أحدث الأخبار مع #الإسلام_السياسي


العربية
منذ 6 أيام
- سياسة
- العربية
كيف اختلفت التجربة السورية؟
اعتادت معظم تجارب التغيير التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط تكرار خطاب الممانعة في مواجهة الغرب وإسرائيل، وعدم الاعتراف «بالكيان الصهيوني»، والمطالبة بإسقاط اتفاقية كامب ديفيد أو تجميدها. وقد مثَّل خطاب الثورة الإيرانية حجر الزاوية في تبني خطاب الممانعة والمقاومة المسلحة، ومواجهة سياسات «الشيطان الأكبر»، وإدانة مشاريع التسوية السلمية، من معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، مروراً باتفاقات وادي عربة بين الأردن وإسرائيل، وحتى الاتفاقات الإبراهيمية. وبدت مسطرة «الإسلام السياسي» في رفض الاعتراف بإسرائيل، ورفع شعار تحرير القدس، هي التي يقيس عليها كثيرون «وطنية» أي نظام ومدى دفاعه عن «قضايا الأمة». وبعيداً عن القراءة المذهبية للثورة الإيرانية التي لا تكشف في الحقيقة أغلب أبعادها، فإن توقيتها في عام 1979 كان السائد فيه عربياً رفض أي علاقة مع إسرائيل، وكانت خطوة الرئيس السادات استثناءً في هذا الإطار. وصحيح أن الثورة الإيرانية أضفت أبعادها الآيديولوجية على البيئة الشرق أوسطية التي حملت «قدراً من الممانعة»، وكثيراً من الآمال في تحقيق حلم تحرير فلسطين، واستعادة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني «عبر فوهة بندقية» فقط. إن القناعة بالممانعة وبالمقاومة المسلحة ورفض أي تسوية سلمية، كانت سائدة لدى قطاعات واسعة من الشعوب العربية؛ خصوصاً أن وعود الثورة الإيرانية كانت كبيرة، فقد وعدت بتحرير القدس، وبدعم المستضعفين، وكانت أيضاً تيارات الإسلام السياسي في صعود، قبل أن تُختبَر في الحكم والإدارة، وظل البعض مؤمناً بشعار «الإخوان» وحلفائهم في مصر: «الإسلام هو الحل». ورغم أن هناك أحداثاً هزَّت هذه القناعات الراسخة التي تقول إنَّ الحرب الوحيدة التي يجب أن يخوضها العرب والمسلمون هي ضد إسرائيل -فكانت الحرب العراقية الإيرانية التي استمرت سنوات وسقط فيها مئات الآلاف من القتلى، ثم جاء غزو صدام حسين للكويت بكل التداعيات التي خلقها في الواقع العربي، بصورة جعلت كثيراً من الخبراء يعدُّونه بمنزلة نهاية «النظام الإقليمي العربي»- فإنَّ القضية الفلسطينية ظلت حاضرة، ولكنَّها تراجعت إلى خلفية الأحداث؛ خصوصاً بعد فشل مسار أوسلو (1993) وبعد أن أُجهضت انتفاضة 2000، وتدهور أداء «منظمة التحرير الفلسطينية» والسلطة الفلسطينية، وبعد أن ترسخ الانقسام الفلسطيني، وفشلت «حماس» بوصفها بديلًا سياسيّاً للإدارة والحكم قبل 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 وبعده، كل ذلك عمَّق قناعة كثيرين بأنَّ السبب الرئيسي وراء الانكسارات العربية يرجع إلى سوء الأداء الداخلي، وليس إلى مؤامرات الخارج. إنَّ هذا السياق مثَّل الخلفية السياسية للحظة نجاح الثورة السورية في ديسمبر (كانون الأول) 2024، فقد اختبر خطاب الممانعة والوعود الإيرانية في سوريا ولبنان واليمن والعراق، وانكشفت تجارب تيارات الإسلام السياسي في الحكم وفق النموذج والنسق المعرفي القديم. لقد وصل تنظيم «هيئة تحرير الشام» الإسلامي إلى السلطة في سوريا، بعد إسقاط نظام «آل الأسد» الذي تاجر بالممانعة لقتل السوريين، وكذلك حسمت الدول العربية أمرها في إعطاء الأولوية لمشاريعها ومصالحها الوطنية، وصارت خطوة الرئيس السادات المنفردة محل قبول من كثيرين؛ لأنها استعادت أرضاً محتلة، واتضح من حرب غزة أن العرب والأتراك يدعمون القضية الفلسطينية سياسياً وإنسانياً وإعلامياً وقانونياً (يظل أقل بكثير من المأمول) وليس بالحرب؛ لأنهم إذا حاربوا فستكون حربهم دفاعاً عن أمنهم وترابهم الوطني فقط. وحتى الإيرانيون الذين حاربوا إسرائيل، فقد كانوا بالأساس يدافعون عن مشروعهم الوطني وطموحهم الإقليمي والنووي. لقد اكتشفت الثورة السورية لحظة وصولها إلى السلطة (وقبلها بفترة ليست بعيدة) أن ما كان يقوله قائدها حين كان في «جبهة النصرة»، أو يقود «هيئة تحرير الشام» ويسيطر على إدلب، من أن تحرير الشام هو خطوة على طريق تحرير القدس، ليس له علاقة بالواقع الجديد عربياً وإقليمياً ودولياً، وأن الحسابات الوطنية لكل دولة ترسخت، وأن لا أحد يحارب إلا من أجل تحرير أرضه. قراءة اللحظة التاريخية شرط نجاح أي تيار سياسي، دون أن يتنازل عن الثوابت الوطنية والإنسانية والأعراف والقوانين الدولية، وإن القبول باتفاق أمني مع إسرائيل يضمن عدم اعتدائها على الأراضي السورية مقبول، أما التوقيع على معاهدة سلام وتطبيع للعلاقات في ظل استمرار احتلالها وعدوانها على الأراضي السورية فغير مقبول، وهذا الموقف ما زالت الإدارة السورية متمسكة به. الثورة السورية وصلت للسلطة في ظل مناخ عربي «إصلاحي» جرَّب بعضه الثورات والخطاب الثوري وتعثَّر، وفي ظل سياق «ما بعد 7 أكتوبر» الذي يفترض أن يعيد الاعتبار للمقاومة المدنية والسياسية والقانونية ضد الاحتلال الإسرائيلي في أي مكان، وستصبح سوريا القوية المدنية بشعبها الأصيل قادرة بدعم عربي وإقليمي على أن تؤسس مشروعها الوطني، وتبني مؤسسات قوية ودولة قانون قادرة على الردع والتحرير «بنموذج نجاح»، وليس «بنموذج ممانعة».


الشرق الأوسط
٠٨-٠٧-٢٠٢٥
- سياسة
- الشرق الأوسط
تناقضات الإسلام السياسي وخيانة مفهوم الدولة
في قلب اشتباكات المنطقة المتكرّرة، تقف ظاهرة الإسلام السياسي بوصفها التهديد الأخطر لا على أمن الأنظمة فحسب؛ بل على فكرة الدولة الحديثة ذاتها. لا يعود ذلك إلى شعاراتها أو خطابها التعبوي وحده؛ بل إلى بنيتها العميقة التي تقوم على ولاء عابر للحدود، ومشروع لا يعترف بمفهوم الدولة الوطنية كإطار نهائي للانتماء. فهذه التيارات تتغذى على فكرة «الأمة» لا بعدّها هوية ثقافية أو حضارية؛ بل بوصفها إطاراً شمولياً بديلاً تصوغ ضمنه علاقاتها وتحالفاتها، وتحدد من خلاله أعداءها و«حلفاءها»، حتى وإن كان هؤلاء الحلفاء هم من يطعنهم أولاً. أثبتت التجربة منذ نشأة الإسلام السياسي أن أي دولة تقوم بدعمه وتوفر المنابر والمأوى لبعض قياداته الفارّة من بلدانها الأصلية قد راهنت على الخسارة وفتحت باباً لأن يرتد عليها ذلك، خصوصاً إذا حاولت استخدام هذه الورقة أداة ضغط إقليمية في صراع النفوذ، وستفاجأ كما رأينا عبر العقود الماضية بأنها ربما وقعت في فخ من صنع يديها لأنها حولت هذه التيارات المؤدلجة إلى طابور خامس يقتات على الأزمات، ويوجه طعناته إلى اليد التي امتدّت إليه أصلاً. وهنا يتبدى الفارق الجوهري بين مشروع الدولة ومشروع الآيديولوجيا. فبينما تسعى الدولة إلى حفظ الأمن والاستقرار ضمن حدودها، يستثمر الإسلام السياسي في الفوضى، ويجد في كل صراع فرصة جديدة لتأكيد روايته عن «المظلومية»، وتجديد شبكاته وتمويله، وربما كسْب تعاطف جديد. إنه مشروع قائم على التناقضات؛ يطلب الحرية في دولة ويُشيّد السجون في أخرى، يُهاجم «الاستبداد»، وهو لا يعرف سوى الطاعة، يُدين «الفساد» بينما يعيش على ريع المال السياسي. وإذا كان هذا المشروع قد خدع كثيراً من الدول في بعض الأزمنة بسبب شعاراته الثورية أو خطاباته الشعبوية، فإنّ لحظة الحقيقة تأتي دوماً عند أول اختبار للأزمات حيث تتكشّف أقنعة البراغماتية التي تدفع بحركات الإسلام السياسي إلى التحالف مع أي قوة أجنبية أو إقليمية تخدم مصالحها المرحلية؛ حتى وإن كانت تلك القوى تقصف أو تطعن حلفاءها السابقين؛ فالوفاء ليس في أبجديات قاموسها السياسي؛ لأن ولاءها هو ولاء مؤدلج ومصلحي ضيق الأفق. وفي مقابل هذا التخبط، برز نموذج سعودي رائد واستباقي في التنبه إلى هذا الخطر وآتى أكله ونضج مع الرؤية بشكل واضح، هذا النموذج لا يستند إلى الشعارات أو الثقة بها؛ وإنما قائم على إصلاح فكري ومراجعة عميقة تؤدي إلى قطيعة مع التطرف. الأمثلة على خيانة الإسلام السياسي لدول المنطقة كثيرة جداً وتكتنزها الذاكرة السياسية الحديثة؛ بدءاً من انقلاباتهم على الأنظمة التي احتضنتهم وليس انتهاءً بخيانتهم للتحالفات التي أمّنت لهم الحماية. وها هي بعض الدول التي احتضنتهم تكتشف اليوم - وإن متأخراً - أن حسابات الإسلام السياسي ليست حسابات قومية، وأنّ «الحلفاء» الجدد يمكن أن يتحولوا إلى «خصوم» بأسرع مما يتبدّل موقف سياسي في بيان. المفارقة الواضحة اليوم تكمن في حجم التباين بين منطقين متضادين؛ منطق الدولة الذي يجعل من الاستقرار ركيزة أساسية لأي مشروع وطني، ومنطق حركات الإسلام السياسي التي ترى في الاستقرار تهديداً لوجودها ومشروعها الذي يهدف لاختطاف المجتمع. وللحقيقة فإن تجارب السنوات الأخيرة قد أثبتت بوضوح أن مشروع الإسلام السياسي لا يملك صديقاً دائماً؛ بل فقط حلفاء مؤقتين يُستنزفون ثم يُرمى بهم تحت عجلات الصفقة المقبلة. والمفارقة أنّه كلما اقترب من السلطة، ازدادت خيانته للشعارات التي يرفعها؛ فالحركة التي بدأت بشعارات «الإصلاح» لا تلبث أن تتورّط في الفساد، والتي رفعت راية «التغيير» تنقلب على من انتخبها، والتي بشّرت بـ«النهضة» تغرق في التبعية والارتهان. السؤال الأعمق الذي تطرحه هذه الوقائع هو: هل آن للأنظمة التي راهنت - ولو مؤقتاً - على الإسلام السياسي أن تُعيد النظر في هذا الرهان؟ وهل يمكن للفكر السياسي العربي أن يستوعب الدرس بأنّ هذه الحركات - مهما تجمّلت أو تكيّفت - ستبقى وفية لآيديولوجيتها أكثر من وفائها لأوطانها؟ هذا هو سؤال المرحلة في منطقتنا!


الشرق الأوسط
٠٧-٠٧-٢٠٢٥
- سياسة
- الشرق الأوسط
من أين تشتري نظّاراتك التاريخية؟
أمس الاثنين، أخلَى مدّعي عام عَمّان سبيل النائب الأردني حسن الرياطي بكفالة مالية، على قضية اقتحام مقرّ تابع لجماعة «الإخوان المسلمين»، المحظورة في الأردن، بمدينة العقَبة. في التفاصيل المنشورة في الإعلام الأردني أنَّ الرياطي دخل مع آخرين إلى مقرٍّ تبيّن أنه تابع لجماعة الإخوان، ومزّقوا وثائقَ وأوراقاً بداخله، وحاولوا التخلّص منها بجمعها في أكياس سوداء. الأجهزة الأمنية الأردنية ضبطت، لاحقاً، الأوراق المتلفة، وأحبطت تهريبها وغيرها، كما عُثر داخل المقرّ على وثائق ومواد ذات صلة بالجماعة. هذه الواقعة تكشفُ عن مسألة أكبر، هي قيمة الوثائق في كتابة التاريخ، فالوثيقة برهانٌ قاطع، بصرف النَّظر عن ملابسات خلق الوثيقة وسياق وجودها، لكنَّها وثيقة «مادّية» ملموسة، وليست رواية شفوية عرضة للتحريف أو النسيان أو الاختلاط على راويها. كما تُفصحُ هذه الواقعة عن قضيّة أخرى لا تقلُّ أهميّة وهي: من يكتب التاريخ، خصوصاً القريب منه والمعاصر أو شبه المعاصر؟ بما أنَّنا نتحدّث عن واقعة «إخوانية» في الأردن، فمن يكتب تاريخ الحركات «الإسلاموية» في ديارنا، ومن يُثبّت روايته و«سرديته»؟! لاحظ الأستاذ عبد الله بن بجاد العتيبي، في إلماعة حصيفة، بمقالته، وجود صراعٍ على كتابة «تاريخ الصحوة» في المنطقة، وهو صادقٌ في ذلك. أتذكّر بهذا الصدد نهوض جملة من المحسوبين على التيار الصحوي في الكويت والسعودية على أخذ زمام الكتابة وتكثيف الرواية، عبر كتب وأبحاث ومقابلات تلفزيونية وأخيراً حلقات «بودكاست» لتثبيت المرويّة التاريخية الصحوية أو المتعاطفة معها، عن الصحوة (الصحوة مصطلح في الميديا الخليجية للتعبير عن الإسلام السياسي). الأمر هو «كتابة التاريخ» بطريقةٍ لا تخدم إلا جماعات «الإسلام السياسي» وأفكارها الرئيسية ويفتح لها الطريق للتأثير والقيادة، ومن هنا خرجت أجيالٌ متخصصةٌ في «التاريخ»، كما ذكر عبد الله بن بجاد: «النماذج كثيرةٌ على محاولاتٍ جماعيةٍ وإن خرجت بأسماء أفراد لإعادة (كتابة التاريخ) في عددٍ من الدول العربية، والخليجية منها على وجه التحديد، بحيث يجتمع هؤلاء المؤدلجون لكتابة تاريخ تلك الدولة، ثم يأخذون في استشارة بعضهم البعض، ويعدلون ويتشاورون حتى تصدر الكتب فيروجونها على نطاق واسع». مساحة المقالة هنا لا تسمح بالإسهاب، أو حتى بسرد كافٍ، ولو كان على سبيل الاقتضاب، لكن لا غِنى عن التأشير، والحُرُّ تكفيه الإشارة. مسألة قيادة المرأة للسيارة، مسألة النشاط السياسي للمجاميع عقب حرب تحرير الكويت عام 1991، التفاعل مع ضربات «القاعدة» 2001 بأميركا، اندلاع أعمال «القاعدة» في السعودية والكويت، بالتزامن، ومواقف رموز الصحوة منها، و«مقايضات» مشاهيرهم ذاك الوقت، وما مقابلة الدكتور سفر عنّا ببعيد. ثم «الربيع العربي»، ومواقف رموز الصحوة، وعلامة «رابعة»، ومحاربة الانفتاح، ثم محاولات العودة الناعمة اليوم، بعناوين أخرى، ومظاهر أنعم. الصراع على الوعي والاعتبار، قائمٌ، من ميادينه: كتابة التاريخ، ومحاولات وضع نظّارات «الإخوة» على عينيك، حصرياً، لمشاهدة مشاهد التاريخ.


رؤيا نيوز
٠٦-٠٧-٢٠٢٥
- سياسة
- رؤيا نيوز
يحدث حين يستخدم السياسي 'الرُّقية الشرعية'
ما فعلته بعض التيارات الدينية التي تسللت إلى بلادنا، وأقحمت الدين في العملية السياسية، يشبه -تماما – ما فعله المعالج بالرقية الشرعية، هذا الذي تم ضبطه قبل أيام بتهمة ممارسة الضرب بحجة العلاج، وفقاً للرواية المتداولة فإن «الشيخ « انقضّ على إحدى الفتيات بالضرب المبرح، مما تسبب لها في عدة كسور بالصدر، ونزيف بالكبد والطحال؛ حدث ذلك بدعوى طرد الجنّ الذي تلبسها، وأدى إلى تأخر زواجها(!) كما تعاملَ الشيخ الذي دخل باسم الدين على خطّ الطب، ووظّفه لتحصيل بعض المكاسب المادية، تعاملت نسخ من الإسلام السياسي مع المجتمعات والدول التي تعيش فيها، رفعت شعار إصلاحها ومعالجتها من أمراضها ومشكلاتها، لكنها في الحقيقة وظفت الدين لمصالحها وحساباتها السياسية، فألحق الضرر بالدين والسياسة معاً، الأخطر أنها استخدمت أدوات «الضرب « فحاولت أن تكسر فكرة الدولة، وأن تعمق الانقسامات داخل المجتمع، ثم استنزفت طاقات كبيرة للوصول إلى السلطة، وحين وصلت،كما حصل في بعض المرات، لم تفلح في تقديم أي جديد. لدينا عشرات الشواهد على ذلك، خذ ما حدث في الجزائر بعد العشرية الدموية؛ حركة مجتمع السلم التي انتهت إلى الفشل، خذ، ثانياً، ما حدث في السودان بعد أن انفرط عقد التحالف بين البشير والترابي، ثم بعد أن سقط نظام البشير وما واجهته السودان من تقسيم وحروب لا تزال قائمة حتى الآن، خذ، ثالثاً، ما جرى في مصر حين وصل مرسي للحكم وكيف انتهى، خذ، رابعاً، التجربة التونسية والمغربية واليمنية والعراقية، لا تنسى،بالطبع، تجارب الإسلام السياسي في فلسطين وليبيا وكذلك في بلدنا، النتيجة واحدة، لقد فشل الإسلام السياسي في خدمة الدين وفي ممارسة السياسة أيضاً. لقد أصبح عزل النشاط الديني عن النشاط السياسي ضرورة للخروج من المعادلات والأساطير التي أسست قواعد الاشتباك السياسي في بلدنا على مدى عشرات السنين، وأصبح ضرورة للخروج، أيضاً، من أفكار احتكار الحقيقة وتخويف الآخر وربما تكفيره، هذه التي يمارسها السياسي حين يتحدث باسم الدين في السياسة، حالة الفصل بين الديني والسياسي تضمن للطرفين حدود الحركة المسموح بها والمطلوبة، الديني يتحدث باسم الله في شؤون الدين والآخرة، والسياسي يتحدث باسم الناس في شؤونهم وقضاياهم اليومية، ويضع ما يلزم من برامج وحلول لها. أفضل ما يمكن أن نفعله لتحريك عجلة التحديث السياسي، هو إنتاج أحزاب سياسية تدور في فلك الدولة، وتقنع الأردنيين أنها ولدت من رحم مجتمعهم وحاجاتهم، وتصب في مصالحهم، ولا ترهن إرادتها لقضايا ومرجعيات خارج الحدود على حساب قضايا بلدها وأولوياته، ولا توظف الدين والأيدولوجيا لكسب العواطف وتوزيع الوعود والأوهام، هذا، بالطبع، لن يتحقق إلا إذا تم ترسيم الحدود بين السياسي والديني، وأصبح كلٌّ منهما يتحرك في مجاله.


العربية
٢٣-٠٦-٢٠٢٥
- علوم
- العربية
على مقياس «لحتر»
علوم الاقتصاد والاجتماع طوّرت عبر عقودٍ من الزمن مقاييس خاصةً تشبه ولا تطابق مقاييس العلم التطبيقي كالرياضيات وغيرها، وظلت العلوم الإنسانية العامة تسعى جهدها لمطابقة العلوم المحضة، فتنجح حيناً وتفشل أحياناً، لأن النفس البشرية أكثر تعقيداً من حسابات الرياضيات. تطور العلوم الإنسانية شهد تباينات عدة وتفرعاتٍ شتى، انقرض بعضها وتطور البعض الآخر، وبينما ظلت العلوم الرياضية، كالجبر والرياضيات والفيزياء والإحصاء وأمثالها، تعتمد على الأرقام والمعادلات والنتائج القاطعة، فقد سعت العلوم الإنسانية، كالأنثروبولوجيا والاجتماع والاقتصاد والسياسية ونحوها، أن تحذو حذوها، ولكنها لم تستطع حتى الآن مع كل التطور الكبير، الذي حدث لهذه العلوم الجليلة المتفرعة عن الفلسفات الكبرى. المثال من أفضل الطرق لتوضيح الأفكار، وفي علم الجيولوجيا ثمة مقياس شهيرٌ ومتداولٌ ويعرفه الجميع في هذا العصر، وهو «مقياس ريختر» لقياس الزلازل، وهو مقياس اخترعه تشارلز فرانسيس ريختر، حيث وضع مقياساً علمياً محدداً، لتصنيف الهزات الأرضية وفق طريقةٍ علميةٍ ورياضيةٍ، وقد صار اليوم معتمداً، ويفهمه الكافة في نشرات الأخبار بمجرد ذكر الرقم في هذا المقياس. جرت محاولات في العلوم الإنسانية لخلق مقاييس ومعايير ومؤشراتٍ، في علوم الاجتماع والسياسية والاقتصاد، تشابه تلك العلمية والرياضية، وكان طبيعياً ألا تحظى بنفس البرهنة والجودة والمعرفة الشعبية كسابقتها، ولكن قصور العلم الحالي لا يمنع المحاولة، وهو عموماً شأن تسعى له العلوم والأكاديميات في شتى دول العالم. ظاهرة وحركات «الإسلام السياسي» مثلت حدثاً استثنائياً وكبيراً على مدى أكثر من قرنٍ من الزمان من تاريخ البشرية، وتاريخ الأمتين العربية والإسلامية، وهي ظاهرة بالغة التأثير في كل المجالات وواسعة التعدد والتشظي عبر أيديولوجيات ومفاهيم وخطاباتٍ، وعبر جماعاتٍ وتنظيماتٍ، وعبر محاولات التماهي مع الدين وجعل الدين الإسلامي، تحديداً، سبيلاً إلى «السلطة السياسية»، وعبر عقودٍ متطاولة كانت لهذه الظاهرة وعلاقاتها بالدول التي نشأت فيها وبالاستعمار والعلاقات المتشعبة معه تأثيراتٌ لا تحصى ومناوراتٌ لا تعد، ولكن ذلك لا يغني عن أي محاولاتٍ علميةٍ لرصد هذه الظاهرة الكبرى ووضعها على محك العلم والتمحيص. «مقياس لحتر» هو مقياسٌ يراد به رصد تطورات هذه الظاهرة، وهي ظاهرة «الصحوة الإسلامية» التي تختلف في كل شيء عن «دين الإسلام»، وهو مقياس يعبر عن اعتماد الصحوة على طول اللحية وقصرها كمؤشرٍ دينيٍ على الانتماء لأيديولوجيا الإسلام السياسي لا على الانتماء للإسلام، فالخلافات الفقهية حول إعفاء اللحية من عدمه كثيرةٌ ومتشعبةٌ في أقوال فقهاء الإسلام في المذاهب المعتمدة، وهي مسألة فقهيةٌ صغيرةٌ ليست ذات شأن لدى الفقهاء المعتبرين، ولكنها تحوّلت مع «الصحوة» إلى مقياسٍ مهمٍ مع أمثالها في «الزي» و«الهيئة» و«الخطاب» و«طريقة التعامل» من أجل تمييز «الإسلاموي» عن «المسلم». يمكن للباحث المختص أن يدرك معاني الظواهر الشكلية للتعبير عن الأديان، كما يمكن لعامة الناس إدراك انتماءات الأشخاص الدينية بناء على مظاهرهم التي يختارونها، فاليهود مثلاً يميّزون أنفسهم بالشعر المتدلي على طرفي الرأس والذي يسمونه «الزنانير»، وكذلك بـ «الكيباه» أو القبعة والغطاء الذي يوضع على منتصف الرأس، ومثل هذا يفعل أتباع الديانة «السيخية»، حيث يميزون مظهرهم بميزاتٍ معينة مثل «كيش» أو الشعر غير المقصوص و«كارا» أو سوارٌ من الفولاذ، أو مثل «النقطة الحمراء بين الحاجبين» في الديانة الهندوسية، والأمثلة لا تحصى. أخيراً فـ «مقياس لحتر» والتسمية ليست لي، هو مقياسٌ علميٌ يفترض أن تعتمده الأكاديميات والدول لقياس تأثير الصحوة على المجتمعات والدول، لا حين تصل لمرحلة «الإرهاب»، بل قبل ذلك بكثيرٍ، لأنه يفترض بالعالم وصانع القرار أن يعرف حراك المجتمعات قبل أن تصل لمرحلتها النهائية.