
سياسات ترامب تعرقل توسّع المؤسسات المالية الأمريكية
بروك ماسترز
عندما فاز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر الماضي، توقع كثير من المصرفيين ومديري الأموال، أن تحدث رئاسته طفرة غير مسبوقة في القطاع المالي الأمريكي. إلا أن المستجدات الراهنة تشير إلى أنها قد تنقلب لتصبح نقطة ضعف، تهدد مكانة «وول ستريت».
خلال السنوات الخمس عشرة الماضية، كانت البنوك الأمريكية الكبرى وشركات إدارة الأموال تتقدم، فقد تعافت من تداعيات الأزمة المالية لعام 2008، أسرع من منافسيها الأوروبيين، وعززت حصصها السوقية منذ ذلك الحين.
وحصل عمالقة وول ستريت، غولدمان ساكس وجيه بي مورغان ومورغان ستانلي وبنك أوف أمريكا، على نسبة لا تقل عن 5 % لكل منها، من إجمالي رسوم الصيرفة الاستثمارية العالمية العام الماضي، فيما لم يتمكن فيه باركليز، المصنف أكبر بنك أوروبي، من حصد أكثر من 3.3 % فقط.
في الوقت نفسه، نجح مديرو الأصول الأمريكيون في استقطاب استثمارات بمعدلات غير مسبوقة، مع خفض رسوم الخدمات، حتى إن شركة «بلاك روك» سجلت في بعض الفترات الربعية تدفقات مالية تفوق ما حققته صناعة إدارة الأصول الأوروبية مجتمعة.
كما بسطت المؤسسات الأمريكية سيطرتها على سوق أمناء الحفظ للأصول، مستحوذة على أربعة مراكز من بين المراكز الخمسة الأولى عالمياً.
ويرجع هذا التفوق الأمريكي إلى عوامل عدة، تتمثل في النشاط الاقتصادي القوي، وعمق الأسواق المالية، فضلاً عن الجاذبية المتأصلة للأوراق المالية الأمريكية في نظر المستثمرين الدوليين.
وقد بدا تعيين ترامب لمسؤولين ينتهجون سياسة رقابية مرنة، على رأس الهيئات التنظيمية المالية والمصرفية، بمثابة اللمسة الأخيرة لنجاح هذا القطاع.
بيد أنه في خضم أن هذا الازدهار لا يمكن إيقافه، سحب ترامب البساط، وأدت تعريفاته الجمركية في «يوم التحرير»، التي تلاها توقف جزئي لمدة 90 يوماً، إلى دخول الأسواق في دوامة كبيرة،.
وزاد الطين بلة، «السياسات العدائية الأخرى»، بما فيها تلويح مستشاريه باستخدام القطاع المالي كسلاح استراتيجي، ما دفع الشركات والحكومات الخارجية إلى مراجعة اعتمادها المفرط على المؤسسات المالية الأمريكية، والتشكيك في جدوى استخدام سندات الخزينة الأمريكية كملاذ خالٍ من المخاطر.
نتيجة لذلك، بدأت الشركات الأجنبية تعيد النظر في علاقاتها مع الولايات المتحدة، والبحث عن مزودي خدمات محليين، ووضع خطط طوارئ لإصدار سندات بعملاتها المحلية، عوضاً عن الدولار، الأقل استقراراً الآن.
على الصعيد الحكومي، بدأ التخلي عن الموقف المتساهل تجاه الهيمنة الأمريكية في مجالي التكنولوجيا والخدمات المصرفية. وقال محامٍ بريطاني كبير في مجال التنظيم: «لطالما كان هناك هذا الخوف بين الجهات التنظيمية الأوروبية:
هل نحن معتمدون بشكل مفرط على الشركات الأمريكية؟ وكان الرد دائماً هو «الولايات المتحدة في صفنا»، وكان السؤال الآخر هو «هل تفضلون الصينيين؟» لقد تغير كلا هذين العاملين الآن».
وتفتقر أوروبا إلى بدائل محلية منافسة لعمالقة التكنولوجيا الأمريكيين، مثل غوغل ومايكروسوفت، ما يزيد مساعيها لتقليص تبعيتها التقنية لواشنطن صعوبة. إلا أن قطاع الخدمات المالية قصة مختلفة.
فالحقيقة هي أن البنوك الأوروبية ليست كبيرة ولا مخيفة عالمياً، مثل وحوش وول ستريت. لكن كبار موظفيها خبراء في جمع الأموال وإتمام عمليات الاندماج.
وحتى قبل أن تشعل سياسات ترامب فتيل الاضطرابات في الأسواق العالمية، كان المشرعون السويسريون قد أثاروا شكوكاً جدية حول حكمة إيداع أموال الضمان الاجتماعي البالغة 46 مليار فرنك سويسري، لدى وصي أمريكي.
ورغم تمكن بنك «ستيت ستريت» من الاحتفاظ بالعقد في نهاية المطاف، بعد تحذير الحكومة السويسرية من ارتفاع التكاليف، بسبب تغيير المزود في هذه المرحلة المبكرة، إلا أن المؤشرات ترجح توجه الدول والمؤسسات الأوروبية نحو بدائل محلية في تفويضاتها المستقبلية.
وقد أقر جيمي دايمون الرئيس التنفيذي لـ«جيه بي مورغان تشيس»، الأسبوع الماضي، بهذا التحول، قائلاً: «خسرنا عدداً من صفقات السندات بالفعل.. ببساطة، يفضلون إنجاز هذه المعاملات مع بنوك محلية، بديلاً عن المؤسسات الأمريكية».
ويستبعد خبراء مصرفيون ومنظمون لتغييرات تنظيمية سريعة لتقييد نفوذ الشركات المالية الأمريكية، نظراً لما تتطلبه صياغة قواعد تنظيمية جديدة من وقت طويل، فضلاً عن أن التغييرات الرسمية قد تؤدي لرد فعل انتقامي من أمريكا.
إلا أن هناك أساليب أكثر هدوء لتحجيم النفوذ الأمريكي، فبإمكان الجهات الرقابية فرض نسب رأسمالية أعلى على الفروع المحلية للبنوك الأمريكية، وإلزامها بالاحتفاظ بأصول سائلة بأنواع مختلفة للتحوط من مخاطر سياسات ترامب، كما يمكنهم النظر بعين الريبة إلى الابتكارات المالية الأمريكية.
وقال لي أحد المنظمين السابقين إنه «من المتصور أن نشهد تباطؤاً متعمداً في معالجة طلبات أمريكية لاعتماد منتجات إدارة أصول جديدة، أو تعديلات في نماذج المخاطر المصرفية. إنه أشبه بوضع حفنة رمال في محركات تلك المؤسسات».
وعلى الرغم من هذه العقبات الجديدة، التي قد يواجهها منافسوهم الأمريكيون، فالمصرفيون الأوروبيون بعيدون كل البعد عن البهجة، ويعانون شح صفقات الاندماج والاستحواذ عالمياً، ويعتقدون أن عدم اليقين سيزيد من إضعاف إبرام الصفقات.
بينما يتوجس مديرو الأصول من نزوع العملاء إلى الاحتفاظ بالسيولة النقدية، هرباً من تقلبات الأسواق، كما يساور الطرفين قلق متزايد من احتمالات ركود اقتصادي عالمي. وعبّر أحد كبار المصرفيين الأوروبيين عن المشهد بإيجاز، في رسالة نصية: «لا رابح في هذه الفوضى».

Try Our AI Features
Explore what Daily8 AI can do for you:
Comments
No comments yet...
Related Articles


Al Ain
2 hours ago
- Al Ain
بوركينا فاسو على طريق التحول الصناعي.. «إبراهيم تراوري» يضع الأسس لمستقبل جديد
تم تحديثه الثلاثاء 2025/5/27 08:54 م بتوقيت أبوظبي من قلب الساحل الأفريقي، تنهض بوركينا فاسو بروح جديدة، تقودها رؤية طموحة لقائد شاب مصمم على كسر قيود التبعية الاقتصادية. في ظل قيادة إبراهيم تراوري، رئيس السلطة الانتقالية، يتسارع إيقاع المشاريع الصناعية، وتتوالى عمليات افتتاح المصانع الجديدة، ما يرسخ ملامح التحول العميق نحو بلد مُصنّع يعتمد على إمكاناته الذاتية. نهضة صناعية بإيقاع تسارعي تطرح الخطوات المتسارعة التي يقودها الكابتن إبراهيم تراوري سؤالًا جادًا حول ما إذا كانت بوركينا فاسو بصدد صياغة نموذج تنموي بديل داخل فضاء الساحل الأفريقي، وهي المنطقة التي طالما عانت من هشاشة البنى التحتية، والاعتماد شبه الكامل على المساعدات الدولية. منذ وصوله إلى الحكم، لم يكتف تراوري بالتصريحات الرنانة، بل رافقها بخطة عمل ميدانية، بدأت تتجلى من خلال إنشاء مصانع لإنتاج المنظفات، وتحويل الطماطم، وإنتاج دقيق القمح. هذه الدينامية لم تهدأ، بل تعززت خلال الأسبوع الأخير من شهر مايو/أيار 2025، بإطلاق مشروعين صناعيين جديدين في منطقة الهوت-باسين غرب البلاد: مصنع لتحويل فاكهة الكاجو وآخر لإنتاج أدوية بيطرية، بحسب موقع "بوركينا 24" الإخباري الناطق بالفرنسية. البنية الزراعية في خدمة التصنيع ما يلفت في استراتيجية تراوري هو التكامل الملحوظ بين الرؤية الصناعية والسياسات الزراعية. ففي مستهل جولته الأخيرة، أشرف على توزيع معدات زراعية ومدخلات بقيمة 104 مليارات فرنك أفريقي (179.7 مليون دولار) للمنتجين المحليين، في خطوة تستهدف تعزيز الإنتاج الزراعي كأساس لتغذية الصناعات التحويلية الناشئة. هذه المقاربة تعكس فهمًا عميقًا لخصوصيات الاقتصاد البوركينابي، القائم تقليديًا على الزراعة. من الأمن الغذائي إلى التصنيع الدوائي باستثماره في وحدة لإنتاج أدوية بيطرية تقدر بـ20 مليار فرنك أفريقي (34.6 مليون دولار)، لا يكتفي تراوري بتقوية سلاسل القيمة المحلية، بل يسعى إلى تعزيز الاستقلال الصحي والدوائي في بلد يعاني منذ سنوات من ضعف التغطية الطبية البيطرية، ما يؤثر على الثروة الحيوانية التي تُعد مصدر دخل رئيسي لكثير من الأسر الريفية. استراتيجية متعددة الأبعاد إلى جانب التصنيع، لم يغفل الكابتن تراوري البُعد الأمني؛ فقد أعلن في اليوم نفسه عن تخصيص أكثر من 6 مليارات فرنك أفريقي (10.4 مليون دولار) لدعم فرقة المتطوعين للدفاع عن الوطن، وهي خطوة تؤكد تلازم التنمية والأمن في استراتيجيته للمرحلة الانتقالية. في ختام جولته، كتب على حسابه في منصة "إكس": "بوركينا فاسو تسير بخطى ثابتة نحو التصنيع الحقيقي"، مضيفًا أن هذه المشاريع ليست سوى تجسيد عملي لرؤية تضع المواطن البوركينابي في قلب النموذج الاقتصادي الجديد. هل تنجح بوركينا فاسو في بناء نموذجها الصناعي؟ وفقًا للخبير الاقتصادي السنغالي أميناتا ندوي، لـ"العين الإخبارية" فإن "ما يقوم به تراوري يعكس محاولة واعية للخروج من منطق الدولة الريعية، وبناء قاعدة إنتاجية تُمكّن بوركينا فاسو من مواجهة تقلبات السوق الدولية"، مشيراً إلى أن "نجاح هذه الرؤية يتطلب ضمان استمرارية المؤسسات، وتدعيم التمويل، والاستثمار في رأس المال البشري، لا سيما في مجال التكوين المهني". بين الطموح والرهانات في ظل الظروف الأمنية المعقدة، وغياب الاستقرار الإقليمي، لا تزال تحديات كثيرة تعترض طريق التحول الصناعي في بوركينا فاسو. ومع ذلك، فإن حجم المشاريع التي أطلقت في غضون عام واحد فقط من حكم الكابتن تراوري، يؤشر على أن الدولة بدأت تضع قدميها على سكة الصناعة الثقيلة والخفيفة، ضمن مقاربة وطنية تنموية متكاملة. aXA6IDkyLjExMy42NC42OSA= جزيرة ام اند امز GB


Al Bayan
3 hours ago
- Al Bayan
ترامب: بوتين يلعب بالنار
قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، اليوم الثلاثاء، عن نظيره الروسي فلاديمير بوتين إنه "يلعب بالنار". وتأتي أحدث تعليقات ترامب في أعقاب بعض من أكبر الهجمات بالطائرات المسيرة والصواريخ على أوكرانيا منذ بدء الغزو الروسي الشامل أوائل عام 2022. وقال ترامب في منشور على منصة تروث سوشيال: "ما لا يدركه فلاديمير بوتين هو أنه لولا وجودي، لكانت حدثت بالفعل أمور سيئة جداً لروسيا، وأنا أقصد ذلك تماماً.. إنه يلعب بالنار!".


Al Ain
7 hours ago
- Al Ain
محطات الطاقة الأمريكية على مشارف تغيير بيئي كبير بقيادة ترامب
تم تحديثه الثلاثاء 2025/5/27 03:39 م بتوقيت أبوظبي تعتزم إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلغاء القيود الفيدرالية على انبعاثات الغازات الدفيئة من محطات الطاقة التي تعمل بالفحم والغاز. أكد متحدث باسم وكالة حماية البيئة مطلع الأسبوع الجاري، أن الوكالة بصدد صياغة خطة لإنهاء القيود الفيدرالية على غازات الاحتباس الحراري الناتجة عن محطات الطاقة التي تعمل بالفحم والغاز، وذلك في إطار جهود واسعة النطاق يبذلها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإلغاء اللوائح البيئية التي وضعتها إدارة بايدن. وبحسب "واشنطن بوست"، قال متحدث باسم الوكالة إن الخطة الجديدة ستستند إلى قرار المحكمة العليا لعام 2022، والذي قلبت فيه الأغلبية المحافظة أجندة الرئيس جو بايدن الطموحة بشأن المناخ رأسًا على عقب، إذ قضت بأن الوكالة لا يمكنها إجبار المرافق على إغلاق محطات الطاقة التي تعمل بالفحم والتحول إلى توليد الطاقة المتجددة. وستلغي الخطة القواعد التي كُشف عنها في السنة الأخيرة من إدارة بايدن، والتي سعت إلى الحد من انبعاثات الاحتباس الحراري من محطات الطاقة الأمريكية، والتي يجادل المحافظون بأنها تتعارض مع قرار عام 2022. وقال مدير وكالة حماية البيئة، لي زيلدين، في بيان، "بإعادة النظر في حكم بايدن-هاريس الذي خالف أحكام المحكمة العليا، فإننا نسعى إلى ضمان التزام الوكالة بسيادة القانون مع توفير طاقة موثوقة وبأسعار معقولة لجميع الأمريكيين". كما قال المتحدث باسم وكالة حماية البيئة الأمريكية بأن قانون عهد بايدن كان من شأنه أن "يُعيق توليد الكهرباء بأسعار معقولة وموثوقة"، ويرفع الأسعار، ويزيد من اعتماد الولايات المتحدة على واردات الطاقة من الخارج. وكتب المتحدث باسم الوكالة أن القانون الجديد سيُنشر بعد مراجعة مشتركة بين الوكالات. وكانت صحيفة نيويورك تايمز أول من نشر تفاصيل خطة وكالة حماية البيئة المقترحة، والتي أُرسلت إلى البيت الأبيض للمراجعة في 2 مايو/أيار، وفقًا للصحيفة. وأفادت الصحيفة في تقريرها، أن ثاني أكسيد الكربون وغازات الاحتباس الحراري الأخرى الصادرة عن محطات الطاقة التي تعمل بالوقود الأحفوري "لا تُسهم بشكل كبير في التلوث الخطير" أو تغير المناخ، نظرًا لصغر حجمها وتناقص نسبة انبعاثاتها العالمية. وكانت محطات الطاقة مسؤولة عن حوالي 25% من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في الولايات المتحدة في عام 2022. كما ذكرت الوكالة أن القضاء على هذه الانبعاثات لن يكون له تأثير يُذكر على الصحة العامة، وفقًا للصحيفة. وتُمثل مسودة خطة وكالة حماية البيئة أحدث خطوة من إدارة ترامب ضد الجهود الفيدرالية في مجال المناخ. ففي مارس/آذار، أعلنت وكالة حماية البيئة أنها ستبدأ في تفكيك العشرات من أكثر لوائح بايدن طموحًا المتعلقة بالمناخ والبيئة، بما في ذلك القواعد التي تهدف إلى تسريع انتقال البلاد إلى المركبات الكهربائية، والقضاء على الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري من محطات الطاقة، وحماية المجاري المائية من الملوثات. كما حثّ زيلدين البيت الأبيض سرًا على إلغاء "تقرير الخطر" لعام 2009 الذي مهد الطريق لتنظيم غازات الاحتباس الحراري بموجب قانون الهواء النظيف، وفقًا لما ذكرته صحيفة "واشنطن بوست" سابقًا. وعلى الرغم من صدور حكم ضد المعايير المقترحة من وكالة حماية البيئة عام 2022، رفضت المحكمة العليا في أكتوبر/تشرين الأول إيقاف خطة بايدن المنقحة لخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري من محطات الطاقة، بينما رفعت الولايات وشركات المرافق التي يقودها الجمهوريون دعاوى قضائية لعرقلة اللوائح. وجادلت الجماعات المحافظة بأن خطة بايدن ستؤدي إلى إغلاق بعض المحطات قبل الأوان والإضرار بشبكة الكهرباء، بينما قال مسؤولو إدارة بايدن إن الخطة صُممت لتجنب هذه المخاوف. ورحب المحافظون يوم السبت بالأنباء المتعلقة بخطة مسودة من شأنها إلغاء القيود المفروضة على الغازات المسببة للاحتباس الحراري المنبعثة من محطات الطاقة. aXA6IDgyLjIxLjI0MS45NyA= جزيرة ام اند امز SI