logo
كيف تحولت مكافحة الشيخوخة إلى صناعة عالمية تُدر مليارات الدولارات؟

كيف تحولت مكافحة الشيخوخة إلى صناعة عالمية تُدر مليارات الدولارات؟

أرقام12 hours ago

في عالم تحكمه الثقافة البصرية ووسائل التواصل الاجتماعي، لم تعد محاولة وقف علامات التقدّم في العمر على جسد الأشخاص مجرّد هوس شخصي أو رفاهية اختيارية، بل تحوّلت إلى معركة اقتصادية شرسة.
ومن حقن البوتوكس إلى العمليات الجراحية المعقّدة، ومن الكريمات "المضادة للشيخوخة" إلى الحميات الجينية والوصفات السحرية، تتحول الرغبة في إخفاء مظاهر تقدم السن إلى واحدة من أكثر الصناعات ربحًا في القرن الحادي والعشرين.
وتتجلى تفاصيل هذه المعركة في العيادات الطبية، ومراكز التجميل وحتى على منصات التواصل الاجتماعي.
وباتت التجاعيد تُقرأ كعلامات ضعف، والشعر الرمادي كمؤشر تراجع، بينما يُكافأ الأشخاص الذين يبدون أصغر سنًا بفرص عمل أكثر، واهتمام أكبر، وحتى ثقة أعلى في مجالات لا علاقة لها بالمظهر أساسًا.
الأرقام تتحدث
بحسب الجمعية الدولية لجراحة التجميل، جرى إجراء أكثر من 30 مليون عملية تجميلية، سواء جراحية أو غير جراحية، حول العالم في عام 2022، بزيادة بلغت 19.3% مقارنة بالعام السابق.
وتصدّرت الولايات المتحدة القائمة كأكثر دولة إجراءً للعمليات التجميلية بنسبة 26.1% من العمليات عالميًا، تلتها البرازيل بنسبة 8.9%، ثم اليابان بـ5.7%، والمكسيك بـ3.9%، وألمانيا بـ3.7%.
أما فيما يتعلق بالعمليات الجراحية الأكثر شيوعًا، فقد تصدّرت عمليات شفط الدهون القائمة، بعدد بلغ نحو 2.3 مليون عملية، وشملت القائمة أيضًا عمليات شد الجفون (1.5 مليون)، وتجميل الأنف (1.1 مليون)، وأخيرًا شد البطن بما يقارب المليون عملية.
في الجانب غير الجراحي، تصدرت حقن البوتوكس القائمة بأكثر من 9 ملايين حالة، تليها الفيلرز بـ5 ملايين، إلى جانب انتشار كبير لتقنيات تقشير وتجديد البشرة سواء بالليزر أو بالمواد الكيميائية.
تلك الأرقام قد تكون أكبر بكثير خلال العام الماضي، في ظل استمرار تنامي الطلب على الإجراءات التجميلية، وتزايد الإقبال على حلول مكافحة الشيخوخة في مختلف الفئات العمرية.
وبالانتقال إلى حجم السوق العالمي لمكافحة الشيخوخة، فتشير التقديرات إلى أنه سيبلغ 85.13 مليار دولار أمريكي في عام 2025 بعد أن بلغ نحو 67.2 مليار دولار خلال عام 2022.
ومن المتوقع أن يبلغ حجم السوق نحو 120 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2030، بمعدل نمو يصل إلى 7% سنويًا، وفقًا لتقرير نشره موردر إنتلجينس.
عوامل ساعدت على زيادة عمليات التجميل
ظهرت العديد من العوامل التي شجعت على زيادة الإقبال على عمليات التجميل في السنوات الأخيرة، منها التقدم التقني والطبي في هذا المجال، حيث أصبحت الإجراءات التجميلية أكثر أمانًا وسرعة، مع فترات تعافٍ أقصر وتكلفة أقل نسبيًا مقارنة بالسابق.
وساهم تزايد شيخوخة السكان في الدول المتقدمة مثل أوروبا واليابان والولايات المتحدة، وثقافة الجمال والشباب المتنامية في آسيا وأميركا اللاتينية، في لعب دور مهم في هذا الإطار.
هذا إلى جانب تأثير المشاهير والمؤثرين الذين يروّجون لمعايير جمال مثالية، فضلًا عن التقدّم التقني في الطب التجميلي غير الجراحي والعلاجات التجديدية.
وسائل التواصل الاجتماعي هي الأخرى سلطت الضوء على عمليات التجميل، حيث برزت منصات مثل إنستجرام وتيك توك وسناب شات في تسليط الضوء على تفاصيل الوجه والجسم، ما زاد من إقبال الأفراد على الظهور على نحو أجمل.
فعلى سبيل المثال، بعد جائحة كوفيد 19 ظهر ما يُعرف بـ"طفرة الزووم"، إذ ساهم انتشار تطبيق الزووم من أجل أغراض التعليم والاجتماعات في تسريع ظاهرة الوعي الذاتي المرتبط بالمظهر الخارجي مع زيادة ساعات التحديق في الشاشات ومكالمات الفيديو.
وبات الأفراد يشاهدون أنفسهم على الشاشة لساعات طويلة، ما دفع الكثيرين إلى التركيز على عيوب وجوههم أو تعابيرهم، وبالتالي التوجه نحو التجميل كوسيلة لتحسين الشكل أمام الكاميرا.
وقد أظهرت دراسة نُشرت في مجلة فاشيال بلاستيك سيرجري أند إستيتك ميديسن أن 72% من جراحي التجميل المتخصصين في الوجه أفادوا بأن المرضى يذكرون مكالمات الفيديو كدافع رئيسي وراء طلب العمليات.
أما من حيث التركيبة الديموغرافية للزبائن، فلا تزال النساء يشكّلن النسبة الأكبر من إجمالي من يخضعون للإجراءات التجميلية عالميًا، بنسبة تصل إلى 86%.
ومع ذلك، فإن نسبة الرجال في تزايد ملحوظ، لا سيما في إجراءات مثل زراعة الشعر، وجراحات شد الجفون، ونحت الذقن والفك.
وتتنوع الفئات العمرية المهتمة بالتجميل، إذ يركز الأشخاص بين سن 20 و39 عامًا على نحت الجسم والفيلرز والبوتوكس الوقائي، أما من تتراوح أعمارهم بين 40 و59 عامًا فيسعون وراء علاجات مقاومة الشيخوخة وشد الوجه.
في حين يفضّل من هم فوق الستين عامًا الإجراءات التي تساهم في الحفاظ على المظهر وشد الجلد.
الوجه الآخر لسباق مكافحة الشيخوخة
ورغم أن هذه الصناعة تَعِدُ بحلول سريعة وفعالة لإبطاء مظاهر التقدّم في العمر، إلا أن الوجه الآخر لهذا السباق قد يبدو أقل بريقًا.
إذ يعاني بعض الأشخاص من آثار جانبية جسدية ونفسية طويلة الأمد، ناتجة عن إجراءات غير مدروسة أو مراكز غير مرخصة، وعلى رأسها التأثيرات النفسية المحتملة مثل اضطراب تشوه صورة الجسد.
كما أن انتشار الثقافة التي تمجّد الشباب الأبدي أدّى إلى خلق معايير جمالية غير واقعية، تسببت في ضغط نفسي على فئات عمرية شابة لا تزال في بداية حياتها.
وفي كثير من الحالات، يتحوّل السعي وراء الكمال إلى هوس يُفقد الفرد علاقته الطبيعية بجسده، ويؤجج شعورًا دائمًا بعدم الرضا.
هذا إلى جانب ظاهرة الإفراط أو الإدمان على الخضوع للعمليات التجميلية، خصوصًا بين فئة الشباب، حيث تفتح قلة الرقابة في بعض الدول الباب أمام ممارسات غير آمنة من قبل غير المتخصصين، ما يثير قلقًا متزايدًا في الأوساط الطبية والمجتمعية.
وفي حين تُعَدّ صناعة مكافحة الشيخوخة فرصة استثمارية واعدة، فإن تجاهل الجوانب الأخلاقية والنفسية قد يؤدي إلى تكلفة مجتمعية باهظة، لا تُقاس بالمال فقط، بل بثقة الأفراد في أنفسهم وصورتهم الذاتية.
يبدو أن هوس العالم بالشباب الدائم وجراحات التجميل لن يتراجع في الأفق القريب، فبين وعود الثقة بالنفس، وضغوط المجتمع، وهوس الكمال الجمالي، تتجه الملايين من البشر نحو إنفاق أموال ضخمة لكي يبدون في صورة مثالية يصعب تحقيقها أو الحفاظ عليها.
ومع تراجع النظرة السلبية تجاه الإجراءات التجميلية وتطور التقنيات غير الجراحية، أصبح الوصول إلى مظهر أكثر شبابًا أسهل من أي وقت مضى، لكن في المقابل، زادت التحديات النفسية والاجتماعية المرتبطة بذلك.
فهل نسعى فعلًا إلى تحسين صورتنا الذاتية، أم أننا وقعنا في فخ لا ينتهي من السعي وراء الكمال؟
المصادر: أرقام- الجمعية الدولية لجراحة التجميل- فورتشن بيزنس- الجمعية الأميركية لجراحي التجميل- إستاتيستا- فايشيال بلاستيك سيرجري جورنال- موردر انتلجينس

Orange background

Try Our AI Features

Explore what Daily8 AI can do for you:

Comments

No comments yet...

Related Articles

وكالة: ارتفاع تقييم نيورالينك التابعة لـ ماسك إلى 9 مليارات دولار في جولة تمويلية
وكالة: ارتفاع تقييم نيورالينك التابعة لـ ماسك إلى 9 مليارات دولار في جولة تمويلية

Argaam

timean hour ago

  • Argaam

وكالة: ارتفاع تقييم نيورالينك التابعة لـ ماسك إلى 9 مليارات دولار في جولة تمويلية

أجرت "نيورالينك" التابعة لرجل الأعمال "إيلون ماسك" جولة تمويلية جديدة، رفعت تقييم الشركة في المباحثات المسبقة إلى 9 مليارات دولار، وفقاً لما نقلته وكالة "رويترز". أوضحت الوكالة أن "نيورالينك" جمعت 600 مليون دولار في جولة التمويل الأخيرة، وسبق وتم تقييم الشركة في جولة سابقة أُجريت عام 2023 عند 5 مليارات دولار. تعمل "نيورالينك" في المرحلة الراهنة على اختبار الرقاقة الإلكترونية التي طورتها للزراعة في المخ، من أجل مساعدة الأشخاص الذين يعانون من إصابات في النخاع الشوكي على التحكم في الأجهزة الإلكترونية. نجحت الرقاقة في أول تجربة زراعة لها في مساعدة المريض على تصفح الإنترنت، وتحريك مؤشر الحاسوب، والنشر على وسائل التواصل الاجتماعي. وحصلت الرقاقة التي ابتكرتها الشركة على تصنيف "اختراق" من إدارة الغذاء والدواء الأمريكية في وقت سابق من الشهر الحالي.

الحركة وحدها لا تكفي...دراسة تحذر: الجلوس لفترات طويلة قد يسبب الزهايمر
الحركة وحدها لا تكفي...دراسة تحذر: الجلوس لفترات طويلة قد يسبب الزهايمر

Sabq

time2 hours ago

  • Sabq

الحركة وحدها لا تكفي...دراسة تحذر: الجلوس لفترات طويلة قد يسبب الزهايمر

كشفت دراسة علمية جديدة نشرتها دورية عالمية أن الجلوس لفترات طويلة يؤدي إلى انكماش حجم المخ، حتى لدى الأشخاص الذين يمارسون الرياضة بانتظام وفق التوصيات الطبية. وشملت الدراسة أكثر من 400 شخص بالغ تبلغ أعمارهم 50 عاماً أو أكثر، حيث تم تتبع نشاطهم البدني باستخدام أجهزة خاصة لمدة أسبوع، إلى جانب إجراء اختبارات نفسية وعصبية وتصوير الدماغ على مدى سبع سنوات. وأظهرت نتائج الدراسة أن قلة الحركة اليومية ترتبط مباشرة بتدهور الوظائف المعرفية، وضعف الذاكرة، وانكماش في مناطق معينة من المخ، بالرغم من أن 87% من المشاركين كانوا ملتزمين بممارسة 150 دقيقة من التمارين أسبوعياً. وأكد الباحثون أن الالتزام بالنشاط البدني وحده لا يكفي، إذا كان نمط الحياة يغلب عليه الجلوس لفترات طويلة دون تحرك خلال اليوم، وهو ما يجعل الدماغ أكثر عرضة للتدهور. وأشار رئيس فريق البحث من جامعة فاندربيلت الأمريكية إلى أن تقليل مدة الجلوس قد يكون أحد المفاتيح المهمة للوقاية من تراجع القدرات المعرفية المرتبطة بالتقدم في العمر.

الممثل الأمريكي وودي هارلسون يكشف السر وراء قطع علاقته بالهاتف
الممثل الأمريكي وودي هارلسون يكشف السر وراء قطع علاقته بالهاتف

Arrajol

time4 hours ago

  • Arrajol

الممثل الأمريكي وودي هارلسون يكشف السر وراء قطع علاقته بالهاتف

كشف الممثل الأمريكي وودي هارلسون، أثناء مشاركته في بودكاست "Where Everybody Knows Your Name" الذي يقدّمه مع صديقه النجم تيد دانسون، أنه يعيش منذ أكثر من ثلاث سنوات من دون استخدام هاتف ذكي، موضحًا أن هذا القرار منحه راحة ذهنية واجتماعية عميقة كان يفتقدها في حياته اليومية. وأشار هارلسون إلى أنه كان يتجاوز الحد الزمني الذي حدده لنفسه —ساعتين يوميًا أمام الشاشة — قبل حتى أن يبدأ يومه فعليًا، الأمر الذي دفعه إلى اتخاذ قرار حاسم بـ"قطع الحبل الرقمي" والتخلّي التام عن الهاتف، في خطوة يراها قد حسّنت نوعية حياته وحرّرته من ضغط التواصل الدائم. لا أحب أن أكون متاحًا لأي إنسان في أي وقت أوضح النجم البالغ من العمر 62 عامًا فلسفته ببساطة قائلاً: "لا أحب أن أكون متاحًا لأي إنسان في أي وقت.. الهاتف الذكي بات امتدادًا لامتدادي، ولم أعد أحتمله". وأضاف أن من يتولى الاتصال به حاليًا هو مساعده أو أحد أعضاء فريقه، بينما يركّز هو على الحوارات الإنسانية المباشرة، بدلًا من الانشغال بالإشعارات أو الردود السريعة. اقرأ أيضاً حيلة نفسية بسيطة للتخلص من الإدمان على الهاتف الذكي تحرر من الضوضاء الرقمية قرار هارلسون يعكس اتجاهًا متناميًا بين بعض المشاهير العالميين الساعين إلى استعادة الخصوصية والهدوء بعيدًا عن التزامات التواصل المستمر، لا سيما في بيئة ضاغطة كعالم هوليوود. ورغم أن ذلك قد يبدو مستحيلًا لكثيرين، فإن وودي يصف تجربته بأنها "مليئة بالراحة والصفاء"، مؤكدًا أن جودة حياته ارتفعت بعد التخلي عن الهاتف.

DOWNLOAD THE APP

Get Started Now: Download the App

Ready to dive into the world of global news and events? Download our app today from your preferred app store and start exploring.
app-storeplay-store