logo
#

أحدث الأخبار مع #وسيدقطب،

يوم نتعلم منه كل يوم
يوم نتعلم منه كل يوم

بوابة الأهرام

timeمنذ 4 أيام

  • سياسة
  • بوابة الأهرام

يوم نتعلم منه كل يوم

فى الأيام الأخيرة من الشهر الماضى والأولى من هذا الشهر احتفلنا بالعيد الثانى عشر لثورة يونيو، فعبرنا فيما كتبناه وفيما قلناه عن شعور عميق بالطمأنينة والرضا عما قمنا به فى ذلك اليوم الذى أصبح يوما من أيامنا التاريخية وعيدا من أعيادنا الوطنية. لكنى أشعر أن هذا الاحتفال بهذه الصورة التى تم بها لا يكفى ولا يفى هذا اليوم حقه. لأن ثورتنا فى الثلاثين من يونيو لم تكن مجرد حركة أسقطت نظاما فاسدا، ولم تكن مجرد يوم مضى وانقضي، وإنما كانت إنجازا حضاريا استعدنا فيه وعينا الذى فقدناه فقدانا كاملا، وواجهنا فيه أخطارا ماحقة كانت تحيط بنا من كل جانب. من الداخل والخارج، ومن الحاضر والماضي. كان يظن أنها ستنطلى على المصريين، على الأقل بعض الوقت الذى يستطيع فيه أن يسلح نفسه بما يبعث الرهبة والخوف فى أفئدة من تسول لهم نفوسهم أن يعارضوه بعد أن يستيقظوا من غفلتهم ويكتشفوا حقيقته. أما الآن وهو فى السلطة وافد جديد فعليه أن يتخفى بما يرفعه من شعارات ليست فى الحقيقة إلا أقنعة وادعاءات كاذبة استدرج بها البسطاء وحول بها نفسه من جماعة دينية، كما كان يزعم، إلى حزب سياسى يفرض نفسه باسم الإسلام الذى ادعت جماعة الإخوان أنها قامت لتمثله، كأن الإسلام فى حاجة لممثل جديد فى بلد عرف التوحيد قبل أن يعرفه الخلق جميعا، واستقبل المسيحية واحتضنها، ثم استقبل الإسلام واحتضنه، وتوارث الديانتين جيلا بعد جيل. لكن الذين حكموا مصر فى العقود السابقة كانوا فى حاجة لسند يبررون به طغيانهم وعداءهم للديمقراطية وللحريات، وتفريطهم فى الدفاع عن حقوق الوطن والسعى لما يستحقه ويتمناه. وقد وجدوا هذا السند فى هذه الجماعة التى كانت محتاجة بدورها لسند فى السلطة يضمن لها وجودها فى الساحة السياسية، وانفرادها بها. وهكذا وجدنا أنفسنا بين مخالب هذا الطغيان المزدوج، طغيان السلطة المستبدة، وطغيان الجماعة المتأسلمة. وقد ظل هذا الطغيان المزدوج جاثما على صدورنا عدة عقود يعيث فى مصر فسادا، ويعبث بمقدرات المصريين. وإنما كانت القوانين تؤلف وتزيف لتلبى الحاجة إلى خبر ينشر فى الصحف يزين به القابضون على السلطة صدورهم ثم ينسونه. والأحداث التى توالت علينا فى نصف القرن السابق على ثورة يناير وشهدت توغل الإخوان فى مؤسسات الدولة، وسيطرتهم على أجهزة الإعلام وعلى الجامعات والمدارس، واستيلاءهم على الشارع، ونجاحهم فى هذا الانقلاب الثقافى الذى قاموا به مع من وقف معهم من المتاجرين بالدين والطامعين فى السلطة، واستطاعوا به أن يزيحوا أئمة النهضة المصرية من أماكنهم ويحلوا محلهم ليحرموا الفن، ويصادروا الكتب والأفلام والمسرحيات، وينشروا أفكار المودودي، والبنا، وسيد قطب، ويغتالوا فرج فودة، ونجيب محفوظ، ويشككوا المصريين فى كل ما تعلموه على يد محمد عبده، وقاسم أمين، وعلى عبدالرازق، وأحمد لطفى السيد، وطه حسين، ويفرضوا على الأجيال الجديدة أن تبتعد عن هؤلاء. وفى هذه المتاهة التى ضاع فيها العقل، واختنقت الحريات، ولم يعد للأمل أو للحلم أو للمنطق مكان، كيف كان فى استطاعة المصريين وهم فى مواجهة هذه الجماعة الشريرة التى انفردت بهم، وأنستهم تاريخهم، ودمرت ثقافتهم، وزيفت شخصيتهم، ووضعت يدها على كل مقدراتهم أن يرفعوا عن وجهها القناع ليروها على حقيقتها؟. إننا لا نستطيع حتى الآن بعد كل الذى رأيناه من هذه الجماعة أن نكون متأكدين من أننا عرفنا كل شيء عنها وعن تنظيماتها التى انتشرت فى العالم العربى والإسلامى كما ينتشر الطاعون. تنظيمات تنتمى لها صراحة، وتنظيمات أخرى تشبهها ويكمل بعضها بعضا. أحزاب سياسية سنية وشيعية منها الإخوان، وحزب الله، وتنظيمات إرهابية منها القاعدة، وداعش، وهى أيضا نظم حاكمة فى إيران، والسودان، وأفغانستان، وفى سوريا أخيرا. ونستطيع أن نراها حتى فى هذه المستعمرة الصهيونية التى أقامها المحتلون الإنجليز فى فلسطين بعد أن انتزعوها من يد أهلها ليجعلوها وطنا لليهود، شعب الله المختار! ولا يزال هذا العالم بصوره هذه وبألوانه، وبحكامه، وبإخوانه وأمريكانه، لا يزال يرسم نفسه حتى هذه الأيام، ولا يزال ينمو ويتوسع ويعلن الحرب على الشعوب العربية والإسلامية، وعلى العقل والديموقراطية، وعلى التطور والتجديد، ولا يزال يتمسح بالدين ويتحالف مع الشيطان. وقد ظل هذا العالم بهذه الجماعات الشريرة يسير من سيئ إلى أسوأ حتى فاض الكيل بمحمد البوعزيزى بائع الخضر التونسى الذى صادرت شرطة زين العابدين بن على عربته فأحرق نفسه!. هكذا بدأ الربيع فى بلادنا. بدأه التوانسة على هذا النحو المأساوي، وتلقاه المصريون الذين استيقظوا ليجدوا أنفسهم فى ميدان التحرير، ومن ميدان التحرير إلى غيره من الشوارع والميادين، فى المدن والقري، رجالا ونساء لا يملكون أى شيء، لا البرنامج، ولا الهدف، ولا الخطة، ولا القيادة، ولا حتى الكلمات بعد أن عاشوا أكثر من نصف قرن منفيين فى وطنهم، محبوسين فى منازلهم أفرادا ممنوعين من التفكير والتعبير والاجتماع. وفجأة تذكروا أن ثلاثين عاما مرت، وهذا الرجل الجالس على العرش لا يرحل. هكذا بدأوا يستعيدون وعيهم ويهتفون بلغتهم: ارحل! يعنى إمشي! ياللى ما بتفهمش! وهكذا رحل نصف الطغيان ليحل محله النصف الآخر بعد عرض مسرحى أداه الإخوان ودخلوا فيه الانتخابات ليثبتوا حقيقة ينساها الكثيرون هى أن الديموقراطية ليست شكلا، وليست كلمة فى الدستور، وليست خبرا فى صحيفة، ولكنها نضال ينخرط فيه الشعب كله، وإلا فالديموقراطية فى غياب الجماهير وغياب الوعى يمكن أن تحمل أعداءها إلى السلطة ليدمروا كل ما يمت لها بسبب، وهذا ما فهمه المصريون فكان هذا اليوم التاريخى الذى استطاعوا فيه أن يتحرروا من سلطة الإخوان، وبقى عليهم أن يتحرروا من ثقافة الإخوان. نعم! علينا أن نتحرر من ثقافة الإخوان، وإلا استيقظنا ذات صباح لنجدهم فى السلطة من جديد. وفى هذه الحالة لن يسعفنا الثلاثون من يونيو.

حركة «حسم» ومشروع الإخوان المسلح
حركة «حسم» ومشروع الإخوان المسلح

الدستور

time٠٥-٠٧-٢٠٢٥

  • سياسة
  • الدستور

حركة «حسم» ومشروع الإخوان المسلح

كانت «حسم»، التابعة للجناح المسلح للإخوان، تجسيدًا حقيقيًا وفاعلًا لأفكار وأدبيات حسن البنا وسيد قطب، وامتدادًا للتنظيم السرى المسلح، الذى أسسه البنا فى أربعينيات القرن الماضى، وتورط فى العديد من العمليات الإرهابية، ولا يمكن اعتبارها نقطة تحول فى تاريخ الجماعة، سواء على المستوى المنهجى الفكرى، أو على المستوى التنظيمى والحركى. ثمة عوامل ساعدت فى بلورة حركة «حسم»، فكريًا وتنظيميًا، لا سيما أنها قامت على بقايا الحركات الإخوانية المسلحة التى تشكلت عقب ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣، مثل «العقاب الثورى» و«ولع»، و«كتائب حلوان» وغيرها من حركات جماعة الإخوان. اعتماد حركة «حسم» على عدة دراسات فكرية طرحتها الجماعة عقب سقوط حكمها، وعبرت بوضوح عن الخط الفكرى للتنظيم الإخوانى، مثل: دراسة «فقه الاختبار والمحنة»، التى قدمها مفتى الإخوان الدكتور عبدالرحمن البر، وكتاب «فقه المقاومة الشعبية»، ويعتبر دراسة فقهية وشرعية لتوظيف العنف المسلح لخدمة الجماعة فى مواجهة النظم السياسية الحاكمة، وكتاب «دليل السائر ومرشد الحائر»، وكتاب «كشف الشبهات.. عما وقع فيه الناس من اختلافات». فضلًا عن وثيقة «رد الاعتداء على الحركة الاسلامية»، التى كتبها سيد قطب، وتم تسريبها من داخل السجن قبل إعدامه، ودعا فيها إلى ضرورة هدم الدولة المدنية لإقامة الدولة الإسلامية، وهى فكرة تتفق تمامًا مع نظرية «النكاية والإنهاك»، التى طرحها كتاب «إدارة التوحش»، الذى يعتبر أهم المرجعيات الفكرية لتنظيم القاعدة وتنظيم داعش. جميع هذه الدراسات أصلت فكريًا وشرعنت للعمل المسلح، تحت ما يمسى بـ«فقه دفع الصائل»، و«الفئة الممتنعة»، وإباحة دماء قوات الجيش والشرطة، وتكفيرها، والاعتداء على مؤسسات الدولة، والعمل على إسقاط النظام السياسى. وفى أحد لقاءاته عبر فضائية «مكملين» الإخوانية، أكد القيادى الإخوانى مجدى شلش، أنّ اللجنة الشرعية داخل الإخوان عكفت عقب ٣٠ يونيو، وعلى مدار عدة أشهر، وقدمت مجموعة من الدراسات فى مقدمتها كتاب «فقه المقاومة الشعبية»، للتأصيل الفكرى والشرعى لتلك المرحلة الحرجة من تاريخ جماعة الإخوان، وأنه كان على رأس تلك اللجنة الدكتور محمد كمال، المسئول المباشر عن الجناح المسلح. وشدّد «شلش»، خلال لقائه، على أنّ «السلمية ليست ثابتًا من ثوابت الإخوان»، وأنّ «شعار سلميتنا أقوى من الرصاص تغيّر الآن وأصبح سلميتنا أقوى بالرصاص». كما كشف عن أنّ هذه الدراسات تم توزيعها على شباب القواعد التنظيمية للجماعة، وأن أكثر من ٨٥٪ من عناصر الإخوان، يؤيدون العمل المسلح لمواجهة النظام السياسى المصرى. كان لعملية تأسيس ما يسمى بـ«معسكرات الطلائع»، التى فككتها الأجهزة الأمنية المصرية، فى عدة مناطق صحراوية، الفضل فى تدريب وتأهيل حركة «حسم»، إذ كانت «معسكرات طلائع»، بمثابة النواة الحقيقية لتكوين ما يسمى بـ«التنظيم المسلح»، والنقل النوعية والتحول فى استراتيجية العمل المسلح داخل الإخوان، والانتقال من خانة العشوائية والهواة، إلى خانة الاحترافية والتدريب بشكل كامل على طرق استخدام السلاح، وفك وتركيب المتفجرات، وطريقة تصنيعها، واستخدام التقنيات الحديثة ووسائل التواصل الحديثة فى عمليات الرصد والتتبع والمراقبة للأهداف المرادة. تأسست «معسكرات الطلائع»، فى إطار التطوير للهيكل التنظيمى والتعبوى للجناح المسلح داخل الإخوان، وهى عبارة عن أجنحة مسلحة تم توطينها فى المناطق النائية والصحراوية، بهدف تدريب أكبر عدد ممكن من شباب الجماعة، وتدريبهم على فنون القتال والاغتيالات، تحت مسمى «التربية الجهادية» أو «مشروع الجهاد المقدس». إلا أن الأجهزة الأمنية المصرية قضت على هذا المشروع بشكل مبكر جدًا، وأجهضت فكرة تكوين تلك الخلايا والأجنحة المسلحة، من خلال عملية تفكيك تلك المعسكرات، والقضاء على عدد كبير من عناصرها، وإلقاء القبض على بعضهم، والعثور على بعض الأوراق التنظيمية، وخطط تلك المعسكرات ومصادر تمويلها، ومخازن تسليحها التى كانت تحت ما سمى بـ«مزارع الموت»، مثل مزرعة الإسكندرية ومزرعة البحيرة. سعت «معسكرات الطلائع» إلى تشكيل عدد من الحركات المسلحة المتعددة بهدف تشتيت وإرباك الأجهزة الأمنية المصرية، وكان من ضمن الدورات التدريبية التى تلقتها عناصر «معسكرات الطلائع»، دورة «مقاومة الاستجواب»، التى هدفت إلى تهيئة العناصر نفسيًا للتعامل مع التحقيقات الأمنية حال وقوعها فى قبضة الأجهزة الأمنية والاستخبارات. شكلت «معسكرات الطلائع» هيكلًا تنظيميًا، متكاملًا، من حيث الاختصاص، والأدوار المنوطة بتدريب وتأهل العناصر، فشملت: لجنة «الدعم المركزى»، ومهمتها توفير جميع أوجه الدعم اللوجستى للحركة المسلحة، وفقًا لاحتياجاتها المرحلية، و«اللجنة الشرعية»، ومهمتها إعداد البرامج والدورات الشرعية اللازمة لتأصيل العمليات النوعية المسلحة، وترسيخ الأفكار والمفاهيم الجهادية، والعمليات الانتحارية لدى عناصر التنظيم، ولجنة «الوحدات الإدارية»، ومهمتها إعداد قواعد البيانات المختلفة للتنظيم، والتأكد من اتباع عناصر حركة حسم إجراءات الأمن والسلامة. يضاف إلى ذلك لجنة «الرصد والمعلومات»، وهى لجنة معنية بجميع المعلومات عن العناصر والكيانات المطلوب استهدافها، ورصدها، سواء كانت شخصيات سياسية أو عسكرية، أو شرطية، أو قضائية، أو إعلامية، أو منشآت حيوية هامة. فضلًا عن لجنة «العمليات والتنفيذ»، وتتولى تنفيذ العمليات المسلحة، ضد الأهداف المرصودة، وتضم عدة خلايا فرعية على النحو التالى: خلية «التدريب»، وخلية «التصنيع»، وخلية «التسكين» المعنية بتجهيز المقار التنظيمية، وغرف العمليات، وعقد اللقاءات التنظيمية وإخفاء الأسلحة والأدوات المستخدمة فى العمليات الإرهابية، وخلية «التزوير» المكلفة باستخراج أوراق تحقيق الشخصية المزيفة لعناصر التنظيم، وخلية «التخزين» المكلفة بتدبير وإعداد معسكرات التدريب. كان من العوامل التى ساعدت فى بلورة حركة «حسم»، واستمرارية وجودها هو دعمها المستمر من تنظيم «القاعدة»، لا سيما فى ظل وجود علاقة تاريخية بين الإخوان وقاعدة بن لادن، منذ مرحلة المرشد محمد حامد أبوالنصر، والمرشد مصطفى مشهور. وقد تجلى ذلك فى العديد من المظاهر، أهمها قيام المنصات الجهادية المحسوبة على تنظيم القاعدة، بالتعاون مع الإخوان فى بث حملة ممنهجة ضد «التجنيد الإجبارى» بالجيش المصرى، وتوثيقها بأدلة وفتاوى شرعية ضالة ومنحرفة عن النهج الصحيح، لقيادات تنظيم القاعدة والسلفية الجهادية. كما ساند جناح الإخوان المسلح، تنظيم «القاعدة» فى قضية هشام عشماوى، بشكل كبير، إذ بث فيلمًا وثائقيًا تحت عنوان «الواحات.. الكمين القاتل»، تضمن تفاصيل ومعلومات هامة عن معركة «الواحات البحرية»، التى وقعت أحداثها عند منطقة الكيلو ١٣٥ بطريق الواحات بالصحراء الغربية، فى ٢٠ أكتوبر ٢٠١٧، ونفذها تنظيم «المرابطون» بقيادة عشماوى المحسوب على تنظيم القاعدة. تبنى الفيلم أطروحات كتاب «فقه المقاومة الشعبية»، التى سطر صفحاتها قيادات الجناح المسلح، وسردوا فيه خطوات وطريقة تشكيل الخلايا النوعية، التى ليست من الضرورة أن تعمل بشكل مباشر مع التنظيم، إلا أنها تدور فى فلكه، وتنفذ أوامره بما يشبه فكرة «الذئاب المنفردة». احتفى قيادات الإخوان، خلال الفيلم بهشام عشماوى، الذى وصفوه بـ«قائد المقاومة»، ووصفوا شريكه عماد عبدالحميد، بـ«الشهيد القائد»، واعتبارهما أحد رموز الجماعة الذين واجهوا الدولة المصرية، كما أثنوا على التكفيرى عمر رفاعى سرور، مفتى القاعدة فى ليبيا، ووصفوه بـ«الشهيد المجاهد».

من "طظ في مصر" إلى "القطيع": خطاب الإخوان المهين للشعوب... والمهووس بالسلطة
من "طظ في مصر" إلى "القطيع": خطاب الإخوان المهين للشعوب... والمهووس بالسلطة

الحركات الإسلامية

time٣٠-٠٦-٢٠٢٥

  • سياسة
  • الحركات الإسلامية

من "طظ في مصر" إلى "القطيع": خطاب الإخوان المهين للشعوب... والمهووس بالسلطة

نشرت جماعة الإخوان المسلمين عبر قنواتها على تطبيق تيليجرام الأحد 29 يونيو 2025، ما يشبه البيان أو التعليق السياسي، جاء بلهجة هجومية جارحة تجاه الشعوب العربية. البيان لم يحمل سوى نبرة لوم واتهام، وكأن الجماعة تنأى بنفسها عن الواقع وتلقي بكامل المسؤولية على الشعوب التي لم تعد تعبأ بخطابها ولا تستجيب لنداءاتها. ففي وقتٍ يُفترض فيه أن تكون الجماهير حليفًا وشريكًا في الوعي والتغيير، اختارت الجماعة أن تستخدم لغة تُقابل بالازدراء والنفور، مما يعكس انقطاعًا واضحًا عن المزاج العام وسوء تقدير لطبيعة التحولات التي مرّت بها المجتمعات العربية. هذا الخطاب لا يُعد جديدًا، بل يأتي امتدادًا لسلسلة طويلة من مواقف متكررة عُرفت بها الجماعة، إذ كثيرًا ما لجأت إلى إهانة الجماهير كلما شعرت بأنها خذلت مشروعها في العودة إلى السلطة. فقد سبق لمرشد الجماعة الأسبق أن تلفّظ بعبارات مثل "طظ في مصر"، في إشارة واضحة إلى استخفافه بالشعب والدولة معًا، كما كرر قياديون منهم، بمن فيهم حسن البنا وسيد قطب، مواقف تنزع عن الأوطان أي قيمة مستقلة، وتعتبرها مجرد وسائل لا تساوي شيئًا ما لم تكن خاضعة لحكم الجماعة أو تعمل لصالح مشروعها. البيان الأخير استخدم عبارات متعالية، واصفًا الشعوب بـ"القطعان التي تأكل وتنام ولا تحتج إلا بإيعاز"، كما حمّلها المسؤولية الكاملة عن استمرار التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي وسكوت الأنظمة عن سياسات "الصهاينة"، متجاهلًا تمامًا تعقيدات الواقع السياسي، وتوازنات القوة،. يظهر من هذا الخطاب أن الإخوان لا يرون في الشعوب شركاء حقيقيين، بل أدوات عليهم أن يتحركوا بأمر التنظيم، وفي حال لم يفعلوا، يتحوّلون في نظرهم إلى جُناة ومتواطئين. هذه النظرة التسلطية تكشف عن جوهر العلاقة التي تسعى الجماعة لفرضها: علاقة طاعة لا مشاركة، ووصاية لا شراكة. جلد الشعوب بدلًا من نقد الذات يبدو أن بيان جماعة الإخوان الأخير لم يكن سوى محاولة جديدة للهروب من نقد الذات، عبر توجيه اللوم الكامل للشعوب العربية. فبدلًا من أن تمارس الجماعة أي قدر من المراجعة لمسارها أو خطابها أو تحالفاتها، اختارت مجددًا سلوك الطريق الأسهل: جلد الجماهير. البيان جاء محمّلًا بكم هائل من التلميحات المهينة والاتهامات المغلّفة بالدين، وكأنه لا سبيل لفهم الواقع سوى من خلال تخوين الناس وتكفير نواياهم. فقد تحوّلت خيبة الجماعة في الشارع العربي إلى غضب أعمى يُصبّ على الشعوب بدلًا من مساءلة النفس. من أبرز مظاهر هذا الخطاب، استدعاء الجماعة لآيات قرآنية في غير موضعها، كما في ختام البيان الذي تضمن الآية: "فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قومًا فاسقين". هذه الآية، التي تتحدث عن فرعون واستخفافه بقومه، استُخدمت هنا في غير سياقها لتُسقِط صفة "الفسق" على الشعوب العربية، بحجة أنها لم تتحرك وفق ما تريده الجماعة: لم تخرج إلى الحدود، لم تتظاهر أمام السفارات، ولم تفتح المعابر بالقوة. هذا التوظيف التعسّفي للنصوص الدينية ليس جديدًا في أدبيات الجماعة، لكنه يعكس بوضوح مدى تعاليها الأخلاقي ورفضها للاعتراف بأن للناس أولويات ومخاوف تختلف عن شعاراتها الثورية. اللافت أن البيان لم يتضمّن أي إشارة إلى مسؤولية التنظيم عن ما آلت إليه الأوضاع، سواء على مستوى خطابه أو خياراته أو إخفاقاته السياسية والاجتماعية. وكأن الجماعة لا تعيش في العالم نفسه، ولا علاقة لها بفقدان الناس للثقة في مشروعها. هكذا تتحوّل الجماهير في خطاب الإخوان من ضحايا الاستبداد والقمع إلى متهمين بالفساد والفسق، في ظل تجاهل تام لحجم المعاناة التي يعيشها المواطن العربي. إن هذا النوع من الخطابات لا يعبّر عن حزن صادق على الواقع، بقدر ما يفضح عقلية الوصاية والتبرؤ من الفشل، التي لطالما اتسم بها نهج الجماعة في كل لحظة خسارة. ازدراء الشعوب... نهج متجذر لم يكن ازدراء جماعة الإخوان المسلمين للشعوب والأوطان مجرد انفعال عابر أو خطاب ظرفي نتج عن الهزيمة أو الإقصاء، بل هو جزء متجذّر في بنيتها الفكرية منذ لحظة التأسيس. هذا الازدراء لم يتوقف عند مستوى التلميحات، بل صيغ بوضوح في أدبيات قادتها ومقولاتهم الشهيرة، التي ترسّخت في وجدان التنظيم كمسلمات فكرية لا تقبل النقاش. ففكرة الوطن، التي تعد حجر الزاوية في تشكيل الهوية والانتماء، كانت دومًا في أدبيات الإخوان قيمة هامشية لا تستحق الدفاع عنها إلا إذا خضعت بالكامل لمشروع الجماعة. من أبرز ما يوضح هذا التوجّه، ما كتبه مؤسس الجماعة حسن البنا، حين قال بوضوح: "الوطن حفنة من تراب عفن"، وهي عبارة بالغة الدلالة، لأنها تختزل رؤية الجماعة للأوطان باعتبارها بلا معنى إن لم تكن في خدمة ما يسمونه بـ"الدعوة" أو "المشروع الإسلامي"، وهو الاسم الحركي للسلطة الدينية والتنظيمية التي يسعون لفرضها. هذه العبارة نفسها أعاد تكرارها سيد قطب، مُبرزًا مدى تجذّر هذه النظرة داخل المدرسة الفكرية للإخوان، حيث يُنظر للوطن كمجرد وسيلة لا غاية، وساحة للصراع لا مجالًا للمواطنة والانتماء. هذا الموقف لم يتغير مع تطورات الزمن أو تغير القيادة داخل الجماعة، بل بقي ثابتًا يتكرّر كلما سنحت الفرصة. فقد سجّل المرشد العام السابق، محمد مهدي عاكف، موقفًا صادمًا حين قال: "طظ في مصر وأبو مصر، أنا أنتمي إلى المشروع الإسلامي لا إلى الوطن!"، في تعبير صارخ عن عقيدة الإخوان العابرة للحدود والتي تُقدّم الولاء للتنظيم على حساب الدولة والشعب. هذه التصريحات لم تكن زلات لسان كما يحاول البعض تبريرها، بل هي تعبير واضح عن عقل جمعي يرى في الوطن مجرد محطة للتمكين، فإن لم تخدم السلطة الدينية للإخوان، فلا قيمة له ولا ولاء له. هل الجماهير هي المسؤولة حقًا؟ يتغاضى بيان جماعة الإخوان عن الظروف المعقدة التي تعيشها الشعوب العربية، متجاهلًا أن الواقع لا يسمح دائمًا بالتحرك الجماهيري أو الاحتجاج العلني. فليس من المنطقي اختزال غياب الحراك الشعبي في ضعف الوعي أو تقصير الشعوب، دون فهم حقيقي للضغوط السياسية والاجتماعية التي تجعل كثيرين يفضّلون السلامة والاستقرار على المغامرة بمصيرهم الشخصي أو مستقبل أسرهم. تحميل الجماهير كامل المسؤولية فيه قدر كبير من التجنّي، ويتجاهل حقيقة أن المجتمعات ليست دائمًا قادرة على التغيير من خارج المؤسسات، أو دون وجود بيئة آمنة ومُهيأة لذلك. إضافة إلى ذلك، فإن موقف الجماعة يبدو بعيدًا عن أي مراجعة ذاتية، وكأنها لا تتحمل أي قدر من المسؤولية عمّا آلت إليه الأمور. فحين سنحت لها فرصة الحكم، سواء في مصر أو غيرها، لم تلتزم بما ترفعه اليوم من شعارات، ولم تقدم نموذجًا يرسخ الثقة في خطابها. بل بدا أن أولوياتها في تلك المرحلة كانت تتركّز على تثبيت وجودها السياسي وبناء نفوذها داخل مؤسسات الدولة، دون أن تعطي اهتمامًا كافيًا للقضايا الكبرى التي تعود اليوم لتضعها في مقدمة خطابها. هذا التناقض بين ما ترفعه الجماعة من مواقف اليوم، وما قدّمته في تجربتها العملية، يضعف قدرتها على إقناع الجمهور، ويجعل خطابها أقرب إلى تسجيل المواقف منه إلى دعوة صادقة للمراجعة أو الإصلاح. إن تقييم واقع الشعوب يجب أن يكون نابعًا من تفهّم عميق لظروفها وتعقيداتها، لا من موقع الوصاية أو الإدانة، خصوصًا عندما تصدر من جهة لم تثبت في تجربتها السابقة أنها كانت البديل الأفضل. أين المشروع؟ أين البديل؟ تكمن خطورة خطاب جماعة الإخوان في أنه لا يكتفي بلغة الاتهام واللوم، بل يكشف أيضًا عن فراغ فكري واضح. فالبيان الأخير لا يتضمن أي ملامح لمشروع بديل أو خطة عملية للخروج من الأزمات التي يشكو منها، ولا يطرح سبيلًا لبناء وعي جماهيري أو تفعيل أدوات سلمية للتعبير والتغيير. يغيب عنه أي دعوة حقيقية للتنظيم المجتمعي أو التثقيف أو العمل التراكمي، وكأن الغاية الوحيدة منه هي تسجيل موقف غاضب دون أي أثر يُذكر على الأرض. هذا الغياب للمضمون يعكس حالة من الانفصال عن الواقع، حيث يبدو البيان وكأنه صدى لأزمة داخلية يعانيها التنظيم أكثر مما هو تعبير عن قراءة ناضجة للمرحلة. فبدلًا من أن يقدم رؤية تتجاوز التذمر وتفتح أفقًا للأمل أو التغيير، يكتفي بإلقاء التهم وتحميل الشعوب كامل العبء، دون أن يراجع أدواته أو يسائل ذاته. إنه خطاب لا يسعى إلى إقناع أو بناء، بل يصرخ في فراغ، عاجزًا عن التفاعل مع التحولات التي طرأت على المجتمعات العربية. بهذا الشكل، يتحول البيان إلى مرآة مكسورة لا تعكس الحقيقة بل تشوّهها، فيزيد من حالة الإحباط والانقسام بدلًا من أن يساهم في تجاوزها. وبدل أن يكون عنصر إلهام أو تحفيز، يصبح عبئًا على الوعي العام، يعمّق الشعور بالعجز، ويُكرّس فقدان الثقة في قدرة الجماعة على تقديم أي أفق مختلف أو مسؤول. خلاصة الجماعة التي أسّست خطابها على نفي الوطنية، ووثّقت تاريخها بإهانة الشعوب، لم تتغيّر اليوم. لا تزال ترى الناس مجرد "أتباع"، والوطن مجرد محطة، والحكم غاية تتجاوز كل الاعتبارات. ومن ثمّ، فخطابها ليس فقط عديم الفعالية، بل عديم الأخلاق. إن الشعوب لا تُستنهَض بالتحقير، بل بالاحترام والتنوير والتشاركية. أما من ينظر إلى الناس كقطيع، فلا يحق له أن يطلب منهم السير خلفه، بل أن يتساءل: لماذا لم يعد أحد يصدّقه؟

من "طظ في مصر" إلى "القطيع": خطاب الإخوان المهين للشعوب.. والمهووس بالسلطة
من "طظ في مصر" إلى "القطيع": خطاب الإخوان المهين للشعوب.. والمهووس بالسلطة

البوابة

time٣٠-٠٦-٢٠٢٥

  • سياسة
  • البوابة

من "طظ في مصر" إلى "القطيع": خطاب الإخوان المهين للشعوب.. والمهووس بالسلطة

نشرت جماعة الإخوان المسلمين عبر قنواتها على تطبيق تيليجرام الأحد 29 يونيو 2025، ما يشبه البيان أو التعليق السياسي، جاء بلهجة هجومية جارحة تجاه الشعوب العربية. البيان لم يحمل سوى نبرة لوم واتهام، وكأن الجماعة تنأى بنفسها عن الواقع وتلقي بكامل المسؤولية على الشعوب التي لم تعد تعبأ بخطابها ولا تستجيب لنداءاتها. ففي وقتٍ يُفترض فيه أن تكون الجماهير حليفًا وشريكًا في الوعي والتغيير، اختارت الجماعة أن تستخدم لغة تُقابل بالازدراء والنفور، مما يعكس انقطاعًا واضحًا عن المزاج العام وسوء تقدير لطبيعة التحولات التي مرّت بها المجتمعات العربية. هذا الخطاب لا يُعد جديدًا، بل يأتي امتدادًا لسلسلة طويلة من مواقف متكررة عُرفت بها الجماعة، إذ كثيرًا ما لجأت إلى إهانة الجماهير كلما شعرت بأنها خذلت مشروعها في العودة إلى السلطة. فقد سبق لمرشد الجماعة الأسبق أن تلفّظ بعبارات مثل "طظ في مصر"، في إشارة واضحة إلى استخفافه بالشعب والدولة معًا، كما كرر قياديون منهم، بمن فيهم حسن البنا وسيد قطب، مواقف تنزع عن الأوطان أي قيمة مستقلة، وتعتبرها مجرد وسائل لا تساوي شيئًا ما لم تكن خاضعة لحكم الجماعة أو تعمل لصالح مشروعها. البيان الأخير استخدم عبارات متعالية، واصفًا الشعوب بـ"القطعان التي تأكل وتنام ولا تحتج إلا بإيعاز"، كما حمّلها المسؤولية الكاملة عن استمرار التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي وسكوت الأنظمة عن سياسات "الصهاينة"، متجاهلًا تمامًا تعقيدات الواقع السياسي، وتوازنات القوة،. يظهر من هذا الخطاب أن الإخوان لا يرون في الشعوب شركاء حقيقيين، بل أدوات عليهم أن يتحركوا بأمر التنظيم، وفي حال لم يفعلوا، يتحوّلون في نظرهم إلى جُناة ومتواطئين. هذه النظرة التسلطية تكشف عن جوهر العلاقة التي تسعى الجماعة لفرضها: علاقة طاعة لا مشاركة، ووصاية لا شراكة. جلد الشعوب بدلًا من نقد الذات يبدو أن بيان جماعة الإخوان الأخير لم يكن سوى محاولة جديدة للهروب من نقد الذات، عبر توجيه اللوم الكامل للشعوب العربية. فبدلًا من أن تمارس الجماعة أي قدر من المراجعة لمسارها أو خطابها أو تحالفاتها، اختارت مجددًا سلوك الطريق الأسهل: جلد الجماهير. البيان جاء محمّلًا بكم هائل من التلميحات المهينة والاتهامات المغلّفة بالدين، وكأنه لا سبيل لفهم الواقع سوى من خلال تخوين الناس وتكفير نواياهم. فقد تحوّلت خيبة الجماعة في الشارع العربي إلى غضب أعمى يُصبّ على الشعوب بدلًا من مساءلة النفس. من أبرز مظاهر هذا الخطاب، استدعاء الجماعة لآيات قرآنية في غير موضعها، كما في ختام البيان الذي تضمن الآية: "فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قومًا فاسقين". هذه الآية، التي تتحدث عن فرعون واستخفافه بقومه، استُخدمت هنا في غير سياقها لتُسقِط صفة "الفسق" على الشعوب العربية، بحجة أنها لم تتحرك وفق ما تريده الجماعة: لم تخرج إلى الحدود، لم تتظاهر أمام السفارات، ولم تفتح المعابر بالقوة. هذا التوظيف التعسّفي للنصوص الدينية ليس جديدًا في أدبيات الجماعة، لكنه يعكس بوضوح مدى تعاليها الأخلاقي ورفضها للاعتراف بأن للناس أولويات ومخاوف تختلف عن شعاراتها الثورية. اللافت أن البيان لم يتضمّن أي إشارة إلى مسؤولية التنظيم عن ما آلت إليه الأوضاع، سواء على مستوى خطابه أو خياراته أو إخفاقاته السياسية والاجتماعية. وكأن الجماعة لا تعيش في العالم نفسه، ولا علاقة لها بفقدان الناس للثقة في مشروعها. هكذا تتحوّل الجماهير في خطاب الإخوان من ضحايا الاستبداد والقمع إلى متهمين بالفساد والفسق، في ظل تجاهل تام لحجم المعاناة التي يعيشها المواطن العربي. إن هذا النوع من الخطابات لا يعبّر عن حزن صادق على الواقع، بقدر ما يفضح عقلية الوصاية والتبرؤ من الفشل، التي لطالما اتسم بها نهج الجماعة في كل لحظة خسارة. ازدراء الشعوب.. نهج متجذر لم يكن ازدراء جماعة الإخوان المسلمين للشعوب والأوطان مجرد انفعال عابر أو خطاب ظرفي نتج عن الهزيمة أو الإقصاء، بل هو جزء متجذّر في بنيتها الفكرية منذ لحظة التأسيس. هذا الازدراء لم يتوقف عند مستوى التلميحات، بل صيغ بوضوح في أدبيات قادتها ومقولاتهم الشهيرة، التي ترسّخت في وجدان التنظيم كمسلمات فكرية لا تقبل النقاش. ففكرة الوطن، التي تعد حجر الزاوية في تشكيل الهوية والانتماء، كانت دومًا في أدبيات الإخوان قيمة هامشية لا تستحق الدفاع عنها إلا إذا خضعت بالكامل لمشروع الجماعة. من أبرز ما يوضح هذا التوجّه، ما كتبه مؤسس الجماعة حسن البنا، حين قال بوضوح: "الوطن حفنة من تراب عفن"، وهي عبارة بالغة الدلالة، لأنها تختزل رؤية الجماعة للأوطان باعتبارها بلا معنى إن لم تكن في خدمة ما يسمونه بـ"الدعوة" أو "المشروع الإسلامي"، وهو الاسم الحركي للسلطة الدينية والتنظيمية التي يسعون لفرضها. هذه العبارة نفسها أعاد تكرارها سيد قطب، مُبرزًا مدى تجذّر هذه النظرة داخل المدرسة الفكرية للإخوان، حيث يُنظر للوطن كمجرد وسيلة لا غاية، وساحة للصراع لا مجالًا للمواطنة والانتماء. هذا الموقف لم يتغير مع تطورات الزمن أو تغير القيادة داخل الجماعة، بل بقي ثابتًا يتكرّر كلما سنحت الفرصة. فقد سجّل المرشد العام السابق، محمد مهدي عاكف، موقفًا صادمًا حين قال: "طظ في مصر وأبو مصر، أنا أنتمي إلى المشروع الإسلامي لا إلى الوطن!"، في تعبير صارخ عن عقيدة الإخوان العابرة للحدود والتي تُقدّم الولاء للتنظيم على حساب الدولة والشعب. هذه التصريحات لم تكن زلات لسان كما يحاول البعض تبريرها، بل هي تعبير واضح عن عقل جمعي يرى في الوطن مجرد محطة للتمكين، فإن لم تخدم السلطة الدينية للإخوان، فلا قيمة له ولا ولاء له. هل الجماهير هي المسؤولة حقًا؟ يتغاضى بيان جماعة الإخوان عن الظروف المعقدة التي تعيشها الشعوب العربية، متجاهلًا أن الواقع لا يسمح دائمًا بالتحرك الجماهيري أو الاحتجاج العلني. فليس من المنطقي اختزال غياب الحراك الشعبي في ضعف الوعي أو تقصير الشعوب، دون فهم حقيقي للضغوط السياسية والاجتماعية التي تجعل كثيرين يفضّلون السلامة والاستقرار على المغامرة بمصيرهم الشخصي أو مستقبل أسرهم. تحميل الجماهير كامل المسؤولية فيه قدر كبير من التجنّي، ويتجاهل حقيقة أن المجتمعات ليست دائمًا قادرة على التغيير من خارج المؤسسات، أو دون وجود بيئة آمنة ومُهيأة لذلك. إضافة إلى ذلك، فإن موقف الجماعة يبدو بعيدًا عن أي مراجعة ذاتية، وكأنها لا تتحمل أي قدر من المسؤولية عمّا آلت إليه الأمور. فحين سنحت لها فرصة الحكم، سواء في مصر أو غيرها، لم تلتزم بما ترفعه اليوم من شعارات، ولم تقدم نموذجًا يرسخ الثقة في خطابها. بل بدا أن أولوياتها في تلك المرحلة كانت تتركّز على تثبيت وجودها السياسي وبناء نفوذها داخل مؤسسات الدولة، دون أن تعطي اهتمامًا كافيًا للقضايا الكبرى التي تعود اليوم لتضعها في مقدمة خطابها. هذا التناقض بين ما ترفعه الجماعة من مواقف اليوم، وما قدّمته في تجربتها العملية، يضعف قدرتها على إقناع الجمهور، ويجعل خطابها أقرب إلى تسجيل المواقف منه إلى دعوة صادقة للمراجعة أو الإصلاح. إن تقييم واقع الشعوب يجب أن يكون نابعًا من تفهّم عميق لظروفها وتعقيداتها، لا من موقع الوصاية أو الإدانة، خصوصًا عندما تصدر من جهة لم تثبت في تجربتها السابقة أنها كانت البديل الأفضل. أين المشروع؟ أين البديل؟ تكمن خطورة خطاب جماعة الإخوان في أنه لا يكتفي بلغة الاتهام واللوم، بل يكشف أيضًا عن فراغ فكري واضح. فالبيان الأخير لا يتضمن أي ملامح لمشروع بديل أو خطة عملية للخروج من الأزمات التي يشكو منها، ولا يطرح سبيلًا لبناء وعي جماهيري أو تفعيل أدوات سلمية للتعبير والتغيير. يغيب عنه أي دعوة حقيقية للتنظيم المجتمعي أو التثقيف أو العمل التراكمي، وكأن الغاية الوحيدة منه هي تسجيل موقف غاضب دون أي أثر يُذكر على الأرض. هذا الغياب للمضمون يعكس حالة من الانفصال عن الواقع، حيث يبدو البيان وكأنه صدى لأزمة داخلية يعانيها التنظيم أكثر مما هو تعبير عن قراءة ناضجة للمرحلة. فبدلًا من أن يقدم رؤية تتجاوز التذمر وتفتح أفقًا للأمل أو التغيير، يكتفي بإلقاء التهم وتحميل الشعوب كامل العبء، دون أن يراجع أدواته أو يسائل ذاته. إنه خطاب لا يسعى إلى إقناع أو بناء، بل يصرخ في فراغ، عاجزًا عن التفاعل مع التحولات التي طرأت على المجتمعات العربية. بهذا الشكل، يتحول البيان إلى مرآة مكسورة لا تعكس الحقيقة بل تشوّهها، فيزيد من حالة الإحباط والانقسام بدلًا من أن يساهم في تجاوزها. وبدل أن يكون عنصر إلهام أو تحفيز، يصبح عبئًا على الوعي العام، يعمّق الشعور بالعجز، ويُكرّس فقدان الثقة في قدرة الجماعة على تقديم أي أفق مختلف أو مسؤول. خلاصة الجماعة التي أسّست خطابها على نفي الوطنية، ووثّقت تاريخها بإهانة الشعوب، لم تتغيّر اليوم. لا تزال ترى الناس مجرد "أتباع"، والوطن مجرد محطة، والحكم غاية تتجاوز كل الاعتبارات. ومن ثمّ، فخطابها ليس فقط عديم الفعالية، بل عديم الأخلاق. إن الشعوب لا تُستنهَض بالتحقير، بل بالاحترام والتنوير والتشاركية. أما من ينظر إلى الناس كقطيع، فلا يحق له أن يطلب منهم السير خلفه، بل أن يتساءل: لماذا لم يعد أحد يصدّقه؟

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store