١٦-٠٧-٢٠٢٥
كيف يقود الذكاء الاصطناعي نجاح المشاريع الرقمية ويضاعف أرباحها؟
تشير بيانات جديدة إلى أن الذكاء الاصطناعي أصبح محورياً في إطلاق وتشغيل المشاريع التجارية على الإنترنت، مع اعتماد واسع النطاق على أدواته لتقليل التكاليف، وتسريع العمل، وتعزيز كفاءة التسويق وخدمة العملاء.
وبحسب تقرير صدر في عام 2025، تستخدم 78% من الشركات حول العالم تقنيات الذكاء الاصطناعي في جانب واحد على الأقل من عملياتها. وتفوقت الشركات الصغيرة على نظيراتها الكبرى، حيث أفاد 89% منها باستخدام الذكاء الاصطناعي بشكل يومي. ويقدّر أن أكثر من 280 مليون شركة تدير حالياً أداة ذكاء اصطناعي واحدة على الأقل، في حين يبلغ متوسط الاستخدام ثلاث أدوات لكل شركة. وبلغت الاستثمارات الخاصة في هذا القطاع داخل الولايات المتحدة 109.1 مليار دولار خلال العام نفسه.
تعكس هذه الأرقام أن الذكاء الاصطناعي لم يعد رفاهية تقنية، بل أصبح ضرورة تشغيلية للكثير من رواد الأعمال، خصوصاً أولئك الذين يبدأون بموازنات محدودة أو فرق عمل صغيرة.
أتمتة بلا عناء
تُعد منصة Zapier AI وأداة Make من طليعة حلول الأتمتة الحديثة، حيث تتيحان تكامل المتاجر الإلكترونية بسلاسة مع أنظمة التسويق والبريد الإلكتروني. وتُستخدم هذه الأدوات لتنفيذ سلسلة من العمليات التشغيلية بشكل تلقائي، بدءاً من تأكيد الطلب وتسجيله، وصولاً إلى تحديث المخزون، وكل ذلك دون أي تدخل يدوي.
في مجال التسويق عبر البريد الإلكتروني، تعتمد الشركات على أدوات مثل Mailchimp AI وKlaviyo التي تستخدم خوارزميات تنبؤية لتحليل سلوك العملاء وتخصيص الرسائل وفقاً لتفضيلاتهم. أما أدوات تحسين محركات البحث مثل SurferSEO وSEMrush، فتوفر تحليلات دقيقة واستراتيجيات مدروسة تعزز تصنيف المتاجر في نتائج البحث، وتزيد عدد الزيارات المستهدفة.
وتُظهر دراسات السوق أن الشركات التي تعتمد الذكاء الاصطناعي في مجالي التسويق والمبيعات سجّلت نمواً بنسبة 50% في عدد العملاء المحتملين، كما استطاعت تقليص مدة دورة المبيعات بنسبة 60%، وخفض التكاليف التشغيلية بنفس النسبة.
محتوى احترافي في دقائق
أحدثت المنصات التوليدية مثل Jasper و وGemini نقلة نوعية في إنتاج المحتوى التجاري، حيث أصبح بالإمكان الاستغناء عن فرق التحرير التقليدية لصالح أدوات قادرة على صياغة أوصاف المنتجات، والمقالات الترويجية، وأدلة الاستخدام خلال دقائق معدودة.
في مثال واقعي، نجحت شركة ناشئة متخصصة في منتجات العناية بالبشرة في رفع إيراداتها من 100 ألف إلى مليوني دولار بعد اعتمادها على Jasper لإنتاج المحتوى، وSurferSEO لتعزيز حضورها في نتائج البحث. النتيجة: تضاعف حجم المحتوى المنشور ثلاث مرات، مع خفض التكاليف بنسبة تجاوزت 75%.
أما أدوات دعم العملاء المدعومة بالذكاء الاصطناعي مثل ChatGPT وIntercom، فقد أصبحت من المكونات الأساسية للعمل التشغيلي، إذ تتولى الرد على الاستفسارات الشائعة، وتسهم في تسريع عمليات الاسترجاع، وتقدم توصيات مخصصة استناداً إلى سجل مشتريات العملاء، مما يعزز كفاءة الخدمة ويرفع من مستوى رضا المستخدمين.
من الفكرة إلى الإطلاق
يعتمد رواد الأعمال على الذكاء الاصطناعي في جميع مراحل دورة المشروع، بدءاً من البحث الأولي وحتى التخطيط والتنفيذ والتسويق. ومن أبرز حالات الاستخدام:
* ابتكار الأفكار استناداً إلى بيانات السوق، مثل تحليل المنتجات الأكثر مبيعاً على أمازون لتحديد الفرص التجارية.
* تحليل مراجعات العملاء للكشف عن أوجه القصور والثغرات في عروض المنافسين.
* إعداد خطط أعمال مبسطة تستهدف شريحة محددة من الجمهور مع تحديد المزايا التنافسية والتسعير واستراتيجية الإطلاق.
* إنشاء محتوى تسويقي ومدونات لدعم نمو الزيارات العضوية وتعزيز الوجود الرقمي.
* تصميم حملات تواصل وترحيب تلقائية تعزز تجربة المستخدم وتحفّز الولاء منذ التفاعل الأول.
اختبر، عدّل، ثم اعتمد
يفضّل رواد الأعمال، خصوصاً في المراحل التأسيسية، تجربة مجموعة واسعة من أدوات الذكاء الاصطناعي قبل الاستقرار على حزمة متكاملة تلبي احتياجات المشروع. فعلى سبيل المثال، قد يلجأ البعض إلى Jasper لإنشاء المحتوى، وSEMrush لتحسين الظهور في محركات البحث، إضافة إلى منصات بناء المواقع المدعومة بالذكاء الاصطناعي لتصميم المتجر الإلكتروني بسرعة ومرونة.
ومع نضوج المشروع واتساع عملياته، يصبح من المجدي دمج أدوات تحليل متقدمة مثل Tableau Pulse لرصد الأداء في الزمن الحقيقي، أو الاستفادة من أدوات إنتاج المحتوى المتخصصة مثل Gemini لتعزيز استراتيجية النشر والتسويق.
هذا النهج القائم على التدرج والتجريب يتيح لأصحاب المشاريع بناء منظومة تقنية متماسكة ومصممة بدقة وفقاً لقدراتهم، وميزانياتهم، ومستوى خبرتهم.
فرق صغيرة، تأثير كبير
في كثير من الحالات، استطاع مؤسسون مستقلون بناء مشاريع ناجحة وقوية دون الحاجة إلى فرق عمل كبيرة. مثال على ذلك، مطور تطبيقات SaaS اعتمد على ChatGPT للردود الفورية على العملاء، وNotion AI لصياغة الوثائق، وGemini لإنشاء الصفحات الترويجية، ما مكّنه من تقديم تجربة مستخدم متكاملة باستخدام موارد محدودة.
في المقابل، استفادت وكالة تسويق رقمي من أداة Make لأتمتة إدارة المشاريع، وChatGPT لتوليد الأفكار وكتابة التقارير، مع الاعتماد على أدوات التحليل اللحظي لتعزيز الأداء، مما أدى إلى مضاعفة عدد عملائها بشكل ملحوظ.
تحليلات أذكى، قرارات أسرع
توفر أدوات مثل Google Analytics AI وPower BI Copilot من مايكروسوفت للمؤسسين إمكانيات متقدمة لتحليل سلوك المستخدمين وقياس فعالية الحملات التسويقية. تساعد هذه الأدوات في الكشف عن أسباب تخلي العملاء عن عربات التسوق، وتحديد أفضل الأوقات لإعادة استهدافهم بشكل فعّال.
وينصح الخبراء بالاعتماد على هذه التحليلات في المراحل المبكرة من المشروع، كبديل أكثر دقة وفعالية من الاستطلاعات التقليدية أو مجموعات التركيز، حيث يمكن للذكاء الاصطناعي جمع وتلخيص آراء العملاء وملاحظاتهم من منصات التواصل الاجتماعي ومواقع التجارة الإلكترونية بشكل سريع ومركز.
توازن ضروري
رغم المزايا الكبيرة التي توفرها الأتمتة الكاملة، يحذر خبراء ريادة الأعمال من فقدان "اللمسة الإنسانية" التي لا غنى عنها. فالعلامة التجارية تحتاج إلى صوت وهوية مميزة، والعديد من العملاء يفضلون التفاعل المباشر مع البشر في مواقف معينة.
وتشدد الحاضنات التقنية على أن أصحاب المشاريع الذين يدرّبون أدوات الذكاء الاصطناعي على بيانات واقعية، وينقلون صوت علامتهم التجارية بوضوح، ويركزون على الأسئلة الحقيقية للعملاء، هم الأكثر قدرة على تقديم تجربة متكاملة وفعالة تحافظ على تماسك العلاقة مع المستخدمين.
اقرأ أيضا.. قطاع التأمين في عصر الذكاء الاصطناعي
المستقبل للأذكياء
تشير تقارير الصناعة إلى أن اعتماد الذكاء الاصطناعي أدى إلى ارتفاع الإنتاجية اليومية للعاملين بنسبة 66%، وزيادة القيمة السوقية العالمية بمقدار 1.4 تريليون دولار خلال أربعة أشهر فقط، إلى جانب نمو الأرباح بنسبة 45%.
وتؤكد سارة كيم، مؤسسة علامة تجارية رائدة في مجال التجارة الإلكترونية، أن «النجاح اليوم يتطلب أوامر واضحة، تجارب سريعة، والتمسك بهوية متسقة».
ويبدو جلياً أن من يتقن استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، ويطور استراتيجياته باستمرار، ويولي اهتماماً حقيقياً لتفاعل العملاء، يتمكن من إطلاق مشروع رقمي ناجح بأقل قدر من المخاطر ورأس المال.
أسامة عثمان (أبوظبي)