أحدث الأخبار مع #GoogleArtsCulture


الجزيرة
٢٤-٠٤-٢٠٢٥
- منوعات
- الجزيرة
اسم المكان وظرف الزمان
في ثنايا أحاديثنا الطفولية حكى صاحبي أنَّ عمته هي التي اقترحت اسمه على أبيه.. ثانٍ يؤكد أن أباه سمع هاتفًا في منامه، فاستيقظ وقد استقر في خاطره اسم ابنه، وثالث أضاف إن جده هو من سمَّاه. أما أبي، فحينما سألته عن سر اسمي حدَّثني أنه قد قرر أنْ يسميني على اسم جده، وعلى مدار تسعة أشهر كان يدرب أذنيه على كنيته المستقبلية، كعادة أهلنا في الريف المصري، حيث يكنى الوالد بابنه البكر، ثم صادف ميلادي يوم جمعة وكان الخطيب يستعرض قصة الصحابي الجليل أسامة بن زيد. في اليوم التالي، حين سأله موظف السجل المدني المنوط به تسجيل المواليد عن الاسم الذي يود تسجيله، أجابه بعفوية شديدة: أسميته أسامة. صار السؤال غابة أشجار كاملة متشابكة الأغصان.. لماذا "علّم" الله آدم الأسماء ولم يقل ولقن آدم الأسماء؟ ولماذا التوكيد بـ"كلها"؟ أهو علم خلق وابتكار، أم علم تلقين واستظهار؟ بأي لغة كان هذا العلم؟ جالساً كنت بين يدي الشيخ في كتَّاب القرية، أستظهر سورة البقرة حتى وصلت إلى قوله تعالى: {وعلَّم آدم الأسماء كلَّها ثم عرضهم على الملائكة}. قلت لشيخي: هل علَّم الله آدمَ كل الأسماء، كلها كلها؟ كنت صغيرًا للدرجة التي تجعل الشيخ يتجاهل السؤال وينهرني لأعود لإكمال الآيات.. ينمو السؤال بشكل لا واعٍ، ويضرب بجذوره في عمق روحي، أتأكد أن قوة ما خفية هي التي تسمي الأسماء، وما نحن إلا وسيلة لتحقيق مراد هذه القوة. في السورة نفسها -سورة البقرة- أطلق الله اسم مصرعلى المساحة التي يدور فيها الصراع بين موسى وفرعون؛ ثم أطلق على جزء منها اسم الطور، ومرة أخرى حدد مكانه وسماه طور سينين، التي هي سيناء في العربية. ولليوم، ما زالت هذه المناطق تحتفظ بأسمائها دون تحريف أو تصحيف؛ فمصر موسى ما زالت مصر، وجبل الطور هو جبل الطور، وسيناء هي سيناء. صار السؤال غابة أشجار كاملة متشابكة الأغصان.. لماذا "علّم" الله آدم الأسماء ولم يقل ولقن آدم الأسماء؟ ولماذا التوكيد بـ"كلها"؟ أهو علم خلق وابتكار، أم علم تلقين واستظهار؟ بأي لغة كان هذا العلم؟ أم إنه كان بكل اللغات، حيها وميتها؟ ما هي العلاقة السرمدية الأزلية الأبدية بين الاسم ومسماه؟ ذلك السائل عديم اللون والطعم والرائحة يطلق عليه بالعربية "ماء"، وليس أي اسم آخر، أفكان آدم (عليه السلام) يعلم كل أسمائه في اللغات الأخرى، أم إن هناك لغة واحدة؟ فإن كان ذلك كذلك، فمن أطلق عليه اسمه في اللغات الأخرى؟ في نهايات القرن الثامن عشر، أثبت علماء الجيولوجيا بقياسات دقيقة متعددة أن منطقة البحر الميت وما يحيط به هي أشد مناطق اليابسة انخفاضًا، ثم يذكرها الله في مكان آخر بأنها منطقة مباركة، ويحددها تحديدًا دقيقًا، مرة في بداية سورة الإسراء حين يخبرنا عن مسار رحلة النبي صلى الله عليه وسلم {من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الّذي باركنا حوله}، مؤكدًا في مطلع سورة الروم تلك الحقيقة العلمية المتأخرة في سياق نبوءته بانتصار الروم على عدوهم التاريخي (الفرس)، ولا تتغير هذه الحقائق على مدار الزمن حتى اليوم، ولا يتغير اسمها، فهي منطقة المسجد الأقصى وما حوله. ويطفو سؤال جديد على تلافيف المخ عن العلاقة بين اسم المكان وظرف الزمان.. "Google Arts&Culture" من أهم المواقع المتخصصة في تاريخ المدن والبلدان، يؤكد أن الكنعانيين هم أول من أطلق هذا الاسم على هذه المنطقة فعرفت بـ"هزاتي"، ويعني القوة في اللغات السامية القديمة على تلّة ترتفع عن مستوى سطح البحر بخمسة وأربعين مترًا تقريبًا، تقع منطقة تقدر مساحتها بثلاثمائة وستين كيلومترًا مربعًا، تربط من جهة بين مصر متمثلة في سيناء، وبلاد الشام، ومن جهة أخرى بين الجزيرة العربية وبلاد الشام. يشير إليها ياقوت الحموي في كتابه "معجم البلدان" بأن ملكًا اسمه "صور" أقام مدينة على هذه التلَّة وسماها غزة تيمنًا باسم زوجته. في مفتتح كتاب الحاخام الأميركي "مارتن ماير" عن غزة، الصادر في العام 1907، يذكر المستشرق الأميركي ريتشارد غوتهيل أن غزة مدينة قديمة قدم التاريخ، وأنها محطة مهمة لمن أراد دراسة تاريخ الشرق، ليس فقط لقدمها التاريخي، ولكن أيضًا لأهميتها الإستراتيجية؛ حيث إنها منطقة التقاء القوافل من الشام ومصر والجزيرة إلى البحر المتوسط حيث أوروبا. يلفت نظر الباحث عن أصل ومعنى "غزة " كلام مهم لـ"أوسابيوس بامفيليوس" (256-308م)، المعروف بـ"أبو التاريخ الكنسي"، والذي شغل منصب أسقف قيصرية فلسطين وعضو مجمع نيقية، حيث فسر معنى "غزة" بأنه يعني العزة والمنعة والقوة. "Google Arts&Culture" واحد من أهم المواقع المتخصصة في تاريخ المدن والبلدان، يؤكد أن الكنعانيين هم أول من أطلق هذا الاسم على هذه المنطقة فعرفت بـ"هزاتي"، ويعني القوة والمنعة في اللغات السامية القديمة. "غزة" موضع بمشارف الشام، فيها قبر هاشم جد النبي صلى الله عليه وسلم؛ ومن هنا جاء تسميتها "غزة هاشم". وارتباطها بالعرب وثيق منذ ذلك الحين، وقد أشار إليها القرآن ضمنيًّا في سورة قريش بينما جاء في قاموس العهد الجديد، الذي ألفه صفرنيوس عام 1910، أن هذه المنطقة أطلق عليها الفارسيون اسم "غازا"، الذي يعني بالفارسية الكنز والثروة، وأحيانًا بعين مهملة "عازا". ويحكي المؤرخون حكاية طريفة عن سبب هذه التسمية، فيها أن أحد ملوك الفرس دفن كل ثروته وكنوزه في هذه الأرض، ثم عاد بعد فترة فوجدها كما هي. أما المصريون القدماء فقد أطلقوا عليها اسم "غازاتو"، الذي يعني في المصرية المنعة والعزة، وورد اسمها واضحًا في ألواح تل العمارنة الفرعوني. على أنني أميل إلى عربية الاسم، فالجذر "غ زز" كما جاء في لسان العرب يعني الكثرة؛ فأغزَّت الشجرة إغزازا إذا كثر شوكها والتفَّت. ومن معانيها "الخصوصية"، فتقول العرب "قد غزَّ فلان بفلانٍ" إذا اختصه من بين أصحابه. وأنشد ابن نجدة عن أبي زيد: فمن يعصِبْ بِلِيَّتِهِ اغتزازًا .. فإنك قد ملأتَ يـدًا وشـاما و"ليتًّه" تعني قراباته، واليد في البيت إشارة لليمن، والبيت يعني من يلزم ببره أهل بيته فقد ملأ معروفه من اليمن إلى الشام. و"غزة" موضع بمشارف الشام، فيها قبر هاشم جد النبي صلى الله عليه وسلم؛ ومن هنا جاء تسميتها "غزة هاشم". وارتباطها بالعرب وثيق منذ ذلك الحين، وقد أشار إليها القرآن ضمنيًّا في سورة قريش، حين ذكر رحلتي الشتاء والصيف؛ رحلة الصيف حيث كانت تتجه القوافل التجارية إلى غزة وبعض مناطق الشام، ورحلة الشتاء إلى اليمن. تتمحور معاني "غزة" حول القوة والمنعة والخصوصية والمخزن والكنز. انتقلت "غزة" إلى الفلسطينيين العماليق، وظلت كذلك حتى دخلها الملك النبي داوود مع بني إسرائيل، كما في القصة التي وردت في سورة البقرة بين جالوت وطالوت، حوالي سنة 1000 ق.م.، ثم انتقلت إلى الإمبراطورية البابلية بقيادة الملك نبوخذ نصر عام 568 ق.م. أُسست مدينة غزة -كما أسلفنا- على يد الكنعانيين، الذين أطلقوا عليها "هزاتي"، في القرن الخامس عشر قبل الميلاد، ويتجاوز تاريخها المعروف ما يزيد على أربعة آلاف سنة. مر عليها كثير من الأحداث، حيث دُمرت وأُعيد بناؤها وتعميرها، ولكنها أبدًا لم تختفِ ولم تندثر، فلقد كان لها من اسمها نصيب الأسد، ففي كل مرة تعود أقوى مما كانت، فهي عصية على الفناء. حكمت مصر القديمة غزة على فترات متفاوتة، بدءًا من 3235 ق.م. وانتهاءً بعام 664 ق.م.، ومن أشهر الملوك الذين دخلوها على سبيل المثال: أحمس (عام 1573 ق.م.)، تحتمس الأول (عام 1539 ق.م.)، توت عنخ آمون (عام 1351 ق.م.)، رمسيس الثالث عام 1195 ق.م.). ثم دخلها الآشوريون بقيادة ملكهم تيغلات بلازر عام 734 ق.م. بقوات ضخمة، ثم الملك الآشوري سرجون عام 720 ق.م. بعد ذلك انتقلت إلى الفلسطينيين العماليق، وظلت كذلك حتى دخلها الملك النبي داوود مع بني إسرائيل، كما في القصة التي وردت في سورة البقرة بين جالوت وطالوت، حوالي سنة 1000 ق.م.، ثم انتقلت إلى الإمبراطورية البابلية بقيادة الملك نبوخذ نصر عام 568 ق.م.، ثم الفرس بقيادة قمبيز، حتى إن المؤرخ الفلسطيني عارف العارف في كتابه "تاريخ غزة" يقول إن قرية جباليا الواقعة على مسافة ميلين شمال غزة تأتي أصول سكانها من بقايا الغزو الفارسي، ويستشهد بلهجة أهلها الممطوطة و"سحنتهم"، على حد وصفه. ومن الفرس إلى الإسكندر الأكبر اليوناني، حيث دخلها عام 332 ق.م.، ثم الرومان عام 96 ق.م.، وقد زارها الإمبراطور أوريليوس هادريانوس، ونقش اسم غزة على مسكوكات نقدية حملت وجهه. ثم سكنها البدو إبان الاحتلال الهكسوسي لمصر، وظلت في حركة النضال هذه ضد الغزاة حتى الفتح الإسلامي لها على يد عمرو بن العاص (رضي الله عنه). ومن حسن الطالع أن غزة كانت أول مدينة يفتحها المسلمون في فلسطين عام 635 م، الموافق 13 هجرية. ومن المثير للجدل أنه من شهرتها وأهميتها التاريخية صار لها تقويم خاص؛ فكما كان للقبط تقويم قبطي، وللرومان تقويم ميلادي، فقد كان لغزة أيضًا تقويم مستقل، يحدده المؤرخ الفلسطيني عارف العارف بأن السنة الغزية بدأت من شهر أكتوبر سنة 61 ق.م. حتى أكتوبر من سنة 60 ق.م. فمثلًا، السنة الميلادية 505 تقابلها السنة 565 بالتقويم الغزي. أما في العهد القديم، فنجد غزة حاضرة بلفظفها ومعناها، فهي تعني في العبرية القوة والصلابة؛ ففي قصة شمشون قبل 3000 عام، تذكر الرواية اليهودية أن القضاء عليه كان بحيلة استخدمها الفلسطينيون الغزاويون، وقد كان لهم مرادهم ووقع في أسر أهلها (القضاة 16:30). ثم يأتي ذكرها صراحة في سفر إرميا، فيسمي ملكها فرعون غزة، ويسمي شعبها شعب غزة. ثم يأتي ذكرها من جديد، حيث أوردها عاموس من جديد في سفره "أحكام الرب". ثم تعود فتظهر في سفر "صفنيا" وسفر "زكريا"، الذي وصفها بـ"بنت صور". وبالعودة إلى سفر التكوين، فإن النص التوراتي يذكر أن الكنعانيين هم بناتها وأول من سكنها، وحدد النص التوراتي مكانها الحالي بدقة؛ فهي عند الجنوب الغربي لبلاد الكنعانيين (تكوين 10:19)، وأنها استعصت على العبرانيين في زمن يشوع النون؛ حيث كانت أبعد مدن فلسطين الخمس في اتجاه الجنوب (يشوع 3:13)، وأنها ظلت خارج سلطة اليهود في زمن قضاة إسرائيل ولم يفلحوا في غزوها، حيث توقفوا عند مدخلها (قضاء 6:4). كذلك، تحكي التوراة صمود غزة في وجه يوناتان المكابي (مكابيين 11:61-62). إلى الآن، ما زال الزمن حاضرًا حتى بداية التاريخ الميلادي، واسم غزة بمعانيه، التي تتمحور حول القوة والصمود، حاضر كاسم للمكان في ظرف الزمان الصعب.


البوابة
٢٠-٠٤-٢٠٢٥
- ترفيه
- البوابة
جمال الفن القبطي يتجلى في جدارية القيامة بدير الأنبا أنطونيوس
في قلب الصحراء الشرقية المصرية، وتحديدًا في دير الأنبا أنطونيوس بالقرب من البحر الأحمر، تتجلى واحدة من أروع نماذج الفن القبطي في جدارية تصور قيامة المسيح، مرسومة في خورس الكنيسة، وتعود إلى القرن الثالث عشر الميلادي. توثيق عالمي عبر مشروع بحثي أمريكي قام كل من باتريك جودو عام 1997 وروبرت ك. فنسنت جونيور في مارس من العام ذاته، بتوثيق هذه الجدارية ضمن مشروع تابع لـمركز البحوث الأمريكي في مصر. وقد نُشر العمل عبر منصة Google Arts & Culture، ضمن مشروع ثقافي وفني كبير يهدف إلى تسليط الضوء على التراث القبطي والفن الرهباني. رؤى رهبانية مرسومة على الجدران الجدارية جزء من مشروع توثيقي بعنوان: 'رؤى رهبانية: رسومات جدارية في دير القديس أنطونيوس عند البحر الأحمر'، والذي يستعرض سلسلة من الأعمال الجدارية التي تزيّن جدران الدير، وتعبّر عن العمق الروحي والتقوى التي سادت الحياة الرهبانية في تلك الحقبة. أهمية فنية وتاريخية تحمل هذه الجدارية قيمة فنية استثنائية، ليس فقط لجمالياتها، بل أيضًا لقدرتها على نقل عقيدة القيامة كما فهمها وتفاعل معها الرهبان الأوائل. الألوان، الرموز، وتعابير الوجوه المرسومة تعكس مدى اهتمام الفنانين الأقباط بالبعد اللاهوتي والروحاني للفن.