أحدث الأخبار مع #الصراع_العربي_الإسرائيلي


العربية
منذ 4 أيام
- سياسة
- العربية
حقاً هل نعرفهم؟
في ندوة مشتركة مع زملاء تمت الأسبوع الماضي شارك فيها كاتب هذه السطور، وكان موضوع النقاش هو الحرب الإيرانية - الإسرائيلية وتداعياتها على منطقة الخليج، استمعت إلى المداخلات التي كانت فيها وجهات نظر متعددة، إلا أن الملاحظة التي خرجت بها من اللقاء، أننا لا نزال بعيدين عن النظر إلى هذا الموضوع الهام، وهو الموضوع "الإسرائيلي - العربي" بشكل جدي وعقلاني وعلمي. تمتلئ مفرداتنا بنظرية المؤامرة، وهي أن هناك سايكس بيكو جديدة، وأن هناك قوة أميركية تريد الهيمنة على هذه المنطقة وتستعبد شعوبها. بدا لي أن ذلك الخط من التفكير أمر يحتاج إلى نقاش. وما زاد الأمر بلة أن قال أحدهم، وهو متأكد مما قال، إن هناك شعاراً لإسرائيل أنها تريد الهيمنة على المنطقة الممتدة من الفرات إلى النيل. حاولت أن أنظر في هذا الموضوع بشكل عقلاني، ولكني قبل أن أجيب عن الأسئلة المعلقة، أريد أن أنظر ولو قليلاً إلى الماضي القريب. لقد ابتليت هذه المنطقة في مراحل متعددة من مسيرة الصراع العربي - الإسرائيلي بقيادات عربية أقرب إلى التفاهة منها إلى العقلانية. مثال في اجتماع الجامعة العربية في القاهرة أيار/ مايو 1967 (قبل أسبوعين من حرب حزيران/ يونيو من ذلك العام)، وكان رئيس الجمهورية السورية وقتها أمين الحافظ، قال للمجتمعين، ونشر قوله في الصحف في اليوم التالي، إنكم لو أعطيتموني أسبوعين فقط لقمت برمي إسرائيل في البحر . فقضية من النهر إلى البحر تتردد حتى وقتنا الحالي، دون فهم للمعطيات الحقيقية التي تحيط بنا! أعود إلى نظرية المؤامرة، وأؤكد بأنه حسب البحث العلمي، لا يوجد هناك شعار رسمي لإسرائيل يقول من الفرات إلى النيل! تلك مقولة رتبها العقل العربي في إطار المزايدة الكبرى التي روج لها، ولا نزال نخوض بعضها. ربما قليل منا يعرف أن هناك عدداً من مراكز البحث الإسرائيلية المتخصصة في الدراسات العربية والإسلامية سواء كانت هذه المراكز بحثية مستقلة، أو مرتبطة بجامعات، وعددها سبع مراكز كبرى، غير المراكز التابعة للجامعات الأصغر ، وعدداً من الجامعات تدرس الإسلام والعربية، كجزء من دراساتها الأكاديمية. وفي حين أن القليل من العرب متخصص في الدراسات العبرية، فإن اللغة العربية تدرس بشكل رسمي وواسع في إسرائيل، وأما من يعرف العبرية من العرب فهم فقط عرب الداخل، حاملو الجنسية الإسرائيلية، ونحو 40 إلى 50 من أبناء الضفة الغربية، وفقط 10% من أبناء غزة، أما العرب خارج إسرائيل فإن تخصصهم نادر في الدراسات العبرية. الفكرة الرئيسية هنا أن اعتماد العلم هو أساس فهم الآخر، وهو أساس بناء أدوات الصراع مع الآخر، أما اعتماد العاطفة والشعبوية والشعوذة، فهذا أمر لن يقودنا إلا إلى الإفلاس والهزيمة. منذ فترة ليست بالقصيرة بدأت كتابات عربية تتحدث عن أهمية العلم، ومنها أقلام فلسطينية جادة كمثل صقر أبو فخر ورشيد الخالدي وغيرهما. الآن ذلك مفقود في عقل القيادات الشعبوية والأبوية، لأن العلم وتطوره والاستفادة منه، يحتاج إلى مجتمع فيه سقف حريات، لأن العلم هنا هو الرأي والرأي الآخر، والبحث والتقصي الحر في الممكن، والاعتماد على الأرقام، وعلى الحقائق الثابتة والصلبة، وليس على التمنيات أو الرغبات أو حتى المشعوذات. الكثير مما اعتمدناه شعبياً حول صورة الإسرائيلي، هو صورة مشوهة، وغير حقيقية، نحن في حقيقة الأمر بشكل عام حتى في الدوائر الرسمية العربية نحط من قوة الآخر لفظاً، ونحسبه انتصاراً، ولا نعرف هذا الآخر حق المعرفة، كما لا نعرف الأركان الرئيسية التي تقوم عليها دولة إسرائيل، من حيث فصل السلطات والمساءلة وتحمل أخطاء الأفعال، ومن يهزأ بقوة عدوه يُهزم!! بعد حرب 1973 ظهرت دراسة موسعة قامت بها مجموعة مستقلة إسرائيلية (تقرير اغرانات) حول الأخطاء التي ارتكبتها إسرائيل في تقدير الحرب. على إثر ذاك قدمت غولدا مائير استقالتها! بعد الحرب التي قامت بين إسرائيل و"حزب الله" عام 2006، قال شيمون بيريز في مقالة له في "نيويورك تايمز"، لقد أخذنا كل الأخطاء التي ارتكبناها إلى أولادنا في الحجرات الخلفية من أجل الدراسة والاستعداد للمستقبل. إذن ثنائية العلم والحرية، هي التي تقدم لنا الأدوات الحقيقية والصالحة في معالجة كل المشكلات التي تواجهنا، وهي الطريق والمنهج الصحيح، ليس فقط في مواجهات الأعداء، ولكن حتى في فهم الأصدقاء. الآن هذه الأدوات قليلاً ما يعترف بها في فضائنا العربي. ونعود من جديد إلى ترديد تلك الشعارات سايكس بيكو جديد وتقسيم للعرب، وتأكيد أن كل هذا الفضاء العالمي، هو معادٍ للعرب ولا يفهم طموحاتهم!! هذا ما حدث في العراق تحت حكم صدام حسين والبعث، وكذلك ما حدث لسوريا تحت حكم البعث لنصف قرن تقريباً، كما حدث أيضاً في ليبيا حيث قرر السيد القذافي أن يكون ملك ملوك أفريقيا! وحارب حتى طواحين الهواء، هذا ما يفعله الحوثي اليوم في اليمن. ويعتقد الحوثي بأنه يساهم في تحرير فلسطين، في حين أن الشعب اليمني تحت سلطة هذا الحوثي فقير معدم، لا يجد حتى الدواء الذي يتداوى به أطفاله.


الجزيرة
منذ 6 أيام
- سياسة
- الجزيرة
جان بيير فيليو: لماذا لا تعرف إسرائيل كيف تنهي حربا؟
كتب المؤرخ الفرنسي جان بيير فيليو أن الحروب التي شنها الجيش الإسرائيلي تستمر لسنوات طويلة إذا لم ينهها التدخل الخارجي الأميركي غالبا، مشيرا إلى أن الحروب القصيرة أكثر ملاءمة لإسرائيل. وضرب الكاتب -في زاويته بصحيفة لوموند- أمثلة متعدد ة على حروب إسرائيل التي لم تنته إلا بتدخل خارجي، بدءًا مما تسميه حرب الاستقلال عام 1948 التي انتصر فيها الجيش الإسرائيلي، ولكن الولايات المتحدة فرضت وقف إطلاق النار. وذكر الكاتب بأن دولة إسرائيل تقوم ضمن حدودها الحالية على 77% مما كان يعرف بفلسطين عقب حروب متتالية، دامت الأولى منها 18 شهرا، تلاها العدوان الثلاثي، وقد أجبرت الولايات المتحدة المعتدين الثلاثة، إسرائيل وبريطانيا وفرنسا على تعليق الأعمال العدائية، قبل أن تجبر إسرائيل على إخلاء الأراضي المحتلة، ولا سيما قطاع غزة ، في مارس/آذار 1957. جاءت بعد ذلك حروب قصيرة، كحرب يونيو/حزيران 1967، التي استطاعت الولايات المتحدة وقف إطلاق النار فيها قبل أن تدفع الهزيمة العربية ما كان يعرف ب الاتحاد السوفياتي إلى رد فعل، كما يقول الكاتب، ثم جاءت حرب 6 أكتوبر /تشرين الأول 1973، بهجوم مصري سوري، وبعد 18 يوما وأوقفتها كسابقاتها الولايات المتحدة. تلت ذلك حروب لبنان ثم حروب غزة، وكلها توقفت بضغط أميركي، وحتى الحرب التي شنتها إسرائيل على إيران في 13 يونيو/حزيران، والتي انتهت بعد 12 يوما بتدخل غير مسبوق من الولايات المتحدة إلى جانب إسرائيل. دروس التاريخ تشهد أن الحكومة الإسرائيلية لا يمكن إقناعها، بل يجب إجبارها على إنهاء الأعمال العدائية بواسطة جان بيير فيليو وذكر الكاتب بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي بنيامين نتنياهو سبق له أن عرقل عملية السلام خلال فترة رئاسته للحكومة من عام 1996 إلى عام 1999، ووجد في الحرب على غزة التي أصبحت غاية في حد ذاتها، أضمن سبيل للتهرب من الإجراءات القانونية المتعددة التي تستهدفه. إعلان وبذلك، يؤجج نتنياهو الصدمة العميقة التي خلفتها هجمات حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 في المجتمع الإسرائيلي، رافضا إعطاء الأولوية لإطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين -حسب الكاتب- ومفضلا تصعيدا لا نهاية له دون هدف عسكري واضح. وبقيت الحرب المستمرة منذ 22 شهرا تقريبا على غزة حتى الآن من دون حل، كما يقول المؤرخ الفرنسي، مستنتجا أن دروس التاريخ تشهد أن الحكومة الإسرائيلية لا يمكن إقناعها، بل يجب إجبارها على إنهاء الأعمال العدائية.


الميادين
منذ 7 أيام
- سياسة
- الميادين
وهم السلام وقيد الهيمنة.. كامب ديفيد في اختبار الإرادة المصرية
على مدى أكثر من أربعة عقود، لم تكن اتفاقية كامب ديفيد مجرّد اتفاق سلام، بل كانت في جوهرها قيداً استراتيجيّاً كبّل الإرادة المصرية، وحوّل مصر من قلب الصمود العربي إلى دولة محاصرة بحسابات دولية معقّدة. لقد بدت هذه الاتفاقية، في ظاهرها، وعداً بإنهاء الصراع، لكنها في حقيقتها كرّست معادلة "السلام مقابل الهيمنة"، بدلاً من "الأرض مقابل السلام"، وجعلت الأمن القومي المصري رهينة ابتزاز دائم، سياسيّاً وعسكريّاً واقتصاديّاً. وطوال هذه العقود، لم تهدأ الانتهاكات الإسرائيلية المتكررة، المدعومة أميركيّاً بلا حدود، بدءاً من تصفية القضية الفلسطينية تدريجيّاً، مروراً بمحاولات تهجير سكان غزة إلى سيناء، وصولاً إلى السيطرة على محور صلاح الدين (فيلادلفيا)، في تحدٍّ سافر للسيادة المصرية. إنّ هذا المسار التاريخي، بتعقيداته وتشعّباته، يضع مصر اليوم أمام مفترق طرق مصيري: إما أن تواصل الارتهان لاتفاق أثبت الزمن أنه يفتقر للعدالة والتوازن، أو تستعيد قرارها الوطني المستقل، وتعود إلى دورها الطبيعي كقوة عربية مركزية وصاحبة مشروع تحرّري يليق بتاريخها ومكانتها. لم تعد الخروقات "الإسرائيلية" مجرّد انتهاكات عابرة أو حوادث معزولة، بل غدت نهجاً ثابتاً وممنهجاً يهدف إلى تقويض الأمن القومي المصري وإحراج الدولة المصرية أمام شعبها وأمام العالم العربي. وأحدث هذه الخروقات - وربما أشدّها خطراً على الإطلاق - كان توغّل "جيش" الاحتلال الإسرائيلي في محور صلاح الدين (المعروف بمحور فيلادلفيا) وفرض سيطرته الفعليّة على معبر رفح الحدودي، في تجاوز فاضح لكلّ الاتفاقيات والتفاهمات الأمنية التي كرّستها كامب ديفيد وملاحقها الأمنية. هذا التحرّك العسكري، الذي جرى في خضمّ العدوان المستمر على قطاع غزة منذ أكتوبر 2023، كشف عن نيّات الكيان الصهيوني الحقيقية في إعادة رسم الخارطة الجغرافية والسياسية للمنطقة، عبر خلق واقع جديد على الحدود المصرية الفلسطينية، يدفع في اتجاه تكريس مخطط "الوطن البديل" عبر تهجير الغزيين إلى سيناء، وتحويل مصر من دولة داعمة للقضية الفلسطينية إلى دولة مضطرة للتعامل مع أزمة توطين قسرية على أرضها. وقبل هذه الخطوة التصعيدية، لم تتوقّف الاعتداءات الإسرائيلية على قطاع غزة، بدءاً من حروب 2008–2009، مروراً بحرب 2012، ثم 2014، وصولاً إلى الحروب الأخيرة التي حوّلت القطاع إلى ساحة دمار مفتوح. كلّ تلك الاعتداءات كانت مصحوبة بتهديدات علنية للمصريين، سواء عبر القصف قرب الحدود أو ترويج مشاريع "التوطين" في الخطاب الإعلامي الصهيوني، في خرق صارخ لمبدأ السيادة المصرية. إنّ مبدأ "الأرض مقابل السلام" الذي تأسست عليه اتفاقية كامب ديفيد، تحوّل عمليّاً إلى "الأرض مقابل الإذعان"، إذ ظلّت مصر ملتزمة التزاماً صارماً بكلّ شروط الاتفاقية، مراهنة على إمكانية بناء سلام عادل وشامل، بينما واصلت "إسرائيل" سياستها العدوانية التوسّعية، مستبيحة الأراضي الفلسطينية، وممعنة في بناء المستوطنات، ومحطّمة كلّ المبادئ التي نصّت عليها الاتفاقية وروحها، وعلى رأسها احترام سيادة الدول وعدم تهديد أمنها القومي. لم تكتفِ الولايات المتحدة، بصفتها الراعي الرئيسي لاتفاقية كامب ديفيد، بالتخلّي عن حيادها المعلن، بل تحوّلت إلى شريك أصيل في الانحياز الصارخ لمصلحة الكيان الصهيوني، سياسيّاً وعسكريّاً واقتصاديّاً، حتى باتت الاتفاقية رهينة لإرادة واشنطن وتقديراتها الاستراتيجية في المنطقة. 12 تموز 22:42 30 حزيران 10:06 فمنذ توقيع الاتفاقية، استخدمت الإدارات الأميركية المتعاقبة المساعدات العسكرية والاقتصادية المقرّرة لمصر، التي كانت تُقدّم في إطار الاتفاق، كوسيلة ضغط ممنهجة لفرض إرادتها السياسية على القرار المصري السيادي، وابتزاز القاهرة في ملفات إقليمية متعدّدة، بدءاً من القضية الفلسطينية، وصولاً إلى الموقف من التحالفات الإقليمية والدولية. ولم تقف الانتهاكات الأميركية عند حدود الملف الفلسطيني، بل امتدت إلى قضية الأمن المائي المصري، عبر دعمها السافر لمشروعات تقوّض حقوق مصر التاريخية في مياه النيل، وفي مقدّمتها دعم إثيوبيا في بناء "سدّ النهضة". هذا المشروع الذي وصفه الرئيس الأميركي دونالد ترامب علناً بـ"الخطأ الغبي" لمجرّد أنه يهدّد استقرار المنطقة، بينما كانت الإدارات الأميركية - في العلن والخفاء - تقدّم الغطاء الدولي لاستمرار إثيوبيا في تعنّتها، في تهديد مباشر وخطير للأمن القومي المصري ولحياة أكثر من مئة مليون مصري يعتمدون على النيل شرياناً وحيداً للحياة. إنّ الدعم الأميركي المطلق لـ "إسرائيل"، وتوظيف المعونات كأداة تحكّم، حوّل الولايات المتحدة من وسيط سلام إلى طرف منحاز يكرّس الاحتلال، ويجهض أيّ محاولة مصرية لاستعادة دورها القومي الريادي في المنطقة. وهو ما يعيد طرح الأسئلة الكبرى حول جدوى استمرار مصر في الالتزام باتفاقية باتت مبرّراً لتكبيل حركتها الوطنية والإقليمية، بدلاً من أن تكون جسراً للسلام العادل والشامل. على الصعيد الاستراتيجي، لم تكن اتفاقية كامب ديفيد مجرّد تسوية سياسية محدودة، بل تحوّلت تدريجيّاً إلى قيد حديدي يكبّل الإرادة المصرية ويشلّ حركتها الإقليمية في لحظات كانت فيها المنطقة في أمسّ الحاجة لدور مصر القيادي. لقد جرّدت الاتفاقية مصر من قدرتها على المبادرة، وجعلتها في موضع ردّ الفعل، بعدما كانت دائماً حاضنة القضايا العربية ومركز الثقل الاستراتيجي للأمّة. لقد أتاحت الاتفاقية لـ "إسرائيل" حرية مناورة واسعة، مكّنتها من فرض أمر واقع جديد في المنطقة، والتحرّك بمرونة مطلقة لإعادة هندسة التحالفات الإقليمية بما يخدم مشروعها التوسّعي، من دون أن تجد ردعاً عربيّاً حقيقيّاً أو تهديداً استراتيجيّاً من جانب مصر. فبينما انشغلت القاهرة بمقتضيات الاتفاقية وقيودها العسكرية في سيناء، مضت "إسرائيل" في تعزيز وجودها في البحر الأحمر، وفتحت قنوات اختراق مع دول القرن الأفريقي، حتى وصلت اليوم إلى حدود سدّ النهضة، في تحرّك يهدف إلى تطويق مصر مائيّاً واستراتيجيّاً في آن. ويعيدنا هذا إلى تحذيرات المفكّر الكبير جمال حمدان، الذي رأى في كامب ديفيد أخطر تهديد للأمن القومي المصري في تاريخه الحديث، حين أشار صراحةً إلى أنّ "الخطر الأكبر يكمن في تحويل سيناء إلى منطقة عازلة تضمن أمن إسرائيل، وتضع القرار المصري رهن الإرادة الدولية، بدلاً من أن يبقى تجسيداً للسيادة الوطنية". لم تعد تلك التحذيرات مجرّد رؤية استشرافية، بل تحقّقت على الأرض بكلّ تفاصيلها القاسية، في ظلّ حالة استسلام عربي واسع، وتفكّك منظومة الردع الجماعي. وهكذا، تحوّلت مصر من قائد طبيعي للمشروع القومي العربي إلى دولة محاصرة بمحدّدات أمنية وعسكرية لا تخدم سوى المشروع الصهيوني. بعد أربعة عقود من الالتزام الأحادي، أصبح من الواضح أنّ اتفاقية كامب ديفيد لم تعد مجرّد وثيقة سياسية، بل تحوّلت إلى عبء ثقيل يكبّل الإرادة المصرية، ويقيّد قدرتها على الحركة الحرّة في محيطها العربي والأفريقي. لقد باتت مراجعة هذه الاتفاقية أو حتى إلغاؤها خطوة وطنية واجبة، وليست خياراً سياسيّاً أو تكتيكيّاً. إن إعادة التقييم لا تنبع من نزعة عدوانية أو حنين إلى المواجهة العسكرية، بل من قناعة عميقة بأنّ استعادة السيادة الوطنية الكاملة هي شرط أساسي لنهضة مصر وتحرّر قرارها. فالاتفاقية، في صيغتها الحالية، كرّست حالة اختلال في موازين القوى، وحالت دون تفعيل القوة الشاملة لمصر - السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية - في الدفاع عن قضايا الأمة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية. كما أنّ الحديث عن الإلغاء لا يعني الانجرار إلى الحرب، وإنما يعني استعادة الحقّ في اتخاذ القرار الوطني الحرّ، وإعادة التموضع الاستراتيجي لمصر كحائط صدّ أول ضدّ المخططات الإقليمية والدولية التي تستهدف تفكيك المنطقة وإعادة رسم خرائطها لصالح المشروع الصهيوني. إنّ مصر اليوم مطالبة أكثر من أيّ وقت مضى بطرح بدائل سياسية واستراتيجية جديدة، تعيد بناء مكانتها كقوة مركزية قادرة على حماية أمنها القومي، والدفاع عن أمن الأمة العربية برمّتها. فالتاريخ لا يرحم، والشعوب لا تنسى، واللحظة الراهنة تفرض شجاعة استثنائية في اتخاذ القرار، حتى لو بدا صعباً أو محفوفاً بالمخاطر. في المحصّلة، يفرض علينا الواقع الراهن - بكلّ ما يحمله من تهديدات وتحدّيات - إعادة قراءة اتفاقية كامب ديفيد ليس بوصفها نصّاً مقدّساً، بل باعتبارها وثيقة قابلة للمراجعة والمساءلة. لقد تحوّلت هذه الاتفاقية من وعدٍ بسلام عادل، إلى قيدٍ يحاصر مصر، ويمنعها من استعادة دورها التاريخي كقلب نابض للأمّة العربية، وحائط صدٍّ أول ضد الأطماع الصهيونية والإقليمية. إن اللحظة التاريخية التي نعيشها لا تتيح رفاهية التردّد أو المراوغة. فإما أن تستعيد مصر قرارها المستقل، وسيادتها الكاملة، وتعود لقيادة مشروع نهضة عربي حقيقي، أو تظلّ أسيرة لاتفاق أفرغ روحها القومية، وأفقدها ثقة الشعوب العربية في ريادتها. ولعلّ أعظم ما يمكن أن نقدّمه للأجيال القادمة، هو أن نثبت في هذه اللحظة الفارقة، أننا كنا أمناء على المصير الوطني، شجعاناً في اتخاذ القرارات المصيرية، وأوفياء لوعد التحرّر والسيادة. فالتاريخ - كما قال جمال حمدان - لا يرحم الضعفاء، ولا يمنح المجد إلا للذين يجرؤون على كسر القيود، والانتصار للحقّ، مهما كانت التكاليف.


صحيفة الخليج
٠٤-٠٧-٢٠٢٥
- سياسة
- صحيفة الخليج
فلسطين وإهدار الوقت
الوقت عنصر مهمّ في حسابات الصراع العربي الإسرائيلي وفى قلبه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. وعنصر الوقت ليس مجرد حسابات سنين، وعدد وأرقام، الوقت والزمن نتائج وخلاصات وعِبَر ودروس، بلغة سياسية الزمن رؤية شمولية تتضمن أهدافاً وآليات كالإنسان الذي يمر بمراحل عمرية، وكل مرحلة لها حساباتها. وهنا إذا تساءلنا ما هو هدفنا؟ وما نريد وبماذا نحلم؟ الإجابة تختلف بمراحل الصراع التي مرت بها القضية، ففي مرحلة من الصراع لم نكن نفكّر إلا في فلسطين كلها، ولم نبالِ بأي شيء آخر، واستمر هذا الحلم حتى النكبة وقرار التقسيم وقيام إسرائيل كدولة التهمت الحلم في قيام فلسطين كدولة، ثم في مراحل متعاقبة قلّصنا هدفنا بفلسطين 1948، أي نحو 45 في المئة من مساحة فلسطين. وبعد 1967عام قلّصنا الهدف بعشرين في المئة، والآن الحديث عن عشرة في المئة في الضفة، وواحد في المئة في غزة، وحتى هذا الحلم تبخّر مع الانقسام والحرب على غزة التي دفنت كل الأحلام الفلسطينية. والتساؤل كيف تعامل الفلسطينيون مع عنصر الوقت منذ 1917 تاريخ صدور وعد بلفور، أي قبل أكثر من مئة عام، وماذا فعلنا بالوقت منذ 1948 تاريخ النكبة. وماذا فعلنا بالوقت منذ 1967 واحتلال إسرائيل لكل فلسطين؟ وماذا فعلنا بالوقت منذ اتفاقات أوسلو وخمسة وعشرين عاماً من التفاوض؟ والسؤال الأكثر أهمية ومصيرية ماذا فعلنا بالوقت منذ سيطرة حماس على غزه عام 2007؟ وهل نملك مزيداً من الوقت ليتم هدره على خلافات وصراعات وحروب إعلامية وكلامية؟ بمعايير الوقت الخسارة أكبر من المكاسب التي تم إنجازها. وقد يجيب البعض وأتفق معه جزئياً، لقد حققنا الكثير منذ 1917، أصبح لدينا منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. وأصبح لدينا تمثيل دبلوماسي مع أكثر من مئة وعشرين دولة، وهناك اعترافات متزايدة بالدولة الفلسطينية. ولدينا الآن سلطة ومؤسسات سياسية وتعليمية واقتصادية وغير ذلك. كل هذا صحيح بلغة الزمن المختزلة، لكن حسابات الوقت من منظور استراتيجي نسأل، لماذا لم نحافظ على فلسطين كلها في وقت كانت فلسطين كلها أرضاً للشعب الفلسطيني؟ لم يحسن الفلسطينيون قراءة الوقت وأهميته، لكن لم يتوان الفلسطينيون بقدراتهم المحدودة على الدفاع عن أرضهم بهبّات وثورات شعبية. لا أتصور أن الفلسطينيين تخيّلوا ولو للحظة واحدة أنه يمكن أن يكونوا خارج أرضهم، فيما تنجح الحركة الصهيونية في تحويل حلم هيرتزل بقيام وطن قومي يهودي في فلسطين إلى حقيقة. وقد يقول قائل إنه كانت هناك مؤامرة بريطانية ودولية للتآمر على الشعب الفلسطيني، لكننا تناسينا أهمية عنصر الوقت ولا شك كانت هناك خلافات وصراعات بين الأجنحة الفلسطينية وقتها صورتها عائلية وشخصانية، لنصل إلى عام 1948 ولم نحسن توظيف عنصر الوقت في عام النكبة، حيث كانت الضفة وغزة فلسطينيتين، الأولى ضمها مشروع المملكة المتحدة مع الأردن، فيما وُضعت غزة تحت الإدارة المصرية، ويُسجّل لمصر والرئيس عبد الناصر المحافظة على الهوية الوطنية الفلسطينية في غزة، وتم تشكيل جيش التحرير من أبناء غزة، لكن في عام 1967 خسرنا الضفة وغزة معاً. من المسؤول؟ الوقت لا يعمل لصالح الفلسطينيين، لكن لا يمكن إعفاؤهم من مسؤولية هدر الوقت. ومنذ تاريخ توقيع اتفاقات أوسلو 1993، ورغم إنجاز السلطة وعودة القيادة إلى فلسطين، وتلاحمها مع الشعب، إلا أن الوقت لم يعمل لصالح الفلسطينيين، وأهدرنا وقتاً طويلاً في المفاوضات التي أعطت إسرائيل الوقت الكافي لمزيد من الاستيطان والتهويد، وانشغلنا بترتيبات السلطة والحكم، لنغرق في ظلمات هذه السلطة، وليجد الفلسطينيون أنفسهم غارقين في تبعاتها الإدارية والبيروقراطية. وبدلاً من الاستفادة من عنصر الوقت بانتخابات عام 2006 والتي فازت فيها حماس، وكانت فرصة سياسية لبناء نظام سياسي ديمقراطي يحتضن الجميع، بدلاً من ذلك قامت حماس بسيطرتها على غزة بالكامل عام 2007 ولتبدأ دورة الحروب لنصل إلى الحرب الخامسة اليوم التي حولت غزة إلى ركام وآلاف الشهداء وتعمّق جذور الانقسام. وهناك جانب آخر لهدر الوقت يكمن في ربط القرار السياسي بالحسابات والمراهنات الإقليمية والانغماس في الشؤون العربية والمثال واضح في الأردن ولبنان وسوريا. ونتساءل مجدداً، هل من قيمة للوقت؟ الإجابة بالنفي، فلأكثر من عقدين تخللهما الانقسام وخمس حروب على غزة، وما زال مسلسل هدر الوقت مستمراً، وكأن القضية ليست لها حسابات زمنية. وفي الوقت الذي أهدرنا هذه السنوات في خلافات وصراعات ومحاولات فاشلة من حوار الطرشان بين الأشقاء، واصلت إسرائيل سياسة التهويد والاستيطان. ولو عرفنا كيف استفادت من هذا الوقت الذي أهدرناه في صراع على السلطة والحكم الضائع، لعرفنا كم خسرنا، الوقت بلغة السياسة يعني وضع هدف أو أهداف واضحة وآليات لتنفيذها عبر مراحل زمنية معينة، وهذا كله غائب عن السياسة الفلسطينية. فالوقت حساباته لدينا ليس بالزمن بل بالحسابات الغيبية الشخصانية.


الميادين
٢٦-٠٦-٢٠٢٥
- سياسة
- الميادين
ما بين لبنان والكيان الإٍسرائيلي
ربما يكون لبنان، من دون مبالغة، ثاني أكثر بلد عربي، بعد فلسطين المحتلة، قد تضرر وتأذى من "إسرائيل" على امتداد تاريخ الصراع العربي - الإسرائيلي وعلى امتداد المنطقة العربية، من مشرقها العربي، إلى مغربها العربي، مرورًا بخليجها العربي بطبيعة الحال. فلبنان، من حيث الصيغة والنموذج والتجربة، وكذلك ماهية وطبيعة الدور الإقليمي، إنما هو نقيض "إسرائيل" بالوجود. تعي الأخيرة هذه الحقيقة وهذا الواقع. وهي تتعامل وتتعاطى معه على هذا الأساس ومن هذا المنطلق ومن هذه الزاوية. فماذا بين لبنان و"إسرائيل" سابقًا وحاضرًا ولاحقًا؟ بالنسبة إلى "إسرائيل"، يجب على لبنان، على طول الطريق وعلى امتداد تاريخ البلد والمنطقة، ألا يستقر أولًا، وألا ينتعش ثانيًا، وألا يزدهر ثالثًا وأخيرًا. ربما يظن البعض، في الداخل وفي الخارج، أنها لعنة التاريخ والجغرافيا! الثابت أن "إسرائيل" تنظر إلى لبنان على أنه المنافس الإقليمي لها في الموقع الاستراتيجي وفي الدور الاقتصادي. هذا ما سوف نتناوله لاحقًا أدناه. المهم أن "إسرائيل" تعمل بشتى الأساليب والوسائل لمنع بناء الدولة في لبنان بكل معنى الكلمة. صحيح أن هناك أسبابًا ذاتية، وهي عوامل داخلية، أدت إلى هذا الفشل الذريع في لبنان على صعيد مشروع بناء الدولة؛ لكن "إسرائيل" حكمًا وحتمًا لا تريد أن يكون في لبنان دولة طبيعية وحقيقية، وأن تكون هذه الدولة قوية، قادرة ومقتدرة على الصعد العسكرية، والأمنية، والاستراتيجية، والمالية، والاقتصادية والتجارية. هذه نظرة "إسرائيل " إلى لبنان على الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة، وهذا موقف "إسرائيل" من لبنان، وكذلك من أي مشروع وطني لبناء أو لإعادة بناء الدولة فيه. 25 حزيران 09:28 10 حزيران 08:50 بناء على نظرة "إسرائيل" إلى لبنان وموقفها منه أعلاه، وهما بالتأكيد جزء لا يتجزأ من العقيدة الصهيونية لـ"إسرائيل" وسياستها واستراتيجيتها حيال هذا البلد وضمن نطاق هذه المنطقة، فإن مخطط أو مشروع "إسرائيل" تجاه لبنان يحيلنا على ثلاثية التطبيع والتقسيم والتوطين، بصرف النظر عن كيفية ترتيب المقومات الثلاث في هذا المخطط وهذا المشروع لـ"إسرائيل" ضد لبنان. فهي تريد من التطبيع التوقيع من قبل لبنان، أو لنقل حكومة لبنان، على وثيقة الاستسلام لـ"إسرائيل" والتسليم بشروطها السياسية، لا التطبيع بمعنى جعل العلاقات طبيعية بين "إسرائيل" ولبنان، مع العلم أن هذا الأمر مرفوض وغير مقبول، وهو مردود، بل إنه مستحيل. وهي تريد أيضًا تقسيم البلد وتفتيته، بطريقة أو بأخرى، واقتطاع وابتلاع جنوب لبنان، على الأقل وبالحد الأدنى، وفق رؤيتها التوسعية، الاستيطانية والاستعمارية. كما أنها تريد توطين ما أمكن من لاجئين فلسطينيين ومهجرين ومهاجرين سوريين في لبنان، أو بالأحرى ما تبقى من لبنان، للقضاء عليه أو التخلص منه، لكونه وبوصفه لاعبًا إقليميًّا منافسًا، ذا مواصفات تنافسية. احتدم في الآونة الأخيرة النقاش السياسي والإعلامي بين اللبنانيين بشأن قضية التطبيع مع "إسرائيل"، أو لنقل توقيع معاهدة السلام بين لبنان و"إسرائيل". وقد انقسم اللبنانيون بين مؤيد ومعارض، حول هذه القضية، بمن فيهم الرأي العام من عامة الناس والإنتليجنسيا السياسية، بعيدًا من الحسابات الراسيونالية والبراغماتية والتقديرات الواقعية والمنطقية لمصلحة الشعب والبلد. من هنا، قد يكون من المبكر الإسراع والتسرع من قبل البعض في الداخل ومن الخارج بطرح قضية السلام والتطبيع مع "إسرائيل"، بُعَيد العدوان الأخير مباشرة. أكثر من ذلك: لا يجوز بميزان المسؤولية الوطنية، لا حاضرًا ولا مستقبلًا، التفكير في هذا المسار، ولا حتى الدعوة له، والترويج الإعلامي والتسويق السياسي له، من دون مراعاة مشاعر وأحاسيس وهواجس الكثير من اللبنانيين وعلى حساب حرمة دماء شهدائهم وجرحاهم! و"إسرائيل" لا تقبل بأن يستفيد لبنان بالذات وبالتحديد من الفرص الاستثمارية، المحتملة أو المفترضة، من السلام والتطبيع في الإقليم، على خلفية وأرضية الأسباب المتصلة بالنظرة الصهيونية، والموقف الصهيوني، والتناقض الوجودي والتنافس الوظيفي بين لبنان و"إسرائيل". وهنا الطامّة والفضيحة! بالعودة في الزمن إلى الوراء، لقد أفادت "إسرائيل" من ضرب القطاع المصرفي في لبنان ومن تفجير المرفأ التجاري في بيروت، بل ربما تكون هي وراء المؤامرة الأولى وخلف الجريمة الثانية. في ميزان الأرباح والخسائر، "إسرائيل" استفادت، وما تزال تستفيد، من مفاعيل وتداعيات اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، الأزمة في لبنان، والحصار ومن ثم العدوان عليه، والانهيار والانفجار فيه، والصفعات والضربات للمقاومة فيه، ولا سيما اغتيال السيد الشهيد حسن نصر الله. لبنان خسر دوره التاريخي والاقتصادي في المنطقة، كوسيط تجاري إقليمي بين الغرب والشرق، وكمركز مالي إقليمي للرساميل العربية. جاء كل ذلك في خدمة الحسابات والمصالح والخطط والمشاريع والبرامج والأطماع الإسرائيلية لدى لبنان وضمن نطاق المشرق العربي. فما هي حقيقة دور الكيان الإسرائيلي في لبنان وفي كل ما حدث في لبنان؟ وما هو واقع الحال بين لبنان و"إسرائيل"؟ وهل هي بمحض الصدفة؟ حالة العداء بين لبنان و"إسرائيل" أكبر وأبعد وأعمق من حالة الحرب واحتمالاتها، سواء بقيت الحرب العسكرية بينهما ساخنة أو حامية، أم عادت باردة، أم حتى انتقلت إلى وضعية الهدنة العسكرية، كما كانت سنة 1949. إن "إسرائيل" لا تدع لبنان وشأنه البتة. فهي لم تتركه في الماضي وشأنه، ولن تتركه في الحاضر ولا في المستقبل وشأنه. وعلى الطبقة السياسية عمومًا والطبقة الحاكمة خصوصًا، بما فيها القوى السياسية، والكتل النيابية، وقادة الرأي والنخب المثقفة، التفكير والتخطيط، ومن ثم التحرك والتصرف، على هذا الأساس، وفق مقتضيات المصالح الوطنية، من دون إنكار، ولا إغفال، أهمية وخطورة التهديدات الإسرائيلية.