logo
#

أحدث الأخبار مع #«وعدبلفور»،

السّياق الدولي والإقليمي للعدوان «الإسرائيلي» على سورية
السّياق الدولي والإقليمي للعدوان «الإسرائيلي» على سورية

قاسيون

time٠٤-٠٥-٢٠٢٥

  • سياسة
  • قاسيون

السّياق الدولي والإقليمي للعدوان «الإسرائيلي» على سورية

محاولة فهم السلوك «الإسرائيلي» انطلاقاً من الاعتبارات والإحداثيات المحلية السورية وحدها، هي محاولة محكومة بالفشل، ولا تسمح بالوصول إلى نتائج حقيقية يمكن البناء عليها؛ ولذا فإن من الضروري توسيع فتحة البيكار نحو وضع «إسرائيل» نفسها على المستوى الدولي والإقليمي، وبما يفتح الباب أمام توقع سلوكها اللاحق وكيفية التعامل معه. السّياق الدولي لم يعد الحديث عن تغير ميزان القوى الدولي حديثاً مستهجناً كما كان قبل عقدين من الزمن، رغم أنه كان صحيحاً في حينه في إطار استشراف الآتي، استناداً إلى حركة الوقائع الاقتصادية والسياسية والعسكرية. اليوم، يكاد يجمع كل من يحاول قراءة التغيرات العالمية، على أن الولايات المتحدة والغرب عموماً يعيش حالة تراجع على كافة المستويات، في حين تصعد قوى أخرى اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً، وعلى رأسها الصين وروسيا، وتجمع بريكس ككل، والذي بات يسهم بـ37% من الناتج العالمي، مقابل 29% لمجموعة السبع الكبار الغربية، وكما هو معروف فإن السياسة هي تكثيف للاقتصاد، والحرب هي امتداد للسياسة بوسائل أخرى؛ ما يعني أن جذر القوة وأساسها هو الجذر الاقتصادي الذي يمكن على أساسه توقع المكانة السياسية والعسكرية التي يمكن أن تحوزها دولة من الدول، أو مجموعة من المجموعات الدولية المتحالفة. رغم ذلك، أي رغم الإقرار واسع النطاق بأن التوازن الدولي القديم قد تغير بشكلٍ حاد بالضد من مصلحة الغربي والأمريكي، إلا أن الوصول إلى النتائج المترتبة على هذا التغير ليس متيسراً طوال الوقت بالنسبة لجميع الناس... بكلام أوضح، فإنك تجد الشخص نفسه الذي يقر بتراجع الولايات المتحدة اقتصادياً وسياسياً أمام الصين مثلاً، يعود في مكان آخر، وعند نقاش قضية على المستويات الإقليمية أو المحلية، إلى الانطلاق من فكرة أن الأمريكي هو المتحكم، وهو صاحب الكلمة الفصل في كل ما جرى وسيجري، وكأن هذه «البداهة» أو «المسلمة» القائلة بسيادة الأمريكي والغربي على عالمنا، هي بداهة غير قابلة للنقاش أو التغيير... وهذا بالضبط ما يجري حين نقاش الوضع «الإسرائيلي» خصوصاً. من المفيد في هذا السّياق التذكير بطبيعة تموضع الكيان «الإسرائيلي» في إطار توزيع القوى الدولي، وفي إطار صراع القوى على المستوى العالمي، لأن الكيان لم يكن في أي يومٍ من الأيام دولة طبيعية، بل كان دائماً أقرب إلى مشروع عسكري/تجاري داخل منطقتنا. الإحداثيات الأساسية لهذا المشروع تتكثف بالتالي: أولاً: سواء أيام نابليون بونابرت حين ظهرت الصيغة الأقدم من «وعد بلفور»، أو أيام الإنكليز في منطقتنا، ومن ثم على أيام السطوة الأمريكية، فإن المشترك كان دائماً هو حاجة القوى الاستعمارية المحيطية (قوى أعالي البحار)، إلى نقطة ارتكاز في منطقة شديدة الحيوية بالنسبة لطرق التجارة والسيطرة العالمية، والمتمثلة في منطقتنا ككل، وخاصة الشام بمعناها الواسع. ثانياً: الوظيفة الأساسية لنقطة الارتكاز هذه، (أو أكبر حاملة طائرات على البر كما يسميها بايدن) هي تكريس عملية الفصل بين القوى القارية، بحيث تبقى خطوط التجارة الأساسية بحرية، وبحيث يبقى البر متخلفاً ومتقطعاً، وبحيث تبقى العلاقات بين الدول القارية المختلفة محكومة بالصراع، بمقابل تركيز كامل نشاطها الاقتصادي عبر السواحل ونحو أوروبا والولايات المتحدة لاحقاً. ثالثاً: وجود قوة عسكرية عدوانية في قلب المنطقة، يفترض حالة مستمرة من الاستنزاف الاقتصادي لمصلحة الجهد الحربي، ويعيق عملية التنمية بشكل كبير، ويسمح تالياً بتكريس دور هذه الدول بوصفها تابعاً بالمعنى الاقتصادي، ودولاً طرفية من وجهة نظر الاستعمار الحديث الاقتصادي؛ أي يكرس عملية التبادل اللامتكافئ التي تتحول بموجبها دولنا إلى مجرد مصدر للمواد الخام، ومستهلك للمواد المستوردة المصنعة، وربما الأخطر إلى مصدر مستمر لقوة العمل الماهرة والكفوءة، وخاصة لحملة الشهادات الجامعية. رابعاً: تسمح عملية التهديد العسكري المستمر، بإفساح المجال واسعاً أمام شعارات من طراز «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة»، وتسمح ببناء أنظمة ذات طابع عسكري وقمعي، تنتهي إلى أنظمة أمنية وفاسدة تكرس تخلف شعوبها ودولها بشكل إضافي، وتكرس تالياً تبعيتها للغرب ولمنظومة النهب عبر التبادل اللامتكافئ. هذه الوظائف كلها، وغيرها، تساهم «إسرائيل» في إنجازها، بمجرد وجودها في منطقتنا ككيان عسكري وعنصري معتدٍ. ما الذي تغير في السّياق الدولي؟ إذا كانت الوظائف الأربع التي ذكرناها أعلاه، هي جوهر الوجود الصهيوني في منطقتنا، فإنه من الضرورة بمكان إعادة النظر بهذه المهام في ظل التوازن الدولي الجديد. وكي نستطيع القيام بذلك، ينبغي أن نحدد بعض السمات الأساسية في التوازن الدولي الجديد، ولعل أهمها ما يلي: أولاً: دخلت عملية تصدير رأس المال باتجاه آسيا، طوراً متسارعاً منذ الستينيات (رأس المال كان يهاجر من البلدان الغربية باتجاه شرق آسيا خاصة، بحثاً عن الربح الأعلى، وبسبب عمل قانون اقتصادي موضوعي، هو انخفاض معدل الربح مع تعقد التركيب العضوي لرأس المال). ثانياً: عملية الهجرة هذه، كانت تعني أن الدول التي تتم هجرة رؤوس الأموال نحوها، قد بدأت بالتطور تدريجياً على مستوى البنى التحتية، وعلى المستوى العلمي والأكاديمي والتكنولوجي، ولكن مع ذلك فإن القسم الأكبر من الأرباح كان يجري شفطه باتجاه الغرب. ثالثاً: آليات شفط الربح نحو الغرب كانت متعددة ومتراكبة، ولكن أهمها على الإطلاق كان متمثلاً بالمنظومة الدولارية المتكاملة، ابتداء من الدولار عملة عالمية، إلى الدولار عملة احتياط لدى عدد كبير من دول العالم، ومروراً بمنظومة سويفت وبمنظمة التجارة العالمية، وسياسات صندوق النقد والبنك الدوليين، والتي تصب جميعها في مكان واحد هو تعظيم الربح بالنسبة للمركز الغربي وتقليله بالنسبة للأطراف. رابعاً: مع تعمق عمليات الإنتاج في آسيا، بدأ تطور تكنولوجي كبير بات ينافس التطور التكنولوجي الغربي، ووصل حد التفوق المطلق عليه في عدد كبير من المجالات المفتاحية. وبالتوازي بنت الصين ترسانة عسكرية ضخمة، بحيث لم يعد من الممكن ابتزازها عسكرياً، أو حتى التفكير بمحاولة إخضاعها عسكرياً. خامساً: وصلنا إلى وضع لم يعد من المنطقي فيه بالنسبة لعدد كبير من الدول أن تستمر عملية النهب عبر المنظومة الدولارية؛ وعلى هذا الأساس بدأت تظهر تحالفات جديدة أهمها بريكس، وبدأت تعمل بشكل جدي على منظومات دفع جديدة، وعلى منظومات تبادل ومقاصة تتجاوز فيها سويفت والدولار الأمريكي. سادساً: لاستكمال هذه العملية، بدأت الدول القارية باستعادة الروابط البرية فيما بينها، ومشروع الحزام والطريق والمشروع الأوراسي أهم مثالين على هذه السياسة، المعاكسة جذرياً لسياسة السيطرة المحيطية عبر البحار التي انتهجتها الدول الغربية طوال 400 عام تقريباً. وما الاستنتاج؟ يمكن أن نستنتج من هذا السرد الطويل، أن الوظيفة التي لعبها الكيان الصهيوني طوال عقود عديدة، باتت معاكسة تماماً للاتجاه الموضوعي التاريخي لتطور الأحداث في منطقتنا وفي العالم، ما يعني أن هذه الوظيفة نفسها محكومة بالانهيار والتداعي... ولما كان جوهر هذا الكيان هو وظيفته، (لأنه لم يكن في يوم من الأيام دولة طبيعية بالمعنى المعروف كما أسلفنا)، فإن وجود هذا الكيان نفسه بات مهدداً. السّياق الإقليمي فلنحاول إلقاء نظرة على السياق الإقليمي وتحولاته ابتداء من خمسينيات القرن الماضي، وبشكل مكثف: أولاً: منذ قيام الكيان، توزعت القوى الإقليمية في منطقتنا ضمن أحلاف متعادية، كان بين أولها حلف بغداد الذي ضم جنباً إلى جنب إيران وباكستان والولايات المتحدة وبريطانيا والعراق (الذي انسحب بعد 3 سنوات)، في مواجهة مصر وسورية باعتبارهما حليفتين للاتحاد السوفييتي. ثانياً: كانت «إسرائيل» عضواً غير معلن في حلف بغداد، ولعبت أدواراً أساسية ضمنه طوال فترة وجوده. ثالثاً: بعد الثورة الإيرانية عام 1979، أعيد ترتيب الاصطفاف الإقليمي بحيث تغيرت خطوط العداوات، ولكن المهم هو أن دول المنطقة بقيت منقسمة على نفسها ومتعادية، إلى ذلك الحد الذي يمكن القول معه إنه لم يمر يوم عبر التاريخ السوري الحديث، كان فيه الوضع طبيعياً على حدود البلاد من جهاتها الأربع؛ فالعلاقة مع العراق كانت دائماً متوترة، وكذلك مع تركيا إلا فيما ندر، وحتى مع لبنان والأردن، وبطبيعة الحال باتجاه الكيان. رابعاً: قبل سنوات قليلة، ومع ما سمى اتفاقات السلام الأبراهيمي، تمت إعادة تشكيل الاصطفافات مرة أخرى، بحيث تبدو الدول العربية متحالفة مع الكيان في وجه إيران بشكل مباشر، وتركيا بشكل غير مباشر. خامساً: خلال السنوات القليلة الماضية، وابتداء من التسوية السعودية الإيرانية برعاية صينية، بدأنا برؤية لوحة جديدة وغير مسبوقة خلال مئة عام على الأقل؛ وهي جملة من التسويات المتلاحقة شملت إيران وتركيا ومصر ودول الخليج العربي وعلى رأسها السعودية. هذه التفاهمات والتوافقات، ورغم أنها ليست مكتملة، إلا أنها تضع أساساً مختلفاً لكتابة تاريخ المنطقة بأسرها؛ فمجرد الوصول إلى حد أدنى من التفاهمات بين هذه الدول، يعني أن وظيفة الكيان قد تم سحقها من حيث الجوهر، وأننا بتنا حقاً في ظلال توازن دولي جديد تسود فيه القوى القارية لا المحيطية، وسيادة القوى القارية تتطلب علاقات حسن جوار تسمح لخطوط التجارة والتنمية والبنى التحتية المتطورة بالمرور عبر الأراضي الشاسعة لهذه الدول. سادساً: يمكن أن ننتبه أيضاً إلى مبادرة أوجلان بوصفها مؤشراً هاماً على طبيعة المرحلة التي نعيشها؛ فالقضية الكردية العالقة منذ مئة عام، والتي خلقتها اتفاقية سايكس بيكو، تصبح للمرة الأولى على طاولة الحل الجدي، والذي من شأنه أن ينتزع صاعق تفجير مستمر كان يتم استخدامه غربياً بشكل مستمر للحفاظ على حالة التوتر بين دول المنطقة، ولقطع الطريق على أي استقلالية نسبية عن الغرب بالمعنى الاقتصادي والتجاري والسياسي. خلاصة أولية في إطار هذه التحولات الكبرى على المستوى الدولي والإقليمي، ناهيك عن الأزمات الداخلية ضمن الكيان، فإن المعركة التي يخوضها الكيان ليست معركة توسع أو عجرفة بحتة كما قد يتصور البعض، أو كما قد يحاول الصهيوني نفسه تصوير الأمر... المعركة التي يخوضها الكيان هي معركة وجودية، يسعى من خلالها إلى تغيير التوازن على المستوى الإقليمي، وبما يسمح بتغيير التوازن على المستوى الدولي، ليعكس سير عجلة التاريخ، أو يؤخره على أقل تقدير... والمنفذ الوحيد بالنسبة للكيان، هو التنفيذ الكامل لـ«مشروع الشرق الأوسط الجديد»، أي عبر تفجير وتقسيم ليس فقط سورية، بل المنطقة كلها، وضمناً تركيا ومصر والسعودية وصولاً إلى إيران. بهذه الطريقة فقط يمكن أن يتم عكس اتجاه عجلة التاريخ؛ لأن هذا الأمر في حال تحقق، يمكنه أن يؤثر فعلاً على التوازن الدولي، وإن بشكل مؤقت فحسب... الانكفاء الأمريكي و«إسرائيل» لم يعد الحديث عن سياسات الانكفاء الأمريكية مجرد وعود انتخابية يطلقها ترامب، بل باتت واقعاً ملموساً نرى علاماته في أوكرانيا، وفي تايوان، وربما أهم من ذلك كله، في ملف الرسوم الضريبية والحمائية الاقتصادية. إن من طبيعة الأمور أن تضطر القوى المتراجعة اقتصادياً إلى ترشيد إنفاقها، بحيث تتمكن من إدارة الموارد المتراجعة بما يحقق الوظائف المطلوبة. وبهذا المعنى فالأمريكي في طور تراجع حاد وواضح، وهو مضطر لترشيد إنفاقه حول العالم، وخاصة الإنفاق العسكري، وإذا كان الكلام ينطبق على القواعد العسكرية الأمريكية حول العالم، فهو ينطبق بالضرورة على «إسرائيل» بوصفها واحدة من أكبر القواعد العسكرية الأمريكية في العالم. يتضح هذا الأمر من اتجاه ترامب نحو التفاوض مع إيران بما يخص الملف النووي، وفي بداية انسحابه عسكرياً من سورية... هذا لا يعني بطبيعة الحال أن الأمريكي سيترك كل شيء ويمضي... ولكنه بالتأكيد سيحاول أن يترك وراءه أكبر خراب ممكن، بما في ذلك عبر بث الروح في داعش... يضاف إلى ذلك أن الاتجاه الانكفائي، يعني بالضرورة أن الحرب على غزة باتت في نهاياتها، ولا يمكن لها أن تستمر طويلاً، خاصة وأن أياً من أهدافها لم يتحقق... ما يعني أن على «الإسرائيلي» البحث عن جبهة جديدة بديلة، وبأسرع وقت، والخاصرة الأضعف في كل المنطقة حالياً هي سورية... السياسة «الإسرائيلية» تجاه سورية من هنا، يمكن فهم درجة الشراسة التي تتعامل فيها «إسرائيل» مع الملف السوري... فالمنطق البسيط يقول: إن سورية بوضعها الحالي لا تشكل خطراً عسكرياً أو أمنياً من أي نوع على الكيان، ومع ذلك، فالمطلوب من وجهة نظر الكيان هو دفعها نحو حرب داخلية طاحنة على أسس طائفية ودينية وقومية، بما يمهد لتقسيمها، وبما يمهد لتحويلها إلى صاعق تفجير لكل المنطقة، وضمناً تركيا والعراق ومن ثم مصر... هذه الاستهدافات ليست ناتجة عن عقل مريض، بل عن عقل يفهم جيداً الوظيفة الصهيونية في المنطقة، ويفهم أن ذهاب المنطقة نحو الاستقرار يعني بالضرورة انتفاء تلك الوظيفة، وتالياً انتفاء «الكيان» نفسه، وربما أهم من ذلك على المستوى الدولي، أنه يعني خسارة نهائية لأصحاب مشروع السيطرة العالمية الشاملة... الذين يملكون الفيدرالي الأمريكي والمافيات التجارية الكبرى عالمياً... بكلام آخر، فإن مجرد الاستقرار في سورية هو أمر قاتل بالنسبة للكيان... رغم ذلك فإن الوصول إلى الاستقرار ليس بالأمر الهين مع أن مفتاحه واضح، وهو تجميع وتوحيد الشعب السوري... وتوحيد الشعب السوري يتطلب حواراً ومشاركة حقيقية ومؤتمراً وطنياً عاماً وحكومة وحدة وطنية، ويتطلب القطع نهائياً مع العقليات الطائفية الضيقة التي تخدم الصهيوني بأشكال مباشرة وغير مباشرة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store