أحدث الأخبار مع #سوزاناقسوس


نافذة على العالم
٠٧-٠٥-٢٠٢٥
- صحة
- نافذة على العالم
أخبار العالم : الأم ليست بخير، فهل المجتمع بخير؟
الأربعاء 7 مايو 2025 09:43 صباحاً نافذة على العالم - صدر الصورة، Getty Images Article information Author, سوزانا قسوس Role, بي بي سي نيوز عربي قبل 14 دقيقة هل فكّرتم يوماً أن الأم التي تبتسم لطفلها كل صباح تخوض معركةً داخليةً لا يراها أحد؟ في هذا التقرير، تروي بعض النساء قصصهن مع معارك الصحة النفسية وكيف تعاملن معها وسط كل التحديات والمسؤوليات التي أُلقيَت على عاتقهن. السابع من مايو/أيار هذا العام يصادف "اليوم العالمي للصحة العقلية للأم" للتوعية بالقضية، ولا تزال العديد من الأمهات تعانين بصمت وتتحمّلن عبء الضغوط النفسية والجسدية مع مسؤوليات أولادهن وعملهن. رانيا أحمد أم سورية لجأت إلى لبنان مع اندلاع الحرب في سوريا قبل 14 عاماً، تقول إنها عانت كثيراً في الغربة؛ "كنت أقوم بدور الأم والأب في آنٍ واحد"، عندما يمرض أولادها، تقول إن لا أحداً يكون بجانبها، فتتحمّل وحدها مسؤولية رعايتهم والاهتمام بهم. وإذا مرضت هي، لا تجد من يعتني بها أو حتى يترك لها مجالًا لتستريح. تعيش في خوف دائم، خوف من أن تُحرَم من أطفالها، وخوف عليهم من مستقبل مجهول، وخوف على نفسها من استغلال من حولها. منذ عام، لم يظهر والد أطفالها، لا بالسؤال ولا بأي نوع من الدعم، المادي أو المعنوي. هي وحدها من تعمل وتُدير شؤون المنزل وتربية الأولاد. "لا أهل يدعمونني، ولا طليقي، ولا المجتمع يرحم لأنني"مطلقة". تشرح لي وضعها: أعصابها متعبة، ذهنها مثقلٌ بالهموم. فهي تفكر في مصاريف الأولاد، أجار البيت، متطلبات الدراسة، وتوفير الطعام، وكل ما يحتاجونه. تعمل رانيا في بيع الخضار والطبخ، لتأمين مصروف البيت رغم الإرهاق الجسدي الذي تعاني منه. ومع ذلك، فإن ما تعانيه اليوم "أهون من أن تعيش مع رجل سيّئ بكل ما تحمله الكلمة من معنى". رغم المشقة التي تعيشها الآن، تشعر بأن أطفالها "بدأوا يتنفّسون شيئاً من الراحة النفسية"، بعد أن تخلّصوا من بيئة "مليئة بالعنف والإذلال". تنهي حديثها لي بالقول: "أنا قد ما انضغطت وصلت للانتحار، بس تراجعت مشان ولادي، مالون غيري". تقول أخصائية علم النفس الدكتورة خولة القدومي إنه كلما زادت ظروف الأمهات قسوة مثل اللجوء، والهجرة، والفقر، فإنهن يصبحن أكثر عرضة للتهميش والاكتئاب نتيجة تزايد المشكلات وصعوبة الوصول إلى المساعدة الضرورية، وأنهن بحاجة إلى مضاعفة الجهود وتيسير السبل للتدخل بالشكل والوقت المناسب بما يضمن حصولهن على بعض احتياجاتهن الضرورية دون المساس بحقوقهن المشروعة. كما أظهرت تقارير صادرة عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وصندوق الأمم المتحدة للسكان، أن الأمهات في مخيمات النزوح يعانين من مستويات مرتفعة من الاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، نتيجة التعرض للعنف أو فقدان أحد أفراد الأسرة أو العيش في ظروف غير إنسانية. وتؤكد الدراسات أن هذه الضغوط لا تؤثر فقط على الصحة النفسية للأم، بل تمتد لتؤثر على النمو العاطفي والسلوكي لأطفالهن، الذين غالباً ما يعيشون في بيئة تخلو من الحماية النفسية والدعم المجتمعي. صدر الصورة، Getty Images ريمي سلّوم، وهي أم لتوأم ومدونة، تقول لي إنه ومثل كثير من الأمهات، مرّت بتجربة اكتئاب ما بعد الولادة. تكمل أن المشكلة لم تكن في شعورها بـ"الخجل" من الحديث عن الأمر، بل في عدم إدراكها أنها تمر بهذه الحالة أصلاً. فالتوعية حول اكتئاب ما بعد الولادة كانت شبه منعدمة، إلى درجة أنها كانت تفسّر ما تمرّ به على أنه مجرد تعب، أو قلة نوم، أو ربما شعور بالحنين لشيء ما، دون أن تدرك أنها تعاني من حالة نفسية حقيقية تحتاج إلى التعامل معها بجدية. تقول إن اكتئابها لم يُصنَّف على هذا النحو في البداية، لا من قبلها ولا من قبل من حولها، خاصةً أن أهلها من جيل "لا يؤمن كثيراً بوجود أمراض نفسية "أو "صحة نفسية" بشكل عام. "كانوا يرون أنها بخير طالما أنها بصحة جسدية جيدة، ويعتبرون أن مسؤولية الأطفال تقع على عاتقها وحدها. رغم أن عائلتها كانت داعمة على المدى القصير، إلا أن المسؤولية الكبرى بقيت على عاتقها وحدها، دون حتى أن تُلقى على مربية أو شخص آخر". ترى ريمي أنه من المهم جداً أن تكون الأم قادرة على ممارسة "الوعي الذاتي" أو التأمل في ذاتها، لتفهم مشاعرها وتتمكن من طلب المساعدة في الوقت المناسب. فإذا شعرت بأنها عالقة في حالة اكتئاب لا تستطيع الخروج منها، ولم تعد تجد شيئاً يفرحها أو يحفّزها، فهنا ينبغي أن تطلب دعماً من مختصين نفسيين. وإذا لاحظت أن هناك عادات صغيرة تقوم بها يوميًا تساعدها على تخفيف حدة الاكتئاب، فعليها أن تلتزم بها. لأن تجربة الخروج من الاكتئاب تكون شخصية للغاية، ولا يوجد حل واحد يناسب الجميع. وفي حالتها الشخصية، فقد تضاعف الاكتئاب بعد الولادة لأنها كانت تعاني مسبقاً من الاكتئاب والقلق المزمن، ما جعل التجربة أكثر تعقيداً. وتضيف أن كتب المساعدة الذاتية قد تكون مفيدة أحياناً، ولكن في كثير من الحالات لا تكفي وحدها، خاصة في المراحل الحرجة مثل ما بعد الولادة. نسبة كبيرة من الأمهات عرضة له، خاصة عندما لا يلقين الرعاية والاهتمام الكافيين من الزوج والأهل، وهو قد ينجم عن تزايد المسؤولية وتعاظمها مع وجود طفل رضيع جديد في الأسرة، لا حول له ولا قوة إلا في حضن والدته، يرضع منها، ويستمد منها القوة التي تساعده في النمو واستمرار الحياة. أمام تلك المسؤولية العظيمة قد تنهار المرأة خاصة مع اضطراب الهرمونات الذي يحصل في جسم المرأة بعد الولادة لمساعدتها في التوازن والعودة للوضع الطبيعي قبل الحمل. أخصائية علم النفس الدكتورة خولة القدومي تشرح لي: حتى نستطيع تجنيب المرأة اكتئاب ما بعد الولادة، ينبغي إعطاؤها ومنحها المزيد من الاهتمام، خاصة من قبل الزوج الذي يفترض أن يكون الشريك الرئيس لقدوم هذا الطفل للعالم. وتضيف الأخصائية أنه من مظاهر الاهتمام الواجب توفيرها: أكل صحي وغذاء مناسب، راحة تامة (توفير مساعدة) في المنزل لفترة مناسبة حتى تستعيد الأم صحتها وعافيتها، بيئة آمنة هادئة بعيدة عن المشاكل ويجب أن تسعى عائلة الأب والأم معاً لتوفير أجواء مرح وسعادة لاستقبال الحفيد الجديد. كما تؤكد أن الصحة النفسية للأم تؤثر بشكل مباشر على صحة أطفالها، وخصوصاً في سن مبكّر، حيث يتلقون تجاربهم الأولى في الحياة من خلال الأم أولاً والمحيط ثانياً، فالأم هي الشخص الأكثر احتكاكاً بأطفالها منذ نعومة أظافرهم. بحسب المجلة الأمريكية للطب النفسي، فإن ما يصل إلى 15-20 في المئة من الأمهات يعانين من اكتئاب ما بعد الولادة، وهو أكثر شيوعاً لدى الأمهات الجدد اللاتي لا يتلقين الدعم الاجتماعي الكافي. الاكتشاف المبكر والتدخل العلاجي له تأثير إيجابي في تخفيف الأعراض وتحسين جودة العلاقة بين الأم والطفل. "الدعم النفسي أهم من الطعام والشراب" زينة سليم، أمٌ لشاب يدرس في الجامعة، ولفتاة مراهقة في المدرسة. هي متزوجة، "لكن ليس بإرادتها الكاملة". تقول: "لو توفرت لي القدرة المادية الكافية، لانفصلت منذ زمن. كما أنني محرومة من أي دعم معنوي من الأسرة أو المجتمع المحيط، ولا أملك بيئة تُتيح لي أن أكون مطلقة وأعيش حياة كريمة وعزيزة مع أولادي". بالنسبة لها، كأم معنَّفة، كما تقول لي، فإن الصحة النفسية والدعم النفسي "أهم من الطعام والشراب"، بل أهم من أي حاجة أساسية. "كثيراً ما فكرت: لو أنني امتلكت الشجاعة لطلب المساعدة النفسية في وقتٍ مبكر، لكنت وفّرت على نفسي كثيراً من الألم ونوبات الغضب والأمراض الجسدية التي نشأت بسبب الضغط المزمن". تكمل قائلة: "صحيح أن هناك جمعيات تقدّم دعماً نفسياً، لكن هذا وحده لا يكفي. ليست كل النساء يمتلكن الجرأة ليقلن "لا". نحن ضحايا في مجتمع يُمارس العنف بشكل مؤسسي. العنف يبدأ من بيت الأهل؛ تتزوج الفتاة وهي غير واعية لحقوقها كإنسانة. كان من المفترض أن يكون الأب أول من يدعم ابنته، لكن للأسف، في مجتمعنا، كثير من الآباء متخلّون عن دورهم الحقيقي. يعملون ويجلبون المال، لكنهم لا يشاركون في التربية، ولا يقدّمون لبناتهم الدعم العاطفي أو التربوي اللازم. وهكذا تنشأ الفتاة بشخصية مهزوزة، تجهل حقوقها، وتفقد الثقة بنفسها". تقول زينة: "الدعم النفسي مهم، لكنه لا يوفّر الحماية الكافية للأم في مجتمع سطحي وظالم. لو قررتُ، مثلاً، أن أغادر منزلي وألجأ إلى جمعية ما، سيُمعن المجتمع في إيذائي أنا وأطفالي. نحن ما زلنا بعيدين عن تحقيق دعم حقيقي وفعّال للنساء، لكن لا بد أن أقول: كل الشكر للجمعيات، فهم النقطة البيضاء في هذا الظلام. بإمكانهم إحداث فرق حقيقي إن ضغطوا نحو إنجاز قوانين تُنصف المرأة وتحميها". تشدد أخصائية علم النفس، الدكتورة خولة القدومي، على أهمية أن تراعي المناهج الدراسية أدوار الأمهات منذ مرحلة تشكيل الأسرة، وأن تعكس هذه الأدوار بصورة واقعية تُبرز حجم المسؤوليات والمهام التي تؤديها الأم على مختلف المستويات، لا أن تقتصر على الصور النمطية التقليدية مثل "ماما تطبخ". "كنتُ امرأة محطَّمة" صدر الصورة، Getty Images تستذكر زينة سليم العديد من المواقف التي مرّت بها، "أعترف أن من أخطائي في الماضي أنني كنت أنفعل أمام أولادي. كنت امرأة محطّمة، تعاني بصمت، وأهلي كانوا يرون معاناتي دون أن يمدّوا لي يد العون. انفعلت، وصرخت، وربما تصرفت بعنف أحياناً. أعلم أن ذلك خطأ. لكنني كنت إنسانة على حافة الانهيار". تروي لي أنها مؤخراً، اكتشفت أن زوجها يقيم علاقة مع امرأة أخرى: "لم أُظهر له رد فعل سوى ابتسامة ساخرة. لم أخبر ابني بذلك، ليس حرصاً على صورة الأب لديه، التي لم تعد تعنيني، بل حفاظاً على تركيز ابني في دراسته". "رسالتي لكل أم: لا تترددي في طلب الدعم النفسي من مختصين. حاولي قدر المستطاع أن تُبعِدي أولادكِ عن مشاكلك مع الزوج أو الأب المُعنِّف، فالأبناء يدفعون ثمن ذلك حين يكبرون. ابني عاش مراهقة صعبة بسبب ما رآه في المنزل، وابنتي الآن تمرّ بالشيء ذاته. لم أكن قادرة ولا واعية في السابق لحماية أطفالي من كل ذلك"، كما تقول زينة. تضيف أن التوعية تبدأ من المدارس، ومن تربية الأطفال على فهم حقوقهم، ورفض العنف، وقبول فكرة الرعاية النفسية. بيّنت دراسة نُشرت في ذا لانسيت سايكيتري The Lancet Psychiatry في 2015 أن القلق والاكتئاب أثناء الحمل لا يؤثران فقط على الأم، بل قد يكون لهما تأثيرات بيولوجية على الجنين، مثل زيادة إفراز هرمون الكورتيزول، ما قد يؤدي إلى مشاكل في النمو العصبي للطفل لاحقاً. في حديثها لي، أخصائية علم النفس الدكتورة خولة القدومي، تقول إن علامات حاجة الأم للدعم النفسي تكون عندما: تتغير طبيعة سلوك الأم إلى الجانب السلبي، مثلاً: البكاء بدون أسباب واضحة، الميل للعزلة والصمت خلافاً لما اعتادت عليه، إهمال الأم لنظافتها أو نظافة بيتها وأطفالها، عدم اهتمامها بجمالها وأناقتها كالمعتاد، العصبية الزائدة بلا مبرر، انخفاض مستوى الشكوى لديها بشكل واضح، التبرُّم من الحياة ومشاغلها خاصة للتي لا عمل لديها وليس لديها مصدر دخل. "هلأ عايشة كرمال ولادي وشغلي" صدر الصورة، Getty Images سميرة إبراهيم، امرأة متزوجة، وأم لثلاثة أطفال: ولدان وبنت. كانت سميرة تعتني بصحتها النفسية وتؤمن بأهميتها، لكنها حين أصبحت أماً، تدهورت حالتها النفسية. لم تكن ترغب في التحدث مع أحد، فعاشت وحدها سنوات من المعاناة والصمت. ترى سميرة أنه حين تكون الأم واقعة تحت ضغط نفسي، من الضروري أن تلجأ إلى معالج نفسي، لأن ذلك يخفف عنها كثيراً. "بقوتها النفسية تستطيع أن تبقى ثابتة في وجه المجتمع وأمام عائلتها، لأن لا أحد سيقف معها إن لم تكن قوية". كما تعتقد أن الأم التي لا تملك القدرة على تحمّل مسؤولية طفل، من الأفضل ألا تُنجبه، لأن الطفل وحده هو من يدفع ثمن مشاكل الأهل. خلال فترة الحمل، تعرّضت للضرب حتى أُجهض جنينها، وتقول إنها كانت ضحيةً للخيانة والعنف الجسدي من زوجها، هي وأطفالها عانوا كثيراً. وصلت سميرة إلى حد التفكير بالانتحار بسبب الضرب والإهانة والتعب الجسدي الذي أنهكها. أولادها كذلك تأذوا نفسيًا بشكل كبير، ولم تجد من يساعدها، لا من الدولة ولا من القضاء، إذ وجدت أن الجميع يقف إلى جانب الرجل. خصصت إحدى الجمعيات لأطفالها جلسات دعم نفسي، فقد أصبح أحد أبنائها عدوانياً، وابنتها تأثرت دراسياً، وكانت تمر بحالة غضب دفعتها للتفكير بجمع المال لشراء سلاح للانتقام ممن سبّب لها الأذى. والآن، تحاول أن تعيش من أجل أطفالها ومن أجل عملها، بعد أن استطاعت الوقوف على قدميها من جديد. تزداد أهمية التدخل المبكر والدعم النفسي للأمهات، ووفقاً لتقارير منظمة الصحة العالمية، فإن عدم تلقي العلاج والدعم الاجتماعي قد يؤدي إلى تفاقم الحالة النفسية، ما يؤثر على علاقة الأم بطفلها، ويضعف قدرتها على الرعاية والتفاعل.


BBC عربية
٠٧-٠٥-٢٠٢٥
- صحة
- BBC عربية
الأم والصحة النفسية: الأم ليست بخير، فهل المجتمع بخير؟
الأم ليست بخير، فهل المجتمع بخير؟ صدر الصورة، Getty Images Author, سوزانا قسوس Role, بي بي سي نيوز عربي قبل 6 دقيقة هل فكّرتم يوماً أن الأم التي تبتسم لطفلها كل صباح تخوض معركةً داخليةً لا يراها أحد؟ في هذا التقرير، تروي بعض النساء قصصهن مع معارك الصحة النفسية وكيف تعاملن معها وسط كل التحديات والمسؤوليات التي أُلقيَت على عاتقهن. السابع من مايو/أيار هذا العام يصادف "اليوم العالمي للصحة العقلية للأم" للتوعية بالقضية، ولا تزال العديد من الأمهات تعانين بصمت وتتحمّلن عبء الضغوط النفسية والجسدية مع مسؤوليات أولادهن وعملهن. رانيا أحمد أم سورية لجأت إلى لبنان مع اندلاع الحرب في سوريا قبل 14 عاماً، تقول إنها عانت كثيراً في الغربة؛ "كنت أقوم بدور الأم والأب في آنٍ واحد"، عندما يمرض أولادها، تقول إن لا أحداً يكون بجانبها، فتتحمّل وحدها مسؤولية رعايتهم والاهتمام بهم. وإذا مرضت هي، لا تجد من يعتني بها أو حتى يترك لها مجالًا لتستريح. تعيش في خوف دائم، خوف من أن تُحرَم من أطفالها، وخوف عليهم من مستقبل مجهول، وخوف على نفسها من استغلال من حولها. منذ عام، لم يظهر والد أطفالها، لا بالسؤال ولا بأي نوع من الدعم، المادي أو المعنوي. هي وحدها من تعمل وتُدير شؤون المنزل وتربية الأولاد. "لا أهل يدعمونني، ولا طليقي، ولا المجتمع يرحم لأنني"مطلقة". تشرح لي وضعها: أعصابها متعبة، ذهنها مثقلٌ بالهموم. فهي تفكر في مصاريف الأولاد، أجار البيت، متطلبات الدراسة، وتوفير الطعام، وكل ما يحتاجونه. تعمل رانيا في بيع الخضار والطبخ، لتأمين مصروف البيت رغم الإرهاق الجسدي الذي تعاني منه. ومع ذلك، فإن ما تعانيه اليوم "أهون من أن تعيش مع رجل سيّئ بكل ما تحمله الكلمة من معنى". رغم المشقة التي تعيشها الآن، تشعر بأن أطفالها "بدأوا يتنفّسون شيئاً من الراحة النفسية"، بعد أن تخلّصوا من بيئة "مليئة بالعنف والإذلال". تنهي حديثها لي بالقول: "أنا قد ما انضغطت وصلت للانتحار، بس تراجعت مشان ولادي، مالون غيري". تقول أخصائية علم النفس الدكتورة خولة القدومي إنه كلما زادت ظروف الأمهات قسوة مثل اللجوء، والهجرة، والفقر، فإنهن يصبحن أكثر عرضة للتهميش والاكتئاب نتيجة تزايد المشكلات وصعوبة الوصول إلى المساعدة الضرورية، وأنهن بحاجة إلى مضاعفة الجهود وتيسير السبل للتدخل بالشكل والوقت المناسب بما يضمن حصولهن على بعض احتياجاتهن الضرورية دون المساس بحقوقهن المشروعة. كما أظهرت تقارير صادرة عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وصندوق الأمم المتحدة للسكان، أن الأمهات في مخيمات النزوح يعانين من مستويات مرتفعة من الاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، نتيجة التعرض للعنف أو فقدان أحد أفراد الأسرة أو العيش في ظروف غير إنسانية. وتؤكد الدراسات أن هذه الضغوط لا تؤثر فقط على الصحة النفسية للأم، بل تمتد لتؤثر على النمو العاطفي والسلوكي لأطفالهن، الذين غالباً ما يعيشون في بيئة تخلو من الحماية النفسية والدعم المجتمعي. صدر الصورة، Getty Images تخطى يستحق الانتباه وواصل القراءة حسابنا الرسمي على واتساب تابعوا التغطية الشاملة من بي بي سي نيوز عربي على واتساب. اضغط هنا يستحق الانتباه نهاية ريمي سلّوم، وهي أم لتوأم ومدونة، تقول لي إنه ومثل كثير من الأمهات، مرّت بتجربة اكتئاب ما بعد الولادة. تكمل أن المشكلة لم تكن في شعورها بـ"الخجل" من الحديث عن الأمر، بل في عدم إدراكها أنها تمر بهذه الحالة أصلاً. فالتوعية حول اكتئاب ما بعد الولادة كانت شبه منعدمة، إلى درجة أنها كانت تفسّر ما تمرّ به على أنه مجرد تعب، أو قلة نوم، أو ربما شعور بالحنين لشيء ما، دون أن تدرك أنها تعاني من حالة نفسية حقيقية تحتاج إلى التعامل معها بجدية. تقول إن اكتئابها لم يُصنَّف على هذا النحو في البداية، لا من قبلها ولا من قبل من حولها، خاصةً أن أهلها من جيل "لا يؤمن كثيراً بوجود أمراض نفسية "أو "صحة نفسية" بشكل عام. "كانوا يرون أنها بخير طالما أنها بصحة جسدية جيدة، ويعتبرون أن مسؤولية الأطفال تقع على عاتقها وحدها. رغم أن عائلتها كانت داعمة على المدى القصير، إلا أن المسؤولية الكبرى بقيت على عاتقها وحدها، دون حتى أن تُلقى على مربية أو شخص آخر". ترى ريمي أنه من المهم جداً أن تكون الأم قادرة على ممارسة "الوعي الذاتي" أو التأمل في ذاتها، لتفهم مشاعرها وتتمكن من طلب المساعدة في الوقت المناسب. فإذا شعرت بأنها عالقة في حالة اكتئاب لا تستطيع الخروج منها، ولم تعد تجد شيئاً يفرحها أو يحفّزها، فهنا ينبغي أن تطلب دعماً من مختصين نفسيين. وإذا لاحظت أن هناك عادات صغيرة تقوم بها يوميًا تساعدها على تخفيف حدة الاكتئاب، فعليها أن تلتزم بها. لأن تجربة الخروج من الاكتئاب تكون شخصية للغاية، ولا يوجد حل واحد يناسب الجميع. وفي حالتها الشخصية، فقد تضاعف الاكتئاب بعد الولادة لأنها كانت تعاني مسبقاً من الاكتئاب والقلق المزمن، ما جعل التجربة أكثر تعقيداً. وتضيف أن كتب المساعدة الذاتية قد تكون مفيدة أحياناً، ولكن في كثير من الحالات لا تكفي وحدها، خاصة في المراحل الحرجة مثل ما بعد الولادة. نسبة كبيرة من الأمهات عرضة له، خاصة عندما لا يلقين الرعاية والاهتمام الكافيين من الزوج والأهل، وهو قد ينجم عن تزايد المسؤولية وتعاظمها مع وجود طفل رضيع جديد في الأسرة، لا حول له ولا قوة إلا في حضن والدته، يرضع منها، ويستمد منها القوة التي تساعده في النمو واستمرار الحياة. أمام تلك المسؤولية العظيمة قد تنهار المرأة خاصة مع اضطراب الهرمونات الذي يحصل في جسم المرأة بعد الولادة لمساعدتها في التوازن والعودة للوضع الطبيعي قبل الحمل. أخصائية علم النفس الدكتورة خولة القدومي تشرح لي: حتى نستطيع تجنيب المرأة اكتئاب ما بعد الولادة، ينبغي إعطاؤها ومنحها المزيد من الاهتمام، خاصة من قبل الزوج الذي يفترض أن يكون الشريك الرئيس لقدوم هذا الطفل للعالم. وتضيف الأخصائية أنه من مظاهر الاهتمام الواجب توفيرها: أكل صحي وغذاء مناسب، راحة تامة (توفير مساعدة) في المنزل لفترة مناسبة حتى تستعيد الأم صحتها وعافيتها، بيئة آمنة هادئة بعيدة عن المشاكل ويجب أن تسعى عائلة الأب والأم معاً لتوفير أجواء مرح وسعادة لاستقبال الحفيد الجديد. كما تؤكد أن الصحة النفسية للأم تؤثر بشكل مباشر على صحة أطفالها، وخصوصاً في سن مبكّر، حيث يتلقون تجاربهم الأولى في الحياة من خلال الأم أولاً والمحيط ثانياً، فالأم هي الشخص الأكثر احتكاكاً بأطفالها منذ نعومة أظافرهم. بحسب المجلة الأمريكية للطب النفسي، فإن ما يصل إلى 15-20 في المئة من الأمهات يعانين من اكتئاب ما بعد الولادة، وهو أكثر شيوعاً لدى الأمهات الجدد اللاتي لا يتلقين الدعم الاجتماعي الكافي. الاكتشاف المبكر والتدخل العلاجي له تأثير إيجابي في تخفيف الأعراض وتحسين جودة العلاقة بين الأم والطفل. "الدعم النفسي أهم من الطعام والشراب" زينة سليم، أمٌ لشاب يدرس في الجامعة، ولفتاة مراهقة في المدرسة. هي متزوجة، "لكن ليس بإرادتها الكاملة". تقول: "لو توفرت لي القدرة المادية الكافية، لانفصلت منذ زمن. كما أنني محرومة من أي دعم معنوي من الأسرة أو المجتمع المحيط، ولا أملك بيئة تُتيح لي أن أكون مطلقة وأعيش حياة كريمة وعزيزة مع أولادي". بالنسبة لها، كأم معنَّفة، كما تقول لي، فإن الصحة النفسية والدعم النفسي "أهم من الطعام والشراب"، بل أهم من أي حاجة أساسية. "كثيراً ما فكرت: لو أنني امتلكت الشجاعة لطلب المساعدة النفسية في وقتٍ مبكر، لكنت وفّرت على نفسي كثيراً من الألم ونوبات الغضب والأمراض الجسدية التي نشأت بسبب الضغط المزمن". تكمل قائلة: "صحيح أن هناك جمعيات تقدّم دعماً نفسياً، لكن هذا وحده لا يكفي. ليست كل النساء يمتلكن الجرأة ليقلن "لا". نحن ضحايا في مجتمع يُمارس العنف بشكل مؤسسي. العنف يبدأ من بيت الأهل؛ تتزوج الفتاة وهي غير واعية لحقوقها كإنسانة. كان من المفترض أن يكون الأب أول من يدعم ابنته، لكن للأسف، في مجتمعنا، كثير من الآباء متخلّون عن دورهم الحقيقي. يعملون ويجلبون المال، لكنهم لا يشاركون في التربية، ولا يقدّمون لبناتهم الدعم العاطفي أو التربوي اللازم. وهكذا تنشأ الفتاة بشخصية مهزوزة، تجهل حقوقها، وتفقد الثقة بنفسها". تقول زينة: "الدعم النفسي مهم، لكنه لا يوفّر الحماية الكافية للأم في مجتمع سطحي وظالم. لو قررتُ، مثلاً، أن أغادر منزلي وألجأ إلى جمعية ما، سيُمعن المجتمع في إيذائي أنا وأطفالي. نحن ما زلنا بعيدين عن تحقيق دعم حقيقي وفعّال للنساء، لكن لا بد أن أقول: كل الشكر للجمعيات، فهم النقطة البيضاء في هذا الظلام. بإمكانهم إحداث فرق حقيقي إن ضغطوا نحو إنجاز قوانين تُنصف المرأة وتحميها". تشدد أخصائية علم النفس، الدكتورة خولة القدومي، على أهمية أن تراعي المناهج الدراسية أدوار الأمهات منذ مرحلة تشكيل الأسرة، وأن تعكس هذه الأدوار بصورة واقعية تُبرز حجم المسؤوليات والمهام التي تؤديها الأم على مختلف المستويات، لا أن تقتصر على الصور النمطية التقليدية مثل "ماما تطبخ". "كنتُ امرأة محطَّمة" صدر الصورة، Getty Images تستذكر زينة سليم العديد من المواقف التي مرّت بها، "أعترف أن من أخطائي في الماضي أنني كنت أنفعل أمام أولادي. كنت امرأة محطّمة، تعاني بصمت، وأهلي كانوا يرون معاناتي دون أن يمدّوا لي يد العون. انفعلت، وصرخت، وربما تصرفت بعنف أحياناً. أعلم أن ذلك خطأ. لكنني كنت إنسانة على حافة الانهيار". تروي لي أنها مؤخراً، اكتشفت أن زوجها يقيم علاقة مع امرأة أخرى: "لم أُظهر له رد فعل سوى ابتسامة ساخرة. لم أخبر ابني بذلك، ليس حرصاً على صورة الأب لديه، التي لم تعد تعنيني، بل حفاظاً على تركيز ابني في دراسته". "رسالتي لكل أم: لا تترددي في طلب الدعم النفسي من مختصين. حاولي قدر المستطاع أن تُبعِدي أولادكِ عن مشاكلك مع الزوج أو الأب المُعنِّف، فالأبناء يدفعون ثمن ذلك حين يكبرون. ابني عاش مراهقة صعبة بسبب ما رآه في المنزل، وابنتي الآن تمرّ بالشيء ذاته. لم أكن قادرة ولا واعية في السابق لحماية أطفالي من كل ذلك"، كما تقول زينة. تضيف أن التوعية تبدأ من المدارس، ومن تربية الأطفال على فهم حقوقهم، ورفض العنف، وقبول فكرة الرعاية النفسية. بيّنت دراسة نُشرت في ذا لانسيت سايكيتري The Lancet Psychiatry في 2015 أن القلق والاكتئاب أثناء الحمل لا يؤثران فقط على الأم، بل قد يكون لهما تأثيرات بيولوجية على الجنين، مثل زيادة إفراز هرمون الكورتيزول، ما قد يؤدي إلى مشاكل في النمو العصبي للطفل لاحقاً. في حديثها لي، أخصائية علم النفس الدكتورة خولة القدومي، تقول إن علامات حاجة الأم للدعم النفسي تكون عندما: تتغير طبيعة سلوك الأم إلى الجانب السلبي، مثلاً: البكاء بدون أسباب واضحة، الميل للعزلة والصمت خلافاً لما اعتادت عليه، إهمال الأم لنظافتها أو نظافة بيتها وأطفالها، عدم اهتمامها بجمالها وأناقتها كالمعتاد، العصبية الزائدة بلا مبرر، انخفاض مستوى الشكوى لديها بشكل واضح، التبرُّم من الحياة ومشاغلها خاصة للتي لا عمل لديها وليس لديها مصدر دخل. "هلأ عايشة كرمال ولادي وشغلي" صدر الصورة، Getty Images سميرة إبراهيم، امرأة متزوجة، وأم لثلاثة أطفال: ولدان وبنت. كانت سميرة تعتني بصحتها النفسية وتؤمن بأهميتها، لكنها حين أصبحت أماً، تدهورت حالتها النفسية. لم تكن ترغب في التحدث مع أحد، فعاشت وحدها سنوات من المعاناة والصمت. ترى سميرة أنه حين تكون الأم واقعة تحت ضغط نفسي، من الضروري أن تلجأ إلى معالج نفسي، لأن ذلك يخفف عنها كثيراً. "بقوتها النفسية تستطيع أن تبقى ثابتة في وجه المجتمع وأمام عائلتها، لأن لا أحد سيقف معها إن لم تكن قوية". كما تعتقد أن الأم التي لا تملك القدرة على تحمّل مسؤولية طفل، من الأفضل ألا تُنجبه، لأن الطفل وحده هو من يدفع ثمن مشاكل الأهل. خلال فترة الحمل، تعرّضت للضرب حتى أُجهض جنينها، وتقول إنها كانت ضحيةً للخيانة والعنف الجسدي من زوجها، هي وأطفالها عانوا كثيراً. وصلت سميرة إلى حد التفكير بالانتحار بسبب الضرب والإهانة والتعب الجسدي الذي أنهكها. أولادها كذلك تأذوا نفسيًا بشكل كبير، ولم تجد من يساعدها، لا من الدولة ولا من القضاء، إذ وجدت أن الجميع يقف إلى جانب الرجل. خصصت إحدى الجمعيات لأطفالها جلسات دعم نفسي، فقد أصبح أحد أبنائها عدوانياً، وابنتها تأثرت دراسياً، وكانت تمر بحالة غضب دفعتها للتفكير بجمع المال لشراء سلاح للانتقام ممن سبّب لها الأذى. والآن، تحاول أن تعيش من أجل أطفالها ومن أجل عملها، بعد أن استطاعت الوقوف على قدميها من جديد. تزداد أهمية التدخل المبكر والدعم النفسي للأمهات، ووفقاً لتقارير منظمة الصحة العالمية، فإن عدم تلقي العلاج والدعم الاجتماعي قد يؤدي إلى تفاقم الحالة النفسية، ما يؤثر على علاقة الأم بطفلها، ويضعف قدرتها على الرعاية والتفاعل.


نافذة على العالم
٢١-٠٤-٢٠٢٥
- سياسة
- نافذة على العالم
أخبار العالم : رسائل من الغُربة: سوريون بين كسر حاجز الخوف وفقدان الأمان
الاثنين 21 أبريل 2025 12:15 صباحاً نافذة على العالم - صدر الصورة، Getty Images Article information Author, سوزانا قسوس Role, بي بي سي نيوز عربي قبل 5 ساعة مع مرور الوقت، تمر أيام ستُخلّد بالذاكرة بالنسبة للسوريين. فبعد سقوط نظام الأسد في ديسمبر كانون الأول من عام 2024، بدأت مرحلة يُكتب فيها الكثير من "الجديد"، فـ"رئيس جديد"، و"دستور جديد"، و"علاقات ثنائية جديدة" و"اجتماعات إقليمية جديدة" و"جديدٌ" يتبعه "جديد"، في تاريخٍ يُعاد تشكيله من "جديد"، لبلد مُتعَب من الحروب والأزمات. لا أخفيكم، كتابة هذا التقرير لم تكن سهلة، فالعديد من القضايا لا تزال شائكة في سوريا. ولكن، ما لفتني هو التعلّق بأمل "جديد" و بغدٍ أفضل رغم كل التحديات والعقبات. في هذا التقرير، أسأل بعض السوريين المُغتربين عن رؤيتهم للمشهد في بلادهم الآن وقد شهدت الساحة السورية تطوراتٍ بارزةً على الأصعدة الأمنية والاجتماعية والدبلوماسية والسياسية وحتى الجغرافية. ببساطة، طلبتُ ممن تحدثت إليهم أن يكتبوا رسالةً لأنفسهم، فلنقل إنها رسالة من المستقبل، ماذا سيقولون؟ وماذا سيفعلون لو علِموا بأحداث اليوم في سوريا قبل أشهر، أو حتى سنوات؟ سوف تمرّون في هذا المقال على الكثير من الـ"لو كنت أعلم أن..."، فهذه أصوات بعض السوريين اليوم. ** تم استخدام أسماء مستعارة لضيوفي وإخفاء مواقعهم الجغرافية حين لزم، لأسباب أمنية. صدر الصورة، Getty Images منذ ذهابه إلى بلد في أوروبا بتأشيرة عمل في 2022، توجّه فادي إلى سوريا لفترة قصيرة "مكرهاً" كما يصف لي، لزيارة أهله. "هذه المرة لوحدها كانت كافية كي تجعلني أشعر أنني فجأة كبرت 10 سنوات. على قدر ما كان الوضع سيئاً، صار أسوأ بمراحل". بعد سقوط النظام، يقول فادي أن الفرحة غمرته لدرجة عدم تصديق ما حدث: "تحديداً بأول شهرين. صدقاً، أحسست بفائض من كل أنواع المشاعر. كنتُ أضحك دقيقة، أبكي دقيقة، أغضب دقيقة". كان فادي من المشاركين في المظاهرات في 2011، ويقول مع أنه نجى من الاعتقال تلك الفترة، كُتب به تقريران لأجهزة الأمن الداخلي لمشاركته بمظاهرة معارضة لنظام الأسد. يروي فادي قائلاً: "لأول مرة، الأمل بيرجعلي. مع كل هالمشاعر، كان عندي تفكير منطقي وواعي تجاه التحديات والمصاعب والوضع الشائك على الأرض. إرث كبير من الفوضى والمشاكل والدمار والكراهية و الحقد خلفهم الأسد وراه بشكل مباشر وغير مباشر. النظام كان يستعمل تقنية "تكنيس الوسخ تحت السجادة" لمدة 55 سنة حكم، لذلك، كان لدي وعي كافي عن صعوبة التحدي الذي سوف نواجهه و صعوبة التخلص من عقلية ورواسب البعث اللي تقريباً كل الأجيال السورية اللي حالياً على قيد الحياة ما عِرفت بحياتها شي تاني". "منذ سقوط النظام كانت رسالتي كالآتي: "لازم نفعّل ثقافة الحوار و تقبل الآخر و لازم تتفعل عجلة العدالة الانتقالية بشكل جدي بهدف تحقيق العدالة ومنع الثأر وضبط الأمن و الأمان". التعليق على الصورة، أُرسلت لبي بي سي "الدم السوري واحد" يتحدث فادي عن الأحداث الأخيرة في الساحل التي أسفرت عن مقتل أكثر من 1,700 شخص، أغلبُهم من الطائفة العلوية، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، ومقرّه لندن. يقول فادي: "أحداث الساحل كانت شيئاً مخيفاً ومروّعاً. صار فعل ورد فعل (والفعل هون طبعاً لا يبرر بأي شكل رد الفعل الهمجي)، مشاعر من الخوف مررنا بها للأسف، وهي ليست جديدة علينا، بل امتداد لسنين لم يعرف فيها الشعب السوري غير الخوف والإجرام. الدم السوري واحد، بغض النظر عن الدين والانتماء الطائفي، سيأتي يوم نعرف فيه كلنا هذا". وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان، يوم الجمعة 11 أبريل/نيسان، بأن النيابة العامة الفرنسية تسلمت دعوى قضائية تقدم بها محامي فرنسي نيابة عن تجمع العلويين في فرنسا، ضد رئيس المرحلة الانتقالية السوري أحمد الشرع وعدد من وزرائه، بتهم تتعلق بـ"الإبادة الجماعية والتطهير العرقي" وارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وذلك على خلفية الأحداث الدامية في الساحل السوري في مارس آذار. عقب أحداث الساحل، أصدر رئيس الفترة الانتقالية أحمد الشرع قراراً بتشكيل لجنة عليا للحفاظ على السلم الأهلي. وكلّف أعضاء اللجنة بالتواصل مع الأهالي في الساحل السوري للاستماع إليهم، وتقديم الدعم اللازم لهم بما يضمن حماية أمنهم واستقرارهم و العمل على تعزيز الوحدة الوطنية. كما ورد في البيان الرسمي. "خلافاتي مع السلطة الحالية كانت منذ زمن وحتى الآن، هناك قضايا عدة لا تعجبني بالتأكيد.. لكن المهم بالنسبة لي أن الناس اليوم لديها هامش حرية لم تعشه بكل سنين حكم الأسدين والأهم أن الناس تستغل هذا الهامش وتُعلّي الصوت". بالنسبة لفادي، الأولوية حالياً هي "ضبط الأمن والأمان ومنع الجرائم التي ترتكب على كامل الجغرافيا السورية وحماية السلم الأهلي وتأمين أساسيات الحياة". "أي سلطة حاكمة لن تستمر بدون احترام كل المعتقدات وضمان حقوق كل المواطنين تحت القانون العادل، و الشعب الذي أسقط نظام البعث ليس عاجزاً عن إسقاط نظام آخر.". "الأمر غالباً يحتاج إلى وقت، ولن يحدث بين يوم وليلة، لكنه سيحدث حتماً. إن لم يتحقق مع هذه السلطة ببساطة سيتحقق مع غيرها. أكيد لدي رغبة لزيارة البلد بأقرب فرصة"، يكمل: "اللي كان ينزل على زمن بشار الأسد صراحة ما رح يخاف أكتر من حدا تاني". وفي رسالته للسوريين، يقول فادي: "في النهاية، من الضروري أن يكون لدينا أمل جميعنا، ومن الضروري أن يظل صوتنا عالياً.. نحن بحاجة للكثير من الوعي. الصعوبات أمامنا كبيرة وإرث الأسد والبعث كبيرة، سواء على الصعيد النفسي المحسوس أو المادي الملموس. مع ذلك علينا أن لا نفقد الأمل". "العودة يجب أن تكون مشروعاً واضحاً ومدروساً" صدر الصورة، Getty Images كمُغترب سوري، أصبح كريم "مقتنعاً تماماً" أن السوريين "تجاوزوا مرحلة الخوف للأبد". "حاجز الخوف يلي كان متجذّر بداخل الناس اتكسر نهائياً، وما عاد في أي قوة بالعالم قادرة ترجّعه. السوريين اليوم عم يحكوا بصراحة ووضوح ومن دون مواربة، عم يعبّروا عن رأيهم بكل قوة وشجاعة". يرى كريم أن الحكومة الجديدة، على الأقل حتى الآن، "تستجيب لمطالب الناس وتحترم حق التعبير، وتُعدّل قراراتِها بناءً على الضغط الشعبي، الشيء الذي كان يُعتبر مستحيلاً أيام الأسد والبعث الذين كانوا غارقين بالقمع والظلام". ويشدد على أنه من الضروري جداً الاستمرار في زيادة الوعي السياسي وعدم نشر الفتنة والأخبار الكاذبة لزيادة الضغوط على الحكومة الجديدة التي لا تزال تتأقلم بدورها الجديد، بحسب كريم. في هذا السياق، يعتقد كريم أن دور المغتربين السوريين مهم وأساسي، سواء بالمساهمة بإعادة الإعمار أو تحريك الاقتصاد، أو حتى بالضغط على الحكومات الغربية لتقديم الدعم للشعب بالداخل وتخفيف العقوبات. "السوريين بالخارج صاروا كتير واعيين لهالنقطة بنظري، وبيعرفوا إنو العودة لازم تكون مشروع واضح ومدروس، مو مجرد حنين للماضي و الذكريات". "وأخيراً، أكبر عائق أمام آمال المغتربين السوريين انتهى، المشاكل الحالية هي نتيجة مباشرة لخمس وخمسين سنة من القمع والفساد والنهب وتدمير النسيج الاجتماعي الذي نفّذه نظام البعث بكل أنحاء سوريا"، يقول. "من الضروري أن نبدأ بعدالة انتقالية حقيقية، ليست شكلية، تبدأ بمحاسبة النظام السابق، وتمتد لتشمل كل شخص تلطّخت يديه بالدم السوري أو سكت عن الحق والظلم اتجاه أي سوري. ويجب فتح ملفات الساحل، ونفهم بالضبط ما الذي حدث بآذار الماضي، لأن كرامة السوري واحدة ولا تتجزأ، ولا فرق بين دم سوري وآخر مهما كانت الطائفة أو المكان أو الوقت". التعليق على الصورة، أُرسلت لبي بي سي شيماء تقول ما كان منتظر من بعد سقوط النظام هو الوصول للحرية، الوصول للديمقراطية، الوصول لدولة مساواة، دولة عدالة، "أعتقد أن هذه الأهداف التي خرجت الثورة من أجلها". "تفاجأت عندما رأيت هيئة تحرير الشام تستلم الحكم في سوريا، مستحيل كنت أقبل أن أغير الأسد بهيئة تحرير الشام، أنا أتحدث بصراحة وبكل صدق.. أنا منزعجة جداً، ولا أستطيع تقبل الموضوع إلى الآن". "أنا جداً مستغربة لأنه ما بعرف ليش حسيت أنه بطريقة ما تغيرت المفاهيم أو الثورة أو المطالب اللي كانت للحرية والمساواة ومجتمع مدني ومجتمع ما فيه فساد لأنه تكون حرب طائفية". تقول شيماء أنها من الطائفة السنية، أي "تُعتبر من الأغلبية"، وهي غير راضية عن الحكم الحالي. "يهمني أن تكون الحكومة تكنوقراط ومؤهلة.. نريد حكومة تريد الخير للبلد - لا سنية ولا شيعية ولا أي طائفة، ولا من توجّه معيّن ولا من إثنية معينة ولا عرب ولا كرد ولا هاي التفاصيل". "أعتقد أنه أصبح لدى الشعب بعض اليقظة، لكني شخصياً، أعتبر هذه الحكومة بدون شرعية. أنا أخلد للنوم وبداخلي عدم رضا عما يحدث في بلدي". تتخوف شيماء من قضايا عديدة على المستوى الجيوبولوتيكي وإقامة علاقات "جديدة" مع الدول، وعلى رأس هذه القائمة موضوع إقامة معاهدة سلام مع إسرائيل، باسم الشعب السوري. كانت شيماء تُعوّل على بعض المثقفين والتي تقول إنها "صُدمت بهم" بعد السقوط للنظام السابق ومن دعمهم للنظام الجديد "دون تفكير". وتقول إن هناك رعب دائم من فقدان الأمن الاقتصادي للفرد بسبب "التعصب بأخذ القرارات بدون سياسة واضحة". "كسورية أعيش في الخارج، لا أشعر بالأمان أن أعود، أصبحت خائفة على أهلي الموجودين بالداخل، كنت أتمهل في الفترة الماضية بأن أُخرجهم من البلاد، لكني الآن أفكر بقطع كل علاقتي بسوريا". وكمغتربة، كانت شيماء تحب أن تبدأ مشاريع للمساهمة في الاقتصاد والاستثمار، إلا أنها رأت الوضع "غير مشجع" وخصوصاً بمشاريع دعم المرأة، وفق قولها. لا تزال شيماء تتمسك بالأمل بإمكانية "إنقاذ البلاد" وترى أن هذه الحكومة "صعبة"، وسيكون من الصعب أن تُطوّر سوريا، بعيداً عن التقسيم الذي يراه السوريون في الأفق والهيمنة الغربية المتزايدة، بحسب كلماتها. التعليق على الصورة، أُرسلت لبي بي سي "الرجعة للبلد ما لازم تكون مجرد حنين، لازم تكون مشروع" سمير يحدثني من الولايات المتحدة وهو يراقب المشهد السوري بتمعّن. لديه تفاؤل حذر كما يقول، ويأمل بعودة المغتربين مثله. لا يعتقد سمير أن هناك خوف حقيقي من العودة لسوريا، بل هناك تردد، خصوصاً بسبب الوضع الأمني والعقوبات، لكنه يقول إن الأمن والاقتصاد يمشيان على خط واحد، وإذا لم يتحسنا معاً، لن يتحرك شيء في الدولة. "بهذه المعادلة، للمغتربين كلمة كبيرة، ودورهم أساسي بإعادة الإعمار والدفع بعجلة البلد وأيضاً بالضغط على الحكومات الغربية لمساعدة الشعب في الداخل ورفع العقوبات. السوريون في الخارج يعون هذه التطورات، ويعلمون أن العودة يجب أن تكون مشروعاً بذاتها، لا أن تكون مجرد شعور بالحنين". "وبالآخر، أكبر مصيبة كانت واقفة بطريق آمال المغتربين السوريين راحت.. المشاكل اللي نحنا عايشينها اليوم هي نتيجة مباشرة لـ 55 سنة من القمع، والسرقة، و الفساد، وتدمير البنية الاجتماعية، اللي زرعها البعث بكل زاوية بسوريا". "يجب أن نبدأ بعدالة انتقالية حقيقية. يجب البدء من الرأس. من رأس الأفعى، من جرائم حافظ و بشار الأسد وعائلته وشبيحته، ومن ثم النزول للأسفل، لتشمل كل مين تلوثت إيديه بدم السوريين، وكل من سكت عن الظلم. يجب فتح جراح الساحل". "أنا كمغترب كل يوم أسأل نفسي: "أنا كيف سأساهم ببناء بلدي؟"، يُجيب بالقول: "قد تكون هذه الفرصة الوحيدة حتى نعيد سوريا لمكانها الصحيح في المنطقة و العالم. و حتى إن زادت المشاكل، سيظل الطريق أمامنا أفضل من ما كان قبل سقوط الأسد. لذلك، من المهم جداً أن نبقى متفائلين قدر الإمكان، ونعمل لنبني سوريا لكل السوريين". التعليق على الصورة، أُرسلت لبي بي سي أما سلمى، فتحدثني قائلة: "للصراحة، من أول سقوط النظام صار عنا أمل كبير كتير بأنه اللي جاية أفضل وبلدنا رح يتحسن ويرجع بلد قوي ونقدر نرجع نزوره ونشوف أهالينا. أول شهرين لمسنا أنه الوضع عم يتحسن، وسوريا بلشت تتحسن علاقاتها مع أغلب البلدان وهاد بالطبع كتير شي فرحنا". وبين ليلة وضاحا تقول: "أهلي عايشين بالساحل وحتى هم كانوا شايفين الوضع تمام، لحد يوم 6 آذار". هنا روت سلمى أنه في هذه اللحظات "تبيّن سوء الوضع في سوريا وسوء نية الحكومة الجديدة": "بالطبع كان هناك أشخاص يستحقون العقاب، لكن أغلب من مات كان بريئاً". رأت عائلتي الموت في 6 و7 آذار، ونجوا بلطف الله. وللآن الوضع سيء، لا أمان ولا راحة. ولا أحد يخرج من بيته، هناك قلق وخوف". الغربة تُرى كملاذ آمن للعديد من الناس. لكن سلمى ترى أنه حتى في الغربة، ستُضطر لإخفاء هُويتها لكونها من الطائفة العلوية. "بالنسبة لي بألمانيا - طبعاً أنا كبنت من الساحل السوري - أتعرض لاتهامات عدة، أني مؤيدة للنظام السابق، وطبعاً هذا الشيء غير صحيح، لكن هذا تفكير الناس، وحتى هُنا في ألمانيا، دائماً ما توجّه لي اتهامات كهذه، فقطعت علاقاتي مع الجميع، وصرت أتحفّظ دائماً عن قول من أين أنا وأبعدت نفسي عن من يسألني أسئلة كهذه". "حتى شعور الأمان ببلد كألمانيا صار بالنسبة لنا معدوماً بسبب وجود أشخاص مثلهم". "للصراحة حالياً أصبح الأمل شبه معدوم بأن ترجع سوريا بلداً جميلاً متطوّراً ومنفتحاً. سوريا ترجع للوراء ونتمنى صدقاً أي أحد داخل سوريا أن تسنح له الفرصة ويتمكن من الخروج منها"، كما تقول سلمى. التعليق على الصورة، أُرسلت لبي بي سي "بحس إني بلا وطن. حرفياً بلا وطن. مرعب الموضوع" روان طالبة دكتوراه مغتربة تقول لي: "مجرد التفكير ببكرا صار مرعب. بعد ما كان الواحد عنده كتير طموحات وخطط بده يعملها. كل يوم الصبح بدك تتوقعي تسمعي أخبار سيئة". "أنا وصلت مرحلة إني بحس إني بلا وطن. حرفياً بلا وطن. مرعب الموضوع". وتضيف: "في البداية كنت أقول أنه مهما حدث، سأعود عند أهلي في بلدي من الغربة، لكن الآن، لن أتمكن من العودة". فبمجرد طرح فكرة العودة، يزداد هم عائلتي، "نحنا بكفي حاملين هم حالنا بالوضع الحالي، لسا بدك تيجي أنت ويصير الهم أكبر؟ هاد إذا وصلت أصلاً.. ما حدا بيعرف. بحكم أنه أنا من الساحل ومحسوبة على طائفة معينة، يمكن أصلاً ما وصّل على بيت أهلي". "ما عاد في أمان بالمجمل. صراحة كتير بشعة الفكرة أنه ما عاد في مصدر للأمان أبداً أبداً"، تقول، متحدثة عن بعض المشاحنات بينها وبين أبناء الجالية السورية في الغربة خلال إحدى الوقفات التضامنية مع أهالي الساحل. التعليق على الصورة، صورة أُرسلت لبي بي سي من وقفة تضامنية مع أهالي الساحل السوري كأي طالب مغترب، كانت روان تحلم بالعودة لبلدها المنهك من الحرب للمساهمة بإعادة بنائه وإنعاش اقتصاده، إلا أن الظروف كانت أقوى من ذلك. تقول روان: " في البداية، خططت للعودة إلى بلدي بعد إنهاء الدراسة وأن أعمل في الجامعة، لكني أعيش حالياً في حالة ضياع، لا أعلم ماذا سأفعل بعد إنهاء الدراسة، كل شيء مجهول". ماذا إن عادت روان لبلدها؟ تجيب: "حتى إن عدتُ إلى البلد.. لو كانت الأمور تسمح بذلك. أظن إنني قد أكون انفصلت من عملي، خاصة أنني من الساحل، فهم يطردون الناس من وظائفها هناك، وأساساً هذه الطائفة التي تشهد اعتداءات، اعتمادُها الأساسي هو وظائفهم في الدولة ورواتبهم، وهي من سلبيات النظام السابق، لأنه حاول حصر هذه الطائفة في هذا المجال - أي في مؤسسات الدولة والجيش". تكمل: "الناس ما عندها مصدر تاني أبداً. فكتير الموضوع سيء كظروف معيشية وبالمطلق، إذا رح إنزل، رح أكون عالة على أهلي". التعليق على الصورة، أُرسلت لبي بي سي "ضمانات لعودة اللاجئين ضمن رؤية جديدة لسوريا" صدر الصورة، Reuters في أولى خطواتها بعد سقوط نظام بشار الأسد، أعلنت الحكومة السورية الانتقالية برئاسة أحمد الشرع عن حزمة من الضمانات والتدابير الاستثنائية لتشجيع عودة السوريين في الخارج، مؤكدة أن مرحلة ما بعد الصراع تتطلب مشاركة كل السوريين دون استثناء في بناء دولة قائمة على الحقوق والعدالة والمواطنة. وجاء ذلك من خلال الإعلان الدستوري المؤقت الذي أصدرته الحكومة الجديدة، والذي نصّ على التزام واضح بحماية الحريات العامة، واستقلال القضاء، وضمان المساواة بين جميع المواطنين، كما أكدت الحكومة على احترامها للاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان. كما أعلنت الحكومة عن حلّ الأجهزة الأمنية التي ارتبطت بانتهاكات جسيمة خلال الحقبة السابقة، مع التأكيد على "إعادة هيكلة" القطاع الأمني بما يضمن "خضوعه للمساءلة القانونية واحترام الحقوق المدنية". ضمن هذا التوجه، تعهّدت السلطات الانتقالية بتوفير تسهيلات شاملة للعائدين من الخارج، تتضمن تسوية الأوضاع القانونية والأمنية، وإصدار الوثائق الرسمية فور العودة، وإطلاق برامج اندماج مجتمعي واقتصادي تضمن مشاركة العائدين في عملية إعادة البناء. كما أعلنت الحكومة الجديدة بدء مشاريع واسعة لإعادة تأهيل البنية التحتية في المناطق المتضررة من النزاع، تمهيداً لعودة آمنة وكريمة للاجئين. في خطابه العام الأول، دعا رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا أحمد الشرع إلى مصالحة وطنية شاملة، مؤكدًا أن "العودة إلى الوطن حق وواجب، وتمثل جوهر مشروع الدولة الجديدة." وأكد أن حكومته ستدير وضع اللاجئين من منظور إنساني ووطني، دون اعتبارات سياسية أو انتقامية. وقد بدأت الدول المضيفة للاجئين السوريين بالفعل باتخاذ خطوات ملموسة لتسهيل العودة الطوعية، مع ضمان السلامة والكرامة لهم. ففي الأردن، أعلنت المفوضية السامية للاجئين أن أكثر من 20,000 لاجئ سوري قد عادوا طوعاً منذ منتصف مرحلة الانتقال، كجزء من صفقة مع الحكومة الأردنية لتوفير ممرات آمنة ودعم لوجستي للعائدين. أما في لبنان، فقد أوقفت الحكومة مؤقتاً عمليات الترحيل القسري لمدة ستة أشهر قابلة للتمديد، بالتنسيق مع منظمات حقوقية، للسماح للاجئين باتخاذ قراراتهم بحرية ولضمان عدم تعرضهم لأي تهديد بعد العودة. كما عملت بعض الدول، مثل تركيا وألمانيا، على إعادة تقييم سياسات اللجوء، وتقديم خدمات المشورة القانونية والمساعدة في استعادة الوثائق الرسمية بالتعاون مع المفوضية السامية للاجئين، في حين سعت منظمات إنسانية إلى توعية السوريين بالمخاطر المحتملة في مناطق العودة، وتقديم تقارير ميدانية حول الوضع الأمني والخدمات الأساسية في الداخل السوري. كل هذه التحركات تعكس التدرج "الجديد" لتغير مواقف الدول المضيفة مع زيادة النقاشات الداخلية والخارجية، حول السياسات الجديدة في سوريا.