أحدث الأخبار مع #«ماغا»


الشرق الأوسط
١٠-٠٤-٢٠٢٥
- أعمال
- الشرق الأوسط
بعد تجميد الرسوم... مليارات لأباطرة التكنولوجيا وارتياح للجمهوريين بشأن الانتخابات
مثلما أثار إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب الأسبوع الماضي فَرْض الرسوم الجمركية على قائمة من 180 دولة، وأطلق على يوم 2 أبريل (نيسان) «يوم التحرير»، الكثير من الجدل والمخاوف بشأن حرب تجارية واسعة النطاق، فإن قراره بالتراجع وتعليق فرض الرسوم لمدة 90 يوماً أثار أيضاً تساؤلات بشأن التكلفة الاقتصادية التي تكبَّدتها الولايات المتحدة، خلال أيام قليلة من سريان تلك الرسوم، التي قُدرت بما يقرب من 10 تريليونات دولار، بالإضافة إلى الآثار السياسية التي كادت تعصف بقاعدة ترمب العريضة من المانحين وكبار المليارديرات والناخبين، وقاعدة «ماغا» (MAGA) الواسعة من مناصريه، وكذلك تأثيرها على الحزب الجمهوري الذي كان أعضاؤه يتحسسون العقبات التي قد تعرقل نجاحهم بين الناخبين، خلال الانتخابات التشريعية النصفية، العام المقبل. واتفق الجميع على أن الولايات المتحدة كانت تواجه خسائر فادحة في الاستثمار والنمو والاستهلاك الحقيقي، بالإضافة إلى تدني مستويات المعيشة للأسر الأميركية. وكانت التقديرات تشير إلى أن الناتج المحلي الإجمالي سينخفض بنسبة 2.6 في المائة، والتوظيف بنسبة 2.7 في المائة، والاستثمار الحقيقي بنسبة 6.6 في المائة. كما ارتبطت تقلبات الأسواق بسوق السندات الذي شهد عمليات بيع مكثفة في سندات الخزانة الأميركية، مما أدى إلى ارتفاع هائل في عوائد سندات الخزانة. وتشكل سوق سندات الخزانة الأميركية التي تبلغ قيمتها 29 تريليون دولار الأساس للنظام المالي العالمي، وتعتمد عليها البنوك والمستثمرون والشركات للحصول على التمويل والوصول إلى أصول منخفضة المخاطر. قال الخبراء إن الأسواق تنفست الصعداء بعد قرار ترمب بتعليق الرسوم لمدة 90 يوماً، الذي اعتبر بمثابة اعتراف من الرئيس بأن سياسته الاقتصادية لم تكن مثمرة، وأنها كادت تؤدي إلى انخفاض دائم في القوة الاقتصادية العالمية للولايات المتحدة، مما أحدَثَ اضطراباً في الأسواق المالية مع التوقعات بفرض دول أخرى رسوماً انتقامية مماثلة، مما كان من شأنه أن يسبب أضراراً أكبر للاقتصاد الأميركي. جاء رد فعل السوق على قرار ترمب بتعليق الرسوم سريعاً ومبتهجاً؛ حيث قفزت الأسهم بأكثر من 7 في المائة في غضون دقائق من الإعلان، وأغلقت على ارتفاع يزيد على 9 في المائة. كما تراجعت عوائد السندات التي كانت ترتفع وسط مخاوف من تباطؤ اقتصادي، وارتفعت أسعار النفط التي كانت تشهد انخفاضاً طفيفاً. وأظهرت مؤشرات أخرى، مثل العملات المشفرة، علامات إيجابية، بينما ارتفعت أسهم شركات التكنولوجيا بشكل كبير، بعد ارتفاع مؤشر «ناسداك» الذي يهيمن عليه قطاع التكنولوجيا بنسبة 12.2 في المائة. متداول يعمل في قاعة بورصة نيويورك (أ.ب) وتراجع بنك «غولدمان ساكس» عن توقعاته للركود بعد قرار الرئيس، لكنه ظل متمسكاً بتوقعات نمو بنسبة 0.5 في المائة للاقتصاد الأميركي. وبرر وزير الخزانة سكوت بيسنت، وهو مدير سابق لصندوق تحوط، التراجع عن فرض الرسوم وتأجيلها بأنه يهدف لإفساح المجال للمفاوضات، مؤكداً أن الولايات المتحدة ستتفاوض بحسن نية. بينما تفاخر البيت الأبيض باستراتيجية الرئيس وبراعته في إبرام الصفقات؛ حيث وجهت كارولين ليفيت، المتحدثة باسم البيت الأبيض، اللوم لوسائل الإعلام في فهم توجهات الرئيس ترمب في عقد الصفقات، قائلة: «من الواضح أنكم فشلتم في رؤية ما يفعله الرئيس ترمب هنا». أثار القرار فرحة كبيرة لدى المليارديرات الأميركيين الذين لطالما ساندوا الرئيس ترمب؛ حيث شهد أغنى 10 مليارديرات في العالم زيادة صافية في أرباحهم بلغت 135 مليار دولار، وفقاً لوكالة «بلومبرغ». وقاد الملياردير إيلون ماسك هذه الارتفاعات بمكاسب بلغت 35.9 مليار دولار ليصبح صافي ثروته 326 مليار دولار، بينما سجل سهم شركة «تسلا»، التي يملكها ماسك، ثاني أفضل مكسب يومي خلال 15 عاماً؛ حيث ارتفعت حصة الشركة المصنعة للسيارات الكهربائية بأكثر من 22 في المائة. بعد ماسك، جاء في المركز الثاني مؤسس «فيسبوك»، مارك زوكربيرغ، بأرباح بلغت 25.8 مليار دولار في صافي ثروته، يليه مؤسس «أمازون»، جيف بيزوس، ثم مؤسس «أوراكل»، لاري إليسون، بزيادة قدرها 18.5 مليار دولار و15.5 مليار دولار على التوالي. وارتفعت ثروة جينسن هوانغ، الرئيس التنفيذي لشركة «إنيفيديا»، بمقدار 15.5 مليار دولار، مما ساعده على دخول قائمة أغنى 15 شخص في العالم لأول مرة. وقد شهدت شركات «ميتا» (مملوكة لمارك زوكربيرغ)، و«أبل» (مملوكة لتيم كوك)، و«غوغل» (مملوكة لسوندار بيتشاي)، و«تسلا» (مملوكة لإيلون ماسك)، و«أمازون» (مملوكة لجيف بيزوس) انخفاضاً كبيراً في قيمتها الإجمالية؛ حيث تراجعت قيمتها بنحو 1.8 تريليون دولار منذ بداية عام 2025. وأبدى أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريون قلقهم بشأن الرسوم الجمركية التي فرضها ترمب الأسبوع الماضي، وسعوا لإقناعه بأن الرسوم تسحق الاقتصاد وتقوّض شعار «اجعلوا أميركا عظيمة مرة أخرى»، وتُبعِد عنهم المانحين والناخبين، وتُهدِّد بخسارتهم في الانتخابات التشريعية النصفية، نوفمبر (تشرين الثاني) العام المقبل، إذا استمرت سياسات الحرب التجارية وفرض الرسوم الجمركية. وأعرب بعض كبار الجمهوريين علناً عن مخاوفهم. وصرّح السيناتور الجمهوري تيد كروز بأن الرسوم الجمركية قد تؤدي إلى «حمام دم» سياسي للجمهوريين، مؤكداً أن الحرب التجارية ستدمر الوظائف، وستلحق أضراراً جسيمة بالاقتصاد الأميركي، وستكون كارثة سياسية إذا تحول مجلس النواب والشيوخ إلى أغلبية ديمقراطية. وتحدث السيناتور الجمهوري راند بول أيضاً، داعياً الرئيس ترمب إلى إسقاط التعريفات الجمركية وطالب باستقالة وزير الخزانة سكوت بيسانت. وسعى المشرعون الجمهوريون إلى صياغة مشروع قانون للحد من قدرة الإدارة على فرض الرسوم الجمركية دون موافقة الكونغرس، لكنهم تراجعوا بعد أن هدد البيت الأبيض باستخدام حق النقض ضد أي مشروع قانون من هذا القبيل. وكانت القاعدة الجماهيرية المؤيدة لترمب من أتباع «ماغا» ليست سعيدة بتراجع مدخرات الأميركيين في صناديق التقاعد خطط «401 (ك)». وانخفض معدل تأييد ترمب إلى منطقة سلبية لأول مرة بين مؤيديه، مما أثار مخاوف داخل الحزب الجمهوري بشأن كيفية التعامل مع التحديات السياسية المقبلة. وتنفس أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريون الصعداء بعد قرار ترمب تجميد فرض الرسوم الجمركية وأعرب العديد منهم عن أنهم كانوا يستمعون إلى شكاوى من المزارعين وأصحاب الأعمال الصغيرة والناخبين الذين كانوا مذعورين من هبوط قيمة مدخراتهم في حسابات التقاعد. وتساءل البعض عمن استفاد من انخفاض أسعار الأسهم خلال الفترة الماضية، ودعا السيناتور الديمقراطي آدم شيف الكونغرس إلى التحقيق فيما إذا كان الرئيس ترمب متورطاً في التلاعب بالسوق حينما أوقف فجأة مجموعة واسعة من الرسوم الجمركية لمدة 90 يوماً، وهي الخطوة التي أدَّت إلى ارتفاع أسعار الأسهم بشكل صاروخي، وما إذا كانت عائلة ترمب قد استفادت من هذا القرار. وكان ترمب قد نشر على موقع «تروث سوشيال»، صباح الأربعاء، بعد دقائق من افتتاح السوق قائلاً: «إن هذا هو الوقت المناسب للشراء» إلى جانب الأحرف «DJT» التي ترمز للأحرف الأولى من اسمه ورمز شركته الإعلامية. وانضمت السيناتور إليزابيث وارن إلى الدعوة لإجراء تحقيق رسمي فيما إذا كان ترمب قد تلاعب بسوق الأوراق المالية لصالح مانحيه في «وول ستريت». وانضم إليهم السيناتور الديمقراطي تيم كين في تبني نظرية المؤامرة حول انحدار الرئيس ترمب، وقال لمجلة «تايم»: «عندما يسأل الناس عما إذا كان دونالد ترمب يبيع على المكشوف، أو يفعل هذا لمحاولة كسب المال لنفسه، فهذا يدل على أن الكثير من الناس متشككون بشأن ما يحدث». ودعت الممثلة الديمقراطية ألكسندريا أوكاسيو كورتيز أعضاء الكونغرس الذين اشتروا أسماءهم خلال اليومين الماضيين إلى الاعتراف. ودعا النائب الديمقراطي ستيفن هورسفورد من ولاية نيفادا إلى تعويض الأميركيين الذين فقدوا جزءاً كبيراً من مدخراتهم التقاعدية. دونالد ترمب يتحدث أثناء توقيعه على أوامر تنفيذية وإعلانات في المكتب البيضاوي بالبيت الأبيض (رويترز) تبنى بعض المحللين نظرة تشاؤمية؛ فرغم إلغاء الرئيس ترمب للرسوم الجمركية، فإن التكاليف والتداعيات ستبقى قائمة. لا تُمثل إجراءات ترمب تحولاً في الاستراتيجية، بل تراجعاً تكتيكياً بتركيز الرسوم الجمركية المرتفعة على الصين، وهي مصدر قلق استراتيجي، وتجنب ردود الفعل السلبية غير الضرورية من الحلفاء والشركاء التجاريين. لذا، فإن هذا النهج الضيق لا يعني نهاية المعاناة الاقتصادية، بل تأجيلها. وقد أشار البعض إلى أنه في حين أن تعليق ترمب للرسوم الجمركية لمدة 90 يوماً قد يكون بمثابة تراجع استراتيجي، فإنه يقوض أسس الديمقراطية من خلال احتجاز سوق السندات رهينة لأهواء الرئيس ورغباته. وأشار المحللون إلى أن حالة عدم اليقين بشأن اتجاه السياسة التجارية الأميركية من المرجح أن تستمر، لأن الغموض قد يكون له تأثير تآكلي على الثقة في الولايات المتحدة كبطلة للتعاون الاقتصادي العالمي. وقالت هيذر هيلبروت، المساعدة السابقة للممثلة التجارية الأميركية كاثرين كاي في عهد الرئيس بايدن، إنه على الرغم من التعليق المؤقت للرسوم الجمركية، فإن قرار ترمب بفرضها خلق صدمة طويلة الأمد لفكرة أن الولايات المتحدة تدعم نظاماً قائماً على القواعد للتجارة العالمية، ويخلق شعوراً مستمراً بالمخاطرة بين الشركاء التجاريين، ويقدم عنصراً من عدم الاستقرار. وقالت ريبيكا باترسون، الخبيرة في «جيه بي مورغان تشيس»، إن الأسواق تفاعلت بسرعة مع قرار ترمب تعليق الرسوم الجمركية، لكن التساؤلات ستظل قائمة بشأن حالة عدم اليقين بشأن النمو والتضخم. وقال رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في مينيابوليس، نيل كاشكاري، إن الصدمة التي أصابت الثقة قد يكون لها تأثير أكبر على الاقتصاد من الرسوم الجمركية، لأن الناس والشركات عندما يفقدون الثقة، فإنهم يميلون إلى التوقف عن الإنفاق والاستثمار.

الدستور
٢٦-٠٣-٢٠٢٥
- الدستور
إشعار بنكي صحفي!
بسبب سوء التغطية، رداءة الشبكة أو ضغط الاتصالات، من الوارد جدا تلقي مكالمات أو رسائل نصية بالخطأ. يتلقى عدد ليس بقليل من الناس عبر منصات التواصل الاجتماعي، دعوات للتواصل أحيانا بأسلوب لحوح وبجسارة تصل إلى الفظاظة، حتى بلغ الأمر لدى بعض المتطفّلين أو الطُّفَيْليّين درجة الإضافة إلى مجموعات ما أنزل الله بها من سلطان اسما وموضوعا، غير تلك التي يتم المخاجلة فيها على أسس دينية أو وطنية في مواسم يحسن البعض استغلالها.صحيح أن «العُرف أقوى من القانون»، لكن التوافق العام في العالم، هو أن الخطأ مردود، سيما إن كان الكسب أو الضرر فادحا، وعلى نحو غير منطقي. كتلقّي من لا يتجاوز حسابه البنكي مثلا ألف دينار ودخله محدود أو متقطّع، حوالة بعشرات ألوف الدنانير أو عملات شقيقة أو صديقة تضاهي «العملات الصعبة»!قطعا ثمة مسؤولية جنائية حتى وإن تم استرداد المبلغ كاملا بعد اكتشاف الغلط. من البديهي، عدم أحقية لذلك الشخص بالتصرف بذلك المال أو مجرد السكوت عن تلقيه بغير وجه حق. كذلك الحال بالنسبة للرسائل النصية التي تصل إلى «غريب» إن كانت في الأصل رسائل خاصة بين أفراد أسرة أو زملاء شركة أو حتى مجرد دردشة بين طلبة مدارس مراهقين متخاصمين على لعبة فيديو!من المفترض أن يكون أكثر الناس ائتمانا على المال المحاسبون والمدققون الماليون والقائمون على الخزنات والمصارف. ومن المنظور عينه، أجدى الناس باحترام الخصوصية وأمانة الكلمة والمعلومة هم الصحفيون والقائمون على تحمّل أمانة الإعلام وأداء رسالته. فتلك مسألة لا تحتمل الزعم بسبق صحفي، ولا ممارسة دور البطل المزعوم الذي كسّر حواجز الصمت وهشّم أسوار الخوف! للأسف أساء نفر ممن ينتسبون إلى هذه المهنة النبيلة، باسم سرية المصادر والسبق الصحافي والأخبار المثيرة والحصرية والعواجل، وبدعة الصحافة المرافِقة -المنضوية «إمبِدِد جيرنَلِزم» في صفوف الأطراف المتحاربة حتى وإن كانت نظما مارقة أو تنظيمات إرهابية وعصابات إجرامية، أساءوا لصورة الصحافة فجعلوا من رسالة «مهنة البحث عن المتاعب» صنعة أو بالأحرى سلعة البحث عن المكاسب!فساد المنتسبين لأي مهنة فيه أذى للآخرين، لكن بعض المهن فساد منتسبيها بالغ الضرر وفادح الأثر، إلى حد يتجاوز الفساد إلى الإفساد. قد يصح تسمية الصحافة الحرة النزيهة المسؤولة بأسماء برّاقة من طراز «السلطة الرابعة»، لكن دور الصحفي ورسالته في الأساس هي خدمة الحقيقة ولا شيء غيرها. لا مالك المؤسسة أو الشركة الصحفية ولا الجمهور ولا السلطات أي سلطات! ومن باب أولى، الصحافة ليست سلطة رابعة ولا تزاحم أيا من السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، وإلا سقط أهم مبدأ في الديموقراطية وهو الفصل بين السلطات!وفيما يهوى البعض تسميته «فضيحة ووتر غيت الثانية»، من المفيد الانتباه إلى أن مصدرها هو «صحفي» ذي سجل حافل بالأخبار الكاذبة والمضللة. التوقيت يفضح النوايا، حيث تم تفجير الفضيحة عشية انعقاد لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ، لبحث «تهديدات العالم» كما تراها واشنطن. تأخير «التسريب» أو «السبق الصحفي» من منتصف آذار إلى الرابع والعشرين من مارس لا يعني إلا هجوما منسقا بعناية شنه اليسار عبر الصحافة مرة أخرى على إدارة دونالد ترمب الذي بات خبيرا في التعامل مع من وصفهم بأعداء «الأمة الأمريكية»، أولئك الذي يتعمدون سياسات التزييف والتضليل والتحشيد والتشتيت بعد شهرين حافلين بالإنجاز كما تراها الإدارة والجموريين وحركة «ماغا» على وجه الخصوص. سجلّ جيفري غولدبيرغ رئيس تحرير «ذِ أتلانتك» التي وصفها ترمب بالخاسرة والمفلسة، سجل غولدبيرغ حافل بالأخبار الكاذبة المتواطئة مع تيار اليسار المتطرف والعولمة ودعاة الحروب (تغيير النظم وبناء الأمم) من الحزبين الجمهوري والديموقراطي. من ضمن تلك الملفات التي تورط بها شخصيا، أخبار ملفقة عن علاقة ترمب بروسيا، ومكافآت قتل جنود أمريكيين في أفغانستان بتمويل روسي، والافتراء على ترمب بإساءته للمحاربي القدامى والجرحى العسكريين، إضافة إلى الادعاء بأن ترمب يريد جنرالات من حوله كالذين كانوا حول هتلر!لا بل إن العداء المستحكم، يرجع إلى ما قبل ولاية ترمب الأولى وحتى حربي أفغانستان والعراق، عندما زعم غولدبيرغ وروّج لتعاون ثبت افتراؤه جملة وتفصيلا، بين الرئيس العراقي الراحل صدام حسين وتنظيم القاعدة، والذي شكّل إضافة إلى مزاعم أسلحة الدمار الشامل، المبرر السياسي والأخلاقي لإسقاط النظام وغزو العراق.محزن مؤسف الاختطاف الذي تعرضت له إحدى أنبل وأخطر المهن في عالم اليوم. لعلها فرصة تتجاوز التدقيق السيبراني الذي يساعد على التحقيق فيه الآن إيلون ماسك، إلى التدقيق الأمني المشدد لمن يُمنح حق مزاولة مهنة الصحافة. فما جرى خطأ تحمل مسؤوليته بالكامل مايك والتز مستشار الأمن القومي للرئيس وما زال موضع ثقته، كون والتز هو الذي قام بإنشاء المجموعة التي بحثت عبر تطبيق «سغنال» ملف الحوثيين. والتحقيق جار بشكل حثيث سيبرانيا وأمنيا، لمعرفة ما إن كان الخطأ خطأ أحد مساعديه الفنيين -وسط شائعة بلغت حد الاتهام بخيانة الأمانة- أم اختراق (من/أو) بواسطة غولدبيرغ!ليس سرا أن للصحفيين كما لغيرهم مراتب ودرجات للتقييم الأمني، خاصة أولئك القريبين من كبار المسؤولين أو العاملين لدى جهات حساسة من القطاعين العام والخاص، لكن توالي حوادث الخلط بين ما هو صحفي وأمني وسياسي حتى في أعرق الديموقراطيات، يستوجب المراجعة الدورية للمؤتمنين على الكلمة والصورة. فرغم قداسة ومكانة مهن عظيمة كالقضاء والتعليم والصحافة وقادة المجتمع خاصة المؤسسات الدينية، إلا أنها ليست استثناء من الرقابة -الإيجابية الحميدة إن جاز التعبير- حتى تحميها ممن هم خارج المهنة وأحيانا خارج التغطية كليا.. ولنا فيما جرى في «الربيع العربي» المزعوم عبرة كيف تحول الصحفي إلى ناشط وكيف كان كثير من الناشطين والمؤثرين مأجورين بكل ما تعني الكلمة من معنى.وبالعودة إلى العنوان، رصد بعض الإشعارات البنكية والحسابات والحوالات المصرفية، كفيل بتجلية كثير من الأمور. يقال تتبّعْ المال، فتعرف من هو «المايسترو» الخفي لكثير من الفرقعات الإعلامية!

الدستور
١٩-٠٣-٢٠٢٥
- سياسة
- الدستور
صوت أمريكا وصورتها
لا مزدوجين على جانبي الشطر الأول من عنوان موضوعنا اليوم، ولا ينحصر في خبر يعني الصحافيين في المقام الأول، ومن ثم لفيف من العاملين في مجال الدبلوماسية العامة وربما بعض المعنيين بالشؤون الأمريكية وسياسات أمريكا الخارجية. لاعتبارات عدة لا أسمح لنفسي الخوض في قرار إغلاق «صوت أمريكا» و»الحرة» وقريبا «إن بي آر». ربما تلك الوسطى هي أكثر ما يعني منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا المعروفة اختصارا ب «مينا» أو تراه ذلك الشرق الأوسط «الموسّع» الذي تزامن مع توجهات إدارات أمريكية سابقة بتغيير النظم وبناء الأمم! تلك هي الميزة الرئيسية للإدارة الراهنة وعلى نحو أكثر التزاما بأجندتي «ماغا» اختصارا لشعار «لنجعل أمريكا عظيمة مجددا» و»أمريكا أولا». ارتبطت إذاعة «صوت أمريكا» -قبل أن تصير متعددة المنصات واللغات (الوطنية والإثنية وحتى المناطقية)- ارتبطت بمحاربة الشيوعية وتحدي «الستار الحديدي» الذي أقامه جوزيف ستالين الزعيم السوفيتي الأكثر دموية وقمعا في بلاده الاتحاد السوفييتي ومن دار في فلكه في الكتلة الشرقية، حلف وارسو، وجميع النظم والتنظيمات التي سارت على هديه أو بالأحرى بتعليماته وتمويله. شبكة قناة «الحرة» الفضائية ومن قبلها راديو «سوا» وما انضوى تحت مظلة الوكالة الأمريكية للإعلام العالمي «يو إس أيه جي إم» من منصات، جميعها تبث للخارج، فبحسب القانون والثقافة الأمريكية لا يجوز استخدام «البروباغندا» داخل الولايات المتحدة، ولا على المواطنين الأمريكيين والمقيمين وحتى الزائرين لبلاد العم سام. للخروج من هذا المأزق أو حل هذه المعضلة، لم تكن مهمة من يتم استقطابهم للعمل لصالح الوكالة أو أي من قنواتها القيام ب «بروباغندا» بمعناها السياسي أو الفكري السلبي أو العدائي، وإنما العكس تماما. تم التوكيد مرارا بأن «الخدمة المهنية» ما هي إلا مهمة نبيلة يخاطر الصحافيون بحياتهم لأدائها. وتم اختيار البث من داخل أمريكا لهذه الغاية حماية لهم من أي تأثير غير مهني من أي نظام أو تنظيم. وقد تزامنت عمليات تأسيس وبث إذاعة «سوا» وتلفزيون «الحرة» مع تداعيات اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر 2001 وحربي أفغانستان والعراق. الغاية كانت «كسب القلوب والعقول» في معركة محاربة الإرهاب والتطرف، ونشر قيم الديموقراطية والإنسانية، وتقديم الإعلام الحر كبديل عن التلقين والتحريض والتضليل الذي تنتهجه بعض النظم والتنظيمات. مهنيا، المعيار كان تقديم الخبر الصادق والدقيق والرأي الحر –»الرأي والرأي الآخر» بحسب الشعار الذي نحتته القامة الإعلامية الأردنية الكبيرة الأستاذ القدير جميل عازر. لم تكن دعاية سياسية «بروباغندا» لخداع الجماهير أو التلاعب بالوعي أو بحدود الدول، بل كانت بحسب أحد كبار المسؤولين «الصحافة المسؤولة المرتبطة بالمهمة». لذلك تحرص تلك المؤسسات الأمريكية -العامة والخاصة- على نشر ما يعرف بالمهمة «مِشِنْ» حتى تكون الأمور شفافة وبالتالي قابلة للمراقبة والمحاسبة من قبل مجلس إدارة يضم شخصيات من الحزبين الجمهوري والديموقراطي ويرأسه من يشغل حقيبة الخارجية عند بداية تأسيس «الحرة» قبل عقدين. المسألة قد تبدو مالية بحتة، لكنها أكبر وأعمق وأكثر شمولا. ما يجري هو إعادة ضبط الموجة، التردد والصورة.. ما يجري هو إعادة تقديم صوت أمريكا وصورتها وفقا لما سبق ذكره، شعاري «ماغا» و»أمريكا أولا».. للأسف باسم الوصول إلى الجميع، وعدم الاصطدام بمن يصنف بأنه صديق، والإصرار على التصادم مع من يصنف بأنه عدو، و»الحركشة» -حتى لا أستخدم مرادفتها بالعربية الفصحى- بمن اعتبروا في المنطقة الرمادية أولا، ومن ثم اتسعت لتشمل حتى أقرب الحلفاء. حينها بدأت الأصوات بالتعالي مسائلة: هل أضاع البعض البوصلة لدرجة التسبب بالإيذاء الذاتي، وليس فقط هدر دماء وتريليونات رافقت بعض الرؤى الخاصة بالسياستين الدفاعية والخارجية لأمريكا، هذه البلاد العظيمة القائمة على ركيزتي الحرية والعدالة للناس كافة؟ ما جري ويجري على الأقل حتى انتخابات التجديد النصفي للكونغرس أو ما تعرف بالانتخابات التمهيدية يستدعي التفكر والتدبر بما هو قادم، فكثير من القرارات الأمريكية تبدو محلية لكنها عالمية وتخصنا في الصميم، وفي القرارات الأخيرة يقال الكثير فيما يخص الإعلام، والقوة الناعمة وأشياء أخرى قد يسمح المقام ببحثها لاحقا.


العين الإخبارية
٠٦-٠٣-٢٠٢٥
- سياسة
- العين الإخبارية
صانع الملوك.. ترامب جونيور العقل المدبر لإعلام «ماغا»
تم تحديثه الخميس 2025/3/6 07:41 م بتوقيت أبوظبي نفوذ متزايد يحظى به دونالد ترامب جونيور نجل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، حتى بات يوصف بأنه «الرجل القوي» داخل المنظومة الإعلامية لتيار «ماغا» أو «لنجعل أمريكا عظيمة مجددا» اليميني المحافظ. وربما لا يحتاج فهم وتتبع المنظومة الإعلامية المترابطة للتيار إلا لمتابعة دونالد ترامب جونيور، وفقا لما ذكره موقع «أكسيوس" الأمريكي. وقد يكون من الصعب العثور على طريقة لتتبع جميع المصادر الإعلامية لتيار ماغا، لذا فإن الطريقة الأفضل لفهم التيار هي تتبع مصادر القوة والتأثير، وهو ما يعني تتبع دون جونيور الذي يتصل بشكل عميق بكل لاعب رئيسي في الفريق الإعلامي وأيضا بمعظم المنصات المرتبطة به. ويعد دون جونيور (47 عامًا) قناة والده، كما أنه من يهمس لماغا ويترجم عنه. فعلى الرغم من نفوذ الرئيس الأمريكي على التيار إلا أنه لديه نظام إعلامي أكثر تقليدية، ووسائل إعلام موروثة ثقيلة، لكن نجله يتعامل ويسيطر مع كل المنصات. كما أن دون جونيور هو صاحب الفضل في تضخيم الأصوات الأصغر من المؤمنين بماغا مع تأكد والده من رؤيته، حيث يحصل الرئيس على تغريدات مطبوعة يتابعها طوال الوقت، لذا فهو يعرف ما يقوله المؤثرون الأساسيون وأقاربه. واعتبارًا من فبراير/شباط 2025، بات دونالد ترامب جونيور يحظى بعدد ضخم من المتابعين على وسائل التواصل الاجتماعي وتتصدر منصة "إكس" المملوكة لإيلون ماسك المستشار المقرب لترامب قائمة المتابعين لنجل الرئيس حيث يتابعه 14.5 مليون شخص. وفي المركز الثاني، تأتي منصة فيسبوك حيث يتابع 5.6 مليون شخص دونالد ترامب جونيور الذي يتابعه 4.6 مليون شخص على منصة والده للتواصل الاجتماعي "تروث سوشيال" وفي المرتبة الأخيرة يأتي التطبيق الصيني "تيك توك" بـ 2.3 مليون. وإضافة إلى دوره القوي داخل المنظومة الإعلامية فهناك سبب آخر لمراقبة دونالد ترامب جونيور ففي حال نجاح الولاية الثانية لوالده سيصبح هو صانع الملوك مثل جي دي فانس نائب الرئيس وهو إعلامي رائد في ماغا وأحد المقربين للغاية من دون جونيور. كما تجني إمبراطورية ترامب الاقتصادية الكثير من وراء رئاسة ترامب حيث يعتقد بعض المطلعين أن الأرباح يمكن أن تبقي تيار ماغا صامدا إلى الأبد. وهناك ثلاثة شخصيات ضمن تيار ماغا قريبة بشكل خاص من دائرة ترامب هم تاكر كارلسون، تشارلي كيرك من "ترينينج بوينت يو إس إيه" ومات بويل من "بريتبارت". ويوجه بودكاست دون جونيور "Triggered"، الأنظار بشكل كبير إلى مرشحيه المفضلين في جميع أنحاء البلاد، كما تردد أنه يستمتع بإجراء مقابلات معهم في برنامجه، أو ببساطة إعادة نشر تغريداتهم. aXA6IDg5LjM1LjgxLjIwMiA= جزيرة ام اند امز RO


إيطاليا تلغراف
٠٥-٠٣-٢٠٢٥
- أعمال
- إيطاليا تلغراف
«أمريكا أولاً» والانقلاب الكبير في العلاقات الدولية
نشر في 5 مارس 2025 الساعة 7 و 01 دقيقة إيطاليا تلغراف جلبير الأشقر كاتب وأكاديمي من لبنان إن منطق «أمريكا أولاً» الذي تبنّاه التيار النيوفاشي الأمريكي المعروف باسم «ماغا» ـ وهي التسمية الأوائلية الإنكليزية لشعار حملة دونالد ترامب المعروف: «اجعل أمريكا عظيمة من جديد» ـ قد يبدو عقلانياً لمن لا دراية له في التاريخ الاقتصادي للعلاقات الدولية. فحسب ترامب وأتباعه، أنفقت أمريكا أموالاً طائلة في حماية حلفائها، على الأخص الدول الغنية بينهم، أي دول الغرب الجيوسياسي (أوروبا واليابان بوجه خاص) والدول النفطية العربية الخليجية. وقد حان وقت تسديد الديون: فعلى كافة هذه الدول أن تسدد الفاتورة بتصعيد استثماراتها في الولايات المتحدة ومشترياتها منها، لاسيما مشترياتها من السلاح (وهو ما يقصده ترامب بضغطه المستمر على الأوروبيين كي يزيدوا نفقاتهم العسكرية). ويندرج هذا كله بصورة طبيعية في المنطق الاتجاري (المركنتيلي) المنسجم مع التعصّب القومي المميّز للأيديولوجيا النيوفاشية (أنظر «عصر الفاشية الجديدة وبما يتميّز» القدس العربي، 04/02/2025). هكذا، يبدو وكأن الإنفاق العسكري الأمريكي الذي فاق حقاً ليس إنفاق حلفاء أمريكا وحسب، بل كاد يعادل في وقت ما إنفاق كافة دول العالم الأخرى مجتمعة، إنما هو تضحية كبرى لصالح الغير. وحسب المنطق ذاته، يبدو العجز الكبير في الميزان التجاري الأمريكي وكأنه ناجم عن استغلال الآخرين لطيب خاطر الولايات المتحدة، بحيث يودّ ترامب تقليصه بفرض الرسوم الجمركية على كافة الدول التي تصدّر إلى أمريكا أكثر مما تستورد منها. وهو بذلك يريد أيضاً زيادة مدخول الدولة الفدرالية تعويضاً عن إنقاصه له بفعل تقليص الضرائب على الأغنياء وعلى الرأسمال الأمريكي. أما الحقيقة التاريخية فمغايرة تماماً لهذا التصوير المبسطّ للأمور. أولاً، كانت النفقات العسكرية الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية، ولا تزال، عاملاً رئيسياً في الدينامية الخاصة بالاقتصاد الرأسمالي الأمريكي، الذي استند مذّاك إلى «اقتصاد حربي دائم» (ثمة شرح مستفيض لهذا الموضوع في كتابي «الحرب الباردة الجديدة: الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين، من كوسوفو إلى أوكرانيا» درا الساقي، 2024). وقد لعبت النفقات العسكرية، ولا تزال، دوراً كبيراً في ضبط مسار الاقتصاد الأمريكي وفي تمويل البحث والتطوير التكنولوجيين (كان هذا الدور الأخير بارزاً في الثورة المعلوماتية، وهو الحقل الذي أعاد أمريكا إلى الصدارة التكنولوجية بعد الأفول النسبي لصناعاتها التقليدية). ثانياً، اندرجت الحماية العسكرية التي وفّرتها الولايات المتحدة لحليفاتها في أوروبا واليابان وللدول العربية الخليجية في علاقات من الطراز الاقطاعي، حيث قدّمت هذه الدول للسيد الاقطاعي الأمريكي امتيازات اقتصادية جمّة، فضلاً عن مشاركتها في المنظومة العسكرية التي حصر إدارتها بين يديه. فالحقيقة مناقضة كلياً لتصوير ترامب وأعوانه لعلاقات الولايات المتحدة بحليفاتها وكأنها قائمة على استغلال هؤلاء لها. فإن الواقع هو العكس تماماً، إذ فرضت على حليفاتها، لاسيما على الدول الغنية بينها، نمطاً من العلاقات الاقتصادية استغلتها من خلاله، وعلى الأخص من خلال فرضها لدولارها كعملة دولية، بحيث موّلت الدول الحليفة بصورة مباشرة وغير مباشرة العجز في الميزان التجاري الأمريكي وفي ميزانية الدولة الفدرالية. وقد عادت باستمرار دولارات العجز التجاري الأمريكي، ومعها موارد شتى البلدان بالدولار، تنضخّ في الاقتصاد الأمريكي، بعضها في تمويل الخزينة الأمريكية مباشرة. هكذا عاشت الولايات المتحدة، ولا تزال، فوق امكانيتها الخاصة بكثير، الأمر الذي ينجلي في حجم عجزها التجاري الذي ناهز ألف مليار دولار في العام المنصرم وحجم مديونيتها الهائل الذي يزيد عن 36 ألف مليار دولار، بما يساوي 125 في المئة من ناتجها المحلّي الإجمالي. فالولايات المتحدة هي النموذج الأعلى للمستدين الكبير والقوي الذي يعيش على نفقة الدائن الثري في علاقة سيادة للأول على الثاني، بدل أن يكون العكس. وحتى إزاء أوكرانيا، فإن ما قدّمته الولايات المتحدة لذلك البلد حتى الآن، ويبلغ 125 مليار دولار (بعيداً عن أرقام ترامب الخيالية، حيث يدّعي أن بلاده أنفقت 500 مليار دولار في هذا الصدد) يعادل ما قدّمه الاتحاد الأوروبي وحده (والحال أن الناتج المحلّي الإجمالي الأوروبي أقل من الأمريكي بحوالي 30 في المئة) فضلاً عمّا قدّمته بريطانيا وكندا وسواهما من حليفات أمريكا التقليدية. والحقيقة أن ما أنفقته الولايات المتحدة في تمويل مجهود الأوكرانيين الحربي خدم سياستها الرامية إلى إضعاف روسيا بوصفها منافِسة إمبراطورية لها. ذلك أن واشنطن هي المسؤولة الأولى عن صنع الظروف التي يسّرت التحوّل النيوفاشي في روسيا وأدّت إلى غزو جارتها، إذ تعمّدت تسعير العداء لروسيا وللصين بعد الحرب الباردة من أجل توطيد تبعية أوروبا واليابان لها. لكن عندما يقرّ ترامب وفريقه بمسؤولية الإدارات الأمريكية السابقة فيما آل إلى غزو روسيا لأوكرانيا، لا يفعلون ذلك حباً للسلام كما يزعمون نفاقاً (وموقفهم من فلسطين خير دليل على نفاقهم) بل في سياق انتقالهم من اعتبار روسيا دولة إمبريالية منافِسة، وهو النهج الذي اتبعته واشنطن بصورة متصاعدة الحدّة منذ تسعينيات القرن الماضي بالرغم من انهيار الاتحاد السوفييتي وعودة روسيا إلى حظيرة النظام الرأسمالي العالمي، انتقالهم من ذلك إلى اعتبار حكم بوتين شريكاً لهم في النيوفاشية، يتطلعون إلى التعاون معه في تعزيز تيار أقصى اليمين في القارة الأوروبية والعالم، فضلاً عن الاستفادة من السوق الكبيرة والموارد الطبيعية العظيمة التي لدى روسيا. وحيث يرون في الحكومات الليبرالية الأوروبية خصماً أيديولوجياً ومنافِساً اقتصادياً في الوقت نفسه، يرون في روسيا دولة حليفة أيديولوجياً ليس بوسعها منافستهم اقتصادياً. أما الصين فهي في نظر ترامب وفريقه الخصم السياسي والمنافس الاقتصادي والتكنولوجي الأعظمين، وقد جارى هذا النهج الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن بحيث أرسى تواصلاً بين ولايتي ترامب الأولى والثانية في موضوع العداء للصين. وإذ يتمنّى فريق ترامب فصل موسكو عن بيجين، مثلما انفصلت الصين عن الاتحاد السوفييتي في سبعينيات القرن الماضي وتحالفت مع الولايات المتحدة، لن يغامر بوتين بولوج هذا الدرب ما دام ليس متأكداً من ثبات الفريق النيوفاشي الأمريكي في إدارة بلاده. والسؤال الكبير الآن هو إذا ما كان المحور الليبرالي الأوروبي مستعداً حقاً للسير على درب التحرر من الوصاية الأمريكية، الأمر الذي يتطلّب وقف مجاراته لواشنطن في مخاصمة الصين وتوطيده لعلاقات تعاون معها. كما يقتضي هذا الأمر استعداد الدول الأوروبية للعمل بالقانون الدولي والمساهمة في تعزيز دور الأمم المتحدة وسائر المؤسسات الدولية، وهما أمران لا تنفك بيجين تنادي بهما. وبالطبع فإن مصلحة أوروبا الاقتصادية لجلية في هذا الصدد، لاسيما مصلحة أكبر اقتصاد أوروبي، ألا وهو الاقتصاد الألماني الذي تربطه بالصين علاقات كثيفة. وتضاف إلى الصورة المفارقة التي تتمثل في أن الصين باتت تلتقي مع الأوروبيين في الدفاع عن حرية التجارة العالمية في وجه النهج الاتجاري الذي اعتمده ترامب وفريقه، كما تلتقي معهم في الدفاع عن السياسات البيئوية في وجه نقضها المصحوب بإنكار التغير المناخي الذي يميّز شتى النيوفاشيين. فإن المواقف الحادة التي أعرب عنها رئيس الوزراء الألماني القادم، فريدرش ميرتس، في نقده لواشنطن ودعوته إلى استقلال أوروبا عن أمريكا، لو تجلّت في سعي فعلي لسلوك هذا الدرب، قد تنعكس في موقف الاتحاد الأوروبي من الصين، لاسيما أن الموقف الفرنسي مائل في الاتجاه ذاته. كل هذه الأمور تؤكد احتضار النظام الليبرالي الأطلسي ودخول العالم في مرحلة عاصفة من خلط للأوراق، لا زلنا في بدايتها. وسوف يكون لانتخابات الكونغرس الأمريكي في العام القادم، دور كبير في دفع هذه السيرورة إلى الأمام أو كبحها، حسب ما تؤدي إليه من تمتين للهيمنة النيوفاشية على المؤسسات الأمريكية أو إضعافها. هذا وقد بدأ التيار النيوفاشي الأمريكي يقلّد أمثاله في دول شتى من العالم في قضم تدريجي للديمقراطية الانتخابية ووضع اليد على مؤسسات الدولة الأمريكية سعياً وراء إدامة تحكمه بها. السابق 'وصفة غزة' الأميركية لا تخدم السلام وهذه رؤية الصين للعدالة التالي فيضان في جاكرتا يجبر المئات على إخلاء مساكنهم