مصر من جهة واليونان ومعها الدول الأوروبية وأميركا من جهة أخرى -وخلفها منظمات مسيحية دولية (الروم الأرثوذكس) ومنظمات حقوق الإنسان وجهات بحثية وإعلامية- من دون الوقوف على بيان الجغرافيا، وسرد التاريخ، والمقاربة السياسية والدينية. إثر حادثة عرضية، طلب أحد المصريين القائمين على الجمعيات الأهلية في مدينة سانت كاترين زيارة الدير بصحبة بعض الأطفال، فلم تسمح له إدارة الدير بالزيارة، وحصلت مشادة كلامية بينهما، مما جعله يرفع دعوى قضائية ضد إدارة الدير. وصدر بموجب الدعوى حكم قضائي يحافظ على تراث الدير ومكانته الدينية والتاريخية، ويحد من توسعه في الأراضي المحيطة به، وهو ما أثار أزمة دبلوماسية وسياسية بين مصر واليونان. فما قصة القديسة كاترين؟ ومتى أقيم الدير؟ وكيف تطورت العلاقة بين الدير والإدارة المصرية من جهة، وبينهما وبين اليونان من جهة أخرى؟ دوروثيا كاترين استيقظت الشابة العشرينية دوروثيا (288-307م)، ابنة حاكم الإسكندرية، تلك الفتاة اليانعة شديدة التأمل والجمال، عاشقة القراءة والعزلة، حادة الذكاء، كاملة الجسد بالأنوثة، قريرة العين بالطمأنينة- على خبر زلزل كيانها وهز أركانها؛ فالقيصر قرر الزواج منها، وترفيع مكانتها بعد الزواج، بعد أن وُصفت له وصفًا أطار لبَّه، وتعلَّق بحبها قلبه، وأثار وصفهم فضوله. يومها، صارت أسرتها المصرية الأرستقراطية وكل من حولها في حالة نشاط دائم، منذ أن أخبرتهم المراسم الملكية بنوايا القيصر. وانتشرت الحراسات حول منزلها، وأمست الإسكندرية على انتظار حدث جديد من الأفراح والليالي الملاح والحفلات الأسطورية؛ إنه الرجل الذي يحكم العالم! إنه الإمبراطور اليوناني ماكسيميانوس (305-311م)، القادم من الغرب لحماية الوثنية الرومانية التي تواجه خطرًا وجوديًّا في الشرق، حيث يسري الإيمان بالمسيح إلى رعاياه سرًّا وجهرًا في شعبين عظيمين من إمبراطوريته: شعب إيلياء (فلسطين)، وشعب إيجيبتوس (مصر). يا له من أمر! ويا لها من مفارقة! تفاجأت الحاشية المحيطة بالأميرة دوروثيا بصمتها الطويل، وابتسامتها الخفيفة، وتأملها العميق، ولكن المفاجأة زالت لديهم بعد استحضار أنها ستدخل القصر الملكي بعد أيام وتتصرف مثل ملكة. أما الأميرة الموعودة، فما كان صمتها وشرودها إلا نتاج تفكير مختلف، يطير بها نحو السماء حينًا ويهوي بها في مكان سحيق أحيانًا أخرى. كانت روحها تستشرف مسارين: مسارًا ترى فيه هداية الله تنزل بقلب القيصر عندما تصارحه بإيمانها برسالة المسيح -عليه السلام- فيلين قلبه وينشرح صدره فيؤمن مثلها، ويؤمن بإيمانه والدها ومن دونهما خلق كثير، ويظهر المؤمنون إيمانهم في الإسكندرية ومصر وأرجاء العالم، فتطير روحها فرحًا وتحلق في آفاق بعيدة. ولا يقطع خيالها الحالم إلا اقتحام هاجس مخيف؛ ألّا يكون قلب القيصر الهائج الغاضب العنيد محلًّا لقبول الهداية، وأن ينصرف قلبه نحو الشر ويظل على وثنية أثينا وروما، فلا يكون له في قلبها محبة، وينصرف قلب أبيها والحاشية عنها، ويظل المؤمنون يكتمون إيمانهم ويبكون مآسيهم، يتجرعون كأس الموت، ومناشير الحديد وأمشاط الناسوت التي تلاحق آلاف الأبرياء وتنزع إنسانيتهم وأرواحهم دون رحمة. لكن الأميرة عزمت أمرها واتخذت قرارها! "سأواجه الاثنين بالحقيقة؛ نعم، سأواجه القيصر وحاكم الإسكندرية بالهدوء والحكمة والمحبة ورسالة المسيح. أنا مؤمنة وأدعوك للإيمان.. ولِمَ لا يكون ذلك؟" اختارت السير على درب نساء مصر الكبريات؛ فقد عاشت في طفولتها فصول قصة السندريلا، الشابة المصرية اليتيمة الطيبة التي استمالت قلب ملك وصارت حديث العالم. ولا يبتعد تأملها عن رحلة هاجر الصابرة من الفرما (السويس) عبر سيناء، تحمل رضيعها نحو جبال الحجاز لينبت منها شعب عظيم عديد. ولعل أقرب قصة إلى خلجات قلبها قصة آسية امرأة فرعون، التي تحدت ظلمه وبطشه وجاهرت بإيمانها، فكانت الجائزة بيتًا في الجنة، وصارت مضرب المثل في الناس أجمعين: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ). صُدم القيصر بجمالها، وكانت صدمته الكبرى في جرأتها والجهر في حضرته بإيمانها وتمسكها الصادق برسالة المسيح عليه السلام. كانت الوثنية الإغريقية هي السائدة في مصر حكمًا ورسمًا، بينما كانت المسيحية والوثنيات المصرية هي المنتشرة ريفًا وحضرًا؛ سرًّا في المدن، وعلنًا في الريف. وكان الجهر بالمسيحية -خاصة عند الحكام- يعرض المؤمنين لمخاطر لا قبل لهم بها. منع تعلق قلب القيصر وفتنته بجمالها البطش السريع بها؛ فحاول التلطف معها وإقناعها بالارتداد عن دينها، لكن حجتها كانت أقوى، وعزيمتها أثبت، ولسانها أطلق، وحديثها أعذب وأسحر. واجه القيصر وحاشيته والأسرة صعوبات جمة في محاورة فتاة مؤمنة نقية، إيمانها أقوى من إيمانهم، وأخلاقها أتم من سلوكهم، وحجتها تعلو فوق حجتهم. كانت الفتاة ترى ذلك في نظرات عيونهم، وقسمات وجوههم، ونبرات حديثهم، فيزداد يقينها بالحق الذي يسكن قلبها ويملأ جوانحها. فلما استيأسوا من إثنائها عن العودة للوثنية، صار المحبون يراودونها عن كتمان إيمانها وإظهار الوثنية من أجل سلامتها وسلامتهم، فلم ترجع عن إظهار دينها. جلبوا لها فلاسفة السلطة وخطباء القيصر من مصر واليونان، وانتشر الخبر، وباءت جهود القيصر والحاكم بالفشل. صارت قصة الفتاة المؤمنة التي تتحدى القيصر حديث المدائن والقرى، وتحول حب القيصر الشديد لها إلى انتقام وحشي، فنكّل بها وعذبها وقطّع جسدها، ولم يُبقِ زبانية التعذيب إلا على ذراعها، تنفيذًا لأمر قيصرهم الذي أبقاه عبرة لمن يقبض يده عن يد القيصر. رحلت الفتاة المؤمنة عن دنيا مصر مظلومة بريئة، لم يستطع أن يدنس براءتها بشر ولو كان إمبراطور روما. رحلت بنقائها وصدقها، واشتعلت الإسكندرية بأخبارها: إيمانها، وجلسات محاوراتها، وجدالها، ثم آلامها وانتهاءً باستشهادها في سبيل مبادئها. واتسع التمرد على الوثنية، ولم يجرؤ الناس في البداية على ذكر اسمها، لكنهم لقبوها فيما بينهم بكناية بعيدة عن مساءلة السلطة وآذان العسس، لقبًا يليق بها: "آجيا كاثروس" (Hagia Katharos)، أي القديسة النقية أو المؤمنة الطاهرة. وصاروا يرمزون لها بالحرفين K.A (آجيوس أي قديس باليونانية). وتحولت التسمية بعد قرون إلى المقابل الإنجليزي "سانت كاترين" (Saint Catherine)، ونُطقت الثاء تاء في اللهجة المصرية، وصار هو الاسم المتداول عالميًّا. ومن هنا، بدأت قصة بناء دير سانت كاترين. بعد استشهادها بقرنين ونيف تقريبًا، كانت المسيحية قد انتصرت على الوثنية في الدولة الرومانية، وصارت مدينة الإسكندرية أحد أهم المراكز المسيحية بعد القدس حتى منتصف القرن السادس الميلادي. أراد الإمبراطور جستنيان الأول (527-565م) أن يكرم زوجته الإمبراطورة ثيودورا، التي كانت قد أبدت اهتمامًا بالرهبان في سيناء. فقرر الإمبراطور بناء دير تجمع فيه رفات القديسة كاترين ويجعله مركزًا للرهبان الموالين له. ولما أعلن الملك عن رغبته، قيل إن أحد الرهبان رأى رؤيا منامية للقديسة وأن روحها تريد أن تظهر في هذا المكان بالجبل المعظم في طور سيناء، الذي كان يأوي إليه الرهبان زمن الاضطهاد الروماني الوثني، حيث قُتل آلاف المصريين ممن آمنوا بالمسيح. فأُعدّ للدير التمويل والمهندسون والبناة، وحُفرت به العيون، وأقيمت له الأسوار والغرف والمرافق، واختير له مكان حصين، وبُنيت داخله كنيسة. عُرف الدير باسم "دير سيناء" أثناء تخفي الرهبان من بطش الرومان، ثم صار بعد الاعتراف بالمسيحية "دير طور سيناء" أو "دير جبل الطور". وبداخله "مَعضَمية" (مكان لحفظ رفات الرهبان) من بينها رفات القديسة كاترين. وفي مرحلة لاحقة، عُرف باسم "كنيسة العذراء"، ثم غلب عليه اسم "كنيسة التجلي" لما اشتهرت به. ولما صارت الكنائس تسعًا في مكان واحد، بدأ يظهر اسم "دير آجيا كاترين" لأول مرة في مخطوط بالدير يُعرف بمخطوط الشهيد أنطونيوس منذ سنة 600م، ثم صار يجمع بين التسميات العربية واليونانية واللاتينية المعربة باسم "دير سانت كاترين". تحدث المؤرخون –بجانب الغرض الديني– عن أهداف سياسية وعسكرية لبناء الدير؛ فقد بُني وسط انقسام حاد في المسيحية عمومًا، وبين المسيحيين المصريين خصوصًا، حيث اختار المصريون عقيدة في طبيعة المسيح تختلف عن عقيدة بيزنطة التي تمثلها الإمبراطورية وطبقة الحكم. وكان بناء الدير حصنًا متقدمًا لربط سيناء بفلسطين حال حدوث تمرد مصري على سلطة الروم. وصار الدير مرتبطًا دينيًّا بالقدس وسياسيًّا بالإسكندرية. وبمرور الوقت، طُرد الرهبان المصريون التابعون للكرازة المرقسية الأرثوذكسية أو قُتلوا، واستُخلص الدير للرهبان اليونان التابعين لكنيسة الروم الأرثوذكس فقط، ولم يترهبن به مصريون جدد. بعد الفتح الإسلامي لمصر، خفت حدة الخلافات المسيحية الدموية في الشرق، واستقرت أحوال الدير، وحصل الرهبان على الأمان والعهد -مثل جميع الأديرة والكنائس في البلدان المفتوحة- من الأمير عمرو بن العاص بأمر من الخليفة عمر بن الخطاب. وجُدد العهد في مراحل تاريخية مختلفة، ابتداءً بالأمويين حتى العثمانيين. وكل قادة مصر تقريبًا لهم عهود ووثائق ومكاتبات ومنح وهدايا وتوقيعات وأحكام وكتب وآثار، بحراسة القبائل البدوية وإشراف وولاية مصرية لم تنقطع منذ إنشاء الدير قبل 1600 عام، مع تبدل الدول واختلاف العصور. أقيم الدير في موقع جغرافي حيوي في قلب جنوب شبه جزيرة سيناء، بسفح جبل على هضبة ترتفع 1500 متر عن سطح البحر، بمساحة مبنية تقدر بـ3400 متر مربع (85 مترًا طولًا و40 مترًا عرضًا و11 مترًا ارتفاعًا). ويضم العديد من الغرف للإعاشة بما يسع 70 راهبًا، ونُزلًا داخليًّا للزيارة يستقبل 100 زائر، في حيز اتسع بعد عام 1982 إلى 20 ألف متر مربع (20 دونمًا، أو 4.5 أفدنة تقريبًا)، وتحيط بهذه المساحة محميات طبيعية وأراضٍ شاسعة مملوكة للدولة. نما بجوار الدير مع مرور الزمن نظام عرفي إداري أدى إلى تقسيم العمل إلى مجالات متعددة: ديني (رعاية الرهبان)، سياحي (رعاية الزوار)، حراسة وتأمين، زراعة وتثمير، طعام وسقاية، علاج، وسفارة لمقابلة ذوي الشأن. ووفر الرخاء الاقتصادي حياة رغدة للدير من خلال تثمير أموال التبرعات، وأثمر الاستمرار والاستقرار أن يكوّن الدير رصيدًا وتراثًا عالميًّا من تمازج الحضارات الإنسانية وتعايشها. ولذلك، لا عجب أن يحتوي الدير على كنوز من المعارف واللغات والتحف والأيقونات والمخطوطات والمؤلفات، تشمل أنواعًا من الخطوط العربية، خاصة الخط الكوفي، وأصولًا للغات الشرقية والغربية، وشروحًا للأناجيل المكتوبة باللغة السريانية واليونانية القديمة، ونسخًا من كتب أبقراط الطبية، ووثائق وهدايا من ملوك وأمراء وكهنة ومستكشفين، وصورًا وعملات من عصور وبلدان مختلفة، حتى تشكلت به أكبر مكتبة ملحقة بدار عبادة في الشرق، وثاني أكبر مكتبة في العالم بعد مكتبة الفاتيكان. ويقدر محتواها بنحو 6 آلاف كتاب ومخطوط، من بينها 400 مخطوطة عربية، وألفا وثيقة موقعة من ملوك وأمراء مسلمين وأوروبيين، ومئات التحف والأيقونات، هذا غير ما تسرب إلى بريطانيا وإسرائيل أثناء احتلال سيناء، ولا يزال يُعرض في متاحفهما باسم دير سانت كاترين. اتسمت تعاملات رهبان الدير مع سلطات الدولة المصرية في كافة عصورها التاريخية بالهدوء والحكمة، باعتبار الدير جزءًا من الجغرافيا السياسية والتاريخ الوطني لمصر. إلا أنه بعد انسحاب الاحتلال الإسرائيلي من سيناء عام 1982، حدث تسارع كبير في وضع متصرفي الدير أيديهم على مناطق شاسعة واستحداث نقاط تمكين. وبينما كان البدو والعربان لا يسمحون بأي تجاوز على أراضي الدولة حال غيابها أثناء الاحتلال ويرفضون أي تغيير في معالم الأرض، تدفقت الأموال بعد الانسحاب على متصرفية الدير، فأقامت أسوارًا جديدة وشقت طرقًا واستحدثت أوضاعًا جديدة، مما أدى إلى ظهور خلاف بين العربان وتابعي الدير. وبعد أن أعلنت الحكومة إنشاء محمية طبيعية كبيرة عام 1988، خُطط لها أن تشمل 4300 كيلومتر مربع يُحظر على البدو فيها حفر الآبار أو الإقامة، حدثت عملية إخلاء تدريجي لعرب سيناء من المنطقة استغرقت 10 سنوات، لنصل إلى عام 1996 حيث نفذت السلطات قرار المحمية الطبيعية. ومع تطور علاقة مصر واليونان منذ 2013 إلى علاقات إستراتيجية وودية للغاية، حيث دعمت اليونان الحكومة المصرية ما بعد 3 يوليو/تموز أمام الدول الأوروبية مقابل دعم مصر لليونان ضد تركيا في اتفاقية الحدود البحرية بين تركيا وليبيا (2019)، زاد نفوذ تابعي الدير على البدو وعلى السلطة المحلية أيضًا، حتى وصلت الأمور إلى حكم المحكمة الذي دار حوله الخلاف المصري اليوناني، الموصوف بأنه أزمة دبلوماسية مكتومة ومؤجلة قد تنفجر بحدة بعد احتواء الوضع في غزة. أظهرت الصحافة الغربية مضمون الوثائق اليونانية والأوروبية المتبادلة بين الدير والسلطات اليونانية، التي تسمي منطقة الدير كلها وكأنها مساحة مفتوحة لمستوطنة يونانية في سيناء، فتطلق اسم الدير أحيانًا على المساحة الشاسعة لمحلية سانت كاترين بكاملها، مما يعد انتهاكًا للسيادة المصرية حسب وجهة نظر البعض. وهي أرض مصرية يسكنها مصريون من بدو سيناء وأبناء الوادي، يزيد عددهم على 15 ألف نسمة، وتضم 37 واديًا (يشرف الدير على واحد منها فقط). وتقدر مساحة محلية سانت كاترين بـ5130 كيلومترًا مربعًا؛ أي ما يعادل 8.5% من مساحة شبه جزيرة سيناء، وتزيد قليلًا على 6 أضعاف مساحة مملكة البحرين، وتعادل مساحة قطاع غزة 14 مرة تقريبًا. وتقع المنطقة برمتها في قلب جنوب سيناء، مما يوفر لها مناخًا متنوعًا ويحافظ على تدفق دائم للمياه، وهي بيئة خصبة للزراعة والرعي والسياحة والاستشفاء، وبها معادن نفيسة. هذه مقاربة معرفية في محاولة لبناء مساحة مشتركة من الوعي بما يحدث، حيث تتداخل السياسة مع الدين في لغة الجغرافيا والتاريخ. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

«طائرة الكوكايين» تشعل أزمة بين بلدين
«طائرة الكوكايين» تشعل أزمة بين بلدين

عكاظ

time١١-٠٧-٢٠٢٥

  • سياسة
  • عكاظ

«طائرة الكوكايين» تشعل أزمة بين بلدين

أعلنت المكسيك احتجاز طائرة صغيرة في مدينة كوليما غربي البلاد، قالت إنها قادمة من السلفادور ويقودها تجار مخدرات وتحمل مئات الكيلوغرامات من الكوكايين، مما أثار أزمة دبلوماسية بين البلدين. وصرح وزير الأمن المكسيكي عمر غارسيا حرفوش في مؤتمر صحفي، أن الطائرة انطلقت من السلفادور قبل أن يتم اعتراضها في كوليما. لكن السلفادور استدعت سفيرتها في المكسيك، وطالبت حكومة مكسيكو سيتي بتوضيح تصريحات الوزير. وفي منشور على منصة «إكس»، وصف رئيس السلفادور نجيب بوكيلي المعلومات التي أدلى بها حرفوش بأنها «كاذبة». وقال: «حلقت الطائرة فوق المحيط الهادئ ولم تلمس أراضي السلفادور». وأشار بوكيلي إلى أن الرجال الثلاثة الذين تم اعتقالهم من الطائرة مواطنون مكسيكيون. وكتب بوكيلي: «السلفادور لا توفر ملاذاً للمجرمين ولا تتسامح مع تهريب المخدرات. لم نفعل ذلك من قبل ولن نفعله الآن». ووفقاً للمكسيك، ألقي القبض على الرجال الثلاثة الذين كانوا على متن الطائرة، وصودرت 427 كيلوغراماً من الكوكايين بعد هبوط الطائرة في كوليما. ولم يتضح حتى وقت متأخر من مساء الأربعاء ما إذا كانت السفيرة روزا دلمي كانياس غادرت المكسيك أو لا. أخبار ذات صلة

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store