أحدث الأخبار مع #«فورينأفيرز»


العين الإخبارية
١٩-٠٤-٢٠٢٥
- أعمال
- العين الإخبارية
الذكاء الاصطناعي.. مرآة للاختلالات البنيوية في التنافس الأمريكي الصيني
اعتبر تحليل نشرته مجلة «فورين أفيرز» إن السباق الأمريكي-الصيني في الذكاء الاصطناعي لن يحسمه التفوق التقني فقط بل اتساع انتشاره وتبنيه. وتخوض الولايات المتحدة والصين سباقًا محتدمًا لتطوير الذكاء الاصطناعي، نظرًا لتأثيره العميق على الأمن القومي والاقتصاد العالمي. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة لا تزال تتفوق تقنيًا في تطوير النماذج الأكثر تقدمًا بفضل وجود كفاءات عالمية واستثمارات ضخمة، لكن هذا التفوق ليس مضمونًا، ولا يعني بالضرورة السيطرة المستقبلية. الانتشار وعندما أطلقت شركة "ديب سيك" الصينية نموذج R1 القوي في يناير/كانون الثاني 2025، كان ذلك بمثابة تحذير من أن الصين قد تقترب من اللحاق بالركب الأمريكي، خاصة مع نماذج رخيصة ومفتوحة المصدر يمكن نشرها بسرعة وبكفاءة. وبات بالتالي التحدي الحقيقي لا يكمن فقط في تطوير نماذج قوية، بل في مدى سرعة تبني الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع داخل الدول. وفي سباقات التكنولوجيا، لا يُقاس التفوق فقط بمن يملك أفضل الأدوات، بل بمن يستطيع استخدامها وتطبيقها بكفاءة. لذلك، على الولايات المتحدة أن تركز على تبني الذكاء الاصطناعي عبر مؤسساتها الحكومية والعسكرية والاقتصادية. ودعا التحليل للولايات المتحدة أن تساعد شركاتها في تصدير أدوات الذكاء الاصطناعي إلى الأسواق النامية لمواجهة النفوذ الصيني المتزايد في هذه المناطق. ووفقاً للتحليل، فإن أكبر تأثير اقتصادي للذكاء الاصطناعي لا يأتي من النماذج المتقدمة بحد ذاتها، بل من مدى انتشارها في مختلف القطاعات. وقدر تقرير لشركة الاستشارات العالمية "ماكنزي" عام 2023 أن التبني الواسع للذكاء الاصطناعي يمكن أن يضيف تريليونات الدولارات للاقتصاد العالمي. وعلى الولايات المتحدة إذًا أن تضمن وصول تقنياتها إلى دول العالم النامي، ليس فقط لتعزيز التنمية، بل أيضًا لمنع الصين من الهيمنة على هذه الأسواق من خلال مبادراتها مثل "طريق الحرير الرقمي". الذكاء الاصطناعي العسكري من ناحية أخرى، فإنه رغم المخاوف من "الروبوتات القاتلة"، فإن الذكاء الاصطناعي في المجال العسكري يُستخدم حاليًا كأداة لدعم قرارات البشر، وليس لاتخاذ قرارات مستقلة باستخدام القوة. ويشمل ذلك دعمًا في مجالات مثل اللوجستيات، والتخطيط، وتحليل البيانات. وروسيا، على سبيل المثال، دمجت أدوات الذكاء الاصطناعي بسرعة في عملياتها خلال الحرب في أوكرانيا، وتقوم دول مثل إيران وكوريا الشمالية بتطوير قدراتها أيضًا. والولايات المتحدة من جانبها تعتمد الذكاء الاصطناعي لتحسين الأداء العسكري، لكنها تحتاج إلى تسريع وتيرة الاستخدام الداخلي لهذه التقنيات. السياسات والبنية التحتية وشدد التحليل على أن القيود المفرطة على استخدام الذكاء الاصطناعي قد تعيق الابتكار وتدفع المستخدمين للجوء إلى نماذج مفتوحة المصدر غير خاضعة للرقابة. لذلك، تحتاج الولايات المتحدة إلى سياسات تنظيمية مرنة تُشجع التبني المسؤول وتضمن الأمن دون خنق الابتكار. كما أن محاولات منع تصدير الشرائح المتقدمة إلى الصين، رغم أهميتها، قد لا تكون كافية، لأن الذكاء الاصطناعي يعتمد كثيرًا على البرمجيات، التي يمكن نسخها ونشرها بسهولة. ولتحقيق التبني الواسع، يجب الاستثمار في البنية التحتية الأساسية: إنتاج الشرائح، مراكز البيانات، شبكات الطاقة، وخطوط نقل الكهرباء. رغم إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن خطة لاستثمار 500 مليار دولار في البنية التحتية السحابية، لم يُنفذ منها سوى 100 مليار حتى الآن. كما يجب أن تقود الحكومة بنفسها عملية التبني، لتشجيع باقي القطاعات ولضمان الأمان والموثوقية. وجود استثمارات حكومية يُرسل إشارة ثقة للأسواق والمستثمرين. واختتم التحليل بالتأكيد على أن السباق بين الولايات المتحدة والصين في الذكاء الاصطناعي لا يُحسم فقط في المختبرات، بل في قدرة كل طرف على نشر التكنولوجيا واستخدامها بسرعة وكفاءة. الولايات المتحدة تحتاج إلى تجاوز البيروقراطية، وضخ استثمارات ضخمة في البنية التحتية، وتطوير نماذج رخيصة وسهلة النشر، مع التركيز على شراكات استراتيجية عالمية. واعتبر أن السباق ليس على من يصنع أفضل نموذج، بل على من يستخدمه أولًا وعلى أوسع نطاق. aXA6IDE0OC4xMzUuMTU5LjIyMiA= جزيرة ام اند امز FR


العين الإخبارية
١٣-٠٤-٢٠٢٥
- أعمال
- العين الإخبارية
ألمانيا الجديدة.. عودة القوة العسكرية ومخاوف الهيمنة في أوروبا
في ظل الحرب المستمرة في أوكرانيا، وتبدّل ميزان القوى الدولي، تعيش ألمانيا لحظة مفصلية تُعيد تشكيل موقعها الجيوسياسي في أوروبا والعالم. فبعد عقود من الركون إلى الحماية الأمريكية وتبنّي سياسة التقشف والدبلوماسية كبدائل عن القوة، تتجه برلين اليوم نحو استراتيجية دفاعية أكثر جرأة وطموحًا. لكن هذا التحول، رغم ضرورته، لا يخلو من تحديات ومخاطر تهدد التوازن القاري، وفق تحليل لـ«فورين أفيرز». منعطف لم يكتمل حين ضمّت روسيا شبه جزيرة القرم عام 2014، لم تتعدّ استجابة برلين حدود العقوبات الرمزية والوساطات الدبلوماسية الباردة. غير أن العملية العسكرية الروسية الشاملة بأوكرانيا في 2022 شكّلت نقطة تحوّل. وأعلن المستشار أولاف شولتز، آنذاك، ما وصفه بـ«التحول التاريخي» (Zeitenwende)، متعهّدًا برفع الإنفاق الدفاعي وكسر الاعتماد على الغاز الروسي. إلا أن هذا التحوّل بقي، لفترة طويلة، حبرًا على ورق. فقيود دستورية، أبرزها «قيد الدين» الذي يحدّ من العجز السنوي بنسبة 0.35%، إلى جانب ضغوط داخل الائتلاف الحاكم وتردد الحزب الاشتراكي، جعلت من الصعب على شولتز تنفيذ إصلاحات دفاعية جوهرية. نهاية التقشّف لكن الأحداث تسارعت بعد الانتخابات الأخيرة للبوندستاغ في فبراير/شباط، إذ باتت الحكومة الألمانية الجديدة بقيادة فريدريش ميرتس مستعدة لفكّ الارتباط التدريجي مع المظلة الأمنية الأمريكية. ومع صعود دونالد ترامب مجددًا إلى الرئاسة الأمريكية، ازداد الشعور داخل ألمانيا بأن الاعتماد على واشنطن لم يعد مضمونًا. وجاء القرار الكبير في مارس/آذار، حين صوّت البرلمان الألماني بأغلبية ساحقة لإلغاء قيد الدين، فاتحًا الباب أمام إنفاق هائل تجاوز التريليون دولار، خُصّص للدفاع والبنية التحتية. ومن أجل تحديث جيشها وتحفيز اقتصادها، أنهت برلين اعتمادها الطويل على التقشف، وألغت قيدًا دستوريًا فُرض منذ عام 2009 كان يحدّ من الإنفاق السنوي من الديون بنسبة 0.35% فقط من الناتج المحلي الإجمالي. هذا القرار، وإن بدا مفاجئًا، يعكس إدراكًا عميقًا لدى النخب الألمانية والشعب على السواء، بأن ألمانيا لا يمكنها بعد اليوم أن تراهن على مظلة واشنطن. وسيمكّن هذا التحول ألمانيا من دعم أوكرانيا دون الاضطرار إلى السير خلف واشنطن، كما أنها ستصبح أقل ارتباطًا برئيس أمريكي متقلّب يرفض التشاور مع أوروبا بشأن أوكرانيا. وستستفيد كييف من هذا الاستقلال الألماني الجديد، وقد يشجع مثال برلين دولًا أوروبية أخرى على زيادة دعمها لأوكرانيا. ويمكن لبرلين أن تتولى دورًا قياديًا في دعم سيادة أوكرانيا وسلامة أراضيها، وفي الضغط من أجل قبولها عضواً في الاتحاد الأوروبي. لكن السعي الألماني نحو الاستقلال سيحمل تكلفة، إذ سيتعيّن على ألمانيا تحمّل المسؤولية الأساسية في ردع روسيا داخل أوروبا – وهي مهمة ضخمة ومحفوفة بالمخاطر. وإذا سيطرت نزعات قومية أكثر تشددًا على المشهد الأوروبي، فقد يقع الجيش الألماني الجديد في أيدي حكومة «متطرفة»، قد تستخدمه حينها لترهيب جيرانها. صحيح أن ألمانيا المستقلة ستعزز حضور أوروبا عالميًا، لكن في الشؤون الأوروبية الداخلية، قد يجد القارة صعوبة في التكيّف مع برلين أكثر قوة. إرث ميركل وتحديات شولتز لقد رسّخت المستشارة السابقة أنجيلا ميركل، التي تولّت المنصب بين عامي 2005 و2021، مقاربة ألمانية تستند إلى التعددية والحوار، كان التعاون عبر الأطلسي حجر الأساس في سياستها الخارجية، وتخيّلت أوروبا مسالمة بوساطة الاتحاد الأوروبي، وعلاقة غير تصادمية مع روسيا، بعيدًا عن القوة العسكرية، وحافظت على قنوات التواصل مع موسكو، واضطلعت بدور الوسيط في الصراعات، لا الزعيم الأمني في أوروبا. عندما ضمّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شبه جزيرة القرم عام 2014، ومع أنها فرضت عقوبات على روسيا عام 2014، إلا أنها أصرّت على أنه "لا يوجد حل عسكري" للأزمة. وكان هدفها الحفاظ على النظام الأوروبي الذي نشأ بعد عام 1991، حيث تؤدي مؤسسات مثل الاتحاد الأوروبي والناتو دور الحكم في مصير أوروبا، وتملك روسيا نوعًا من الحضور على الطاولة. وعلى الرغم من العملية العسكرية الروسية، فعلت ميركل كل ما في وسعها لتجنّب تحوّل جذري في السياسات الألمانية، آملة في تجنّب حرب أوروبية من خلال إدارة العلاقة مع موسكو، والحفاظ على التزام الولايات المتحدة بأمن القارة. وتبع شولتز هذه المدرسة، فـ«التحوّل التاريخي» الذي أعلنه جاء حذرًا، وواصل فيه كثيرًا من سياسات ميركل، في عام 2022، أنشأ صندوقًا خاصًا بأكثر من 100 مليار دولار لتحسين قدرات الجيش الألماني، لكن "قيد الدين" الدستوري حال دون مزيد من الاستثمارات الطموحة في الدفاع والبنية التحتية. ورغم استقبال ألمانيا لأكثر من مليون لاجئ أوكراني، وتقديم مليارات الدولارات كمساعدات لكييف، فإنها كانت بطيئة في معالجة نقاط ضعف جيشها. ولا يتحمّل شولتز كامل المسؤولية عن هذا التلكؤ. فقد أعاقه ليس فقط الدستور، بل أيضًا الواقع السياسي. فالحزب الديمقراطي الاشتراكي، حزب شولتز ، يملك تاريخًا طويلاً في السعي للتقارب مع روسيا منذ سياسة "أوست بوليتيك" في السبعينيات. وحتى بعد العميلة العسكرية الروسية، ظلّت بعض الأحزاب الألمانية تفضّل الإبقاء على علاقات مع موسكو. ويُعدّ حزب "البديل من أجل ألمانيا" من أقصى اليمين من المنتقدين الدائمين لحلف الناتو والمناصرين لبوتين، وقد وصف قادته شولتز بأنه "تاجر حرب". وخلال فترة حكمه، ضاعف الحزب حصته من الأصوات لتصل إلى 20% في الانتخابات الأخيرة. كما اضطر شولتز للتعامل مع ائتلاف ثلاثي صعب، لم يكن مستعدًا لإلغاء قيد الدين، ولا لإعادة تشغيل المفاعلات النووية التي أغلقتها ميركل، رغم الحاجة لتقليل الاعتماد على الطاقة الروسية. والآن، لم تعد كثير من هذه القيود قائمة. ميرتس يُدشّن مرحلة توسّع جريئة فريدريش ميرتس، الذي يُعدّ «أطلسيًا» بطبيعته وينتمي لحزب يؤمن بالارتباط الوثيق بأمريكا، فاجأ الجميع بتبنّيه مسارًا أكثر استقلالًا. يرى ميرتس أن عالم ما بعد 2022 يتطلب إعادة تعريف الارتباط الغربي: ليس كخضوع لقيادة واشنطن، بل كشراكة أوروبية أكثر تماسكًا واستقلالًا. لكن منذ تولّي دونالد ترامب الرئاسة في يناير/كانون الثاني، تغيّر المزاج الشعبي في ألمانيا بشكل حاد، حتى أن الزعيم القادم يكاد يكون مضطرًا لتغيير السياسات الخارجية والاقتصادية، وهو أمر بدأ بالفعل. وفي مارس/آذار، صوّت البوندستاغ بأغلبية الثلثين لإلغاء "قيد الدين"، ما مهد الطريق لإنفاق أكثر من تريليون دولار على الدفاع والبنية التحتية. وتعهد ميرتس بضخ الأموال في المعدات العسكرية الألمانية، والاستخبارات، وأمن المعلومات. هذا الدعم الشعبي الواسع لألمانيا أقوى وأكثر استقلالية، يُضفي شعورًا بالتحول الحتمي. فلم يكن سعي ميرتس لإلغاء قيد الدين بدافع شخصي، بل كان صدى لرأي عام ألماني واسع يرى أن الولايات المتحدة لم تعد راغبة في ضمان أمن أوروبا، وقد تُوقف دعمها لأوكرانيا، بل وتسحب قواتها من القارة يملك ميرتس الغطاء السياسي اللازم لتحمّل المزيد من الديون، وتعزيز قدرات البلاد الدفاعية، وتحفيز الاقتصاد – إذا تمكن من تجاوز العراقيل البيروقراطية وطمأنة الرأي العام بشأن ملف الهجرة. هذا التحوّل في السياسة الألمانية لم ينبثق من أهداف محددة كدعم أوكرانيا، بل من إدراك أن المعادلات القديمة لم تعد صالحة. فإذا لم تعد أمريكا شريكًا موثوقًا، فإن مفهوم "الارتباط الغربي" سيفقد معناه، أو يُعاد تعريفه كتعاون مع أوروبا. وهكذا، تغيّر ألمانيا موقفها، وتتحرر من القيود التي فرضها عليها الحلفاء – من السوفيات إلى الأمريكيين، إلى الأوروبيين، بل وحتى الشعب الألماني نفسه، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وتشمل خطته الطموحة ضخ استثمارات ضخمة في الصناعة العسكرية، والتكنولوجيا الدفاعية، والأمن السيبراني، مع تعهّد بإعادة بناء القدرات الاستخباراتية والردعية. هذا التوجّه يلقى دعمًا شعبيًا واسعًا، مع تنامي الشكوك حول التزام أمريكا بحلف الناتو، خاصة تحت قيادة ترامب. أوروبا.. ترحيب أم توجس؟ سترحب فرنسا، والمملكة المتحدة، وبولندا، وغيرها من الدول الأوروبية، بهذا التحديث العسكري الألماني، كونه يعزز الدفاع الجماعي، ويملأ فراغًا أمريكيًا متوقّعًا. لكن هذا الترحيب مشروط بعدم تحوّل القوة الألمانية إلى أداة هيمنة. فالتاريخ القاري يُثقل كاهل ألمانيا دومًا. فبينما تُبنى استراتيجياتها على نوايا حسنة، يتوجّس كثيرون من احتمال أن تقع هذه القوة المتزايدة في أيدي قادة قوميين متشددين مستقبلاً. ألمانيا التي عُرفت عقودًا بأنها «العملاق اللطيف»، قد يُنظر إليها في لحظة ما على أنها قوة مهيمنة. ويمكن لميرتس أن يتعاون مع هذه الحكومات لتطوير القدرات العسكرية الألمانية بما يسدّ ثغرات القارة. كما ستُظهر ألمانيا المُسلحة لترامب أنها تتحمل نصيبها من الدفاع الجماعي – وهو ما طالما طالب به. وإن انسحبت الولايات المتحدة من أوروبا، ستكون ألمانيا، بجيش أقوى، في موقع أفضل لسد الفراغ. لكن رغم أن إعادة تسليح ألمانيا ضروري الآن، إلا أن له تداعيات مقلقة على المدى البعيد. فقد تمتع الأوروبيون بفترة طويلة من السلام بعد 1945 لأنهم رفضوا مبدأ أن الحرب وسيلة لحل النزاعات. وأقاموا مؤسسات غير عسكرية، مثل الاتحاد الأوروبي، لحل خلافاتهم. كما تراجعت النزعة القومية بعد الحرب، وتحوّلت الحماسة الوطنية إلى ملاعب كرة القدم بدلًا من ساحات القتال. ومن أسباب هذا السلام أيضًا تجريد ألمانيا من قدراتها العسكرية. فخلال الحرب الباردة، امتلكت ألمانيا الغربية جيشًا كبيرًا، لكنها كانت خاضعة للاحتلال الأجنبي، ولم تكن ذات سيادة كاملة. وبعد الحرب، قلّصت ألمانيا جيشها، ورضيت بإنفاق محدود على الدفاع، ولم تكن تشكل تهديدًا. لكن ألمانيا اليوم تعيد التسلّح كي تقرّر مصيرها بنفسها. وقد وصف وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنغر ألمانيا بأنها "أكبر من أن تُدار من أوروبا، وأصغر من أن تُدير العالم". فبما أن لديها أكبر عدد سكان وأقوى اقتصاد في القارة، فإن امتلاكها لجيش قوي قد يجعلها قوة مهيمنة – أو يُنظر إليها كذلك. القومية الأوروبية… هل تعود من جديد؟ وفي ظل صعود القومية في عدد من الدول الأوروبية، من بولندا إلى إيطاليا، ومع تنامي الخطابات الشعبوية، فإن تعزيز القوة الألمانية قد يُغذي هذه النزعات بدلًا من كبحها. بل وقد ترتد آثارها إلى الداخل الألماني نفسه، حيث يكسب حزب "البديل" أقصى اليمين أرضًا جديدة في كل انتخابات. ولقد قامت السلمية الأوروبية على مبدأ نبذ الحرب كأداة للنفوذ، وبناء مؤسسات عابرة للحدود. فهل تنقلب هذه القاعدة؟ وهل نرى أوروبا تعود إلى تنافسات القوة بدلًا من التعاون المتعدد الأطراف؟ يمكن لألمانيا أن تبقى قوة للخير، لكن فقط إن لم تقع حكومتها في أيدي قوميين من أقصى اليمين. فقد عرفت أوروبا طيلة أجيال ألمانيا لا ترغب في استخدام القوة العسكرية. وبعد أهوال ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي، لم يكن لدى الألمان رغبة في إشعال التوترات. لكن القومية معدية، والقادة «الكاريزميون» قادرون على توجيهها إلى مسارات غير متوقعة. وهي اليوم صاعدة في أماكن متعددة، مثل الصين، والهند، وروسيا، والولايات المتحدة. الدول الأوروبية تنتقد ألمانيا بالفعل لاستخدامها ثقلها المالي في بروكسل. وقد تؤدي قوة ألمانية عسكرية واقتصادية أوسع إلى تغذية القومية في الدول المجاورة، مما قد يُشعل القومية في ألمانيا نفسها. والجيش الذي أُعيد بناؤه على يد حكومات وسطية مؤيدة لأوروبا، قد يقع لاحقًا في أيدي قادة مستعدين لإعادة طرح قضية الحدود الألمانية، أو تفضيل التهديد العسكري على التعاون الأوروبي. موسكو تراقب… وتتحرك وتدرك روسيا خطورة ما يجري. فهي لم تكن مرتاحة أصلاً إلى أي دور قيادي ألماني في أوروبا، فكيف الآن مع تحديث شامل للجيش الألماني؟. تشير تقارير إلى أن موسكو تسعى لإفشال هذا التحول عبر التخريب السيبراني ومحاولات الاغتيال – كما حصل العام الماضي مع محاولة اغتيال رئيس شركة Rheinmetall الألمانية. كل توسّع ألماني يُقابَل بردّ فعل روسي – مباشر أو غير مباشر. فالاستقلال العسكري الألماني سيزيد من وتيرة الحرب الباردة الجديدة في أوروبا. أمريكا.. شريك متردّد أم غائب؟ بوسع الولايات المتحدة أن تساعد أوروبا في التأقلم مع هذا التحول الألماني، لكنها تبدو اليوم في موقع المُراقب المتردد. إدارة ترامب تسعى لتقليص الوجود العسكري، وتضغط على حلفائها لتحمل أعباء الدفاع. ألمانيا، بهذا المعنى، لا تملأ فقط فراغًا أمنيًا، بل تُقدّم نموذجًا لقارة بأكملها. لكن السؤال الأكبر يبقى: هل تتجه ألمانيا نحو دور قيادي متوازن ضمن المنظومة الأوروبية؟ أم ستصبح قوة يصعب على القارة احتواؤها؟ التحوّل حقيقي هذه المرة، والتاريخ يُكتب من جديد في برلين. aXA6IDgyLjIyLjI0Mi4xNjIg جزيرة ام اند امز GB


بوابة الأهرام
٠٢-٠٤-٢٠٢٥
- صحة
- بوابة الأهرام
«الصحة العالمية».. بين تراجع الدعم الأمريكى والاستغلال الصينى
لا شك أن قرارات الرئيس الأمريكى دونالد ترامب المتعلقة بانسحاب بلاده من منظمة الصحة العالمية ووقف التمويل للبرامج الصحية الدولية، قد أحدثت حالة من القلق والارتباك داخل الأوساط السياسية والصحية. وأثارت انتقاد البعض من أن تؤدى إلى تراجع دور واشنطن القيادى فى بعض المناطق الإستراتيجية، وهذا بدوره قد يفسح المجال أمام بكين لاستغلال الفرصة. وعلى الرغم من أن الصين تقدم بالفعل تمويلا بديلا فى جنوب شرق آسيا، وقد تفعل الشيء نفسه فى أمريكا اللاتينية. لكن البعض يرى أنه من غير المرجح أن تقوم بالشيء نفسه فى معظم الأماكن التى تستهدفها المساعدات الأمريكية، وهذا ما أشار إليه تقرير نشرته مجلة «فورين أفيرز» الأمريكية، والذى أكد حرص قادة الصين على استغلال المساعدات لتعزيز النفوذ مع الشركاء الإستراتيجيين، وأنه ليس لدى الحكومة الصينية رغبة فى القيام بدور الولايات المتحدة فى الوقاية من أخطر الأمراض فى العالم واكتشافها والاستجابة لها. وألمح التقرير إلى أنه فى ظل غياب الدعم للمؤسسات الدولية أو البرامج الصحية فى أفقر بلدان العالم، فإن النتيجة سوف تكون فراغا فى الصحة العالمية سيجعل الجميع أقل أمانا. التمويل الأمريكى على مدى 25 عاما، مكن التمويل الأمريكى من إحراز تقدم ملحوظ فى مجال الصحة العالمية. فمجموعة كبيرة من المؤسسات والبرامج الدولية، التى أنشأتها الولايات المتحدة وتمولها فى المقام الأول، تستهدف الأمراض التى لا تستطيع البلدان الفقيرة مكافحتها بمفردها من خلال الحلول الطبية التى لا يمكن أن يوفرها سوى التحالف الدولى. ويشكل دعم الولايات المتحدة للصحة العالمية جزءا صغيرا من ميزانيتها المحلية، ولكنه يشكل جزءا كبيرا من التمويل الصحى الدولى. ففى عام 2023، مثَل الإنفاق الصحى العالمى للولايات المتحدة نحو 0.3% من الإنفاق الفيدرالى أى (20.6 مليار دولار من الميزانية الأمريكية البالغة 6.1 تريليون دولار). كما أنه فى العام نفسه، كانت الولايات المتحدة مسئولة عما يقرب من ثلاثة أرباع المساعدات الإنمائية الدولية لفيروس نقص المناعة البشرية «الإيدز»، و40 %من مساعدات الملاريا، وأكثر من ثلث التمويل لمكافحة السل. وحتى مستهل هذا العام، كانت الولايات المتحدة أيضا أكبر ممول لمنظمة الصحة العالمية، وأكبر مزود للقاحات كوفيد19. ويستفيد ملايين الأشخاص فى أفقر دول العالم من المساعدات الأمريكية، حيث توفر المنظمات والبرامج التى تمولها الولايات المتحدة - بما فى ذلك منظمة الصحة العالمية، وتحالف التطعيم المعروف باسم التحالف العالمى للقاحات والتحصين، والصندوق العالمى لمكافحة الإيدز والسل والملاريا - اللقاحات والرعاية والعلاج وغيرها من التدخلات المنقذة للحياة فى جميع أنحاء العالم. ويعتمد ما يقرب من 21 مليون شخص مصاب بفيروس الإيدز على الخطة الأمريكية الطارئة للإغاثة. كما يساعد التحالف العالمى للقاحات والتحصين فى تحصين ما يقرب من 70 مليون طفل كل عام ضد أمراض الأطفال الفتاكة. وأكد التقرير أن نتائج هذه الاستثمارات كانت مذهلة. فمنذ بدء الخطة الطارئة للإغاثة من الإيدز فى عام 2003، انخفضت الوفيات العالمية الناجمة عنه بأكثر من 50 %، كما انخفض عدد الوفيات بسبب السل والملاريا بمقدار الثلث خلال الفترة نفسها. وأوضح التقرير أن هدف المساعدات الأمريكية لا يقتصر على خفض أعداد الوفيات الناجمة عن أمراض محددة تستهدفها البرامج الفردية فقط، بل أيضا لتهيئة العالم للاستعداد بشكل أفضل للتهديدات الصحية المستقبلية. فقد عملت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ومراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها مع وزارات الصحة فى 90 بلدا لتطوير أنظمة لتتبع تفشى الأمراض، من الإيدز إلى إنفلونزا الطيور. الصين .. وخطوة المصلحة تطرق التقرير لنقطة مهمة جدا وهى أنه مع تخلى الولايات المتحدة عن دعمها لمجال الصحة العالمية، بدأت الصين بالفعل فى استغلال تلك الخطوة. ففى نيبال، أفادت التقارير بأن المسئولين الصينيين طمأنوا السياسيين المحليين بأن بكين «مستعدة للمساعدة إذا واجهت نيبال تحديات فى المساعدات الإنسانية والصحة والتعليم». وفى كمبوديا، أعلنت الصين عن برامج تمويل جديدة لصحة الأطفال والتغذية والصرف الصحى، وتدخلت بمنحة قدرها 4.4 مليون دولار لتمويل إزالة الألغام الأرضية، وكل ذلك فى الأسابيع الستة الأولى بعد أن أمر الرئيس الأمريكى ترامب بتجميد تمويل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية. وفى بنجلاديش، قال مدير جمعية محلية للصحفيين: «نحن بحاجة إلى تنويع تمويلنا.. والصين هى أيضا صديق جيد لبنجلاديش». ومع ذلك، فإن سجل الصين الأخير فى المساعدات الإنمائية لا يتطابق مع خطابها. فلم تمنح البلاد الأولوية للبرامج متعددة الأطراف أو تهديدات الأمراض العابرة للحدود أو المساعدات لأفقر البلدان. كما أنها متشككة فى هيئات الصحة العالمية الدولية ولها علاقة معقدة ومتوترة فى بعض الأحيان مع منظمة الصحة العالمية. فعلى الرغم من أن الصين كانت عضوا مؤسسا فى منظمة الصحة العالمية، إلا أنها لم تبدأ فى أخذ علاقتها مع المنظمة على محمل الجد إلا عقب وباء سارس 2002-2003. وكانت وزارة الصحة الصينية على علم بسلالة جديدة خطيرة من الالتهاب الرئوى فى مقاطعة قوانجدونج منذ أشهر قبل أن تشارك هذه المعلومات مع الشعب الصينى أو الحكومات الأخرى. ومع توسع وباء السارس، الذى انتشر فى النهاية إلى 29 دولة وقتل ما يقرب من 800 شخص، وبخ جرو برونتلاند، المدير العام لمنظمة الصحة العالمية آنذاك، الصين علنا لافتقارها إلى الشفافية. وعلى أمل إصلاح الضرر الذى لحق بسمعتها، كثفت الصين مشاركتها مع منظمة الصحة العالمية. وفى عام 2006، تم انتخاب وزيرة الصحة السابقة فى هونج كونج الدكتورة مارجريت تشان مديرة عامة لمنظمة الصحة العالمية، لتصبح بذلك أول مواطن صينى يقود منظمة كبرى للأمم المتحدة. توترات ما بعد الوباء وبالرجوع إلى يناير 2020، حينما تداولت الأنباء عن تفشى فيروس كورونا فى مدينة ووهان الصينية، لم توجه منظمة الصحة العالمية أى انتقاد لبكين حول استجابتها للوباء. ويزعم تقرير «فورين أفيرز» أن منظمة الصحة العالمية، تحت ضغط صينى، أجلت إعلان تفشى المرض حالة طوارئ صحية عامة لمدة أسبوع، حتى أواخر يناير. وكانت الصين بطيئة فى مشاركة مدى انتقال العدوى من إنسان إلى آخر فى المرحلة المبكرة الحاسمة من تفشى المرض. لذا حرصا منه على عدم إلقاء اللوم على استجابة إدارته لـ «كوفيد 19»، أعلن ترامب فى 2020 أن الولايات المتحدة ستنسحب من المنظمة، وكان السبب فى ذلك متمحورا حول الصين. واستغلت بكين بسرعة الفرصة الدبلوماسية، وتعهدت بتقديم 30 مليون دولار إضافية للمساعدة فى تعويض النقص فى التمويل الأمريكي. ورغم زيادة التمويل الصيني، إلا أن المنظمة ردت على غضب الولايات المتحدة بأن نأت بنفسها عن بكين، واستمرت التوترات بعد الوباء. ثم جاء وعد ترامب مرة أخرى بانسحاب الولايات المتحدة من المنظمة فى يناير الماضي، ولكن هذه المرة بدت الصين مترددة فى حل محل الولايات المتحدة بالكامل. فحتى الآن، أسهمت بكين بقدر ضئيل نسبيا فى معظم المنظمات الصحية العالمية، لتفضيلها السبل الثنائية على النهج المتعدد الأطراف. فقبل جائحة كوفيد19، أنفقت بكين ما يقدر بنحو 600 مليون دولار إلى 800 مليون دولار سنويا على المساعدات الخارجية المتعلقة بالصحة، مع تدفق 10 % فقط من هذا الإجمالى عبر الجهات متعددة الأطراف. فتمويل الصين غير المتعلق بجائحة كورونا بلغ 25 مليون دولار فقط على مدى 10 سنوات، مقارنة بمساهمة أمريكية تزيد على مليارى دولار فى السنوات الخمس الماضية وحدها. أصداء القرار الأدهى مما سبق، هو أن قرارات ترامب باتت تلقى صداها فى العديد من الدول. فعلى خطاه، انسحبت الأرجنتين من منظمة الصحة العالمية، كما أعلنت المملكة المتحدة، أكبر مانح للتحالف العالمى من أجل اللقاحات والتحصين، مؤخرا أنها ستخفض المساعدات الإنمائية من 0.5 % من الناتج المحلى الإجمالى إلى 0.3 % بحلول عام 2027 من أجل زيادة الإنفاق الدفاعى نتيجة لتذبذب الموقف الأمريكى تجاه أوكرانيا. واقترحت حكومة الأقلية الفرنسية التى تعانى ضائقة مالية خفض ميزانية المساعدات بنسبة تصل إلى 40 %. وقد تجد الحكومة الألمانية المنتخبة حديثا صعوبة فى الحفاظ على التزام ألمانيا تجاه منظمة الصحة العالمية وسط ضغوط اقتصادية متزايدة وزيادة الإنفاق الدفاعى.


العين الإخبارية
١٩-٠٣-٢٠٢٥
- سياسة
- العين الإخبارية
مستقبل التحالف عبر الأطلسي.. تحديات الحاضر ورهانات المستقبل
لطالما كان التحالف عبر الأطلسي حجر الأساس للأمن والاستقرار في أوروبا والعالم الغربي على مدار العقود الماضية، إلا أنه لم يكن بمنأى عن الأزمات والتحديات التي هددت استمراريته. هذا التحالف يواجه اليوم اختبارًا جديدًا قد يكون أكثر خطورة من التحديات السابقة، إذ لم تعد المشكلة تكمن في تهديدات خارجية مباشرة، بل باتت نابعة من الداخل، بحسب تحليل لـ«فورين أفيرز». وتتزايد الشكوك الأوروبية حول مدى التزام الولايات المتحدة بالدفاع عن القارة، لا سيما في ظل سياسات إدارة الرئيس دونالد ترامب، التي أظهرت توجهًا أكثر انعزالية، معتبرة أن التحالفات التقليدية يجب أن تخدم المصالح الأمريكية بشكل مباشر، وإلا فلن تكون ذات جدوى. هذا التحول الاستراتيجي يضع أوروبا أمام خيارات مصيرية تتطلب إعادة تقييم دورها وموقعها ضمن الحلف، سواء عبر تعزيز قدراتها الدفاعية المستقلة أو السعي إلى إعادة التوازن في العلاقة مع واشنطن. الاستقلال الاستراتيجي وفي ظل تصاعد الشكوك حول التزام أمريكا بأمن أوروبا، برزت دعوات متزايدة داخل الاتحاد الأوروبي لتحقيق «الاستقلال الاستراتيجي»، وهو مفهوم يهدف إلى تمكين أوروبا من الدفاع عن نفسها دون الاعتماد الكلي على واشنطن. وقد تجسّد هذا التوجه في مبادرات مختلفة، مثل "البوصلة الاستراتيجية" للاتحاد الأوروبي، التي تسعى إلى تعزيز القدرات العسكرية الأوروبية، إضافة إلى مبادرات مثل التعاون المنظم الدائم، والصندوق الأوروبي للدفاع، اللذين يهدفان إلى تطوير صناعات دفاعية أوروبية أكثر تكاملًا. إلا أن هذه الجهود تواجه عقبات جوهرية، أبرزها التفاوت الكبير في الإنفاق الدفاعي بين الدول الأوروبية، وغياب رؤية موحدة لمستقبل السياسة الدفاعية للقارة. فبينما تؤيد فرنسا، على سبيل المثال، تعزيز استقلالية أوروبا في مجال الدفاع، تظل دول مثل بولندا ودول البلطيق مترددة في التخلي عن الضمانات الأمنية الأمريكية. كما أن بناء منظومة دفاعية أوروبية مستقلة يتطلب استثمارات ضخمة، إذ تُقدَّر التكلفة السنوية لتطوير قدرات عسكرية أوروبية متكاملة بأكثر من 100 مليار دولار، مما يجعل تحقيق هذا الهدف صعبًا على المدى القصير دون إعادة هيكلة جذرية للميزانيات العسكرية الأوروبية. الردع التقليدي والتهديدات الجديدة وفي الوقت الذي تنشغل فيه أوروبا بإعادة تقييم علاقتها مع واشنطن، فإنها لا تزال تواجه تهديدات أمنية متزايدة، أبرزها الخطر الروسي، الذي برز بشكل واضح مع اندلاع الحرب في أوكرانيا. فمنذ ضم روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2014، بات واضحًا أن موسكو مستعدة لاستخدام القوة العسكرية لتحقيق أهدافها الجيوسياسية، وهو ما دفع دول الناتو إلى تعزيز وجودها العسكري في أوروبا الشرقية. ورغم أن الولايات المتحدة لا تزال توفر الردع النووي لحلف الناتو، إلا أن الدفاع التقليدي عن الجناح الشرقي للحلف يجب أن يكون مسؤولية أوروبية بالدرجة الأولى. في هذا السياق، تسعى دول مثل ألمانيا وفرنسا إلى زيادة إنفاقها الدفاعي وتعزيز قدراتها العسكرية، إلا أن الفجوة لا تزال كبيرة مقارنة بالاحتياجات الفعلية. فبحسب التقديرات، فإن أي محاولة فعالة لردع روسيا تتطلب نشر ما لا يقل عن سبعة ألوية قتالية في دول البلطيق، بينما لا يمتلك الحلف حاليًا سوى 3 ألوية جاهزة للانتشار السريع. الجبهة الجنوبية إلى جانب التهديد الروسي، تواجه أوروبا تحديًا آخر يتمثل في الأوضاع غير المستقرة في جبهتها الجنوبية، خاصة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. فقد أدت النزاعات في سوريا وليبيا والسودان، إلى جانب التغيرات المناخية، إلى تفاقم أزمة الهجرة غير النظامية، ما يشكل تهديدًا مباشرًا للاستقرار الداخلي في دول الاتحاد الأوروبي. في هذا الإطار، أصبح من الضروري أن يطور الناتو استراتيجيات جديدة لمواجهة هذه التحديات، لا تقتصر فقط على التدخل العسكري التقليدي، بل تشمل أيضًا تعزيز التعاون مع الدول المعنية، ودعم عمليات حفظ السلام، والمساهمة في مشاريع تنموية تهدف إلى الحد من الأسباب الجذرية للهجرة القسرية. القطب الشمالي ساحة صراع جديدة ويشهد القطب الشمالي في السنوات الأخيرة تحولًا إلى ساحة تنافس استراتيجي، حيث تسعى روسيا إلى تعزيز وجودها العسكري هناك عبر إنشاء قواعد عسكرية جديدة وتوسيع أسطولها من كاسحات الجليد. في المقابل، بدأت الولايات المتحدة وحلفاؤها في الناتو، وخاصة كندا والنرويج، باتخاذ إجراءات لتعزيز وجودهم في المنطقة، إلا أن أوروبا لا تزال متأخرة في هذا المجال. إن غياب استراتيجية أوروبية واضحة تجاه القطب الشمالي قد يجعل القارة عرضة لخسارة نفوذها في منطقة ستصبح ذات أهمية متزايدة بسبب التغيرات المناخية وفتح مسارات شحن جديدة. مواجهة الصين على الرغم من أن التركيز الاستراتيجي الرئيسي للناتو لا يزال منصبًا على التهديد الروسي، فإن تزايد النفوذ الصيني يشكل تحديًا طويل الأمد لا يمكن تجاهله. وبينما لا يُتوقع أن يكون لأوروبا دور عسكري مباشر في أي مواجهة محتملة بين واشنطن وبكين، إلا أنه يمكنها المساهمة بطرق أخرى، مثل فرض قيود على إمدادات الطاقة الصينية القادمة من الشرق الأوسط، وتعزيز حضورها البحري في المحيطين الهندي والهادئ لدعم أمن خطوط التجارة الدولية. القاعدة الصناعية الدفاعية وكشفت الحرب في أوكرانيا عن نقاط ضعف خطيرة في القاعدة الصناعية الدفاعية الأوروبية، حيث تعاني معظم دول الاتحاد الأوروبي من نقص في القدرات التصنيعية العسكرية، مما جعلها تعتمد بشكل مفرط على المساعدات الأمريكية. لذا، تحتاج أوروبا إلى تبني سياسات جديدة لدعم صناعاتها الدفاعية، تشمل تقديم حوافز مالية للمصنعين، وتوقيع عقود شراء طويلة المدى، وزيادة المخزونات العسكرية من الذخائر. ما مستقبل التحالف؟ ورغم تصاعد الدعوات داخل أمريكا لاعتماد نهج أكثر انعزالية، إلا أن استمرار وجودها العسكري في أوروبا يظل ضرورة استراتيجية، ليس فقط لحماية المصالح الأمريكية، بل أيضًا للحفاظ على توازن القوى العالمي. ومع ذلك، فإن على أوروبا أن تتحمل مسؤولية أكبر في الدفاع عن نفسها، عبر رفع إنفاقها الدفاعي إلى 2.5٪ من الناتج المحلي الإجمالي، مع التركيز على تطوير قدراتها الذاتية بدلًا من الاعتماد على واشنطن. في نهاية المطاف، فإن مستقبل التحالف عبر الأطلسي يعتمد على قدرة أوروبا على تحقيق توازن دقيق بين تعزيز استقلاليتها الدفاعية من جهة، والحفاظ على علاقات متينة مع واشنطن من جهة أخرى. فإذا نجحت القارة في تحقيق هذا الهدف، فقد لا تضمن استمرار الالتزام الأمريكي فحسب، بل قد تتمكن أيضًا من إعادة تشكيل العلاقة مع واشنطن بحيث تعكس مصالحها الاستراتيجية بشكل أكثر توازنًا واستقلالية. aXA6IDE4MS4yMTQuMTUuMTgg جزيرة ام اند امز DK


العين الإخبارية
١٣-٠٣-٢٠٢٥
- سياسة
- العين الإخبارية
دروس تاريخية من قرنين.. هكذا يمكن لاتفاق سلام في أوكرانيا أن يدوم
على مدى القرنين الماضيين، شهد العالم العديد من الصراعات الكبرى التي انتهت باتفاقات سلام، بعضها صمد لعقود، فيما انهار البعض الآخر سريعًا، ممهّدًا الطريق لنزاعات جديدة. فمن مؤتمر فيينا بعد هزيمة نابليون إلى معاهدات ما بعد الحربين العالميتين، شكلت هذه التسويات النظام الدولي وأرست توازنات القوى. واليوم، ومع ملامح التوصل لاتفاق سلام في أوكرانيا، يطرح السؤال نفسه: كيف يمكن التوصل إلى اتفاق سلام مستدام يمنع تجدد النزاع؟.. وهنا يقدم التاريخ دروسًا ثمينة يمكن أن تساعد في صياغة تسوية قادرة على الصمود أمام التحديات السياسية والأمنية، وفق تحليل لـ«فورين أفيرز». ملامح من اليوم واليوم، قد لا تؤدي مفاوضات إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية إلى إنشاء كيان أمني عالمي جديد، لكنها قد تشكل مستقبل التعاون الدولي. فالعالم يعيش حالة من الاضطراب، إذ قام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتقويض المؤسسات الدولية التي قادت النظام العالمي لعقود، وتسببت سياساته الجمركية في اضطرابات اقتصادية واسعة. كما أدى صدامه العلني مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى إضعاف ثقة الحلفاء التقليديين في أمريكا كشريك موثوق. في الوقت ذاته، تسعى أوروبا إلى تحقيق استقلالية أمنية أكبر، بينما تتجه العديد من الدول نحو نظام عالمي أكثر توازناً، لا تهيمن عليه القوى الغربية. ووسط هذه التغيرات، يبدو التوصل إلى اتفاق شامل في أوكرانيا مستحيلاً في ظل التباين الحاد بين مواقف كييف وموسكو، والانقسام العميق في المشهد الدولي. حتى في حال التوصل إلى اتفاق، فإن استدامته تظل موضع شك. فالتاريخ مليء بمحاولات سلام فاشلة، كما حدث في 1938 و1939، عندما لم تمنع التسويات آنذاك اندلاع الحرب العالمية الثانية. ومع ذلك، قد تكون هناك إمكانية لاتفاق عملي يضم القوى العظمى والأطراف المعنية مباشرة، مستفيدًا من التجارب التاريخية السابقة. ما الذي يمكن أن يقدمه التاريخ؟ بعد هزيمة نابليون بونابرت، اجتمع القادة الأوروبيون في مؤتمر فيينا (1814-1815) لإعادة ترتيب الحدود وتحقيق توازن مستقر للقوى في القارة. وبعد الحرب العالمية الأولى، أسفر مؤتمر باريس للسلام (1919) عن تأسيس عصبة الأمم، التي كُلّفت بالحفاظ على السلام العالمي. أما في أعقاب الحرب العالمية الثانية، فقد اجتمع ممثلو 50 دولة عام 1945 لصياغة ميثاق الأمم المتحدة، المنظمة التي حلت محل عصبة الأمم بعدما أثبتت الأخيرة فشلها في منع اندلاع نزاعات كبرى. ورغم أن بعض الاتفاقات لم تحقق السلام الدائم، إلا أن هناك أمثلة على حلول جزئية نجحت في وقف القتال لفترات طويلة. على سبيل المثال، تمكنت اتفاقيات وقف إطلاق النار في كوريا في الخمسينيات من إنهاء الأعمال العدائية رغم غياب اتفاق سلام رسمي. كما أدى تقسيم قبرص في السبعينيات إلى تجميد الصراع، فيما وفرت تسوية فنلندا مع الاتحاد السوفياتي في الأربعينيات نموذجًا للمحافظة على الاستقلال مقابل تنازلات إقليمية محدودة. ضمانات النجاح ولضمان نجاح أي اتفاق في أوكرانيا، لا بد من تحقيق توازن بين ثلاثة عوامل رئيسية: أولاً، ينبغي تجنب فرض شروط مذلة على أي طرف، كما حدث مع ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى، مما ساهم لاحقًا في نشوب الحرب العالمية الثانية. ثانيًا، يجب توفير ضمانات أمنية حقيقية لأوكرانيا مدعومة بقوة عسكرية، وليس مجرد وعود فارغة كما حصل مع دول أوروبا الشرقية بين الحربين العالميتين. وأخيرًا، ينبغي صياغة تسوية جيوسياسية تستطيع الصمود أمام الضغوط الداخلية والخارجية، بحيث لا تؤدي إلى جولة جديدة من الصراع. قد لا يكون أي اتفاق مثاليًا، لكنه قد يحافظ على الاستقرار حتى تصبح الظروف مواتية لحل دائم، كما يمكن أن يكون نموذجًا جديدًا للتعاون الدولي في ظل عالم مضطرب. لماذا يصعب التوصل لـ«صفقة كبرى»؟ يرى البعض أن إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية يجب أن يكون جزءًا من تسوية أوسع تشمل قضايا دولية أخرى، خاصة مع تداخل النزاع مع أزمات عالمية كبرى. فإيران وكوريا الشمالية تزودان روسيا بالأسلحة، وفق الاتهامات الغربية، والحرب تؤثر على استقرار أوروبا، والشرق الأوسط، وأفريقيا. في الماضي، نجحت تسويات شاملة مثل معاهدة فرساي (1919)، التي هدفت إلى كبح النزعة العسكرية الألمانية، والاتفاقات التي أعقبت الحرب العالمية الثانية (1945)، والتي فرضت استسلامًا غير مشروط على ألمانيا واليابان، في إعادة تشكيل النظام العالمي. لكن الوضع في أوكرانيا مختلف تمامًا، إذ لا يوجد طرف مهزوم بوضوح يمكن فرض الشروط عليه كما حدث مع ألمانيا واليابان. فوجهة نظر أوكرانيا حول الحرب واضحة: روسيا ضمت القرم في 2014، ثم دعمت الانفصاليين في دونباس، وأخيرًا شنت غزوًا شاملًا في 2022. وبالنسبة لكييف، فإن الحل يكمن في تغيير القيادة الروسية، وهو سيناريو غير واقعي. في المقابل، ترى موسكو أن أوكرانيا «دولة غير شرعية» يديرها «النازيون»، وتزعم أن ضمانات الناتو الأمنية لأوكرانيا كانت السبب الرئيسي للصراع. وفي ظل هذا التباين في الرؤى، يبدو التوصل إلى تسوية شاملة أمرًا صعبًا للغاية. ما البديل؟ ووفق «فورين أفيرز»، فإن البدائل تشمل: تسوية جزئية إذا كانت التسوية الشاملة غير ممكنة، فقد يكون الحل الجزئي الخيار الأكثر واقعية. فهناك تجارب تاريخية تدعم هذا النهج، مثل الهدنة الكورية (1953)، التي أوقفت القتال بين الكوريتين رغم عدم توقيع اتفاق سلام رسمي. كما أن اتفاق القوى الأربع حول برلين (1971) ساعد في تقليل التوترات رغم استمرار الانقسام، بينما أدى تقسيم قبرص عام 1974 إلى استقرار نسبي دون استئناف القتال. في أوكرانيا، قد يكون الحل العملي هو اتفاق هدنة مشابه لما حدث في كوريا أو برلين، يهدف إلى وقف الحرب دون إعادة رسم النظام العالمي بالكامل. تنازلات إقليمية التاريخ يُظهر أن التنازل عن الأراضي كان دائمًا سلاحًا ذا حدين. ففي اتفاق ميونخ (1938)، تخلت تشيكوسلوفاكيا عن أراضٍ لصالح ألمانيا النازية، مما شجع هتلر على غزوها بالكامل لاحقًا. بالمقابل، قبلت فنلندا في معاهدة موسكو (1940) بالتنازل عن أراضٍ للاتحاد السوفياتي لكنها حافظت على استقلالها. الدرس المستفاد هنا هو أن التنازلات يجب أن تكون مدعومة بضمانات أمنية قوية، مع تجنب فرض شروط مهينة على أي طرف، لأنها قد تؤدي إلى تصعيد جديد. ما هي ضمانات استدامة الاتفاق؟ لضمان استدامة السلام، يجب التركيز على إعادة الإعمار الاقتصادي، كما فعلت خطة مارشال (1947)، التي ساعدت في إنعاش أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية. على العكس، فشلت معاهدة فرساي لأنها فرضت تعويضات ساحقة على ألمانيا، مما أدى لاحقًا إلى صعود النازية. كذلك، ينبغي أن تكون هناك قوة عسكرية لحفظ السلام، لأن الوعود الفارغة وحدها لا تكفي. ووفق المجلة فإن أي اتفاق سلام في أوكرانيا لن يكون مثاليًا، لكنه قد يكون الخطوة الأولى نحو استقرار طويل الأمد. وإذا كان الهدف هو منع تصعيد جديد، فإن الحل العملي هو وقف إطلاق نار مدعوم بقوة عسكرية حقيقية، مع ضمانات أمنية قوية لمنع العدوان المستقبلي، إضافة إلى خطة لإعادة الإعمار الاقتصادي. وأشارت المجلة إلى أنه قد لا يكون هذا السلام النهائي، لكنه قد يضع الأساس له. aXA6IDQ2LjIwMi43NC4zNyA= جزيرة ام اند امز US